مكانة العلماء في فكر الإمام الخميني قدس سره


الناشر: مراكز الإمام الخميني الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-08

النسخة: 0


الكاتب

جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية

مراكز ثقافية تعنى بحفظ نهج الإمام الخميني قدس سره ونشره من خلال إنشاء مراكز متخصصة بإقامة الندوات الفكرية واللقاءات الحوارية للنخب الثقافية والجامعية، وإنشاء المكتبات العامة للمطالعة، وتكريم شخصيات ثقافية، وإقامة دورات فكرية، وتوقيع كتب أدبية وفكرية، وإصدار سلاسل فكرية متنوعة لكبار العلماء والمفكرين.


المقدمة

 عن الإمام الهادي عليه السلام: 

 
"لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء، عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله"1
 
"لولا وجود هؤلاء العلماء لانمحى الإسلام، فأولئك هم خبراء الإسلام ولقد صانوا الإسلام حتى الآن، ويجب أن يبقوا ليبقى الإسلام مصوناً"2.
 
الإمام الخميني قدس سره
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 3 صفحة 2087. 
2- من كلام لسماحته بتاريخ 8/9/1981 في جمع من أئمة الجماعة لمحافظة خراسان صحيفة نور ج15 صفحة 150. 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 المقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

في ظل الرأسمالية الظالمة والشيوعية الملحدة، انقسم العالم إلى معسكرين كبيرين: شرقي وغربي، وصار من البديهي السؤال عند ظهر كل حركة أو نظام أنه لأي المعسكرين يتبع، الشرقي أم الغربي؟ فقد استطاع المعسكران أن يتقاسما العالم ليعيش الناس والحركات والبلدان تحت أحد الظلّين، علّه يجد له ظهراً يؤمّن الاستمرارية والنجاح ولو النسبي. 

وكانت المفاجأة الكبيرة عندما خرج رجل من مدينة قم وبالتحديد من حوزتها العلمية، على رأسه تلك العمامة السوداء، مرتدياً ذلك الزي المتواضع الذي يعبر بنفسه عن تلك الراية الأصيلة المتجددة، إنه الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره. 

لقد خرج الإمام الخميني رافضاً كل المعايير التي اعتادها الناس، معلناً "لا شرقية ولا غربية" يأبى أن يستظل بإحدى القوتين، لم يعرف رأسه إلا ظل العمامة السوداء ولم يعرف بدنه إلا لباس العلماء. 

وظلُّ العمامة يعني عند الإمام قدس سره الكثير. إنها تختصر الخط كله، 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

المقدمة

 إنها الإسلام، وقد صرح بذلك في كلام له مع أساتذة وطلاب الجامعة: "المعمم يعني الإسلام"1

 
صحيح أن الدين محفوظ بحفظ القرآن بين الناس ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، ولكن الأهم من ذلك أن يحفظ في عقولهم علماً وفي قلوبهم ورعاً ويترجم في أعمالهم مسلكية ومنهاجاً. وهذا ما أراده الإمام الخميني قدس سره فقدم نموذجاً مشرقاً للإسلام من جميع جوانبه. 
 
وما نريد أن نلقي عليه الضوء في هذه الوريقات هو موضوع: 
 
مكانة العلماء في فكر الإمام الخميني قدس سره.
 
لماذا العلماء؟
 
لأننا ومنذ فترة غير وجيزة نعيش حالة التلقف غير الواعي للمفاهيم الغربية التي تستورد مشفوعة بالحداثة والتطور، بأشكال متعددة، ومن جملتها مفهوم "رجال الدين" الغربي، الذي يحصر عمل "رجال الدين" بالجانب المعنوي فقط دون أن يكون له علاقة بالسياسة والاجتماع والاقتصاد، على قاعدة (ما لله لله، وما لقيصر لقيصر). 
 
وكثير من الناس لا يستسيغون الفكرة الغربية على المستوى العلمي ويرفضونها بعقولهم وألسنتهم، ولكنهم قد يقعون بنفس الفكرة عملياً من خلال تهميش دور علماء الدين وحصر عملهم بالجانب المعنوي أو بالأمور العبادية والفردية كما يحصل في كثير من الأحيان. 
 
 
 

1- صحيفة النور جزء 21 صفحة 93. 
 
 
 
 
 
 
8

3

المقدمة

 وقد نبه الإمام الخميني قدس سره إلى خطورة تهميش العلماء، حيث يقول في إحدى كلماته: 

 
"إنهم يعرضون الإسلام بشكل سيئ ويعرضون المعمم بشكل سيئ، لماذا؟ لأن ما يقف في وجههم هو الإسلام، ولأن من يريد تطبيقه هو المعمم، وأولئك لا يريدون أن يتحقق هذا الأمر، لهذا يريدون عرض الإسلام بشكل سيئ ليبتعد الناس عن الإسلام وليهمش المعمم، ويبقون هم فيفعلون ما يحلو لهم"1
 
لماذا في فكر الإمام الخميني قدس سره 
 
ـ لأن الإمام الخميني قدس سره هو ابن تلك البيئة التي ولد وترعرع فيها منذ نعومة أظافره، وعاش فيها سنين طويلة، وتخرج من حوزتها، حتى صار مدرساً ومديراً لأهم الحوزات في قم المقدسة قبل أن يصبح مرجعاً، وهو موقع النواة والمحور في الحوزة، ويخبر عن نفسه قائلاً: 
 
"عمري ثمانون عاماً، وقد بقيت ستين عاماً تقريباً في المجتمعات العلمية، وثلاثون عاماً تقريباً كنت في خضمّ الأمور، فلدي مشاهداتي..."5. 
 
ـ ولأن الإمام الخميني قدس سره هو صاحب النظرة الثاقبة التي تخترق الظاهر لتصل إلى الحقائق والخبايا، فالذي استطاع أن يتنبأ بزوال 
 
 
 

1- من كلام لسماحته حول مهمة الشاه في تنفيذ المشاريع الاستعمارية. صحيفة النور ج1، ص139. 
2- من كلام لسماحته بتاريخ 30/11/1977 بعد استشهاد نجله السيد مصطفى، صحيفة نور جزء1، صفحة 258. 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

المقدمة

 الاتحاد السوفياتي، البعيد مادياً ومعنوياً، قادر على معرفة الحوزة والعلماء ودورهم، وهو الذي ولد بينهم وترعرع فيهم وعرف خباياهم، بل هو واحد منهم... 


ـ وقبل ما مر، لأن الإمام الخميني قدس سره يمثل انعكاس الإسلام المحمدي الأصيل في واقع هذه الأمة، فكلمته لا تعبّر عن مواقف شخصية، بل تعتبر نور الإسلام بما له من أحكام شرعية عرفها من خلال اجتهاده ومرجعيته، وتشخيص موضوعات خبرها من خلال نظرته الفريدة، وهو القائد الملهم والمسدد كما شهدت له الأيام.
 
 
 
 
 
 
 
10

5

الفصل الأول: مكانة العلماء

 "أولئك العلماء هم مظهر الإسلام، إنهم مبينو القرآن، إنهم مظهر النبي الأكرم"1 

الإمام الخميني قدس سره
 
إن للعلماء مكانة خاصة عند الإمام الخميني قدس سره، كيف لا؟ وهو السائر على خط الإسلام الذي يعلن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: 
 
"فضل العالم على غيره كفضل النبي على أمته"2.! 
 
إن هذه المكانة وهذه النظرة التي تجل العلماء نلاحظها عند الإمام الخميني قدس سره بشكل واضح في عدة ميادين طرقها: 
 
ـ ففي كتاباته نجده يتعاطى مع العلماء بقدسية خاصة، فيطلق عليهم الألقاب الرفيعة والتي لم يطلقها على سواهم، ويظهر لهم كل احترام وإجلال، فنجده في كتابه الأربعين حديثاً، يطلق على الشيخ الكليني لقب ثقة الإسلام والمسلمين مرة وحجة الفرقة وثقتها مرة أخرى، وشيخ المحدثين وأفضلهم مرة ثالثة، ويطلق على الشيخ نصير الدين الطوسي لقب أفضل المتأخرين وأكمل المتقدمين، وعلى الشيخ البهائي لقب الشيخ الجليل العارف، وعلى العلامة المجلسي لقب 
 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 23/12/1978، حول عوامل انتصار الثورة الإسلامية، صحيفة نور، جزء 4، صفحة 93. 
2- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2088. 
 
 
 
 
 
 
 
13

6

الفصل الأول: مكانة العلماء

 المحقق والمدقق و...، فهذا التعظيم والاحترام للعلماء والفقهاء والمحدثين ظاهر وواضح لكل من يقرأ صفحات كتابه هذا. 

 
ـ وفي أسلوبه العملي في قيادة النظام، نجده استعان بالعلماء كعين ويد في جميع مؤسسات الدولة والعمل الإسلامية، حيث نجده قد وضع لنفسه ممثلين من العلماء في جميع المؤسسات، ولم يترك المؤسسات تعمل لوحدها بدون رقابة ومواكبة من العلماء. 
 
ـ وفي مفاهيمه وأفكاره نجد للعلماء مكانة خاصة ومقاماً مميزاً يذكره بشكل واضح وصريح في كتاباته وخطبه، فالعلماء بنظره هم: 
 
1ـ ورثة الأنبياء: لم يرثوا منهم أموالهم وإنما ورثوا علومهم ودورهم في الأمة، وقد أشارت الروايات إلى هذه الحقيقة: 
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"العلماء ورثة الأنبياء، يحبهم أهل السماء، ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة"1
 
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"العلماء مصابيح الأرض، وخلفاء الأنبياء، وورثتي ورثة الأنبياء"2
 
يجب أن نعلم أن العلماء ليسوا مجرد أصحاب اختصاص في زاوية معينة، كالطبيب الذي يهتم ببدن الإنسان لجهة مرضه وصحته، والمهندس الذي يهتم بالأشكال الهندسية المطلوبة، وعامل الكهرباء الذي يهتم بشؤونها... لأنهم ورثة الأنبياء، ومن البديهي أن الأنبياء لم يكونوا مجرد أصحاب اختصاص في مجال معين، فكذلك يكون 
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2067. 
2- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2067. 
 
 
 
 
 
 
 
14

7

الفصل الأول: مكانة العلماء

 العلماء. فالتعاطي معهم على أنهم أصحاب اختصاص في مجال معين هو تعاطٍ خاطئ، فحيثما يوجد كلمة للإسلام يوجد دور للعالم، وأي شيء لا يوجد فيه كلمة للإسلام؟!! 

 
يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"إن العلماء الذي يربّون البشر هم ورثة الأنبياء، إنهم مبعوثون من قبِل الأنبياء"1
 
2ـ هم مظهر الإسلام وأدلاؤه: لا يمكن معرفة الإسلام الحقيقي إلا بواسطة العلماء، فمن خلالهم يمكن الوصول إليه على المستوين العلمي والعملي، والبحث عن الإسلام عند غيرهم هو نوع من أنواع الوهم والسراب، وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: 
 
"العلماء، وهم الأدلاء على الله"2
 
وهناك أكثر من كلمة للإمام الخميني قدس سره تؤكد على هذا المعنى، حيث يقول قدس سره: 
 
"المعمم يعني الإسلام فالعلماء اندمجوا في الإسلام"3
 
ويقول أيضاً: 
 
"أولئك العلماء هم مظهر الإسلام، إنهم مبينو القرآن، إنهم مظهر النبي الأكرم"4
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 22/6/1979 في جمع من السيدات وقوات حرس الثورة الإسلامية، صحيفة نور جز 7، صفحة 181. 
2- ميزان الحكمة جزء 4، صفحة 2420. 
3- من كلام لسماحته بتاريخ 23/5/1979 لجماعة من أساتذة الجامعة وطلابها، صحيفة نور جزء 7، صفحة 229. 
4- من كلام لسماحته بتاريخ 23/12/1978، حول عومل انتصار الثورة الإسلامية، صحيفة النور جزء 4، صفحة 93. 
 
 
 
 
 
 
 
15

8

الفصل الأول: مكانة العلماء

 3ـ أهداف الإسلام تؤدى بألسنتهم: إن كلمة الحق، وكلمة العالم، لها وقعها الخاص عندما تقال، ولها تأثيرها الخاص في الأمة، فهي تعبّر عن الإسلام وتشعل سراج هدايته أمام أعين الناس، وتأخذ بيد الأمة لتعبر بها فوق كل الأوهام وتصل إلى الأهداف الإلهية التي رسمها الله عز وجل للإنسان، فهم بكلمتهم قادرون على أن يوصلوا الإنسان إلى شاطئ الأمان إذا التزم بهذه الكلمة واهتدى بهداها. 

 
يقول الإمام الخميني قدس سره مخاطباً مجموعة من العلماء: 
 
"عليكم أن تكونوا الناطقين باسم الإسلام، فهذا هو عملكم، وإذا كان هنا العلم واقعياً فهو أسمى من كل الأعمال، لأن أهداف الإسلام تؤدى بألسنتكم، جميع أهداف الإسلام. ومسؤولية ذلك أكبر من أي شيء"1
 
4ـ هم حراس الإسلام: أي لقب عظيم هذا الذي يطلقه الإمام الخميني قدس سره على العلماء، فإذا كان الإسلام هو كل النور ولا نور سواه، وهو كل الهداية وكل ما عداه سراب، وهو الجنان وكل ما عداه عذاب، وهو رضى الله والطريق إليه، هو الذي يعطي للحياة معنى وهدفاً، فأي شرف أن يكون العالم حارساً لكل هذا! وأي أخطار ستحيط بنا إن استغنينا عن خدمات الحارس في دنيا مليئة بالكيد والظلم والطغيان؟! يقول الإمام الخميني قدس سره مخاطباً مجموعة من العلماء: 
 
"اقتحموا الأمور، تدخلوا في الشؤون، لا يصح أن يقول أحدكم: 
 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 7/7/1979 في جمع من علماء طهران. صحيفة النور جز 8، صفحة 67. 
 
 
 
 
 
 
 
16

9

الفصل الأول: مكانة العلماء

 أنا فقيه ولا شأن لي بغير ذلك، فأنت فقيه، ولكن يجب أن تتدخل في الشؤون، يجب أن تتدخل بمقدرات الناس، فأنتم حراس الإسلام، ويجب أن تحرسوه"1

 
وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا الدور في عدة روايات ففي بعضها: 
 
"إن مثل العلماء كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"2
 
ودورهم هذا يتأكد في زمن غيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ففي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام: 
 
"لو لا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله"3
 
5ـ وجودهم موعظة: إن الإمام الخميني قدس سره يعتبر أن العالم حتى لو لم يقم بأي عمل على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو غيره، فهو مفيد بنفس وجوده بين الناس، فوجوده بين الناس بحد ذاته موعظة تدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، يقول في بعض كلماته قدس سره: 
 
"إذا وجد عدة معممين متدينين جيدين في مجتمع ما أو مدينة ما، وعندما يوجد عدة معممين يهتمون بالدين، وكانوا عقلاء 
 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 6/3/1979 في جميع من علماء وطلاب قم المقدسة. 
2- ميزان الحكمة جزء 4، صفحة 2840. 
3- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2087. 
 
 
 
 
 
 
17

10

الفصل الأول: مكانة العلماء

 وعاملين بعلمهم، فلا داعي عندها للموعظة أساساً، فوجودهم بذاته يشكل موعظة، لقد رأينا أشخاصاً يترك وجودهم بذاته أثراً في الإنسان، كان في مدينة قم معمّمون يؤثرون بوجودهم وأساساً يكفي للإنسان موعظة أن ينظر إليهم"1

 
فمجرد النظر إلى العلماء هو موعظة وعبادة، وقد ورد في الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"النظر إلى وجه العالم عبادة"2
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني ومن جالس العلماء فقد جالسني ومن جالسني فكأنما جالس ربي"3
 
فمجرد مجالستهم هو عبادة. 
 
6 ـ مدادهم خير من دماء الشهداء: لا شك أن للشهيد مرتبة عظيمة استثنائية عند الله سبحانه وتعالى، والآيات القرآنية واضحة في ذلك "بل أحياء عند ربهم يرزقون"، والروايات عن المعصومين أيضاً واضحة في ذلك.، فالشهيد قد اختصر الطريق وقدَّم كل ما يملك في سبيل الله تعالى. 
 
وآثار دماء الشهداء واضحة في قوة الأمة وعزتها وحمايتها من الأخطار.. ولكن رغم كل ذلك نجد الروايات تؤكد أن مداد العلماء 
 
 

1- الكوثر جزء 1، صفحة 203. 
2- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2070. 
3- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2085. 
 
 
 
 
 
 
18

11

الفصل الأول: مكانة العلماء

 والحبر الذي يكتبون به آثاره أعظم من آثار دماء الشهداء! ووزنه عند الله سبحانه وتعالى أكثر من وزن الدماء! فلنلقِ نظرة على الروايات: 

 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح عليهم مداد العلماء على دم الشهداء". 
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليه". 
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: 
 
"إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء"1
 
والإمام الخميني قدس سره يؤكد ذلك في بعض كلماته حيث يقول: 
 
"لمئات السنين كان علماء الإسلام ملجأ للمحرومين، وقد ارتوى المستضعفون دوماً عن كوثر زلال معرفة الفقهاء العظام. فإلى جانب جهادهم العلمي والثقافي ـ الذي هو حقاً أفضل من دماء الشهداء في بعض جوانبه ـ فقد تحمل أولئك في كل عصر من العصور المرارات من أجل الدفاع عن المقدسات الدينية والوطنية، وتحملوا الأسر والنفي والسجون والأذى والمضايقات والكلام الجارح، وقدموا في الحضرة المقدسة شهداء عظام"2
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2067. 
2- من نداء لسماحته إلى مراجع الإسلام وعلماء البلاد بتاريخ 22/2/1989. 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

12

الفصل الأول: مكانة العلماء

 من أين جاءت هذه المكانة؟ 


بعد أن قرأنا كل هذه الكلمات التي انطلقت من فم الإمام الخميني قدس سره المعروف بواقعيته ووضوح الرؤية لديه، من حقنا أن نسأل: من أين جاءت هذه المكانة؟ وكيف حصلوا على هذه الامتيازات العظيمة في نظر الإمام؟ بل ما سر تأكيد المعصومين عليهم السلام على دورهم في الروايات التي أوردناها؟ 

فلنقرأ معاً: دورهم في التاريخ، مما يوضّح لنا جانباً من سرِّ المكانة. 
 
 
 
 
 
 
20

13

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 "لا شك أن الحوزات العلمية والعلماء الملتزمون كانوا يشكلون طوال تاريخ الإسلام والتشيع أهم قاعدة حصينة للإسلام في مواجهة الحملات والانحرافات". 

 
الإمام الخميني قدس سره
 
هناك جانبان سنلقي عليهما الضوء في موضوع دور العلماء التاريخي: الجانب العلمي، والجانب الجهادي. 
 
الجانب العلمي في تاريخ العلماء: 
 
وهذه الدور يعتبره الإمام الخميني قدس سره أساسياً جداً، ويقول في إحدى كلماته: 
 
"العلم هو كل شيء، العلم هو جميع النواحي، يضرب بالسيف من أجل بسط الفقه، فلا تظنوا أننا ما دمنا قد دخلنا في القضايا السياسية فلا داعي لأن نخوض المسائل العلمية. عليكم أيها الشبان أن تنموا التفقه..."1
 
ويمكننا أن نلاحظ ثلاثة أدوار علمية أساسية كانت ملقاة على عاتق العلماء والحوزة وعلمائها: 
 
 

1- من كلام له بتاريخ 6/3/1979 أمام جمع من العلماء والطلاب. 
 
 
 
 
 
 
23

14

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 الدور الأول ـ حفظ التراث الديني من الضياع والتلف: 

لقد حفظ لنا العلماء هذا الدين بما يحوي من تاريخ ومفاهيم ومناهج عملية وأخلاقية واعتقادات. 

قد تتصور أن حفظ هذه الأمور مهمة سهلة لا تحتاج للعناء والتعب، ولكن الأمر ليس كذلك خصوصاً بالنسبة للتشيع الذي كان محارباً على امتداد العصور من قبل السلاطين والحكام والدول. 

ليست المشكلة فقط في عدم وجود دولة تدعم جهود العلماء وتؤمن لهم الأرضية ومستلزمات عملهم، بل المشكلة أن تلك الدول كانت تحارب التشيع والشيعة، وتتلف كتبهم وتقتل علماءهم، ولولا جهود العلماء وتضحياتهم لما أمكن أن يصل هذا الدين إلينا، وقد نقل لنا التاريخ الكثير من معاناتهم وتضحياتهم (رضوان الله تعالى عليهم). فعندما نقرأ ـ كمثال على ذلك ـ ما جرى على محمد بن عمير، وهو من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، حيث ينقل لنا التاريخ أنه تعرض للاضطهاد والظلم والحبس من قبل المأمون ـ أحد خلفاء العباسيين ـ وبقي في السجن أربع سنين، فقامت أخته بدفن كتبه بالتراب حتى لا يجدها جنود المأمون، فبقيت تحت التراب أربع سنين فتلفت، ولكنه كان قد حفظ الأحاديث فصار يحدث مما حفظه. 

فحفظ هذا التراث هو مهمة صعبة وثقيلة ألقيت على عاتق العلماء. 

وقد قام العلماء بهذه المهمة وهذا الجهاد على الدوام واستشهد العديد منهم في سبيل ذلك كما يؤكد التاريخ. 
 
 
 
 
 
 
24

15

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحقيقة في بعض كلماته قائلاً: 

 
"لم يكن سهلاً جمع العلوم القرآنية وآثار وأحاديث النبي العظيم والسنة وسيرة المعصومين عليهم السلام. وكتابتها وتبويبها وتنقيحها في ظروف كانت فيها الإمكانات قليلة جداً وكان السلاطين والظالمون يسخّرون جميع إمكاناتهم من أجل محو آثار الرسالة. وبحمد الله إننا نرى اليوم نتيجة تلك الجهود في الآثار والكتب، كالكتب الأربعة والكتب الأخرى التي أعدها المتقدمون والمتأخرون من فقه وفلسفة ورياضيات وعلم نجوم وأصول وكلام وحديث ورجال وتفسير وأدب وعرفان ولغة، وفي جميع فروع العلوم المتنوعة. وإذا لم نسمِّ كل تلك الجهود والمرارات جهاداً في سبيل الله فماذا نسيمها؟!!". 
 
ويقول أيضاً: 
 
"إن الحوزات العلمية هي التي حفظت الإسلام حتى الآن، ولولا وجود العلماء لما بقي للإسلام ذكر، فإن الذي أحيى الإسلام في الظروف السوداء والأزمنة المظلمة هم العلماء"1
 
الدور الثاني ـ شرح هذا التراث بالشكل الصحيح: 
 
إن مهمة الحوزة وعلمائها لم تتوقف عند نقل الحديث والسيرة، 
 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 4/3/1979 يوم عودته إلى قم المقدسة. 
 
 
 
 
 
 
25

16

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 وإنما تحملت مسؤولية شرح وترجمة هذه الألفاظ إلى معانيها الصحيحة، وهي مهمة شاقّة أخرى يجب القيام بها. 


إن اللغات جاءت على شكل ألفاظ تعكس معاني ومفاهيم معينة، فإذا تلاعبت بها الأهواء والأيدي يمكن تحميلها معاني أخرى غير التي أرادها الله تعالى، ويكفينا كشاهد على ذلك الوضوء الذي جاء تفصيله في القرآن الكريم "اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" فرغم أن القرآن الكريم ذكر الوضوء بشكل مفصل وأوضح أن المسح يكون للرؤوس والأرجل، نجد بعض المسلمين أرجعوا كلمة (وأرجلكم) إلى (اغسلوا في أول الآية) وأفتوا بوجوب غسل الرجلين بدل مسحهما! 

إن المسلمين لم يختلفوا في نص الآية لأنها قرآن كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكنهم اختلفوا في التفسير والشرح، وهذا التفسير أو ذاك الشرح يمكنه أن يقلب الحقائق، فحفظ الدين لا يتم بحفظ الألفاظ فقط بل لا بد من حفظ المعاني الصحيحة وشرحها ونقلها للناس كما هي. 

وهذا نوع آخر من الجهاد قام به العلماء. فالفقهاء كانوا على الدوام ضمانة عدم تحريف المعاني والمفاهيم، هذا بالإضافة إلى تطبيق هذه المفاهيم على الأمور المستجدة. 

وقد أكد الإمام الخميني قدس سره على هذا الدور وأهميته، حيث قال في إحدى كلماته: "لولا وجود الفقهاء الأعزاء لم يكن معلوماً كيف كانت ستعرض على الناس علوم القرآن والإسلام وعلوم أهل البيت عليهم السلام". 
 
 
 
 
 
 
26

17

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 وقد أدى علماؤنا العظام تكليفهم طوال التاريخ على أحسن وجه كما يشير أيضاً الإمام الخميني قدس سره: 

 
"في مجال الخدمات العلمية التي قدمتها الحوزات العلمية فالكلام كثير، ولا يسعه هذا المختصر، فبحمد الله إن الحوزات غنية بالمصادر وأساليب البحث والاجتهاد، ولديها ابتكارات في هذا المجال، ولا أتصور وجود طريقه لدراسة جميع جوانب العلوم الإسلامية دراسة معمقة أنسب من طريقة علماء السلف. فالتاريخ الذي تجاوز الألف عام من التحقيق والتتبع لعلماء الإسلام العظام، إنها شاهد على أدعائنا حول رعاية نبتة الإسلام المقدسة، لقد كان علماء الإسلام لمئات السنين ملجأ للمحرومين، وقد نهل المستضعفون دوماً من كوثر زلال المعرفة للفقهاء العظام". 
 
ويقول في كلمة أخرى: 
 
"لولا وجود فقهاء الإسلام منذ صدر الإسلام وحتى الآن لما كنا نعرف شيئاً الآن عن الإسلام، فالفقهاء هم الذين عرفونا الإسلام وهم الذين درسوا الفقه الإسلامي وكتبوه، وهم الذي عانوا وسلمونا إياه"1
 
الدور الثالث ـ نشر الدين وترويجه بين الناس: 
 
بالإضافة إلى حفظ الدين وشرحه أخذ العلماء على عاتقهم نشر 
 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 8/9/1981 في جمع من أئمة الجماعة لمحافظة خراسان، صحيفة نور جزء 15، صفحة 150. 
 
 
 
 
 
 
27

18

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 هذا الدين بين الناس، وقد بذلوا كل ما يملكون واستشهد حتى المراجع في سبيل ذلك، فهذا المرجع الكبير والعالم المعروف صاحب المؤلفات القيّمة محمد بن مكي العاملي المعروف بلقب الشهيد الأول، يسجن في قلعة دمشق سنة كاملة ثم تضرب عنقه، لا لذنب سوى أنه يظهر مذهباً غير الذي يعتنقه السلطان! وهذا زين الدين بن علي العاملي الجبعي العالم الكبير صاحب المؤلفات المعروفة، الملقب بالشهيد الثاني، يستشهد لنفس السبب أيضاً! وأمثالهم كثير في التاريخ. 


لقد بذل هؤلاء العظماء دماءهم في سبيل نشر حكم شرعي من أحكام الله تعالى. 

وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحقيقة حيث قال: "لقد بذل علماء الإسلام العظام أعمارهم في ترويج مسائل الحلال والحرام الإلهية، دون أي تدخل وتصرف فيها". 

وكذلك يقول: 

"إن العلماء المجاهدين والملتزمين بالإسلام بذلوا جهودهم طوال التاريخ وفي أصعب الظروف ـ وبقلوب ملأى بالأمل ونفوس فياضة بالعشق والمحبة ـ في تربية الأجيال وتعليمها وإرشادها". 

الجانب الجهادي في تاريخ العلماء: 

لم يكتفِ العلماء بثقل المسؤولية العلمية الملقاة على عاتقهم، فهم بالإضافة إلى ذلك حملوا عبء مواجهة الطواغيت وحفظ المجتمع 
 
 
 
 
 
 
 
28

19

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 الإسلامي بكل الوسائل والإمكانات المتاحة لديهم، ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى أهمية هذا الدور في بعض كلماته، حيث يقول: 

 
"إلى جانب جهادهم العلمي والثقافي ـ الذي هو حقاً أفضل من دماء الشهداء في بعض جوانبه ـ فقد تحمل أولئك في كل عصر من العصور المرارات من أجل الدفاع عن المقدسات الدينية والوطنية، وتحملوا الأسر والنفي والسجون والأذى والمضايقات والكلام الجارح، وقدموا في الحضرة المقدسة شهداء عظام. إن الشهداء العلماء لا يقتصرون على شهداء المواجهات والحروب في إيران، بل إن عدد الشهداء المجهولين للحوزات والعلماء ممن قضوا غرباء خلال نشر المعارف والأحكام الإلهية على يد العملاء والجبناء كثير"1
 
فهذا السيد عبد الحسين شرف الدين، العالم المجاهد الذي واجه الفرنسيين أيام احتلالهم للبلاد وسطوتهم، وهذا العلامة مدرسي في إيران الذي واجه الحكومات الظالمة حتى استشهد، وهذا المرجع الكبير الشيرازي في العراق الذي قام بثورة التنباك... وهكذا كان للعلماء حضورهم الدائم في ميادين الجهاد، حتى قام الإمام الخميني قدس سره: 
 
"أية ثورة شعبية إسلامية لا نجد فيها الحوزة والعلماء هم السبّاقون إلى الشهادة؟ واعتلوا المشانق، وعبدت أجسادهم المطهرة الطريق بالشهادة في الحوادث الدامية".  
 
 

1- من نداء لسماحته إلى مراجع المسلمين وعلماء البلاد بتاريخ 22/2/1989. 
 
 
 
 
 
 
29

20

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

 ويقول أيضاً: 

 
"إن كل من يعرف التاريخ يعلم أن من قام ضد التسلط طوال التاريخ هم العلماء". 
 
هؤلاء ليسوا استثناءً: 
 
قد يتصور القارئ أن هذه الشخصيات المشرقة بين العلماء كانت شخصيات استثنائية ومميزة، وأنها لا تحكي عن الجو العام السائد في الحوزة العلمية، وقد يتمادى البعض ليتهم الحوزة أنها على طرف النقيض من هذه الشخصيات، ولرفع هذا الوهم نجد الإمام الخميني قدس سره يؤكد أن الحوزة ككل وبجّوها العام كانت هذه منهجيتها: 
 
"إن الحوزات العلمية هي التي حفظت الإسلام حتى الآن"1
 
ويقول أيضاً: 
 
"لا شك أن الحوزات العلمية والعلماء الملتزمون كانوا يشكلون طوال تاريخ الإسلام والتشيع أهم قاعدة حصينة للإسلام في مواجهة الحملات والانحرافات". 
 
ودور العلماء هذا لم يكن خافياً على الطواغيت والمتكبرين، وكان العلماء هم هدف الاستعمار الرئيسي على الدوام، فكان يرتفع منهم الشهداء على الدوام. ولم يكن المستعمر هو المستهدف الوحيد للعلماء بل كان هناك عوامل أخرى تجتمع كلها على استهداف العلماء على أكثر من مستوى، فلنلقِ نظرة على استهداف العلماء. 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 29/2/1979 يوم عودته إلى مدينة قم المقدسة. 
 
 
 
 
 
 
30

21

الفصل الثالث: استهداف العلماء

 "عليّ أن أبيّن لجميع الحوزات العلمية، من حوزة قم وحوزة مشهد وجميع الحوزات التي ترونها، وأقول: إنكم اليوم على رأس لائحة المستهدفين للأهداف الخبيثة للدول الكبرى"1

الإمام الخميني قدس سره
 
هناك عدة عوامل جعلت العلماء مستهدفين من كل حدب وصوب، لم تستهدف الأسلحة أجسادهم فحسب بل استهدفت الألسنة مقامهم ومكانتهم بين الناس، ولنذكر بعض تلك العوامل التي جعلتهم مستهدفين: 
 
استهدافهم من قبل المستعمر: 
 
إن هذه الدور التاريخي والفاعل للعلماء لم يكن ليغفل عنه المتكبرون والمستعمرون الطامعون بالسيطرة على الأمة ومقدراتها، لذلك كان هذا الصرح والحصن مستهدفاً على الدوام من قبلهم وسيبقى مستهدفاً على الدوام كما تنبأ الإمام الخميني قدس سره: 
 
"وسيشهد العالم الإسلامي من الآن فصاعداً كل فترة انفجاراً لحنق ناهبي العالم ضد عالم مجاهد، فعلماء الإسلام  
 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 7/7/1979 في جمع من علماء طهران، صحيفة نور جزء 8، صفحة 67. 
 
 
 
 
 
 
33

22

الفصل الثالث: استهداف العلماء

 الأصيلون لم يخضعوا أبداً للرأسماليين وعبدة المال والزعماء وصانوا شرفهم ومنقبتهم هذه دوماً". 

 
ويقول أيضاً: 
 
"عليّ أن أبيّن لجميع الحوزات العلمية، من حوزة قم وحوزة مشهد وجميع الحوزات التي ترونها، وأقول: إنكم اليوم على رأس لائحة المستهدفين للأهداف الخبيثة للدول الكبرى"1
 
والمشكلة التي واجهها المستكبرون أن العلماء هم غير مرتبطين مادياً بأحد حتى يتم الضغط عليهم من خلال المادة، ولا تابعين لزعيم حتى يروَّضوا بترويض الزعيم، ولا طامعين بشيء من حطام الدنيا حتى يتم المتاجرة معهم على المواقف، وهذا سبب محلهم في قلوب الناس، يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"إن الدعاية للعلماء والفقاهة لم تكن تحت ظل الحراب، ولا برأسمال عبدة المال والأثرياء، بل بالفن والصدق والتزامهم، مهما دفع الناس لاختيارهم"2
 
لذلك بعد أن يئس المستعمر من تطويع العلماء لمصلحته، لم يعد أمامه إلا استهداف مركز العلماء بين الناس لإبعادهم عنه ومنع تأثيره بهم. 
 
"إنهم يعرضون الإسلام بشكل سيئ ويعرضون المعمم بشكل سيئ، لماذا؟ لأن ما يقف في وجههم هو الإسلام، ولأن من يريد تطبيقه 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 7/7/1979 في جمع من علماء طهران، صحيفة نور جزء 8. صفحة 67. 
2- من نداء لسماحته بتاريخ 22/2/1989 إلى مراجع الإسلام وعلماء البلاد. 
 
 
 
 
 
 
34

23

الفصل الثالث: استهداف العلماء

 هو المعمم. أولئك لا يريدون أن يتحقق هذا الأمر، لهذا يريدون عرض الإسلام بشكل سيئ ليبتعد الناس عن الإسلام وليهمّش المعَّمم، ويبقون هم، فيفعلون ما يحلو لهم"1

 
دس الاستعمار: 
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"من الطرق الهامة التي سلكوها لتحقيق أهدافهم المشؤومة والخطرة ضد الإسلام والحوزات الإسلامية دس أفراد منحرفين وفاسدين في الحوزات العلمية، والخطر الكبير لذلك في المدى القصير والإساءة إلى اسم الحوزات العلمية بأعمالهم غير اللائقة وأخلاقهم وأساليبهم المنحرفة. والخطر العظيم جداً لذلك في المدى البعيد هو أن يصل شخص أو عدة أشخاص إلى المراتب العليا مرائين ختالين يطلعون على العلوم الإسلامية..."2
 
وفي بعض الحالات قد لا يكون الشخص مدسوساً من قبل المستعمر، ولكن يفتقد مقومات طالب العلم الأساسية ولا يمكن قابلية تحمل هذه المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه، فتراه يسقط عند الامتحان، وكان الإمام يحذر من هذا النوع ويقول: 
 
"في أحد الأيام اجتمع في منزلنا المرحوم السيد البروجردي 
 
 

1- من كلام لسماحته بتاريخ 11/10/1978، حول مهمة الشاه في تنفيذ المشاريع الاستعمارية، صحيفة نور جزء 2، صفحة 139. 
2- من وصيته السياسية الإلهية بتاريخ 4/6/1989. 
 
 
 
 
 
 
35

24

الفصل الثالث: استهداف العلماء

 والمرحوم السيد الحجت والمرحوم السيد الصدر والمرحوم السيد الخونساري ـ رضوان الله عليهم ـ للتباحث في شأن سياسي، فقلت لهم: قبل أي شيء بيّنوا لنا تكليف هؤلاء المتظاهرين بالقداسة. فمثل أولئك كما لو هاجمكم العدو فقيّد أحدهم أيديكم. أولئك الذين ينعتون بالمقدسين، ليسوا مقدسين حقيقيين، ولا يلتفتون إلى المفاسد والمصالح، وقد قيدوا أيديكم...". 

 
أو تراه متحجراً في تفكيره غير قادر على فهم الإسلام على حقيقته، يظن أن الإسلام هو مجرد صلاة وصوم وعبادات فردية ولا يلتفت إلى أنه ـ بالإضافة إلى ذلك ـ نظام عام وحكم بين الناس، فربما تصادف صوتاً من هنا أو هنا ليرتفع مطالباً بفصل الدين عن السياسة وترك المفسدين يفسدون كما يحلو لهم!، يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"إذا ظهر من يقول تعالوا لنكون أحياءً، تعالوا نرفض العيش تحت ظل راية الآخرين، لا تدعو إسرائيل تشل المسلمين بهذا الشكل، يهب أولئك المتظاهرين بالقداسة لمعارضته"1
 
حب الدنيا: 
 
من الناس من نسي هدفه الذي خلقه الله تعالى لأجله وصار أكثر همه الدنيا وما فيها من زخارف زائفة، يرى هؤلاء المنحرفون المتعلقون 
 
 
 

1- من كتاب الحكومة الإسلامية. 
 
 
 
 
 
 
36

25

الفصل الثالث: استهداف العلماء

 بالدنيا أن المانع الأساسي الذي يقف في طريق حصولهم على أغراضهم وأهدافهم المحرمة هم العلماء بما يحملوه من وضوح رؤية ومواقف صارمة لا تأخذهم في الله لومة لائم، فيدخل ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ في موضوع تشويه سمعة العلماء وإضعاف موقفهم ومحلهم من القلوب. 

 
ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى شيء من ذلك في بعض كلماته: 
 
"هل التكليف الشرعي يقتضي من الإنسان أن يوجه الإهانات للمسلمين؟ أن يوجه الإهانات للعلماء؟ أن يهين زملاءه؟ هل هذا هو التكليف الشرعي؟ إنها الدنيا أيها السادة، إنها أهواء النفس". 
 
رواد الأزقة: 
 
هناك طبقة من الناس تستهوي الكلام السيئ وقصص الغيبة والبهتان، لا لشيء محدد سوى مشكلة أخلاقية تربوية تجعلهم يتفاعلون مع كل دعاية أو شائعة بدون تعقل أو هدف محدد، يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"كل من يرى كتاب جواهر الكلام يدرك مدى جهود المجتهدين الذين يتطاول اليوم عليهم عدد من رواد الأزقة ليحددوا لهم تكليفهم!"1
 
 
 

1- من كتاب كشف الأسرار، للإمام الخميني قدس سره. 
 
 
 
 
 
 
 
37

26

الفصل الثالث: استهداف العلماء

 التسرع في الكتابة: 

 
في بعض الحالات يقع بعض الكتاب المثقفين في خدمة هذه المشاريع لا عن سوء نية، وإنما بسبب نقص في معلوماتهم وقلة متابعاتهم، يقول الإمام الخميني قدس سره مشيراً إلى هؤلاء: 
 
"أما تلك الفئات المتنورة والجامعية والطلاب الجدد وأولئك أيدهم الله، أولئك الذين هم خدمٌ للإسلام أيدهم الله، فإن لي عليهم لوماً، لأني أرى أنهم في بعض كتاباتهم حول الفقهاء، وحول الفقه، وحول علماء الإسلام، وحول الفقه الإسلامي، قد تسرعوا فيها إلى حدٍ ما، لقد أطلقوا فيها كلاماً غير مناسب بعض الشيء, وليس لهم هدف من ذلك، إني أعلم أنهم غالباً ما يرجون خدمة للإسلام، وليسوا مغرضين، ولا يتكلمون عن سوء نية، بل إن معلوماتهم قليلة"1
 
علينا أن نحذر تماماً من كل ذلك, وقد حذر الإمام الخميني "قدس سره " عدة مرات, وقال في أحد كلماته: 
 
"اجتمع حولكم أعداء كثيرون, من كل حدب وصوب وطبقة, وها هي الخطط الآثمة والخطرة تنفذ من اجل القضاء عليكم وعلى الحوزات العلمية, وتراود عملاء الاستعمار أحلام عميقة". 
 
 


1- من كلام لسماحته بتاريخ 30/11/1977 بعد استشهاد نجل الأكبر السيد مصطفى، صحيفة نور جزء 1، ص258. 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

27

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 هناك أمور موجودة في الحوزة وعند العلماء، تقع محل تساؤل لدى الناس، والإمام الخميني قدس سره ـ كما عرفناه دائماً ـ لم يكن بعيداً عن الأرض ومجرياتها، وعن الناس وتساؤلاتهم، لذلك نجده في طي كلماته قد تعرّض للكثير من المفردات التي قد يتساءل عنها الناس بحكمته وحسمه ووضوح ـ كما اعتدناه ـ وسنستعرض هنا بعض هذه التساؤلات: 


التفرغ للدراسة: 

قد نجد بعض الناس ينظِّرون لعالم الدين وطالب العلم وأسلوب معيشته، ويحمّلون أنفسهم اقتراح كيفية كسبه الرزق، وتحصيل المعاش، فتجدهم يصلون إلى نتيجة تقول: يجب على عالم الدين وطالب العلم أن لا يكتفي بالدراسة والتحصيل وتحمل المسؤوليات الشرعية الملقاة على عاتقه، فعليه بالإضافة إلى ذلك أن يقوم بأعمال أخرى كالتجارة الزراعة أو أي عمل آخر يؤمّن له ولعياله لقمة العيش... 

وهذا الكلام قد يجد قبولاً عند الإنسان العادي غير المطلع على معنى التعلم والتحصيل وتحمل المسؤوليات الشرعية تجاه المجتمع. 

ولكن الإمام الخميني قدس سره له رأي آخر مقابل هذا الرأي، حيث يقول: 

"إن الاجتهاد يعني الإطلاع على جميع القوانين الإلهية في مجال الشؤون الفردية والاجتماعية منذ ما قبل مجيء الإنسان 
 
 
 
 
 
 
 
41

28

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 إلى الدنيا، إلى ما بعد رحيله من الدنيا، وله دخل مباشر في جميع الأعمال، ومثل هذا العلم بتفرعات قواعده وفروعه لا يتم ويكتمل خلال خمسين عاماً. هذا إن لم يكن للإنسان عمل آخر سوى التعليم والتعلم، فكل من يرى كتاب جواهر الكلام يدرك مدى جهود المجتهدين الذين يتطاول اليوم عليهم عدد من رواد الأزقة ليحددوا لهم تكليفهم، ترى هل أتانا الله والرسول بهذه الأحكام لنعمل بها أم أنها لم تكن سوى وريقات تمرين؟ فإن كانوا قد أتوا بها ليُعمل بها، فلا بد حينئذٍ من تحصل أحكامها، وبالطبع فإن هذا العمل يحتاج إلى الوقت، ووقته هو منذ بداية العمر إلى آخره، هذا إذا توجه إليه الشخص بجد وتحمل. 

 
بعد تبيان هذه المقدمات الضرورية للمجتهدين والعلماء، والتي تفصح عنهم، فهل يمكنهم مزاولة عمل آخر؟ وهل يمكنهم ممارسة التجارة أو الكسب لتأمين أمر معاشهم مما يحتاج إلى وقت كامل وتفرغ أيضاً؟ ليس هناك أية شبهة في استحالة الجمع بين الأمرين، فإمَّا أن يتركوا الحوزات العلمية والاجتهاد جانباً، وأن يعتذروا للقرآن وأحكام نبي الإسلام، ويقولوا لهم: إننا منهمكون في أعمالنا، والعمل لا يتفق مع الدين ـ! وإذا كنتم تريدون القرآن وأحكامه، والنبي وأحاديثه عندئذٍ عليكم أن تدركوا استحالة انشغال هذه الطبقة بعملٍ آخر"1
 
 
 

1- من كتاب كشف الأسرار للإمام الخميني قدس سره. 
 
 
 
 
 
42

29

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 وكما هو معروف: العلم إذا أعطيته كلك أعطاك بعضه! أليس من الخيانة، أن يقصر العالم في تحصيل العلوم ليغتنم أوقاته في تحصيل الرزق، فيعطي الناس أحكاماً لم يستوفِ بحثها بالشكل المطلوب؟ 


إن بيان الأحكام الشرعية وهداية الناس هي أهم من كل مال يؤمنّ طعام شخص ولباسه وحاجياته، لذلك نجد الأئمة عليهم السلام ضمنوا لطالب العلم لقمة العيش، ليتفرغ لطلب العلم ويؤدي واجبه في البحث عن دين الله وتبليغه للناس ولا يشغل باله أمور أخرى. 

الاختلاف بين العلماء 

لا شك أن الأمور الأساسية والبديهية لا خلاف فيها بين العلماء، ولكن ستجد اختلافاً في بعض التفاصيل بين هذا العالم وذاك. 

هذه الاختلافات قد تدفع بعض الناس إلى الاستغراب والتساؤل عن ذلك, لماذا هذا الاختلاف والتشتت في الآراء؟ وقد يتصور أن هذه الاختلافات جديدة وأن العلماء في السابق كانوا متفقين على كل هذه الأمور. فتحدث عنده حالة من الإحباط والتساؤل: إلى أين نحن نسير؟ 

نحب أن نطمئن هؤلاء الناس أن الأمر ليس كما يتصورون فعليهم أن يلاحظوا أمرمين: 

أولاً: إن أغلب الاختلافات تكون في الفروع الثانوية لا في الأمور الأساسية والعناوين العريضة. 

فإذا نظرنا إلى آرائهم في الصلاة اليومية ـ مثلاً ـ نجد خلافاً وقع 
 
 
 
 
 
 
 
43

30

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 في التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة، فبعض المراجع أفتى بوجوبها مرة واحدة وبعضهم أفتى بوجوبها ثلاثا مرات. 


إذا أخذنا هذا المثال لنقيّم طبيعة الخلاف، فسنلاحظ أن المراجع العظام لم يختلفوا على وجوب الصلاة، ولم يختلفوا في عدد ركعاتها، ولم يختلفوا في أركانها من قيام وركوع وسجود، فالصلاة هيئتها واحدة عند الجميع، فالاختلاف الحاصل في التسبيحات هو اختلاف في أمر فرعي لم يجعل هناك شكلين من الصلاة، إلى درجة أننا قد لا نلتفت إلى هذا المائز بين الصلاتين عملياً. 

ثانياً: إن هذا الاختلاف ليس أمراً جديداً عند العلماء فتعدد الآراء والاختلافات أمر طبيعي، فما دام هناك بحوث وآراء سيكون هناك اختلافات، لذلك نجد هذه الخلافات موجودة منذ اليوم الأول الذي ظهر في علماء يبحثون. 

وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحقيقة: 

"إن كتب فقهاء الإسلام العظام مليئة باختلاف الآراء والأساليب الأذواق والاستنباطات في شتى المجالات العسكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعبادية، حتى في المسائل التي يدعى الاجماع حولها نجد قولاً أو أقوالاً مخالفة لها، وحتى في المسائل المجمع حولها قد يوجد قول يخالفها، عدا عن اختلافات الأصوليين والإخباريين. 

ولكن لما كانت هذه الاختلافات محصورة في الماضي بجو الدراسة والبحث والمدرسة، ولم تكن مثبتة إلا في الكتب العلمية، وبالكتب العربية منها فقط، لهذا لم تكن عامة الناس على علم 
 
 
 
 
 
 
 
44

31

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 بها، وحتى لو علموا بها لم تكن متابعتها تثير اهتمامهم. والآن هل يحق لنا أن نتصور أن اختلاف الآراء بين الفقهاء يعني أنهم يعملون خلافاً للحق ولدين الله ـ نعوذ بالله ـ؟ كلا مطلقاً"1

 
ويقول في كلام آخر: 
 
"قد تكون استنباطات البعض مختلفة معنا، فلا يمكننا أن نغلق باب الاجتهاد، فالاجتهاد كان موجوداً دائماً، إنها موجود وسيبقى، كما أن المسائل التي تطرأ اليوم تختلف عن المسائل السابقة كثيراً، والاستنباط من أحكام الإسلام مختلف أيضاً. لذا علينا أن لا نتقاتل بسبب الاستنتاجات والاستنباطات"2
 
الحذر من الظواهر المستجدة: 
 
من الأمور المهمة التي واجهها العلماء من اليوم الأول وتصدوا لها، موضع التغرب وتقليد الغرب، وجعله قدوة تحتذى في كل شيء. 
 
إن غزو الغرب للعالم الإسلامي لم يكن غزواً عسكرياً فحسب، بل كان غزواً ثقافياً أيضاً، وقد سخّر الغرب كل وسائله للترويج لثقافته وجلب الأنصار والأعوان لها وتزيينها من خلال ما يملكه من وسائل دعاية، وتمريرها خلف انبهار الناس بالمكتشفات والاختراعات الجديدة. 
 
ولم يعرف الناس التمييز بين الثقافة الاجتماعية وبين المخترعات 
 
 
 

1- من جواب له على رسالة الشيخ محمد علي الأنصاري 31/10/1988، صحيفة النور ج21، ص98. 
2- من كلام له بتاريخ 29/6/1985 أما جمع من أعضاء جامعة مدرسي الحوزة العلمية في قم. 
 
 
 
 
 
 
45

32

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 المادية، فصارت السلعة الغربية الجديدة ليست مجردة سلعة مادية يستفيد منها الناس في حياتهم اليومية، وإنما صارت رسالة تحمل في طياتها كل أشكال الدعوة للثقافة الغربية, رسالة استطاعت أن تغزو قلوب كثير من الناس وتبهر عيون الكثير منهم، وبالتالي استطاعت أن تسيطر على أفكارهم وثقافاتهم. 

 
وقد فهم العلماء الأعلام هذا الأمر تماماً، وكانوا يحذرون الناس حتى من بعض مظاهر التمدن المستوردة خوفاً من التبعية والتقليد للغرب الذي تسلل من خلاله الثقافة الغربية. 
 
وهذا ما أشار إليه الإمام الخميني قدس سره حيث يقول: 
 
"إن مخالفة العلماء لبعض مظاهر التمدن في الماضي كان بسبب خوفهم من نفوذ الأجانب، فإن الإحساس بالخطر من انتشار الثقافة الأجنبية ـ وخاصة ثقافة الغرب المبتذلة ـ أدى إلى لزومهم جانب الاحتياط والحذر في التعامل مع الاختراعات والظواهر المستجدة، فكانوا لا يطمئنون لشيء، وكانت الأدوات من قبيل الراديو والتلفزيون يعدّان عندهم مقدمة لنفوذ الاستعمار، لهذا كانوا يصدرون أحياناً حكماً بمنع استعمالها"1
 
طريقة الدراسة والبحث في الحوزات: 
 
إن الحوزات العلمية أخذت على عاتقها بيان الأحكام الإلهية الشرعية وقامت بهذا الدور على الدوام، ولم تكن بعيدة عن واقع 
 
 
 

1- من نداء لسماحته إلى مراجع الإسلام وعلماء البلاد بتاريخ 22/2/1989. 
 
 
 
 
 
 
46

33

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 الناس وهمومهم وحاجاتهم الحالية الملحّة، لذلك نجد إن اهتمام العلماء ينصبّ على حاجات الناس في العصر الذي يعيشون فيه، وكانوا يضعون المسائل التي هي محل ابتلاء الناس في سلم أولوياتهم. 


ومع تغير حاجات الناس واتساع دوائر العمل تتسع أيضاً الأحكام الشرعية التي يحتاجون إليها وتتنوع المسائل التي يردون هدى الشرع فيها. لذلك كان من الطبيعي أن تتسع البحوث الإسلامية وتتنوع من زمن لآخر حسب حاجة الناس. 

ومع قيام الجمهورية الإسلامية ومحاولة تطبيق نظام الإسلام اتسعت الحاجة لدراسة ومعرفة الحكم الشرعي بشكل لم يسبق له مثيل، وصار البحث في كل تفاصيل النظام والحكم بما يتلاءم مع متطلبات العصر أمر لا بد منه، ولا بد أن تقوم الحوزة بسد هذه الفراغات والحاجات. 

ومن الطبيعي أيضاً أن نستفيد من العلوم الجديدة وأن نتبع الأساليب الحديثة في البيان، ولكن قد يختلط الأمر على بعض المثقفين فيتصورون أن من المطلوب أيضاً تغيير طريقة التفكير وطرق الاستدلال، فيتصور أن طريقة تفكير العلماء السابقين طريقة جامدة ومتحجرة وأن طرق استدلالهم أصبحت قديمة وغير مقبولة، فيحاول أن يطرح طريقة جديدة للتفكير ومنهجاً جديداً للاستدلال. 

إن الإمام الخميني قدس سره قد أكد على الاستفادة من العلوم الجديدة، وشجّع على أتباع الأساليب الحديثة، ولكنه في نفس الوقت رفض بشكل قاطع تغيير طرق التفكير ومناهج الاستدلال، وأكد أن أسلوب 
 
 
 
 
 
 
 
47

34

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

 علماء السلف هو الأسلوب الصحيح، ولا بديل عنه، وأن طريقة التفكير الجواهرية1 هي الطريقة المفيدة، بل إنه قد اعتبر أن تضييع هذه الطريقة هو في الحقيقة تضييع للفقه كله وتضحية بهذه العلوم الإلهية التي أفنى علماؤنا الأبرار أعمارهم لأجل إيصالها إلينا بهذا الشكل الواضح والبيان القوي والمنهج المتين. 

 
فلنتأمل في كلمات الإمام الخميني قدس سره حول هذا الموضوع: 
 
"لا أتصور وجود طريقة لدراسة جميع جوانب العلوم الإسلامية دراسة معمقة أنسب من طريقة علماء السلف. فالتاريخ الذي تجاوز الألف عام من التحقيق والتتبع لعلماء الإسلام العظماء إنه شاهد على ادعائنا حول رعاية نبتة الإسلام المقدسة". 
 
ويقول أيضاً: 
 
"لقد كررت تأكيدي للجميع أن دروس الحوزات يجب أن تحفظ بنفس شكلها التقليدي، ويجب أن يكون الفقه نفس الفقه الموجود بين أيدينا، فإذا انحرفنا عن الفقه التقليدي سيختفي الفقه، احفظوا الفقه بنفس الشكل وبنفس القوة التي حفظ بها مشايخنا الفقه منذ البداية وإلى الآن"2
 
ويقول أيضاً: 
 
"أما بالنسبة لأسلوب الدراسة والبحث في الحوزات، فإني اعتقد بالفقه التقليدي، واجتهاد الجواهري، وأرى التخلف عنه غير 
 
 
 

1- إشارة إلى كتاب جواهر الكلام، وهو موسوعة فقهية على الطريقة القديمة. 
2- من كلام لسماحته بتاريخ 3/2/1982 أمام جمع من أئمة الجمعة من محافظة خوزستان.
 
 
 
 
 
 
 
48

35

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

  جائز. فالاجتهاد بذلك الأسلوب صحيح، ولكن هذا لا يعني أن الفقه الإسلامي غير متجدد". 

 
ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى عدم التنافي بين الاستفادة من الأساليب الحديثة والبقاء على نفس المتانة والمنهجية، حيث يقول: 
 
"يجب أن لا ننسى هذه المسألة وهي أنه يجب عدم تخطي الأركان المحكمة للفقه والأصول المتعارفة في الحوزات مطلقاً. طبعاً مع ترويج اجتهاد الجواهري بشكله المحكم والثابت، يستفاد من محاسن الأساليب الجديدة والعلوم التي تحتاجها الحوزات الإسلامية"1
 
 
 

1- من تعليقة على تقرير شورى إدارة جامعة المدرسين في قم المقدسة. بتاريخ 6/5/1989. 
 
 
 
 
 
 
49

36

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 لم يحفظ العلماء هذا الدين طوال التاريخ ليبقى حبراً على ورق، ولم يشرحوا مسائله ويقرروا براهينه لمجرد الاستهلاك الفكري، وإنما أرادوا حمل هذه الرسالة وحفظها وبيانها للأمة، لتكون طريقاً ومنهاجاً ونظاماً في حياتهم. 

 
إن جهود العلماء هي التي جعلت الدنيا تربة صالحة لزراعة ثمار الآخرة وجناتها، فما هو تكيف الأمة تجاه ذلك كله؟ 
 
إنها نعمة يجب أن تشكر، وشكر النعمة وعرفان الجميل لا يكون إلا من خلال الاستفادة من هذه العطاءات، فالتخلي عنهم وتركهم هو تنكر لعطاءاتهم تلك. 
 
مجالسته العلماء: 
 
لقد أكدت الروايات على ضرورة مجالستهم والاستفادة منهم، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني، ومن جالس العلماء فقد جالسني ومن جالسني فكأنما جالس ربي"1
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2068. 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

37

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 وعن أمير المؤمنين عليه السلام: 

 
"عجبت لمن يرغب في التكثير من الأصحاب كيف لا يصحب العلماء الألباء والأتقياء الذين يغنم فضائلهم، وتهديه علومهم وتزينه صحبتهم؟!"1
 
وفي رواية أخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام: 
 
"جالس العلماء يزدد علمك، ويحسن أدبك"2
 
فهذه الروايات تشير بكل واضح إلى فائدتين يستفيدهما الإنسان من مجالسة العلماء: 
 
الفائدة الأولى: هي العلم، الذي يمتلكه هذا العالم، وقد أكدت الكثير من آيات القرآن الكريم على أهمية هذه الاستفادة كقوله تعالى: 
 
"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". 
 
والفائدة الثانية: هي الأدب، فدور العالم لا ينحصر بالتعليم وإنما بالتربية والتأديب بآداب الإسلام والتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ أيضاً ـ. 
 
بل إن رواية النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تقول: "من مجالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي"، يستفاد منها أن الخير المستفاد من مجالسه العلماء أوسع من أن يُحصر ويشمل كل فائدة ممكنة، لأن الله تعالى هو الخير المطلق، ومجالسته كناية عن الاستفادة المطلقة غير المحدودة، والرواية شبهت مجالسة العلماء بمجالسة الله تعالى، وهذا يعني أن كل خير متوقع من هذه الجلسة. 
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2067. 
2- ميزان الحكمة جزء 1، صفحة 55. 
 
 
 
 
 
 
54

38

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 وقد أوصى لقمان عليه السلام ابنه قائلاً: 
 
"يا بني! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء"1. 
 
وهذه الوصية لا يستثنى منها أحد، حتى الزعماء والمسؤولين، إن الروايات تؤكد أن الزعماء والمسؤولين يجب أن يكونوا على باب العلماء لا العكس، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: 
 
"الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك"2
 
وعندما نطالع توجيهات الإمام الخميني قدس سره نجده يؤكد، ليس مجرد زيارتهم بل يؤكد على ضرورة دعمهم أيضاً، لأنهم الضمان لبقاء الإسلام وحفظه، يقول قدس سره: 
 
"إن الحوزات العلمية هي التي حفظت الإسلام حتى الآن، ولولا وجود العلماء لما بقي الإسلام ذكر، فإن الذي أحيى الإسلام في الظروف السوداء والأزمنة المظلمة هم العلماء، فادعموهم"3
 
آثار التخلي عن العلماء: 
 
إن مجالسة العلماء هي الطريق إلى الله تعالى وهي الحصن الذي يحمي الإنسان عند الامتحانات والمصاعب كما يشير إلى ذلك الإمام 
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 1، صفحة 402. 
2- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2087. 
3- من كلام لسماحته بتاريخ 29/2/1979 يوم عودته إلى مدينة قم المقدسة، صحيفة نور جز 8، صفحة 67. 
 
 
 
 
 
 
55

39

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 زين العابدين عليه السلام في ضمن أدعيته التي تشكل مدرسة كاملة لتربية الإنسان على جميع المستويات، حيث يقول عليه السلام: 

 
"أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"1
 
فالإمام زين العابدين يشير إلى كل تلك الآثار السيئة المترتبة على الابتعاد عن العلماء وترك الاستفادة منهم بكلمة واحدة تختصر كل شيء، هي كلمة "الخذلان" فإن خذلنا الله سبحانه وتعالى فأي شيء سيبقى لنا. اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً. 
 
إنذار: 
 
هناك رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجب التوقف عندها والتأمل بها ملياً، لأنها تدق ناقوس الخطر للمسلمين، خصوصاً في هذه الأزمنة، حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
"سيأتي زمان على أمتي يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب، ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء: 
 
الأول: يرفع البركة من أموالهم. 
الثاني: سلط الله سلطاناً جائراً. 
الثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان"2
 
نسأل الله تعالى أن لا يكون الزمان المقصود في هذه الرواية هو زماننا. 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 1، صفحة 402. 
2- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2324. 
 
 
 
 
 
 
56

40

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 انتقاد العلماء: 

 
من المشهور أن عدم الوقوع بالأخطاء يعني عدم العمل، فما دام الإنسان يعمل فمن الطبيعي أن يقع ببعض الثغرات والأخطاء التي ينبغي أن يسدها ويصلحها، وهذا جزء من مسيرة التكامل عند الإنسان، والأمر نفسه موجود بالنسبة للمؤسسات وشرائح المجتمع المختلفة، فالمؤسسات وشرائح المجتمع المختلفة هي أيضاً في حالة تكامل دائمة. 
 
والتكامل يقوم على أساس النقد, لأننا إذا لم نكتشف الثغرات والأخطاء لا نتمكن من إصلاحها، واكتشاف هذه الأخطاء لا يكون إلا من خلال النقد. 
 
ولكن هذا النقد بقدر ما هو مفيد في محله هو مضر في غير محله، ويمكنه أن يكون هدّاماً، ويصبح هو بنفسه ثغرة وخطأ ينبغي إصلاحه أيضاً. فهناك نوعان من النقد: نقد بنّاء ونقد هدّام. وهذا أمر طبيعي، فالسكين الواحدة يمكنك أن تستعملها في الغذاء الضروري للبقاء فتكون خيراً وسبباً في البقاء، ويمكنك أن تستعملها في القتل فتكون شراً وسبباً في الموت، والنقد وسيلة كباقي الوسائل يمكنك أن تستعمله في الخير والطاعة ويمكنك أن تستعمله في الشر والمعصية. 
 
في موضوع نقد العلماء والحوزة، فإن النقد البنّاء هو أمر ضروري للتكامل وهو حركة لا يمكن أن تتوقف في يوم من الأيام، لأن التوقف يعني الجمود، وعن الإمام الكاظم عليه السلام: 
 
"من استوى يوماه فهو مغبون"1
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 2، صفحة 1110. 
 
 
 
 
 
 
 
57

41

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 ولكن المشكلة في النقد الهدّام الذي يضر ويخرب، فيكف نميز بينهما؟ 

 
النقد البنّاء والنقد الهدّام: 
 
إن مِن أسلم أنواع النقد نقد الذات، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: 
 
"معلم نفسه ومؤدبها أحقّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم"1
 
ومن الطبيعي أن يكون بناءً، لأن الإنسان لا يحمل لنفسه إلا الخير. 
 
ونقد الذات مهمٌ جداً لأنه طريق الكمال كما ذكرنا، وقد مارسه علماؤنا على الدوام، ومن الطبيعي أن يمارسه الإمام الخميني قدس سره، وخاصة عندما يكون خطابه مع الحوزة ومع العلماء، فإنه سيوجه الملاحظات التي تساعد على التقدم في مسيرة الحوزة العلمية، فتوجيه بعض الملاحظات منه قدس سره هو نقد للذات لأنه أحد أفراد الحوزة بل هو قطبها بما له من مقام المرجعية والولاية. 
 
وللتمييز بين النقد البناء والهدام، وضع الإمام قدس سره معايير للتدخل المقبول في إصلاح الجهاز العلمائي تلخّصت بكلماته التالية: 
 
"إننا لا ندعي أبداً أن كل أبناء هذه الطبقة جيدون ومنزهون، وأنه لا حاجة لإصلاحهم، إنهم مثل سائر الطبقات فيهم الجيد والسيئ، والسيئون منه أكثر فساداً وضرراً، كما أن الجيدين منهم أكثر نفعاً من كل الطبقات، أكثر نفعاً للناس والبلاد ولاستقلالها، لكن إصلاحهم لا يكون على يد أمثال رضا خان 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 1، صفحة 54. 
 
 
 
 
 
 
58

42

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 الذي لم يكن يعرف كيف تكتب كلمة روحاني، بهاء هوَز أم بحاء حطي، إن الذي يحق له أن يمد يده لإصلاح هذا الجهاز لا بد أن يكون حائزاً على الشروط التالية: 

 
1ـ أن يكون متخصصاً في العلوم الدينية، فلا يكون كلامه أعمى وعن جهل. 
2ـ أن يكون محباً للدين والعلماء ومعتقداً بضرورة وجود العلماء في البلاد. 
3ـ سلامة نيته، فلا يكون تدخله طلباً للنفع الشخصي. 
4ـ أن يمتلك عقلاً مدبراً ومميزاً بين الصلاح والفساد، لتكون أعماله مبنية على خطط حكيمة. 
5ـ أن يكون له نفوذ علمائي ليتمكن من تنفيذ مخططاته. 
 
هذه الشروط إذا ما توفرت، فإنها تتوفر في العلماء من الدرجة الأولى، أما الباقون فكلهم خارجون عن هذا الحساب"1
 
فالذي يحق له أن يتدخل لإصلاح الجهاز العلمائي، هو خصوص العلماء من الدرجة الأولى برأي الإمام كما هو واضح. 
 
أخطاء الأفراد:
 
من المشكلات التي نبه عليها الإمام الخميني قدس سره في تعاطي الناس مع العلماء، أنهم إذا رأوا خطأ من شخص نسبوه للخط، ولم يقتصروا على سوء الظن بالشخص، وهذا تعاطٍ خطير لأنه سيتسبب 
 
 
 

1- من كتاب كشف الأسرار لسماحة الإمام الخميني قدس سره. 
 
 
 
 
 
 
 
59

43

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

 بالإساءة إلى الحوزة والعمامة عند أي خطأ أو اشتباه أو تقصير يقع فيه أي معمم. 

 
يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"إن الناس إذا رأوا سلوكاً منحرفاً من رجل دين فإنهم سيسيئون النظر بكل رجال الدين لا بهذا الشخص الذي رأوا في سلوكه انحرافاً فقط، ويا ليتهم كانوا يقتصرون في إساءة الظن على شخص واحد ولا يعممون الحكم على الآخرين. إن الناس لا يحللون الأمور عندما يرون عملاً غير لائق من معمم، إن بين الكسبة أيضاً والموظفين أفراداً منحرفين وغير مستقيمين، وكذلك بين المعممين أشخاص غير صالحين ومنحرفون، ولكن لو أن بقالاً كان منحرفاً نرى الناس يقولون البقال الفلاني منحرف، ولو أن عطاراً كان منحرفاً يقولون العطار الفلاني منحرف, ولكن إذا قام معمم بعل غير لائق يقولون: المعممون سيئون.!"1
 
ويظهر انزعاج الإمام الخميني قدس سره من هذه الحالة بشكل واضح عندما يقول: 
 
"كل من يرى كتاب جواهر الكلام يدرك مدى جهود المجتهدين الذين يتطاول اليوم عليهم عدد من رواد الأزقة ليحددوا لهم تكليفهم!"2
 
 
 

1- الجهاد الأكبر صفحة 10. 
2- من كتاب كشف الأسرار، للإمام الخميني قدس سره. 
 
 
 
 
 
 
60

44

الخاتمة

 الخاتمة 

 
العلماء باقون
 
لقد كان للعلماء على امتداد الزمن جذور واسعة في قلوب الناس، لم يقفوا يوماً مع الحكومات الجائرة ضد الشعوب، ولم يكونوا تبعاً لأي نظام، ولم يسمحوا لأنفسهم أن يكونوا مجرد صدى يردد كلمات الزعماء... 
 
كانوا دائماً لله تعالى، ومعه وفي خطه، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ففتح قلوب الناس لهم وجعل لهم مكانتهم بين الشعوب. 
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"إن الدعاية للعلماء والفقاهة لم تكن تحت ظل الحراب، ولا برأسمال عبدة المال والأثرياء، بل بالفن والصدق والتزامهم، مما دفع الناس لاختيارهم"1
 
ولا شك أن بقاء هذه الحوزات العلمية له ارتباط بالغيب والتاريخ أدلّ دليل على ذلك، فهذه القرون الطويلة التي مرت حاملة معها كل ظلم واضطهاد وحصار للحوزات وتقتيل للعلماء، كانت كفيلة بإزالتها 
 
 
 

1- من نداء لسماحته إلى مراجع الإسلام وعلماء البلاد بتاريخ 22/2/1989. 
 
 
 
 
 
 
 
61

45

الخاتمة

 وإزالة ذِكرها لولا اللطف الإلهي والتسديد الغيبي، الذي كان معادلة القتل من الإلغاء إلى تأكيد الوجود، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: 

 
"العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة"1
 
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: 
 
"العلماء باقون ما بقي الليل والنهار"2
 
ولكن بعيداً عن الموضوع الغيبي، إذا نظرنا إلى المعادلات الطبيعية نجد أن الله تعالى قد هيّأ الأسباب لبقاء هذه الحوزات العلمية مستمرة بعلمائها، يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"ليس مطروحاً زوال الحوزة، وستبقى الحوزة على ما هي عليه، وبصرف النظر عن الجوانب المعنوية والإلهية فإن زوال الحوزات العلمية غير ممكن من حيث الموازين الطبيعية أيضاً، لأن جميع المسلمين وخاصة الشيعة مهتمون بالحوزات، والشعوب هي التي تدعمها، ومن تدعمه الشعوب تعجز الحكومات عن مواجهته، فالحكومات سرعان ما تمضي، وأعمارها قصيرة"3
 
إن حفظ هذه الحوزات العلمية على طريقتها هو من أولى الأولويات، لأنه الضمانة لحفظ خط الإسلام بين الناس والاستمرار في الطريق الصحيح. 
 
 
 

1- ميزان الحكمة جزء 3، صفحة 2068. 
2- نفس المصدر. 
3- من كلمة لسماحته بتاريخ 10/1/1972 بعد قيام السلطات العراقية بطرد معظم العلماء والطلاب الإيرانيين من النجف الأشرف. 
 
 
 
 
 
 
 
62

46

الخاتمة

 إن أي تغير يمكن أن يحصل على الأرض، أو أي انتكاسة يمكن أن تحصل للعمل الإسلامي ـ لا سمح الله ـ يمكن تجاوزها في المستقبل ما دامت الحوزة موجودة بفقهها وعلمائها، فهي جذور الخير التي سيظهر ثمارها في يوم من الأيام. 

 
ولكن إذا بقي كل شيء وخسرنا الفقهاء والفقه على طريقته المعهودة، فلن يمكن الاستمرار في الطريق الصحيح، سيضيع كل شيء، فالعلماء هم عقل العمل ووجدانه، وهم النواة، فإذا حذفت النواة ضاع كل شيء حولها. 
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: 
 
"إذا خسر الإسلام كل شيء ـ لا سمح الله ـ وبقي فقهه بالطريقة الموروثة عن الفقهاء العظام، فسيستمر في طريقه. أما إذا ما حصل الإسلام على كل شيء وخسر ـ لا سمح الله ـ فقهه على طريقة السلف الصالح، فلن يمكن الاستمرار في الطريق الصحيح، وسينتهي الأمر إلى الضياع"1
 
 
 

1- من ندائه في الذكرى الرابعة لانتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 11/2/1983. 
 
 
 
 
 
 
 
63

47

الفهرس

 الفهرس

المقدمة

7

الفصل الأول: مكانة العلماء

11

من أين جاءت هذه المكانة؟

20

الفصل الثاني: ما قدمه العلماء عبر التاريخ

21

الجانب العلمي في تاريخ العلماء:

23

الدور الأول ـ حفظ التراث الديني من الضياع والتلف:

24

الدور الثاني ـ شرح هذا التراث بالشكل الصحيح:

25

الدور الثالث ـ نشر الدين وترويجه بين الناس:

27

الجانب الجهادي في تاريخ العلماء:

28

هؤلاء ليسوا استثناءً:

30

الفصل الثالث: استهداف العلماء

31

استهدافهم من قبل المستعمر:

33

دس الاستعمار:

35

حب الدنيا:

36

رواد الأزقة:

37

التسرع في الكتابة:

38

الفصل الرابع: أمور في دائرة الاستفهام

39

التفرغ للدراسة:

41

الاختلاف بين العلماء

43

الحذر من الظواهر المستجدة:

45

طريقة الدراسة والبحث في الحوزات:

46

الفصل الخامس: تكليف الأمة تجاه العلماء

51

مجالسته العلماء:

52

آثار التخلي عن العلماء:

55

إنذار:

56

انتقاد العلماء:

58

النقد البنّاء والنقد الهدّام:

58

أخطاء الأفراد:

59

الخاتمة: العلماء باقون

60

 

 

 

 

 

64


48
مكانة العلماء في فكر الإمام الخميني قدس سره