المقدمة

مقدّمة الجمعيّة
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل منه في كل يوم خمس مرات, أكان يبقى في جسده من الدرن (الوسخ) شيء؟ قلنا: لا, قال:"فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاري, كلما صلى صلاة كفَّرت ما بينهما من الذنوب".

إنَّ إدراك معاني الصلاة من أقوال وأفعال يساهم بشكل رئيسي في تحقيق بركات الصلاة وأثارها من طهارة للنفس, وإزالة ما يعلق بها من الدنيا وشواغلها, لذا دأبت جمعية المعراج لإقامة الصلاة على إعداد وتنفيذ برامج تهدف إلى بيان معاني الصلاة، ومن ضمن هذه البرامج إعداد وإصدار الكتب اللازمة في هذا المجال.

وهذا الكتاب الذي بين أيديكم من تأليف سماحة العلامة الشيخ محسن قراءتي أصدره ونشره باللغة الفارسية، وتعميماً للفائدة قمنا بتعريبه وإصداره تحت إسم "شرح الصلاة", باعتباره محققاً للغرض المطلوب، فهو كتاب شامل مبسط يُبيّن أبعاد الصلاة وفوائدها, منافعها وآثارها بأسلوب سلس يتناسب مع الأذواق المختلفة, وينتفع به ذوو المستويات المتفاوتة, كما أنه يجمع بين أبعاد الصلاة الروحية, التربوية, الإجتماعية وغيرها, مضافاً إلى اشتماله على بيان معانيها, كما إنه يتدرج في العرض لمطالبه من بيان مقدمة حول العبادة والعبودية ليتعرض تفصيلاً بالنحو المناسب لكل واجبات الصلاة وأجزائها، كما يتميز هذا الكتاب بطريقة العرض الشيّقة التي تأخذ القارئ إلى عمق المعنى.

على أمل أن نكمل سلسلة النشر لكل الإصدارات المحققة لغرض إقامة الصلاة وتأصيلها في سلوك المؤمنين.

جمعية المعراج لإقامة الصلاة

المقدّمة1
تتوقّف إقامة الصلاة بالطريقة العظيمة التي تستحقّها هذه الشعيرة الدينيّة، على مجموعة من الإجراءات منها نشر بعض الكتب والمقالات التي تبيّن أهميّة الصلاة وتكشف عن بعض أسرارها ودلالات أفعالها.

هذا ولكنّ نشر ثقافة الصلاة في المجتمعات الإسلاميّة، يتوقّف على إجراءات تختلف من بلدٍ إلى بلدٍ، بحسب ظروف البلاد وأوضاعها الاجتماعيّة والثقافيّة. وقد شهد المجتمع الإسلاميّ في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم انتشار مثل هذه الثقافة حتّى تحوّل مكان الصلاة إلى مكانٍ لكثير من الأمور الاجتماعيّة مثل: القضاء، والتعليم، والدعوة، والإعلام، والتجمّع للانطلاق إلى ساحات الجهاد، ومأوى المهاجرين، ومركز مساعدة الفقراء، بل وحتّى عقود الزواج كعقد السيّدة الزهراء عليها السلام.

ممّا يروج ثقافة الصلاة:

ومع تغيّر الأوضاع الاجتماعيّة في عصرنا الراهن، ثمّة اقتراحات يمكن تقديمها لترويج ثقافة الصلاة في المجتمعات المعاصرة، منها:
1- نشر صور عن صلاة الجماعة بإمامة شخصيّات مرموقة ومحبوبة اجتماعيًّا.

2- إقامة الرياضيّين صلاة الجماعة في أماكن عامّة مثل الملاعب الرياضيّة ونشر صورها.

3- اختتام الاجتماعات العلميّة والثقافيّة كالمؤتمرات والندوات بصلاة الجماعة.

4- الدعاء بعد صلاة الجماعة للمرضى الذين لا يقدرون على المجيء إلى المسجد، وهذا يدعو أقاربهم إلى المشاركة طمعًا بتذكير المصلّين بالدعاء لمرضاهم.

5- تثقيف الشباب على أن الصلاة والإلتزام بها من المعايير الأساس لاختيار الزوجين.

6- عقد احتفالات تكريم الطّلاب المتفوّقين في المساجد وتعليق صورهم في المساجد.

7- تولّي الشباب ذوي الأصوات الحسنة بعض الأنشطة المسجديّة مثل الأذان والإقامة.

8- تشجيع الشباب على كتابة مقالات قصيرة وقراءتها في المساجد على المصلّين.

9- تشجيع الأطباء ذوي الخبرة والراغبين في الخدمة العامّة على معاينة المصلّين مجّانًا.

10- تأسيس صناديق للقرض الحسن في المساجد وتخصيص ميزانيّاتها لإقراض المصلّين، عملًا بقوله تعالى: ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ، ليعيش المصلّون هذه الحالة.

11- تحويل المسجد في بعض الأوقات إلى مدرسة لتعليم الطلّاب الذين يحتاجون إلى دعم تعليميّ، ليشعر الجيل الشابّ أنّ المسجد محلٌّ لحلّ مشاكله التعليميّة.

12- فتح أبواب المساجد ليلًا نهارًا واستغلال الأوقات في المطالعة والنقاش وعقد اللقاءات، بطريقة لا تُزعج المصلّين.

13- جمع زكاة الفطرة يوم عيد الفطر في المساجد وتسليمها إلى إمام المسجد ليتولّى توزيعها على الفقراء من المصلّين ليُسْهم المسجد في التخفيف عن كاهل الفقراء.

14- التزام إمام الجماعة بالحضور اليومي المنظّم إلى الصلاة، بل زيادة أوقات حضوره في المسجد عن أوقات الصلاة.

15- تكريم الجيل الشابّ في المساجد يحوّل الصلاة ومكانها إلى محلٍّ محبّب إلى نفوس هذا الجيل.

17- تقديم هدايا من المسجد بواسطة الإمام واللجنة المشرفة على إدارة المسجد، إلى المتزوّجين الجدد من جيران المسجد، وهذا يربط الزوجين بالمسجد والمصلّين ويشجّعهما على التردّد إلى المسجد.

18- عيادة المصلّين المرضى الذين يتغيّبون عن الصلاة يشدّ أواصر العلاقة بين المصلّين.

ما يقرّب الصلاة من أعماقها:
تقرب إقامة الصلاة من معناها الواقعيّ ومن الحالة التي يريدها الله لها:
1- إذا لم يكتفِ المصلّون بالصلاة الظاهريّة وأدّوها دون الالتفات إلى الكمالات التي تترتّب عليها.

2- إذا لحظت الأموال والميزانيّات التي تُنفق على النهي عن المنكر على تأمين الظروف المساعدة على إقامة الصلاة.

3- إذا صُرفت بعض الأموال التي تُنفق على الكتب وغيرها من الأعمال التي تهدف إلى بناء الإنسان، على الصلاة والاهتمام بإقامتها.

4- إذا خُصّص بند من الميزانيّات المخصّصة للأعمال الثقافيّة للصلاة وما يرتبط بها.

5- إذا التفت الفنّانون والناشطون في الحقل الثقافيّ وعملوا على بيان أسرار الصلاة بطريقة تقرّبها من أذهان الناس وقلوبهم.

إذا فعلنا هذه الأمور جميعًا نقترب قدر المستطاع من الحالة التي يريدها الله لإقامة الصلاة، وإلا فإنّنا نسير في الاتّجاه المعاكس، أي نحو الاستخفاف بالصلاة، وهو الأمر الذي حذّرنا منه الإسلام ونهانا عنه.

لا تكن من هؤلاء:

ومن مظاهر الاستخفاف بالصلاة في بعض المجتمعات الإسلاميّة:
• أنّ بعض الأشخاص لا يعرفون كيفيّة الصلاة.
• وبعضهم لا يعرفون شروط صحّتها.
• وآخرون لا يعرفون شروط قبولها.
• وكثيرون لا يصلّونها في أوّل وقتها.
• وجماعة من الناس لا يهتمّون بصلاة أبنائهم.
• وثمّة عددٌ من الناس لا يعنيهم صوت المؤذّن وكأنّهم لا يسمعونه.
وبعض الناس يصلّون في أسرع وقت ممكن وأقصره، فينطبق عليهم ما ورد في الحديث عن تشبيه صلاة المستعجل بنقر الغراب.

وما أكثر من يرجّح كثيراً من أعماله ويُقدّمها على الصلاة.

وهذه كلّها مظاهر لداء الاستخفاف بالصلاة، ومجتمعاتنا مبتلاة بها، مع أنّ الإمام الصادق عليه السلام منذ قرون جمع أقاربه عند احتضاره وقال لهم: "إِنَّ شَفَاعَتَنَا لَا تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلَاةِ"2.

تمنّيات

آمل أن يأتي ذلك اليوم الذي يتحوّل فيه العمل في المساجد إلى عمل تخصّصي يُختار له العلماء والمثقفون من أساتذة الجامعات والمثقّفين وعلماء الدين من ذوي الأهلية والكفاءة العالية.

وفي الختام وبصفتي طالب علمٍ قضى ردحًا من عمره في العمل الدعويّ والتبليغيّ والتعليم، لا حيلة لي إلا العمل في المجال الثقافي، قد عالجت موضوع الصلاة في أكثر من كتاب هي:
1- پرتوی از اسرار نماز (شعاع من أسرار الصلاة).
2- تفسير نماز، (شرح الصلاة) وهو هذا الكتاب الذي أقدّمه إليك قارئي العزيز.
3- پـيوندهای نماز (علاقات الصلاة).

أدعوك قارئي العزيز أن لا تكتفي بالاهتمام بصلاتك وصلاة أعضاء أسرتك، بل وسِّعْ دائرة اهتمامك إلى أعضاء المجتمع الآخرين وخَصِّص لهم جزءًا من نشاطك في مجال الدعوة إلى الصلاة وخاصّة الجيل الشابّ، وليكن ذلك بشكلٍ منظّم ومن خلال تشكيل روابط ولجان تحت عنوان "أنصار الصلاة" أو غيره من العناوين، لكي لا يصدق علينا قوله تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، وليصدق فينا دعاء إبراهيم عليه السلام إذ قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي.

محسن قراءتي

المقدّمة:
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّدٍ وآله الطاهرين.

أشكر الله تعالى وأحمده أن وفّقني لزيارة مرقد الإمام الرضا عليه السلام مطلع السنة الهجريّة الشمسية (1374هـ. ش)، ومن لطفه عليّ وكرمه أن أعانني الله سبحانه على تأليف هذا الكتاب الذي بين أيديكم، ليكون تذكرةً تسهم في فهم جانب من أسرار الصلاة وما يتعلّق بها.

ومتابعةً للجهد الذي بُذِل في إقامة الصلاة في المدارس والجامعات والمراكز المختلفة، بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، وبعد أن منّ عليّ المولى تعالى فوفّقني إلى تأليف عدد من الكتب في الصلاة هي: "شعاع من أسرار الصلاة"، و"مع الصلاة"، و "114 مسألة في الصلاة". قرّرت أن أكتب كتابًا تحت عنوان (تفسير الصلاة) من تكبيرة الإحرام مرورًا بقراءة الحمد والسورة والركوع والسجود، وصولاً إلى التشهُّد والتسليم، وذلك من أجل أن نفهم هذه العلاقة المقدّسة مع الله تعالى والتي تتحقّق عبر الصلاة، ولتكون عبادتنا مقرونةً بالتبصّر والمعرفة. وقبل الدخول في تفسير الصلاة وشرح أسرارها، لا بدّ من إلقاء نظرة ولو عابرة إلى العبادة والعبودية التي هي روح الصلاة وجوهر جميع التكاليف العبادية، لكي نُدرك مكانتها الرفيعة في حياتنا بشكل أفضل.

أسأل المولى سبحانه وتعالى للجميع الاستفادة من هذا العمل المتواضع.

 

1- مقدمة النسجة المعرّبة من المؤلف.
2- الحر العاملي، وسائل ‏الشيعة، ج 4، ص 26.