المقدمة
المقدمة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
المرأة ظُلمت من الجاهلية الأولى، وتُظلم من الجاهلية الحاضرة، وبين تفريط الأولى، وإفراط الثانية، عاشت المرأة في ظُلم وظلام. ظلام يحاول أن ينسيها قيمتها ويعمي عليها إنسانيتها، ومن لم يعرف نفسه لا يرتقي، ومن يجهل قيمته لا يتطوّر.
فالمطلوب من المرأة أن تواجه ذلك وتكتشف نفسها، ولا تخطىء في التشخيص والعلاج، وإلا تردّت وفسدت، وأفسدت معها المجتمع.
فصلاحها صلاح للمجتمع، وفسادها فساد للمجتمع، وكمالها العقلي والروحي والحياتي، سينعكس حتماً على المجتمع، كونها جزءاً مهماً فاعلاً، فهي نصف المجتمع، فلا بد من أخذها الدور الذي خُلقت لأجله.
والمرأة ليست رجلاً، وإن كانت تشاركه في الكثير، كما أن الرجل ليس امرأة وإن كان يشاركها في الكثير؛ فعلى كلٍّ منهما معرفة خصوصياته ليتكاملا ويتعاونا على بناء الحياة.
قصة المرأة وظلامتها وما ينبغي أن تكون عليه، يتحدَّث عنها سماحة القائد الإمام الخامنئي دام ظله، بتوجيهاته الإسلامية الحكيمة، وإرشاداته السديدة، فهو الإمام والحكيم، والشمس المضيئة، في ظلمات المرأة كما الرجل.
نترككم مع توجيهاته، ونتمنّى لكم ولكُنَّ التوفيق.
هيئة التأليف والنشر
مركز الإمام الخميني رحمهم الله
5
1
الفصل الأول: المرأة
الفصل الأول
المرأة
- أهمية قضية المرأة
- العلاج الصحيح لقضايا المرأة
- فشل الحضارات في حل قضية المرأة
- المرأة تاريخياً
7
2
الفصل الأول: المرأة
أهميَّة قضية المرأة
لقد أكد سماحة الإمام الخامنئي دام ظله على أهميَّة موضوع المرأة لما للمرأة من دور خطير إذا أُهمِل أدّى بالمجتمع إلى الفساد والضياع والإنحلال، وإذا أعطي حقه ودوره الذي خُلق له، كان له الإيجابية البنّاءة على تطور المجتمع روحياً وعقلياً ومادّياً.
فالمرأة والرجل شريكان في هذه الحياة، وعلى كلٍّ منهما أن يقوم بدوره وأن يأخذ حقه ويعطي الحقّ للاخر.
فتعطيل النساء وهنَّ نصف المجتمع أو ظلمهنَّ، سيؤدي إلى شلِّ عنصر مهم من عناصر المجتمع، وبذلك يتأخر المجتمع ويتقهقر إلى الوراء.
يقول الإمام دام ظله:
" ... مسألة المرأة هي مسألة مهمة جداً، وجدّية جداً، ومؤثرة كثيراً في وضع المستقبل. ورغم البحوث والدراسات الكثيرة التي جرت خلال هذه الأعوام حول مسألة المرأة في الجمهورية الإسلامية، وحول المرأة الإيرانية، والمرأة في نظر الإسلام، وخاصة أحاديث الإمامرحمه الله الذي تبين أنه كان يهتم بقضية المرأة اهتماماً خاصاً، ويدافع عنها. لكن ما تزال هناك أعمال كثيرة لم تؤدِّ، بل إن ما أُدي منها فهو قليل... ".
ولقد اهتم القران الكريم بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدِّ الذي أنزلت فيه سورة طويلة مسمَّاة باسم " النساء ". وهذا ما يدل على خطورة
9
3
الفصل الأول: المرأة
العنصر النسائي في المجتمع الإنساني؛ وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر والالتفات إلى قضاياه.
ورغم هذه الأهميَّة لهذا العنصر، إلا أن التاريخ والحاضر قد ظلمها ولم يلتفت إلى خطورة دورها، ذلك أن المجتمع في العصور القديمة وما يزال، رغم تطور الحياة الفكرية لدى البشر، لا ينظر إليها كعنصر فعّال له أهميَّة في نهوض المجتمع وتكامله.
العلاج الصحيح لقضايا المرأة
ولخطورة هذا العنصر، كان لا بد من المعالجة الصحيحة لأمور المرأة وقضاياها وهمومها، فأيُّ خطأ في التشخيص والمعالجة سيؤدي إلى زعزعة كيان وبناء المجتمع.
يقول سماحته دام ظله:
" أبدأ حديثي حول مرحلة إعادة بناء هذا البلد الإسلامي،حيث الاعتماد الأكبر على الطاقات البشرية، ففي هذه المرحلة يعمل الشعب والمسؤولون على إعادة بناء حقيقية لإيران الكبرى، في المجال المادي وفي مجال النظم الاجتماعية وفي المجالات المعنوية أيضاً.
فأيُّ بلد يُراد أن يعاد بناؤه بالمعنى الحقيقي، لا بد أن يكون جلّ اهتمامه والتفاته إلى الإنسان والطاقات البشرية. وعندما نتحدّث عن الطاقات البشرية علينا أن نلتفت إلى أن النساء يشكِّلن نصف عدد سكان البلد، ونصف الطاقات البشرية. فإذا كانت هناك نظرة خاطئة
10
4
الفصل الأول: المرأة
إلى المرأة، فإن إعادة البناء بمعناها الحقيقي وفي مستواها الواسع لن تحصل ".
فشل الحضارات في حلّ قضية المرأة
ومن يستقرئ التاريخ والحاضر يرى أن قضية المرأة لم تعالج العلاج الصحيح، يقول القائد دام ظله:
" بالنسبة لقضية المرأة التي ما زالت تطرح في العالم، فإن كلاماً كثيراً قيل فيها ويقال، وعندما ننظر إلى الخريطة الإنسانية للعالم والمجتمعات البشرية وإلى المجتمعات الإسلامية كبلدنا وسائر البلدان الإسلامية، وإلى المجتمعات غير الإسلامية، ومنها المجتمعات التي تعدّ متمدِّنة ومتطوّرة، للأسف فإننا نجد في كل هذه المجتمعات قضية باسم المرأة ما تزال موجودة، هذا الأمر يدل على وجود نوع من النظرة المعوجّة والسيرة المعوجّة، ويحكي عن وجود نوع من قصر النظر تجاه القضايا الإنسانية. ويتبين أن البشر رغم كلِّ إدعاءاتهم، ورغم كل الجهود التي قام بها المخلصون والمتحمِّسون، ورغم كلِّ الجهود الثقافية الواسعة التي بذلت حول قضية المرأة خاصة؛ لكنهم حتى الان لم يتمكّنوا من العثور على صراط مستقيم وطريق صحيح لقضية الجنسين، ولقضية المرأة التي تتبعها قضية الرجل بشكل أو باخر.
لعلّ بينكنّ أيتها السيدات من رأت أو قرأت الأعمال
11
5
الفصل الأول: المرأة
الأدبيّة والفنيّة لفنّانات العالم الموجودة بلغاتها الأصلية أو ما ترجم منها إلى اللغة الفارسيّة، فكل تلك الأعمال تتحدّث عن نفس المسألة التي تحدثنا عنها. مما يعني أن البشر لم يتمكنوا حتى الان من حل مسألة المرأة وما يتبعها من مسألة الجنسين المرأة والرجل، ومسألة الإنسانية.
وبعبارة أخرى: فإن الإسراف والتعامل المعوج والفهم الخاطىء، وما ينتج عن ذلك من تعدّيات وظلم وخواء روحي ومشاكل أسرة ومشاكل متعلقة بالإختلاط والامتزاج والعلاقات بين الجنسين، كل تلك الأمور ما تزال جزءاً من القضايا التي لم تحلها البشرية.
فالبشر الذين اكتشفوا الأجرام السماويّة وغاصوا في أعماق البحار، ويتحدّثون عن أدق الأمور في علم النفس وبحوثه وعن القضايا الاجتماعية والاقتصادية وسائر الأمور، وبالفعل قد تقدّموا في كثير من تلك العلوم، لكنهم ما زالوا عاجزين أمام هذه القضيّة، بحيث لو أردت أن أبيّن هذا العجز بفهرسة عناوينه لاحتجت لزمان كبير ".
المرأة تاريخياً
بعد أن تبيّن لنا من كلام القائد أهميّة العنصر النسائي، وضرورة الحلّ الصحيح لقضايا المرأة، يحسن بنا مراجعة التاريخ قليلاً لكي نرى
12
6
الفصل الأول: المرأة
ظلم التاريخ للمرأة، وكيف فشل التاريخ في تقدير المرأة وعلاج أمورها الحسَّاسة.
يقول سماحته دام ظله:
" ... لو نظر الإنسان لوجد مع الأسف أن هناك ظلماً تاريخياً لحق بالمرأة طوال التاريخ، وأكثره ناشىء من الجهل بمكانة المرأة وقدرها، وهذا الأمر كان في كلِّ الدّول... ".
" ... إني أعتقد أن الظلم قد لحق بالمرأة طوال التاريخ، وفي المجتمعات المختلفة... بسبب جهل البشر، فطبيعة البشر الجهل، حيث القوي يظلم الضعيف، إلا إذا كانت هناك قوة خارجية تسيطر عليه... كالقانون وسيف القانون وعصاه، أو أن يكون هناك رادع داخل الإنسان، أي إيمان قوي وواعٍ وصريح، وهذا الأمر نادر جدّاً ".
لنمشي مع التاريخ باختصار لنرى كيف هي صورة التاريخ إزاء المرأة؟
أ- المرأة عند العرب في الجاهلية
كانت المرأة العربية في الجاهلية أحط من أي سلعة فهي لا ترث، وليس لها حق المطالبة، وزواجها يرجع إلى أمر وليها، وليس لها حق الاعتراض ولا المشورة، حتى أن الولد يمنع أرملة أبيه من الزواج... وكانت المرأة تمنع من الزواج إلا من قريبها لوجود حق الدَّم عليها! والعرب مثل غيرهم من الشعوب القديمة كانوا يفرحون إذا ولد لهم ولد ذكر، ويغتمون إذا ولد لهم أنثى... إلى حدِّ وأد البنات ودفنها حيَّة1..
1- المرأة في ظل الإسلام، مريم نور الدين فضل اللَّه، ص12 وما بعدها
13
7
الفصل الأول: المرأة
ب- المرأة في بلاد فارس
لم يكن وضع المرأة عندهم أحسن مما كانت عليه في بلاد النيلمصر والبلاد الصينية،... إن قوانين زرادشت، كانت جائرة وظالمة بحق المرأة، فإنّها كانت تعاقبها أشد العقوبة إذا صدر عنها أقل خطأ 1...
ج- المرأة في بلاد اليونان
لم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل، في غاية المهانة والذل، في كلّ جانب من جوانب الحياة الاجتماعية، وأما منازل العز والكرامة في المجتمع فكانت كلها مختصة بالرجل.
د- المرأة في بلاد الرومان
القوانين والأنظمة الرومانية، كانت تميل إلى الظلم والحرمان والاضطهاد تجاه المرأة.
فالرجل في مجتمعهم له في الأسرة حقوق الملك كاملة.. إزاء هذا الوضع كان للمرأة رد فعل عكسي بعد حين فأخذت تنجرف في تيار الفساد والاستهتار.. وتراخت عرى الأخلاق وصيانة الاداب في المجتمع الروماني، وانفلتت الشهوات، فأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبّرج الممقوت2.
وهنا يشير سماحة القائد دام ظله إلى لفتة مهمّة وهي:
" أن أساس المدنية الأوروبية المعاصرة هي الثقافة الرومانية، أي أن الأصول والخطوط التي كانت موجودة
1- م.ن، ص26.
2- م.ن، ص30 29.
14
8
الفصل الأول: المرأة
في الامبراطورية الرومانية هي التي تحكم الثقافة الغربية كلها، ومن خلفها الثقافة الأمريكية وحثالات الغرب. هي نفسها اليوم الملاك والمعيار.
ففي تلك العصور الغابرة كانوا يرفعون المرأة إلى أعلى المناصب أيضاً، وكانوا يحترمونها، وكانوا يزينونها ويبرجونها، لكن من أجل ماذا؟ لإشباع خصلة بشرية عند الرجل هي الأكثر ترابية ومادّية، وما أشدّها من إهانة وتحقير للإنسان ولجنس المرأة.
في إيران أيضاً كان الوضع هكذا، لقد سمعتم عن مجالس النساء للملوك الساسانيين، ماذا تعني صالات ومجالس النساء تلك؟ إنها تعني إهانة المرأة. رجل واحد يمتلك القدرة فيسمح لنفسه بالاحتفاظ بألف امرأة في مجلسه! ولو كان جميع أفراد الشعب في عهد ذلك الملك يمتلكون القدرة مثله، لاحتفظ كل واحد منهم لنفسه بألف امرأة أو خمسماية أو أربعماية أو مئتين! أي نظرة تلك إلى المرأة؟! ".
هـ - المرأة الهندية
تتخذ المرأة مملوكة، وينزل الرجل منها منزلة المالك أو المعبود! ثم بعد هذا الهوان والذُّل، يقدِّمونها ضحية على نيران زوجها المتوفى فيلحقونها به وهي حيَّة بإحراقها في النار! وكان الهنود يحرمون المرأة من جميع حقوق الملكية، ومن الإرث أيضاً، وهم يسلمونها إلى أي رجل، بغير رضاها أو مشورتها، وكان الشعب الهندي يعتقد، أن المرأة هي
15
9
الفصل الأول: المرأة
مادة الإثم وعنوان الانحطاط الخلقي والروحي، ولا يسلم لها حتى بوجود الشخصية المستقلة كإنسان كامل1.
1- م.ن، ص32 31.
16
10
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
الفصل الثاني
الحضارة الغربية
- ظلم الحاضر
- ظلم ظاهره أنيق
- المرأة في الثقافة الغربية
- الإسلام هو السباق
- حركات تحرير المرأة في الغرب
- مفاسد الغرب
- حركات إصلاح جديدة في الغرب
17
11
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
ظلم الحاضر.. استمرار الظلم
الذي مرّ معنا كان تاريخاً مظلماً ظالماً للمرأة إلى أقصى الحدود، فهل تعلَّمت الحضارة الغربية من التاريخ، للأسف إنها لا تزال قاصرة عن علاج قضية المرأة، ولم تستفد من دروس التاريخ، بل استفادت خطأ بإفراطها بشأن المرأة، ولا يزال الظلم يلحق المرأة بشكل أو باخر.
يقول سماحة القائد:
" ... إذاً فالظلم الذي نتحدث عنه ليس خاصاً بالمجتمع الإيراني، وليس خاصاً بالماضي، بل إنه يمتد من الماضي السحيق حتى اليوم... وهو موجود اليوم في كل أنحاء العالم، وفي الدول الغربية وخاصة في أمريكا وبعض الدول الغربية، فإن إيذاء النساء واستغلالهن بشكل ظالم وتعذيبهن أشدّ بعدّة أضعاف، وهناك إحصاءات كثيرة حول ذلك، طالعتها في الصحف الغربية والأمريكية، ولست أنقل ذلك من مصادر أعدائهم ومخالفيهم بل هو ما ينشرونه بأنفسهم، ولا بد من مواجهة ذلك الظلم والاستغلال... ".
ظلم ظاهره أنيق شعارات برَّاقة
والخطير في الظلم الغربي للمرأة أنه يمرَّر عن طريق شعارات ومظاهر خادعة، وهو ظلم خطير ينطلي على السذّج من الناس.
يقول سماحة القائد دام ظله:
" يجب أن يلتفت الجميع إلى أن هذا الظلم موجود في
19
12
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
العالم بأسره، وموجود في العالم الغربي بشكل أسوأ جدّاً، كل ما في الأمر أن الغربيين جعلوا التعامل بين المرأة والرجل، كالتعامل بين المرأة والمرأة، وكالتعامل بين الرجل والاخر، أي أنهم لم يفرِّقوا بين هذين الجنسين. وهو أمر يبدو بعد التأمل والتدقيق أنه أمر سلبي، لكنهم يتظاهرون أحياناً بعدم وجود ظلم للمرأة، هذا هو وضعهم في الأسرة والأسواق والبيوت، وفي التعامل والمعاشرة والرفاقة. لكنّه قد يبدو جذاباً، لكن عندما نطلع على باطن الأمر، نجد أنه غير صحيح، وقد نبذه الإسلام، فالإسلام وضع حجاباً بين الرجل والمرأة، وعلى الرجل والمرأة أن يراعيا ذلك الحد في المعاشرة ".
ومن الشعارات التي يطلقها الغربيون لذر الرماد في العيون، الحريَّة والحقوق والعدالة والمساواة، ولكن إذا نظر المتأمِّل إلى مضمون هذه الشعارات بالمعنى الغربي يجدها شعارات مدمِّرة مفسدة.
يقول القائد دام ظله:
" إن أول ما يطرح في الغرب كشعار هو حريَّة المرأة، والحريَّة ذات معنى واسع، فهي تشمل التحرر من الأسر، والحرية من الأخلاق، حيث أن الأخلاق تعد أيضاً قيداً وحدّاً، والحرية من نفوذ الاخرين، على أساس استغلال أرباب العمل للمرأة وجرّها إلى المعمل بأجرة أقل، وتشمل أيضاً التحرر من القوانين التي تلزم المرأة بأمور تجاه زوجها، ويمكن اطلاق الحرية على كل هذه المعاني. ومع
20
13
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
كل شعار من هذه الشعارات هناك شعاع واسع من المطالب والتوقعات التي يتناقض بعضها مع البعض الاخر بشكل كامل، فما هو معنى الحرية؟ للأسف فإن المعنى المطروح في الغرب للحرية هو الحرية بمعناها الخاطىء والمضر، أي الحرية من قيود وحدود الأسرة، والحرية من السلطة المطلقة للرجل، والحرية حتى من قيود الزواج وتشكيل الأسرة وتربية الأطفال، ليحل محل ذلك كله الهدف الشهواني العابر. وليست الحرية بمعناها الصحيح. لذلك ترين أن من بين الحديث المطروح في الغرب قضية حريّة إسقاط الأجنَّة، وهي مسألة مهمة جداً رغم أن ظاهرها بسيط وصغير، لكنّ باطنها خطر جداً وعميق. تلك هي الوسائل والشعارات التي تطرح في الغرب غالباً لذلك يقولون نهضة حرية المرأة ".
المرأة في الثقافة الغربية
يلفت سماحة القائد النظر إلى أمر مهم، وهو أن حقيقة تعامل الغربيين مع المرأة لا يُعرف من خلال الشعارات التي يطلقونها، بل يُعرف من خلال أدبهم وثقافتهم، يقول دام ظله:
" لقد وقع الغربيون في الإفراط والتفريط في مجال معرفة طبيعة المرأة وكيفية التعامل مع جنس المرأة، وكانت النظرة الغربية إلى المرأة نظرة قائمة على عدم المساواة وعدم التعادل.
21
14
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
لا تنظرنّ إلى الشعارات التي تطلق في الغرب، إنها شعارات خاوية وتحكي عن واقعية نسبية، ولا يمكن فهم الثقافة الغربية من خلال تلك الشعارات، بل لا بد من البحث عن الثقافة الغربية من خلال الأدب الغربي.
إن المطلع على الأدب الغربي والشعر الأوروبي والأدب الأوروبي والقصة والرواية والمسرحية الأوروبية يعلم أن الثقافة الأوروبية منذ القرون الوسطى وقبلها وحتى أواخر القرن الحالي كانت تنظر إلى المرأة كموجود من الدرجة الثانية، وكل من يدعي خلاف ذلك فهو يدّعي جزافاً.
أنظرن إلى مسرحيات شكسبير الإنكليزي، ترين بأي نفس وأي لغة وأية نظرة ينظرونها إلى المرأة في هذه المسرحيات وفي سائر أنواع الأدب الغربي، فالرجل في الأدب الغربي سيد المرأة والقيّم عليها ولا تزال بعض نماذج هذه الثقافة واثارها باقية حتى يومنا هذا.
الان عندما تتزوّج المرأة عندهم، وتنتقل إلى بيت زوجها، فإن اسم عائلتها يتغيّر، وتحمل اسم عائلة زوجها... هذا هو عرف الغربيين، لكن ذلك لم يكن في بلدنا، وليس كذلك الان، فالمرأة عندما تحتفظ بهويَّة عائلتها حتى بعد زواجها. وما يجري الان في الغرب دلالة على الثقافة الغربية القديمة التي تعتبر الرجل سيد المرأة.
فالثقافة الغربية كانت تعتبر أن المرأة عندما تتزوج رجلاً
22
15
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
وتذهب إلى بيته فإن جسدها وكل ما تملكه يصبح تابعاً للرجل، كل ما تملكه.. تصبح للرجل، وهذا أمر لا يمكن للغربيين أن ينكروه.
وفي الثقافة الغربية عندما كانت المرأة تذهب إلى بيت زوجها كان الرجل يملك روحها أيضاً! لذلك تجدون في القصص والأشعار الغربية والأوروبية كيف أن الزوج كان يقتل زوجته بسبب اختلاف أخلاقي، ولا يلومه أحد على ذلك! ولم يكن للفتاة في بيت والدها أي حق للاختيار، طبعاً في تلك الأيام أيضاً كانت المعاشرة بين المرأة والرجل بين الغربيين حرة إلى حد ما، لكن اختيار الزوج كان بيد الأب وحده.
... تلك هي الاثار الأدبية الغربية، وحتى أواسط القرن الحالي كانت تلك هي الثقافة الحاكمة، وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بدأت بعض الحركات باسم حرية المرأة ".
الإسلام هو السبّاق
ولقد لفت سماحة القائد دام ظله إلى أن الغرب إلى وقت متأخر أخذ يحمل لواء حرية المرأة، وأن الضجيج الغربي حول حرية المرأة ما هو إلا تغطية للتخلّف التاريخي الذي كان يقبع فيه الغربيون.
يقول دام ظله:
" ... رغم كل هذا الضجيج والصراخ والادعاءات التي
23
16
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
تطلق دول دعم المرأة ودعم موقفها الإنساني، فإن هذا الاستنتاج الخاطىء ما يزال موجوداً مع الأسف، الأوروبيون تأخروا عن الدول الإسلامية في معالجة قضايا المرأة.
... إن المرأة في أنحاء أوروبا كانت محرومة من حق التصويت حتى العقود الثانية من هذا القرن،... ولم يكن من حق المرأة أن تتصرف بأموالها.
ومنذ العقد الثاني، أي منذ العام 1916 أو 1918م قررت الدول الأوروبية أن تعطي المرأة بشكل تدريجي حق إبداء الرأي، والتصرف بأموالها، ومساواة حقوقها الاجتماعية مع الرجل.
بناء على ذلك فإن أوروبا استيقظت من سُباتها متأخرة في هذا المجال، وأدركت الأمر متأخرة جدّاً، وكأنها تريد بإثارتها لهذا الضجيج الكاذب أن تجبر تخلّفها الزمني ".
حركات تحرير المرأة في الغرب حركات استغلالية
يقول القائد دام ظله:
" إني أتصوّر أنهم الغربيون قد أخضعوا المفاهيم الإنسانية حول المرأة لهوى المسائل الإعلامية والسياسية والاقتصادية، وهكذا كان الأمر في أوروبا منذ البداية، ومنذ أن أعطوا النساء حقوقاً، فإنها أعطيت في الغالب على أساس تلك المباني الخاطئة ".
24
17
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
" ... فحسب الدراسات الدقيقة لعلماء المجتمع في أوروبا نفسها يتبين أنه حتى عندما أقرّت أوروبا بحق المرأة بالتملك كان ذلك لهدف اخر وهو أن المصانع بدأت بالانتشار مع تقدّم التقنية الحديثة والصناعة في الغرب، وكانت تلك المصانع تحتاج إلى عمّال، وكانت هناك شحّة في اليد العاملة، فأرادوا أن يجرّوا النساء إلى المصانع ويستفيدوا من طاقاتهن، فأعلنوا عن حق المرأة بالتملك في أوائل القرن العشرين، وطبعاً كانوا دوماً يعطون المرأة أجوراً أقل من أجور الرجال... ".
" إن موضوع المرأة أصبح كباقي الموضوعات سلعة بيد المستغلين والمتاجرين بالقيم الإنسانية. فأولئك الذين لا يقيمون وزناً للمرأة ولا لجنس الإنسان ولا للكرامات الإنسانية إلا في حساباتهم المالية، والذين مع الأسف يلعبون دوراً مهماً في المدنية الغربية في جميع المجالات، ويعتبرون قضية المرأة سلعة ورأسمالاً للتعامل في أسواقهم المختلفة، يتحدثون عنها، ويرسمون ثقافة وإعلاماً يناسبهم حولها، ويدفعون بأذهان الرجال والنساء في العالم كله نحو جادتي الوسوسة والضياع الكبير ".
مفاسد الغرب مآسي بالجملة
إزاء الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الغرب، تشخيصاً وعلاجاً لقضايا المرأة، وبين تاريخ تفريطي وحاضر إفراطي، ظهرت المفاسد
25
18
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
الخطيرة في المجتمع الأوروبي والأمريكي، والتي سترديه إن عاجلاً أو اجلاً في مزالق السقوط الحضاري.
يقول سماحة القائد دام ظله:
" ... تلك هي النظرة الإفراطية والخاطئة والظالمة للمرأة في الغرب وفي أوروبا. هذا الإفراط، ويقابله التفريط أيضاً، فعندما تهب نهضة لصالح المرأة في مثل ذلك الجو، فمن الطبيعي أن يقع تفريط في الجهة المقابلة، لذلك ترون كيف انتشر الفساد والتهتك في الغرب طوال عدّة عقود بسبب حريَّة النساء المطلقة ، مما أثار الرعب لدى المفكرين الغربيين أنفسهم ".
وإذا أردت أيها القارىء الكريم الإطلاع على مفاسد وانحرافات المجتمع الغربي، فما عليك إلا أن ترجع إلى الجرائد والمجلات والاحصاءات الغربية، فإنك ترى العجب، وسنطلعك على بعض هذه المفاسد:
تفيد الإحصائيات أن سدس الفتيات البريطانيات اللائي يُعقد عليهن للزواج هنّ من الحوامل! نتيجة لعلاقات اثمة تسبق الزواج.
وفي أميركا يولد سنوياً حوالى 400 ألف طفل غير شرعي.
وقد بلغ من شيوع الفحشاء في فرنسا قبل الحرب العالمية الأولى أن النساء اللواتي كن يحترفن البغاء كن يبلغن نصف مليون!
وتدل الإحصاءات في فرنسا اليوم أن حوالى ربع مليون حالة طلاق سنوياً، ويوجد فيها مليونا فتاة... وتدل الإحصاءات فيها على أن ربع المواليد هم أبناء سفاح! وتسجّل الشرطة الفرنسية كل عام 22 ألف
26
19
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
جريمة اغتصاب، واللَّه وحده يعلم عدد الحوادث الأخرى التي تمتنع ضحاياها عن إبلاغ السلطات القضائية بها1.
ناهيك عن الأمراض المتصلة بالجانب الشهواني كالإيدز ونحوه2، إضافة إلى انهدام أساس الأسرة في الغرب، وتفكك العواطف الاجتماعية بين أبناء الأسرة الواحدة، وشيوع القتل والإجرام.
يقول القائد دام ظله:
" ... إنكن ترين.. كيف بلغ وضع المجتمعات الغربية من ضياع ملايين الشباب وفسادهم في الدول الأوروبية والأمريكية يعيشون في ظل الحضارة المادّية والقصور العالية والقواعد النووية وناطحات السحاب..
والتطور العلمي والتقني، ورغم ذلك يعيشون مقتبل أعمارهم في سن العاشرة والثانية عشر ضائعين، لصوص، قتلة، مهرِّبين، مدمنين على السجائر والمخدرات!... ".
" إن الدول الغربية... رغم كل الشعارات التي تطلقها، فما زالت أعداد النسوة اللاتي يتعرضن لضرب أزواجهن داخل الأسرة، والبنات اللاتي يضربن ويجرحن على يد ابائهن كثيرة جداً، فهناك إحصاءات مؤلمة ومرعبة في هذا المجال لدى الغربيين، إضافة إلى أمر اخر هناك، وهو قتل النفس، فبسهولة يسفكون الدماء، وبسهولة يقتلون..
1- مجلة نور الإسلام، العدد الثاني، ص79.
2- للمراجعة، م.ن، ص101.
27
20
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
فقتل النساء هي إحدى البلايا المنتشرة في الدول الغربية وخاصة أمريكا.. ".
حركات إصلاح جديدة في الغرب
إزاء النظرة الخاطئة إلى قضايا المرأة، وما ترتّب عليها من مفاسد في الشارع الغربي، ظهرت أصوات وحركات جديدة للدفاع عن حقوق المرأة وحريتها.
والمؤسف أن هناك من ينادي في المجتمعات الإسلامية بمتابعة التجربة الغربية، في حين أن هناك أصواتاً تُرفع لتغيير بعض المسارات الخاطئة، والنظرات المنحرفة فيما يتعلق بالمرأة في النُخب الغربية.
يقول الإمام دام ظله:
" إن كثيراً ممن يتحدَّثن اليوم عن حقوق المرأة، إنهن في الحقيقة يطرحن الحرية الغربية والتهتّك، ويقلدن الغربيين، هنّ أنفسهن من يكتبن بين الحين والاخر بعض الأمور...
ولو كانت النسخة الغربية حول المرأة صحيحة، لما اضطر الغربيون بعد سبعين أو ثمانين أو مائة عام أن يطرحوا نهضة جديدة للدفاع عن حقوق المرأة كالتي طرحوها أخيراً.
الان خلال العشرين العام الماضية عادوا لطرح حركات جديدة للدفاع عن حقوق المرأة، وعن حريتها، لماذا؟
لو كانت الحرية الغربية أمراً موفقاً، ولو كان الدفاع عن
28
21
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
حقوق المرأة أمراً حقيقياً، لما احتاج الأمر لأن يقوم البعض بطرح هذه الحركة بعد مائة عام، ويثيرون كل هذه الجلبة.
إذن لقد كانت وصفتهم السابقة خطأ، ووصفتهم الفعلية خطأ أيضاً، وسوف لن تعود على المرأة والرجل وخاصة على المرأة، إلا بالبؤس وايجاد المشاكل الجديدة ".
انظر إلى هذا الكاتب الغربي مايك ماثويس ماذا يقول ، في مقال له، يدعو إلى إصلاح في مسير المرأة: " إذا عرضت نفسك للاخرين بصورة مثيرة من خلال لباسك فطبيعي أن الكثير من الرجال يريدون جسدك للمتعة بغض النظر عن كونك امرأة لك شخصيتك وفردانيتك في التفكير ".
ويقول مايك في مقطع اخر من مقاله: " الرجال مخطئون إن فكروا بشهوانية إزاء المرأة التي تلبس ثياباً فاضحة، لكن الرجل المهذب يريد أن يبتعد عن هذا التفكير، ونأمل من المرأة أن تساعدنا على ذلك بعفتها ولبسها الثياب المحتشمة ".
ويقول متابعاً: " يجب أن لا تنخدع المرأة بما هو معروض في المحلات عن الأزياء والموضة التي تجعل من كل شخص باحثاً عن الجنس، وأن عليك أن تلبسي ثياباً مغرية لتحصلي على الرجل الجديد، ليس صحيحاً، هم وحدهم الذين يريدون أن يحصلوا على متعتهم الجنسية، يشجعون النساء على ارتداء مثل تلك الملابس، وليس عليك أن تظهري جسمك لتحصلي على الرجل الجديد... "1.
1- مجلة نور الإسلام، عدد 88 87، ص46.
29
22
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
وقد أصدرت الشرطة البريطانية كتيباً تحت عنوان " لسلامة المرأة الشخصية " يتضمن نصائح لتجنّب الاغتصاب والنصح بعدم لبس ثياب فاضحة ومغرية والالتزام بالاحتشام1، وفي أمريكا أدت المدارس المختلطة إلى نتائج سيئة. وإلى انصراف الطلاب والطالبات عن المناهج الدراسية بشكل عام، ولذلك فقد صمم علماء التربية على فصل مدارس البنين عن البنات في المرحلتين الابتدائية والثانوية2.
في الوقت الذي تصدر فيه مثل هذه الأصوات، نرى بلداناً إسلامية تدعو إلى ما هرب منه هؤلاء الإصلاحيون.
في تركيا بالرغم من القانون الذي صدر في بداية عام 1991 وصادق عليه الرئيس التركي بشأن حرية وضع الحجاب من قبل الطالبات في جميع المؤسسات التعليمية، فإن إدارة جامعة أنقرة، قررت منع الطالبات المرتديات الحجاب الشرعي من الدخول إلى الحرم الجامعي3.
وفي بلد إسلامي اخر مصر سنة 1991.. قررت إدارة التلفزيون منع المذيعات اللاتي يظهرن على الشاشة من ارتداء الحجاب الشرعي4.
على الثقافة الغربية أن تدافع عن نفسها
الثقة بالنفس من أوّليات تقدُّم الإنسان في جميع المجالات، وكذلك من أوّليات تطور أي أمّة هي أن تحافظ على أصالتها وهويتها وتثق بدينها وقانونها وتشريعها.
1- ن.م، ص47.
2- ن.م، عدد 2، ص80.
3- ن.م، عدد 22 21، ص106.
4- ن.م، ص106.
30
23
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
وأن تحترم نفسها ولا تنهزم أمام الدِّعايات والإشاعات والمظاهر الخادعة، والمؤسف أن في أمتنا الإسلامية أناساً انسحقوا أمام الغرب، فيريدون أن يسيروا مع الغرب بكل سلبياته، وبذلك أصبحوا وأصبح معهم الكثير في موقع المتّهم والمدافع عن نفسه أمام الحضارة الغربية. فساعدوا على الانهزام النفسي للمجتمع الإسلامي.
والقائد دام ظله أراد أن يقلب الصورة ويؤكد أصالة وطهارة وكمال ديننا، ولهذا علينا أن نطمئن وعليهم هم أن يدافعوا عن أنفسهم.
يقول سماحته دام ظله:
" على الغربيين أن يجيبوا على ما فعلوه بجنس المرأة، فلقد خانوا المرأة، إن التمدّن الغربي، لم يقدّم للمرأة شيئاً.
وإذا كان هناك تقدم علمي وسياسي وفكري فهو للنساء أنفسهن، أينما كانت هذه الأمور فهي للنساء، في إيران الإسلامية وفي الدول الأخرى.
أما الذي أقامه الغربيون ووضعت أسسه المدنية الغربية هو البناء المعوّج للتهتك، والابتذال النسوي، لقد جرّوا المرأة إلى الابتذال، ولم يصلحوا وضعها داخل الأسرة. فالصحافة ووسائل الإعلام الأميركية والأوروبية تتحدث عن مستوى عال لإيذاء النساء وتعذيبهن وتعنيفهن.
إن الثقافة الغربية حول المرأة والتهتك وجرّ نساء تلك المناطق نحو الابتذال أدى إلى اضعاف الأسرة، وجعل بناء الأسرة متزلزلاً، وجعل الرجل والمرأة لا يعدّان خيانتهما
31
24
الفصل الثاني: الحضارة الغربية
داخل الأسرة أمراً مهماً جداً. أليس ذلك ذنباً؟ أليس ذلك خيانة لجنس المرأة؟ رغم تلك الثقافة يطالبون العالم أن يجاريهم في حين يجب أن يكونوا مدانين.
على الثقافة الغربية أن تدافع عن نفسها في مجال المرأة، عليها أن تقدِّم توضيحات، لكن تغلّب سلطة الرأسمالية ووسائل الإعلام المستكبرة الجبّارة الغربية جعلت القضية معكوسة، فأصبحوا هم يدينون الاخر، وجعلت منهم المدافعين عن حقوق المرأة حسب قولهم وادعائهم! في حين ليس هناك شيء من ذلك.
نعم هناك بين الغربيين بعض المفكرين والفلاسفة والصادقين والصالحين الذين يفكرون ويتكلمون بصدق. أما ما تحدثت عنه فهي الثقافة العامة والمدنية الغربية وجنوحها ضد المرأة والإضرار بها ".
32
25
الفصل الثالث: أسباب وكيفية العلاج
أسباب ظلم المرأة
لقد دعا القائد حفظه الله إلى البحث عن علل ظلم المرأة ومعالجة هذا الظلم: "علينا أن نبحث عن علل هذا الظلم الذي وقع على المرأة طوال التاريخ".
أ- جهل البشر
"إني أعتقد أن الظلم قد لحق بالمرأة طوال التاريخ، وفي المجتمعات المختلفة. وقد أشرت إلى ذلك، وتحدثت عن منشأ ذلك الظلم، إنه بسبب جهل البشر، فطبيعة البشر الجهل، حيث القوي يظلم الضعيف، إلا إذا كانت هناك قوة خارجية تسيطر عليه وتمنعه من ذلك، كالقانون وسيف القانون وعصاه. وأن يكون هناك رادع داخل الإنسان، أي إيمان قوي وواع وصريح، وهذا الأمر نادر جدّ".
ب- استقواء الرجال
"...فالرجال لأنهم أضخم وصوتهم أعلى وأجسادهم أقوى وعظامهم أضخم يستقوون على النساء اللاتي عظامهن أدق وصوتهن أرق وأجسادهن أضعف. هذا هو الواقع، وأرى لو أنّكنّ بحثتن في الأمر لبدى لكنَّ أن هذا هو منشأ الاستقواء لديهم".
وبدوره الرجل الغربي يظلم المرأة أيضاً، بشكل أو بآخر.
"فمن علامات تسلّط الرجل الغربي أنه يعتبر المرأة وسيلة
35
27
الفصل الثالث: أسباب وكيفية العلاج
للرجل، لذلك يطلبون من المرأة أن تزيّن نفسها ليلتذ الرجل بها. ذلك تسلط للرجل، وليس حرية للمرأة، بل هي حرية للرجل في الحقيقة. يريدون أن يكون حرّاً حتى في اللذة البصرية، لذلك يشجعون المرأة على السفور والتبرّج أمام الرجال. إن أنانية الرجال تلك في المجتمعات التي لا تستفيد من دين اللَّه، كانت منذ العهود القديمة، واليوم موجودة أيضاً، والغربيون هم مظهرهم الأعلى....
ج- الاستغلال المادي
"إن موضوع المرأة أصبح كباقي الموضوعات سلعة بيد المستغلين والمتاجرين بالقيم الإنسانية، فأولئك الذين لا يقيمون وزناً للمرأة... إلا في حساباتهم المالية.. ويعتبرون قضية المرأة سلعة ورأسمالاً للتعامل في أسواقهم المختلفة، يتحدثون عنها، ويرسمون ثقافة وإعلاماً يناسبهم حولها، ويدفعون بأذهان الرجال والنساء في العالم كله نحو جادتي الوسوسة والضياع الكبير".
كيف تعالج حقوق المرأة
أ- عدم التقليد الأعمى
"للأسف إني أرى الذين يدافعون عن حقوق المرأة يقعون في فخ الأخطاء، فلا يعود دفاعهم عن المرأة بالنفع
36
28
الفصل الثالث: أسباب وكيفية العلاج
عليها. أي أنهم ينظرون إلى حال المرأة الغربية، ويتخذونها أسوة لهم! في حين أن ثقافتها تتفاوت أساساً مع الثقافة الإسلامية، فالثقافة الإسلامية أرقى من تلك الثقافة بمراتب وأنفع لوضع المرأة بمراتب.
ب- الحكمة وعدم الانفعال
"إن أي حركة اجتماعية ستكون حركة صحيحة وتكون نتائجها صحيحة عندما تكون مبنية على الحكمة والتأمل والتشخيص والمصلحة، وقائمة على قواعد صحيحة وعقلانية. وفي كل حركة تقصد إحقاق حقوق المرأة لا بد من ملاحظة هذا المعنى بالضبط، أي أنه أي حركة يجب أن تنطلق من نظرة حكيمة مبنية على حقائق الوجود، أي على معرفة طبيعة المرأة وفطرتها وطبيعة الرجل وفطرته، والمسؤوليات والمشاغل الخاصة بالمرأة، والمسؤوليات والمشاغل الخاصة بالرجل، وما يمكن أن يكون مشتركاً بينهما. وأن لا تكون الحركة منطلقة عن الانفعال والتقليد.
لأنه إذا كانت الحركة منطلقة على أساس الانفعال والتقليد والقرارات العمياء فستكون حركة مضرة.
فإذا كان في بلدنا ومجتمعنا الإيراني من يتحدث عن المرأة وحقوقها انطلاقاً من المجلات الغربية أو التقارير الغربية أو السياسيين الغربيين، حيث يتهمون إيران الإسلامية بعدم مراعاتها لحقوق المرأة، فإن تحركهم ذاك
37
29
الفصل الثالث: أسباب وكيفية العلاج
خطأ. لا ينبغي دخول هذه الساحة بهذا الهدف، لأنه ينتهي بالانحراف والخطأ. وإذا دخلنا ساحة الدفاع عن المرأة بقصد أن لا نتخلّف عن الغرب فسنكون مخطئين أيضاً. وإذا دخلنا هذه الساحة بقصد أن لا ينظر إلينا أولئك نظرة سلبية فسنكون مخطئين أيضاً. وإذا دخلنا هذه الساحة بتصور وتوهم أن أولئك قد ساروا في طريق الصواب ووجدوا الطريق الصحيح فسنكون مخطئين بشدة أيضاً. للأسف إنني أرى اليوم أن بعض المقالات التي تكتب تحت شعار الدفاع عن المرأة، وبعض الكلام الذي يطلق تحت شعار إحقاق حقوق النساء ينطلق بالكامل من الانفعال، لأن الغربيين قالوا كذا، ولأن الأوروبيين كتبوا كذا، ولأنهم نسبوا إلينا كذ، فإذا أخذنا موقع الدفاع وسرنا على أساسه، فإن ذلك سيحرفنا ويغوينا، علينا أن نرى ما هي حقائق عالم الوجود، وأكثر هذه الحقائق موجودة في التعاليم الإسلامية".
ج- تبيان حقوق المرأة بلغة العصر
"المسألة المهمّة الأخرى هي تبيان اراء الإسلام حول حقوق المرأة والرجل، وعلى النساء أن ينشطن في هذا المجال أيضاً. لكن النشاط الأساسي يقع على عاتق المطلعين على المعارف الإسلامية، ليتمكنوا من اظهار رأي الإسلام
38
30
الفصل الثالث: أسباب وكيفية العلاج
في الحالات التي تختلف فيها حقوق المرأة عن حقوق الرجل.
ليطمئن الجميع إلى أن تلك الحقوق قد وضعت على أساس الطبيعة والفطرة الإنسانية للمرأة والرجل، وبناءً لمصالح المجتمع.
طبعاً هناك أمور جرت حتى الان، لكن يجب أن تتم هذه الأمور اليوم بلغة العصر".
د- ضرورة تجنب البحوث المنحرفة
"فالبعض يحمل شعار الدفاع عن المرأة ويجر البحث إلى متاهات، كطرح البعض لمسائل من قبيل الديّة وأمثالها، تلك البحوث تحرف الموضوع، فرأي الإسلام واضح وبيّن، ومن يطرح مثل تلك القضايا لن يجيء سوى إطالة الطريق وتضليل الأذهان...".
ه- إصلاح وتعديل القوانين
"فبعض القوانين تحتاج إلى تعديل في مجال التعامل مع المرأة والرجل، وعلى المتخصصين في هذا المجال أن يدرسوا الأمر، وأن يصححوا تلك القوانين...".
و- النيّة السليمة
"فإن هدفنا من هذه المواجهة (في الدفاع عن حقوق المرأة) ومن هذه الحكومة ومما لدينا الان هو كسب رضا اللَّه، ... إننا نعيش عدّة أيام هنا ونتنفّس، ثم نذهب إلى هناك، ولا ينفع الإنسان أولاً وأخيراً إلا رضا اللَّه...
39
31
الفصل الثالث: أسباب وكيفية العلاج
اجعلنَ رضا اللَّه هدفكن، اقصدن التقرب إلى اللَّه في أعمالكن وجهودكن، اعملن للَّه، وسيعينكن اللَّه، ولا تدخلن المؤشرات الغربية حول المرأة في عملكن".
40
32
الفصل الرابع: الوجه المشرق
الفصل الرابع
الوجه المشرق
- الإسلام هو الحل
- هل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟
- الحجاب
- بعض غايات الحجاب
- العباءة أفضل أنواع الحجاب
- نماذج إسلامية
41
33
الفصل الرابع: الوجه المشرق
الإسلام هو الحل
بعد كلِّ ما تقدَّم من صورة قاتمة مظلمة ظالمة للمرأة، من جاهلية عربية تئد البنات ولا تورثهن ولا تملكهن وليس لهن خيار في الزواج، إلى جاهلية الفرس والصين والهند والرومان واليونان حيث المرأة مملوكة مجهولة المصير حبيسة همومها وشجونها، مروراً بجاهلية الحاضر، جاهلية أمريكا وأوروبا، حيث كانت المرأة في انجلترا إلى زمن قريب تباع في الأسواق كالرقيق، فقد كان الزوج يستطيع أن يبيع زوجته مقابل دراهم معدودة.
وحيث كانت المرأة إلى وقت قريب في كثير من الدول الأوروبية لا تستطيع التصرف في أموالها وأملاكها.
بعد كلِّ هذه الصورة القاتمة، أين هو النور الذي سيضيء هذه العتمة؟ أين هو الوجه المشرق للمرأة؟ أين هو الخط المستقيم، خط لا إفراط ولا تفريط، بل ميزان عادل لا يظلم ولا يحيف؟ أي دين وأي مسير سيمنع ظلم المرأة وقهرها؟ وكيف سنمنع الظلم؟
"إن الذي يمنع ذلك (الظلم) أمران:
الأول: الخوف من اللَّه تعالى واحترام القانون وعمران القلب بالإيمان.
والثاني: أن تكون المرأة مطلعة جيداً على حقها الإنساني والإلهي وأن تدافع عنه، وأن تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة.
وفي هذا المجال يبين الإسلام الحد الأوسط دون إفراط ولا تفريط. فلا يسمح للمرأة أن ترتكب الظلم، ولا يهمل
43
34
الفصل الرابع: الوجه المشرق
طبيعة كل من المرأة والرجل، بل يبين الخط المستقيم والصراط المستقيم، وهو الخط الإسلامي...".
"إن النواقص كثيرة، والمشاكل أكثر، فما هو العلاج، العلاج هو أن نتوجّه إلى الحل الإلهي وأن نجده، ذلك لأن الحل الإلهي يحمل مسائل هامة حول قضية الرجل والمرأة".
"نعم إني أوافقكن على ما قلتن من أن العالم المعاصر متعطش لسماع نداء الأديان، وإن الدين الذي يدّعي قدرته على بناء المجتمع في جميع المجالات من بين الأديان هو الإسلام.
إن المسيحية المعاصرة وباقي الأديان بطريق أولى لا تدّعي ذلك، أما الإسلام فإنه يدّعي أنه يمتلك أركان بناء نظام اجتماعي، ويمكنه أن يقيم أسسه وأركانه، وأن يقيم على تلك الأسس نظاماً اجتماعياً ومجتمعاً سالماً ومتقدماً...".
"ما أردت التحدث عنه هو أن لكل نقص موجود في وضع المرأة في مجتمعنا هناك علاج، ذلك لأن الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة شاملة وكاملة وجامعة، ولا بد من العثور على طرق العلاج.
وعندما شكّلت الشورى الثقافية والاجتماعية النسوية كان الهدف منها هو هذا الأمر بالضبط... وعلينا اليوم أن نرى ما تحتاجه النساء من وسائل قانونية للسير في الاتجاه الذي يريده الإسلام للمرأة، وما هي الأفكار
44
35
الفصل الرابع: الوجه المشرق
والتأملات اللازمة، وما هي التوجيهات التي تلزمهن، وما هي المراكز الارشادية التي يجب أن توجد...".
المرأة في المجتمع الإسلامي
ولئن كان الإسلام هو العلاج لقضايا المرأة، إلا أنه لا ينبغي إنكار حقيقة أن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى مزيد من الجهود لإصلاح حال المرأة، فربَّ تشريع متكامل، وقانون تام، إلا أنه لا يلقى من أتباعه الإلتزام التام.
يقول القائد حفظه الله:
"... إن التحرك باتجاه الاقرار بحقوق النساء في المجتمع الإسلامي وفي مجتمعنا أمر لا بد منه، لكن يجب أن يكون على أساس إسلامي وبهدف إسلامي.
ولا يقولنّ البعض ما هذه النهضة وما هذه الحركة، وماذا ينقص المرأة في مجتمعنا؟ للأسف قد يفكر البعض هكذا إنها نظرة ظاهرية فالمرأة تعاني من الظلم ومن نقائص فرضت عليها في جميع المجتمعات ومنها مجتمعنا. لكن ذلك النقص ليس في الحرية بمعنى التهتك، بل إنه نقص في إتاحة الفرص لاكتساب العلم والمعرفة والتربية والأخلاق والتقدّم وتفتق الطاقات والإبداعات، ولا بد من تأمين ذلك لهنّ والبحث عنه، وهو ما يؤكد عليه الإسلام".
"... لقد بذلت جهود كثيرة، لكن رغم ذلك لا بد من
45
36
الفصل الرابع: الوجه المشرق
القيام بعمل ثقافي كبير حول قضية المرأة وحقوقها ورفع الظلم عنها وتمهيد الأرضية اللازمة لتحرك المرأة.
إنني اليوم أطرح بحثي هذا بهذه النيّة وهي المساعدة على ايجاد هذا الجو الثقافي، فإذا أصبح الجو الثقافي لمجتمعنا شفافاً في مجال مسائل المرأة، واتضحت الأحكام الإسلامية، والاراء القرانية في هذا المجال، فسيتعبّد الطريق أمام نساء بلدنا ليتمكنّ من الوصول إلى النقطة التي تعتبر هدفاً وغاية مطلوبة. رغم أنه بحث وكلام وقول، لكنه في الحقيقة عمل، ذلك لأن هذا الكلام سيجعل الجو الثقافي للمجتمع شفافاً والأذهان متفتحة".
الدفاع عن المرأة بين الثقافة الغربية والإسلامية
"إننا نرى خلال السنوات الأخيرة جهوداً تستحق التقدير قد بذلت في المجالات الفكرية والثقافية في بلدنا وفي مجال قضايا المرأة، لكن هناك نقطة أساسية: ما هو هدفنا من الحديث عن حقوق المرأة أو حول ايجاد أجواء تكاملها ورفع الظلم عنها، والحديث عن المرأة بشكل عام؟ ما هو الهدف من هذه الجهود والكتابات والكلام والنشاطات القانونية؟ إنه سؤال مهم
. ... هناك هدفان يمكن تصورهما للنشاطات الثقافية والحقوقية في سبيل بلوغ المرأة النقطة المطلوبة في
46
37
الفصل الرابع: الوجه المشرق
الناحيتين الاجتماعية والفردية:
الهدف الأول: هو بذل الجهد والسعي والكتابة والتحدث من أجل وصول المرأة إلى كمالها الوجودي، أي أن تصل المرأة في المجتمع أولاً إلى حقها الإنساني والحقيقي. ثانياً: تنمية قابلياتها لتجد نموها الحقيقي والإنساني ولتنال في النهاية تكاملها الإنساني، ولتصبح المرأة في المجتمع على شكل إنسان كامل، ولتكون إنساناً يساعد على تقدم البشرية ومجتمعها، ولتبدّل العالم، في حدود قدراتها، إلى جنة سعيدة وجميلة.
وهناك هدف اخر وهو أننا نسعى من خلال الكلام وبذل الجهد والجهاد أحياناً إلى ايجاد حالة خصام وتباعد ومنافسة عدائية بين جنسي المرأة والرجل، ونبني عالماً قائماً على أساس المنافسة، حتى يبدو المجتمع البشري هناك رجال في جهة ونساء في جهة أخرى، ويتنازع الطرفان حول المكتسبات، وتريد المرأة في هذا المجال أن تتغلّب على الرجل وتتفوّق عليه، هل هذا هو الهدف؟
إذاً هناك نظرتان يمكن رسمهما حول الهدف من هذا الجهد وهذه الحركة، وبتعبير اخر هذه النهضة، الهدف الأول هو هدف إسلامي، والهدف الثاني هو هدف قصير النظر.
إننا نرى اثار الهدف الثاني أكثر في الجهود التي تبذل في الدول الغربية...".
47
38
الفصل الرابع: الوجه المشرق
هل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟
يقول القائد حفظه الله:
"إن التعامل الحقيقي والصحيح هو الذي يلاحظ طبيعة المرأة، فلا يمكن للمرأة أن تنسى طبيعتها، وليس من المصلحة أن تنساها، لأن هذه الطبيعة مؤثرة في النظام الأتم، وهذا الوضع مؤثر ولازم، وإلا إذا بدّلنا هذا الجنس بشكل واقعي إلى الجنس الاخر، أو غيّرنا خصوصياته، نكون بذلك قد أنقصنا التكامل، أليس كذلك؟
علينا أن نبقي على المرأة مرأة وعلى الرجل رجلاً لتكتمل هذه المجموعة، وإلا إذا بدّلنا الرجل إلى امرأة في جميع خصوصياته وأخلاقه وسيرته وواجباته وأعماله، وبدّلنا المرأة رجلاً، إذا قمنا بأي من ذلك نكون قد قمنا بعمل خاطىء".
"﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ﴾1 هذا هو التغيير في خلق اللَّه الذي ذكر في القران، أي أننا نكون قد قضينا على النظام الأتم للخلق، ذلك النظام الذي يشكِّل ضرورة لهذه المجموعة الجنسية بهذه الخصوصيات، ولذلك الجنس بتلك الخصوصيات ليكمل كلٌّ منهما الآخر".
"إن الإسلام يدعم تكامل البشر، والإسلام لا يفرِّق بين الرجل والمرأة، فالإسلام لا يركِّز على جنس الرجل أو جنس المرأة، بل إنه يسعى إلى تكامل البشر. إنه يتحدّث
1- النساء:119.
48
39
الفصل الرابع: الوجه المشرق
تارة عن الرجل، ويتحدث أخرى عن المرأة، ويكرِّم المرأة حيناً، ويكرِّم الرجل حيناً اخر، ذلك لأنهما عنصرا الوجود البشري. ليس هناك أي تفاوت بينهما من الجانب البشري والإلهي. لذلك فإنّه في القران عندما يتحدث اللَّه عن الإنسان الصالح والإنسان السيء ويعطي مثلاً عنهم، فإنه يضرب مثلين من النساء، فيقول: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ... كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾1.
وحول الإنسان المؤمن يضرب مثلاً: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾2.
فيعطي مثالاً كاملاً عن الطريق الخطأ والطريق الصحيح بذكر نساء، وفي مكان اخر يتحدّث عن الرجال. فالإسلام لا يركّز على جنس المرأة والرجل بل يركِّز على التعالي البشري، على الأخلاق البشرية، على إبراز الطاقات الكامنة، على أداء المهام الموكلة لكل جنس من الأجناس البشرية، ولا بد من معرفة طبيعة كل منهما.
والإسلام يعرف جيداً طبيعة الرجل وطبيعة المرأة،
1- التحريم:10.
2- التحريم:11.
49
40
الفصل الرابع: الوجه المشرق
والمطروح في الإسلام هو التعادل، أي رعاية العدالة المحض بين أفراد البشر. ومن جملة ذلك بين جنسى المرأة والرجل، التعادل في الحقوق، لكن في بعض المجالات قد نجد أن أحكام المرأة تختلف عن أحكام الرجل، ذلك لأن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل، لهذا فإن أكثر الحقائق وأكثر واقعيات الفطرة والطينة البشرية حول المرأة والرجل موجودة في المعارف الإسلامية".
"إن مساحة حضور المرأة في ثلاث:
1- في حدود التكامل الإنساني
فإن نظر الإسلام هو: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين، والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اللَّه كثيراً والذاكرات، أعدّ اللَّه لهم مغفرة وأجراً عظيم)1.
عشرة صفات أساسية للرجل والمرأة دون أي تمييز...
2- المساحة الثانية حضور المرأة اجتماعياً
من نشاطات سياسية واقتصادية واجتماعية وما شابه (فكرية)، أي حضور المرأة في المجتمع...
3- والثالث
دور المرأة في الأسرة... إذاً في الساحة الأولى: أي ساحة
1- الأحزاب:35.
50
41
الفصل الرابع: الوجه المشرق
الرشد المعنوي والسمو الروحي والنفسي للإنسان، لا يوجد فرق بين المرأة والرجل، فالمرأة كالرجل والرجل كالمرأة يمكنهما أن يرتقيا الدرجات المعنوية العليا ويصلا إلى القرب الإلهي...
الساحة الثانية: ساحة النشاطات الاجتماعية التي تشمل النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بمعناه الخاص. والعلمي والدراسة والتدريس والكدح في سبيل اللَّه والجهاد وجميع ساحات الحياة الاجتماعية، في هذه الساحة أيضاً لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام، فمن يقول إن الرجل يمكنه أن يدرس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يدرِّس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس نشاطاً اقتصادياً والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس العمل السياسي والمرأة لا يمكنها ذلك، فإنه لا يبين المنطق الإسلامي، وكلامه مخالف لكلام الإسلام...
نعم هناك بعض الأعمال التي لا تناسب المرأة، ولا تتلاءم مع تركيبها الجسدي، كما أن هناك بعض الأعمال التي لا تناسب الرجل، ولا تتلاءم مع وضعه الأخلاقي والجسدي، لكن لا علاقة لذلك بقدرة المرأة على التواجد في ساحة النشاطات الاجتماعية أو عدم قدرتها، فإن تقسيم الأعمال يتم حسب الإمكانات والرغبة واقتضاء
51
42
الفصل الرابع: الوجه المشرق
كل عمل، فإذا تحققت الرغبة عند المرأة يمكنها أن تؤدي النشاطات الاجتماعية المختلفة، وكل ما هو متعلق بالمجتمع... القسم الثالث والمهم جداً هو الأسرة...1.
إن المراجع للأصول الإسلامية الشرعية (القرآن والسنّة) يرى بكل تأكيد المنطلقات التحريرية للنساء، وعدم التفريق بين الرجل والمرأة، (فيما عدا صور التخصيص القليلة لغرض معين) حقاً لو أخذنا الكتاب الكريم فإن أية سورة من سوره تكاد لا تخلو مما يدل على التسوية بين المرأة والرجل دون أي فرق في تقرير الحقوق والواجبات والتبعات. وليس أدل على ذلك من الأسلوب القرآني في توحيد الخطاب بصيغة التأنيث والتذكير فيما يتعلق بالحقوق والتبعات المتعلقة بجميع فروع النشاط البشري في حقول الحياة الخاصة والعامة، فإن الخطاب موجّه فيها دائماً إلى المرأة وإلى الرجل في صعيد واحد ودونما تفضيل مثل قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾2.
كما أن هناك من الأحاديث النبوية الشريفة ما يدعم ذلك. والمؤسف أن هناك مقولات تنطلق في المجتمع الإسلامي دون دراسة، كالمقولة التي تقول إن النساء نواقص العقول، فيأخذها الناس ويبنون عليها ويتناقلونها وكأنها مسلَّمة دينية.
1- صدر كتاب يتحدث عن هذا الموضوع عن مركز الإمام الخميني رحمه الله بعنوان "دور المرأة في الأسرة" لذا لم نفصِّل هنا.
2- الحجرات:13.
52
43
الفصل الرابع: الوجه المشرق
ولقد أشار سماحة القائد حفظه الله إلى التركيبة العقلية للمرأة قائلاً:
"المرأة لا تقل عن الرجل من حيث تركيبها العقلي، وأحياناً تكون أقوى منه، لكن فهم المرأة يختلف عن فهم الرجل، ونوع أحاسيس المرأة يختلف عن أحاسيس الرجل، فكل واحد منهما قد أوجد لمهمة تناسبه، وقد أودع ذلك في وجود الأفراد. فعند مواجهة بعض المسائل العلمية ليس هناك تفاوت بين فكر المرأة والرجل، لكن هناك تفاوتاً بينهما في طريقة الحياة...".
فالمقولة السالفة إذا صحَّت، فليست على إطلاقها، إنما لها معنى لا ينقص من قيمة المرأة وكمالها وعقلها وعلمها.
الحجاب
حرب على الحجاب ودعوة إلى الثبات
إن مسألة الحجاب، وسائر المسائل المتعلقة بالمرأة أضحت أداة بيد جمع من المغرضين المتآمرين، للهجوم الإعلامي ضد الإسلام.
وبديهي أن هذا الإعلام السيئ سيترك آثاره السلبية على الشباب، إذا لم يتم تحصينهم فكرياً بشكل كاف.
يقول القائد حفظه الله حول الهجوم على الحجاب:
"... عندما ترين بعض الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية التي تحكمها حكومات غير إسلامية، تجدن كيف يهاجم أعداء الدين الحجاب الإسلامي هكذا، فإن ذلك يبيّن مدى اهتمام نساء تلك الدول بالحجاب...".
53
44
الفصل الرابع: الوجه المشرق
ولقد مرّ معك مثالان عن دولتين إسلاميتين، كان قد مُنع الحجاب في مؤسساتها التعليمية والإعلامية، ولقد كان نظام الشاه الطاغوتي يعمل على تنفير المسلمات من الحجاب وعلى إشاعة السفور.
"خلال عهد النظام الطاغوتي كان البعض يتعامل مع الحجاب بسخرية واستهزاء، في ذلك العهد كان هناك عدد محدود من السيدات والفتيات الجامعيات المحجبّات، وكنَّ يتعرضن للسخرية والاستهزاء، إن ذلك التعامل كان تعاملاً غير إنساني وجلف وخاطىء، وهذا هو عين ما تقوم به وسائل الإعلام الغربية اليوم...".
وكم نسمع من أقوال الاستهزاء بالمحجبات في بعض مجتمعاتنا، الحجاب للعجائز! الحجاب تخلّف! الحجاب يمنعك من اظهار جمالك! الحجاب يقيِّد الحركة! الحجاب عادة قديمة! إلى اخر اللائحة... وإزاء هذا الكم من الاستهزاء والاتهامات تسقط الشَّابّة الضعيفة أمامها، ولا تعرف أن كل هذه الاتهامات ما هي إلا أباطيل يراد من خلالها اسقاط قيمة المرأة وإنسانيتها. وقد دعا سماحة القائد حفظه الله إلى الثبات وعدم التأثر بالاستهزاء والاستهتار يقول:
"على نساء إيران العالمات والواعيات أن يكملن طريقهن الواضح هذا، وأن يخطين فيه خطوات ثابتة وراسخة. وعلى الجيل الثوري والنساء المؤمنات أن يجتنبن ما يفعله السطحيون والغافلون، وأن يحذرن من العودة إلى الاستهلاك والتجمل الخاوي والميول غير الثورية، والعيش الجاهلي بالاختلاط غير المحمود...".
54
45
الفصل الرابع: الوجه المشرق
بين الحجاب الجاهلي والإسلامي
لا يعني الحجاب في الإسلام، حبس المرأة في البيت، بحيث لا ترى الشمس، ولا تشم ريح الحياة، كلا، إن الحجاب الإسلامي حجاب مبني على أسس عقلية منطقية حكيمة.
يقول القائد حفظه الله:
"... فالحجاب لا يعني انزواء المرأة، وإذا كان هناك من يستنتج أن الحجاب انزواء، فإن استنتاجه هذا خطأ محض وانحراف.
إن الحجاب يعني الحد من الاختلاط والتهتك بين المرأة والرجل في المجتمع، فإن هذا الاختلاط مضر للمجتمع، ومضر للمرأة والرجل، وخاصة للمرأة، فالحجاب لا يؤثر على النشاطات السياسية والاجتماعية والعلمية ولا يمنعها مطلقاً...".
إذاً الحجاب الإسلامي انفتاح وحركة، لا انغلاق وموت.
بعض غايات الحجاب
أ- الحجاب مقدِّمة لأمور أسمى
يقول القائد حفظه الله: "يجب أن تحيا قيم الإسلام في مجتمعنا، فمسألة الحجاب مثلاً هي مسألة ذات قيمة، ورغم أن الحجاب هو مقدّمة لأمور أسمى، لكنه بحد ذاته مسألة ذات قيمة. ونحن إذ نؤكد كثيراً على الحجاب، ذلك لأن حفظ
55
46
الفصل الرابع: الوجه المشرق
الحجاب يساعد المرأة على الوصول إلى مستويات معنوية عالية، ويصونها من الإنزلاق في منزلقات الطريق".
فالحجاب يساعد على الوصول إلى الجمال الحقيقي والكمال الأبقى، يقول سماحته حفظه الله:
"أقول إن الميل نحو الزينة والتجمل، كان قد خبا في مجتمعنا تدريجياً لسنوات... إني لا أعارض التظاهر بالتجمّل بحدِّه المعتدل والقليل، لكن إذا كان سيأخذ شكلاً إفراطياً، ليصبح تبرّجاً في الملابس والزينة والمساحيق والذهب والمجوهرات، فعلى النساء أن يمسكن عن ذلك، وأن يدركن أهمية الأمر، وأن يزهدن في ذلك لينصرف اهتمامهن نحو الجمال الحقيقي أكثر من الاهتمام بالجمال الظاهري...".
ب- الحجاب للحفاظ على عفة المرأة
"... كل حركة تسعى للدفاع عن المرأة يجب أن يكون ركنها الأساس هو عفّة المرأة، فكما قلت إن الغرب لم يهتم بقضية عفة المرأة ولم يعتنِ بها، فانتهى الأمر بهم إلى التهتك".
عفة المرأة هي أهم عنصر في شخصيتها... وهي وسيلة لسمو شخصية المرأة ورفعتها وتكريمها في أعين الاخرين، حتى في أعين الرجال المتهتكين، فعفة المرأة علة احترام شخصيتها.
"فقضية الحجاب والمحارم وغير المحارم والنظر وعدم النظر، إن كل تلك الأمور والأحكام إنما وضعت
56
47
الفصل الرابع: الوجه المشرق
للمحافظة على بقاء العفّة سالمة. فالإسلام يولي مسألة عفاف المرأة الأهمية، طبعاً فإن عفاف الرجل مهم أيضاً، فالعفة ليست مختصة بالمرأة، بل على الرجال أيضاً أن يلتزموا العفة، كل ما في الأمر أن الرجل في المجتمع يمتلك قدرة وقوة جسمية أكبر، ويمكنه بذلك أن يظلم المرأة،... لذلك طلب من المرأة الاحتياط أكثر. عندما تنظرن إلى العالم ترين أن أحد مشاكل المرأة في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية هي استغلال الرجال لقوتهم والاعتداء على عفة النساء.
إن الاحصاءات التي نشرها المسؤولون الرسميون في أمريكا نفسها... إحصاءات مرعبة حقاً، ففي كل ستة ثوان يقع اعتداء عنف في أمريكا! انظرن إلى مدى أهمية العفة، عندما أهملوا العفة بلغ بهم الأمر هكذا، كل ستة ثوان يقع اعتداء بالعنف، خلافاً لميل المرأة يستخدم رجل قوته، رجل ظالم متهتك غير عفيف يعتدي على عفة المرأة. إن الإسلام يلاحظ ذلك، إن قضية الحجاب التي أكد عليها الإسلام إلى هذا الحد، تأكيده من أجل هذا...".
ج- الحجاب للحفاظ على أمن المرأة
لقد مر في المقطع السابق الحديث عن أهمية الحجاب في أمن المرأة ولمزيد توسعة لمفهوم الأمن، نقول إن الأمن لا يقتصر على الأمن الجسدي بل يعمّ الأمن الروحي والفكري يقول القائد حفظه الله:
"ومن أجل أن لا يقع الاختلاط... وتحفظ الحدود
57
48
الفصل الرابع: الوجه المشرق
الأخلاقية، قام الإسلام بتعيين الحجاب للمرأة. وهذا الحجاب وسيلة من وسائل الأمن، فبحجاب المرأة تجد المرأة المسلمة أمنها، ويجد الرجل المسلم أمنه. وعندما يبعد الحجاب عن النساء وتقترب من العري والتهتك يسلب أمنها هي بالدرجة الأولى ويسلب الأمن من الرجال والشبّان ثانياً. لهذا فإن الإسلام عيّن الحجاب من أجل أن يكون الجو سالماً وامناً، ولتتمكن المرأة من مزاولة عملها في المجتمع، وليتمكن الرجل أيضاً من أداء مسؤولياته، وهذا الحجاب من الأحكام الإسلامية البارزة، وأحد فوائده هو ما ذكرته، وله فوائد أخرى...".
إذن الحجاب يحفظ أمن المجتمع الجسدي والمعنوي، وليس صحيحاً أن يقال إن أمن المرأة متوفر بشكل كامل في عصرنا، فكما مرّ معك من كلام القائد أن هناك إحصاءات مذهلة حول الاعتداءات الجنسية، التي تقع في العالم الذي يقال عنه متمدِّن!
أما الأمن المعنوي، فلأن الإنسان أعم من الرجل والمرأة كما أنه لا يشبع من الثروة والجاه، كذلك الأمر بالنسبة لأمور الشهوة الجنسية، والطلب اللامحدود لا يمكن تلبيته سواء أردنا أم لم نرد، وهو توأم مع لون من الإحساس بالحرمان. وعدم نيل الأماني بدوره يؤدي إلى اضطرابات وأمراض روحية ونفسية.
ومن أسباب ازدياد نسبة الأمراض النفسية في الغرب، التفلت الحاصل في الصحف والمجلات والحفلات والسينما والشارع...
فحصر التمتع الجنسي من وجهة نظر الإسلام في محيط الأسرة،
58
49
الفصل الرابع: الوجه المشرق
وبالأزواج المشروعين يساعد على الحفاظ على الأمن الروحي والعقلي، والتوازن العام للمجتمع، ويؤدي إلى تعميق العلاقات الصادقة والحميمة بين أفراد العائلة، كما يفضي اجتماعياً إلى حفظ واستثمار الطاقات باتجاه العمل والانتاج، وينتهي إلى رفع قيمة واعتبار المرأة أمام الرجل.
فالحجاب يعني حصر ألوان المتعة الجنسية سواء كانت بصرية أو سمعية أو لمسية في محيط الأسرة والزواج القانوني، ويبقى المحيط الاجتماعي والشخصي آمن، فالشخص يترقّى فكراً وروحاً، وبالتالي المجتمع يترقى ويتقدم ويتطور.
وقد ألفت القائد حفظه الله إلى هذا الأمر المهم:
"هناك شيء في الغرب يملأ العيون، وهو عدم وجود تفاوت في السيرة الاجتماعية للرجل والمرأة في المجتمع. فكما أن الرجل يدخل إلى الاجتماع فيسلِّم وينضم إلى الحاضرين، كذلك المرأة تدخل بنفس السهولة وتنضم إلى الموجودين... وهي نقطة ايجابية، لكنها سطحية وظاهرية وإلى جانبها سلبيات كثيرة.
أولاً: إنهما (أي الرجل والمرأة) داخل الأسرة ليسا كذلك إطلاقاً، فالاحصاءات والأخبار القطعية، لا الكلام المنبري والشعارات، كلها تشير إلى ظلم المرأة... حتى الرجل يظلم، لكنه رجل وصاحب اليد الأقوى... لكن التي تظلم بشكل قطعي هي المرأة، ذلك لأن زوجها يقيم علاقات عاطفية وجنسية مع عدّة نساء غيرها، وله علاقات حميمة ودافئة لا يقيمها مع زوجته! ذلك يشكل أكبر ضربة للمرأة.
59
50
الفصل الرابع: الوجه المشرق
فالمرأة ترغب مع شريك حياتها، وأن تكون بينهما علاقات عاطفية صادقة، وأن يكون الأقرب إلى بعضهما من العالم كلِّه...".
على هامش مسألة الحجاب (إلفاتات ووقاية)
لا يكفي أن نشرِّع مسألة ما، بل لا بد من ايجاد وسائل لتطبيق هذا التشريع تطبيقاً كاملاً، وللمساعدة على تحقيق هدفه.
أ- على النساء التخصص في المجالات الطبية كافة
وهنا اقترح القائد حفظه الله أمراً يساعد على تطبيق الحجاب:
"وأشير هنا إلى ضرورة تخصص النساء في كافة الفروع والتخصصات الطبية، وعدم الاكتفاء بالطب النسائي، فما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل، ونؤكد على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل، ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي الكامل، لذلك لا يمكننا إهمال المسألة الطبية، أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال، حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت، ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة...
بعض النسوة يعتقدن أن على المرأة أن تدرس التخصصات النسائية فقط، وأن يبقى تخصصهن محصوراً بأمراض الحمل والولادة، لكن الأمر ليس كذلك...".
60
51
الفصل الرابع: الوجه المشرق
ب- انشاء معاهد تعليمية نسائية
"بلغني أن هناك نية وحديث لايجاد جامعة خاصة بالنساء إنشاء اللَّه، أي أن يكون الأستاذ فيها والمدير والطلاب، بل وحتى الجهاز الإداري من النساء، خاصة في الجامعات الطبية. إنها فكرة جيدة جداً...".
ج- خطورة الخلوة بالأجنبي والتزين
وألفت القائد إلى ضرورة الانتباه لخطورة الخلوة بالأجنبي:
"في الإسلام هناك حجاب بين المرأة والرجل، إنه أمر لا يمكن إنكاره، فهذا الحجاب موجود، وهو موجود لحكمة ما، وحقيقة لا بد من وجوده. وعندما يقال أن انفراد الرجل والمرأة داخل غرفة مغلقة لوحدهما حرام، فإن لذلك التحريم معنى عميق وحكيم، وهو أمر صحيح، وكل رجل وامرأة إذا عادا إلى أنفسهما فسيؤيدان هذا الحكم. ... والحكم الذي يحرّم على المرأة أن تظهر بزينتها أمام الرجال وفي جمع من الرجال، إنه حكم صحيح...
الثقافة الإسلامية تذمُّ التبرُّج لغير الزوج...".
د- عدم الاختلاط السلبي
يقول القائد حفظه الله:
"... ومن جملة ذلك (الأحكام الإسلامية) مسألة الحجاب، ومسألة وجود حد بين الرجل والمرأة، وذلك الحد في منطقة خاصة ولا يشمل كل الأماكن...".
61
52
الفصل الرابع: الوجه المشرق
فعلى المرأة أن تحترز عن الاختلاط السيئ، طبعاً ليس كل اختلاط سيئ، فلا بأس بالاختلاط مع المحافظة على الموازين الشرعية.
"افترضن أن امرأة قد تقلَّدت منصباً حكومياً كبيراً... وكان ذلك المنصب مهماً جداً، ويراجعه رجال كثيرون، فلا إشكال في ذلك، ولا مانع من تولي امرأة لذلك المنصب، فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها الاف الرجال والمراجعين وبشكل حكيم.
وكذلك الأمر في ساحة المواجهة وفي ساحة الحرب، كالساحة التي شاركت فيها السيدة زينب، والسيدة الزهراء، والسيدة حكيمة، أو أخت الإمام الصادق عليه السلام حيث طلب الإمام من سائليه أن يسألوه".
ه- العلم والسفور
"... العلم بكلِّ عظمته تلك لا يساوي شيئاً أمام الحيثية المعنوية التي منّ بها اللَّه على المرأة. فإذا بلغت امرأة ما أعلى مستويات العلم، لكنها كانت مبتذلة في المسائل الإنسانية وفي علاقاتها الإنسانية كجنس من جنسين، فهل ترين لها قيمة؟ طبعاً المرأة العالمة تكون أقل تعرّضاً للابتذال. فإن من افات الأمية ارتفاع نسبة الابتذال عند النساء، وليس للابتذال حدّ معين.
إن الجوهر الإنساني، عزيز لدى المرأة والرجل، وعندما يتعلمان العلم والحكمة، فإنهما يسعيان إلى ابراز وجلاء ذلك الجوهر أكثر فأكثر...".
62
53
الفصل الرابع: الوجه المشرق
و- التبرج ظلم للمرأة
"على المرأة أن تعرف شأنها الحقيقي، ويجب أن لا تظلم لكونها امرأة، فإنه أمر سيء جداً. الظلم الذي لحق بالمرأة وسمي ظلماً، أو الظلم الذي لا يسمَّى ظلماً، لكنه في الحقيقة ظلم، كسوقها نحو التجمُّل والاستهلاك والزينة المفرطة والصرف المسرف وتبديلها إلى وسيلة للاستهلاك، هذا كله ظلم كبير للمرأة. قد يمكننا القول أنه من أشد الظلم لها، لأنه يجعلها غافلةً كلياً عن مقاصدها وأهدافها التكاملية، ويصرفها عنها، ويشغلها بأمور صغيرة جداً وحقيرة، وهذا ما قام به النظام الملكي الظالم، ولا بد الآن من الوقوف بوجهه...".
العباءة أفضل أنواع الحجاب
"إننا نرى أن الدراسات والبحوث الجارية التي تدور حول ستر المرأة هي بحوث جيدة، لكن عليكنَّ الالتفات أنّ أيّاً من هذه البحوث حول ستر المرأة يجب أن لا يكون متأثراً بالهجوم الإعلامي الغربي، فإن كان متأثراً فسيفشل. كأن نفكِّر مثلاً أن الحجاب جيد، لكن لا داعي للعباءة ذلك تفكير خاطىء. ولا أعني بذلك أن الحجاب لا يكون إلا بالعباءة، بل إني أقول إن العباءة هي أفضل أنواع الحجاب...
63
54
الفصل الرابع: الوجه المشرق
... هل تظنون أننا إذا تركنا العباءة، وتمسكنا بالمقنعة...فإن الغرب سيدعنا لشأننا؟ كلا، لن يقتنعوا بذلك، إنهم يريدون منّا أن نتبع ثقافتهم المنحوسة...".
نماذج إسلامية
أ- النموذج النسائي في القرآن الكريم
"... عندما أراد اللَّه تعالى أن يضرب مثلاً للمؤمنين على مدى تاريخ النبوّات قال في القران وضرب اللَّه مثلاً امرأة فرعون... فرغم وجود المؤمنين بكثرة في زمان النبي موسى والذين ضحوا في سبيل الإيمان، لكنه ذكر اسم النموذج النسائي، ما سبب ذلك؟ وهل أراد اللَّه تعالى أن ينحاز إلى جانب النساء؟ أم أن هناك أمراً اخر؟
القضية هي أن هذه المرأة قد بلغت انذاك قمة الحركة المعنوية، بحيث لا يمكن إعطاء مثل بغيرها. وكان ذلك قبل فاطمة الزهراء عليها السلام وقبل السيدة مريم الكبرى فكانت المثل لزمانها، هي امرأة فرعون وليس النبي أو ابن النبي أو زوجة النبي أو أسرة أي نبي، إن التربية المعنوية والرشد والسمو لتلك المرأة هو الذي بلغ بها منزلة المثل.
طبعاً هناك نقطة مقابلة ومعاكسة لها أيضاً، أي أن هناك مثلاً للفساد أيضاً، فإن اللَّه تعالى ضرب مثلاً لأسوء الناس فقال: "ضرب اللَّه مثلاً للذين كفروا امرأة
64
55
الفصل الرابع: الوجه المشرق
نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنينا عنهما من اللّه شيئاً..."1 فيذكر امرأتين كمثال لأسوء الناس، فما أكثر الكفار الذين كانوا على زمان نوح ولوط، لكن القران لا يذكرهم كمثال، بل يعطي مثالاً امرأتي نوح ولوط، فما هو منشأ هذه العناية بجنس المرأة والاهتمام بسموها وحضيضها؟ لعل القران أراد بذلك أن يشير إلى النظرة الخاطئة لأناس عصر النزول، وللأسف فإن تلك النظرة ما زالت مغلوطة اليوم، أراد أن ينبه أهالي الجزيرة العربية الذين كانوا يئدون بناتهم، وأهالى امبراطوريات العالم انذاك من روم وفارس".
ب- نساء الإسلام الأوائل
لقد كان نساء ورجال صدر الإسلام يفتخرون بدينهم ويعتزون به، ويثقون بأحكامه وتشريعاته، فيطبّقون أحكامه دون أن يجادلو، وذلك ثقة واعتزازاً بقيم وقوانين الدين الإسلامي.
يروى عن نساء الأنصار
"أنهن لمّا نزلت سورة النور: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾، انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل اللَّه إليهم منها، يتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحّل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل اللَّه من
1-التحريم:10
65
56
الفصل الرابع: الوجه المشرق
كتاب، فأصبحن وراء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كأن على رؤوسهن الغربان"1.
هذا هو المجتمع الإسلامي الأوّل، إنه مفعم بالإيمان، يلتزم بشدة وبسرعة وبلا جهد سوى أن أمر اللَّه الحكيم قد نزل، فلا حاجة للدعاية والنشر والكتب والخطب وبيان مضار الشيء ومفاسده، وصلاح الشيء ومنافعه. لذلك كان الرجال والنساء على طريق التكامل المعنوي الصحيح، فتقدّموا وتطوّروا وانتصروا، بعد أن كانوا متخلفين مغلوبين.
وإذا أرادت النساء أن يتقدمن ويتطورن ويرفعن الظلم عنهن فما عليهن إلا أن يثقن بدينهن ويلتزمن أحكامه.
يقول الإمام الخامنئي حفظه الله:
"لو طبِّق رأي الإسلام في أي مجال بشكل جيد، وحدّد ذلك الرأي بشكل صائب، فإن كثيراً من المشاكل، ولعلها جميع المشاكل ستحل في المستقبل. لكن للأسف فإن كثيراً من الناس لا يعرفون الاراء القرانية والإسلامية في كثير من القضايا. ومن بينها هذه القضية (قضية المرأة) ويولّون جل اهتمامهم للعادات والتقاليد والاستنتاجات والأذهان غير السليمة ولإنتاج الثقافات الغريبة عن الأديان الإلهية والغريبة عن الإسلام. إنهم يعرفونها أكثر، لذلك فإنهم يستمرون بالسير في الطريق الخاطىء".
1- تفسير ابن كثير، ج2، ص295.
66
57
الفصل الرابع: الوجه المشرق
وإليكم بعض ملامح النساء الأوائل:
"في صدر الإسلام كانت المرأة تتولّى مهمّة معالجة جرحى الحرب في ساحة المعركة، بل كانت تلبس النقاب وتبارز بالسيف خلال الحروب الشديدة، في نفس الوقت كانت تحتضن أبناءها داخل بيتها، وتربيهم تربية إسلامية، وتحافظ على حجابها، فليس هناك منافاة بين كل تلك الأمور...".
"... وكانت هناك نسوة... بارزات في صدر الإسلام، كن حاضرات في شتّى الميادين، حتى في ساحة الحرب، وقد شارك بعضهن في القتال، ممن كنَّ يمتلكن قوة جسديّة، رغم أن الإسلام لم يوجب ذلك على النساء، وأراحهنّ منه، لأنه لا يتلاءم مع طبيعتهن الجسدية ولا ينسجم مع عواطفهن".
ج- فاطمة الزهراء عليها السلام
من النساء الأوائل بل قدوة النساء فاطمة الزهراء التي أذهب اللَّه عنها الرجس وطهرها تطهيراً.
يقول القائد حفظه الله:
"يمتلك المسلمون وثقافتهم امرأة (فاطمة) بهذه العظمة، إن اللَّه تعالى كان قادراً على أن يجعل أعظم وأسمى امرأة في عداد الأمم الأخرى... لكنه جعلها في الأمة الإسلامية، وهي حجة علينا، وتنبيه لنا، لكي نجعل هذه الأسوة السامية أمام أعيننا، وأن نسعى للسير في درجاته".
67
58
الفصل الرابع: الوجه المشرق
وهكذا يجب أن تتعلم نساءنا من الزهراء
"إن على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكل أنواعه) ولا تهتم بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة وتكون عفتها وعصمتها وطهارتها بدرجة بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائياً...".
هذه هي فاطمة، قدوة النساء، في كل الخصال الحميدة، فهي العالمة فكنّ العالمات، وهي العابدة فكنّ العابدات، وهي المجاهدة فكنّ المجاهدات، وهي العفيفة فكنّ العفيفات.
د- المرأة الإيرانية
إن المقارن لأوضاع المرأة الإيرانية قبل وبعد الثورة، يرى الفرق الشاسع.
"ففي عهد الشاه كان التهتك في مدينة طهران وفي بعض مدننا الأخرى يفوق ما هو متعارف في المدن الأوروبية! فالمرأة الأوروبية العادية كانت ترتدي ملابسها وسترها، أما هنا فلم يكن الأمر كذلك، فما كنّا نرى ونسمع ونعلم، والمناظر التي كنا نراها، وهي ماثلة الان في أذهاننا، كانت تحيِّر الإنسان، وتجعله يتساءل عن سبب ذلك...".
فجاءت الثورة وانقلب الحال فبعد أن كان الحجاب وصمة عار في عهد الشاه، أصبح علامة العفاف والطهر والتكامل.
68
59
الفصل الرابع: الوجه المشرق
"فهذه هي عصمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً وللَّه الحمد ، فلا يقول البعض أن النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفة وإدارة البيت وتربية الأولاد، فكم من النساء العاملات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا... فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوعة، إن نساءنا اليوم في الجمهورية الإسلامية يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء، ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الإسلامية وكذا بالواجبات الزوجية كما يقول الإسلام، ويمارسن نشاطات علمية وثقافية...".
فبهذا تشكل نساء إيران النموذج والمثل لكلِّ نساء العالم، وخاصة النساء المسلمات، ويثبتنّ أن المرأة المسلمة هي المجاهدة الحركية العالمة، وبنفس الوقت هي المحجبة والعفيفة، فلا تلازم بين السفور والعلم، ولا تناسق بين التهتك والتطور...
69
60