مقدمة
المقدمة
لقد سعى كثير من الحكّام وعبر العصور لفصل الدين عن السياسة، لأغراض تخدم مصالحهم الشخصيّة ومواقعهم السياسيّة، ومكانتهم الاجتماعيّة، وبعضٌ حاول الاستدلال على هذه الفكرة بالدين نفسه، إلّا أنّنا نجد في هذا العصر فر يد الدهر الإمامَ الخمينيّ العظيم قدس سره، قد فجّر ثورة عظيمة، وأسّس جمهوريّة إسلامية، أساسها الدين القويم، مؤكّداً على فكرة "سياستنا عين ديننا"، وعدم الفصل بين الدين والسياسة.
وها هي الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم، ثمرة جهد الإمام قدس سره وحلم الأنبياء العظام عليهم السلام، تتألّق بالسياسة والعطاء، وتقدّم للعالم أروع نموذج من الحريّة الاجتماعيّة، والرقيّ الإنسانيّ، بشكل لا ينفكّ عن التمسّك بالقيم الدينيّة والتعاليم الإلهيّة.
وهذا الكتاب الّذي بين يديك أيُّها القارئ العزيز يهتمّ ببيان المباني السياسيّة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره في قسمه الأوّل، ثمّ يشير في قسمه الثاني إلى رؤية الإمام لمسألة ولاية الفقيه. ويتعرّض في قسمه الثالث للديمقراطية من وجهة نظره الشريف.
9
5
مقدمة
وبذلك يتشكّل للقارئ الكريم فكرة كاملة عن النظام السياسي في الإسلام. ولأهميّة هذا الكتاب من الناحية الفكرية، ومن الناحية العلميّة، ومن ناحية الشخصيّة العظيمة الّتي تقدّم هذه الفكرة وهو الإمام الخميني العظيم قدس سره، اهتمّ مركز نون للتأليف والترجمة، بترجمة هذا الكتاب ونقله من اللغة الفارسيّة للمفكّرين والقرّاء العرب، على أمل أن ينفع به كلّ من أراد الاستنارة والاستزادة من فكر الإمام الراحل قدس سره.
مركز نون للتأليف والترجمة
.
10
6
مقدمة
تمهيد
تُعتبر السياسة والحكومة من جملة المسائل الّتي رافقت التاريخ الاجتماعيّ للبشر؛ أي أنّهما بدأتا من تلك اللحظة الّتي جعلت الإنسان الأوّل يدرك أنّ حياته الاجتماعيّة رهن بالحياة والعيش إلى جانب الآخرين. ولقد هيّأت الحياة الجماعيّة للبشر الأرضيّة لمجموعة من المواجهات والتعارضات على مستوى الفرص المحدودة والخير القليل؛ ولذلك شعر الإنسان ومنذ فجر التاريخ بضرورة وجود قانون وسلطة تنفيذيّة من أجل حلّ الاختلافات والمشكلات الموجودة.
من جهة أخرى ساهم إحساس الإنسان بالأفضليّة والقدرة على السلطة في تسلّطه وتحكّمه على الآخرين عند امتلاكه إمكانات وقدرات تفوق الموجود بين أبناء البشر.
ولقد تشكّلت الحكومة ومن ثمّ السياسة من خلال ملاحظة الأمرين المتقدّمين، وبالتالي فإنّ ظاهرتَيْ الحكومة والسياسة تعودان إلى الأيّام الأولى لولادة الحياة الاجتماعيّة للبشر. وفي هذا الخضمّ يمكن ملاحظة الفارق الأساس بين عنصرَي الحكومة والسياسة (على الرغم من اتحادهما في عالم الواقع). ويمكن الوقوف على حيثيّات هذا الفارق
11
7
مقدمة
في أشكاله البدائيّة الّتي ظهرت في الحياة الاجتماعيّة الأولى.
الحكومة عبارة عن مؤسسة ذات سلطة على المجتمع تعمل على حفظ النظام فيه وتساهم في وجوده. والسياسة أسلوب تتمكّن الحكومة بواسطته من القيام بالوظيفتين المذكورتين. وممّا لا شكّ فيه فإنّ تطوّر الإنسان وتطوّر المجتمعات البشرية تبعاً له أدّى إلى تعقيد العلاقات الإنسانيّة، فأُضيفت وظائف جديدة إلى الحكومة وبالتالي اختلفت السياسات تبعاً لذلك.
وإذا كان العنف والإجبار الفيزيائيّ هما المظهران الأوّلان للسياسات المتّبعة في المجتمعات الأولى، فقد تطوّرت السياسات مع مرور الزمان، وذلك بسبب تطوّر الحياة الاجتماعيّة للبشر، حيث يعود التطوّر بالدرجة الأولى إلى انتشار العلم وتقدّم التجارب الإنسانيّة، وما زالت الأمور في معرض التطوّر حتّى يومنا هذا.
يمكن التأكيد على ثلاثة عناصر أساس في كلّ حكومة:
الأوّل: المبادئ والأصول الّتي تتشكّل الحكومة على أساسها.
الثاني: الأهداف الّتي تسعى الحكومة لتحقيقها.
الثالث: الأساليب الّتي تتّبعها الحكومة في الوصول إلى تلك الأهداف.
وبالالتفات إلى المبادئ والأهداف الّتي تُحدّدها الحكومة لنفسها،
12
8
مقدمة
لا مفرّ من اتّباعها سياسة خاصّة وامتلاكها تعريفاً وتوضيحاً خاصّين أيضاً. والسبب في ذلك أنّ فرض أصول ومبادئ خاصّة والعمل للوصول إلى أهداف محدّدة يقتضي اتّباع سياسة خاصّة، فلا يمكن اتّباع أيّ سياسة كانت للوصول إليها؛ فماهيّة الحكومة ليست إناءً يصلح لاستعمال أيّ سياسة فيه؛ بل هي قالب يجب أنْ يمتلك سنخيّة مع محتواه. وتصدق هذه القاعدة على جميع أنواع الحكومات، وبالأخصّ فيما يتعلّق بعدل الحكومة الإسلاميّة، وبالأخصّ ذات الطابع الشيعيّ.
المسلّم به في هذا الكتاب الّذي بين أيدينا هو أنّ نظام الحكم جزء من شؤون دين الإسلام والمذهب الشيعيّ، وبالتالي سيتركّز البحث حول توضيح هذا النظام والسياسات المطابقة له. صحيح أنّ مصادر الفكر الإسلاميّ تمتلك مقداراً وافياً لجهة توضيح وتبيين نظام الحكم في الإسلام وتعريف السياسات المطابقة له، لكنّنا نلاحظ في المرحلة المعاصرة عدم التعرّض لهذه النظريّات.
ومن هنا يُمكن الإطلالة على فكر الإمام الخمينيّ قدس سره باعتباره مجدّد ومحيي الرؤية الاسلاميّة والشيعيّة للحكومة.
لقد قدّم الإمام قدس سره هذه المجموعة من النظريّات بشكل دقيق وبلغة عصرية، وعَرض قراءة جديدة للنظام الحكوميّ في الإسلام بما يمتلكه من معرفة دقيقة للعالَم المعاصر واحتياجاته. هذه القراءة الّتي قدّمها الإمام قدس سره نابعة في الأساس من المصادر الإسلاميّة ومطابقة
13
9
مقدمة
لتوجّهات وسيرة الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وإلّا فإنّ إطلاق عبارة الجديد على هذه القراءة لا يعني أنّ هذه النظرية لم تكن موجودة أو أنّها بدعة جديدة. بل الجديد فيها أنّها تنظر إلى الواقع؛ حيث قدّم الإمام قدس سره نظريّته في الحكومة الإسلاميّة في زمن أُطلق عليه عصر العلمانيّة، وقدّم الإمام قدس سره رؤيته في وقت أصبح يُنظر إلى الحكومة الدينية فيه بعين الاستهزاء والنقد. ومن هنا فإنّ الحديث عن الحكومة الإسلاميّة في هذا الزمان هو بحدّ ذاته أمر جديد.
وكما أسلفنا فإنّ الكتاب الّذي بين أيدينا يتناول نظام الحكم في الإسلام والسياسات المناسبة له. لذلك سيتمحور الحديث حول هذا الأمر من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره. وبعبارة أخرى ستشكّل قراءة الإمام الخمينيّ قدس سره للإسلام والتشيّع محور الحديث في كتابنا هذا.
تمتلك رؤى الإمام الخمينيّ قدس سره, بالإضافة إلى ما ذُكر، أهمية خاصّة لجهة إمكانيّة الاعتماد عليها كمصدر للكشف عن الرؤية السياسيّة للإسلام. والسبب في ذلك أنّ الإمام قدس سره، وبالإضافة إلى تبحّره في المجال النظريّ (التفقّه في النصوص الإسلاميّة واستنباط الآراء الدينيّة منها)، كان موفّقاً في مجال العمل، حيث كانت قيادته للثورة وإدارته للنظام خلال السنوات المصيريّة من عمر الثورة (1357 هـ.ش ـ 1368 هـ.ش)، أي أنّه يمكن الرجوع إليها
14
10
مقدمة
كمصدر أساس. فقراءة الإمام للحكومة والسياسة تتمتّع ببُعد نظريّ من خلال رجوعه إلى المصادر والنصوص الدينية، وبُعد عمليّ ناظر إلى الواقع الموجود، وبالتالي قدّم الإمام رؤية موفّقة سواء على مستوى النظر أم العمل.
سنتحدّث بشكل أساس في كتابنا هذا حول ظاهرتَي الحكومة والسياسة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره. وإذا كانت مقالات الكتاب تتمحور حول الأبعاد المتنوّعة لمقولتي السياسة والحكومة إلّا أنّها تتمحور حول محور واحد، وهو تبيين البنية السياسيّة والحكوميّة الّتي عرضها الإمام الخمينيّ قدس سره.
صحيح أنّ هذه المجموعة من المقالات ليس بمقدورها الإحاطة بكامل رؤية الإمام للسياسة والحكومة إلّا أنّها توضّح بعض أبعاد الموضوع.
يحمل القسم الأوّل من هذه المجموعة عنوان "مباني السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره"، حيث تمّ التركيز بشكل أساس على الوصيّة السياسيّة الإلهيّة للإمام قدس سره. وسيتّضح في هذا القسم ما هي المباني الّتي اعتمد عليها الإمام في رؤيته للحكومة والسياسة.
وفي القسم الثاني تحدّثنا حول مسألة ملموسة في النظام الإسلاميّ،
15
11
مقدمة
وهي "رؤية الإمام الخمينيّ قدس سره لولاية الفقيه" وهل أنّها تتمّ من خلال التعيين أو الانتخاب. وتعرّضنا في هذا القسم بعد التدقيق في آراء الإمام قدس سره للحديث عن حلٍّ لذلك، حيث يتضمّن أسلوب الحلّ هذا جميع آرائه في هذا الشأن.
وتمحور القسم الثالث حول "الديمقراطيّة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره"، فتمّت دراسة آرائه في الديمقراطيّة ونقده للديمقراطيّة الموجودة، ثمّ عرضنا في القسم الرابع لدراسة موضوع "النُّخَب من وجهة نظر الإمام قدس سره".
حاولنا في هذه المقالات عرض آراء الإمام قدس سره في الموضوعات المذكورة من دون أدنى تدخّل أو تصرّف، وبالتالي وضعها في متناول المهتمّين بالأفكار السياسيّة للإسلام. لذلك فإنّ هذه المقالات، وبالإضافة إلى إثباتها رؤى الإمام الخمينيّ قدس سره، فهي جهد متواضع لتحريك أذهان المحقّقين في مجال العلوم السياسيّة.
والله وليُّ التوفيق
16
12
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
قراءة في الوصية الإلهية السياسية
17
13
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
تمهيد
تحليل مضمون الوصيّة السياسيّة الإلهيّة للإمام الخمينيّ فيما يتعلّق بمبادئ السياسة والحكومة المطلوبة.
إنّ تحليل المضمون هو أحد الأساليب المعتمدة للتحقيق والاستنباط في العلوم الإنسانية، والتي ترتبط بشكل أساس بعلم الاجتماع القائم على أساس الإحصاء.
بعد التدقيق في كميّة المفاهيم الموجودة في النصوص يمكن اللجوء إلى هذا الأسلوب وإجراء عملية مقايسة بين الكمّيات، والعلاقات المعنائيّة الموجودة بين الكمّيات، وبالتالي محاولة الكشف والاستنباط المفهوميّ. طبعاً يجب الالتفات إلى عدم إمكانية تحويل جميع المفاهيم في العلوم إلى كميّات بسبب عدم التطابق الكامل بين المفاهيم الرائجة في مجال العلوم الإنسانية والكمّ. ومن هنا فإنّ هذا الأسلوب لا يمتلك أهليّة إثبات الفرضيات المعتمدة في الدراسات الرائجة في العلوم الإنسانية.
19
14
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
وفي الواقع يجب أن تشكِّل هذه المسألة مانعاً أمام الاعتماد على هذا الأسلوب، كمؤيّد وقرينة لإثبات الفرضيّات والادّعاءات المطروحة في دراسات العلوم الاجتماعية. ورغم أنّ هذا الأسلوب يُستعمل غالباً في النصوص الإعلامية، إلا أنّ الرجوع إليه في الدراسة الّتي بين أيدينا إنّما هو لأجل الدلالة على ما أكّد عليه الإمام الخمينيّ قدس سره في وصيّته. وبعبارة أخرى: إنّ القيام بعملية إحصاء لبعض المفاهيم المستعملة في الوصيّة والمقايسة بينها يُرشدنا إلى محور التوجّه الّذي أراده الإمام والمفهوم أو المفاهيم الخاصّة الّتي تمحورت آراؤه حولها. فكثرة استعمال مفهوم خاصّ يشير إلى أهميّة وحساسيّة ذاك المفهوم عند المؤلِّف.
بناءً على ما تقدّم يمكن استخراج عشرة مفاهيم محوريّة من وصيّة الإمام تتعلّق بالسياسة والحكومة. وبما أنّ الإمام قدس سره بارع في استعمال المترادفات والعبارات البلاغية - وبالالتفات إلى مضمون وموضوع النصّ - فقد تمّ استخراج المترادفات هذه ووضعها تحت عناوين كلّيّة سنشير إليها مع المفاهيم الأخرى الّتي تدور في الفلك عينه.
وبما أنّ الموضوع الأصليّ لهذه الدراسة يتمحور حول مبادئ السياسة والحكومة في وصيّة الإمام، فقد تمّ استخراج المفاهيم الّتي تمتلك الخاصّتين التاليتين: أوّلاً ارتباطها بالسياسة والحكومة، وثانياً كون تلك المفاهيم مطلوبة ومقصودة للإمام الخمينيّ قدس سره .
20
15
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
1- الاستقلال
لعلَّ هذا المفهوم ومرادفاته من أكثر المفاهيم المستعملة في وصية الإمام قدس سره. وقد سجّل أعلى نسبة استعمال من بين المفاهيم العشرة الآتية الذكر. وبعبارة أخرى استُعمِل هذا المفهوم 39 مرّة. وأمّا المفاهيم الفرعيّة الأخرى الّتي يمكن وضعها تحت هذا العنوان والّتي ذُكرت في الوصيّة فعبارة عن: الاكتفاء الذاتي، عدم الارتهان، رفض سلطة الشرق والغرب، رفض التغرّب والاستشراق.
2- الحريّة
استُعمِل مفهوم الحريّة في وصيّة الإمام قدس سره ستّ عشرة مرّة منها أربعة تشير إلى الحريّة بمعناها السلبيّ (الحريّة بشكلها الغربيّ، الحريّة الهدّامة، الحريّة في المنكرات والحريّة من وجهة نظر الأعداء). أمّا الموارد الإثنا عشر الأخرى فقد أشارت إلى الحريّة بمعناها الإيجابيّ، ويضاف إلى ذلك أنّ الإمام استعمل مفهوم الحريّة بمعناها الإيجابيّ في ستّة موارد جنباً إلى جنب مع مفهوم الاستقلال.
3- الحكومة الإسلاميّة
ذُكرت عبارة الحكومة الإسلاميّة والعبارات الأخرى المرادفة لها كالحكومة الإلهيّة، والأمانة الإلهيّة، وحكومة الله، إحدى عشرة مرّة في وصيّة الإمام.
21
16
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
4- العدالة الاجتماعيّة
ذُكرت هذه العبارة ستّ مرّات في الوصيّة من دون وجود أيّ مرادف لها.
5- الوحدة بين المسلمين
استُعملت عبارة الوحدة بين المسلمين والاتّحاد بين الشعوب الإسلاميّة ستّ مرّات أيضاً.
6- الاتّحاد بين الدين والسياسة
ذُكر التعاون والاتّحاد بين الدين والسياسة وعدم الفصل بينهما ستّ مرّات في وصيّة الإمام قدس سره.
7- حكومة العدل
استعمل الإمام قدس سره في أربعة أماكن صفة العدل من أجل توصيف الحكومة الّتي يصبو إليها. الواضح أنّ هذا المفهوم يختلف عن مفهوم العدالة الاجتماعيّة اختلافاً واضحاً.
8 - الوحدة البشريّة
أكّد الإمام قدس سره في ثلاثة أماكن من وصيّته على إيجاد الوحدة بين أبناء البشر، عدا عن تأكيده على الوحدة بين المسلمين.
22
17
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
9- التطبيق العادل للقوانين
ذُكر هذا المفهوم في الوصيّة على شكلين: الأوّل إجراء القوانين بشكل عادل (مع التأكيد على العدالة) والثاني تنفيذ القوانين، وبشكل عامّ فقد ذُكر هذا المفهوم مرّتين في الوصيّة.
10- نجاة البشريّة
استُعمل مفهوم نجاة البشريّة من القيود الّتي تكبّلها وتسير بها نحو الزوال مرّتين.
23
18
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
الفصل الأول: مضمون وأهداف السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام في وصيته
25
19
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
مّا لا شكّ فيه أنّ التعرّف إلى مبادئ السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره في وصيّته يقتضي بدايةً التعرّض للتعريف الّذي أراده الإمام للسياسة والحكومة ومضمونهما، ومن ثمّ التعرّض للأهداف المنشودة من تأسيس هكذا حكومة وإجراء هكذا سياسة، على أساس أنّ مجموعة المبادئ والأصول الّتي عَرّف بها الإمام السياسة والحكومة، لا تتلاءم بأيّ نحو من الأنحاء مع السياسة والحكومة بمعناها الرائج والعُرفيّ. وسيؤدّي عدم توضيح قراءة الإمام لمقولتي السياسة والحكومة إلى مجموعة من المغالطات والاشتباهات في فهم نظريّته.
مضمون السياسة من وجهة نظر الإمام قدس سره
السياسة من وجهة نظر الإمام عبارة عن مجموعة من الأساليب تتّبعها الحكومة من أجل الوصول إلى أهدافها. وعلى هذا الأساس فإنّ تعريف السياسة في الحكومة الّتي أرادها الإمام عبارة عن: تطبيق القوانين بمعيار القسط والعدل وعدم فسح المجال للظالمين
27
20
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
والحكومات الجائرة، وبسط العدالة الفرديّة والاجتماعيّة، ومنع الفساد والفحشاء وأنواع الانحرافات، والحريّة بمعيار العقل والعدل والاستقلال والاكتفاء الذاتيّ وقطع الطريق على الاستعمار والاستثمار والاستعباد، وإقامة الحدود والقصاص والتعزيرات طبق ميزان العدل للحيلولة دون فساد المجتمع ودماره، وسياسة المجتمع وهدايته إلى موازين العقل والعدل والإنصاف1.
تُشكّل الأمور الّتي تقدّمت الإستراتيجيّة السياسيّة الكلّية المطلوبة للإمام الخمينيّ قدس سره، على أساس اختلاف الأساليب العمليّة والتنفيذيّة للاستراتيجيّات المتقدّمة الذكر، وذلك عند الأخذ بعين الاعتبار شروط المجتمع على المستويات الزمانيّة والثقافيّة والدوليّة.
وتوضّح عملية المقارنة بين هذه الرؤية والرؤية الرائجة بالأخصّ في موضوع السياسة عمق الاختلاف بين الرؤيتين العلمانيّة والدينيّة، حيث تشكّل مقولات السلطة وحفظ وبسط دائرتها العمود الفقريّ والمحوريّ في السياسة. وتلعب السلطة في السياسة المطلوبة للإمام دوراً آليّاً وتُستعمل من أجل تنفيذ الإستراتيجيّات الّتي تقع محلّ الحاجة بينما تمتلك السلطة في السياسة الرائجة في العصر الجديد (بعد الثورة الإصلاحيّة) مطلوبيّة ذاتيّة وهي هدف بعينه بالإضافة إلى كونها عنصراً آليّاً أيضاً.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، طهران، انشتارات أسوة، 1369 هـ ش، ص23.
28
21
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
أهداف السياسة المطلوبة
لعلّ الإطلاع على الصورة الّتي قدّمها الإمام قدس سره عن أهداف السياسة المطلوبة أمر سهل بعد الّذي ذُكر حول مضمون السياسة من وجهة نظره. ما يجب التوقّف عنده في مجموعة الأهداف الّتي طرحها الإمام للسياسة النموذجية، هو أنّها يجب أن تكون وطنيّة وعالميّة وشاملة.
وكما أنّ الإمام قدس سره لم يرضَ حصر السياسة المطلوبة في زوايا القوميّة والحدود الجغرافيّة والسياسيّة الضيّقة، فقد رسم أهداف السياسة المطلوبة في أبعادها العالميّة أيضاً. فحكومة العدل الإلهيّ من وجهة نظر الإمام قدس سره هي المؤسّسة الّتي تعمل على تنفيذ السياسات المتقدّمة وهي من الأهداف المقدّسة للقرآن الكريم1.
في الحقيقة، الحكومة المطلوبة بمثابة آلة ووسيلة يتمّ بها تطبيق الاستراتيجيّات المقبولة، وبالتالي يترتّب عليها تحقّق الأهداف التالية: قطع أيدي القوى الكبرى والظالمين على مَرِّ التاريخ ورفع يدها عن رؤوس المظلومين في العالم2، تحرّر البشر من العبودية وجميع الأغلال3، تحرّر الإنسان من شرّ الشياطين والطواغيت وإيصال
1- الإمام الخميني، الوصيّة السياسيّة الإلهيّة، ص4.
2- م. ن، ص19.
3- م. ن، ص7.
29
22
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
العالم إلى القسط والعدل وإيداع الحكومة في أيدي أولياء الله1، وإقامة الوحدة بين المسلمين لا بل بين تمام أبناء البشر2 ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الرؤية تتعارض ذاتياً مع أهداف السياسة بالمعنى الرائج. ومن خلال هذا الفهم للسياسة يمكن الإطلالة على ما أراده الإمام قدس سره من الوحدة بين الدين والسياسة.
إنّ هذه القراءة للسياسة (من حيث المضمون والهدف) تؤدّي إلى وجود شكل خاصّ من الحكومة المطلوبة؛ وبعبارة أخرى إنّ شكلاً خاصّاً من الحكومة يمكنه تطبيق وتنفيذ هكذا سياسات. ويضيف الإمام الخمينيّ قدس سره أنّ تشكيل هكذا حكومة هو من جملة الطرق الموجودة لتطبيق أوامر وتعاليم القرآن الكريم3. وستساهم هذه الحكومة في سعادة البشر سواء في الدنيا أم الآخرة، وتوصل الإنسان إلى كماله المطلوب4.
وقد عدّد الإمام قدس سره مجموعة من الخصائص الّتي يجب أن تمتاز بها هذه الحكومة، وهي على النحو الآتي:
"محاربة الظلم والفساد والاعتداء5 والحفاظ على مصالح
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص4.
2- م. ن، ص6.
3- م. ن، ص8.
4- م. ن، ص18.
5- م. ن، ص18.
30
23
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
المستضعفين والحؤول دون الظلم والجور وإجراء العدالة الاجتماعيّة"1.
وقد استعمل الإمام قدس سره بعض التعابير لوصف هذه الحكومة فتحدّث عنها على أنّها حكومة العدل2، والحكومة الإسلاميّة3، وحكومة الحقّ4. واستعمل، في معرض وصفه للأساليب والسياسات الكلّية والإستراتيجيّات المتقدّمة الذكر، عبارة السياسة السليمة5. وهذا يعني أنّ السياسات الموضوعة بواسطة البشر غير سالمة. يمكن تلخيص ما تقدّم من مسائل بما يلي: السياسة والحكومة المطلوبتان من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره تمتلكان الخصائص والمميزات التالية:
1- محوريّة السعادة.
2- أنْ تتكفّلا بدنيا الإنسان وآخرته.
3- العالمية والشموليّة (عدم المحدوديّة في القوميّة).
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص26.
2- م. ن، ص26.
3- م.ن ص8.
4- م.ن، ص26.
5- م.ن، ص26.
31
24
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
الفصل الثاني: مبادئ السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره في وصيته
33
25
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
تمهيد
هذا الفصل مخصّص لتوضيح مبادئ السياسة والحكومة المطلوبة عند الإمام في وصيّته.
من المهمّ قبل كلّ شيء التذكير بأنّ المبادئ والأصول الّتي سنتعرّض لذكرها لم يتمّ ترتيبها على أساس منطقيّ، وبالتالي فإنّ تقديم أو تأخير بعضها لا يشير إلى أهميّتها أو عدم ذلك. ونؤكّد أيضاً في هذا السياق على أنّ بعض الأمور الّتي ستُذكر في هذا الفصل تحت عنوان المبادئ تمّ الحديث عنها في الفصل السابق تحت عنوان السياسات المطلوبة وخصائص الحكومة الإسلاميّة. أمّا سبب هذه الوحدة والاشتراك (الاشتراك بين بعض المبادئ والسياسات والخصائص) فهو وجود علاقة وثيقة بين المبادئ والهيكليّات القائمة في الأساس على تلك المبادئ، حيث يؤدّي الأمر إلى إنتاج هيكليّات على أساس المبادئ وبواسطتها هذا من جهة، وإعادة إنتاج مبادئ أخرى بواسطة الهيكليات من ناحية أخرى.
35
26
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
أما مبادئ السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام في وصيّته، فعبارة عن:
1- الاستقلال
إنّ مفهوم الإستقلال من أهمّ الأمور الّتي يجب أن تكون على رأس مبادئ وأصول السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره بناءً على الوصيّة. وقد ذكرنا في الفصل المتقدّم أنّ مقولة الإستقلال هي المقولة الّتي تمّ التأكيد عليها في وصية الإمام قدس سره بحيث لا نجد أيَّ مفهوم آخر يحمل التأكيد نفسه.
يعتقد الإمام الخميني قدس سره أنّ الإستقلال يتجلّى في ثلاثة أبعاد:
أ - الاستقلال السياسيّ.
ب - الاستقلال الثقافيّ.
ج - الاستقلال الاقتصاديّ.
أ- الاستقلال السياسيّ
إنّ دقّة رؤية الإمام قدس سره في الأوضاع السياسية للعالم المعاصر دفعته إلى تقديم رؤية مبتناة على فرضيّات واقعيّة في المجال السياسيّ. ولعلّ من جملة تلك الفرضيّات التأكيد على القوى الاستعمارية الأجنبية وحاكمية القوّتين العُظميين في العالم تبعاً لذلك، وتأثير ذلك في مصير البشرية والعالم الإسلاميّ وإيران.
36
27
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
أكّد الإمام قدس سره وفي أماكن متعدّدة من وصيّته وأغلب بياناته الأخرى على الدور الّذي يقوم به المستعمرون والقوى العظمى، في مجال تحديد مصير المستضعفين في العالم والمسلمين وشعب إيران. وقد رفض الإمام تسلّط القوى العظمى على سياسات ومقدّرات وحكومات الدول الإسلاميّة، ورفض أيضاً عبودية وتبعية أغلب سياسيّي وحكّام الدول الإسلاميّة للتسلّط العالميّ.
في هكذا أجواء أكّد الإمام قدس سره على ضرورة الإستقلال السياسيّ للعالم المعاصر وبالأخصّ إيران الإسلاميّة، حيث قام بتعداد آثار ونتائج عدم الإستقلال السياسيّ. واعتبر الإمام أنّ تبعيّة الأنظمة الإسلاميّة للشرق والغرب مصيبة بحدّ ذاتها1 ، وأكّد على قطع أيدي المستعمرين الأجانب2 والظالمين والمتسلّطين على إيران3.
واعتبر الإمام أنّ تدخّل سفارات الدول الاستعماريّة في تعيين رئيس الحكومة والمجالس في إيران قبل الثورة4 هي من نتائج التبعية السياسية الّتي أكّد الإمام قدس سره مراراً وتكراراً على قبحها وعدم صوابيّتها. وقد بلغت أهميّة الإستقلال السياسيّ عند الإمام إلى درجة أنْ عبّر عنها في وصيّته بصراط الله المستقيم الّذي ينفي
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص35.
2- م. ن، ص20.
3- م. ن، ص16.
4- م. ن، ص16.
37
28
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
التبعيّة للشرق الملحد والغرب الظالم والكافر. وقد تحدّث الإمام قدس سره في وصيّته بإسهاب حول عدم التبعيّة للشرق والغرب، ورفض قبول سلطة القوى العظمى الموجودة حالياً على المستوى الدوليّ (هذا في وقت تتّجه أغلب الدول فيه تقريباً إلى قطبَيْ العالم الشرق أو الغرب).
ب- الاستقلال الثقافيّ
لعلّ العنصر المحوريّ الّذي يمكن مشاهدته في هذا البُعد من الإستقلال هو رفض الإنبهار بالشرق والغرب. ولعلّ عبارة الانبهار بالشرق واحدة من التعابير الّتي تلاحَظ بكثرة في وصيّة الإمام قدس سره. وأمّا مراد الإمام من الإنبهار بالشرق والغرب فهو التخلّي عن ثقافتنا والإرتباط والتسليم أمام الثقافتين المسيطرتين على العالم في تلك المرحلة.
يقول الإمام: "من جملة المؤامرات الّتي تركت - للأسف - أثراً كبيراً في مختلف البلاد وبلدنا العزيز، وما تزال آثارها قائمة إلى حدّ كبير، جعل الدول المنكوبة بالاستعمار تعيش الغربة عن هويّتها لتصبح منبهرة بالغرب والشرق بحيث إنّها لا تقيم أيّ وزن لنفسها وثقافتها وقوّتها"1.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص39.
38
29
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
وبما أنّ الثقافة الّتي يمتلكها الشعب أو المجتمع هي العنصر الأساس في مقاومته، مقابل التسلّط السياسيّ والإقتصاديّ للأجانب، فإنّ حذف هذا العنصر يدفع القوى المستعمرة والمتسلّطة إلى عدم رؤية القوى المقاومة وعدم أخذها بعين الاعتبار، وبالتالي يتمكّن المستعمر من الوصول إلى أهدافه السياسيّة والاقتصادية بسهولة، حيث تعيش الأمّة المغلوب على أمرها حالة من الغفلة.
يظهر من خلال الدقّة في وصيّة الإمام قدس سره تأكيده ودقّته في هذه الإستراتيجية، وتوضحيه سبب تفوّق القوى العظمى. ثمّ أشار إلى الآثار السلبية لهذا النوع من السياسات على الشعوب الواقعة تحت التسلّط والاستعمار، فعمد إلى توضيح الأساليب التنفيذيّة لهذه الإستراتيجيات، حيث يؤدّي فهم المخاطبين لهذا الخطر إلى انكشاف وفهم أساليب النفوذ ووسائل مواجهتها. ويؤكّد الإمام أنّ حضور الأساتذة والمعلّمين المنبهرين بالشرق والغرب في المراكز التعليميّة1، هو من جملة الأساليب الثقافية التسلّطيّة الّتي استخدمها المستعمرون ضدّ المجتمعات. تُقدّم ثقافتنا وحضارتنا في هكذا مراكز تعليمية على أنّها أمور قديمة ارتجاعية، ثمّ بعد ذلك يُقدّمون الشرق والغرب بعنوان بدائل وحيدة لِما تمّ نسخه، ثمّ يصبح طلّاب تلك المراكز علماء ومؤلّفين يتفاخرون بتبعيتهم للشرق أو الغرب.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة, ص17 و 36.
39
30
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
بهذا الأسلوب يحرّضون وينتقدون الثقافة الشعبية ويجعلونها في حالة انزواء واندحار1.
إنّ المفكّرين المعروفين بتنوّرهم وبدل أنْ يحاولوا التفكير باستقلال وحريّة بلدهم وشعبهم يميلون نحو أحد قطبي العالم2.
لعلّ بعض وسائل الإعلام كالراديو والتلفزيون والمطبوعات والسينما والمسرح تشكّل جميعها واحدة من وسائل نفوذ وترويج الفكر والثقافة المرتبطة بالخارج في المئة سنة الأخيرة3. ويضيف الإمام قدس سره أنّ السينما والتلفزيون وهما من منتجات الغرب والشرق وسيلتان تحرفان الشباب عن مسير الحياة الطبيعيّة والعمل والإنتاج والمعرفة وتسوقانهم نحو التنكّر للذات وسوء الظنّ بثقافة البلد4. وقد عَنْوَن الإمام قدس سره طرق الحصول على الإستقلال الثقافيّ ومواجهة المشكلات المتقدّمة من خلال إدارة الجامعات ومراكز التربية والتعليم، ويتمّ ذلك بواسطة البرامج الإسلاميّة الّتي تضع الأطفال والناشئة والشباب على طريق التفكير بمصالح البلد5. واعتبر أنّ سلامة الاستقلال الثقافيّ وبقاءه إنّما يتمّ في إطار الحفاظ على الجامعات ومراكز التربية والتعليم، وإبقائها بعيدة عن نفوذ العناصر المنحرفة المنبهرة بالشرق والغرب.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 39 و 40.
2- م. ن، ص 63.
3- م. ن، ص 73.
4- م. ن، ص 74.
5- م. ن، ص 64.
40
31
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
(وقد عَبَّر الإمام في وصيّته عن هذا المفهوم بالاكتفاء الذاتيّ).
ج- الاستقلال الاقتصاديّ
تبرز أهمية الإستقلال الاقتصاديّ لناحية عدم القدرة على تحصيل الإستقلال الثقافيّ والسياسيّ من دونه. ولعلّ الحفاظ على الإستقلال الاقتصاديّ أهمّ أساليب وطرق الحفاظ على الإستقلال السياسي والثقافيّ. ويعتقد الإمام قدس سره أنّ القوى المتسلّطة أغرقت أسواق الشعوب بالبضائع بهدف إبقائها في حالة تأخّر1.
والنتيجة كانت: "إستيراد البضائع من جميع الأنواع وإلهاء النساء والرجال خصوصاً طبقة الشباب بأقسام البضائع المستوردة من قبيل أدوات التجميل والزينة والكماليات والألعاب الصبيانية وجرّ الأسر إلى التنافس في الروح الإستهلاكية الّتي تبذل الجهود الكبيرة لتنميتها..."2. ويؤكّد الإمام في وصيّته: "ما دمنا محتاجين إلى مَدّ أيدينا في الصناعات المتقدّمة إلى الآخرين فلن تتشكّل فينا قدرة الإبداع في الاختراعات"3. ويوصي من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتيّ والإستقلال الاقتصاديّ: "إذا حُرِّمت البضائع المستوردة من المستعمرين وحاولنا رفع مستوى الابتكار والإبداع نأمل حينها أن
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 71.
2- م. ن، ص 42.
3- م. ن، ص 71.
41
32
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
يصل البلد إلى الاكتفاء الذاتي والتخلّص من التبعيّة لهم"1. ويقول أيضاً: "يجب على الدول والمسؤولين ـــ إنْ في الجيل الحاضر أو في الأجيال القادمة ـــ أن يقدّروا متخصّصيهم ويشجّعوهم على العمل بالمساعدة المادية والمعنوية، وأنْ يحولوا دون استيراد البضائع الإستهلاكيّة المدمّرة ويتكيّفوا مع الموجود عندهم إلى أن يصنعوا كلّ شيء"2.
بشكل عامّ يمكن تلخيص وصيّة الإمام في خصوص الإستقلال الاقتصادي بالجملة الآتية: "وصيّتي للجميع أن امضوا قُدُماً، بذكر الله المتعال، نحو معرفة النفس والاكتفاء الذاتيّ والاستقلال بكلّ أبعاده". ويؤكّد الإمام قدس سره أنّ العامل الأصليّ الّذي يؤدّي إلى استقلال البلد والمجتمع هو النجاة من التبعيّة للقوى المستعمرة والوفاء للإسلام3. ومما لا شكّ فيه أنّ مصدر تأكيد الإمام قدس سره في وصيته السياسيّة الإلهية على هذه الأمور نابع من تعاليم أهل البيت عليهم السلام، هذه التعاليم الّتي لا يتطرّق إليها تسلّط الكفّار على المؤمنين على الإطلاق4.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة،، ص 72.
2- م. ن، ص 43.
3- م. ن، ص 35.
4- إشارة إلى الآية الشريفة: "وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً". سورة النساء الآية: 141.
42
33
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
2- العدالة الإجتماعيّة
العدالة الإجتماعيّة واحدة من جملة مبادئ السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام الخميني قدس سره والّتي أكّد عليها في وصيّته. وتصل أهميّة هذه المقولة إلى مستوى كونها الدافع الّذي جعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يشكّل الحكومة1. يعتقد الإمام قدس سره أنّ تشكيل حكومة الحقّ بهدف إقامة العدالة الاجتماعية هو بعينه ما سعى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومون عليهم السلام وسائر الأنبياء عليهم السلام في تحقيقه، لا بل اعتبر السعي لإقامة العدالة الاجتماعية بواسطة حكومة صالحة من أكبر الواجبات والعبادات2.
ويعتبر الإمام قدس سره أنّ العدالة الاجتماعية من الأمور اللازمة والضرورية للحكومة السليمة3. ولذلك أكّد مراراً في الوصيّة على العدالة الاجتماعية، وأوصى بالعمل على إقامتها.
أمّا فيما يتعلّق بمصاديق العدالة الاجتماعية فقد أكّد الإمام على بعض الأمور من جملتها إزالة التمييز والإختلاف الطبقيّ الّذي يتشكّل عادة بسبب العلاقات الظالمة، وتقليل الفارق في الإمكانيّات والوسائل بين المناطق الريفيّة والقرويّة والمدن.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 24.
2- م. ن، ص 26.
3- م. ن، ص 91.
43
34
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
وإذا علمنا أنّ الإمام أكّد مراراً على أنّ إقامة العدالة الاجتماعية من جملة ما دفع الأنبياء والأولياء عليهم السلام إلى تشكيل الحكومة، عندها يمكننا الخلوص إلى النتيجة التالية وهي أنّ الحكومة الّتي يمكنها إقامة العدالة الاجتماعية هي الّتي تقوم أسسها على العدل كما قامت حكومة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أساس العدالة. من هنا يمكن النظر إلى رؤية الإمام هذه على أنّها صدى لرؤية القرآن الكريم فيما يتعلّق بالقسط والعدل, لأنّ الثمرة العملية لبعث الأنبياء عليهم السلام وإنزال الكتب والميزان، إقامة القسط بين الناس1.
3- الوحدة
استُعمل مفهوم الوحدة في وصيّة الإمام في معانٍ ثلاثة: الأوّل هو الوحدة بين جميع طبقات الشعب، بالأخصّ الطبقة المثقفة والنُّخب الفكرية، كالجامعيّين وعلماء الحوزة. الثاني الوحدة بين الناس ومسؤولي الدولة. الثالث الوحدة بين السياسيين. واعتبر الإمام قدس سره أنّ سر بقاء الثورة الإسلاميّة هو في الوحدة2.
وأكّد الإمام قدس سره أنّ وحدة كلمة الشعب بدافع إلهيّ هي من جملة أسباب انتصار الثورة3. ومن هنا يمكن التحدّث عن مقولة الوحدة
1- راجع، القرآن الكريم، سورة الحديد، الآية:25.
2- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 20.
3- م. ن، ص 20.
44
35
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
باعتبارها واحدة من مبادئ السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره. وقد تحدّث الإمام قدس سره عن ما يترتّب على هذه الوحدة والتعاون بين الناس، فأكّد على قضية هامّة وهي ترقّي وتطوّر البلد الإسلاميّ1.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أهمّيّة ودور الوحدة الإيجابيّ في بناء السياسة والحكومة، نرى الإمام يؤكّد في الوصيّة ـ متوجّهاً إلى الشعب والمسؤولين ـ على ضرورة توثيق الوحدة والانسجام وبالتالي القضاء على إعلام الأعداء الّذي يراد منه التفرقة وإيقاع العداوة2.
مما لا شكّ فيه أنّه كلّما كان الاختلاف والافتراق واسعاً بين الشعب والمسؤولين فستتّسع على أثر ذلك المشاكل الّتي تصيب الحكومة، وبالتالي سيؤدّي الأمر إلى سقوط تلك الحكومة. وفي المقابل تؤدّي الوحدة والتعاون بين أبناء الشعب من جهة وبين الشعب والمسؤولين أو بين المسؤولين أنفسهم من جهة أخرى إلى ثبات الحكومة والمجتمع واستقرارهما.
طبعاً تتحقّق الوحدة الشعبية منطلقة من دوافع ذاتية بعيدة عن أنواع الإجبار والإكراه. وفي هذه الحالة فقط يلمس أبناء الشعب الثمرات الإيجابيّة لهذه الوحدة، وعكس ذلك عند الإجبار والإكراه، حيث لا يؤدّي الأمر سوى إلى الديكتاتورية. والمقصود من الاتّحاد هو
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 100.
2- م. ن، ص 21.
45
36
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
كون الشيء إلى جانب آخر، وهذا الوضع لا يمكن أن يكون له نتائج إيجابيّة من خلال نفي الانتخاب وإيجاد الإجبار، بل قد يؤدّي الأمر إلى نقض الغرض وإزالة الأرضية الضرورية للتوحّد.
4- المشاركة الشعبيّة
تُعتبر المشاركة الشعبيّة من الأمور الّتي تشكّل مبادئ وأصول السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام بناءً على وصيّته. ولعلّ شدّة تأكيد الإمام قدس سره على هذه المقولة توضح مقدار اهتمامه بهذا الأصل المحوريّ في وجود الحكومة النموذجيّة.
اعتبر الإمام قدس سره أنّ وجود وتأسيس نظام الجمهورية الإسلاميّة إنّما يتمّ بواسطة القدرة العالية لأبناء الشعب1. وهذا ما يؤكّد أهميّة ودور المشاركة الشعبيّة في أصل تأسيس الحكومة والسياسة من وجهة نظر الإمام. وقد قدّم الإمام مجموعة من الإرشادات في خصوص المشاركة الشعبية يمكن تلخيصها بما يلي:
أ- المشاركة تكليف وليست حقّاً
تشير رؤية الإمام في الوصيّة إلى أنّ الشعب المسلم مكلّف بالمشاركة، وذلك خلافاً للآراء الرائجة في الأنظمة الوضعيّة المعاصرة وبالأخصّ تلك الّتي تعتبر المشاركة نوعاً من الحقوق. أمّا
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 18.
46
37
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
الإمام قدس سره فقد اعتبر مشاركة الشعب من جملة الواجبات، واستعمل عبارات تدلّ على ذلك: الوظيفة الشرعيّة1، التكليف2، الضرورة3، الوجوب4، واعتبر أنّ عدم مشاركة الشعب عندما يجب أن يُشارك من جملة الذنوب الكبيرة الّتي لا يُعفى عنها5، واعتبر في مكان آخر أنّها تقع على رأس جميع الذنوب6. إنّ هكذا رؤية لمقولة المشاركة (طبعاً المستلهَمة من فكرة الوحدة بين الدين والسياسة) أدّت إلى اعتبار مشاركة الشعب في المسائل السياسيّة والحكوميّة نوعاً من التكليف الّذي لا يمكن تجاوزه، وليس مجرّد حقّ يتمكّن الشعب من الاستفادة منه. طبعاً يجب الالتفات إلى أنّ الإطار المرسوم لمشاركة الشعب إنّما هو الإطار الدينيّ حيث يقع في استطاعة الفرد, ولهذا أكّد الإمام على لزوم المشاركة في الأمور السياسيّة والحكوميّة بمقدار ما يملكه هذا الشعب من إمكانات وقدرات7.
ب- أرضيّة المشاركة
إذا كان الإمام يعتقد بأنّ المشاركة في السياسة والحكومة وظيفة وتكليف للشعب إلّا أنّ تهيئة الأرضية الضروريّة للمشاركة هي شرط
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 51.
2- م. ن، ص 76.
3- م. ن، ص 48.
4- م. ن، ص 51.
5- م. ن، ص 48.
6- م. ن، ص 51.
7- م. ن.
47
38
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
لازم وضروريّ لتحقّق تكليفهم. فما دامت موانع المشاركة موجودة ولم يتحقّق الجوّ الحرّ لتدخّل جميع طبقات الشعب، فليسوا مكلّفين بالمشاركة السياسيّة، وعلى هذا يتحقّق تكليف الشعب بعد رفع الموانع وإيجاد جوّ حرّ يتيح المشاركة1.
ج- مجالات المشاركة
حَدَّد الإمام مجالات متنوّعة، يتمكّن الشعب من المشاركة من خلالها، وهي في الواقع أمور حقيقيّة تشكّل الأبعاد الواقعيّة الّتي يمكن للشعب المشاركة من خلالها. والمجالات هذه عبارة عن:
1- الانتخابات: الانتخابات واحدة من المجالات الأساسيّة والمصيريّة الّتي يجب أن يشارك الشعب فيها. وقد أوكل إلى الشعب مهمّة المشاركة في جميع أنواع الانتخابات والاستفتاءات كانتخاب أعضاء مجلس القيادة، ورئيس الجمهورية، وممثّلي مجلس الشورى وأعضاء المجالس المحليّة والبلديّة. وقد أوصى الإمام الجميع بالمشاركة في جميع الانتخابات2، واعتبر أنّ المسامحة والتخلّف عنها من جملة الذنوب الكبيرة3.
2- الحفاظ على الحكومة والنظام: إنّ حفظ النظام والحكومة هو مجال آخر تتجلّى فيه المشاركة الشعبيّة. وهذا يستلزم أن يكون
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 48 و 49.
2- م. ن، ص 51.
3- م. ن، ص 54.
48
39
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
عمل المسؤولين بطريقة تجعل الشعب يشعر بأنّ النظام يتعلّق به فيكون مستعدّاً للحفاظ عليه من خلال المشاركة.
ممّا لا شكّ فيه أنّه لا يمكن توقّع مشاركة الشعب في مسألة هامّة وخطيرة وذات تكاليف ماديّة ما لم تتهيّأ الأرضيّة المناسبة لذلك. ولذلك اعتبر الإمام قدس سره أنّ الثورة ملك للشعب ويجب على الجميع الحفاظ عليها1. وطلب من الجميع بذل الوسع والجهد في الحفاظ على الجمهورية الإسلاميّة2.
3- حلّ مشاكل الدولة: يعتقد الإمام قدس سره أنّ حلّ مشاكل الدولة واحد من المجالات الّتي تظهر فيها المشاركة الشعبية. وعليه فقد توجّه الإمام قدس سره طالباً من الشعب المشاركة روحاً وقلباً في حلّ المشكلات3.
اللافت في العبارات الّتي استخدمها الإمام في الوصية أنّه خاطب الناس بعبارة "الروح والقلب". وهذا يشير إلى أنّ حلّ المشكلات يكون بواسطة المشاركة النابعة من الاشتياق والتقدّم نحو العمل. ولن تتحقّق هذه المشاركة إلّا عندما يعتقد الناس أنّ الدولة منهم وعند ثقتهم بها، وهذا لن يحصل إلّا عندما يعمل مسؤولو الدولة على حماية الناس وإعطائهم الإطمئنان.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 55.
2- م. ن، ص 19 و 34.
3- م. ن، ص 34.
49
40
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
4- مواجهة الأخطاء: يتطابق هذا المفهوم من المشاركة مع المفهوم الدينيّ الّذي يتمحور حول النهي عن المنكر. فالشعب المكلّف حفظ النظام والسعي في سبيل حلّ مشكلاته يمتلك حقّ الوقوف في وجه الأعمال غير الصحيحة، وبالأخصّ تلك المخالفة للشرع والقانون، وأنْ يطلب الإصلاح فيها. وقد تحدّث الإمام بوضوح في وصيّته حول هذا الموضوع وذَكَّر بمستويات تدخّل الشعب عند وجود تجاوز للقانون.
ويشهد على ما تقدّم ما جاء في وصيّة الإمام قدس سره عندما منع القوى المسلّحة من التدخّل في اللعبة السياسيّة والمجموعات والأحزاب وطلب في هذا الخصوص صراحة من الشعب مواجهة هذه المخالفة (دخول القوى المسلّحة إلى اللعبة السياسية والأحزاب) وأن يعتبر ذلك مسؤوليّة شرعيّة1.
وتحدّث الإمام قدس سره حول كيفيّة ومستويات تدخّل الشعب في مواجهة الأخطاء والمخالفات قائلاً: "إذا واجه شباب حزب الله بعض هذه الأمور فليرجعوا إلى أجهزتهم المختصّة. وإذا قصّر هؤلاء فإنّهم هم مكلّفون بالمنع"2. بناءً على ما تقدّم يمكن توضيح مستويات تدخّل الشعب بما يلي: أوّلاً التعرّف إلى المخالفات، ثانياً إرجاع المخالفات إلى الأجهزة المكلّفة قانوناً بمنعها، ثالثاً متابعة
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 70.
2- م. ن، ص 76.
50
41
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
سلوك الأجهزة المختصّة والكشف عن تقصير هذه الأجهزة في منع المخالفين، رابعاً مواجهة الشعب للمخالف مباشرة عند وجود أيّ قصور من الأجهزة المولجة بذلك.
ما يجب الإلتفات إليه أنّ ما يقوم به الشعب في مواجهة الأخطاء والمخالفات من وجهة نظر الإمام قدس سره هو مسؤوليّة شرعيّة وتكليف وبالتالي فمن الطبيعيّ أن لا يسمح لأحد في حكومة الإمام بالحؤول دون قيام الأفراد بواجبهم الشرعيّ.
5- تحقّق مضمون الحكومة الإسلاميّة1: وجعلها قضية عمليّة من جملة المجالات الّتي يمكن للشعب المشاركة فيها. وتستوقفنا هنا مسألة أكّد عليها الإمام وهي ضرورة ولزوم العمل من أجل تحقّق مضمون الحكومة الإسلاميّة، وهذا يعني أنّ عدم مشاركة الشعب سيؤدّي إلى عدم تحقّق الحكومة الإسلاميّة ومحتواها.
6- تعالي الإسلام وتحقّق مقاصد القرآن الكريم2: إنَّ بذل الجهد في سبيل تعالي الإسلام وتحقّق مقاصد القرآن الكريم من جملة المجالات الّتي يمكن للشعب المشاركة فيها. وقد تحدّث الإمام قدس سره في بداية وصيّته عن هذه القضيّة فاعتبرها مدعاة للفخر ، على الرغم من قدرة الحكومة والنظام الإسلاميّ على
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 18.
2- م. ن، ص 9.
51
42
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
لعب دور محوريّ في تحقّق هذه المسألة. أمّا عدم مشاركة الشعب فسيؤدّي إلى عدم تحقّق نجاحات كبيرة.
7- الوقوف في وجه نفوذ المرتبطين بالأجانب: اعتبر الإمام قدس سره في وصيّته أنّ الوقوف في مواجهة المرتبطين بالقوى الاستعماريّة - في أيّ موقع من مواقع النظام كانوا - من جملة المجالات الّتي تتجلّى فيها المشاركة الشعبية1. ولعلّ تخصيص الإمام قدس سره هذا الجانب من المشاركة2، يُظهر مقدار أهميّة المشاركة الفرديّة في هكذا قضيّة.
د- المشاركون
لم يحدّد الإمام قدس سره المشاركة في الأمور السياسيّة والحكوميّة بطبقة خاصّة بل اعتبر أنّ جميع الطبقات مكلّفة بالقيام بهذه المهمّة3. وقد دعا الإمام جميع أبناء الشعب، ابتداءً من المراجع والعلماء حتّى التجّار والمزارعين والموظّفين والعاملين، إلى الحضور والمشاركة4، وأكّد على حضور النساء والصغار والكبار والشباب جنباً إلى جنب5. وبشكل عامّ فإنّ مخاطَبي الإمام في هذه المسألة هم جميع أفراد
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 49.
2- م. ن، ص 49.
3- م. ن، ص 48.
4- م. ن، ص 51.
5- م. ن، ص 9.
52
43
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
الشعب الإيرانيّ على وجه العموم1 والشبّان الحزب اللهيّون على وجه الخصوص2.
هـ - ضوابط المشاركة
يجب أنْ تخضع مسألة المشاركة الشعبيّة لبعض الضوابط بهدف الحفاظ على النظام في الحكومة ورعاية الوظائف وسلسلة المراتب القانونيّة، وكلّ ذلك بالالتفات إلى أصل الفصل بين الوظائف وتعقيد الأمور في العالم المعاصر. فالمشاركة الشعبيّة تؤدّي إلى إحلال النظام ورعاية القوانين، ويؤدّي القيام بهذه الوظيفة الشرعيّة إلى وجود بركات عديدة للنظام.
من هذا المنطلق أوصى الإمام برعاية ضوابط المشاركة الشعبيّة فاعتبر أنّ على جميع أبناء الشعب القيام بالأمور والقضايا المخوّلة إليهم طبقاً للضوابط الإسلاميّة والقانون الدستوريّ3. ويستفاد ممّا جاء في وصيّة الإمام أنّ القانون الدستوريّ هو الإطار القانونيّ للمشاركة الشعبيّة في الأمور السياسيّة والحكوميّة.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 18 و 70 و 51.
2- م. ن، ص 76.
3- م. ن، ص 51.
53
44
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
و- مضارّ عدم المشاركة
تحدّث الإمام قدس سره في وصيّته عن عدم المشاركة فعبّر عنها بأنّها تساهل في أمور المسلمين1. وأكّد أنّ عدم المشاركة الشعبيّة في القضايا السياسيّة والحكوميّة وفصل الشعب عن الدولة يمهّد الطريق لتدخّل القوى الأجنبيّة والمستعمِرة وتسلّطها على ثروات ومقدّرات البلد2. وبعبارة أخرى يعتقد الإمام أنّ الاستقلال السياسيّ والاقتصاديّ في المجتمع متعلّق ومتوقّف على المشاركة الشعبيّة في الأمور السياسيّة والحكوميّة.
إنّ نظرة سريعة على أفكار الإمام فيما يتعلّق بالمشاركة الشعبيّة تُظهر أنّ أفكاره مستمدّة من الرؤية النبويّة، "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته". وفي الحقيقة إنّ المشاركة مسؤوليّة تقع على عاتق كلّ فرد بحسب إمكاناته وقدراته، وأمّا عدم المشاركة فيؤدّي إلى المؤاخذة والمسؤوليّة في الدنيا وأمام الله تعالى3.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 48.
2- م. ن، ص 37.
3- م. ن، ص 51.
54
45
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
5- خدمة الناس
خدمة الناس من جملة مبادئ السياسة والحكومة كما جاء في وصيّة الإمام قدس سره. وهذا يعني أنّ من جملة أهداف بناء وإقامة الحكومة وممارسة السياسة خدمة الناس. وعلى هذا فالسلطة في هكذا نظام لن تكون محور السياسة والحكومة بل تُستبدَل هذه المقولة بمقولة خدمة الناس. يقول الإمام في وصيّته متوجّهاً إلى الدولة والقيّمين عليها: "وأوصي المجلس والحكومة وكلّ المعنيّين أنِ اعرفوا قدر هذا الشعب ولا تقصّروا في خدمته خصوصاً المستضعَفين والمحرومين والمضطَهدين الّذين هم نور عيوننا وأولياء نعمتنا، والجمهورية الإسلاميّة إنجازهم، وقد تحقّقت بتضحياتهم، وبقاؤها مرهون لخدماتهم"1.
وقد اعتبر الإمام قدس سره أنّ من واجب المسؤولين خدمة الناس، حيث انطلق في هذه المسألة من ناحية إقامة علاقة قانونيّة بين الناس والمسؤولين: "إنّ الميزانية الّتي ترتزقون منها أنتم وموظّفو الوزارات هي مال الشعب، ويجب أن تكونوا جميعاً خدَّاماً للشعب وخصوصاً المستضعفين"2.
وأكّد الإمام قدس سره في أماكن متعدّدة من وصيّته على مسألة خدمة
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 35.
2- م. ن، ص 59.
55
46
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
المستضعفين والمحرومين، فالسياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام هي في الواقع تحقّق الأهداف القرآنيّة ووراثة المستضعفين للأرض. ولعلّ الخطوة الأولى والأساس في تحقّق هكذا حكومة تعتمد على خدمة الناسّ وبالأخصّ المستضعفين. ولهذا اعتبر الإمام أنّ خدمة المحرومين تحمل في طيّاتها للمسؤولين خير الدنيا والآخرة: "أوصي الجميع بالسعي من أجل رفاه الطبقات المحرومة، فإنّ خير دنياكم وأخراكم في الاهتمام بشأن محرومي المجتمع"1.
6- الثقة بالنفس
لا يمكن تصوّر أيّ حركة فاعلة وحيويّة من دون الثقة بالنفس، وبما أنّ تشكيل الحكومة من أصعب الأعمال البشريّة، فإنّ دور الثقة بالنفس يظهر بوضوح في تشكيل وتأسيس هذه الحكومة.
ويمكن إدراك وفهم تأكيد الإمام على عوامل الثقة بالنفس والاعتماد عليها والإيمان بالقدرات الذاتية عندما ندرك أنّ الإمام كان قائداً لشعب بقي لقرون محلّ استخفاف من قبل الأجانب. فقد أراد هذا القائد العظيم وبمساعدة الشعب تأسيس حكومة دينيّة نموذجيّة في العالم المعاصر.
يقول الإمام مخاطباً الشعب الإيرانيّ ومسلمي العالم: "اعلموا أنّ العنصر الآريّ أو العربيّ لا يقلّ عن العنصر الأوروبيّ والأمريكيّ
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 92.
56
47
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
والروسيّ. وإذا وجد هويّته الذاتيّة وأبعد اليأس عنه ولم يكن له مطمع بغير نفسه... فإنّه قادر على المدى البعيد على كلّ فعل وصناعة كلّ شيء.. وما وصل إليه الناس المشابهون لهؤلاء فأنتم ستصلون إليه بشرط الاتّكال على الله والاعتماد على النفس وقطع التبعيّة للآخرين وتحمّل الصعوبات من أجل الوصول إلى الحياة الشريفة والخروج من سلطة الأجانب"1.
طبعاً لا يمكن لأمّة أن تعود بسهولة إلى ثقتها بنفسها وبالأخصّ تلك الأمّة الّتي عاشت في السنوات المائة الأخيرة، وعلى أثر تدخّل القوى الاستعماريّة والتلوّث بمختلف آثام التبعية وكانت تتطلّع دائماً في رفع احتياجاتها (من جملة ذلك الموادّ الأوليّة والغذائيّة) إلى خارج الحدود وبالتالي الخضوع والخنوع والإذلال. وهذا أدّى بدوره إلى فقدان الثقة بالنفس. وقطع التبعية للأجانب، أن تقوم بتحمّل الصعاب، والأهمّ من ذلك الاتّكال على الله تعالى وبالتالي إعادة الثقة بالنفس.
وذَكر الإمام في وصيّته الّتي كُتبت في أجواء الحرب الّتي كانت تعيشها الجمهورية الإسلاميّة نموذجَ لقضيّة الاعتماد على النفس فقال: "رأينا كيف أنّ الحصار الاقتصاديّ والحرب المفروضة جعلت شبابنا يصنعون القطع الّتي دعت الحاجة إليها وبكلفة أقلّ... وأثبتوا أنّنا إذا أردنا فإنّنا قادرون"2.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 43.
2- م. ن، ص 42.
57
48
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
وأكّد الإمام على الشروط الضروريّة واللازمة للحصول على الثقة بالنفس، ومن أهمّ ذلك الإرادة والغفلة عن الأجانب.
7- محوريّة المسؤوليّة
إنّ جعل المسؤوليّة محور السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره وليس السلطة، هو من جملة الأسباب الأساس للاختلاف بين السياسة من وجهة نظر الإمام الخميني قدس سره والسياسة الرائجة في العالم المعاصر. وتؤدّي محوريّة المسؤوليّة والتكليف في السياسة إلى دخول محبّي الخدمة ساحة العمل، وبالتالي إبعاد أصحاب النزعات السلطويّة. وهنا يبدو أن لا مصالح تُرتجى من وراء السلطة.
تحدّث الإمام في هذا الخصوص متوجّهاً إلى القيادة وسائر المسؤولين في الدرجة الأولى قائلاً: "... لا يظنّوا أنّ القيادة في نفسها هديّة ومقام سامٍ بل هي واجب ثقيل وخطير... وهذا الخطر أقلّ بعض الشيء بالنسبة لرؤساء الجمهورية في الحال وفي المستقبل بحسب الدرجات في المسؤوليّات..." وإذا كان الإمام قدس سره يعمّم هذا الأمر على جميع المسؤولين في الحكومة بحسب الدرجات فهذا يبيّن واقعيّة محوريّة المسؤوليّة وكونها من الخصائص الأساس ومن جملة مبادئ السياسة والحكومة المثالية عنده. وهذا يميّز السياسة والحكومة المطلوبة عن تلك الرائجة في العالم المعاصر.
58
49
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
8- كونها شعبيّة
من جملة المبادئ الأساس، كون السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام شعبيّة. وقد استعمل هذا المفهوم في الوصيّة بمعنيين:
أ- كون المسؤولين من الشعب.
ب- التناسق والتلازم بين الحكومة ومسؤوليها والشعب، والعمل من أجل جلب رضاهم.
وسيتركّز الحديث فيما يلي في هذين المعنيين:
أ- كون المسؤولين من الشعب: يعتقد الإمام قدس سره أنّ المسؤولين في المناصب العليا للحكومة يجب أن يكونوا في الغالب من الطبقات المتوسّطة والمحرومة في المجتمع1. يقول الإمام قدس سره في هذا الخصوص: "ولينتبه الجميع إلى أنْ يكون رئيس الجمهوريّة وممثلو المجلس من طبقة تلمس محروميّة مستضعفي المجتمع ومحروميّته ومظلوميّتهم وتعمل على تحقيق رفاههم لا من الرأسماليّين وأكلة الأرض، والمتربّعين في صدر المجالس المرفّهين الغارقين في ملذّاتهم وشهواتهم الّذين لا يستطيعون فهم مرارة الحرمان ومعاناة الجائعين والحفاة"2.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 54.
2- م. ن، ص 52.
59
50
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
أكّد الإمام في كلماته المتقدّمة على قضية هامّة وهي كون المسؤولين من الشعب واختيارهم من بين الطبقات الشعبيّة المتوسّطة والمحرومة. وقد ذكر السبب الأساس لهذا الاختيار. فالحكومة الّتي تكون العدالة الاجتماعيّة وخدمة الناس جزءً لا يتجزّأ من مبادئها، يجب أن يكون على رأسها أفراد تذوّقوا ولمسوا عدم العدالة، والتمييز، والمحروميّة, ليدركوا من خلال ذلك ضرورة بسط العدالة الاجتماعيّة وخدمة المحرومين. وهذا غير ممكن إلّا إذا لمس المسؤولون الحرمان والظلم عن قرب واعتبروا أنفسهم جزءً من الشعب والشعب جزءً منهم.
ب - التكامل مع الشعب والعمل على جلب رضاه: يعتقد الإمام قدس سره أنّ المسؤولين وبالأخصّ في السلطة التنفيذيّة لن يكونوا موفّقين إلّا إذا تمتّعوا بدعم من الشعب1. ولذلك أوصى الإمام المسؤولين في الدولة بوجوب السعي لإرضاء الناس، طبعاً في الإطار الإنسانيّ والإسلاميّ2. فالشعب سيتقدّم لمساندة الحكومة والمسؤولين فيها عندما يعتقدون بأنّ المسؤولين أصدقاء وأمناء لهم وهذا لا يتحقّق إلّا بالعمل على جلب رضا الناس.
يقول الإمام في هذا الخصوص: ".. اختيار المحافظين... ملتزمين عقلاء متآلفين مع الناس"3.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 59.
2- م. ن، ص 59.
3- م. ن، ص 59.
60
51
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
9- الاقتصاد الإسلاميّ
إذا كانت السياسة والحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره حالة جديدة لا سابقة لها في القرون الأخيرة، حيث تختلف اختلافاً جوهريّاً عن السياسات والحكومات الرائجة في العالم المعاصر، فيجب أن تتمتّع بمبدأ اقتصاديّ خاصّ وتعتمد منهجاً جديداً في الاقتصاد يتلاءم مع المبادئ الأخرى كالعدالة الاجتماعيّة والاستقلال والشعبيّة.
وبما أنّ الاقتصاد يتمتّع بأهميّة خاصّة على مستوى الحياة البشريّة وسيطرته التامّة على العلاقات الدوليّة في العصر الراهن، لذلك عمد الإمام قدس سره في الوصيّة إلى تخصيص جزء منها لشرح المبادئ الاقتصاديّة للحكومة والسياسة المطلوبة.
يقول الإمام قدس سره: "الإسلام لا يوافق الرأسماليّة المطلقَة الظالمة والّتي تتولّى حرمان الجماهير المضطهَدة والمظلومة، بل إنّه يدينها بشكل جدّيّ في الكتاب والسنّة ويعتبرها مخالفة للعدالة الاجتماعيّة، بالرغم من أنّ بعض معوجّي الفهم ـ الّذين لا اطّلاع لهم على نظام الحكومة الإسلاميّة ولا على المسائل السياسيّة الحاكمة في الإسلام ـ كانوا ولا يزالون يوحون من خلال كتاباتهم وأقوالهم أنّ الإسلام يؤيّد الرأسماليّة والملكيّة بلا حدود... ولا هو نظام مثل النظام الشيوعيّ الماركسيّ الّذي يعارض الملكيّة الفرديّة ويقول بالاشتراك... بل الإسلام نظام
61
52
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
معتدل يعترف بالملكيّة ويحترمها بنحو محدود في نشوء الملكيّة والاستهلاك بحيث إذا طبّق ذلك على حقيقته تتحرّك عجلة الاقتصاد بالشكل السليم وتتحقّق العدالة الاجتماعيّة الّتي هي من لوازم النظام السليم"1. وأكّد الإمام قدس سره في مكان آخر من وصيّته ـ وأثناء توضيحه مبدء الاقتصاد ـ أنّ الحكومة الإسلاميّة تحترم الرأسماليّة المشروعة المؤطّرة بالحدود الإسلاميّة وتحترم أيضاً النشاط الاقتصاديّ الفاعل للشعب، واعتبر أنّ من مسؤوليّات الحكومة الإسلاميّة تأمين الاطمئنان لأصحاب الثروات والنشاطات الاقتصاديّة2.
أمّا خصائص الاقتصاد الّذي هو من جملة مبادئ الحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره فعلى النحو الآتي:
1- احترام الملكيّة والثروات المشروعة والمحدودة بحدود بنّاءة.
2- مساندة الحكومة للنشاطات الاقتصاديّة البنّاءة الّتي تؤدّي إلى الاكتفاء الذاتيّ في البلد3.
3- أولويّة العدالة الاجتماعيّة ورفض الفواصل الطبقيّة من الناحية الاقتصاديّة.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 89، 90، 91.
2- م. ن، ص 91و 92.
3- م. ن، ص 92.
62
53
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
10- الوحدة بين الدين والسياسة
لعلّ مسألة العلاقة بين الدين والسياسة واحدة من أهمّ المبادئ السياسيّة والحكوميّة الّتي ترتكز عليها الحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره. إنّ الحكومة الّتي يصبو إليها الإمام قدس سره والسياسات المعتمدة فيها، تمتزج بشكل كامل بدين الإسلام، بحيث لا يمكن التفكيك بين الدين والسياسة. ولا يحصل هذا الأمر إلّا بالقدرة على استنباط كامل مكوّنات السياسة من النصوص الدينيّة.
أمّا الأسباب الّتي دفعت الإمام قدس سره للاعتقاد بأنّ السياسة المطلوبة مأخوذة بشكل كامل من الدين فهي أنّ: "الإسلام مدرسة على خلاف المدارس غير التوحيديّة حيث يتدخّل في جميع الشؤون الفرديّة والاجتماعيّة والمادّيّة والمعنويّة والثقافيّة والسياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة ويشرف عليها، ولم يهمل أيّ نقطة ولو كانت صغيرة جدّاً مما له دخل في تربية الإنسان والمجتمع وتقدّمه المادّيّ والمعنويّ"1. إنّ هذه الرؤية للدين والسياسة هي الّتي يمكنها إيجاد نوع من الاتّحاد بينهما، فلا يبقى أيّ مجال للتعارض. ومن هنا تابع الإمام قدس سره قائلاً: "إنّ نسبة أحكام القرآن الكريم وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحكومة والسياسة لا تُقاس بها أبداً نسبة الأحكام في سائر الأمور بل إنّ كثيراً من أحكام الإسلام العباديّة هي عباديّة سياسيّة"2.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 18.
2- م. ن، ص 24.
63
54
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
لقد بلغت وحدة الدين والسياسة في رؤية الإمام حدّاً أصبحت إقامة حكومة الحقّ فيه من أكبر الواجبات والعبادات1، واعتبرت عدم المشاركة في القضايا السياسيّة من الذنوب الكبيرة2. وأصبحت صلاة الجمعة واحدة من أهمّ الأبعاد السياسيّة للصلاة3. عدا عن ذلك كلّه فإنّ إقامة مراسم العزاء لسيّد الشهداء وصلاة الجمعة عاملان مهمّان في الحفاظ على المسلمين وبالأخصّ الشيعة4.
إنّ هذه الرؤية تضفي على المراسم العبادية الدينية بعداً سياسيّاً. ولهذا السبب اعتبر العمل السياسيّ نوعاً من العبادة. لأنّ السياسة في هذه الرؤية عبادة وجزء من الدين. ولذلك أوصى الإمام مسؤولي النظام قائلاً: "إنّ الوفاء للإسلام وأحكامه السماوية يبعث على الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة ويجعلهما في جهة واحدة"5. إنّ وحدة الدين والسياسة هي الّتي تجعل خير الدنيا وسعادة الآخرة في جهة واحدة. ومن هنا طلب الإمام قدس سره من المسلمين ـ ومن أجل الوصول إلى خير الدنيا وسعادة الآخرة التالي: "أطلب بمنتهى الجدّ والخضوع من الشعوب المسلمة أنْ يتّبعوا الأئمّة الأطهار عليهم السلام، فهم من عظماء مرشدي عالم البشريّة، ويلتزموا بثقافتهم السياسيّة
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 26.
2- م. ن، ص 48.
3- م. ن، ص 13.
4- م. ن، ص 14.
5- م. ن، ص 50.
64
55
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعسكريّة بالروح والقلب وبذل الأرواح والتضحية بالأعزّاء"1.
وأكّد الإمام قدس سره لزوم الاقتداء بالأئمّة الأطهار ليس في المسائل العباديّة فحسب بل في جميع الشؤون الحياتيّة، وإذا حصل هذا الأمر في المسائل السياسيّة والحكوميّة عندها ترتدي السياسة والحكومة صبغة ومحتوىً دينيَّين.
وحسب رؤية الإمام قدس سره فإنّ الفقه الشيعيّ مدخل أساس في التلفيق بين الدين والسياسة، وهو يمتلك جانباً سياسيّاً كاملاً. يقول الإمام قدس سره: "... ومن جملة ذلك الفقه التقليديّ فلا ينحرفوا عنه ذرّة، فهو إيضاح لمدرسة الرسالة والإمامة وضامن لرشد الشعوب وعظمتها سواء في ذلك الأحكام الأوليّة أم الأحكام الثانويّة، فهما مدرسة الفقه الإسلاميّ"2.
ويتجلّى الاتّحاد بين تطوّر وعظمة الشعوب والفقه التقليديّ عندما يكون هذا الفقه مشتملاً على نظريّات ورؤى وتوجّهات سياسيّة. وهنا يظهر الفقه الشيعيّ كجامع لهذه الأمور.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 12.
2- م. ن، ص 12
65
56
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
يمكن تسجيل المطالب والنقاط الآتية بالاستفادة من الوصيّة السياسيّة والإلهيّة للإمام قدس سره في خصوص موضوع السياسة والحكومة:
أ- قدّم الإمام تعريفاً ورؤية خاصّة للسياسة والحكومة ومبادئهما، يختلف اختلافاً جذريّاً عن الرائج في العالم المعاصر.
ب- تتكفّل الحكومة من وجهة نظر الإمام قدس سره بسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، بينما تركّز النظريّات الرائجة للحكومة على تنظيم حياة الإنسان الدنيويّة، ولذلك قدّم الإمام قدس سره في وصيّته صورة عن الحكومة تختلف بشكل جذريّ عن مبادئ السياسة الموجودة في العالم.
ج- لا مكان للقوميّة ضمن مجموعة مبادئ الحكومة والسياسة من وجهة نظر الإمام، ولعلّ هذه الرؤية نابعة من النظرة الدينيّة إلى القوميّة. فالإسلام يباين القوميّة. وإنّ نظرة سريعة على وصيّة الإمام تشير إلى أنّه لم يستعمل العبارات التالية (القوميّة، البلد، إيران، الوطن) بشكل مستقلّ بل قيّدها دائماً بقيود إسلاميّة وأمثالها، وهذا دليل على بطلان القوميّة ورفض الإمام لها.
66
57
القسم الاول: مبادئ السياسة والحكومة
د - لم يقيّد الإمام السياسة والحكومة بقيد جغرافيّ أو شعبيّ خاصّ. بل إنّ رؤيته للسياسة والحكومة مسألة عالميّة تتخطّى الحدود. ولذلك خاطب الإمام قدس سره في وصيّته المسلمين والمستضعفين والشعوب المضطهَدة بالإضافة إلى الشعب الإيرانيّ. وقد ساهمت هذه الرؤية في توضيح استراتيجيّة الإمام الّتي تمحورت حول وحدة المسلمين، لا بل الوحدة البشريّة، في مقابل الظلم والاستعمار.
هـ - يمكن القول بشكل عامّ إنّ رؤية الإمام وبالأخصّ في المبادئ العشرة المتقدّمة مستخرَجة من النصوص الإسلاميّة، أي القرآن الكريم وأحاديث المعصومين عليهم السلام.
و- تتّضح مسألة الوحدة بين الدين والسياسة ومبادئهما عند الإمام قدس سره من خلال رؤيته الخاصّة للسياسة والحكومة. وإذا كان الإمام قد تحدّث في الوصيّة عن الاتّحاد بينهما، فإنّ الروح الحاكمة على الأجزاء السياسيّة من الوصيّة تحكي عن العينيّة والتطابق التامّ. وإذا حاولنا التدقيق أكثر لفهمنا أنَّ الإمام يعتبر السياسة كالعبادة والأحكام جزءً من الدين.
ز- يمكن جمع مبادئ السياسة والحكومة العشرة من وجهة نظر الإمام قدس سره في أركان خمسة أساس هي: العدالة، المعنويّات، الاستقلال، المشاركة، والمسؤوليّة.
67
58
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
69
59
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
تمهيد
إنّ مقولة ولاية الفقيه والأبحاث المتعلّقة بها من جملة المسائل الأساس والهامّة في الفكر السياسيّ الإسلاميّ، حيث انتشرت بعد انتصار الثورة الاسلاميّة، وذلك في خضمّ الأجواء العلميّة والثقافيّة لإيران. وإذا غضضنا النظر عن التوجّهات السياسيّة غير العلميّة لهذه المسألة والّتي طُرحت لأهداف خاصّة، مع ذلك يمكن التطّلع إلى مجموعة من النظريّات والرؤى الّتي تعرّضت للموضوع متّبعة الأساليب العلميّة، حيث عملت كلّ واحدة منها على تبيين هذه المسألة بشكل معيّن. ولعلّ دور الشعب في اختيار الوليّ الفقيه أو عدم اختياره واحدة من الأبحاث الهامّة المتفرّعة من مسألة ولاية الفقيه.
وتتّضح أهميّة هذه المقولة في الارتباط بموضوع التنمية السياسيّة وهيكليّة الحكومة. ويؤدّي قبول أو عدم قبول دور الشعب في اختيار الوليّ الفقيه إلى نتائج هامّة وأساس من جملتها: العلاقة بين الحكومة الإسلاميّة والشعب، الوظائف والحقوق المتقابلة بين الشعب والحكومة
71
60
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
الإسلاميّة، وهكذا أيضاً رؤية الحكّام للشعب، وفي النهاية شكل ونوع سلوكهم وتعاطيهم مع الشعب.
وتبرز في هذا الخضمّ الرؤية الّتي قدّمها الإمام الخمينيّ قدس سره في خصوص العلاقة بين الوليّ الفقيه والشعب باعتبارها أكثر الآراء جامعيّة وأهميّة. يظهر هذا عند المقارنة بينها وبين النظريّات الّتي قدّمها المفكّرون المسلمون الآخرون. يضاف إلى ذلك أنّ الإمام قدس سره قد لعب دوراً محوريّاً في ظهور وانتشار هذه النظريّة باعتباره محيي نظريّة ولاية الفقيه في العصر الحاضر والباني الأساس للجمهورية الإسلاميّة.
قد يظنّ بعضهم أنّ أفكار الإمام في مسألة كيفيّة وصول الوليّ الفقيه إلى السلطة متناقضة في الظاهر، حيث أدّى هذا الأمر إلى ظهور قراءات مختلفة حاولت كلّ واحدة منها تقديم توضيح خاصّ لنظريّة الإمام.
تحدّث بعض هذه القراءات ــ بالاستناد إلى بعض آثار الإمام الفقهيّة ككتاب البيع ــ عن أن الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قبل الله تعالى، وبالتالي لا وجود لأيّ دور للشعب في هذا الخصوص، بينما تحدّثت قراءات أخرى عن أنّ الوليّ الفقيه يُنَصّب من قبل الشعب مستندين في ذلك إلى نظريّات الإمام حول محوريّة الشعب.
سنسعى في هذه المحاولة لمعالجة هذين البعدين في فكر الإمام الخميني قدس سره وبالأخصّ مسألة كيفية اختيار الوليّ الفقيه ودور الشعب
72
61
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
فيها مستفيدين في ذلك من الأسلوب المعتمد في أصول الفقه، حيث سينتهي بنا المطاف إلى تقديم جملة من النتائج المنطقيّة المترتّبة على ذلك. ولا ندّعي أنّ بإمكاننا توضيح الرؤية الواقعيّة والحقيقيّة للإمام في هذا الموضوع، بل الهدف هو تقديم وتوضيح الرؤية التجديديّة للإمام بالاعتماد على المنهج الفقهيّ.
سيتمحور الفصل الأوّل حول مجموعة من أفكار الإمام الّتي توضّح تنصيب الوليّ الفقيه من قبل الله تعالى.
ويدور الفصل الثاني حول نظريّات محوريّة الشعب عند الإمام وبالاخصّ في مسألة دوره في اختيار الولي الفقيه.
ونقدّم في الفصل الثالث نظرية تجمع بين الرؤيتين. أمّا الفرضية الّتي نسعى في هذه المقالة لإثباتها فهي الآتية:
يعتقد الإمام الخميني أنّ الشخص الّذي تجتمع لديه مجموعة من الشروط يُنصّب من قبل الشارع على صورة التنصيب العامّ، باعتباره الوليّ الفقيه ومن جملة هذه الشروط انتخاب الشعب له، أي أنّ التنصيب العامّ للشارع يتعلّق بالشخص الّذي يتمتّع بصفات الفقاهة، والعدالة، والإدارة، والشجاعة، ويتمّ الانتخاب من قبل الشعب.
73
62
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
الفصل الأول: رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه من قبل الشارع
75
63
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية الجامعة مفوَّضة إلى الفقهاء العدول بشكل مباشر في زمان غيبة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. بناءً على هذه الرؤية يصبح "الشارع" جاعل الولاية، و "الفقهاء العدول" هم الأولياء المنصوبينَ، و"الناس" هم الأشخاص المولّى عليهم1. بناءً على هذا فكلّ من يحكم من دون تنصيب الشارع، المقدّس فهو طاغوت لا تجوز طاعته2.
يعتقد الإمام أنّ الناس وباعتبارهم مولّى عليهم فلا دور لهم في تنصيب أو عزل الوليّ الفقيه، ويُنَصَّب الفقهاء العدول من قبل الشارع، ويُعزلون من خلال فقدان صفة العدالة أو الفقاهة، وبالتالي لا علاقة للناس في تنصيبهم أو عزلهم3. ولهذا خاطب الإمام قدس سره المهندس
1- الإمام الخميني، المكاسب المحرّمة، ج2، قم، 1381 هـ، وصحيفة نور، ج9، تهران، سازمان مدارك فرهنكى إنقلاب إسلامي، ص253.
2- الإمام الخميني، كتاب البيع، ج2، قم، ص472 – 495، 488 – 489.
3- الإمام الخميني، كتاب البيع، ج2، ص 479، 480، 485، 502، وأيضاًَ: تحرير الوسيلة، ج1، طبعة النجف، 1390 هـ ق، ص482.
77
64
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
بازركان عند انتخابه رئيساً للحكومة قائلاً: "لقد جعلتُه حاكماً بما أمتلك من ولاية من قِبَلِ الشارع المقدَّس"1.
يظهر من هذه الرؤية الفقهيّة للإمام أنّ الحكومة على المجتمع الإسلاميّ قضيّة تعود إلى الله تعالى الّذي أودعها عند الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ انتقلت من بعده إلى الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ثمّ إلى الفقهاء العدول بعد غيبة الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ومن هنا، وكما نَصَّبَ الله تعالى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام أولياء على الناس، نَصَّبَ أيضاً الفقهاء العدول، وبالولاية العامّة، على الأمّة الإسلاميّة.
وعلى هذا الأساس، كما لا يتدخّل الناس في تنصيب النبيّ والأئمّة على الحكومة، لا يتدخّلون أيضاً في مسألة الوليّ الفقيه العادل. بناءً على هذه الرؤية تصبح المشاركة السياسيّة للشعب مؤطّرة في حدود البيعة والطاعة وبالأخصّ في زمن الغيبة؛ حيث يجب أنْ ينتظر الناس تصدّي الفقيه العادل للحكومة والولاية ليقوموا بمهمّة مساعدته ومساندته.
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، الطبعة الأولى، ج5، ص31.
78
65
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
الفصل الثاني: انتخاب الولي الفقيه من قبل الشعب
79
66
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
رؤية الإمام قدس سره حول انتخاب الوليّ الفقيه من قـِبـَلِ الشعب
نتعرّض هنا لمجموعة من الآراء الّتي قدّمها الإمام قدس سره والّتي تبيّن دور الشعب في انتخاب الفقيه العادل للحكومة. يتحدّث الإمام قدس سره في حوار أجرته معه صحيفة فاينانشل تايمز البريطانية بتاريخ 18/8/1357 هـ ش، قائلاً: "من الحقوق البديهيّة لأيّ شعب أن يمتلك زمام ومصير تعيين شكل ونوع حكومته"1. ويقول أيضاً حول المقصود من الجمهوريّة الإسلاميّة: "ماهيّة حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة أنّها الّتي تتشكّل طبق الشروط الّتي وضعها الإسلام للحكومة معتمدة على آراء عموم الشعب وتتعهّد إجراء الأحكام الإسلاميّة"2. وتحدّث في هذا الخصوص أيضاً فقال: "نحن نتّبع رأي الشعب. ونحن نتّبع كلّ ما يريده الشعب. ونحن لا يحقّ لنا،
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص 42.
2- شهرية كتاب ماه، 30 فروردين 1378 هـ ش، ص11.
81
67
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
ولم يجز الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لنا، أنْ نجبر مسلماً على شيء ما"1.
ويؤيّد هذه النظريّة ـ بالإضافة إلى ما تقدّم ـ بعض كلمات الإمام الّتي يتحدّث فيها قائلاً: "المعيار رأي الشعب" أو "... أعيِّن الحكومة بما منحني الشعب من قبول"2؛ حيث تؤكّد هذه النظريّة أنّ الإمام كان يعتقد بدور الشعب في تعيين الوليّ الفقيه. وأمّا ما ذكر من أمثلة ونماذج فهو بمثابة مقدّمات لتوضيح رأيه في مسألة انتخاب الوليّ الفقيه من قِبَلِ الشعب. وقد أشار الإمام إلى ذلك بصراحة عندما قال: "... الفقيه الّذي ينصبه الشعب للقيادة"3، وكذلك قوله: "يجب العمل على انتخاب أكثر الفقهاء لياقة وعلماً والتزاماً للقيادة"4. بناءً على ما تقدّم، وبالرجوع إلى دستور الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، فإنّ اختيار الوليّ الفقيه من مسؤوليّات مجلس الخبراء. وقد صرّح الإمام بذلك (بقوله): "يجب أنْ يُختار المجتهد اللائق لمجلس الخبراء المدافع عن الحيثيّة الإسلاميّة في العالم"5، أو بقوله: "ووصيّتي إلى الشعب الشريف أن يكونوا حاضرين في جميع الانتخابات... أو انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة، وأن يكون منتخبوهم وفق الضوابط الّتي تجب مراعاتها، مثلاً لينتبهوا إلى أنّه إذا حصل
1- شهريّة كتاب ماه، 30 فروردين 1378هـ ش، ص 11.
2- 12 /11/1357 هـ ش.
3- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج2، ص434، 16/8/1358 هـ ش.
4- م. ن، ص 41.
5- م. ن، ج21، ص129، 9/2/1368.
82
68
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
تسامح في انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة أو القائد.... فمن المحتمل جدّاً أن تلحق بالإسلام والبلد خسائر لا تعوّض..."1. ويجب التذكير بأنّ الإمام تحدّث في الوصيّة، في الجزء المختصّ بمجلس الخبراء وفي ثلاثة أماكن أخرى، حول دور الخبراء في تعيين القائد2.
وتحدّث مخاطباً رئيس مجلس الخبراء قائلاً: "إذا انتخب الشعب مجلس الخبراء الّذي يقوم باختيار مجتهد عادل للقيادة، فعندما يقومون بتعيين شخص لهذه المهمّة فهو بالضرورة محلّ قبول الشعب وسيصبح الوليّ منتخباً من الشعب وحكمه نافذاً"3.
إنّ الدقّة في العبارات المتقدّمة توضح أنّ الإمام قدس سره كان يستعمل بعض المفاهيم أمثال: "الانتخاب، التعيين أو التأييد بالنسبة للوليّ الفقيه"4. ويستفاد منها أنّ الإمام قدس سره لم يكن من القائلين بأنّ مجلس الخبراء يقوم بوظيفة الكشف عن الوليّ الفقيه.
ممّا لا شكّ فيه أنّ هاتين الرؤيتين اللّتين قدّمهما الإمام قدس سره (تنصيب الوليّ الفقيه من قبل الشارع وانتخابه من قبل الشعب) تركت آثاراً واضحة بين تلامذته. نتعرّض فيما يلي لنموذجين من ذلك.
1- الإمام الخمينيّ، الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، ص51، والمصدر السابق.
2- م. ن، ص 50 - 51.
3- م. ن، ج21، ص129، 9/2/1368.
4- راجع: محسن كديور، نظرية هاي دولت در فقه شيعه، تهران، نشرنى، 1377 هـ ش، الفصل الأوّل.
83
69
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
رؤية الشهيد مطهَّري
يتحدّث الشهيد مطهّري بوضوح حول انتخاب الوليّ الفقيه من قبل الشعب: "الشعب في الجمهوريّة الإسلاميّة هو الّذي ينتخب الوليّ الفقيه"1 "والجمهوريّة الإسلاميّة هي الحكومة الّتي يقوم الشعب بتحديد شكلها وانتخاب رئيسها"2.
رؤية آية الله جوادي آملي
يعتقد آية الله جوادي آملي، وخلافاً للشهيد مطهّري، بتنصيب الوليّ الفقيه من قِبَلِ الشارع من دون دخالة للشعب في ذلك3. ويؤكّد أنّ الشارع ينصِّب الفقهاء العدول ولا دخالة للشعب (باعتباره مولَّى عليه) في نصب أو عزل الوليّ الفقيه4.
1- مرتضى مطهري، حول الثورة الإسلاميّة، تهران، صدرا، 1367 هـ ش، ص 85-86.
2- م. ن، ص 80.
3- عبد الله جوادي آملي، حول الوحي والقيادة، تهران، رجاء، 1368 هـ ش، ص 160-168.
4- م. ن، ص 184-190.
84
70
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
الفصل الثالث: الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره
85
71
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام وتلامذته التركيز على محورية إحداهما واعتبار النظريّة الأخرى فرعاً للأولى، أو أنّها منسوخة أو ظاهريّة أو غير علميّة. ولكن يجب التدقيق في أنّ الرؤيتين المتقدّمتين صدرتا عن فقيه أمضى مدّة طويلة من الزمن في المطالعة والتدريس والتحقيق في النصوص الدينيّة والمصادر الفقهيّة والحقوقيّة، حيث وصل عقب ذلك إلى مقام المرجعيّة، ويلزم من الوصول إلى هكذا مقام الدقّة في العبارات والأقوال والكتابات العلميّة.
ولا يمكن التغاضي عن نظريّة الإمام قدس سره حول التنصيب الإلهيّ للوليّ الفقيه، حيث ذكر ذلك في كتبه الفقهيّة، أمثال كتاب البيع، والمكاسب المحرّمة وتحرير الوسيلة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن الغفلة عن بعض كلماته وبالأخصّ ما يلي:
87
72
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
"الديمقراطيّة الإسلاميّة أكمل من الديمقراطيّة الغربيّة"1. "إنّ هدفي من الثورة، وتشكيل الحكومة الإسلاميّة، هو إجراء الإسلام الواقعيّ، وذلك بهدف تعريف العالَم إلى المعنى الصحيح للديمقراطيّة"2.
"يحتوي الإسلام على جميع المعاني الّتي يقال لها ديمقراطيّة. لا ينقص من الإسلام شيء. والديمقراطيّة موجودة في باطن الإسلام"3. "إنّ استقرار النظام الإسلاميّ يعادل تحقّق العدل، والاستقلال والديمقراطيّة"4. "هل الديمقراطيّة شيء آخر سوى أنْ يحدّد الناس مصيرهم بأنفسهم؟"5.
سيتمحور الحديث هنا حول منهجيّة الجمع بين النظرّيتين المتناقضتين في الظاهر. ويمكن ملاحظة وجود هكذا حالات متناقضة الظاهر بين أحاديث الأئمّة المعصومين عليهم السلام حيث استفاد الفقهاء منها في استنباط الأحكام الفقهيّة. وقد استعمل الفقهاء مناهج متعدّدة في حلّ هذه الحالات المتناقضة الظاهر، حيث جمعوها في علم أصول الفقه. وتحدّثت كتب أصول الفقه عن قاعدة هامّة عُرفت
1- 14/8/1357 هـ ش.
2- 18/8/1357 هـ ش.
3- 29/6/1358 هـ ش.
4- 14/8/1357 هـ ش و 6/9/1357 هـ ش.
5- 14/10/1358 هـ ش راجع: صحيفة نور، المجلّدين 3، 4، ص، 6.
88
73
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
باسم قاعدة الجمع: "الجمع مهما أمكن أولى من الترك"1. بناءً على هذه القاعدة فما دام بالإمكان الجمع بشكل عرفيّ بين حديثين أو آية وحديث أو آيتين تبدوان متناقضتين في الظاهر، فلا يجب ترك أحدهما2.
وعلى هذا الأساس، فإذا كان يمكن الجمع بين رؤيتي الإمام المتناقضتين في الظاهر فلا يجب ترك إحداهما. حيث يُعَدّ هذا العمل ترجيحاً بلا مرجّح، وهو غير مقبول. أمّا منهجية الجمع بينهما فعلى النحو التالي:
إذا كان حقّ الحاكميّة على البشر هو لله فقط، عندها يمكن لصاحب هذا الحقّ أن يُجري حاكميّته أو يفوّضها. ومن هنا كان تعيين الحاكم على المجتمعات البشريّة ـ وفي جميع الحالات ـ من حقوق الله تعالى. وعلى هذا الأساس فإنّ تنصيب الوليّ الفقيه في زمن غياب الإمام المعصوم من مسؤوليّات الشارع المقدّس. ولو دقّقنا في طريقة تنصيب الوليّ الفقيه من قِبَل الشارع لوجدناه قد بَيّن خصوصيّات وَصِفات الوليّ، حيث يمكن القول عندها إنّه تمّ تنصيبه بشكل عامّ؛ بمعنى أنّ كل من وُجدت فيه هذه الخصوصيّات والصفات أصبح
1- السيّد محمد صادق الحسيني، زبدة الأصول، ج4، قم، مدرسة الإمام الصادق عليه السلام، ربيع أول 1412 هـ ق، ص329.
2- محمّد رضا المظفّر، أصول الفقه، ج2، بيروت مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1990 م، ص196.
89
74
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
منصوباً من قبل الله تعالى على رأس المجتمعات البشريّة.
أمّا الصفات الّتي تحدّث عنها الشارع المقدّس والّتي تؤهّل الشخص للحاكميّة على الشعب فهي الفقاهة، والعدالة، والتدبير والشجاعة... وعندما يختار الشعب حاكماً توجد فيه هذه الصفات فهو منصوب من قبل الله تعالى. وفي الوقت نفسه منتخب ومختار من قبل الشعب. وبعبارة أخرى يُنصِّب الله تعالى حاكماً على الناس توجد فيه، بالإضافة إلى صفات الفقاهة والعدالة والتدبير والشجاعة، حالة الانتخاب من قبل الناس. فالحاكم منتخَب من قبل الشعب منصوب من قبل الله تعالى.
بهذه الصورة يمكن الجمع بين رؤيتي الإمام من دون لزوم القول بتعارضهما أو رفض إحداهما وقبول الأخرى. وعلى هذا الأساس فإنّ انتخاب الناس لا معنى له من دون تنصيب إلهيّ، والتنصيب الإلهيّ لا يحصل إلّا من خلال الناس. (كما لا يتحقّق التنصيب الإلهيّ للشخص الفاقد للعدالة).
مما تجدر الإشارة إليه أيضاً أنّ حقّ انتخاب الحاكم قد أعطاه الله تعالى للناس. فالفرضيّة الأولى لهذا البحث أنّ حقّ الحاكميّة يتعلّق بالله تعالى، ولا حقّ للناس في ذلك، إلّا أن يُعطى لهم من قبل الله تعالى. وأمّا الدليل على إعطاء هذا الحقّ إلى الناس فهو ما تحدّث عنه الإمام الخمينيّ قدس سره في مسألة حقّ الناس في انتخاب حاكم
90
75
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
المجتمع، هذه الرؤية المستخرجة في الواقع من النصوص والمصادر الدينيّة.
ويظهر النموذج العمليّ لهذا الجمع في القانون الدستوريّ للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في مسألة انتخاب رئيس الجمهوريّة، فرئيس الجمهوريّة منتخَب من قبل الشعب لا بل يجب أن يُنتخب من قبل الشعب، إلّا أنّ انتخابه لا يكفي في تصدّيه لهذا المنصب، بل يقوم الوليّ الفقيه بتنفيذ هذا الانتخاب، حيث يقوم بتنصيب الشخص المنتخَب. لا فرق بين الإنسان العاديّ والشخص المنتخَب إذا لم يحصل تنصيبه. والوليّ الفقيه بدوره لا ينصّب شخصاً آخر سوى المنتخَب. ويشعر الشعب بمسوؤليّة اتّجاه انتخاب الوليّ الفقيه، هذا إذا قبلنا المنهجيّة المذكورة. فهم يعلمون بأنّ الله تعالى قد نصّب الشخص الفقيه والعادل والشجاع والمدبِّر لمقام الولاية، فكان منتخَباً من قبلهم. والوليّ في هذه الحال هو أفضل شخصية أهداها الله تعالى للشعب. ومن جهة أخرى يعلم الشعب أنّ التنصيب الإلهيّ يُضفي مشروعيّة على منتخَبِهم ويعطيه حقّ إجراء حاكميّته.
في هذه الحال يمكن الحفاظ على جمهوريّة النظام وإسلاميّته في آنٍ معاً، مع العلم أنّ أيّ أمر لا يكون برضى الله تعالى فهو غير مقبول وغير مطاع.
91
76
القسم الثاني: ولاية الفقيه هل هي تنصيب إلهي أو اختيار شعبي؟
الخلاصة:
إنّ الهدف الأساس لهذه المقالة تقديم أسلوب نتمكّن من خلاله من حلّ المشكلة الأساس في الفكر السياسيّ الشيعيّ. هذه المشكلة الّتي قد تكون أساس ومحوريّة في التقدّم السياسيّ للنظام الإسلاميّ. ولعلّ قاعدة الجمع هي النقطة المحوريّة الّتي يعتمد عليها حلّ هذه المشكلة، أي انتخاب الوليّ الفقيه من قبل الشعب أو تنصيبه من قبل الله تعالى. وبما أنّ كلا النظريّتين موجودتان في عبارات الإمام فإنّ الطريق أو الأسلوب الثالث هو وسيلة الجمع بينهما، حيث يُحتفظ بجميع إيجابيات الرؤيتين من دون تحمُّل آثار سلبيّة معيّنة.
إنّ وجود مسألة الانتخاب من قبل الشعب، إلى جانب الشروط الأخرى كالعدالة والفقاهة والشجاعة والتدبير، تجعل من الوليّ الفقيه شخصاً جامعاً لخصوصيّتين هامّتين: الأولى أنّه منصوب من قبل الله تعالى والثانية أنّه منتخَب من قبل الشعب. طبعاً قد يجري الانتخاب من قِبَلِ الشعب مباشرة، كانتخاب الإمام الخمينيّ قدس سره للقيادة من الشعب مباشرة، أو بواسطة مجلس الخبراء، كما حصل مع الإمام القائد الخامنئيّ.
92
77
القسم الثالث: الديمقراطية
تمهيد
تُعتبر الديمقراطيّة من أكثر الأبحاث جدليّة في الفكر السياسيّ المعاصر. فهي كما يعتقد الكثير من الغربيّين الأسلوب والطريقة الوحيدة لوصول الإنسان إلى سعادته في الحياة المدنيّة والسياسيّة. وإذا كان اختلاف الآراء والنظريّات في خصوص هذه الظاهرة أدّى إلى وجود اختلافات وجدالات علميّة عميقة، فإنّ تقديم تعريف جامع وكامل لهذا المفهوم أشبه ما يكون بالمحال. ولم تكن إيران اليوم بعيدة عن هذه الأبحاث والجدالات، وبالأخصّ أنّها تعيش حالة برزخيّة تتردّد بين التقليد والحداثة. وقد برزت هذه الحالة بشكل واضح بعد انتصار الثورة الإسلاميّة عام 1357 هـ ش ووجود أجواء مهيّئة لذلك، وبالأخصّ مع الأجواء الهادئة والمريحة الّتي يعيشها المفكّرون في إيران. ولعلّ حصول الدورة الانتخابيّة السابعة لرئاسة الجمهوريّة (1376 هـ ش) أدّى إلى ازدياد طرح هذه المقولة، فأصبح مفهوم الديمقراطيّة من أكثر الاصطلاحات والمفاهيم رواجاً في القاموس السياسيّ للمجتمع الإيرانيّ1.
1- بالأخصّ بعد الثاني من خرداد 1376 هـ ش.
95
78
القسم الثالث: الديمقراطية
من جهة ثانية، فإنّ الثورة الإسلاميّة والحكومة الإسلاميّة في إيران هما خلاصة الأفكار الّتي قدّمها الإمام الخمينيّ قدس سره. وعليه فإنّ العودة إلى أفكاره ونظريّاته تشكّل نقطة تحوُّل هامّة في الإجابة عن الكثير من المسائل والمعضلات الّتي يواجهها مجتمعنا على مستوى الفكر السياسيّ.
بناءً على ما تقدّم سنحاول في هذا القسم من البحث الإطلالة على الديمقراطيّة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ قدس سره. وبما أنّ البحث يتناول رؤية الإمام للديمقراطيّة، فلا بدّ من الشروع بجمع كلمات الإمام في هذا الخصوص، ثمّ العمل على تنظيمها، وفي النهاية استخراج مجموعة من النتائج المترتّبة على هذه المعلومات.
رؤية الإمام قدس سره في الديمقراطيّة
إنّ أوّل ما يشدّ الانتباه في ما يتعلّق برؤية الإمام للديمقراطيّة، هو أنّ كلماته جاءت في مقطع زمانيّ خاصّ. بل يمكن الادّعاء أنّ أفكاره الأساس حول الديمقراطيّة عبّر عنها خلال الأعوام من 1356 هـ ش إلى 1358 هـ ش. ولعلّ الرابط المعنائيّ بين الفترة الزمنيّة هذه، ورؤية الإمام للديمقراطيّة يحتاج إلى بحث دقيق ومفصّل.
اسْتُخدِمَ مفهوم الديمقراطيّة في عبارات الإمام على شكلين: الأوّل هو الديمقراطيّة المطلوبة والإيجابيّة، والثاني الديمقراطيّة غير المطلوبة، والّتي عبّر عنها الإمام بأنّها غير حقيقيّة، وهي مفهوم
96
79
القسم الثالث: الديمقراطية
جَعْليّ ظهر في الغرب، حيث يعتقد الإمام أنّ هذا النوع لا يمتُّ إلى الديمقراطيّة بصلة.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الديمقراطيّة الّتي تحدّث عنها الإمام تعتمد بشكل أساس على تعريف وقراءة خاصّة. وقد تحدّث الإمام عن جملة من الخصائص والمشخّصات الّتي يجب توافرها في الديمقراطيّة المطلوبة. أمّا هذه المشخّصات فعبارة عن:
أ- النافية للاستبداد والديكتاتوريّة: إنّ الديمقراطيّة الّتي تحدّث عنها الإمام هي نقطة تقابل الاستبداد والديكتاتوريّة. يقول الإمام في هذا الخصوص: "إنّ أصول الديمقراطيّة تعارض نظام الشاه"1، ويقول: "لن نتوقّف عن الجهاد حتّى إحلال الحكومة الديمقراطيّة بمعناها الواقعيّ مكان الديكتاتوريّة"2، ويقول: "سيخرج الشاه مع نهضة الشعب وستُقام الحكومة الديمقراطيّة"3.
يظهر من عبارات الإمام المتقدّمة أنّ الديمقراطيّة في حالة تضادّ مع النظام السياسيّ المستبدّ. وأمّا الاستبداد والديكتاتوريّة فهما من الصفات اللّازمة للحكومة البهلويّة. ولذلك كان الإمام يعتقد بأنّ تحقّق الديمقراطيّة في إيران منوط بزوال الشاهنشاهيّة.
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج2، ص50.
2- م. ن، ص 62.
3- م. ن، ص 269.
97
80
القسم الثالث: الديمقراطية
ويمكن فهم هذا الادّعاء بشكل دقيق، إذا ما علمنا بأنّ الإمام قد أوضح أنّ تحقّق الديمقراطيّة في زمان الحكومة البهلويّة أمر محال1.
ب- إيجاد وحفظ الحرّيّات: يُعتبر إيجاد الحريّة للأشخاص والحفاظ عليها في مقابل الموانع من جملة مشخّصات الديمقراطيّة حسب رؤية الإمام. وقد أشار الإمام إلى وجود نوعين من الحريّة في الديمقراطيّة:
الأول: هو الحريّة في المشاركة السياسيّة، حيث اعتبر الإمام أنّ حريّة الناس في المشاركة في الانتخابات من جملة مبادئ الديمقراطيّة2، وذَكّر بحريّة الناس في اختيار ممثّلي المجلس.
الثاني: حريّة البيان والعقيدة، فاعتبر الإمام أنّ الديمقراطيّة المطلوبة هي الّتي تبني وتحفظ هذا النوع: "الديمقراطيّة مندرجة في الإسلام والناس أحرار في بيان عقائدهم"3. وفيما يتعلّق بحدود الحريّة عند الإمام، فقد اعتبر أنّ حدودها تنتهي عند انحراف البشر عن المسير الصحيح والتعاون مع أعداء النظام4. وهذا يعني الاعتراف بحريّة البيان والعقيدة في الديمقراطيّة ما لم تؤدِّ إلى انحراف الأذهان وسوء استفادة أعداء النظام.
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ص 269.
2- م. ن، ج2، ص222.
3- م. ن، ج8، ص234.
4- م. ن، ج4، ص234.
98
81
القسم الثالث: الديمقراطية
ج – ملازَمة الاستقلال: يظهر من عبارات الإمام أنّ الديمقراطيّة عنده ملازِمة لمفهوم الاستقلال، حيث يصبح للديمقراطيّة معنى إلى جانبه: "إنّ نظام الحكومة في إيران هو الجمهوريّة الإسلاميّة الّتي تحفظ الاستقلال والديمقراطيّة"1. وقال الإمام قدس سره: "إنّ برنامجنا السياسيَّ هو الحريّة والديمقراطيّة، الحقيقيّة والاستقلال"2. ويظهر من خلال الدّقة في العبارات المتقدّمة، أنّ الإمام كان يعتقد بشكل من أشكال الديمقراطيّة وهو ذاك الّذي يضمن ويحفظ استقلال المجتمع، وبالتالي فإنّ الديمقراطيّة الّتي تؤدّي إلى زوال أو ضعف المجتمع مرفوضة.
د- العدالة: من جملة مشخّصات الديمقراطيّة عند الإمام العدالة ونفي التمييز، حيث يظهر ذلك بوضوح من خلال عبارات الإمام التالية: "إنّ الديمقراطيّة الموجودة في الإسلام غير موجودة في أماكن أخرى. إنّ أياً من الديمقراطيّات الرائجة ليست كالّتي في الإسلام حيث أُعطيت الأهميّة للضعفاء"3.
"الحكومة الإسلاميّة هي المبتناة على العدل والديمقراطيّة4. "إنّ نظام صدر الإسلام كان ديمقراطيّاً، فلا وجود للتمييز في امتلاك الإمكانيّات بين حاكم المجتمع والرعيّة"5.
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج3، ص16.
2- م. ن، ج3 ص96.
3- م. ن، ج5، ص258.
4- م. ن ، ج3، ص268.
5- م. ن، ص 9.
99
82
القسم الثالث: الديمقراطية
ويعتقد الإمام أنّ الديمقراطيّة المطلوبة هي الّتي لا تناصر الرأسماليّة1.
هـ- امتلاك الجذور الإسلاميّة: لعلّ من المشخّصات المحوريّة للديمقراطيّة عند الإمام، ارتباطها وعلاقتها الوثيقة بالإسلام. في الحقيقة الديمقراطيّة المطلوبة هي المندرجة في الإسلام2. بل تقوم الديمقراطيّة الصحيحة تحت لواء الإسلام3. ويعتقد الإمام بأنّ الديمقراطيّة الصحيحة هي الموجودة في الإسلام فقط 4، وأنّ هذه رؤية فريدة للديمقراطيّة5. وعلى هذا الأساس قال: "سنُفهم العالم ما هو معنى الديمقراطيّة"6.
كما يعتقد الإمام أنّ نظام الحكومة في صدر الإسلام هو النموذج الأرفع للديمقراطيّة المطلوبة، حيث قال: "إنّ حكومة صدر الإسلام كانت نظاماً ديمقراطيّاً، بحيث لا يمكن للديمقراطيّات المعاصرة أن تبلغ مستواه"7. ويقول الإمام في هذا الشأن أيضاً: "نحن نريد أنْ نقيم الإسلام والحكومة الإسلاميّة بشكل يشبه صدر الإسلام, حتّى يفهم الغرب المعنى الصحيح للديمقراطيّة، فيفهم الفارق بين
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج5، ص238.
2- م. ن، ج4، ص234.
3- م. ن، ج7، ص74.
4- م. ن، ج5، ص238.
5- م. ن، ص 58.
6- م. ن، ص 238.
7- م. ن، ج3، ص9.
100
83
القسم الثالث: الديمقراطية
ديمقراطيّة الإسلام والديمقراطيّة المصطلح عليها بين الدول"1.
ويعتقد الإمام أنّ الديمقراطيّة المطلوبة تعتمد على قواعد وقوانين الإسلام2، ولذلك اعتبر هذا النوع من الديمقراطيّة أكمل من ذلك الموجود في الغرب3. أمّا النظام الّذي يقترحه الإسلام والذي لا نظير له في الغرب، فقد يشبه الديمقراطيّة الغربيّة في بعض الأمور، ولكن الديمقراطيّة الّتي نريدها غير موجودة في الغرب4، بل هي تلك الّتي تقوم على أساس موازين وقوانين الإسلام5.
وأشار الإمام إلى أنّ الديمقراطيّة المطلوبة لم تُؤَسّس قواعدها بعد، وقال: "سنثبت للشرق والغرب إذا ما حالفنا التوفيق أنّ الديمقراطيّة الّتي نصبو إليها ليست تلك الموجودة في الشرق ولا الغرب"6.
ويقول الإمام بعد تذكيره بالقراءات المتعدّدة للإسلام: "إنّ قوانين الإسلام الأساس لا تقبل الانعطاف، ولكن هناك العديد من قوانين الإسلام يقبل الانعطاف والتطبيق مع النظريّات الخاصّة، بحيث يمكنها ضمان الديمقراطيّة بجميع أبعادها"7.
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ص 85.
2- م. ن، ص 268.
3- م. ن، ص 13.
4- م. ن.
5- م. ن، ص 16.
6- م. ن، ج5، ص238.
7- م. ن، ج2، ص22.
101
84
القسم الثالث: الديمقراطية
نقد الديمقراطيّة الرائجة
ذكر الإمام الخميني قدس سره عدّة انتقادات للديمقراطيّة المدّعاة في العالم المعاصر، فهو يعتقد أنْ "لا وجود للديمقراطيّة في الغرب على الرغم من حديثهم المستمرّ عنها"1. ويؤكّد قائلاً: "إنّ هذه الحكومات ديمقراطيّة باللّفظ، ولكنّها فاقدة لمحتواها، بل الديمقراطيّات الفعليّة مستبدّة"2. ويُذَكِّر أيضاً بأنّ: "الديمقراطيّة الغربيّة فاسدة، والشرقيّة فاسدة أيضاً"3. ويشير في مكان آخر من كلامه قائلاً: "هناك ضجيج إعلاميّ حول الديمقراطيّة. إنّ هذه الديمقراطيّة الّتي يتلفّظون باسمها موجودة في أمريكا وبريطانيا. وهناك ديكتاتوريّة أيضاً في هاتين الدولتين"4. ولعلّ من جملة الإشكالات الّتي يذكرها على الديمقراطيّة المعاصرة ما يلي:
التمييز بين الطبقة الحاكمة والشعب في امتلاك الإمكانيّات5 ، الدفاع عن أصحاب الرساميل الكبيرة6، وعدم الاهتمام بالضعفاء7.
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج7، ص74.
2- م. ن، ج3، ص10.
3- م. ن، ج5، ص238.
4- م. ن، ج5، ص258.
5- م. ن، ج3، ص9.
6- م. ن، ج5، ص238.
7- م. ن، ص 258.
102
85
القسم الثالث: الديمقراطية
شكل النظام القائم على الديمقراطيّة من وجهة نظر الإمام قدس سره
إنّ الديمقراطيّة من وجهة نظر الإمام هي تلك الّتي تساهم في بناء الحكومة الّتي هي لأجل الله ولأجل كسب رضا الشعب1. ويتحقق رضا الله تعالى عن طريق اكتساب رضا الشعب2. ويجب أن تكون مقبولة عند أبناء الشعب3، ويوافقون عليها موافقة قلبية4. وكذلك يجب على هذه الديمقراطيّة الاعتراف بأخطائها5، وأن تعود عن قراراتها الخاطئة6، وأن تكون خاضعة للقانون7 وتعمل في ظلّ حدوده8، وأن تحترم الأفكار والآراء العامّة9، وتخضع أمام حاجات الناس الشرعيّة والقانونيّة10، ويجب أن تعتمد على إرادة الشعب11، وأن تخصّص أكثر اهتماماتها بالطبقة المحرومة في المجتمع12 ، وأن تكون متواضعة أمام الشعب13، معتقدة بأهميّة المشاركة الشعبيّة في
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج17، ص161.
2- م. ن، ج18، ص201.
3- م. ن، ج3، الطبعة الثانية، ص75.
4- م. ن، ج1، ص71.
5- م. ن، ج18، ص41، الطبعة الأولى.
6- م. ن، ج1، ص59.
7- م. ن، ج2، ص241.
8- م. ن، ج8، ص553.
9- م. ن، ج2، ص186.
10- م. ن، ج1، ص59، الطبعة الثانية.
11- م. ن، ج3، ص37.
12- م. ن، ج5، ص190.
13- م. ن، ج1، ص110.
103
86
القسم الثالث: الديمقراطية
المسائل المتعلّقة بالبلد1. كما يجب أن يتمكّن الشعب وبسهولة من الاتّصال بمسؤولي تلك الحكومة2
إنّ ما تقدّم ـ والذي هو بمثابة فهرس جامع لعبارات الإمام ـ يمكنه توضيح الهيكل والبناء الكلّيّ للحكومة القائمة على أساس الديمقراطيّة، وكلّ ذلك من وجهة نظر الإمام.
1- الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج19، ص238، الطبعة الأولى.
2- م. ن، ج28، ص62.
104
87
القسم الثالث: الديمقراطية
الخلاصة:
نفهم ممّا تقدم أنّ منشأ رؤية الإمام الخمينيّ للديمقراطيّة هو الدين، وأنّ أفكاره وعقائده تعتمد على أصلين إسلاميّين هامّين هما؛ كرامة الإنسان واختياره. الإنسان في الرؤية الدينيّة للإمام يمتلك منزلة - تصديقاً للآية الشريفة: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم " َقدس سره - وقوةً واختياراً.
بناءً على ما تقدّم، فالإنسان المسلم والمؤمن عزيز ومحترم واختياره يمتلك حيثيّات العزّة والاحترام أيضاً. ومن هنا فعلى الحكومة أن تعمل بجدّ لتأمين متطلّبات حركة الإنسان نحو الكمال وأن تعترف بأهمّيّة وقيمة الإنسان واختياراته، حيث تشكّل هذه النقطة الأساس الّذي تقوم عليه الديمقراطيّة.
إنّ الصورة الحقيقيّة للديمقراطيّة عند الإمام تقوم بشكل أساس على فهمه للإنسان. فالديمقراطيّة عند الإمام هي وسيلة تضمن كرامة الإنسان واختياره، فالكرامة والاختيار هديّتان إلهيّتان للإنسان (بالأخصّ الإنسان المسلم والمؤمن).
إنّ من اللّوازم الأساس لتحقّق هذه الرؤية للديمقراطيّة، هو إرادة
105
88
القسم الثالث: الديمقراطية
الشعب وأكثرية أفراد المجتمع. وعليه إذا أراد القسم الأكبر من المجتمع المدنيّ أن تكون حياته الجماعيّة على أساس هذا التصوّر، عندها تتوفّر الظروف الطبيعيّة لوجود الديمقراطيّة، وبعبارة أخرى إنّ حدود الديمقراطيّة في المجتمع الإسلاميّ هي تلك الخطوط الحمراء الّتي حدّدها الله تعالى. وما الديمقراطيّة إلّا وسيلة يتمكّن الإنسان بواسطتها من الوصول إلى الكمال والسعادة اللّذَين حدّدهما الدين.
الديمقراطيّة طبق رؤية الإمام تعارض كلّ ما يؤدي إلى ضعف الإنسان وذلّته، وكلّ ما يؤدّي إلى سلب قدرته واختياره، سواء ظهرت هذه الديمقراطيّة على شكل الرأسماليّة أم على شكل الظلم والتمييز. وبعبارة أدقّ، فالديمقراطيّة عند الإمام تمتلك توجّهاً عامّاً نحو جميع المواطنين خاصّة المحرومين منهم. ومن خلال هذا الفهم يمكن نقد الديمقراطيّة الغربيّة المعاصرة، حيث اعتبر الإمام أنّ الديمقراطيّة الغربيّة خالية من المضمون، وتتضمّن أشكالاً متعدّدة من الديكتاتوريّة تساهم في سلب الإنسان حريّته واختياره.
106
89
القسم الرابع: النّخب
تُعتبر الحكومة من الظواهر القديمة قدم تاريخ الحياة الاجتماعيّة للإنسان. فلم يكن طريق أمام الإنسان سوى اللّجوء إلى نظام اجتماعيّ، وإلى التعاون داخل ذاك النظام من أجل تحقيق احتياجاته. من هنا كانت الحاجة إلى القانون. فالقانون يحتاج إلى سلطة تنفيذيّة وليست الحكومة شيئاً آخر سوى هذا الأمر.
إنّ وجود الحكومة في الحياة الاجتماعيّة للبشر أمر بديهيّ، حتّى جاء في الأخبار عن أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الأربعين من نهج البلاغة: "لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر"1.
وهنا يُطرح سؤال: من هو الشخص أو الأشخاص الّذين سيتصدّون لقيادة الحكومة؟
... يمكن التمييز بين نوعين من الناس باعتبار ذلك ميلاً ثابتاً لدى
1- عباس علي عميد زنجانى، فقه سياسي، ج2، تهران، أمير كبير، 1366 هـ ش، ص91.
109
91
القسم الرابع: النّخب
المجتمعات الإنسانيّة: طبقة الحكام وطبقة المحكومين. الطبقة الأولى تتشكّل عادة من عدد قليل من الأفراد تنحصر بهم جميع الوظائف والمسؤوليّات السياسيّة ويستأثرون بالسلطة لأنفسهم، بينما الطبقة الثانية، وهي أغلب الناس، وهي تُُدار بمختلف الوسائل القانونيّة وغير القانونيّة1.
تؤدّي العلاقة بين القيادة والطاعة إلى انقياد الأكثريّة لسلطة عدد قليل من الأشخاص، حيث يجري هؤلاء سلطتهم بأساليب خاصّة. ولا وجود لحكومةِ أو سلطةِ الجميع على الجميع أو الأكثريّة على الأقليّة، على الرغم من تمكّن بعض الأنظمة الديمقراطيّة بواسطة الانتخابات أو الأساليب الأخرى ـ كمشاورة الأكثرية ـ من تبديل الهيئة الحاكمة، ولكن هذا لا يمنع من أن تكون الأقليّة دائماً في موقع اتّخاذ القرار وتحديد السياسات الكليّة للمجتمع بناءً على رؤيتها2. وبشكل عامّ يمكن القول إنّ في كلّ مجتمع أقليّة يجب أن تكون موجودة لتحكم باقي المجتمع. تتشكّل هذه الأقليّة من أفراد يشغلون المناصب السياسيّة3، وهي مركّبة من مجموعة أشخاص يؤثّرون بشكل مباشر في العمليّة السياسيّة. وكما يقول ماركس: "يمكن تحديد نوعين من الناس في كلّ مجتمع
1- Mosca,GAetano, the uling class New yo k Meg aw - Hill 1939 50.
2- زولين فروند، جامعه شناسى، ماكس وبر، ترجمة عبد الحسين نيككهر، تهران، نشر رايزن، چاب دوم، ص233 - 234.
3- تى. بى، باتومور، نخبكان وجامعه، ترجمه عليرضا طيب، تهران، دانشكاه، تهران، 1371، ص10.
110
92
القسم الرابع: النّخب
- بعد المجتمع البدويّ - الأوّل هو الحاكم والثاني هو طبقة المحكومين"1.
من جهة أخرى، فإنّ مفهوم النُّخب هو واحد آخر من جملة التعابير الّتي استعملوها لوصف الأقليّة الحاكمة للمجتمع. أمّا هذا المفهوم فيعادل في اللّغات الأجنبيّة كلمة Elite، وهي تعود إلى أصول لاتينيّة eligere ، والمقصود منها الاجتباء أو الاختيار. واستُعمل هذا المفهوم في القرن السابع عشر الميلاديّ لوصف البضائع ذات الجودة الخاصّة، ثم استُعمل بعد ذلك في الإشارة إلى مجموعات اجتماعيّة خاصّة، فاستُعمل للقوى العسكريّة الضاربة، واستُعمل لمراتب الأشراف العالية. واستُعملت في القرن التاسع عشر وباللّغة الإنجليزيّة للدلالة على مجموعات اجتماعيّة، وراجت بعد العام 1930 مشيرة إلى معنى خاصّ2.
تشير كلمة Elite بمعناها الشامل والواسع إلى مجموعة من الأفراد البارزين وأصحاب المقامات العالية في المجتمع. وأمّا بمعناها الخاصّ فهي تشير إلى مجموعة بارزة في مجال معيّن، ومن جملة ذلك الأقليّة الحاكمة3. وتُطلق النُّخبة على كلّ ما هو أفضل وأليق من الآخرين.
1- تى بى، باتو مور، م. س، ص 22.
2- م. ن، ص 2.
3- علي آقا بخش، فرهنك علوم سياسي، تهران، مركز إطلاعات ومدارك علمي إيران، 1374، ص 107.
111
93
القسم الرابع: النّخب
ويُفهم منها أيضاً مجموعة من المثقّفين والمؤثِّرين في إدراة المجتمع وخدمته.
كان الأشراف في المجتمعات التقليديّة نخب المجتمع. وأمّا السبب في أفضليّتهم فهو الحالة العائليّة، فكان يترتّب على ذلك مسائل أخرى كقضايا الحرب أو الامتيازات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الخاصّة.
أمّا في بعض المجتمعات المتحضّرة فقد أصبحت الحِرَف والاستعدادات أو الامكانيّات الفنيّة هي الأساس في النُّخب، فيجب على الفرد إحراز أكبر مقدار من الحِرَفيّة والقدرة والإستعداد الفكريّ والأخلاقيّ، من أجل قيادة وإدراك معنى ومفهوم المسؤوليّات1 2. وتحتل النُّخب مكانها في هرم السلطة في المجتمع - في الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية - بناءً على ما تقدّم فهناك أنواع متعدّدة من النُّخب، كالنُّخب الاقتصادية والنُّخب الفكرية أو النُّخب السياسيّة.
لعلّ من أشهر علماء الاجتماع الّذين ركّزوا دراساتهم على موضوع النُّخب باتومور وموسكا. وقد تمحورت دراساتهما حول النُّخب السياسيّة بعد أن حاولا التفكيك بين النُّخب السياسيّة وغير السياسيّة3. وأمّا
1- آلن ميرو، فرهنك علوم اجتماعي، ترجمة باقر ساروخان، تهران، كيهان، 1370 هـ ش، ص115.
2- م. ن، ص115.
3- باقر، ساروخانى، درآمدى بر دائرة المعارف علوم اجتماعى، تهران كيهان، بى تا، ص94.
112
94
القسم الرابع: النّخب
النُّخب السياسيّة فهي بعبارة مختصرة, أصحاب السلطة في المجتمع السياسيّ1. وقد أكّد أكثر النصوص السياسيّة على أنّ المقصود من مفهوم النُّخب هم الأشخاص الّذين يحتلّون مناصبَ رفيعة في النظام السياسيّ. فالنُّخب بناءً على هذه العقيدة عبارة عن الحكَّام الّذين وصلوا إلى هذه المرتبة تحت أيّ عنوان. فعندما يقول باتومور: "إنّ كلّ شعب يقع تحت حكومة فريق" فهذا يعني أنّ لكلّ قوم حكّاما ً.2
واستُعمل مفهوم النُّخب أيضاً بمعانٍ أكثر تعقيداً. ويظهر من هذه الاستعمالات أنّ مجرّد وصول مجموعة إلى السلطة لا يكون ملاكاً ومعياراً كافياً لكونها من النُّخب. وبشكل عامّ يشير هذا المعنى من النُّخب إلى مجموعة من الأشخاص، يمكن أن يُطلق عليها أنّها أفضل من المجموعات الاجتماعيّة الأخرى لأدلّة معيّنة، على الرغم من أنّ هذه المجموعة لا تمتلك السلطة بيدها. وبعبارة أخرى يحمل هذا المعنى نوعاً من التوجّه الأخلاقيّ والقيميّ.
واستعمل بعض علماء الاجتماع مفهوم النُّخب على شكلين بحيث قاموا بتركيب المعنيين المتقدّمين. وعلى هذا الأساس يُقال في هذا المعنى الثالث إنّ كلّ مجموعة حاكمة تبقى في موقع السلطة ما دامت تمتلك خصوصيات النُّخب، أو إنّ كلّ مجموعة من النُّخب ستصبح في
1- تى بى، باتو مور، م. س، ص12.
2- H. laswell and M. ka lan, owe and Society. New Haven 1950, 202.
113
95
القسم الرابع: النّخب
موقع السلطة ما دامت تمتلك خصوصيات النُّخب، أو إنّ كلّ مجموعة من النُّخب ستصبح في موقع السلطة ما دامت تمتلك خصوصيّات النُّخب أو أنّ كلّ مجموعة في النُّخب ستصبح في يوم من الأيّام في موقع الحكم والسلطة.
يعود البحث حول مفهوم النُّخب إلى أفكار ماكيافلّي. وقد فهم ماكيافلّي "النُّخب" بأنّها المجموعة الحاكمة الّتي تُظهر مقداراً لازماً من الإرادة والرجولة للحفاظ على مبادئ سلطتها1. ويمتلك مفهوم النُّخب بالإضافة إلى المعاني المتقدّمة جوانب أخرى، بمعنى أنّ مفهوم النُّخب جزء من مذهب سياسيّ يقوم على أساس مخالفة أو نقد الديمقراطيّة الجديدة وبالأخصّ الشيوعيّة2، أمّا في هذه المقالة الّتي نتناول فيها مفهوم النُّخب من وجهة نظر الإمام الخمينيّ، فإنّ المعنى المقصود منها هو المجموعة الحاكمة، وبالتالي لن نتعرّض للجانب الآخر من مقولة النُّخب والّتي هي عبارة عن طريقة للحكم تقابل الديمقراطيّة. وفي الحقيقة سيتركّز البحث في هذه المقالة بشكل محوريّ حول خصائص النُّخب المطلوبة عند الإمام الخمينيّ. وتظهر فائدة هذا البحث عند عمليّة المقايسة بين الحكومة المثاليّة بنظر الإمام والأنواع الأخرى الموجودة، وبالتالي يتمّ التعرّف إلى حكومات
1- حسين بشيريه، م. س، ص67.
2- تى بى، باتومور، م. س، ص14 و 15.
وتجدر الإشارة إلى أنّه قد ذُكر في النصوص السياسيّة معنى آخر للنُّخب وهو عبارة عن حكومة الارستوقراطيّين أو الأشراف. واعتبر بعضهم أنّ الحكومة الإسلاميّة هي من هذا النوع من الحكومات. والفرق بينهما أنّ النُّخب في الحكومة الإسلاميّة أشخاص مؤمنون مستضعفون أتقياء صلحاء. راجع عباسعلى عميد زنجاني، فقه سياسي، تهران، أميرك كبير، 1366 هـ ش، ص 234.
114
96
القسم الرابع: النّخب
وحاكمي الجمهوريّة الإسلاميّة. والسبب في ذلك أنّ الإمام وهو المؤسّس لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة يمتلك تصوّراً خاصّاً للحكومة والمجموعة الحاكمة، حيث كان يعتبر أنّ تحقّق الحكومة المطلوبة يتمّ من خلال وجود هذا التصوّر المثاليّ. ومن هنا يتوجّب على المتصدّين للحكومة العمل على فهم الخصائص الّتي ذكرها الإمام للحاكمين، وبالتالي العمل على جعل أنفسهم في تطابق تامّ معها، حيث يساهم هذا الأمر في تحقّق الحكومة الّتي كان الإمام يصبو إليها.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الخطوة الأولى والأساس في هذا المضمار تبدأ من التعرّف إلى الخصائص الّتي ذكرها الإمام للنُّخب وللحاكمين، والتعرّف أيضاً إلى صفات النُّخب الموجودة (سواء قبل انتصار الثورة الإسلاميّة أو بعدها). وقد عملنا هنا على نقل آراء الإمام من دون أيّ تغيير في المحتوى، بل جلّ ما قمنا به إضفاء نوع من التنظيم والتصنيف عليها.
خصائص النُّخب
لعلّ تأسيس الحكومة الإسلاميّة من جملة الأهداف الأساس للمسيرة الجهاديّة للإمام. وعلى هذا الأساس فإنّ وصول حاكمين أصحاب صفات خاصّة إلى سدّة الحكومة من جملة الأهداف الّتي أرادها الإمام قدس سره، ومن هنا كانت الضرورة تقتضي التعرُّف إلى هذه الخصائص.
115
97
القسم الرابع: النّخب
فالثورة لا يمكن أن تصل إلى أهدافها المرجوّة إلّا بعد وصول أفراد إلى الحكم، يمتلكون هذه المجموعة من الصفات.
ويجب الالتفات إلى قضيّة هامّة تظهر من خلال كلمات الإمام في مرحلة تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة، وهي أنّ النموذج المثاليّ الّذي كان الإمام يصبو إليه هو حكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكان يعتبر أنّ الحاكم المثاليّ يتجلّى في شخصيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. وقد أكّد مراراً على أنّ الحكومة الّتي يريدها، هي حكومة الإمام عليّ عليه السلام1، على الرغم من اعترافه بعدم القدرة العمليّة على إيجاد حكومة مشابهة بشكل كامل لحكومة الإمام، والقيام بالأمور والوظائف والأعمال الّتي كان يقوم بها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
وكان الإمام يكرّر عبارات تتمحور حول أهميّة القانون عند الإمام عليّ عليه السلام2، واحترامه للقرارات الحكوميّة وبالأخصّ في مرحلة تصدّيه عليه السلام للخلافة، أو اهتمامه الواضح بمسألة أمن المجتمع والمواطنين3. وهناك أمور أخرى تؤيّد فكرة أنّ الحاكم المثاليّ عند الإمام قدس سره قد تجلّى في شخصية إمام الشيعة الأوّل، على الرغم من أنّ الخصائص الّتي ذكرها الإمام قدس سره هي أمور تناسب الزمان وتراعي اختلاف القدرات الإنسانيّة، إلّا أنّه يمكن الاعتراف بوجود
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، الطبعة الثانية، ج7، ص514.
2- م. ن، ج6، ص412.
3- م. ن، ج2، ص114.
116
98
القسم الرابع: النّخب
هذه الخصائص حتّى عند الأشخاص العاديّين. وهذه الخصائص عبارة عن:
1- الاعتقاد بالإسلام والعمل به.
لعلّ الاعتقاد بالإسلام والعمل به1 من أهمّ الخصائص الّتي ذكرها الإمام قدس سره للحاكم المطلوب. أمّا العبارات الّتي استعملها الإمام في الدلالة على هذه القضية فهي:
الالتزام بالإسلام2, التديّن3, التقيّد بإجراء الإسلام4, الاعتراف بقيمة الإسلام5, اعتبار الإسلام هو المبدأ في العمل6, الاعتقاد بالله وبالمعاد7، باعتبار ذلك شرطاً يدلّ على فائدة الحاكم, الاعتقاد بقدرة الإسلام على نجاة البشريّة ومنحها الإستقلال8, الاعتقاد بقدرة الإسلام على الارتقاء وحفظ الحريّات والإيمان بإسلاميّة البلاد9، عدم اعتبار الإسلام مذهباً متحجّراً10, الوثوق
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ج1، ص110.
2- م. ن، ج9، ص71.
3- م. ن، ج18، ص198.
4- م. ن، ج3، ص75.
5- م. ن، ص496.
6- م. ن، ج4، ص501.
7- م. ن، ج4، ص274.
8- م. ن، ج5، ص102.
9- م. ن، ص 132.
10- م. ن، ص172.
117
99
القسم الرابع: النّخب
بتحقّق الإسلام في البلاد1، أن يكون من شيعة عليّ عليه السلام وإدراك الإسلام على حقيقته2.
2- الالتزام بالجمهوريّة الإسلاميّة ومصالحها.
يُعتبر الالتزام بالجمهوريّة الإسلاميّة ومصالحها3 من جملة الخصائص الّتي أكّد عليها الإمام قدس سره بعبارات متعدّدة منها: قبول الجمهوريّة الإسلاميّة4، الموافقة على الجمهوريّة الإسلاميّة5، الاعتقاد بالجمهوريّة الإسلاميّة6.
3- تحصيل رضا الناس تقربّاً إلى الله تعالى7.
4- المحبوبيّة عند الناس.
أكّد الإمام على هذا المفهوم بعبارات مختلفة، كقوله بضرورة قبول الناس للحاكم بالقلب والروح8، وأن يتمكّن من الحركة بين الناس من دون خوف، لا بل أن يكون أمانه حين وجوده بينهم9.
5- قبول النقد
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ص6.
2- م. ن، ج6، ص53.
3- م. ن، ج17، ص273.
4- م. ن، ج18، ص198.
5- م. ن، ص204.
6- م. ن، ج5، ص138.
7- م. ن، ج8، ص201.
8- م. ن، ج1، ص71.
9- م. ن، ج4، ص484.
118
100
القسم الرابع: النّخب
من جملة الخصائص الّتي ذكرها الإمام للحاكم المطلوب, قبوله النقد وامتلاكه روحيّة العدول عن القرارات الخاطئة1. ويعتقد الإمام أنّ الشخص اللائق للحكومة على المجتمع الإسلاميّ هو الّذي يمتنع عن الاستمرار بالعمل بمجرّد التأكّد من وجود اشتباه فيه2.
6- الخضوع أمام القانون
الخضوع أمام القانون3 من الخصائص الأخرى الّتي ذكرها الإمام للنُّخب، قال: "يجب أن يكون الحاكم الإسلاميّ متساوياً مع الشعب أمام القانون"4. وبالتالي عدم وجود فرق بينه وبين الآخرين، وأن تكون دائرة عمله محدودة في إطار القانون، لا بل الوفاء له5.
7- العمل في حدود الوظائف6
8- الأمانة7
9- احترام آراء الشعب8
10- التربية الإسلاميّة
أكّد الإمام على ضرورة كون الحاكم قد تربّى تربية إسلاميّة، حيث
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ج1، ص41.
2- م. ن، ج18، ص41.
3- م. ن، ج2، ص236.
4- م. ن، ج2، ص276.
5- م. ن، ج7، ص120.
6- م. ن، ج20، ص220.
7- م. ن، ج2، ص60.
8- م. ن، ص186.
119
101
القسم الرابع: النّخب
يمنع هذا الأمر الشخص من خيانة البلد والشعب1.
11- مواجهة السلوكيّات الخاطئة للمسؤولين الآخرين2
12- عدم قبول تسلّط الأجنبيّ على البلد
وتبرز أهميّة هذه الخصيصة في أنّها تساهم في الحصول على الاستقلال في جوانبه الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وهو من أهمّ وظائف ومسؤوليّات الحاكم3.
13- امتلاك سلوك وأخلاق إسلاميّة
أكّد الإمام على هذا الأمر مراراً فأوصى أعضاء مجلس الشورى بالبحث والدراسة القائمة على أساس الأخلاق الحسنة4. وأوصى المسؤولين بحسن الأخلاق والسلوك مع المستضعفين5. وأوصى المسؤولين أن لا يكون سلوكهم سيّئاً مع الشعب، وأن لا يسمحوا للموظّفين الآخرين بإهانة الشعب وعدم احترامه6.
14- بساطة العيش7
15- التقوى
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ص43.
2- م. ن، ص66.
3- م. ن، ص186.
4- م. ن، ج18، ص154.
5- م. ن، ص251.
6- م. ن، ج8، ص65.
7- م. ن، ج2، ص244.
120
102
القسم الرابع: النّخب
أكّد الإمام على هذا الأمر معتبراً أنّ النُّخب يجب أن تمتلك التقوى السياسيّة وأن تراعي حدود التقوى في السلوك1.
16- السابقة الحسنة
يجب على النُّخب امتلاك سابقة حسنة فلا يُفترض أن تسيطر على أفرادها السوابق المشكوك فيها2.
17- الاعتماد على إرادة الشعب3
18- امتلاك رؤية سياسيّة4
19- الارتباط بالعلماء5
20- الدفاع عن المستضعفين6
21- القرب من الناس
والمقصود من ذلك أن يكون الشعب قادراً على رؤيته وأن يمتلك الجرأة على لقاء الناس والحوار معهم بحيث يمكنهم عرض مشاكلهم عليه والوصول إلى الحلول المطلوبة58.
22- الاستقلال
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ج9، ص632.
2- م. ن، ج2، ص308.
3- م. ن، ج3، ص37.
4- م. ن،ج3، ص46.
5- م. ن، ج18، ص57.
6- م. ن، ج9، ص71.
7- م. ن، ج4، ص61.
121
103
القسم الرابع: النّخب
يُقصد من الاستقلال من وجهة نظر الإمام عدم الميل إلى اليسار واليمين1، والاستقلال من الناحية الروحيّة والفكريّة2، وعدم التفكير بمصالح الشرق والغرب3.
23- القدرة على إدارة الأمور4
24- العمل لأجل الله تعالى5
25- أن يكون من الطبقة المتوسّطة أو الضعيفة6
26- إحراز الشروط القانونيّة7
27- الصّدق في العمل8
28- البصيرة9
29- الخِبرة10
30- الإيمان بالثورة11
31- المعرفة الصحيحة بهويّة المجتمع12
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، الطبعة الثانية، ج7، ص514.
2- م. ن، ج5، ص176.
3- م. ن.
4- م. ن، ج2، ص308.
5- م. ن، ج18، ص198.
6- م. ن، ج9، ص237.
7- م. ن، ج6، ص 473.
8- م. ن، ج2، ص 308.
9- م. ن، ج9، ص 71.
10- م. ن ، ج19، ص 108.
11- م. ن، ج71، ص 405.
12- م. ن، ج2، ص 308.
122
104
القسم الرابع: النّخب
32- الاستقامة في العقيدة1
33- الاعتماد على المبادئ المعنويّة2
34- التشبّه بسلوك الأئمّة المعصومين عليهم السلام3
35- امتلاك روحيّة خدمة الناس4
36- الصلاح5
37- التقوى في الجانب الماليّ6
38- الشجاعة7
39- الاهتمام بالشعب8
40- التواضع أمام الشعب9
41- أن يكون عامل وحدة10
42- أن يكون محبّاً لوطنه11
43- أن يتمتّع بمستوى علميّ12
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ص 308.
2- م. ن، ص 263.
3- م. ن، ج6، ص 401.
4- م. ن، ج2، ص 253 و ج9، ص 71.
5- م. ن، ج5، ص 100.
6- م. ن، ج2، ص 186.
7- م. ن ، ص 235.
8- م. ن، ص 114.
9- م. ن ، ج1، ص 110.
10- م. ن، ج8، ص 62.
11- م. ن، ج3، ص 499.
12- م. ن، ج21، ص 214.
123
105
القسم الرابع: النّخب
44- أن يكون عارفاً بالدين ومفاهيمه1
45- أن يكون متخصّصاً2
46- أن يعمل من أجل مصلحة الأمّة3
47- أن يلتزم مشاورة الخبراء4
48- أن يمتلك مقداراً كبيراً من التهذيب الأخلاقيّ5
49- أن يعتقد بأهميّة المشاركة الشعبيّة6
50- أن يعمل على الاتّحاد والتكامل مع المسؤولين الآخرين7
51- أن يبتعد عن حبّ المقام والسلطة8
52- أن يعمل على تقديم الإسلام الصحيح إلى العالم9
53- أن يكون منتخَباً من الشعب10
54- أن يكون عادلاً11
1- الإمام الخميني، صحيفة نور، ج1، ص 503.
2- م. ن، ج18، ص 204.
3- م. ن، ج19، ص 108.
4- م. ن، ج18، ص 540.
5- م. ن، ج2، ص 87.
6- م. ن، ج9، ص 238.
7- م. ن، ج8، ص 310.
8- م. ن ، ج19، ص 11.
9- م. ن، ج4، ص 327.
10- م. ن، ج1، ص 150.
11- م. ن، ج1، ص 442.
124
106
القسم الرابع: النّخب
خصائص القائد والوليّ الفقيه بناءً على رؤية الإمام
إنّ منصب الوليّ الفقيه أعلى منصب ومقام في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وهو على رأس هرم السلطة. وقد أكّد الإمام أنّ إحراز هذا المنصب يحتاج إلى تحقّق مجموعتين من الشروط، بعضها عامّ وبعضها أساس. أمّا الشرطان العامّان للولي الفقيه حسب رؤية الإمام فعبارة عن: "العقل والتدبير" وأمّا الشرطان الأساسان فعبارة عن: "العدالة والعلم بقانون الإسلام (الفقه)"1.
وقد تحدّث الإمام حول خصائص الوليّ الفقيه قائلاً: "الفقيه صاحب العلم والعمل، ذو السيرة الإسلاميّة، والسياسة الإسلاميّة، وأن يكون قد أفنى عمره في الإسلام والمسائل الإسلاميّة"2.
وهو شخص قد ثبت لدى الشعب أنّه ذو أخلاق ودين، وأنّه شخص وطنيّ وصاحب علم وعمل. وهو الّذي ينتخبه الشعب، وهو الفقيه الّذي أمضى عمره في الإسلام وخدمته3, وهو الفقيه المطّلع على المعايير والذي يعيش الحياة الّتي يعيشها الناس العاديّون4, وهو المجتهد المؤيَّد من
1- إمام خميني، ولاية فقيه، تهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار حضرت إمام، الطبعة الأولى، 1373 هـ ش، ص37.
2- الإمام الخميني، صحيفة نور، ج5، الطبعة الثانية، ص534، 30/6/1358.
3- م. ن، ج6، ص234، 16/8/1358.
4- م. ن، ص 422، 25/9/1358.
125
107
القسم الرابع: النّخب
قبل مجلس الخبراء والمدافع عن حيثيّة الإسلام في العالم1, وهو شخص وقف نفسه لخدمة الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة وكان في خدمة المحرومين والمستضعفين2, ويجب أن يُنتخب للقيادة أكثر الفقهاء لياقة ومعرفة والتزاماً.3
1- م. ن، ج21، الطبعة الأولى، ص29، 9/2/1368.
2- الإمام الخميني، صحيفة نور، ص 188، 26/11/1361.
3- م. ن، ج18، ص41، 23/4/1342.
126
108
القسم الرابع: النّخب
المصادر
ألف: المصادر الفارسية
1 - إمام خمينى، صحيفه نور، تهران، سازمان مدارك فرهنكى انقلاب اسلامى، چاب أول، مجلّدات يكم إلى بيست و دوم، وچاب دوم، مجلّدات يكم إلى نهم.
2 - إمام خمينىّ، وصيّت نامه سياسى إلهى، (الوصيّة السياسيّة الإلهيّة)، تهران، سازمان أوقاف وأمور خيريه، 1369.
3 - جوادى آملى، عبد الله، بيرامون وحى ورهبرى، (حول الوحي والقيادة)، تهران، رجاء، 1368.
4 - بشيريه، حسين، جامعه شناسى سياسى، (علم الاجتماع السياسي)، تهران، نشرنى، جاب سوم، 1370.
5 - عميد زنجانى، عباس علي، فقه سياسى، (الفقه السياسي)، تهران، أمير كبير، جاب أول، 1366، جلد دوم.
6 - فروند، زولين، جامعه شناسى ماكس وبر، (علم الاجتماع عند ماكس وبر)، ترجمه عبد الحسين نيك كهر، تهران، نشر رايزن، جاب دوم، بى تا.
7 - باتومور، تى بى، نخبكان وجامعه، (النُّخب والمجتمع)، ترجمه عليرضا طيب، تهران، دانشكاه تهران، 1371.
8 - آقا بخشى، علي، فرهنك علوم سياسى، (قاموس العلوم السياسية)، تهران، مركز اطلاعات ومدارك علمى إيران، 1374.
9 - بيرو، آلن، فرهنك علوم اجتماعى، (قاموس العلوم الاجتماعية)، ترجمه باقر ساروخانى، تهران، كيهان، جاب دوم، 1370.
127
109
القسم الرابع: النّخب
10 - ساروخانى، باقر، درآمدى بر دائرة المعارف علوم اجتماعى، (مدخل إلى دائرة معارف العلوم الاجتماعية)، تهران، كيهان، بى تا.
11 - مطهرى، مرتضى، بيرامون إنقلاب إسلامى، (حول الثورة الإسلاميّة)، تهران، صدرا، جاب سوم 1367.
12 - كديور، محسن، نظريه هاى دولت در فقه شيعه، (نظريات الدولة في الفقه الشيعي)، تهران، نشر نى، 1377.
ب- المصادر العربية
1 - الموسوي الخميني، روح الله، المكاسب المحرّمة، ج2، قم، بى تا، 1381، هـ ق.
2 - الموسوي الخميني، روح الله، كتاب البيع، ج2، قم، بى تا.
3 - الموسوي الخميني، روح الله، تحرير الوسيلة، ج1، نجف، بى تا، 1390 هـ ق.
4 - الحسيني، السيد محمد صادق، زبدة الأصول، ج4، قم، مدرسة الإمام صادق، 1412 هـ ق.
5 - المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، ج2، بيروت، مؤسسة الأعلمي "مطبوعات" جاب دوم، 1990 م.
ج - المصادر الإنجليزية
GAETANOMOSCA, The Ruling class, New York, Mc Gow - Hill), 1939
H. LasWell and M.Kaplan,power and socity, New Haven,1950.
128
110