المقدمة
المقدِّمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على النبيّ محّمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وآله الطيّبين الطّاهرين، وبعد.
الأسرة هي إحدى المؤسّسات الهامّة في المجتمع البشريّ، بل تُعدّ أولى المؤسّسات الاجتماعيّة وأکثرها جذورًا، حيث تؤدّي دورًا لا يمکن إنكاره في اتّزان الأفراد وازدهار المجتمعات والأمم، وتُمثّل النظام الأمثل لتلبية الحوائج المادّيّة والنفسيّة والمعنويّة للإنسان، بما تُشكّله من بيئة صالحة لتأمين الأمن والاستقرار النفسيّ لأعضائها، وتربية الأجيال الجديدة وفق القيم والآداب الصّحيحة والسّليمة، وإشباع الأبعاد العاطفيّة والمعنويّة للأفراد. وقد اعتبر الدين الإسلاميّ أنّ الأسرة أحبّ مؤسّسة بشريّة عند اللَّه، وقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ما بُنِي بناءٌ في الإسلام أحبّ إلى اللَّه -عزّ وجلّ- من التزويج»[1].
ولا شكّ بأنّ التعاليم الإسلاميّة في الزّواج والأسرة هي الأساس الأكمل والأقوى لبناء هيکليّة تستجيب وتلبّي جميع احتياجات الأسرة، الماديّة، والنفسيّة، والمعنويّة، والتربويّة والاجتماعيّة.
ولهذا حثّ الإسلام على الزّواج، في الكتاب والسنّة، من خلال التشريعات التفصيليّة في الزّواج وبناء الأسرة، والحثّ المباشر عليها، بوصفها سنّة طبيعيّة تنسجم مع طبيعة خلق الإنسان وتكوينه، وهذا ما نجده في القرآن في العديد من الآيات، كقوله -تعالى-: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن أَزوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ﴾[2]، وهذا ما نجده في الروايات المستفيضة في المقام.
[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1414ه.ق، ط2، ج3، ص383.
[2] سورة النحل، الآية 72.
8
1
المقدمة
ويوضح الإمام الخميني (قدس سره) فلسفة العلاقة بين الزوجَيْن ودورها في البناء والتربية، فيقول: «...هل تجدون في كلّ العالم منهجًا مثل الإسلام يهتمّ بأمر تربية الإنسان حتّى قبل زواج والدَيْه فيحدّد آدابًا للزواج؟! جميع المناهج الأخرى في العالم تهتمّ بأمر الإنسان الذي يتحرّك وسط المجتمع، أمّا الإسلام فهو يحدّد لكلٍّ من والدَيْه قبل زواجهما الشروط الّتي يجب توافرها في الطرف الآخر. والسّبب هو أنّ هذَيْن الزَّوجَيْن هما منشأ ظهور فرد واحد أو مجموعة من الأفراد، والإسلام يريد أن يكونوا من الصّالحين في المجتمع. ولتحقيق ذلك، يحدّد المواصفات اللّازمة في الزّوجة والزّوج، والأعمال والأخلاق الّتي ينبغي توافرها فيهما، وطبيعة الوسط العائليّ الّذي تربّيَا فيه. ثمّ يحدّد كيفيّة تعاملهما بعد الزّواج، وآداب الحمل وما بعده، وآداب الولادة، ثمّ حضانة الطّفل، والهدف من كلّ هذه الآداب هو أن تكون ثمرة هذا الزّواج موجودًا صالحًا للمجتمع»[1].
يقدّم هذا الكتاب نظرة الإسلام إلى الزّواج وفق منهجيّة تحليليّة ونقليّة، بدءًا بقيمة الزّواج وشروط اختيار الزّوج والزّوجة، وأهداف الزّواج في الإسلام، وآثاره النفسيّة والتربويّة والاجتماعيّة، وواجبات الزّوجَيْن وحقوقهما، وما يمكن أن يواجه الزّوجان من عقبات ومشاكل والحلول المناسبة لها. إضافة إلى جانبٍ مُهمٍّ من فقه الزّواج في الإسلام، ولم نقتصر في المعالجة على الرؤية الإسلاميّة، بل استفدنا أحيانًا من بعض العلوم الإنسانيّة بحسب المورد والحاجة، طبعًا مع تغليبنا للرّؤية الإسلاميّة في الأصول والكليّات والتطبيقات.
وقد تمّ توزيع الكتاب على دروس عدّة كي يتسنّى للأساتذة الكرام تحقيق أهدافهم في العمليّة التعليميّة والتربويّة.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] الكوثر، مجموعة من خطابات الإمام الخميني { الّتي تتضمن تسجيلًا لوقائع الثورة الإسلاميّة خلال الأعوام (1962م- 1978م)، ج3، ص341.
9
2
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
1. يعرف مفهوم الزّواج وحكمه الشرعيّ.
2. يتبيّن نظرة الإسلام والأديان الأخرى إلى قدسيّة الزّواج.
3. يشرح أهميّة الزّواج في الكتاب والسنّة.
10
3
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
مفهوم الزّواج
الزّواج مصدر لزوّج بمعنى قرن، يُقال زوّج الشيء بالشيء، أي قرنه به[1]. وصار يُطلَق على اقتران الرجل والمرأة وفق الكيفيّة والشروط سواء الشرعيّة أو الوضعية المحدّدة، بمعنى إيجاد الرّابطة والعُلقة الزّوجيّة بينهما.
أهميّة الزّواج
يعتبر الزّواج الارتباط المشروع بين الرجل والمرأة، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشريّ من الانقراض، وهو باب التواصل وسبب الأُلفة والمحبة، والمعونة على العفّة والفضيلة. فبه يتحصّن الجنسان من جميع ألوان الاضطراب النفسيّ، والانحراف الجنسيّ، فقد قال اللَّه -تعالى-: ﴿وَمِن ءَايَٰتِهِٓ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَٰجٗا لِّتَسكُنُوٓاْ إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَومٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2].
ويعدّ مرحلة مُهمّة من مراحل تکوين الأسرة، بل هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل الأسرة وهو حدثٌ مفصليٌّ وثابتٌ أکثر من أيّ تقليد أو حادثة تمرّ في حياة الإنسان، سواء کانت فرديّة، أم معيشيّة، أم اجتماعيّة. ويحظى بنوع من القدسيّة في الدّيانات السماويّة، ويتمتّع بقيمة عالية جدًّا.
[1] المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، 1417ه، ط1، ج4، ص360.
[2] سورة الروم، الآية 21.
12
4
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
الزواج سنّة فطريّة
إنّ الزواج ليس أمرًا عارضًا ومستحدثًا، بل هو كما يقول العلامة الطباطبائي: «من السنن الاجتماعيّة الّتي لم تزل دائرةً في المجتمعات الإنسانيّة، أيُّ مجتمع كان، على تاريخ هذا النوع إلى هذا اليوم. وهو في نفسه دليل على كونه سنّة فطريّة، على أنّه أقوى دليل على ذلك كون الذكر والأنثى مجهّزَيْن بحسب البنية الجسمانيّة بوسائل التناسل والتوالد، والطائفتان (الذكر والأنثى) في ابتغاء ذلك شَرْع سواء، وإن زيدت الأنثى بجهاز الإرضاع والعواطف الفطريّة الملائمة لتربية الأولاد.
ثم إنّ هناك غرائز إنسانيّة تنعطف إلى محبّة الأولاد، وتَقْبَل قضاء الطبيعة بكون الإنسان باقيًا ببقاء نسله، وتذعن بكون المرأة سَكنًا للرجل وبالعكس، وتحترم أصل الوراثة بعد احترامها لأصل الملك والاختصاص، وتحترم لزوم تأسيس البيت...[1].
الزّواج في القرآن الكريم
اهتم القران الكريم اهتمامًا بالغًا بمسألة الزواج حيث بلغ عدد الآيات التي تتحدث عن الزواج أكثر من خمسين آية، وهذا يدلّ بشكل واضح على أهميّة الزّواج وضرورته في الدّين الإسلاميّ، وأنّ القرآن الكريم قد حرص على تشريع هذا النظام المتكامل في الحياة الزّوجيّة بما ينسجم مع السنّة التكوينيّة لطبيعة خلق الذكر والأنثى وحاجاتهما الفطريّة إلى الالتقاء والتكامل، والتناسل من خلال الزّواج. ولا مجال لتفصيل وشرح هذه الآيات هنا كونها تحتاج إلى دراسة مستقلّة[2].
وقد حثّ اللَّه -تعالى- في كتابه العزيز المؤمنين على الزواج وأن لا يمنعهم خوف الفقر عنه، حيث إنّه -تبارك وتعالى- هو مُغني الفقراء من فضله ﴿وَأَنكِحُواْ ٱلأَيَٰمَىٰ
[1] راجع: الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم المشرّفة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة، 1417ه، ط5، ج4، ص313.
[2] يراجع تفسير: سورة الزمر، الآية 6؛ سورة النجم، الآية 45؛ سورة القيامة، الآية 39؛ سورة الرعد، الآية 38؛ سورة الشورى، الآية 12؛ سورة البقرة، الآية 35، 235؛ سورة الأعراف، الآية 19؛ سورة الطلاق، الآيات 1، 6، 7 ؛ سورة النور، الآية 3؛ سورة النمل، الآيتان 54، 55؛ سورة الفرقان، الآية 68.
13
5
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
مِنكُم وَٱلصَّٰلِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَآئِكُمۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضلِهِۦ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾[1]، بل ويفهم من هذه الآية أنّ على المؤمنين السعي في تزويج إخوتهم من المؤمنين والمؤمنات لما في ذلك من فائدة على الإسلام والمسلمين.
ويُعتبر الزّواج في الدستور الإلهي ميثاقاً غليظاً[2] ينبغي الحفاظ عليه، فإنّ الکلام الّذي يؤدّى في العقد من طرف، ويقبله الطرف الآخر يشير إلى قوّة هذا الارتباط[3]. فإنّ عقد الزّواج هو العقد الاجتماعيّ الأکثر صلابة، وقد أشارت بعض آيات خلق الإنسان إلى ذلك الانجذاب النفسيّ الموجود في سريرة الرجل والمرأة، فيتقبّل کلٌّ منهما عناء هجرة أقربائه ليعيش مع شخص آخر لا يعرفه، ويوفّر له الطمأنينة والراحة النفسيّة. وإنّ الرجل والمرأة يُقرّران الزّواج عندما يطمئنّان إلى بعضهما، ويستعذبان الحياة المشترکة ضمن ميثاق فطريّ متين أسمى من مجرّد إشباع الرّغبة الجنسيّة، فثقة الرجل والمرأة بعضهما ببعض أعمق من کلّ ثقة في أيّ علاقة إنسانيّة أخرى، وهذا ما يجعل من الزواج ميثاقًا متينًا[4].
الزّواج في السنّة الشريفة
يُفهم من الرّوايات الكثيرة الّتي تحثّ على الزّواج في السنّة المطهّرة حرص النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على إرساء قواعد نظام الزّواج وأسسه في الإسلام، على قاعدة بيان وتفصيل ما جاء في القرآن الكريم من أصول تشريعيّة. ويمكننا تصنيف هذه الرّوايات إلى طوائف:
الأولى: الحثّ على التّناسل:
إنّ للزواج تأثيرات إيجابيّة على الرجل والمرأة وعلى المجتمع، فهو الوسيلة المشروعة
[1] سورة النور، الآية 32.
[2] قال -تعالى-: ﴿وَأَخَذنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا﴾. سورة النساء، الآية 21.
[3] راجع: المجلسي، العلامة محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه.ق - 1983م، ط2، ج100، ص267 - 269.
[4] راجع: رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، دار المنار، مصر، 1367ه.ق، ط3، ج4، ص460.
14
6
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
للإنجاب وتكثير النّسل فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلًا، لعلَّ اللَّه أن يرزقه نسمة، تثقل الأرض بلا إله إلّا اللَّه»[1].
- وعنه (صلى الله عليه وآله): «تناكحوا تكثّروا، فإنّي أُباهي بكم الأُمم، حتى بالسقط»[2].
- ورُوِيَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم غـدًا في القيامـة حتى إنّ السقط ليجيء محبنطئًا على باب الجنـة، فيقال له: ادخل الجنة فيقول: لا حتى يدخل أبواي الجنة قبلي»[3].
و«الحبنطأ، بالهمز: العظيم البطن… والمحبنطئ: اللّازق بالأرض، العريض»[4]. يعني أنّ السقط يكون لازقًا ولازمًا في مكانه حتّى يأتي أبواه.
الثانية: الزّواج سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله):
- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «تزوّجوا فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرًا ما كان يقول: من كان يحبّ أن يتّبع سنّتي فليتزوج فإنّ من سنّتي التزويج، واطلبوا الولد فإنّي أكاثر بكم الأمم غدًا»[5].
- وفي الخبر النبويّ المروي بين الفريقَيْن: «النكاح سنّتي فمن رغب عن سنتي فليس مني»[6].
- وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): تزوّجوا وزوِّجوا ألا فمن
[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص382.
[2] ابن أبي جمهور الإحسائي، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق وتصحيح: مجتبى العراقي، قم المشرّفة، دار سيد الشهداء للنشر، 1405ه، ط1، ج3، ص286.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص383.
[4] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409ه.ق، ط2، ج3، ص334 - 335.
[5] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الخصال، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ص614.
[6] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص220؛ الشيخ أبو الفتوح الرازي، حسين بن علي، روض الجنان وروح الجنان في تفسيرالقرآن (فارسي)، تحقيق وتصحيح: دكتور محمد جعفريا حقّي-دكتور محمد مهدي ناصح، المطبعة: امورفنوچاپ: مؤسسهء چاپو انتشارات آستان قدس رضوى، الناشر: بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوي، 1368 ه.ش، لا.ط، ج14، ص128.
15
7
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
حظ امرئٍ مسلم إنفاق قيمة أيّمة[1]. ومـا من شيء أحبّ إلى اللَّه -عزّ وجلّ- من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى اللَّه -عزّ وجلّ- من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطـلاق». ثمّ قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «إنّ اللَّه -عزّ وجلّ- إنّمـا وكّد في الطلاق وكرّر فيه القول من بغضه الفرقة»[2].
الثالثة: كمال العبادة في الزّواج:
رُوِيَ عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قولـه: «من تزوّج أحرز نصف دينه»، وفي خبر آخر: «فليتقِّ اللَّه في النصف الآخر أو الباقي»[3].
وعنه (صلى الله عليه وآله) قولـه: «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»[4].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «ركعتان يصلّيهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما أعزب»[5].
الرابعة: الزّواج يجلب الرزق:
- عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنّه باللَّه -عزّ وجلّ-، إنّ اللَّه -عزّ وجلّ- يقول: ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضلِهِۦ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾[6]»[7].
- وعنه (صلى الله عليه وآله): «من سرّه أن يلقى اللَّه طاهرًا مطهّرًا فليلقه بزوجة، ومن ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللَّه -عزّ وجلّ-»[8].
[1] الأيم: في الأصل الّتي لا زوج لها بكرًا أو ثيبًا مطلقة أو متوفى عنها زوجها. أي من سعادة المرء أن تخطب إليه بناته وأخواته، ولا يكسدن.
[2] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص328.
[3] المصدر نفسه، ص329.
[4] المصدر نفسه، ص327.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص384.
[6] سورة النور، الآية 32.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص331.
[8] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص385.
16
8
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
- وعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): اتخذوا الأهل فإنّه أرزق لكم»[1]. وغير ذلك من الأحـاديث الكثيرة في هـذا الموضوع، والّتي تنبئ عن قداسة الزّواج في الإسلام، وأنّه ممّا يقرب إلى اللَّه سبحانه.
الخامسة: ثواب السعي في التزويج:
رُوِيَ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل أنّه قال: «...ومن عمل في تزويج بين مؤمنَيْن حتّى يجمع بينهما زوّجه اللَّه -عزّ وجلّ- ألف امرأة من الحور العين كلّ امرأة في قصر من درّ وياقوت، وكان له بكلّ خطوة خطاها أو كلمة تكلّم بها في ذلك عمل سنة، قيام ليلها، وصيام نهارها...»[2].
ورُوِيَ عن الإمام موسى بن جعفر L أنّه قال: «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللَّه يـوم القيامة يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، رجل زوّج أخاه المسلم...»[3].
الزواج في كلمات الفقهاء
قال المحقّق الكركي (قدس سره) في جامع المقاصد: «النكاح مستحب، ويتأكد في القادر مع شدّة طلبه، وقد يجب إذا خشي الوقوع في الزنا، سواء الرجل والمرأة»[4].
وقال الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح اللمعة: «النكاح مستحب مؤكد لمن يمكنه فعله، ولا يخاف بتركه الوقوع في محرم، وإلّا وجب، وفضله مشهور بين المسلمين محقق في شرعهم»[5].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص329، الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص383.
[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1368ش، ط2، ص288.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص141.
[4] المحقق الكركي، الشيخ علي بن الحسين، جامع المقاصد، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرّفة، 1408ه، ط1، ج12، ص8.
[5] الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي العاملي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، السيد محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية، 1386هـ - 1398ه، ط1، ج5، ص85.
17
9
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
وقال الإمام الخميني (قدس سره) في تحرير الوسيلة: «النكاح من المستحبّات الأكيدة، وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه ممّا لا يحصى كثرة: فعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللَّه تعالى من التزويج»[1]،[2].
الزّواج رباط مقدّس
الزّواج في نظر الإسلام رباط مقدّس، يُبنى على أساسٍ تشريعيّ كامل وقواعد وآداب وسنن، وفي ظلّه التزامات وحقوق، ومخالفتها توجب العقوبة والجزاء. وهذا الرباط المقدّس حينما يعقد في ظلّ تلك الأسس والقوانين، يسدّ من خلالها باب المفاسد والرذائل، ولا يترك مجالًا لعدم الاستقرار أو الاضطراب، أو الانحراف الّذي يؤثّر سلبًا على سعادة المجتمع واستقراره.
إنّ الزّواج بالشكل الذي أقرَّه الإسلامُ حَفِظَ للمرأة كرامتَها ومكانتها، وللرجل شرفَه وعِرضَه، وجعل من هذه العلاقة سياجًا يحمي الطرفَيْن من الخطأ. وجعل من هذه الأسرة نواةً لبناء مجتمع مسلم طاهر عفيف. ولهذا، لا بدّ أن تحقِّق إجراءات الزّواج تلك الغايةَ، وقد راعى الإسلام ذلك بالفعل، فجعل لإتمام الزّواج مراحلَ ومراسمَ، فهناك الخِطبة، ثمّ عقد الزّواج، فالزفاف. وكلّ هذه المراحل هي من باب تكريم هذا العقد بكلّ آثاره الحقوقيّة، وإعطائه قوةً ونفوذًا في المجتمع، بل تُعدّ الکثير من السلوکيّات الأسريّة -تحت الإطار الإسلاميّ- أمورًا عباديّة، وحتّى إنّ بعضًا منها ضمن ظروف خاصة أعلى شأنًا من بعض التعبّدات. وإنّ من شأن هذا التقديس لأمر الزّواج أن يشجّع الفرد بأن ينظر إلى الواجبات الزّوجيّة والسلوك الأسري بعنوانها فرائض دينيّة ملقاة على عاتقه، وهکذا يُصبح تنظيم الأمور المعيشيّة الدنيويّة طريقًا إلى الکمال المعنويّ والأخرويّ للإنسان. لذلك يوصي الإسلام الأفراد -عند اختيار زوجاتهم وإقامة المراسيم- أن يقرنوا سلوکهم بالصّلوات
[1] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص383.
[2] الخميني، الإمام روح اللَّه الموسوي، تحرير الوسيلة، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، إيران، مؤسّسة العروج، 1427ه، ج2، ص22.
18
10
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
والدّعاء والتوکّل على اللَّه[1]، لأنّ الزّواج مقرون بالأمور المعنويّة، وغاية ذلك تعبيد الطريق لنمو الإنسان وتكامله، وتأتي هذه الرّؤية مقابل النظرة الّتي ترى أنّ النمو المعنويّ يتحقّق بعيدًا عن الزّواج.
[1] راجع: الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قم المشرّفة، 1414ه.ق، ط2، ج20، ص113.
19
11
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
الأفكار الرّئيسة
- الزّواج أحد المراحل المفصليّة الهامّة في حياة الإنسان، يُقال زوّج الشيء بالشيء أي قرنه به، وصار يُطلق على اقتران الرجل والمرأة.
- الزواج سنّة فطرية وحاجة اجتماعية.
- ورد في القرآن ما يزيد عن خمسين آية تتحدّث عن الزّواج، وهذا يدلّ على أهميّته وضرورته في الإسلام.
- الزّواج ميثاقٌ غليظ، وعقد الزّواج هو العقد الاجتماعيّ الأكثر صلابة، وهذا واضح من الخيارات الّتي أُعْطِيَتْ للزّوجَيْن حين إجراء العقد.
- تنوّعت الرّوايات الّتي تتحدّث عن الزّواج بين الحثّ على التناسل، واعتباره من سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) الّتي تكمل عبادة المرء به، ويجلب للرزق.
- حكم الزّواج في الإسلام أنّه مستحبٌّ في حدّ نفسه.
- الزّواج في الإسلام رباطٌ مقدّسٌ يُبنى على أساس تشريعيّ كامل، وبه يحفظ الرجل دينه، ولهذا اعتُبِر من السنن الاجتماعيّة.
20
12
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
1. يعدِّد أهداف الزّواج في الإسلام.
2. يشرح نظرة الإسلام إلى الطمأنينة النفسيّة بين الزّوجَيْن.
3. يعرف كيـــف يحقّق الــزّواج نموّ الشخصيّــــة وكمالها المعنويّ والدينيّ.
22
13
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
تمهيد
الإسلام ليس منهجَ اعتقاد وإيمان وشعور في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانيّة واقعيّة، يتحوّل فيها الاعتقاد والإيمان إلى ممارسة سلوكيّة في جميع جوانب الحياة. فتقوم العلاقات على التراحم والتكافل والتناصح، وتكون القيم الأخلاقيّة، كالأمانة، والسّماحة، والمودّة، والإحسان والعدل، هي القاعدة الأساسيّة الّتي تنبثق منها العلاقات الاجتماعيّة، وهو ما يلزم الأفراد بالكثير من الواجبات تجاه بعضهم بعضًا كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان اجتماعيّ يحتضن جميع أفراده وبذلك تتمظهر العلاقة بين الناس بأكمل صورها.
وللحياة الزّوجيّة -كما للروابط الاجتماعيّة الأخرى- العديد من الأهداف والغايات الّتي تنعكس على الزّوجَيْن والأسرة والأرحام، إيجابًا أو سلبًا، بحسب مراعاتهما للحقوق والواجبات، والتزامهما بالقيم الّتي يجب أن تنظّم الحياة الزّوجيّة والأسريّة، وذلك على قاعدة أنّ كلّ مسلم مسؤول في بيئته الاجتماعيّة، ويمارس دوره الاجتماعيّ من موقعه. فقد رُوِيَ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «من أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم»[1]، والاهتمام بأمور المسلمين يشمل الأفراد كما يشمل المجتمعات.
ويمكن لمن يتتبّع الآيات والروايات الفقهيّة وغيرها أن يستنتج أنّ للزواج في الإسلام العديد من الأهداف، نكتفي بذكر بعضها:
تلبية الاحتياجات الجنسيّة
من الأهداف الرئيسة للزّواج تلبية الحوائج الجنسيّة، إذ إنّ ظهور هذه الحوائج
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص163.
24
14
الدّرس الأوّل: قيمة الزّواج في الإسلام
وتشديدها کفيلان بإجبار الفرد أن يتزوّج بأقصى سرعة ممکنة. فالزّواج هو السبيل الشرعيّ لإشباع هذه الرغبة. وإنّ الإسلام ينهى بصرامة عن کبت هذه الرغبات وقمعها، أو سلوك طريق الرهبانيّة: «لم يرسلني اللَّه بالرهبانيّة ولکن بعثني بالحنيفية السمحة أصوم وأصلّي وألمس أهلي فمن أحبّ فطرتي فليستنّ بسنّتي ومن سنّتي النکاح»[1]. كما نجد في أحاديث الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) التقريع الشديد لأولئك الّذين امتنعوا عن الزّواج: «رذّال موتاکم العزّاب»[2] و«إخوان الشياطين»[3] و«شرار أمّتي عزّابها»[4]. من هنا، ونظرًا إلى اهتمام الإسلام بتلبية کلّ الحوائج الطبيعيّة، بما فيها الحوائج الجنسيّة، فإنّ من الجدير أن يتمّ الزّواج في البداية في فترة الشباب التي تُمثّل ذروة الحوائج الجنسيّة، وليس من الجيّد أبدًا أن يؤجَّل إلى مراحل عمريّة متأخّرة لما في ذلك من تداعيات سلبيّة، وهذا ما أشارت إليه بعض الرّوايات، منها: «إنّ الأبکار بمنزلة الثّمر على الشجر، إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وکذلك الأبکار إذا أدرکن ما يُدرك النساء فليس لهنّ دواء إلّا البعولة، وإلّا لم يؤمن عليهنّ الفساد لأنّهنّ بشر»[5].
وتجدر الإشارة إلى أنّ التناسل وتربية الجيل الصالح اللّذَيْن يُعدّان من الغايات المُهمّة للزّواج في الإسلام «إن استطعت أن يكون لك ذريّة تثقل الأرض بالتسبيح فافعل»[6] إنما هما مناسبان وصحيّان ضمن فترة زمنيّة محدّدة، ولا سيما بالنسبة إلى المرأة، لأنّ الحمل في مرحلة عمريّة متأخّرة قد يُعرّضها ويُعرّض جنينها لمخاطر عديدة، منها تشوّه الجنين.
تحقيق السكينة والاطمئنان
من الأهداف المُهمّة للزّواج توفير الرّاحة النفسيّة والسّكينة القلبيّة للزّوج والزّوجة
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص494.
[2] المصدر نفسه، ص329.
[3] السبزواري، الشيخ محمد، معارج اليقين في أصول الدين، تحقيق علاء آل جعفر، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1410هـ - 1993م، ط1، ص272.
[4] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص222.
[5] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص337.
[6] ﴿وَٱلبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا ﴾، سورة الكهف، الآية 46؛ الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص329.
25
15
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
تحت غطاء العلاقة العاطفيّة والاجتماعيّة المتبادَلة بينهما. وتُبيّن دراسة الأحوال النفسيّة للفتاة والفتى -قبل الزّواج- الدور المؤثّر للزّواج في تحقيق الطمأنينة النفسيّة. فالفرد الراشد يُصيبه -بفعل ضغوط حوائجه الجنسيّة- نوع من التوتّر والاضطراب، بحيث يصعب ضبط تأثيره على سلوك الإنسان. لذلك، فإنّ حاجة المرء إلى الودّ والحبّ، وتقاسم الحياة مع شخص آخر تُمثّل أحد الدّوافع الرئيسة للزّواج[1]. من هنا، فإنّ الحبّ المتبادل، والتعاطف، وتقبُّل الآخر، أمورٌ لا غني عنها في الحياة الزّوجيّة[2].
وفي الواقع، ليس هناك أمرٌ آخر يُمكنه أن يُعالج الرغبات المتناقضة والهائجة لفترة الشباب كما يُعالجها الزّواج[3]، وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم في الآيات الّتي تتحدّث عمّا يحقّقه الزّواج من سكينة واطمئنان للزَّوجَيْن. فقد قال -تعالى-: ﴿وَمِن ءَايَٰتِهِۦ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَٰجٗا لِّتَسكُنُوٓاْ إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَومٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾[4]، وفي آية أخرى يقول: ﴿هُوَ خَلَقَكُم مِّن نَّفسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسكُنَ إِلَيهَا﴾[5].
وعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنه قال: «ثمّ ابتدع له حواء... فقال آدم: يا ربّ ما هذا الخلق الحسن فقد آنسني قربه والنظر إليه؟ فقال اللَّه: يا آدم هذه أمتي حواء أفتحبّ أن تكون معك تؤنسك وتحدّثك؟..»[6]. وقد استخدم القرآن للتعبير عن العلاقة الحميمة بينهما مصطلح «اللّباس»، فقد قال -سبحانه وتعالى-: ﴿هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٞ لَّهُنَّ﴾[7]. فاللّباس يرمز إلى السكينة، وقد شُبِّه اللّيل به، ما يعني أنّ العلاقة بين الرجل والمرأة هي
[1] قد يوفر تعايش الرجل والمرأة أرضيّة الحبّ المتبادل بينهما ولكن لأنّه يعدّ أمرًا شاذًّا في معظم الثقافات، ولأنه أيضًا يمثل صلة هشة حيث يتأتى لكلّ منهما أن يرتبط بشريك جنسي آخر، لا يمكنه أن يوفّر الأرضية المناسبة للتضامن العاطفي والنفسي بينهما.
[2] راجع: سالاري فر، محمد رضا، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، تعريب: حسين حسين بور، مراجعة وتقويم لغوي: مسعود فكري، مؤسّسة دراسة وتدوين الكتب الجامعية للعلوم الإنسانية (سمت)، إيران - طهران، 2017م، ط1، ص13.
[3] راجع: رضا، تفسير المنار، مصدر سابق، ج9، ص518.
[4] سورة الروم، الآية 21.
[5] سورة الأعراف، الآية 189.
[6] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص380.
[7] سورة البقرة، الآية 187.
26
16
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
مثل اللّيل مولّد للسكينة[1] فضلًا عن ذلك، فإنّ اللّباس له وظائف كثيرة منها: أنّه يُغطّي العورات، ويقي جسد الإنسان من برد الشتاء وحرّ الصيف، ويُقلّل من خطر الأمراض الّتي قد تُصيب الجسد. كما يُعدّ في وقتنا الحاضر أهمّ مقوِّم لجمال الفرد، وأهمّ رمز لهويّته القوميّة، والمهنيّة، وأحيانًا طبيعة شخصيته. ويمكن أن يؤدّي الرجل والمرأة الوظائف نفسها تجاه بعضهما، فيستطيع كلٌّ منهما أن يَسترَ عيوب الآخر، ويقيه من المخاطر والضّغوطات، ويجعله متمتّعًا بالجمال والنموّ[2].
وعليه، فإنّ الزّواج يؤدّي بما يُمثّله من غطاء حميم، دورًا مُهمًّا في تخفيف القلق، والاضطراب، والارتباك، لكلٍّ من الزّوج والزّوجة، ويؤمّن لهما الدّعمَيْن النفسيّ والعمليّ لمواجهة توتّرات الحياة[3].
كما تُشير الدّراسات إلى أنّ النساء بوصفهنّ أمهات وزوجات، يُمثّلن عاملًا مُهمًّا في التشجيع، وخلق روح النشاط والحيويّة، فالزّوجة مثلًا يُمكنها أن تكون مصدر سعادة كبيرة في الأسرة، وبالتّالي عاملًا أساسيًّا في منع حصول الاكتئاب. وإنّ جوّ الأنس والتّرابط الروحيّ لا يقتصر على الزّوجَيْن فحسب، بل ينسحب على الأبناء أيضًا. فتُشير الدّراسات إلى أنّ ثمّة تعلّقًا كبيرًا ما بين الأمّ وطفلها، وكذلك تأثيرًا متبادلًا بين الوالدَيْن وأطفالهما، فابتسامة الطفل تنقل الفرحة إلى قلبَيّ الوالدَيْن، وتُظهِر البسمة على وجهَيْهِما. لذا، فإنّ الحياة الأسريّة هي بيئة مثاليّة لتوفير الأنس والطمأنينة والتعلّق. وحريٌّ بالذكر، أنّ دراسة النماذج المختلفة لتعلّق الأفراد الكبار وطريقة حبّ أحدهما للآخر، تكشف عن مدى العلاقة الحميمة الّتي كانت سائدة في أسرتهم.
[1] حسب الآية ﴿وَجَعَلنَا ٱلَّيلَ ﴾ سورة النبأ، الآية 10. راجع: الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415ه.ق - 1995م، ط1، ج1، ص504.
[2] راجع: الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج1، ص537.
[3] راجع: سالاري فر، محمد رضا، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، تعريب: حسين حسين بور، مراجعة وتقويم لغوي: مسعود فكري، مؤسّسة دراسة وتدوين الكتب الجامعية للعلوم الإنسانية (سمت)، إيران - طهران، 2017م، ط1، ص59 نقلًا عن: مظاهري، محمد علي وآخرون، «مقارنة الصحة النفسية في الأزواج...»، ص53.
27
17
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
الكمال المعنويّ للشخصيّة
إحدى النتائج الإيجابيّة والمُهمّة للزواج هي نمو شخصيتَيّ الرجل والمرأة، وكمالهما المعنويّ. فعلى الصعيد المعنويّ، يُحرز الفرد نصف دينه كما تُشير الرّوايات[1]، ويكون أجر أعماله العباديّة أضعاف أجر الفرد الأعزب[2]. كذلك، فإنّ الزّواج يصون عفّة المرء وأخلاقه: «هو أغضّ للبصر وأعفّ للفرج وأكفّ وأشرف»[3]، و«ما للشيطان سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلّا المتزوّجون أولئك المطهّرون المبرؤون»[4]، و«من أحبّ أن يلقى اللَّه طاهراً مطهّراً فليتعفّف بزوجه»[5]. وتعبير اللّباس في القرآن الكريم يُشير إلى هذا الأمر، لأنّه يعني وقاية الزّوجَيْن من التلوّث بالمفاسد الأخلاقيّة[6]. وهذا ما يستدْعي نموّ شخصية الإنسان معنويًّا، بينما يُلاحظ أنّ الفرد الأعزب يظلّ دائمًا -جرّاء الضغوطات الجنسيّة- مهدّدًا بشبح الانحراف الأخلاقيّ الّذي يجلب معه الشعور بالذّنب، واستبطان الدونيّة لنفس الإنسان وكرامته.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفرد حتّى لو تمكّن من ضبط نفسه أخلاقيًّا، سيظلّ بعيدًا عن النمو والاستكمال اللّذَيْن ينطوي عليهما الزّواج، لأنّه خالف الطبيعة البشريّة خاصّة طبيعة أكمل الناس، أي الأنبياء والأولياء (عليهم السلام). ومن المناسب الإشارة هنا إلى أنّ وجود أشخاص منهم (أي الأنبياء والأولياء) غير متزوّجين كنبيّ اللَّه عيسى (عليه السلام) ويحيى، ومريم بنت عمران، ليس دليلًا على إمكانية وصول الإنسان إلى الكمال المعنويّ من دون زواج، لأنّ هؤلاء ليسوا أشخاصًا عاديّين، وما حصل مع السيّدة مريم (عليها السلام) من إنجاب عيسى (عليه السلام) دون أن يمسَّها بشرٌ معجزة إلهيّة خاصّة. ويشير الشهيد «مطهّري» إلى أن التجربة أثبتت
[1] راجع: الصدوق، الشيخ محمد بن علي، المقنع، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي (عليه السلام)، 1415ه.ق، لا.ط، ص301.
[2] راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص328.
[3] النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ه - 1987م، ط1، ج14، ص154.
[4] عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج6، ص171.
[5] الشيخ الصدوق، المقنع، مصدر سابق، ص301.
[6] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص44.
28
18
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
أن المرتاضين وأصحاب الأخلاق الذين عزفوا عن الزواج، بقوا حتى آخر عمرهم يعانون من نقصٍ في نضجهم وكمالهم، وفيهم حالة من الطفولية والبساطة، وكأنّ الزّواج هو التّربة الّتي ينمو فيها البعد الروحيّ للإنسان. ويجدر القول إنّه على الرغم من أنّ الزّواج يتخلّله الفعل الجنسيّ، إلّا أنّه أيضًا يُكمل الإنسان روحيًّا، وهذا ما حدا بالإسلام إلى تشريعه (والحثّ عليه)[1].
توفير البيئة المناسبة لتربية الأطفال
إنّ بقاء الجنس البشريّ وتربية أجيال للمستقبل هدفان مُهمّان للزواج شدّد عليهما الإسلام. فقد شجّع النبيّ (صلى الله عليه وآله) المسلمين على الإقدام على الزّواج مؤكِّدًا على مسألة التناسل، ومعتبرًا إيّاها موضع اعتزاز له فقد قال (صلى الله عليه وآله): «تَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ...»[2]. وإنّ أغلب الناس يَوَدّون أن يستمرّ جنسهم البشريّ، وأن يكون لهم أبناء. وهذا الشعور موجود عند المرأة أكثر منه عند الرجل، لأنّ رغبتها بالإنجاب تكون أشدّ من رغبة الرجل بالغالب.
كما اهتمّ الإسلام كثيرًا بحاجة المرء النفسيّة إلى الأبناء، فيُلاحظ وجود عدد كبير من الأدعية الّتي كان يعلّمها الأئمّة (عليهم السلام) لأصحابهم بهدف الإنجاب، لأنّ الولد زينة الحياة، وسبب من أسباب السّعادة والهناء للوالدَيْن. فقد ورد في الحديث: «من سعادة الرجل أن يكون له ولد يستعين بهم»[3].
وتشير الدّراسات إلى أنّ حرمان الأطفال عاطفيًّا من حماية كلا الوالدَيْن أو أحدهما ينطوي على تداعيات لا يمكن جبرها. ويمكننا ملاحظة ذلك في الدّراسات التي تجري حول العوائل المفكّكة أو المنفصلة، إذ تُشير إلى ارتفاع معدّلات الأمراض النفسيّة والسلوكيّة،
[1] راجع: مطهّري، الشهيد مرتضى، التعليم والتربية في الإسلام، ترجمة: أحمد القبانجي، قلم مكنون، إيران - قم المشرّفة، 1385ه.ش، ط1، ص221 - 222.
[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1379ه.ق- 1338ه.ش، لا.ط، ص291.
[3] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص2.
29
19
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
والانتحار، والإدمان بين العوائل الفاقدة لأحد الأبوَيْن. وتُشير هذه الدّراسات أيضًا إلى ارتفاع معدّل الطّلاق وازدياد نسبة تعرّض الولد للأمراض النفسيّة، والأمراض الّتي تتعلّق بالمشروبات الكحوليّة، والمخدّرات إلى ضعفَيْن.
وتؤيّد الدراسات الآثار السلبية لغياب الأب في نموّ الرجولة، والنجاح في الدّراسة، والشهامة الاجتماعيّة للابن. وترتفع نسبة الغضب وعدم الثقة بالنفس، والاضطرابات النفسيّة، واللّجوء إلي الإجرام، والاكتئاب عند هؤلاء[1].
الحصانة والعفة الأخلاقيّة
من الأهداف الّتي يؤكد عليها الإسلام مسألة المحافظة على العفّة، والأخلاق الفرديّة والاجتماعيّة: «أفضل العبادة عفّة البطن والفرج»[2]، لأنّ الشباب غالبًا ما يفشلون في ضبط رغباتهم الجنسيّة، الأمر الّذي يدفعهم إلى التورّط في ممارسات غير أخلاقيّة وغير شرعيّة. فالزّواج هو خير سبيل للوقاية من هذه الممارسات والمحافظة على العفّة، وعلى الأخلاق الفرديّة والاجتماعيّة: «من أحبّ أن يلقى اللَّه... طاهرًا مطهّرًا فليلقه بزوجة»[3]. لذا، يرى الإسلام في الزّواج ضرورة حيويّة للّذين يتمتّعون برغبات جنسيّة جامحة: «تزوّج وإلّا فأنت من المذنبين»[4]. وتُلقى لائمة عدم الزّواج على الفرد نفسه، وعلى الّذين قصّروا في تيسير أمر زواجه. وقد ورد في أحاديث الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) أنّ عدم زواج شخصَيْن يملکان المواصفات اللّازمة، ومنها: التديّن، والتحلّي بالأخلاق والتقارب، سيؤدّي إلى الإثم واستشراء الفساد في الأرض: «إذا جاءکم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه إلّا تفعلوه تکن فتنة في الأرض وفساد کبير»[5].
[1] راجع: محبّي، سيدة فاطمة، الغرب وظاهرة الأسر ذات الوالد الواحد، ترجمة: هاجر حسيني؛ فاطمة بختياري، مجلة المرأة، عدد 24.
[2] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.
[3] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، مصدر سابق، ص291.
[4] الشيخ السبزواري، معارج اليقين في أصول الدين، مصدر سابق، ص272.
[5] الشيخ الکليني، الکافي، مصدر سابق، ج5، ص347.
30
20
الدّرس الثّاني: أهداف الزّواج في الإسلام
الأفكار الرئيسة
- الإسلام منهج اعتقاد وإيمان قلبيّ ومنهج حياة إنسانيّة واقعيّة في آنٍ معًا.
- يمنع الزّواج من الوقوع بالاضطراب والتوتّر، لأنّه يلبّي الاحتياجات الجنسيّة المسبّبة للتوتّر.
- أحد أهمّ أهداف الزّواج تحقيق السكينة والطمأنينة لكلا الزّوجَيْن، وقد اعتبرهما القرآن الكريم كالنّفس الواحدة.
- استخدم القرآن تعبير «اللّباس» في وصف العلاقة الزّوجيّة، ما يعني أن كلًّا من الزّوج والزّوجة يكون لباسًا واقيًا وحافظًا للآخر.
- من أهداف الزّواج المُهمّة نموّ الشخصية وكمالها المعنويّ والدينيّ، وهذا ما عبّرت عنه الرّوايات بوضوح.
- يوفّر الزّواج البيئة الصالحة لتربية الأطفال، ويؤدّي إلى استقرارهم نفسيًّا ومعنويًّا.
31
21
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
1. يفهم المعايير الّتي ينبغي لكلٍّ من الزّوجَيْن اعتمادها في اختيار الآخر.
2. يعرف الصفات الّتي ينبغي توفّرها في الزّوجة من خلال الرّوايات.
3. يعرف الصفات الّتي ينبغي الحذر منها في من يُراد تزوّجها في الرّوايات.
32
22
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
تمهيد
نتناول في الدرسين الثالث الرابع المواصفات المطلوبة الّتي يجب توافرها في كلّ من يريد أن يكون زوجًا أو تكون زوجة، وهي ممّا ينبغي أن يسعى إليها كلّ شاب وفتاة، ليتمّ التحلي والتلبّس بها من أجل أن يكون زوجًا صالحًا، وتكون هي زوجة صالحة. فهذه المواصفات هي برنامج عمل ينبغي السّير عليه في بناء شخصيّتهما للوصول إلى كمال الزّوجيّة والأبوّة والأمومة.
وهنا يأتي السؤال: ما هي المعايير والمقاييس الّتي ينبغي لكلٍّ من الزّوجَيْن اعتمادها في اختيار الآخر؟ وما الّذي قدَّمته النصوص الإسلاميّة في هذا الميدان؟
إنّ استقراء النصوص يجعلنا نخرج بنتيجة مفادها الجواب بالإثبات على وجود أطروحة متكاملة حول المعايير الّتي ينبغي اعتمادها في عمليّة اختيار كلٍّ من الزّوجَيْن للآخر.
ومن الواضح أنّ هذه الأطروحة تساعد الفرد البالغ المؤهّل للزّواج، والّذي يُعاني من ضغوط نفسيّة کثيرة تجاه قضيّة الزّواج، كالخوف، والتوتّر من المسائل الاقتصاديّة، وصفات الزّوجة المستقبلية. لذا يُمثِّل التوکّل على اللَّه، والعمل بوصايا أخرى، کإقامة رکعتين من الصلاة، والتوبة، والدّعاء، راجيًا زوجة صالحة وزوجاً مناسبًا دعمًا نفسيًّا هامًّا وضروريًّا للإنسان لمجابهة الضغوطات النفسيّة المتعلّقة بهذه الفترة.
المواصفات الّتي ينبغي توفّرها في الأنثى
من الأمور التي أودعها اللَّه -تعالى- في الإنسان أنْ جعل من الذكر عنصراً باحثاً عن الأنثى، ومن الأنثى عنصراً مبحوثاً عنه في إرادة بناء بيت الزّوجيّة، لذا سنقدّم الحديث عن الأنثى لأنّها العنصر المطلوب والمرغوب فيه، ونثنّي بالحديث عن الذكر لكونه العنصر المتعلّم في عمليّة تكوين الأسرة.
34
23
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
والصفات الّتي سنذكرها ينبغي أن تشكِّل منظومة القيم الحاكمة في البيئة الأسريّة الّتي يعيش وينشأ فيها الطفل، كي تزرع وتنمو في هويّته.
ونلفت النظر، إلى أنّ بعض المواصفات المذكورة وردت في الرّوايات كمعايير للاختيار قبل الزّواج، وبعضها كمواصفات ينبغي أن تتحلّى بها الزّوجة في بيت الزّوجيّة. ولكن بسبب ما أشرنا إليه من أنّ الصفات النفسيّة والخصائص الذاتيّة لا تولد في الإنسان لحظة زواجه، ستكون هذه الصفات من معايير الاختيار أيضًا.
وهذه المواصفات أيضًا، هي على أنواع: منها ما يتعلّق بالجانب البدني والجسدي، ومنها ما يتعلّق بالجانب الذهني والعقلي، ومنها ما يتعلّق بالجانب الوجداني والقلبي، ومنها ما يتعلّق بالجانب السلوكي والمهارات، ومنها ما يتعلّق بالجانب البيئي-الاجتماعي.
صفات الزّوجة في الروايات الشريفة
العلاقة الزّوجيّة ليست علاقة طارئة أو صداقة مرحليّة، وإنّما هي علاقة دائمة وشركة متواصلة للقيام بأعباء الحياة الماديّة والروحيّة، وهي أساس تكوين الأسرة الّتي ترفد المجتمع بجيل المستقبل، وهي مفترق الطّرق لتحقيق السعادة أو التعاسة للزوج والزّوجة وللأبناء وللمجتمع. لذا، فينبغي للرجل أن يختار من تضمن له سعادته في الدنيا والآخرة.
وتتحدّث الرّوايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، بالتفصيل عن صفات الزّوجَيْن، وتشكِّل بمجموعها منظومة متكاملة، سنعرضها على شكل طوائف بحسب الصفات الّتي ينبغي توافرها في الزّوجة، وهي:
أ. الصفات الدينيّة والأخلاقيّة
1. الفتاة المؤمنة المتديِّنة:
- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «أتى رجلٌ النبيَّ (صلى الله عليه وآله)يستأمره في النكاح. فقال له رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): انكح، وعليك بذات الدين، تربت يداك»[1].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص332.
35
24
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): عليكم بذات الدين»[1].
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «حدّثني جابر بن عبد الله: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من تزوّج امرأة لمالها وكله اللَّه إليه، ومن تزوّجها لجمالها رأى فيها ما يكره، ومن تزوجها لدينها جمع اللَّه له ذلك»[2].
- عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلّا لجمالها لم ير فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكله اللَّه إليه، فعليكم بذات الدين»[3].
- وعن ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الناصب الذي قد عرف نصبه وعداوته هل يزوجه المؤمن وهو قادر على رده؟ قال: «لا يتزوج المؤمن ناصبة»[4].
وقد أفتى الفقهاء بناءً على هذه الروايات وغيرها بشرطيّة الزّواج من المسلمة باعتبارها ذات الدّين، وعدم الزّواج من غير المسلمة.
2. الفتاة الّتي تتحلّى بحسن الخُلق والأدب:
عن إبراهيم الكرخي قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة، وقد هممت أن أتزوج، فقال لي: «انظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرك، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق...»[5].
3. المرأة الّتي تحفظ زوجها في نفسها وماله:
- ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال: «ما أفاد عبد فائدة خيرًا من زوجة صالحة، إذا رآها سرّته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله»[6].
[1] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1364ه.ش، ط3، ج7، ص399.
[2] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص400.
[3] المصدر نفسه، ص399.
[4] الأشعري القمي، أحمد بن محمد بن عيسى، النوادر، مدرسة الإمام المهدي |، قم المشرّفة، 1408هـ، ط1، ص130.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص323.
[6] المصدر نفسه، ص327.
36
25
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
- وعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، قال: «ما أعطي أحد شيئًا خيرًا من امرأة صالحة، إذا رآها سرّته، وإذا أقسم عليها أبرّته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله»[1].
4. المرأة الّتي تعاون زوجها وتطيعه:
- عن الإمام الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): من أعطي أربع خصال في الدنيا، فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، وفاز بحظه منهما: ... وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة»[2].
- عن جابر بن عبد اللَّه، قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: «إنّ خير نسائكم: الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحصان[3] على غيره، الّتي تسمع قوله، وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذّل الرجل»[4].
- عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): خير نسائكم الخمس، قيل: وما الخمس؟ قال: الهيّنة، الليّنة، المؤاتية[5]، الّتي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمّال اللَّه، وعامل اللَّه لا يخيب»[6].
5. المرأة الّتي تحفظ أسرار الزّوجيّة:
عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن
[1] ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ج1، ص11.
[2] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1414ه.ق، ط1، ص577.
[3] الحصان -بالفتح-: المرأةالعفيفة، راجع: ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1364ه.ش، ط4، ج1، ص397.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص324.
[5] المؤاتاة: حسن المطاوعة والموافقة، راجع: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج1، ص22.
[6] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص325.
37
26
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «نهى رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)... أن تحدِّث المرأة المرأة بما تخلو به مع زوجها»[1].
6. المرأة العفيفة:
عن جابر بن عبد اللَّه، قال: «كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: إن خير نسائكم: ...العفيفة»[2].
ب. الصفات النفسية:
1. المرأة الحنونة والعطوفة مع زوجها:
- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): خير نساء ركبن الرحال[3]: نساء قريش، أحناهن على ولد، وخيرهن لزوج»[4].
- وعن الحارث الأعور، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير نسائكم: نساء قريش، ألطفهن بأزواجهن، وأرحمهن بأولادهن...»[5].
- وعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «خير نسائكم نساء قريش، أعطفهنّ على زوج، وأحناهنّ على ولد»[6].
إنّ المورد وإن كان هو نساء قريش، إلّا أنّ مدحهن ووصفهن بالخيريّة ليس من جهة قرشيّتهن، حتّى يكون مقتضى المدح مقتصرًا عليهن بهذا العنوان فلا يشمل غيرهن، بل سبب المدح هو الموازنة بين اللّطف بالزّوج والرحمة بالأولاد، وكلّ من تحققت فيها هاتان الصفتان فهي مشمولة لعموم خير النساء، فذكر نساء قريش من باب ذكر المصداق البارز.
[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم المشرّفة، 1417ه، ط1، ص510.
[2] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص324.
[3] الرحال: جمع رحل، وهو مركب البعير. راجع: الفيروزآبادي، الشيخ محمد بن يعقوب الشيرازي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج3، ص383، ولعلّه كناية عن إذهاب العروس إلى بيت زوجها بناء على عادة العرب من إجلاس العروس على الإبل المرحل عند ذهابها إلى بيت زوجها.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص326.
[5] المصدر نفسه، ج5، ص326.
[6] المغربي، القاضي النعمان بن محمد، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، تحقيق وتصحيح: آصف الفيضي، إيران - قم المشرّفة، نشر مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، 1427 ه.ق، ط2، ج2، ص195.
38
27
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
2. المرأة ترعى زوجها وتظهر العشق له:
- عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لا غنى بالزّوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خِصال: صيانةُ نفسِها عن كل دَنَس[1]، حتى يطمئنَّ قلبُه إلى الثقةِ بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطتُه[2] ليكون ذلك عاطفًا عليها عند زَلَّة[3] تكون منها، وإظهارُ العشقِ له بالخِلابَة[4] والهيئة الحسنة لها في عينه»[5].
وقد رأى الفقهاء أنّه من جملة مصاديق نشوز الزّوجة عدم إزالة المنفِّرات. ولعلّ التأكيد على الهيئة الحسنة كصفة من الصفات الّتي يجب أن تحافظ عليها الزّوجة تأتي من هذا الباب.
ج. الصفات الجسدية:
1. المرأة ذات الجمال:
إنّ اعتبار الإيمان والتديّن والأدب وحسن الخُلق معيارًا في حسن اختيار الزّوجة، لا يلغي الاختيار على أساس الجمال والوسامة، فإنّ الميل إلى الجمال عنصر فطريٌّ في أصل تكوين الإنسان.
- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: «أفضل نساء أمتي، أصبحهنّ وجهاً...»[6].
- وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «إذا أراد أحدکم أن يتزوّج امرأة فليسأل عن شعرها کما سأل عن وجهها، فإنّ الشعر أحد الجمالَيْن»[7].
[1] الدنس هنا: هو الوسخ ونحوه حتى في الأخلاق، في مقابل الطهارة، فيقال مثلاً فلان طاهر، ولا يقصد به الطهارة الماديّة الجسديّة، بل الطهارة المعنويّة، أي ليس بصاحب دنس في الأخلاق، وصيانة النفس هنا بمعنى أن تصون المرأة نفسها عن كل فعل مشين وعمل قبيح يتنافى مع طهارة الحياة الزوجيّة في أحبّ بناء إلى اللَّه.
[2] الحياطة: الحفظ والرعاية والتعهد، ويقال فلان حاط فلان إذا حفظه وصانه ودافع عنه وعمل على تحقيق مصالحه.
[3] زلة: الزلّة تأتي بمعنى الخطيئة أي الذنب، وبمعنى الخطأ.
[4] الخلابة: أن تخلب المرأة قلب الرجل بألطف القول وأخلبه، وامرأة خلابة أي: مذهبة للفؤاد، وكذلك خلوب، راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص270.
[5] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، قم المشرّفة، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، 1404ه، ط2، ص323.
[6] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص324؛ المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج14، ص169، قوله: «امرأة ذات دين وجمال»، وقوله: «انظر إلي وجهها و کفّيها»، ج14، ص194.
[7] القاضي النعمان، دعائم الإسلام، مصدر سابق، ج2، ص196.
39
28
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
- وعنه (صلى الله عليه وآله)، قال: «تنكح المرأة لميسمها»[1]، [2] أي جمالها ووسامتها.
- وعن الإمام الصادق، عن أبيه L، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن من سعادة المرء المسلم أن يشبهه ولده، والمرأة الجملاء»[3]،[4].
لكن، على أن لا يكون الجمال والوسامة العنصرَيْن الأساسيين اللّذَيْن يتمّ الإقدام على خطبة الفتاة لأجلهما، لما ورد في النصوص من النهي عن ذلك، وبيان الأثر السلبيّ للاختيار على أساس أحاديّة هذا المعيار أي الجمال، وترجيح عنصر الدين والأخلاق كما تقدّم معنا.
2. المرأة الولود:
عن جابر بن عبد اللَّه، قال: «كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: إن خير نسائكم: الولود»[5].
3. المرأة البكر:
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، قال: «تزوّجوا الأبکار فإنهنّ أطيب شيءٍ أفواهاً»[6]. حيث تدل هذه الرواية على استحباب اختيار البكر للتزويج كما عنونها صاحب كتاب وسائل الشيعة. نعم هذا لا يدلّ على الأرجحيّة مطلقًا، إذ قد تتوافر المرأة الثيّب على مواصفات أخرى مطلوبة حثّ عليه الشارع المقدّس، ترجّحها في بعض الأحيان على الفتاة البكر.
4. الصفات الإدارية:
- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «خير نسائكم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ التي إذا أنفقت
[1] الميسم: على وزن مفعل، من الوسامة بمعنى: الجمال. يقال: وسمت المرأة وسامة، وإنّها ذات ميسم وجمال، راجع: الشريف الرضي، المجازات النبوية، مصدر سابق، ص54.
[2] الشريف الرضي، المجازات النبوية، مصدر سابق، ص54.
[3] الجملاء: على وزن فعلاء، بمعنى: المرأة الجميلة الحسناء، راجع: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405ه، لا.ط، ج11، ص126.
[4] الحميري القمي، عبد اللَّه بن جعفر، قرب الإسناد، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1413ه.ق، ط1، ص77.
[5] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص324.
[6] المصدر نفسه، ج5، ص334.
40
29
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمّال اللَّه وعامل اللَّه لا يخيب ولا يندم»[1].
- وعنه (عليه السلام) أنه قال: «من بركة المرأة خفّة مؤونتها»[2].
من هي المرأة الّتي لا أتزوّجها؟
ذكرت الرّوايات الصفات السلبيّة الّتي ينبغي أن يحذر منها ويبتعد عنها من يريد الزّواج، وهي:
1. لا أتزوّج امرأة حمقاء:
عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إيّاكم وتزويج الحمقاء، فإنّ صحبتها بلاء، وولدها ضياع»[3].
2. لا أتزوّج امرأة من منبت سوء:
عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «قام رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) خطيبًا فقال: أيّها الناس، إيّاكم وخضراء الدِّمن»[4].
قيل: «يا رسول اللَّه، وما خضراء الدِّمن؟»
قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء»[5].
3. لا أتزوّج امرأة من أجل الفخر والرّياء والسّمعة:
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، قال: «ومن نكح امرأة حلالًا بمال حلال، غير أنّه أراد بها فخرًا أو رياء، لم يزده اللَّه بذلك إلا ذلًّا وهوانًا، وأقامه اللَّه بقدر ما استمتع منها على شفير جهنّم، ثمّ يهوي فيها سبعين خريفًا»[6].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص325.
[2] المصدر نفسه، ص564.
[3] المصدر نفسه، ص354.
[4] الدمن: جمع دمنة، وهي ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها أي تلبده في مرابضها فربما نبت فيها النبات الحسن النضير، راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج4، ص248؛ ج13، ص158.
[5] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص332.
[6] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، مصدر سابق، ص282.
41
30
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
4. لا أتزوّج امرأة لجمالها ومالها فقط، وقد ذكرنا الرّوايات في ذلك.
5. لا أتزوج امرأة ذات صفات قبيحة ومنفِّرة:
- عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «شرّ الأشياء المرأة السَّوء»[1].
- وعنه (صلى الله عليه وآله)، قال: «أغلب الأعداء للمؤمن زوجة السّوء»[2].
- وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «ألا وأيّما امرأة لم ترفق بزوجها، وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق، لم يقبل اللَّه منها حسنة، وتلقى اللَّه -عزّ وجلّ- وهو عليها غضبان»[3].
- وعن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بشرار نسائكم: الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم، الحقود، الّتي لا تتورّع من قبيح، المتبرِّجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل منه عذرًا، ولا تغفر له ذنباً»[4].
6. المرأة الّتي تؤذي زوجها:
- عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل اللَّه صلاتها، ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه، وإن صامت الدّهر، وقامت، وأعتقت الرقاب، وأنفقت الأموال في سبيل اللَّه، وكانت أوّل من ترد النّار»، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): «وعلى الرجل مثل ذلك الوزر»[5].
- وعنه (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل اللَّه -عزّ وجلّ- منها صرفًا ولا
[1] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص240.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص390.
[3] المصدر نفسه، ج4، ص16.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص325.
[5] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، مصدر سابق، ص284.
42
31
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
عدلاً ولا حسنةً من عملها حتّى ترضيه، وإن صامت نهارها، وقامت ليلها، وأعتقت الرقاب، وحملت على جياد الخيل في سبيل اللَّه، وكانت في أوّل من يرد النار. كذلك الرجل إذا كان لها ظالمًا»[1].
[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص15.
43
32
الدّرس الثالث: معايير اختيار الشريك في الإسلام(1)اختيار الزّوجة
الأفكار الرئيسة
- يجب على من يريد الزّواج أن يبحث عن الصفات الإيجابيّة في الشريك.
- تتضمّن الرّوايات أُطروحة متكاملة حول المعايير الّتي ينبغي اعتمادها في عمليّة اختيار كلّ من الزّوجَيْن للآخر.
- ينبغي اختيار امرأة ذات دين تتحلّى بصفات خلُقيّة، ونفسيّة، وجسديّة، واجتماعيّة، وثقافيّة مناسبة.
- المرأة الحنون والعطوف والمؤمنة والخلوقة، والّتي تحفظ زوجها إذا غاب عنها، هي الزّوجة الصالحة التي أكّدت عليها الرّوايات.
- ينبغي عدم الزّواج من امرأة حمقاء، سيّئة، عاصية، حقود، قليلة الحياء.
- إنّ التدقيق في الصفات الإيجابيّة والسلبيّة تساهم في توفير السّعادة والاستقرار للحياة الزّوجيّة والأسريّة.
44
33
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
1. يشرح كليّات الصفات الّتي ينبغي توفّرها في الرجل (الزّوج).
2. يفسّر أسباب التأكيد على الزواج من صاحب الدين.
3. يعدِّد الصفات السلبية الّتي ينبغي الحذر منها في الرجل (الزّوج).
46
34
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
كليّات صفات الزّوج الصالح
اعتبر الإسلام أنّ الدّين وحُسن الخُلق معياران أساسيّان في اختيار الزّوج، بالإضافة إلى التقوى وعدم اقتراف الذنوب (الزنا وشرب الخمر). أمّا اقتصاديًّا، فإنّ قدرة الرجل على إدارة الأسرة والاتّصاف بالجود والسخاء معياران مهمّان أيضًا، وإن كان هناك نهي في الرّوايات عن إعطاء الأولويّة للمال أو المستوى الاجتماعي. أمّا فيما يتعلّق بالمعايير الأسريّة فتُعتبر العلاقة الطيّبة مع الوالدَيْن بالنسبة إلى الرجل معيارًا مُهمًّا. فمن البديهي أنّ الرجل الّذي يُغضب أبوَيْه لن يكون ناجحًا في إقامة علاقة زوجيّة مناسبة. وينصّ الإسلام في عملية اختيار الزّوج على مبدأ التكافؤ، أي التماهي والمماثلة. فمن المستحسن أن يكون الرجل والمرأة قريبَيْن بل متماهييْن في الصفات اللّازمة للزواج، وإنّ هذا الشرط الّذي شدّدت عليه الآيات والروايات يقوم على مبدأ التماثل الزّوجي الّذي يصطبغ بلون إيمانيّ وليس قومياً وطبقياً واقتصادياً ﴿وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِ﴾[1]. ويأتي بعد التماهي الإيماني حسب الترتيب، تقارب مستويات الإيمان والصفات الخلقيّة. وللاستدلال على ذلك نذكر رواية الإمام الصادق (عليه السلام): «لولا أن اللَّه -تبارك وتعالى- خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة، ما كان لها كفو على ظهر الأرض من آدم ومن دونه»[2]؛ لذا فمجرّد الإيمان ليس عاملًا كافيًا للتماثل والتماهي بين شخصَيْن.
[1] سورة النور، الآية 26.
[2] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص461.
48
35
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
الصفات الّتي ينبغي أن يتحلّى بها الزّوج في الرّوايات
الزّوج هو شريك عمر الزّوجة، وهو المسؤول عنها، وعن تنشئة الأطفال، وإعدادهم نفسيًّا وروحيًّا، وهو المسؤول عن توفير ما تحتاجه الأسرة من حاجات ماديّة ومعنويّة. لذا، يجب اختياره طبقًا للموازين الإسلاميّة، من أجل سلامة الزّوجة والأسرة من الناحية الخلقيّة والنفسيّة، لانعكاس صفاته وأخلاقه على جميع أفراد الأسرة من خلال المعايشة، فله الدّور الكبير في سعادة الأسرة أو شقائها.
أ. الصفات الدينيّة والأخلاقيّة:
1. الرجل المؤمن المتديِّن:
- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «... فقام إليه رجل فقال: «يا رسول الله، فمن نزوِّج؟»،
فقال: الأكفاء.
فقال: ومن الأكفاء؟
فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، المؤمنون بعضهم أكفاء بعض»[1].
- وعن عبد اللَّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام)عن الناصب الذي قد عرف نصبه وعداوته هل نزوجه المؤمنة وهو قادر على رده وهو لا يعلم برده؟ قال: لا يزوج المؤمن الناصبة ولا يتزوج الناصب المؤمنة»[2].
2. الرجل ذو الأخلاق الحسنة:
- كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر (عليه السلام) في أمر بناته، وأنه لا يجد أحدًا مثله.
فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام): «فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وأنّك لا تجد أحدًا مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك اللَّه، فإن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»[3].
- وعن إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) في التزويج؟ فأتاني
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص337.
[2] المصدر نفسه، ص349.
[3] المصدر نفسه، ص337.
49
36
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
كتابه بخطه: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوِّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»[1].
3. الإنسان الأمين:
عن الحسين بن بشار الواسطي، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أسأله عن النكاح؟ فكتب إليّ: «من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوِّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»[2].
وتجدر الإشارة بأن للأمانة قيمة بالغة في النصوص الإسلامية؛ لذا ورد عن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله)، قال: «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف، وطنطنتهم باللّيل، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»[3].
4. الرجل التقيّ، النقيّ، البارّ بوالديه:
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، قال: «ألا أخبركم بخيار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه قال: إنّ من خير رجالكم: التقيّ، النقيّ...البارّ بوالديه...»[4].
5. الرجل العفيف:
عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «الكفؤ أن يكون عفيفاً»[5].
ب. الصفات النفسيّة:
1. الرجل الّذي يصون زوجته ويكرمها:
- عن الإمام علي (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم»[6].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص337.
[2] المصدر نفسه، ص347.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص379.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص57.
[5] المصدر نفسه، ج5، ص347.
[6] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415ه.ق، لا.ط، ج13، ص313.
51
37
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
- وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال: «إنّما المرأة لعبة من اتّخذها فلا يضيّعها»[1].
- وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّما المرأة لعبة، فمن اتّخذها فليصنها»[2].
والتعبير في الروايات عن المرأة بأنها لعبة لكونها المؤنسة لوحدة ووحشة الرجل حيث تدخل على قلبه البهجة والسرور والسلوان، لذلك كان عليه في المقابل أن يصونها ويحفظها ولا يفرّط فيها لئلّا يخسر ما هو عليه وهو ما يشير إليه قوله (صلى الله عليه وآله) «من اتّخذها فلا يضيّعها»، دون أن يكون مقصود الروايات الإساءة إلى المرأة والتقليل من قيمتها وشأنها.
2. الرجل الغيور:
- عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن»[3].
- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «إذا أغير الرجل في أهله أو بعض مناكحه من مملوكه فلم يغر ولم يغير، بعث اللَّه -عزّ وجلّ- إليه طائرًا يقال له: القفندر، حتّى يسقط على عارضة بابه، ثمّ يمهله أربعين يومًا، ثمّ يهتف به: إنّ اللَّه غيور يحبّ كل غيور». فإن هو غار وغير، وأنكر ذلك فأنكره إلّا طار حتّى يسقط على رأسه فيخفق بجناحَيْه على عينَيْه، ثمّ يطير عنه، فينزع اللَّه -عزّ وجلّ- منه بعد ذلك روح الإيمان، وتسميه الملائكة الديوث»[4].
3. الرجل الكريم الميسور:
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، قال: «ألا أخبركم بخيار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: إنّ من خير رجالكم: ...السمح الكفين... ولا يلجئ عياله إلى غيره»[5].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص510.
[2] الطبرسي، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1392ه.ق - 1972م، ط6، ص218.
[3] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص322.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص535.
[5] المصدر نفسه، ج2، ص57.
52
38
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
- وعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «الكفؤ أن يكون عفيفاً ذا يسار»[1].
والمقصود من اليسار أي أن يكون ميسوراً بحيث يقدر على إيفائها حقوقها من مأكل وملبس وسكنى، فعن إسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): ما حق المرأة على زوجها الّذي إذا فعله كان محسنًا؟، قال: «يشبعها، ويكسوها»[2].
من هو الرجل الذي لا أتزوجه؟
ذكرت الروايات الصفات السلبية التي ينبغي الحذر منها في الرجل الذي يتقدم للزواج من الفتاة وهي:
1. لا أتزوّج رجلاً سيّئ الخلق:
عن الحسين بن بشار الواسطي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنّ لي قرابة قد خطب إليّ وفي خلقه سوء؟ قال: «لا تزوّجه إن كان سيّئ الخلق»[3].
2. لا أتزوّج الرجل الفاحش، البهات المفتري:
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، قال: «ألا أخبركم بشرّ رجالكم؟ فقلنا: بلى، فقال: إنّ من شر رجالكم: البهات[4]، الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده[5]، الضارب أهله وعبده، البخيل، الملجئ عياله إلى غيره، العاقّ بوالدَيْه»[6].
3. لا أتزوّج رجلاً بخيلاً:
عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): ملعون ملعون من ألقى كَلَّه على الناس، ملعون ملعون من ضيّع من يعول»[7].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص347.
[2] المصدر نفسه، ص511.
[3] المصدر نفسه، ص563.
[4] البهات: الّذي يبهت غيره أي يقذفه بالباطل ويفتري عليه الكذب، راجع: المازندراني، المولى محمد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421ه - 2000م، ط1، ج9، ص290.
[5] المانع رفده: أي عطاءه وصلته وعونه.
[6] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص400.
[7] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص12.
53
39
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
4. لا أتزوّج شارب خمر:
- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شارب الخمر لا يزوَّج إذا خطب»[1].
- وعنه (عليه السلام)، قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): من شرب الخمر بعد ما حرّمها اللَّه على لساني فليس بأهل أن يُزوّج إذا خطب»[2].
- وعنه (عليه السلام)، قال: «من زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها»[3].
5. لا أتزوّج من رجل لنسبه فقط:
عن علي (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوِّجوه». قلت: «يا رسول الله، وإن كان دنيًّا في نسبه؟»، قال: «إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»[4].
6. لا أتزوّج من فاسق:
عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: «من زوّج كريمته بفاسق نزل عليه كل يوم ألف لعنة ولا يصعد له عمل إلى السماء ولا يستجاب له دعاؤه ولا يقبل منه صرف ولا عدل»[5].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص348.
[2] المصدر نفسه، ص348.
[3] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص399.
[4] المصدر نفسه، ص394.
[5] الديلمي، الشيخ أبو محمد الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، انتشارات الشريف الرضي، إيران - قم، 1415ه - 1374ش، ط2، ج1، ص174.
54
40
الدّرس الرّابع: معايير اختيار الشريك في الإسلام (2) اختيار الزّوج
الأفكار الرئيسة
- الدّين وحُسن الخلق معياران رئيسان في اختيار الزّوج، باعتبار أنّ صاحب الدين والخلق الحسن يحفظ حقوق زوجته وأسرته ولا يضيّعهما.
- الأمانة والكرم وعدم اقتراف الذنوب صفات أساسيّة للزّوج وهي تتفرّع عن الدّين وحُسن الخلق.
- الغيرة في الرجل من العناصر والصفات المُهمَّة، إذ نهت الروايات عن الزّواج بالرجل غير الغيور، لأنّه يضيّع زوجه وأسرته.
- يجب على المرأة أن تدقِّق في من تريد التزوّج منه من خلال المعايير الّتي حدّدتها الرّوايات، وأن لا تُذعن للأعراف والتقاليد الّتي تتنافى مع القيم الإسلاميّة.
55
41
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
1. يعرف حقوق الزّوجة وواجباتها.
2. يعرف حقوق الزّوج وواجباته.
3. يقدّر الواجبات والحقوق الزّوجية.
57
42
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
فلسفة الحقوق الزّوجيّة في الإسلام
اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بمسألة الزواج حتى اعتبره من أحب الأمور إلى اللَّه -تعالى- فقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ما بُني في الإسلام بناء أحبّ إلى اللَّه -عزّ وجلّ- وأعزّ من التزويج»[1].
ولم يكتف ِبالإرشاد والحثّ عليه فحسب، بل قام بسنّ بعض الأسس والضوابط لهذا الرباط المقدس، من خلال تحديد دور كلّ من الرجل والمرأة في المؤسّسة العائليّة، وذلك بتفصيل التكليف الشرعيّ فيما يخصّ واجبات الزّوجَيْن وحقوقهما، وحقوق بقيّة الأفراد في المؤسّسة العائليّة ثانيًا.
وما ذلك إلّا لأنّ العلاقات الأسريّة القائمة على ركنَيْ الحقوق والواجبات من جهة، والقيم الأخلاقية من جهة ثانية، لها دورٌ كبير في توثيق أواصر الأسرة وتماسكها، وتحقيق سعادتها واستقرارها، وإيجاد البيئة النفسيّة والعاطفيّة الصحيّة داخل الأسرة، وهذا ما يمنح جميع أفراد الأسرة القدرة على التكيّف الجدّي مع أنفسهم، ومع أسرهم ومع المجتمع. ومن هذا المنطلق، فإنّ الحياة الزّوجيّة والأسريّة بحاجة إلى منهج تربويّ ينظّم مسيرتها، ويبيّن الحقوق والواجبات، ويوزّع الأدوار والوظائف، للمحافظة على تماسكها المؤثّر في الانطلاقة التربويّة الفاعلة في المجتمع.
وتتنوّع هذه الحقوق والواجبات بتنوّع أطراف العلاقات الأسريّة، وهي: واجبات وحقوق الزّوجَيْن، واجبات وحقوق الوالدَيْن، واجبات وحقوق الأبناء، واجبات وحقوق الأرحام.
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص222.
59
43
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
الحقوق والواجبات الزّوجيّة
تنقسم الواجبات والحقوق الزّوجيّة إلى ثلاثة أقسام: واجبات الزّوج تجاه الزّوجة (حقوق الزّوجة)، وواجبات الزّوجة تجاه الزّوج (حقوق الزّوج)، والواجبات المشتركة، وهذا ما سوف يأتي في الدرس اللاحق.
أولاً: واجبات الزّوج تجاه الزّوجة (حقوق الزّوجة):
للزّوجة في الإسلام مجموعة من الحقوق الثابتة الّتي ينبغي للزوج مراعاتها بوصفها من واجبات الزّوج تجاه زوجته وهي على قسمين:
أ. الحقوق الشرعيّة:
1. مهر الزوجة:
المهر أو الصِّداق حقّ ماليّ للمرأة يثبت لها بعقد النكاح، حتّى لو لم يُذكر في العقد ﴿وَءَاتُواْ
ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحلَةٗ﴾[1]، ولا يُشترط في ثبوت هذا الحقّ أيّ شرط، وهو حقّ للمرأة وواجب على الرجل، وهو أوّل أشكال التمايز الحقوقيّ بين الزّوج والزّوجة في النظام الإسلاميّ، وستأتي تفاصيل أحكامه أواخر هذا الكتاب في دروس فقه الزّواج.
2. النفقة:
كما يثبت للمرأة المهر بالزّواج، كذلك يثبت لها على الرجل حقّ النفقة وتأمين معيشتها بالشكل اللّائق. وهذا حقّ مُكتسب للمرأة ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُم عَلَىٰ بَعضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِن أَموَٰلِهِم﴾[2]. والفرق بين المهر والنفقة أنّ الأوّل يثبت نصفه بمجرد العقد حتى مع عدم تمكين الزوج من نفسها، وأمّا النفقة فإنّها حقّ لها ولكنه يسقط مع عدم التمكين. وهذا الحقّ لا ينحصر بالزوجة الفقيرة بل يعمّ الغنية أيضاً، بل ويثبت أيضًا حتّى في حالات الطلاق الرجعي[3] ما دامت المرأة في العِدّة.
[1] سورة النساء، الآية 4.
[2] المصدر نفسه، الآية 34.
[3] ما يكون للزوج الرجوع إليها في العدة دون عقد.
60
44
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
والنفقة الواجبة هي تأمين كلّ من الكسوة والطعام، والسكنى، وجميـع ما تحتاجه الزوجة في حياتها العاديّة، بما يتناسب مع مستواها العائليّ، فعن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): «ما حقّ المرأة على زوجها الّـذي إذا فعله كان محسنًا؟ قال: يشبعها ويكسوها...»[1].
3. حقّ المعاشرة الجنسيّة:
صحيح أنّ العلاقة الجنسيّة ليست هدفًا مستقلًّا للزّواج بالمنظور الإسلامي، إلا أنّ المشرِّع قد نظّم هذه العلاقة من خلال مجموعة من الواجبات والحقوق، والآداب والمستحبّات، وهو ما ينسجم مع طبيعة تكوين الإنسان. ولهذا عدّت المعاشرة الجنسيّة من حقوق الزّوجة على الزّوج، ولا يجوز للزّوج أن يحرمها منها. ولا بدّ أن يشبع رغبتها الجنسيّة بصورة كافية، فعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قـال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعجّلها»[2]، وعنه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): إذا جامع أحدكم أهله فلا يأتيهنّ كما يأتي الطير، ليمكث وليلبث (وليتلبّث)»[3].
وقد شدّد الفقهاء في الفتاوى على هذا الحق وفصّلوه في الكتب الفقهيّة، يقول صاحب الجواهر: «صرّح غير واحد من الأصحاب أنه لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، بل عن نهاية المرام هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في المسالك هذا الحكم موضع وفاق»[4].
4. عدم استخدام القسوة:
نهى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزّوجة عدم ضربها والصّياح في وجهها. ففي جوابه عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة،
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص510.
[2] المصدر نفسه، ص567.
[3] المصدر نفسه، ص497.
[4] الجواهري، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، تحقيق وتعليق: محمود القوچاني، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1366ه.ش، ط2، ج29، ص116.
61
45
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
قال: «حقّكِ عليه أن... لا يلطم، ولا يصيح في وجهك»[1]، وعنه (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بشرّ رجالكم»؟ فقلنا: بلى، فقال: «إنّ مـن شرّ رجالكم... الضـارب أهـله»[2]. وعنه (صلى الله عليه وآله): «حقّ المرأة على زوجها: أن...لا يقبّح لها وجهًا، فإذا فعل ذلك فقد أدّى واللَّه حقّها»[3].
ب. الحقوق الأخلاقيّة:
1. حُسن المعاشرة:
إنّ الحياة الزّوجيّة السّليمة هي الحياة الّتي يعيش فيها الزّوجان بتناغم وتفاهم كبيرَيْن، والعنوان الأبرز لهما هو: ألّا يسيء أحدهما للآخر، بل يحرصان على أن يكون الإحسان والمعروف هو الأصل الحاكم على سير الحياة الزّوجيّة بينهما، قال اللَّه -تعالى-: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلمَعرُوفِ فَإِن كَرِهتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكرَهُواْ شَئٗا وَيَجعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيرٗا كَثِيرٗا﴾[4]. ورُوِيَ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[5]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «رحم اللَّه عبدًا أحسن فيما بينه وبين زوجته، فإن اللَّه -عزّ وجلّ- قد ملكه ناصيتها وجعله القيّم عليها»[6]، بل ورد في الرّوايات أنّ مداراة المرأة وحسن صحبتها في التعامل قولًا وفعلًا، يؤدّي إلى صفاء الحياة والعلاقة المتبادلة، وذلك لأنّ التعامل الإيجابي من الرجل سيولِّد احترامًا متبادلًا من المرأة تجاهه، فقد جاء في وصية الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لمحمد ابن الحنفية: «إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، ليصفو عيشك»[7].
[1] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.
[2] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص400.
[3] ابن فهد الحلي، أحمد بن محمد، عدة الداعي ونجاح الساعي، تحقيق وتصحيح: أحمد موحدي القمي، نشر دار الكتب الإسلامي، لا.م، 1407ه.ق، ط1، ص91.
[4] سورة النساء، الآية 19.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص443.
[6] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص444.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص556.
62
46
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
2. الإكرام والرحمة:
من أدنى حقوق الزّوجة على زوجها إكرامها، والرّفق بها، وإحاطتها بالرّحمة، والمؤانسة. قال الإمام عليّ بن الحسين L: «وأمّا حقُّ رعيّتك بملك النكاح، فأن تعلم أنّ اللَّه جعلها سكنًا ومستراحًا وأُنسًا وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد اللَّه على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة اللَّه ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم في ما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرحمة، والمؤانسة...»[1].
3. الصّبر على إساءتها وغفران ذنبها:
قد يبتلى الزّوج لأسباب عديدة بسوء خلق زوجته، وما يترتّب عليه من آثار سلوكيّة سلبيّة. وهنا، لا بدّ للزّوج من مساعدتها والعمل على تهيئة البيئة المناسبة لمعالجتها والعودة إلى حياتها الطبيعيّة. ومن الخطأ الكبير أن يواجه الزّوجُ سوءَ خلق زوجته بالشدّة والقوّة، وهو ما نفهمه من الرّوايات التي تحثّ الزّوج على الصّبر على إساءة الزّوجة قولًا كانت أم فعلًا، فقد رُوِي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «مَنْ صَبَرَ عَلَى سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ وَاحْتَسَبَهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِ مَرَّةٍ يَصْبِرُ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَى بَلَائِه...»[2] ، وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق اللَّه رقبته من النّار، وأوجب له الجنّة»[3]، وعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «جاءت امرأة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فسألته عن حقّ الزّوج على المرأة، فخبّرها، ثمّ قالت فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري، ويطعمها من الجوع، وإن أذنبت غفر لها»[4].
[1] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص262.
[2] المصدر نفسه، ص214.
[3] المصدر نفسه، ص216.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص511.
63
47
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
4. التهيّئة (التزيّن) والتجمّل لها:
لا ينبغي للزوج ترك التهيئة والتجمّل لزوجته؛ فهناك العديد من النسوة اللواتي انحرفن عن جادة العفّة، بسبب إهمال أزواجهنّ لهذا الجانب الحسّاس من الحياة. فعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنَّ التّهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة»[1]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لا غنى بالزّوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي: ... واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها»[2].
ثانياً: واجبات الزّوجة تجاه الزّوج (حقوق الزّوج):
أمَّا حقوق الزّوج الّتي يجب على الزّوجة مراعاتها فهي أيضاً على نحوين:
أ. الحقوق الشرعيّة:
1. إطاعة الزّوجة لزوجها:
من الأمور الواجبة على الزوجة إطاعةُ الزّوجِ فيما يعتبر فيه إذنه، كأن لا تتصدّق من بيت زوجها إلّا بإذنه، وأن لا تصوم تطوّعًا أو تخرج من بيتها إلّا بإذنه وغيرها من الموارد الأخرى، ولذلك نرى النبي (صلى الله عليه وآله) قد تعرض لطاعة الزّوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات الّتي توجب دخول المرأة الجنة، فقد قال: «إذا صلّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت»[3].
2. تمكين الزوج من نفسها:
بما أن تلبية الاحتياجات الجنسية من أهداف الزواج في الإسلام، فقد أوجب اللَّه -تعالى- على المرأة أن تمكّن زوجها من نفسها، فلا تمنعه من ذلك. فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «لا يحلّ لامرأة أن تنام حتّى تعرض نفسها على زوجها، تخلع ثيابها، وتدخل معه في
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص56.
[2] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص323.
[3] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص201.
64
48
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
لحافه، فتلزق جلدها بجلده، فإذا فعلت ذلك فقد عرضت»[1]. وحرّم على الزّوجة أن تهجر زوجها دون مبرّر شرعيّ، فقد قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلّا أن تتوب وترجع»[2].
والمقصود من التّمكين هو أن تمكّنه من العلاقة الجنسيّة الخاصّة. وأمَّا سائر الأعمال الّتي تقوم بها الزّوجة في المنزل هي خارج مفهوم التّمكين وليست واجبة على الزّوجة وإنّما تؤدّيها تطوّعًا.
3. التزيّن والتجمّل لزوجها:
التزيّن والتجمّل والتنظّف من القيم والآداب الإسلاميّة الثّابتة الّتي ينبغي أن يتربّى عليها كلّ مسلم، وورد تخصيص وتأكيد على تزيّن الزّوجة وتجمّلها لزوجها؛ ولهذا، فمن الضروريّ جدًّا أن تراعي الزّوجة زينتها ومظهرها، وأن تتحلى بالمظهر اللّائق والتجمّل المناسب، فعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): لامرأة سألته عن حقوق الزّوج على زوجته، فقال: «عليها أن تطيّب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتتزيّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية»[3]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن: ... والهيئة الحسنة لها في عينه»، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا ينبغي للمرأة أن تعطِّل نفسها، ولو أن تعلّق في عنقها قلادة»[4].
4. عدم فعل ما يُسخط زوجها:
يحرم على الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه، فيما يتعلّق بالحقوق العائدة إليه، كإدخال بيته من يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو إسماعه الكلمات القبيحة وغير اللّائقة، فقد روي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل اللَّه منها
[1] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص238.
[2] المصدر نفسه، ص202.
[3] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص508.
[4] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص123.
65
49
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
صرفًا ولا عدلًا ولا حسنة من عملها حتّى ترضيه...»[1]، وعنه (صلى الله عليه وآله): «ويـل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها»[2].
ب. الحقوق الأخلاقية:
1. استقبال الزّوجة لزوجها:
حثّ النبي (صلى الله عليه وآله) المرأة على إصلاح شؤون البيت واستقبال الزّوج بأحسن استقبال، فقال: «حقّ الرجل على المرأة إنارة السّراج، وإصلاح الطعام، وأن تستقبله عند باب بيتها فترحّب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل...»[3].
2. الصّبر على أذى الزّوج وغيرته:
ينبغي للزّوجة أن تصبر على أذى الزّوج، فلا تقابل الأذى بالأذى، والإساءة بالإساءة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته»[4].
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص515.
[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان، 1404هـ - 1984م، لا.ط، ج2، ص14.
[3] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، 214.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص9.
66
50
الدّرس الخامس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (1)
الأفكار الرئيسة
- إنّ مراعاة الحقوق والواجبات الزّوجيّة يؤدّي إلى تحقيق غايات الحياة الزّوجيّة والأسريّة المُثلى.
- من حقوق الزّوجة على زوجها «المعاشرة بالمعروف» بحسب النصّ القرآنيّ، ومن أبرز مصاديق المعاشرة بالمعروف المداراة وحسن الصّحبة، والإكرام والرّحمة.
- العلاقة الجنسيّة الخاصّة حقّ من حقوق الزّوجة على زوجها، ومن حقوق الزّوج على الزّوجة تمكينه نفسها إن لم تكن في عذر مانع.
- المهر والنفقة اللّائقة من الحقوق الثابتة للزّوجة في الإسلام.
- إطاعة الزّوجة لزوجها، والتزيّن والتجمّل، والصّبر على أذى الزّوج وعدم إغضابه من حقوق الزّوج على زوجته.
67
51
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
1. يعدّد الواجبات المشتركة بين الزّوجَيْن.
2. يستدلّ على أرجحيّة الإدارة المشتركة للأسرة.
3. يشرح فلسفة قواميّة الرجل في الأسرة.
69
52
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
تمهيد
ذكرنا في الدّرس السّابق حقوق كل من الزّوجَيْن وواجباتهما، بحيث يجب على كلّ منهما أن يؤدّي واجباته ويحفظ حقوق الآخر ويراعيها، وإضافة إلى ما ذكر هناك حقوق وواجبات مشتركة بينهما ينبغي لكلٍّ منهما حفظها ومراعاتها في علاقته وتعامله مع الآخر، وذلك لأنّ الرجل والمرأة يسعَيان إلى تكوين حياة مشتركة بينهما، طبعًا مع وجود فروقات وخصوصيّة شخصيّة لكلّ واحد منهما، من قبيل: طبيعة الخُلُق، والمشاعر، والدّوافع، والقيم الخاصّة لهما. وينبغي للزَّوجَيْن من أجل الوصول إلى مطلب الانسجام التخلّي عن بعض المصالح والقناعات الّتي تتقاطع مع حقوق كلّ منهما.
تفهّم خصوصيّة الآخر
خلق اللَّه -تعالى- كلّاً من الرجل والمرأة، وأودع في الرجل خصوصيات تكوينيّة ونفسيّة تنسجم مع دوره ووظيفته كرجل وزوج، وأودع في المرأة خصوصيّات تنسجم مع دورها كأنثى وزوجة وأمّ. وهذا ما يجب أن يلتفت إليه كلاهما في سلوكه مع الآخر، فلا بدّ للرجل أن يلحظ في تعامله مع المرأة طبيعة الاختلاف التكويني لكل منهما، فإنّ شخصيّة المرأة تختلف عن شخصيّة الرجل في كثير من الجوانب، فالذي يطغى على شخصيّة المرأة النزعة الجماليّة والعاطفيّة خلافاً للرجل الذي تتسم شخصيّته بالإدارة والشهامة والبطولة؛ لذا، يتوجّب على الأخير أن لا ينظر إلى المرأة من منظار رجولي، فيتوقّع أن تكون متوائمة معه كما يريد «فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»[1].
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص510.
71
53
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
وإذا تعامل الرّجل مع المرأة وفق هذا الأسلوب، سينتهك شخصيّتها، ويُسبّب لها ضررًا نفسيًّا بالغًا، لذا عليه أن يعي هذا الاختلاف ويحترمه محاولًا التكيّف معه.
ومن الجانب الآخر، إنّ الرجال -وبسبب ظروفهم الاجتماعيّة الخاصّة- يتعرّضون أكثر من النساء للضغوط العمليّة والاجتماعيّة. فنظام الأسرة الإسلامي يعهد إلى الرجل القيام بإدارة الأسرة والنهوض بالأعباء الاقتصاديّة، وما يتبع ذلك من ضغوطات نفسيّة، ما يرشّحهم أكثر للانفعال والغضب ويعزّز ذلك طبيعة الرجل الجينيّة الّتي تقتضي الحزم والحدّة[1]. لذا، يجب على المرأة استيعاب هذا الواقع، وبالتّالي العمل على إقامة التوازن معه. وهذا ما يجعل من الرجل أكثر قوة عند مواجهته للتحديات والمشكلات فيتغلب عليها بمؤازرة المرأة.
وعليه فإنّ وعي الرجل والمرأة لطبيعة شخصيّة الآخر يساعد على انسجامهما وتآلفهما، فيقوم كل واحد منهما بإصلاح الجوانب السلبيّة في الطرف الآخر، ويسعى إلى تفعيل الجوانب الإيجابيّة، وإلّا فالعمل خلافًا لذلك، وإثارة الفروقات السلبيّة، وفرض القناعات الفرديّة على الآخر، يؤدّي إلى الشقاق والاختلاف[2]، ذلك لأنّ الأسرة كيان مكوّن من فرديّات مختلفة قبلت الانصهار في «الأنا» العامّ، وتعالت عن «الأنا» الفرديّ والضيّق. إنّ الاستهانة بفردانيّة كل من الزّوجين وفرض لون واحد على الأسرة مكرّسًا الهيمنة والسلطويّة يُسفر عن تكبّد أعضاء الأسرة خسائر باهظة، أقلّها الاستلاب، وأثقلها انهيار الأسرة.
المعاشرة بالمعروف
بعد تحقّق الانسجام والتطابق الأوليّ بتفهم خصوصيّة الآخر، يتعيّن على الزّوجَيْن الحفاظ على العلاقة المناسبة والمرضية بينهما. والمعيار في ذلك المعاشرة بالمعروف حسب ما حدّده القرآن: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلمَعرُوفِ﴾[3]. وقد استخدم القرآن ما يزيد عن عشرين
[1] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص82.
[2] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص82 نقلًا عن (خدابناهي، محمد كريم، روان شناسى فيزيولوﮊيك (سايكولوجية الفيسيولوجي)، ص302؛ Carslon, N., (صلى الله عليه وآله)hysiology Of Behavior, (صلى الله عليه وآله)(صلى الله عليه وآله). 479 - 500).
[3] سورة النساء، الآية 19.
72
54
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
مرّة[1] كلمة «المعروف» في حديثه عمّا ينبغي أن يحكم العلاقة بين الزوجين، وفيه دلالة واضحة عن اهتمامه بحفظ وئام الحياة الزوجية.
هذا، وقد ذُكر للمعروف تعاريف كثيرة، مع ذكر عدة مصاديق لكلّ من هذه التعاريف، لكن يبدو أنّ المعيار الأنسب للمعروف أنه ذلك السلوك الّذي يقبله الفاعلون الاجتماعيّون، ولا يتعارض مع الشريعة وحساسية الإنسان الطبيعيّة، وعليه تبنى طبيعة العلاقة بين الزّوجَيْن.
وتنطوي النصوص الإسلاميّة على وصايا للرّجل والمرأة توفّر الظروف المؤاتية للمعاشرة الحسنة، أمّا واجبات الرجل تجاه زوجته - فتتمثّل في مراعاة الأمور الآتية: التوفير الاقتصادي: و«يشبع بطنها ويكسو جثتها»[2]، وتلبية حاجاتها العاطفيّة: «فاشفقوا عليهنّ وطيّبوا قلوبهن»[3]، واحترامها وتقديرها[4]، وإقامة صداقة معها: «وأحسن الصحبة لها»[5]، والتسامح معها: «فدارها على كلّ حال»[6]، والصفح عن تصرُّفاتها غير اللّائقة: «وإن جهلت غفر لها»[7]، واعتبارها أمانة عنده «اتقوا اللَّه في النساء فإنهنّ عواري عندكم»[8]، فإذا اعتبرها كذلك ينبغي له أن يعاملها معاملة لائقة ولا يحق له تضييعها: «ثلاث لم يجعل اللَّه لأحد فيهنّ رخصة: أداء الأمانة...»[9] ، فحفظ الأمانة وعدم التفريط بها مقدمة لوجوب أداء الأمانة، فعن أبي اللَّه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ليس منّا من أخلف الأمانة»[10].
[1] راجع: سورة البقرة، الآيات 180، 228، 229، 231، 234؛ سورة النساء، الآيتان 19، 25؛ سورة الممتحنة، الآية 12؛ سورة الطلاق، الآيتان 2، 6.
[2] راجع تفسير: ﴿وَبِمَآ أَنفَقُواْ﴾، سورة النساء، الآية 34؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص440.
[3] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج14، ص253.
[4] راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص510.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص556.
[6] المصدر نفسه.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص511.
[8] الهندي، الفاضل محمد بن الحسن، كشف اللثام، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1416ه.ق، ط1، ج7، ص558.
[9] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص162.
[10] الفيض الكاشاني، المولى محمد محسن، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة، إيران - أصفهان، 1406ه.ق، ط1، ج18، ص824.
73
55
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
بل يرى الإسلام أنّ حبّ الرجل لزوجته ومعاملته الحسنة معها لا ينفصل عن إيمانه «ما أظنّ رجلًا يزداد في الإيمان خيرًا إلّا ازداد حبًّا للنساء»[1]، وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «خيركم، خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي»[2]. ثمّ إنّ المعاملة الحسنة مع الزّوجة تُعدّ مؤشّرًا لقرب الرّجل إلى الأئمّة (عليهم السلام): «كلّ من اشتدّ لنا حبًّا اشتدّ للنساء حبًّا...»[3].
وتُمثّل سيرة أولياء اللَّه (عليهم السلام) في تعاملهم مع زوجاتهم دروسًا لترويج السلوك المناسب في الأسرة، حيث كانوا يحترمون زوجاتهم ويؤدّون حقوقهنّ «إنّا نتزوّج النساء، فنعطيهنّ مهورهنّ فيشترين ما شئن ليس لنا منه شيء»[4]. ويكرّمون شخصياتهنّ روحيًّا ومعنويًّا حتّى إنّهم لا يتوانون عن طلب المساعدة منهنّ في بعض الأمور المعنويّة[5]. كما إنّهم يستمعون إلى كلمتهنّ في البيت ما لم تتعارض مع الشريعة[6]، ويقابلون غلظة بعضهنّ بصدر رحب.
ومن جانب آخر، فإنّ واجبات المرأة في الأسرة مُهمّة جدًّا، وأهمّ هذه الواجبات الّتي تُضاهي الجهاد لدى الرّجال صعوبة وقيمة هي تلبية الحوائج العاطفيّة والجنسيّة لزوجها: «جهاد المرأة حسن التبعُّل»[7]. ويعتبر بالنسبة إلى المرأة التعبير عن حبّها: «وإظهار العشق له بالخلابة»[8] تجاه زوجها من أهمّ واجباتها، كما إنّها أوصِيَتْ أن تكون تابعة لزوجها فيما يتعلّق بشؤون الأسرة طالما أنّه لم يُخالف شرعًا أو عرفًا: ﴿وَلَا يَعصِينَكَ فِي مَعرُوفٖ﴾[9].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص320.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص443.
[3] ابن إدريس الحلي، الشيخ أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد، مستطرفات السرائر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم، 1411هـ، ط2، ص636.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص476.
[5] المصدر نفسه، ج2، ص487.
[6] المصدر نفسه، ج4، ص446.
[7] المصدر نفسه، ج5، ص9.
[8] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص323.
[9] سورة الممتحنة، الآية 12؛ راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص528.
74
56
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
وطلب من النساء مقابل المسؤوليّات الكثيرة للرّجل أن يوفّرن قدر المستطاع رضى أزواجهنّ في شتّى أمور الأسرة. ويُعتبر هذا الأمر إسلاميًّا ركيزة قويّة في توثيق عرى الأسرة، ثمّ إنّ صبر المرأة وثباتها أمام المشاكل: «جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته»[1]، ودعمها لزوجها والتكافل معه اجتماعيًّا واقتصاديًّا[2] يخلق جوًّا مناسبًا لإقامة علاقات أسريّة ناجحة.
عمومًا، تتلخّص الواجبات المتبادلة بين الرجل والمرأة في الآية المباركة: ﴿وَلَهُنَّ مِثلُ ٱلَّذِي عَلَيهِنَّ بِٱلمَعرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٞ﴾[3].
المودّة والمحبّة المتبادلة
ينبغي أن تسود الحياةَ الزوجيَّة روح المودّة والمحبَّة والصَّفاء، لأنَّ الحياةَ الخالية من الحبّ لا معنى لها. والمودَّة، من وجهة نظر القرآن، هي الحبّ الفعّال لا ذلك الحبّ الّذي يطفو على السّطح كالزَبَد. فالحبّ المنشود هو الحبّ الّذي يضرب بجذوره في الأعماق، والّذي يظهر من القلب إلى الحياة بواسطة الأعمال. وإنّ الإسلام يُوجب أن نبرز عواطفنا تجاه من نُحبّهم، وهو أمر تتجلّى ضرورته في الحياة الزّوجيَّة. فالمرأة، كما يؤكِّد الحديث الشريف، لا تنسى كلمة الحبّ الّتي ينطقها زوجها أبدًا، فعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «قول الرجل للمرأة إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبدًا»[4].
وقد يبدو للبعض أنّ إظهار العاطفة بين الزّوجَيْن أمر يدعو إلى السخرية، انطلاقًا من كون المسألة واضحة لا تحتاج إلى دليل. ولكنّ حقيقة الأمر على العكس من ذلك تمامًا، فعلى الرغم من وجود العاطفة والحبّ بين الزّوجَيْن، إلا أنّ التعبير عنه أمر في غاية الضرورة، حيث يعزّز من قوّة العلاقات الزّوجيَّة ويزيدها متانة ورسوخًا.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص9.
[2] «امرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة»، راجع: البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1370ه - 1330ش، لا.ط، ج2، ص610.
[3] سورة البقرة، الآية 228.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص569.
75
57
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
يقول العلّامة الطباطبائي(قدس سره) في تفسيره الميزان، في تفسير قوله -تعالى-: ﴿وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحمَةً﴾[1]، «المودّة كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع، والّذي هو نوع تأثُّرٍ نفسانيٍّ عن العظمة والكبرياء... ومن أَجَلِّ موارد المودّة والرحمة: المجتمع المنزليّ، فإنّ الزّوجَيْن يتلازمان بالمودّة والمحبّة، وهُما معًا، وخاصّة الزّوجة، يرحمان الصغار من الأولاد لما يريان ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل، لرفع الحوائج الحيويّة، فيقومان بواجب العمل في حفظهم، وحراستهم، وتغذيتهم، وكسوتهم، وإيوائهم، وتربيتهم. ولولا هذه الرّحمة لانقطع النسل، ولم يعش النّوع قط»[2].
فالرابطة الزوجيّة يجب أن تقوم على أمتن العلاقات والقيم الإنسانيّة، من السكينة، والودّ، والحبّ، والرحمة والاحترام.
ومن آثار علاقة المودّة والرحمة هدوء الأعصاب، وسكن النفس، وطمأنينة الروح وراحة الجسد. وهي رابطة تؤدّي إلى تماسك الأسرة، وتقوية بنائها، واستمرار كيانها الموّحد. والمودّة والرحمة تؤدّيان إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعيّ في حلّ جميع المشاكل الطارئة على الأسرة. بل وهي ضروريّة للتوازن الانفعاليّ عند الطفل، فإنّ: «اطمئنان الطفل الشخصيّ والأساسيّ يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدَيْن ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليّات الحياة»[3].
ولهذا وجب على الزّوجَيْن إدامة المودّة في علاقاتهما في جميع المراحل، مرحلة الاقتران بعقد الزوجية والمراحل اللّاحقة بها، والمودّة فرض من اللَّه -تعالى- فتكون إدامتها استجابة له -تعالى- وتقرّبًا إليه.
[1] سورة الروم، الآية 21.
[2] العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج16، ص166.
[3] الدكتور سپوك، مشاكل الآباء في تربية الأبناء، المؤسّسة العربية للدراسة والنشر، لا.م، 1980م، ط3، ص44.
76
58
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
تفهّم قوّامية الرجل
وفقاً للرؤية الإسلامية فإن الرجل هو المفوّض في إدارة شؤون الأسرة واتّخاذ القرارات المصيريّة فيها حسب ما تقتضيه المصلحة، وهذا ليس امتيازًا للرجل، بقدر ما هو واجب اجتماعي لتوفير سعادة الأسرة. لذا، لا يجب أن يستغلّ الرجل هذا الأمر لأغراض فرديّة ضيّقة، بعيدًا عن مصلحة الأسرة ككلّ ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُم عَلَىٰ بَعضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِن أَموَٰلِهِم﴾[1] وفي هذه الآية إشارة إلى عنصرَيْن يُبرّران إعطاء صلاحيّات أوسع للرجل في إدارة الأسرة هما:
1. ﴿بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعضَهُم عَلَىٰ بَعضٖ﴾، ويُراد منه صبر الرجل وأناته، وضبطه لعواطفه، واتّخاذه القرارت على ضوء المصلحة.
2. ﴿وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِن أَموَٰلِهِم﴾ وهي الأموال الّتي ينفقها على الأسرة، والتعب الّذي يتحمّله في سبيل تحصيل النفقة.
وبالجمع بين هذَيْن العنصرَيْن يبدو إعطاء الصلاحيات الأوسع للرجل موافقًا للإنصاف، وذلك لأنّ كثيرًا من القرارات يتوقّف تطبيقها على إنفاق الأموال. أضف إلى ذلك، الحالات الّتي تمرّ بها المرأة، كالحيض والحمل، وما تعانيه خلالهما من آلام. تلك الحالات تدعو إلى التخفيف عن كاهل المرأة وعدم إثقالها وتحميلها ما يُتعبها، ويُعيق أداء دورها في تربية الأولاد، والاهتمام بشؤونهم الماديّة والمعنويّة.
فقوّامية الرجل تلقي على عاتقه مسؤولية تلبية الحاجات الجسديّة والنفسيّة للمرأة بالشكل المطلوب، مهيّئًا أسباب الطمأنينة والسكينة لها أولاً، وأن يوفر لها الحماية والأمن والاستقرار ثانياً، فالقوامة لا تلغي دور المرأة في الأسرة بل هي تقوم على إزالة الموانع والعوائق التي تمنع من تفعيل هذا الدور، وهذا من شأنه أن يجنّب الأسرة الفوضى والخلل في أداء الوظائف، وبالتّالي ضمان عدم تفكُّكها.
ولكن يبقى المنطلق الأساس لاتخاذ القرارات هو التشاور والتراضي حيث إنه الخيار الأكمل لتحقيق السعادة الأسريّة.
[1] سورة النساء، الآية 34.
77
59
الدّرس السادس: الحقوق والواجبات الزّوجية في الإسلام (2) الواجبات المشتركة للزّوجَيْن
الأفكار الرئيسة
- الواجبات المشتركة بين الزّوجَيْن هي مجموعة الواجبات الّتي ينبغي لكلٍّ من الزّوجَيْن مراعاتها في تعامله مع الآخر.
- يجب على كلّ من الرجل والمرأة تفهّم الخصوصيّة التكوينيّة والنفسيّة للآخر، والتعامل مع الآخر على أساسها.
- حدّد القرآن الكريم العلاقة المُثلى بين الزّوجَيْن على قاعدة ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلمَعرُوفِ﴾[1]، والمعروف يشمل جميع العلاقات الأسريّة.
- يوصي أهل البيت (عليهم السلام) في العديد من الأخبار بأن يحافظ الزّوجان على حياة ملؤها السّعادة والمتعة والهناء.
- «قول الرجل للمرأة إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً»، وهذا ترجمة عمليّة لقوله -تعالى-: ﴿وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحمَةً﴾[2]. والمودة هي الحبّ الفعّال والنشط من الطرفَيْن.
- لحفظ الهدوء والاستقرار في الأسرة، يجب أن يراعي الزّوجان مبدأ المشاورة والتراضي في قضايا الأسرة.
[1] سورة النساء، الآية 19.
[2] سورة الروم، الآية 21.
78
60
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
1. يتعرّف إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) في التعامل مع زوجاته.
2. يتعرّف إلى سيرة أمير المؤمنين(عليه السلام) في التعامل مع السيدة الزهراء(عليها السلام).
3. يتعرّف إلى سيرة باقي أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في التعامل مع زوجاتهم.
79
61
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
تمهيد
قد أمرنا اللَّه -سبحانه وتعالى- باتخاذ النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قدوة وأسوة ﴿لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٞ﴾[1] فنستقي من نبع سيرته المباركةمنهاجًا نسير على ضوئه فتتفتح لنا أبواب السعادة والراحة والسكينة، ومن تلك الأمور التي أُمرنا بالتأسي بها هي سيرته (صلى الله عليه وآله) مع زوجاته وأهل بيته وكيفية معاملته لهنّ؛ لجعلها منارة يهتدى بها، ومنظومة قِيَميّة راقية يسير بها كل من الزوجين في حياتهما الزوجية في سبيل المحافظة على استمرار المحبة والمودة بينهما وضمان تماسك الأسرة.
وقد أُمرنا أيضاً باتّباع سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لكونهم خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) والهداة من بعده فنحتذي بهم ونأخذ الدروس والعبر من سيرتهم (عليهم السلام).
سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع زوجاته
لقد وصف اللَّه -تعالى-رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) بقوله الجامع: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾، «والآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه (صلى الله عليه وآله) وتعظّمه غير أنّها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرةٌ إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعيّة المتعلّقة بالمعاشرة كالثبات على الحقّ والصبر على أذى النّاس وجفاء أخلاقهم والعفو والإغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك»[2]، ويندرج تحت هذا الوصف أخلاقه (صلى الله عليه وآله) مع أزواجه حيث كانت سيرتهم معهنّ تتصف بالرحمة والمودة والمعاملة الحسنة واللطف، وكان يقدّرهنّ وحريصًا على
[1] سورة الأحزاب، الآية 21.
[2] العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج19، ص369.
81
62
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
مشاعرهنّ فيما لا يسخط اللَّه -عزّ وجلّ-، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: «أحسن الناس إيماناً، أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي»[1]، وورد أيضاً أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال: «ألا خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[2]، ولطالما صبر على إيذاء بعضهنّ له وكان يعدّه مكرمةً حتى قال كما روي عنه: «من صبر على سوء خلق امرأة واحتسبه أعطاه اللَّه -تعالى- بكلّ مرّة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيّوب (عليه السلام)على بلائه...»[3].
سيرة الإمام عليّ والسّيدة فاطمة الزهراء (عليهما السلام)
لا بدَّ من التوقّف عند بعض المحطات من سيرة السيدة الزهراء (عليها السلام) في زواجها من أمير المؤمنين (عليه السلام).
1. مهر السيدة الزهراء (عليها السلام) وزفافها وشدّة حيائها: إن مهر السيدة الزهراء (عليها السلام) كان خمسمئة درهم من الفضّة[4]، وهو مهر السنّة، كما ثبت ذلك عن طريق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
ولمّا كانت ليلة الزفاف، أتى (صلى الله عليه وآله) وأخذ عليًّا (عليه السلام) بيمينه وفاطمة (عليها السلام) بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، وأخذ بيد فاطمة، فوضعها في يد عليّ، وقال: «بارك اللَّه لك في ابنة رسول اللَّه، يا علي، نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة، نعم البعل علي، انطلقا إلى منزلكما ولا تحدثا أمراً حتى آتيكما. قال علي (عليه السلام): فأخذت بيد فاطمة، وانطلقت بها حتى جلست في جانب الصفة، وجلست في جانبها، وهي مطرقة إلى الأرض حياء مني، وأنا مطرق إلى الأرض حياء منها»[5].
[1] زيد بن علي، مسند زيد بن علي، منشورات لبنان - بيروت، دار مكتبة الحياة، لا.ت، لا.ط، ص476.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص443.
[3] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، مصدر سابق، ص287.
[4] الدرهم الواحد يساوي 2.52 غراماً فضة، وعليه يكون المهر كالآتي: 500 درهم ×2.52 غراماً فضة = 1260 غراماً فضة.
[5] الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص43.
82
63
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
2. بيتهما: جهّز الإمام عليّ (عليه السلام) داره، وفرش بيته بالرّمل الليّن، ونصب خشبة من حائط إلى الحائط لتعليق الثياب عليها، وبسط على الأرض إهاب كبش ومخدَّة ليف.
3. تقاسمهما أعمال المنزل: روي أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) دخل على الإمام عليّ (عليه السلام)، فوجده هو والسيدة فاطمة (عليها السلام) يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أيكما أعيى؟ فقال علي: فاطمة يا رسول اللَّه فقال لها: قومي يا بنية، فقامت وجلس النبي (صلى الله عليه وآله)موضعها مع علي (عليه السلام) فواساه في طحن الحب»[1]، وعن أبي عبد اللَّه الصادق (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز»[2].
وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «إنّ فاطمة ضمنت لعليّ (عليه السلام)عمل البيت والعجن والخبز وقم البيت[3]، وضمن عليّ لها ما كان خلف الباب من نقل الحطب والطعام وأمثاله فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ فقالت: لا، والَّذي عظَّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاث إلَّا شيء نقريك به، قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: نهاني رسول اللَّه أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألي ابن عمّك شيئاً إن جاءك بشيء وإلَّا فلا تسأليه»[4].
4. تضحيات السيدة فاطمة (عليها السلام) أمام أسرتها: لقد كانت بنت النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) تبذل قصارى جهدها لإسعاد أسرتها، ولم تستثقل أداء مهامّ البيت مع كلّ الصعوبات والمشاقّ، حتى إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رقّ لحالها، وامتدح صنعها، وقال لرجل من بني سعد: «ألا أحدثك عني وعن فاطمة، إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله إليه، وإنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها،
[1] شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان)، الفضائل، منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها - النجف الأشرف، 1381 - 1962م، لا.ط، ص112.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص86.
[3] قم البيت: كنسه، راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص167.
[4] العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، إيران - طهران، 1422ه، ط1، ج1، ص171.
83
64
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد...»[1].
5. معونة الزّوج وإرضاؤه: لقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) تشجّع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه، حتّى قال الإمام عليّ (عليه السلام): «ولقد كنت أنظر إليها فتكشف عنّي الغموم والأحزان بنظري إليها»[2]. وكانت العلاقة العاطفيّة في هذه الأسرة شديدة العمق، فما أسخطته يومًا وما عصت له أمرًا. وقابلها الإمام عليّ (عليه السلام) بالاحترام والودّ نفسَيْهما، وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرّفيعة، حتّى قال: «فواللَّه ما أغضبتها ولا أكربتها من بعد ذلك حتّى قبضها اللَّه إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرًا»[3]، وكانت الممازحة والمحادثة العاطفيّة بينهما أمراً شائعاً في حياتهما الزّوجيّة[4].
6. لا تكلّفه ما لا يقدر عليه: عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم ساغبًا، فقال: «يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟ قالت لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين، فقال علي: يا فاطمة ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن إني لاستحيي من إلهي أن أكلّف نفسك مالا تقدر عليه»[5]. فكانت السيدة فاطمة (عليها السلام) تستوعب الظروف الاقتصاديّة الصعبة لزوجها وتحتملها بصبر وحلم، ولم تكن تفرض عليه شيئًا أو تلحفه
[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص320.
[2] الخوارزمي، الموفق بن أحمد، المناقب، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي - مؤسّسة سيد الشهداء (عليه السلام)، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1414ه.ق، ط2، ص353.
[3] المصدر نفسه.
[4] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص204 - 206.
[5] محمد بن سليمان الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، إيران - قم، 1412ه، ط1، ج1، ص201.
84
65
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
بطلب يفوق طاقته. ولهذا يشيد القرآن في مواقع كثيرة بهذه الأسرة[1] الّتي تُمثّل أفضل نموذج أسريّ يمكن الاحتذاء به.
السيرة الأسريّة لسائر الأئمّة (عليهم السلام)
يُمثّل سائر الأئمّة -أيضًا- في حياتهم الزّوجيّة نماذج عالية. إنّهم كانوا يُقدِّرون شخصيّة زوجاتهم ويحترمونهنّ، وكانوا يعاملوهنّ معاملة طيبة بالرغم من سوء سريرة بعضهنّ، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «كانت لأبي (عليه السلام) امرأة، وكانت تؤذيه، وكان يغفر لها»[2] حتّى إن بعضهنّ أقدمنَ على اغتيالهم (عليهم السلام)[3] ، وهذا يُبيّن مدى رفقهم وتسامحهم مع زوجاتهم رغم تزلّفهنّ. وكانوا مهتمّين بتزيين أنفسهم لزوجاتهم فعن الحسن الزيات البصري قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام)أنا وصاحب لي وإذا هو في بيت منجد وعليه ملحفة وردية وقد حف لحيته واكتحل، فسألناه عن مسائل فلما قمنا قال لي: يا حسن قلت: لبيك قال: إذا كان غداً فأتني أنت وصاحبك فقلت: نعم جعلت فداك، فلما كان من الغد دخلت عليه وإذا هو في بيت ليس فيه إلا حصير، وإذا عليه قميص غليظ، ثم أقبل على صاحبي فقال: يا أخا أهل البصرة إنك دخلت علي أمس، وأنا في بيت المرأة وكان أمس يومها والبيت بيتها والمتاع متاعها فتزيّنتْ لي على أن أتزيّن لها كما تزيّنتْ لي، فلا يدخل قلبك شيء، فقال له صاحبي: جعلت فداك قد كان والله دخل في قلبي شيء، فأما الآن فقد والله أذهب الله ما كان، وعلمت أن الحق فيما قلت»[4].
[1] آية التطهير: سورة الأحزاب، الآية 33؛ سورة الكوثر؛ سورة الإنسان، الآيات 5 - 22.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص441.
[3] تسمّم الإمام الحسن عن طريق زوجته جعدة، والإمام الجواد عن طريق أم الفضل. راجع: الحسني، السيد هاشم معروف، سيرة الأئمّة الإثني عشر، دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1411ه.ق - 1990م، ط6، ج1، ص563؛ ج2، ص448.
[4] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص448.
85
66
الدّرس السابع: سيرة النبي وأهل بيته(صلى الله عليه وآله) مع أزواجهم النموذج الأكمل للحياة الزوجية
الأفكار الرئيسة
- يجب التمسّك بسيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) في التعامل بين الزّوجَيْن. وقد صرّح النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّ أحسن الناس إيماناً، أحسنه خلقاً مع زوجاته.
- من الميّزات الأخلاقية للنبيّ (صلى الله عليه وآله)وآله (عليهم السلام) التعامل الحسن مع زوجاتهم.
- الحياة الزوجيّة للإمام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام أكمل نموذج يقدّم للزوجين.
- اتسمت سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مع أزواجهم بالتسامح والاحترام والمودة.
86
67
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
1. يشرح العوامل الدينيّة والإيمانيّة للخلافات الزّوجيّة.
2. يعرف العوامل الاجتماعيّة والثقافيّة للخلافات الزّوجيّة.
3. يفهم العوامل النفسيّة والاقتصاديّة المسبّبة للخلافات الزّوجيّة.
87
68
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
تمهيد
تعدّ الحياة الزوجية من أجمل المراحل التي يعيشها كل من الزوجين، حيث تؤمِّن لكلٍّ منهما حياةً عاطفية حميمة ومزيداً من السكينة والاستقرار النفسي، لكنّ هذه الحياة هي مرحلة مختلفة وجديدة على كلٍّ من الرجل والمرأة. فهي مرحلة تحمّل المسؤوليّات ومواجهة الصّعوبات والتحدّيات في بيئة عاطفيّة وأسريّة جديدة. ولهذا، وجب أن تقوم هذه الحياة على الوضوح والصراحة منذ البداية، ذلك أنّ الحياة الزّوجيّة سرعان ما تكشف جميع الحقوق، وتُظهر جميع الخبايا. إذًا، فالحياة الزّوجيّة يجب أن تقوم على الحقيقة والحق، وبعيدًا عن الخدع والأباطيل.
ومن الممكن أن يسعى الزّوجان في بداية حياتهما المشتركة إلى إخفاء بعض ميزاتهما الشخصيّة، سواء على صعيد العيوب أو الأذواق وغيرها، ويحاولان في تلك الفترة الحسّاسة أن يغضّا طرفَيْهما عن بعضهما البعض. وهذا ما يؤدّي إلى وقوع الخلافات والمشاكل الزّوجيّة.
نتحدث في هذا الدرس عن العوامل العامّة للمشاكل الزّوجيّة، والتي تتنوع بين دينيّة، واجتماعيّة، وثقافيّة، واقتصاديّة، ونفسية، وكلّ عامل من هذه العوامل له أسبابه وظروفه الّتي تلعب دورًا في حدوث الخلافات، أو تساهم في زيادة المشاكل الزّوجيّة. فما هي هذه العوامل، وما هو تأثيرها على الأسرة؟
العوامل الدِّينيّة
إنّ عدم مبالاة الزّوجين وأعضاء الأسرة بالمعتقدات الدينيّة والقيام بأعمال مخالفة
89
69
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
للشرع، من شأنه أن يزعزع العلاقات العاطفيّة الإيجابيّة ويتسبّب بالخلاف بينهم. إنّ تلك التصرُّفات والصفات والمشاعر الّتي تُعدّ من المعاصي إسلاميًّا تخلّ بعلاقات الزّوجَيْن وسائر أعضاء الأسرة بالغالب.
والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
- إنّ إيذاء الزّوجَيْن لبعضهما البعض، يشكّل عاملًا كبيرًا في انهيار بنية الأسرة.
- يُسبِّب الطعن في شرف النساء خاصّة الطاهرات منهنّ، بتوتير العلاقة بين الزّوجَيْن وإثارة الخلاف الشديد بينهما. لذا نهى الإسلام عن هذا التصرُّف بشدّة، ولم يُحذّر من شيء كما حذّر منه[1].
- كما يوفّر شرب الخمر -والّذي يجرّ أعمالًا مشينة وينطوي على تداعيات صحيّة ولاحقًا نفسية- الأرضيّة للخلاف الزّوجي والأسري، لذا ينهى الإسلام عنه بشدّة. ويمكن القول إنّ شرب الخمر يُلحق الضرر في جانبَيْن:
أوّلًا: يُخلّ بعلاقة الزّوجَيْن، كما يستدعي العنف والاعتداء الزّوجي ما يُضعف إحساسها الزّوجي والأمومي، ويحطّ مكانتها الاجتماعيّة.
ثانيًا: يُفسد علاقات الأبناء فيما بينهم، ويُؤدّي إلى قيامهم بسلوك شاذّ، ويُهيّئ التربة لتنشئـة جيل مريض، كما إنّه يمنع العناية بالأطفال، ويحول دون تأهيلهم للاندماج الاجتماعيّ. وفي نهاية المطاف، يُهدّد الأمان الاقتصاديّ للأسرة[2].
- إنّ عدم أداء الشعائر الدينيّة، خاصّة شعيرة الصلاة، يترك تدريجيًّا آثارًا سلبيّة على حياة الفرد.
- كما إنّ القيام ببعض التصرّفات الّتي نهى عنها الإسلام من قبيل الغيبة، والنميمة، يؤدّي إلى تصدّع العلاقات بين الأفراد، ويثير الخلافات الزّوجيّة والأسريّة.
[1] ﴿إِنَّ يَرمُونَ ٱلمُحصَنَٰتِ ٱلغَٰفِلَٰتِ ٱلمُؤمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأٓخِرَةِ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾، سورة النور، الآية 23.
[2] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص152 - 156.
90
70
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
- السلوك الآخر المخلّ بعلاقات الأسرة يتمثّل بالغناء واللّهو المحرّم شرعًا[1]. فإنّ الغناء المحرّم ينطوي على أقوال تُشير إلى الإيحاءات الجنسيّة أو الغراميّة، وعلى نغم وصوت يحيل إلى الأمر نفسه. فالاستماع إلى أغانٍ وأصوات من هذا النوع يُثير غرائز المرء الشهوانيّة، ويُعرّضه لاقتراف الإثم: «الغناء عشّ النفاق»[2] و«الغناء رقية الزناء»[3]. وفضلًا عن نزوعه إلى الشهوات، فإنّه يتغافل عن القيام بواجباته الأسريّة ما يُسبّب حدوث خلافات في الأسرة: «ثلاثة يُقسين القلب: استماع اللهو...»[4] ، «من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه»[5]، «لم يعقل من وله باللعب واستهتر باللهو والطرب»[6].
ثمّ إنّ اللهو قد يوهن من عزيمة الفرد: «اللهو يُفسد عزائم الجد»[7]، ويُثير العداوة والنزاع بين الأفراد: «أوّل اللّهو لعب وآخره حرب»[8]، وينال من إيمان الفرد: «مجالس اللهو تفسد الإيمان»[9]، و«المؤمن لا يلهو حتى يغفل»[10]، ويجعل الأفراد مستهترين: «من كثر لهوه استحمق»[11]، «أبعد الناس عن الصلاح المستهتر باللهو»[12]، ويُعرقل نجاح الإنسان وتحقيق أهدافه: «أبعد الناس من النجاح المستهتر باللهو والمزاح»[13]. يجدر القول إنّ الإسلام لم يُعارض اللّهو من حيث المبدأ بل أكّد عليه: «لهو المؤمن
[1] سقنا أدلة من القرآن وأحاديث المعصومين تحريماً لهذا السلوك، مثل: سورة الحج، الآية 30؛ وسورة لقمان، الآية 6؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج79، ص241 - 252؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص80.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص431.
[3] السبزواري، معارج اليقين في أصول الدين، مصدر سابق، 433.
[4] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص366.
[5] الموفق الخوارزمي، المناقب، مصدر سابق، ص620.
[6] الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، إيران - قم المشرّفة، 1418ه.ق، ط1، ص414.
[7] االمصدر نفسه، ص68.
[8] المصدر نفسه، ص112.
[9] المصدر نفسه، ص489.
[10] ابن أبي الدنيا، عبد اللَّه بن محمد، الهم والحزن، تحقيق: مجدي فتحي السيد، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1412ه - 1991م، ط1، ص70.
[11] الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص430.
[12] المصدر نفسه، ص120.
[13] المصدر نفسه، ص114.
91
71
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
في ثلاثة أشياء...ومفاكهة الإخوان...»[1] ، «الهوا والعبوا فإنّي أكره أن يُرى في دينكم غلظة»[2]، واستحسنه مع الأهل، ولكن بأسلوب مناسب بعيدًا عن الإفراط الّذي يخلّ بواجبات الفرد.
العوامل الاجتماعيّة والثقافيّة
عند دراسة الأسباب الاجتماعيّة والثقافية الّتي تؤدي إلى الخلافات الزّوجيّة، يمكن التوقف مع الأمور الآتية:
1. الخلفيّات الثقافيّة:
لكلّ أسرة خلفيّة ثقافيّة يستند عليها فهمها الخاص للأعراف، والتقاليد، وطريقة الارتباط والتعامل مع الآخرين. وإنّ كلّاً من الزّوجَيْن قد ترعرعا في أسرتَيْن مختلفتَيْن، ولكلٍّ منهما خلفيّات ثقافيّة وسلائقيّة ومعيشيّة مختلفة. لذا يتوجّب عليهما لتحقيق الانسجام أن يُضحّيا بتلك السمات الخاصّة لكلٍّ منهما، والّتي تعيق تقاربهما. ولا نقصد بالتضحية هنا أن تتخلّى الزّوجة أو يتخلّى الزّوج عن طريقة حياته الّتي تربّى عليها، بل أن لا يعتبر أنّ كلّ ما يحمله وما كان يعيش عليه في أسرته هو الصواب بعينه. وهو ما يتطلّب التضحية والتنازل تارة، والتفاهم أخرى، والصبر ثالثة. فهذه نقطة مهمة في الانسجام الزّوجي إن لم تُؤخذ بعين الحسبان، فلن يكون هناك تقارب وتفاهم زوجيّ حقيقيّ. وممّا لا شك فيه أنّ أنماط التربية تختلف من أسرة إلى أخرى، فتصرُّفٌ ما قد يكون مقبولاً عند بعض الأسر فيما يكون محظورًا في أسر أخرى، لذا يُعدّ التباين التربويّ مكمن الخلافات الزّوجيّة[3].
2. الجهل بخصوصيات الطرف الآخر:
إن لكلٍّ من الرجل والمرأة خصائصه ومميّزاته الجسديّة والنفسيّة الخاصة، وهذا ما سوف ينعكس على شخصيّة الإنسان وأفكاره ومواقفه، وبالتّالي على تفاعله مع الأحداث
[1] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص161.
[2] البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410ه - 1990م، ط1، ج5، ص247.
[3] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص147 - 150.
92
72
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
4. وسائل الإعلام والتواصل:
تُمثّل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ظاهرة اجتماعيّة تفوق العلاقات والمعاشرات الاجتماعيّة تأثيرًا على الأسرة. فقد أصبحت شاشة التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي مركزًا لاجتماعات الأسرة، وحواراتها وطريقة عيشها. وعلى أثر ذلك، من الطبيعي أن تتقلّص العلاقات في الأسرة لتصل إلى حدّ الانقطاع أحيانًا. ويُلاحظ أنّ نسبة مشاهدة التلفاز بين الأسر الفقيرة وذات المستوى الدراسيّ المتدنّي أكثر ارتفاعًا مقارنة بنظيراتها الثريّة والمتعلّمة الّتي تشغل أغلب أوقاتها في ممارسة الرّياضة، والسفر، وقراءة الكتب وما شابه ذلك[1]. لقد باتت مشاهدة التلفاز في الوقت الراهن تُضَعِّف التواصل في الأسرة، من هنا، يجب أن لا يُعمينا الجانب المضيء للتلفاز -كآثاره التربويّة، وتوعية الرأي العام، والتعليم، والتوجيه الصحيح وإعانة الناس، وحتّى توحيد الأسرة بجمع الأعضاء معًا في البيت- عن رؤية الجانب السلبي له. وكذا الحال في ما أصاب المجتمع من إدمان في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والّتي خلقت علاقات افتراضيّة مكثّفة ومتنوِّعة بين أفراد في الغالب لا يعرف بعضهم بعضًا، ولكن يتناقلون الغثّ والسمين من الأفكار والثقافات الّتي تستهلك الوقت، وتؤثّر على التفكير وطريقة الحياة والعيش، ما يؤدّي إلى دخول الكثير من القضايا المسبِّبة للنّزاع في الحياة الزّوجيّة والأسريّة.
5. تدخّل الآخرين:
من العوامل التي تلعب دورًا مهمًّا في الخلافات الأسريّة ويرتبط نوعًا ما بالخلفيّة الثقافيّة لأسرتَيْ الزّوجَيْن، هو تدخُّلات الآخرين في الشؤون الخاصّة للزّوجَيْن. فكثيرًا ما نجد الزّوجَيْن أو أحدهما يشرك الأقارب أو الأصدقاء بما يجري داخل الأسرة أو بين الزّوجَيْن. ما يؤدّي إلى تدخّل هؤلاء بنية الإصلاح أو استغلال الفرص لإيقاع الفتن وتأجيج المشاكل والخلافات بين الزّوجَيْن. لذا، فالحلّ الأمثل هنا يكون في التوافق المسبق على خصوصية وسرّية ما يجري بين الأزواج، إلّا عندما لا يمكن السيطرة على النزاعات والخلافات فلا بدّ من إشراك طرف ثالث.
[1] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص149 - 150.
94
73
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
العوامل الاقتصاديّة
يعود جزء كبير من الخلافات الأسريّة إلى المسائل الاقتصاديّة، ويُشكّل الفقر والبطالة عبئَيْن كبيرَيْن على الفرد خاصّة الرجل، ويعدّان عاملين مهمّين للخلاف والصدام. وقد تناولت النصوص الإسلاميّة ذلك مشيرة إلى ما تسفره من ضغوطات أسريّة وآثار سلبية في الدنيا والآخرة. وإنّ المتطلّبات المادّية الكثيرة يُمكنها أن تُسبّب الخلاف الأسري، فالرجل الّذي لا يستطيع تأمين متطلّبات أعضاء أسرته المتزايدة، إمّا أن يكون صدامي التعامل فيُسبِّب نزاعًا وشرخًا، وإمّا أن يكون معترفًا بعجزه فتفلت زمام الأمور من يده، وفي كلا الخيارَيْن النتيجة واحدة وهي حدوث الخلاف، وزعزعة أركان الأسرة.
ومن جهة أخرى، يؤدّي الاستهلاك والغنى المفرط والانغماس في الملذّات المادّية إلى طغيان الإنسان سلوكيًّا ﴿كَلَّآ إِنَّ ٱلإِنسَٰنَ لَيَطغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱستَغنَىٰٓ﴾[1]، وبالتّالي عدم انسجامه مع الآخر. وقد تُسبِّب الثروة السريعة للأسرة غرور أعضائها وطغيانهم، وبالتّالي نشوء الخلافات على أثر ذلك. فإنّ الاهتمام المفرط بالبهرجة والمظاهر يُبعد الأسرة عن إقامة علاقات إنسانيّة نبيلة. وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ»[2]، ويوقع أعضاءها في شرك الاستعباد، كما تُفرز هذه الحال استبدال القيم الدينيّة بالقيم واللذائذ المادّية الّتي يستحيل إشباع نهم الإنسان منها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «منهومان لا يشبعان: طالب دنيا وطالب علم...»[3]. ثمّ إنّ إنسانًا كهذا لن يكون راضيًا في علاقاته مع الآخرين، وشعور الشكر والتقدير لديه يكون ضعيفًا جدًّا ما يجعل علاقاته مع الآخرين باردة، وتتّسم بالفتور: «لا يجتمع المال إلّا بخصال خمس: بخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة»[4].
[1] سورة العلق، الآيتان 6 - 7.
[2] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص478.
[3] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 46؛ وفي البحار «منهوم علم، ومنهوم مال»، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص168.
[4] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص282.
95
74
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
العوامل النفسيّة
إنّ العوامل النفسيّة السلبيّة الّتي قد يبتلى بها الزّوجان تتمظهر في الكثير من السلوكيات الّتي تؤدي إلى وقوع الخلافات الزّوجيّة، منها:
1. التواصل السلبي:
تعود أسباب بعض خلافات الزّوجَيْن إلى طبيعة تواصلهما الكلامي وغير الكلامي، فثمّة عوامل دخيلة في تعامل الزّوجَيْن تخلّ بالعلاقة بينهما. مثلًا: يظنّ كثير من الأفراد أنّ الآخرين يفهمون ما يرمون إليه في كلامهم، فيلجؤون إلى الإيحاء والكناية، وبالتّالي لا تتّضح كلّ مقاصدهم. وإنّ عدم تسمية الأشياء بمسمّياتها يعرقل عملية التفاهم. ثمّ إنّ بعض الأشخاص لكي يوضحوا وجهات نظرهم، يستخدمون عبارات ذات شحنة تقييمية، تُصدر على المتلقّي أحكامًا تقييميّة قاسية، وهذا ما قد يُسبِّب خلافًا بين الأفراد.
كذلك قد يكون بعض الأشخاص شحيحي الكلام عند التعبير عن شكرهم وتقديرهم، لكنّهم إذا أرادوا انتقاد أحد ينهالون عليه بسيلٍ من الكلمات بأسلوب صريح ومباشر، وهذا أيضًا عامل مهمّ لنشوء الخلافات الزّوجيّة. وقد أشارت النصوص الإسلاميّة إلى الآثار المدمّرة للمشاجرات والمجادلات في العلاقات الإنسانيّة، إذ إنّها تُنكّد الحياة[1]، وتُضعف الروابط العاطفيّة بين الأفراد[2] وتجرّ إلى المخاصمة: «إيّاكم والمراء والخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الإخوان وينبت عليهما النفاق»[3]، وإلى مشاعر التفاضل، والتحاقد، وتنتهي بانتهاك الاحترام المتبادل: «مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِه فَلْيَدَعِ الْمِرَاءَ»[4]، وبالتّالي الانفصال. ولا يهدف الأفراد خاصة الأزواج -عادة- في السجالات الكلاميّة الّتي يغيب عنها وعي لغة الحوار والفهم، إلّا إلى إفحام الآخر والتغلُّب عليه. لذا، احترازًا لهذا الأمر ينصح الأفراد أن يتجنّبوا المجادلة حتّى لو جزموا أنّ الحقّ معهم: «وترك المراء وإن كان محقًّا»[5].
[1] عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصبِحْ لَيْلُه». الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص474.
[2] انظر: الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص300.
[3] المصدر نفسه، ص200.
[4] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص538.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص300.
96
75
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
ولا بدّ من ترك الأساليب المؤذية للآخر، فإنّ مثل القسوة في الكلام والاستعلاء على الآخرين، يشكّل حاجزًا سميكًا يحول دون التفاهم والتكافل في الحياة الزّوجيّة. وفي الأخير، إنّ ازدراء الآخر ومحاولة فرض الهيمنة والسطوة عليه، يُكبّد أعضاءها خسائر فادحة أقلّها الاستلاب وأكبرها انهيار الأسرة. لذلك، فإنّ النصوص الإسلاميّة أشبعت النرجسيّة قدحًا وذمًّا، حتّى إنّ ثمّة حديثاً يفيد أنّ من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر لن يدخل الجنة[1].
2. الاقتصار على المظاهر:
ما أكثر الّذين يبحثون عن المظاهر فقط لدى بحثهم عن شريك لحياتهم، إذ يقتصر همّهم على الجمال والمستوى الاقتصاديّ والزيّ وغير ذلك. ولكن، وبعد دخول الزّوجَيْن عالم الحياة الزّوجيّة، وحيث تضعهما الحياة المشتركة على المحكّ دائمًا تنتهي هذه المظاهر البرّاقة، ويكتشفان أنّ تلك المظاهر لا أثر لها ولا دور في خلق السعادة المنشودة.
إنّ تعاليم الإسلام الحنيف تؤكّد دائمًا على أن انتخاب الزوج يجب أن لا يتمّ على أساس الجمال والمال فقط، وأنّ الدين هو وحده أساس الاختيار في هذه المسألة البالغة الحساسيّة.
كما إنّنا نشاهد بعض الأفراد يُقدِمون على الزّواج انطلاقًا من مصالح معيّنة، أو من أجل أن يضعوا أيديهم على الثّروة، وفي مثل هذه الحالات وبعد أن يتحقّق هدفهم تنتهي جميع المبرّرات والأسباب الّتي أدّت إلى الزّواج، وتبدأ حياة النزاع والاختلافات.
إنّ الزّواج ليس وليد المصلحة. إنّه أسمى من ذلك، إنه لباس يستر الزوجين ويقيهما الكثير من المساوئ، قال -تعالى-: ﴿هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٞ لَّهُنَّ﴾[2].
3. الزواج بمن لا يهواه القلب:
يقدم بعض الناس على الزواج دون اعتبار لرغباتهم، وهذا ما يدفع بهم بعد الزواج إلى الانفصال والتخلي عن هذه العلاقة الزوجية؛ بسبب عدم الانسجام والتناغم بينهما،
[1] «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»، راجع: الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص310.
[2] سورة البقرة، الآية 187.
97
76
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
لذا نجد الروايات الشريفة تحثّ على الزواج بمن يهواه القلب، فعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: «قلت له: إني أريد أن أتزوّج امرأة وإن أبوي أرادا غيرها، قال: تزوّج التي هويت ودع التي يهوي أبواك»[1] وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)أنّه قال: «خير الجواري ما كان لك فيها هوى»[2].
فتعرّف كلّ من الزّوجَيْن إلى الآخر قبل الزّواج له أهميّة كبرى في استقامة الحياة الزّوجيّـة ونجاحها، وبالأخص معرفة الرجل بزوجته المستقبليّة. ويعدّ تشريع جواز نظر الرجل إلى المرأة -بشروط خاصّة- قبل العقد من التشريعات المتقدّمة في الدين الإسلاميّ، فقد رُوِي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لرجل من أصحابه وقد خطب امرأة: «انظر إلى وجهها وكفّيْها، فإنّـه أحـرى أن يُؤدَمَ بينكما»[3]؛ أي تجعل بينكما المودة والرحمة[4]، وفي بعض الرّوايات جواز النظر إلى شعرها وعنقها طبعًا ضمن شروط حدّدها الفقهاء بالتفصيل.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص401.
[2] المصدر نفسه، ص332.
[3] الزيلعي، جمال الدين، تخريج الأحاديث والآثار، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة، لا.م، 1414ه، ط1، ج3، ص83؛ «يُؤدَمَ بينكما: أي تكون بينكما المحبة والاتفاق. يقال أدَمَ اللَّه بينهما يأدِم أدْمـاً - بـالسكون -: أي ألَّفَ ووفَّق. وكـذلك يُـودمُ - بالمد - فَعَلَ وأفْعَل». ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج1، ص32.
[4] الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام، مؤسّسة المعارف الإسلامية، مؤسّسة المعارف الإسلامية، إيران - قم، 1413ه، ط1، ج1، ص40.
98
77
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
الأفكار الرئيسة
- تتعدّد المشاكل والخلافات الزّوجيّة بحسب العوامل المؤدّية إليها، والّتي تتنوّع بين العوامل الدينيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
- إنّ عدم مراعاة الزّوجين للمعتقدات والأحكام الدينيّة يؤدّي إلى ابتلاء الأسرة في الكثير من المشكلات والخلافات، والمصاديق على ذلك كثيرة.
- الخلفيّات الثقافيّة والاجتماعيّة للزّوجَيْن تكون سببًا للمشاكل فيما لو تمسّك بها الزّوج أو الزّوجة واعتبرها الحقّ بعينه.
- إنّ عدم حفظ خصوصيّات الزّوجَيْن، واطّلاع الآخرين عليها يؤدِّي إلى وقوع الخلافات الزّوجيّة بسبب تدخُّل الآخرين بهما.
99
78
الدّرس الثامن: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (1) العوامل العامّة
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
1. يشرح العوامل المؤدّية إلى الخلافات الزّوجيّة.
2. يعدّد العوامل المؤدّية إلى حصول الخلافات الزّوجيّة.
3. يحذّر من الوقوع والابتلاء في ما يؤدّي إلى الخلافات الزّوجيّة.
101
79
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
تمهيد
ذكرنا في الدرس السابق بعض العوامل الّتي تؤدّي إلى اضمحلال الأسرة وتدهورها، والّتي ينبغي الالتفات إليها وأخذها بعين الاعتبار، وفي مقابل ذلك، توجد عوامل وأسباب خاصة، ينبغي رعايتها هي الأخرى لتلافي وقوع الخلافات ونشوب النزاعات.
الغيرة غير المتوازنة والمبالغ بها
الغيرة صفة غريزية لا يخلو عنها في الجملة إنسان أيّ إنسان فُرض، فهي من فطريّات الإنسان، والإسلام دين مبنيّ على الفطرة تؤخذ فيه الأمور الّتي تقضي بها فطرة الإنسان، فتعدل بقصرها في ما هو صلاح الإنسان في حياته، ويحذف عنها ما لا حاجة إليه فيها من وجوه الخلل والفساد[1]. وقد ورد في العديد من الرّوايات الشريفة نسبة صفة الغيرة إلى اللَّه وبعض أنبيائه (عليهم السلام). كما ورد على لسان الملك في خطابه لإبراهيم (عليه السلام): «إنّ إلهك لغيور، وإنّك لغيور...»[2]. فالغيرة -كما اتّضح- هي صفة شريفة، ودليل صحّة وعافية، ولكنها يمكن أن تسبّب مشاكل كثيرة في الحياة الزّوجيَّة إذا خرجت عن حدّها المقبول والطبيعيّ، وتحوّلت إلى حالة مرضيّة.
1. غيرة الرجل:
ينبغي للرجل أن لا يصل في غيرته إلى حدٍّ تشعر الزّوجة معها بعدم الثّقة بها، فهنا ترفض المرأة هذا الواقع، وتطالب الرجل بإخراجها من هذا السجن الذي جعلها فيه،
[1] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص175.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص372.
103
80
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
بسبب شكوكه، حيث تشير بعض الروايات إلى أنّ هذه الغيرة إذا كانت في غير محلّها قد توصل المرأة إلى الانحراف. وهذا ما حذّر منه أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لابنه الحسن (عليه السلام): «إيّاك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السِّقَم، ولكنْ أحكِمْ أمرهنَّ، فإن رأيت عيباً فعجِّل النكيرَ على الكبيرِ والصغيرِ»[1]. وفي رواية أخرى، عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إن من الغيرة ما يحب اللَّه -عزَّ وجل-، ومنها ما يبغض اللَّه...، فأمَّا ما يحب اللَّه من الغيرة، فالغيرة في ريبة، وأمَّا ما يبغض اللَّه من الغيرة، فالغيرة في غير ريبة»[2].
2. غيرة المرأة:
إنّ الغيرة بمعناها السلبيّ من الأمراض الّتي يمكن أن تُبتَلى بها المرأة أيضًا، فتندفع من خلالها إلى القيام بخطوات سلبيّة تزعج الزّوج وتؤذيه، وتوتّر أجواء العائلة. وعندما تتحدّث الروايات عن الغيرة عند المرأة يُقصد الجانب السلبيّ منها الّذي له آثار سلبيّة ومؤذية حيث تدفع بالمرأة إلى تجاوز حدود اللَّه وعدم رعاية التقوى، لا تلك الحالة الإيجابيّة. رُوِيَ أنّ رجلاً ذكر للإمام الصادق (عليه السلام) امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «أغرتها؟»، قال: «لا»، قال: «فأغرها»، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إنّي قد أغرتها فثبتت»، فقال: «هي كما تقول»[3].
أمّا أسباب الغيرة عند المرأة فتختلف باختلاف أسبابها النفسيّة وغير النفسيّة، فيمكن أن يكون منشؤها إيجابيًّا، كما أشارت الرّواية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث سأله أحدهم: المرأة تغار على الرجل تؤذيه. قال: «ذلك من الحبّ»[4]. وهذا النوع من الغيرة لا بدّ أن تكون نتائجه غير ضارّة، لأنّ الحبّ من المفترض أن يكون سببًا لمزيد من المراعاة والبحث عمّا يُسرّ الآخر ويصلحه، لا سببًا للوقوع في المشاكل. ويمكن أن يكون منشأ الغيرة
[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص537.
[2] سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي، سنن سعيد بن منصور، حققه وعلق عليه: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص213.
[3] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص505.
[4] المصدر نفسه، ص506.
104
81
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
سلبيًّا، كما أشارت الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر، إنّ النساء إذا غِرن غضبن، وإذا غضبن كفرن، إلّا المسلمات منهنّ»[1]. ولكن، في النتائج كثيرًا ما تكون آثار الغيرة سلبيّة ومدمّرة، فالّتي تغار تفقد -غالبًا- تعقّلها، ويصبح الغضب والتوتر حاكمَيْن على تصرّفاتها، وتفقد الواقعيّة في تقييم الأمور، والعقلانيّة في التصرّف. وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنّ الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله»[2]. وعندما يفقد الإنسان بصيرته سيكون عرضة لكلّ أنواع المشاكل والسلبيّات.
الجهل بالحقوق المشتركة
لقد وضع اللَّه -تعالى- التشريعات لتنظيم العلاقة الزّوجيَّة والأسريّة، وجعلها على أفضل وجه، من أجل تأمين حياة دنيويّة سعيدة للبشر. وعندما يتخلّى الإنسان عن هذه الحدود الشرعيّة ويتجاوزها، فإنّه سيهدّد الحياة الزّوجيَّة برمّتها. من هنا، كان من الواجب على كلا الزّوجَيْن أن يتعرّفا أوّلًا إلى الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بحقوق كلٍّ منهما تجاه الآخر، وأن يحيط كلٌّ منهما علمًا بالحقوق الزّوجيَّة وآداب العلاقة الّتي ينبغي أن تحكم هذه الحياة الخاصّة ثانيًا، حتّى يتمّ تحصيل الحصانة اللّازمة الّتي تحمي بنيان الأسرة من التصدّع بالالتزام والممارسة العمليّة ثالثًا.
فأغلب حالات النزاع إنّما تنجم عن تجاهل أحد الطرفَيْن حقوق الطرف الآخر أو جهله بها. وقد ينشأ ذلك أيضًا من التوقّعات غير المحدودة لأحد الطرفَيْن.
البحث عن العيوب
قد ينشب النزاع في بعض الأحيان بسبب البحث عن العيوب أو التنقيب عن النقائص، فترى أحد الزّوجَيْن لا همّ له سوى ترصّد ومراقبة الطرف الآخر، فإذا وجد فيه زلّة ما شهّر به وعابه بقسوة. وهذه العادة والعداء لن ينجم عنهما سوى الشعور بالمهانة والإذلال، وسوف تدفع بالزّوج أو الزّوجة إلى الكراهية والحقد، وربما دفعت إلى التمرّد والنزاع أيضًا. ففي الحديث
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص505
[2] المصدر نفسه.
105
82
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
المرويّ عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «حَقُّ المرأة على زوجها أن يَسُدَّ جَوْعتَها وأَن يَسْتُرَ عَوْرَتهَا ولا يُقَبِّحَ لها وَجْهاً، فإذا فعل ذلك فقد واللَّه أدَّى حَقَّهَا»[1]. والمقصود منه هو التستّر على العيوب والأخطاء الّتي قد تقع فيها الزّوجة، فلا يعيِّرها بها، ولا يفضحها في مجالسه.
الأنانية
المشكلة الأخرى الّتي تعتري الحياة الزّوجيّة، هي الأنانية والسقوط في أسر الأهواء النفسيّة الّتي تمنعهم من الرّؤية الواضحة للأمور، بل يتعدّى الأمر إلى رؤية الحقائق مقلوبة تمامًا، ولو أنّهم خلوا إلى أنفسهم وفكّروا في سلوكهم وآرائهم بعيدًا عن روح الأنانيّة لتكشّفت لهم الحقيقة، وعندها تضمحلّ فرص الصّدام والنزاع.
عدم الاكتراث بحوائج الآخر
يؤدّي عدم الاكتراث بحوائج الآخر في العلاقات العاطفيّة إلى الشعور بعدم الرضى في الحياة. وقد يحصل أنّ الأفراد يقيمون علاقات متينة خارج المنزل، فيما علاقاتهم داخل الأسرة تتّسم بالبرودة والتوتّر.
فإنّ هكذا علاقات ممزّقة عاطفيًّا، لذا لا يجد أعضاؤها فيها حظًّا حميمًا يلبّي حوائجهم العاطفيّة، فيلجؤون إلى خيارات أخرى هروبًا من جو اللامبالاة السائد في الأسرة والمؤدّي في نهاية المطاف إلى النزاع والاستقطاب.
المشكلة الجنسيّة
يُمثّل عدم إشباع الرغبات الجنسيّة عاملًا آخر في الخلاف بين الزّوجَيْن. فإنّ عدم الاهتمام الجنسي بالآخر الّذي يعود إلى عجز أو عدم رغبة، أو برودة طبع الفرد، يزلزل أركان العلاقة الزّوجيّة ويُثير غضب وكراهية الزّوج أو الزّوجة من قرينه ومن الحياة، الأمر الّذي يدفع أحدهما تدريجيًّا إلى النشوز والاكتئاب. فمن المواقف الصعبة والحرجة الّتي يوضع فيها الزّوج هي عندما يكون قرينه غير قادر أو راغب جنسيًّا، فهو عليه
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص511.
106
83
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
أن يتحمّل مضطّرًا هذه المعاناة لاعتبارات اجتماعيّة واقتصاديّة وأسريّة وأخلاقيّة. ويعدّ المزاج السيّئ، والتذمُّر، والمغايظة الطويلة، والضرب، والتهديد بالطلاق، والشعور بالإرهاق والمرض، من تداعيات عدم الإشباع الجنسي بين الأزواج.
الشعور بالرتابة
ينبغي للزّوجَيْن السعي لتجديد حياتهما المشتركة وشحنها بكلّ ما يلفت النظر ويجلب الاهتمام. إنّ الشّقاء والتصدّع لا يطال الحياة الزّوجيّة إلّا عندما يشعر أحد الطرفَيْن أو كلاهما بالرتابة المملّة، وأنّه لا شيء جديد. ينبغي للزّوجَيْن الظهور لبعضهما بصورة لافتة للنظر، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف.
إخفاء الأسرار
يفضّل الزوجان أحياناً الاحتفاظ ببعض الأسرار أو القيام ببعض الأعمال الّتي من شأنها أن تغضب الطرف الآخر، كمعاشرة بعض الأشخاص أو اعتناق بعض الأفكار، أو إخفاء بعض الحقائق.
وهذا ما يجعل من الطرف الآخر يرمي باللوم على شريكه ويصب كامل غضبه عندما تظهر هذه الحقائق وتنكشف، فتنشب الخلافات والصراعات بينهما، مما سيضفي على الحياة الزوجية جوّاً من الاضطراب والنفور.
التدخل في الشؤون الخاصّة
لقد وضع الإسلام نظامًا للحياة الزّوجيّة، وعيّن حدودًا للزّوجَيْن، وأشار إلى حقوق وواجبات كلّ طرف منهما. وعليه، فإنّ على الزّوجَيْن التحرّك في إطار ما رسمه الإسلام لهما، وإنّ هناك مجالات معيّنة للتعاون، ولا ينبغي التدخّل في الشؤون الخاصّة إلّا إذا طلب الطرف المعني ذلك. فكثيرة هي النزاعات الّتي تنجم عن تدخّل أحد الطرفَيْن في الشؤون الخاصة للطرف الآخر.
107
84
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
عمل المرأة خارج المنزل
إنّ قضية عمل المرأة قد تُسبِّب الخلاف بين الزّوجَيْن، فعمل المرأة خارج المنزل مع المسؤوليّات الثقيلة المكلّفة بها في ثقافتنا تمنعها من القيام بواجباتها الأسرية كما يجب. وقد ينطوي عمل المرأة على استقلالها وانفصالها عن البيت، الأمر الّذي يزعزع كيان الأسرة، كما إنّ عدم تواجدها كثيرًا في المنزل يُفسد العلاقات العاطفيّة ويُسبِّب الخلافات.
ولا نقصد هنا أن تنعزل المرأة عن المجتمع، بل يجب أن تملك الكفاءة والقدرة اللّازمتَيْن فيما لو أرادت العمل والحضور الاجتماعي، لتُوازِن بين واجباتها الزّوجيّة والأسريّة وبين عملها وحضورها الاجتماعي، وإلّا لانعكس الأمر سلبًا على حياتها وأسرتها، وكان عملها سببًا لحدوث النزاعات الزّوجيّة وضياع الكثير من الفرص لبناء أسرة ناجحة.
الإرهاق الناشئ عن العمل
تنشأ بعض الاختلافات بسبب شعور أحد الزوجين بأن شريكه لا يقدّر مدى ما يعانيه من تعب وإرهاق في سبيل تحصيل لقمة العيش، فهو يشعر على الأقل بأنه وحيد دون سند أو حتى تشجيع، وفي هذه الحالة تتراكم في أعماقه المشاعر الدفينة والعقد التي سرعان ما تنفجر لسبب أو آخر على صورة نزاع أو خلاف حاد كفرصة للانتقام.
عدم التحمل
يوجد الكثير من الأفراد، بسبب التربية الخاطئة، لا طاقة لهم على التحمل والصبر، فهم يطمحون إلى العيش في دلال دائم يتطلب من الطرف الآخر المراقبة المستمرة وتنفيذ كل رغباته، وهو أمر لا يمكن توافره دائماً لدى الطرف الآخر، أو ربما يتوافر لبعض الوقت ثم يفتر أو ينعدم، وفي هذه الحالة يثور الطرف المدلل مطالباً بحقه.
عدم تفهّم الطرفين بعضهما
إن أحد أهم بواعث النزاع الذي يعصف بالحياة الزوجية هو غياب التفاهم والحوار بين الزوجين الذي يمكن من خلاله معالجة الكثير من الاختلاف في وجهات النظر قبل أن
108
85
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
تصبح مشاكل يصعب حلّها. وقد تنشأ هذه الظاهرة من جراء الاختلاف الكبير في العمر أو المستوى الثقافي أو غيرها من العوامل، وهذا ما يجعل من الحياة الزوجية على حافة الانهيار لكون كلٍّ منهما بعيداً عن الآخر، فلا يعود هناك من أمل للتصالح مع هذا البعد والجفاء.
الوعود القديمة
ربما نشاهد بعض الأزواج من الشباب في حالة من النزاع والخلاف الدائمين، دون أن نجد سبباً واضحاً لذلك سوى الوعود القديمة التي ظهر زيفها وبطلانها فيما بعد. فالوعود التي بنيت عليها الآمال العراض تنتهي إلى لا شيء، والينبوع العذب لم يكن سوى سراب بعيد. وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن نتوقع سكوت الطرف المعني أو أن ننتظر أن يغض طرفه عن ذلك، وهكذا يتفجر النزاع.
الطموح والاختبار
نصادف أحياناً نوعاً من المشاكل التي تظهر جراء الاختبار ومحاولة أحد الزوجين امتحان الآخر ووضعه على المحك ومعرفة مدى الأهمية التي يضمرها له، وفي هذه الحالة فإن عدم تحقيق واحدة من تلك الطموحات سيضرب القاعدة والأساس في الصميم وبالتالي يعرّض مصير الأسرة للخطر. وينبغي في مثل هذه الحالات أن يتصرف الطرف الآخر بلباقة إذا لم يمكنه تحقيق طموح شريك حياته.
109
86
الدّرس التاسع: الخلافات والمشاكل الزّوجيّة (2) العوامل الخاصة
الأفكار الرئيسة
- الغيرة السلبيّة هي واحدة من الصّفات الّتي تسبّب المشاكل الزّوجيّة، ولهذا توجِّه الروايات الزّوجَيْن إلى استثمار الغيرة في العلاقة الإيجابيّة.
- من العوامل المؤدّية إلى الخلافات الزّوجيّة الجهل بالحقوق المشتركة.
- غياب التجدد في الحياة المشتركة، وإخفاء الأسرار، والتدخّل في الشؤون الخاصّة من الأمور المؤدية إلى النزاع.
- ينبغي للزوجة التوفيق بين عملها الخارجي وواجباتها تجاه زوجها للحفاظ على الحياة الأسرية.
110
87
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
1. يفهم منهج القرآن الكريم في حلّ الخلافات الزّوجيّة.
2. يعتمد على توجيهات الروايات الشريفة في حياته الزوجية.
3. يعرف أسلوب المواجهة الإيجابيّة والواقعيّة في حلّ الخلافات الزّوجيّة.
111
88
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
تمهيد
تخلق المشاكل والخلافات في داخل الأسرة أجواءً متوتّرة تهدّد استقرارها وتماسكها، وقد تؤدّي إلى انفصام العلاقة الزّوجيّة وتهديم الأسرة. وهي عامل قلق لجميع أفراد الأسرة، ولا سيّما الأطفال. حيثُ تؤدّي الخلافات والأوضاع المتشنّجة بين الوالدَيْن إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفيّ للطفل في جميع المراحل الّتي يعيشها.
والعمل هنا بوصايا الإسلام من شأنه إزالة هذه الخلافات والمشاكل ووضع حلولٍ لها للإصلاح بينهما.
وبناءً عليه، يجب البحث عن الحلول الإيجابيّة المناسبة للخلافات الزّوجيّة التي وضعها الإسلام.
القرآن وحلّ الخلافات الزوجيّة
ذكرنا في المباحث السابقة أنّ للزّوجَيْن حقوقًا وواجبات، وينبع الخلاف في أغلب الأحيان حينما لا يؤدّي أحدهما أو كلاهما واجباته الزّوجيّة كما يجب. ويُسمّي القرآن هذه الحال بالنشوز أو الشقاق[1]، للمرأة[2] والرجل[3]، ويعطي حلولًا لكلّ مشكلة تطرأ. ويتمثّل نشوز المرأة بالتخلّي عن واجباتها الزّوجيّة الآتية: الامتناع عن تلبية حوائج زوجها العاطفيّة والجنسيّة، وعدم توفير الأجواء المناسبة لذلك من قبيل الاهتمام بنفسها، والتجمّل لزوجها، وغير ذلك، والخروج من المنزل دون إذن الزّوج، والانفعال، وردّ الفعل العنيف، والتجهّم، وسلاطة اللّسان.
[1] سورة النساء، الآية 35.
[2] السورة نفسها، الآية 34.
[3] السورة نفسها، الآية 128.
113
89
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
وبعبارة مجملة، يوصف عدم الانسجام الكلّي مع الرجل بنشوز المرأة، ولكن مجرّد التخلّي عن إدارة شؤون البيت لا يُعدّ نشوزًا. وقد قدّم القرآن لحلّ هذه المشكلة وإرجاع المرأة إلى صوابها طريقة تنطوي على أربع مراحل هي: نصح المرأة، وهجر مضجعها، وضربها بحدود[1]، واللجوء إلى حكم بينهما[2].
ومن البديهي أن الرجل إذا عامل زوجته بصدق وحميميّة وحاول التوافق معها في الحياة فإنّها لن تُظهر نشوزًا[3]. ولكن يحدث أحياناً أن تردّ كلّ محاولات إحسان الرجل واسترضائه لها بتعنُّت أكثر، فعندئذٍ يلحّ تطبيق الحلّ القرآني الّذي أساءت أُسر مسلمة كثيرة فهمه. لذا سنحاول هنا إزالة اللّبس عن هذا الحلّ. ولكن قبل أن نخوض في المراحل الأربع لهذا الحلّ، نتناول ترتيب هذه المراحل. فقد قدّم العلماء المسلمون وجهات نظر مختلفة حول كيفيّة استخدام هذه المراحل، لكنّ معظمهم يذهبون اعتمادًا على القرآن الكريم[4] وأحاديث الأولياء (عليهم السلام)إلى وجوب رعاية ترتيب هذه المراحل على غرار وجوب رعاية الترتيب لمراحل النهي عن المنكر[5].
1. النصح:
لقد عبّر القرآن عن النصح بكلمة «عظوهنّ»، وهي تنطوي على تقديم الرجل نصائح نابعة من القلب وتوجيه رؤوف لزوجته، داعيًا إيّاها للعودة إلى واجباتها. ويستحسن أن يكون النصح بالأسلوب الحسن والكلام الليّن الجميل، ومن الأفضل أن يكون مصحوبًا بهدية يكون لها وقع حسنٌ عند المرأة، فإن المرأة تُحبّذ الارتباط الكلامي لطبيعتها الحسّاسة. كما إنّ الكلام دائمًا أكثر نفاذًا إلى القلب، ويلعب دورًا في حلّ الكثير من المشاكل، كما لا يلعبه
[1] ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهجُرُوهُنَّ فِي ٱلمَضَاجِعِ ﴾، سورة النساء، الآية 34.
[2] ﴿وَإِن خِفتُم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَٱبعَثُواْ حَكَمٗا مِّن أَهلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّن أَهلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصلَٰحٗا يُوَفِّقِ بَينَهُمَآ إِنَّ كَانَ عَلِيمًا ﴾، سورة النساء، الآية 35.
[3] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص166 نقلًا عن (قائمي، نظام حيات خانواده در اسلام) (نظام حياة الأسرة في الإسلام)، ص345.
[4] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص546؛ الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج3، ص69.
[5] راجع: الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مصدر سابق، ج31، ص202 - 203.
114
90
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
أيّ شيء آخر، ففيه يفهم المخاطَب مرمى المتكلِّم، الأمر الّذي يُسهّل التفاهم والتوافق بينهما.
ولكي يكون كلام الرجل أكثر تأثيرًا في المرأة حيث يُمكنه أن يُحذّرها بلسان بيّن وعذب من تداعيات النشوز على حياتها الأخرويّة، والواعظ عليه أن يُبرز أنّه رؤوف، وأمين، وخيّر، وليس منصاعًا لهواه وللأهداف الشيطانية. وحريّ بالرجل في هذا المجال أن يستفيد من القرآن، إذ إنّه يدعوه إلى مقابلة الإساءة بالإحسان، والعداوة بالمودة ﴿وَلَا تَستَوِي ٱلحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ٱدفَع بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ﴾[1]، فلو أنّ الرجل قابل نشوز زوجته بإحسان، وصَبَر عليها وتحمّل تصرفاتها، فلا محالة ستعود إلى رشدها وتقابله بالمثل. كما وينبغي للرجل أن يظهر اهتمامه بميثاق الزّواج[2]، حيث يحظى هذا الميثاق بأهميّة بالغة لدى النساء، فإن استخفّ الرجل بهذا الميثاق سيُقابَل بردّة فعل قاسية تُلحق بعلاقته الزوجيّة الضرر.
2. هجرهنّ في المضجع:
إذا لم تؤت المرحلة الأولى أُكُلها، يبيح القرآن الانتقال إلى المرحلة الثانية ﴿وَٱهجُرُوهُنَّ فِي ٱلمَضَاجِعِ﴾[3]، فإنّ إظهار الرجل عدم مبالاته تجاه الزوجة في الفراش؛ بأنّ يحوّل إليها ظهره في الفراش، أو يعتزل فراشها من شأنه أن يُنبّهها إلى سلوكها وبالتّالي تعمل على إصلاحه[4].
وهذا التصرّف من الزوج قد أكّدت عليه بعض الأحاديث[5]؛ ولعل السبب في ذلك هو أن عدم مشاركة الزوج امرأته في الفراش سيثير لديها حسّ التعلّق الزّوجي، ويبعثها نحو العمل على إزالة أسباب الخلاف محاولةً حلّه، ممّا يساهم في إعادة السكينة والطمأنينة إلى نفسها وإلى علاقتها بزوجها.
[1] سورة فصلت، الآية 34.
[2] ﴿وَأَخَذنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا﴾ سورة النساء، الآية 21.
[3] سورة النساء، الآية 34.
[4] راجع: الشيخ الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل، مصدر سابق، ج3، ص220.
[5] راجع: الشيخ الطبرسي، مجمع البيانفي تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص95.
115
91
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
ومع عدم جدوى هذه المقاطعة -حيث ينبغي للزوج أن يتدرّج في مراتب الهجران- جاز للزوج الانتقال إلى المرحلة الثالثة[1].
3. التأديب:
لأنّ هذه المرحلة تقتضي التأديب الجسدي، يتوجّب إظهار موقف الإسلام، ورفع الشوائب الّتي تلفّه. ولذا نطرح أوّلًا الأسئلة التالية ثمّ نحاول الإجابة عنها:
1. في أيّ ظرف يسمح استخدام التأديب الجسديّ؟
2. ما هي طبيعة هذا التأديب؟
3. ما هو الحدّ في هذا التأديب؟
للإجابة عن السؤال الأوّل نقول: بحسب الآية القرآنية، فإنّ هذا الخيار يُشرّع عندما يصل خيارا نصح المرأة، وهجرها في المضجع إلى طريقٍ مسدود، مع العلم أنّ نسبة قليلة جدًّا لا يُجدي معهن الخياران الأوّلان، فيدفعن الرجل إلى تنفيذ الخيار الثالث. ويُشار إلى أنّه لا يُسمح للرجل أن ينتقل إلى هذا الخيار قبل الانتهاء من الخيارَيْن الأوّلَيْن، فضلًا عن أنّ هذا الخيار يُستخدم فقط عند نشوز الزوجة أي عند عصيان المرأة لواجباتها الزّوجيّة، ولا يستخدم مطلقًا لسائر الخلافات الزّوجيّة. أمّا لو أصبحت المرأة في موقف يُبرّر لها نشوزها، عندئذٍ يُسمّى ذلك بالشقاق، وهو ما سنتحدث عنه في مسألة التحكيم.
أمّا فيما يتعلّق بالسؤال الثاني، فإنّ ماهية التأديب[2] بحسب آية النشوز هو نوع من التأديب الجسديّ. يُشترط أن لا يتسبّب كليًّا -وفقًا لكلّ العلماء المسلمين- بجراح أو شحوب للمرأة، أو كدمات، أو حتّى احمرار لجسدها. وعليه، فإنّ هذا التأديب هو تأديب
[1] راجع: الشيخ الجواهري، جواهر الكلام، مصدر سابق، ج31، ص206.
[2] قد فسّر البعض هذا التأديب حسب حديث مأثور، بممارسة الضغط على المرأة في المسائل الاقتصادية كالملبس والمطعم، مثل: الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج14، ص250. فيما فسّر آخرون: الضرب بالتودّد والتسامح، مثل: مهريزي، مهدي، شخصيت وحقوق زن (شخصية وحقوق المرأة)، إيران-طهران، دار النشر العلمي-فرهنكي، 1382ه.ش، لا.ط، ص270.
116
92
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
جسديّ خفيف ورادع، يهدف إلى التنبيه والتذكير لا إلى الإيذاء. لذا لو سبّب الرجل للمرأة أيّ ضرر جسدي، فإنّه فضلًا عن اقترافه للمعصية عليه أن يدفع ديّة لها[1].
لكن مع كون هذا التأديب خفيفًا، إلّا أنّ له وجهين: الوجه الأوّل أنّه نوع من العقوبة والتأديب الجسديّ الخفيف، والّذي يُلزم المرأة بالانقياد لواجبات الرجل. أمّا الوجه الثاني فهو كونه تعبيراً للرجل عن استيائه من سلوك المرأة وإشعارها أنّ علاقته بها مهدّدة بالانهيار. لذا، فإنّ التأديب ليس إلّا دلالة على ردّة فعل الرجل العاطفيّة السلبيّة والشديدة تجاه المرأة.
وفي معرض الإجابة عن السؤال الثالث، نقول: ينبغي لهذا الضرب والتأديب أن لا يكونا لهدف النكاية أو الثأر، وإنّما الهدف الأساس له هو إصلاح سلوك المرأة [2]برجوعها إلى واجباتها الزّوجيّة. لذا فإنّ المضيّ في التأديب يُعدّ ظلمًا وانتهاكًا لحقوق المرأة ﴿فَإِن أَطَعنَكُم فَلَا تَبغُواْ عَلَيهِنَّ سَبِيلًا﴾[3]، وتعتبر الشريعة الإسلامية هذا الأمر غير جائز حيث يجب الاقتصار على ما يؤمل معه طاعتها، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به[4].
4. التحكيم:
يُسمّي القرآن الخلاف الزّوجي المحتدم الّذي يتخلى فيه الزّوجان عن أداء واجباتهما المتبادلة بـ«الشقاق»[5]، ويعني العداوة بين الزّوجَيْن. فلو باتت الأسرة في وضع مرشّح للعداوة الزّوجيّة، عندها يصبح تدخُّل الآخرين لتدارك الوضع وعلاجه أمرًا ملحًّا، ومن الأفضل أن يتمثّل هذا التدخُّل بحَكَمين من طرف أقرباء الزّوجين لأسباب عدّة:
[1] راجع: الأصفهاني، السيد أبو الحسن، وسيلة النجاة، تعليق: الإمام الخميني، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني، إيران - طهران، 1422ه.ق، ط1، ص755؛ الشيخ الجواهري، جواهر الكلام، مصدر سابق، ج3، ص206.
[2] راجع: السبحاني، الشيخ جعفر، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إيران - قم المشرّفة، 1417ه.ق، ط1، ج2، ص302.
[3] سورة النساء، الآية 34.
[4] راجع: الشيخ الجواهري، جواهر الكلام، مصدر سابق، ج31، ص206.
[5] ﴿وَإِن خِفتُم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَٱبعَثُواْ حَكَمٗا مِّن أَهلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّن أَهلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَينَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا﴾، سورة النساء، الآية 35.
117
93
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
أوّلاً: علم أقرباء الزّوجَيْن بأحوالهما النفسيّة وظروف حياتهما.
ثانيًا: إنّ الحكَمَيْن القريبَيْن يشكلان عامل طمأنينة للزّوجَيْن، لأنّهما واثقان بأنّ الحَكَمَيْن حريصان على حقوقهما ومصالحهما.
ثالثًا: إنّ الحرص على صلة الرحم يجعل الزّوجَيْن يقبلان برأي الحكمَيْن. رابعًا: إنّ الأقرباء هم أكثر من أيّ طرف آخر حرصًا على دعم الزّوجَيْن وإنقاذ علاقتهما.
ويجدر بالحَكَمَيْن أن يكونا -فضلًا عن حسن النوايا والإصلاح- حكيمَيْن، وذوا دراية، وذوا خبرة عميقة بالقضايا الأسريّة لكي يحكما ببصيرة ووعي. وفي البداية، ينبغي لهما أن يستقصيا أسباب الخلاف، وذلك بطرح أسئلة جدّية على الزّوجَيْن، وأن يطلبا منهما -كلًّا على حدة- المصارحة وقول الحقيقة. وإذا لم يُفلح الحَكَمان بمصالحتهما لا يحقّ لهما أن يحكما بانفصالهما، بل على الزّوجَيْن نفسَيْهما تقرير ذلك، كما لا يحقّ لهما أن يُجبرا الأخيرَيْن على التصالح، فهما حرّان بالانفصال كما كانا حرَّيْن في عقد القران[1].
الوقاية من الخلافات الزوجيّة في الروايات الشريفة
قد وضعت الروايات مجموعة من التوجيهات؛ من أجل الوقاية من الخلافات بين الزّوجَيْن، والتقليل من تأثيراتها النفسيّة والعاطفيّة أو تحجيمها وإنهائها، وذلك من خلال التشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدّماتها أو معالجتها بعد الحدوث، منها:
- عدم استخدام العنف مع الزّوجة: عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أيُّ رجل لطم امرأته لكمة أمر اللَّه -عزّ وجلّ- مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لكمة في نار جهنّم»[2].
- عدم تكليف الزوج بما لا يطيق: عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق لا يقبل اللَّه منها صرفاً ولا عدلاً إلّا إن تتوب
[1] راجع: سالاري فر، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، مصدر سابق، ص176.
[2] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج2، ص550.
118
94
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
وترجع وتطلب منه طاقته»[1]. وعنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أيما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم تقبل منها حسنة وتلقى اللَّه وهو عليها غضبان»[2].
- العمل على تعميق المودّة والرحمة في داخل الأسرة: عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «خير الرجال من أُمتي الّذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم»[3]، وعن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): أوصاني جبريل(عليه السلام) بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة بينة»[4].
- التحذير من مواجهة الزّوجة لزوجها بالكلام اللّاذع المثير لأعصابه: عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتّى ترضيه»[5].
- صبر كل منهما على إساءة الآخر: عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق اللَّه رقبته من النار، وأوجب له الجنة»[6]، وعن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنه قال: «أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت قط من وجهك خيراً فقد حبط عملها»[7].
- عدم خروج الزوجة من منزلها دون إذن زوجها: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول اللَّه ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها: «أن تطيعه ولا تعصيه... ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها»[8].
[1] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص202.
[2] المصدر نفسه، ص214.
[3] المصدر نفسه، ص216 - 217.
[4] المصدر نفسه.
[5] المصدر نفسه، ص214.
[6] المصدر نفسه، ص216.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص440.
[8] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص214.
119
95
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
- المسارعة إلى حل النزاع بين الزوجين: عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتّى ترضى عني»[1].
- نهي الزوجة عن هجران زوجها باعتباره مقدّمة للانفصال وانقطاع العلاقات: فعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الأسفل من النار إلّا أن تتوب وترجع»[2].
- صفح كلٍّ منهما عن الآخر: عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «كان لأبي عبد اللَّه امرأة وكانت تؤذيه، فكان يغفر لها»[3]، وعنه (عليه السلام) أنّه قال: «قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحَصان معه إذا حضر[4] لا تسمع قوله ولا تطيع أمره وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً»[5].
هذه التوجيهات وغيرها إن روعِيَت رعاية تامة فإنّها كفيلة بالحبّ ومنع التوتّرات والخلافات العائليّة.
[1] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص200.
[2] المصدر نفسه، ص202.
[3] المصدر نفسه، ص216.
[4] الحَصان: المرأة العفيفة.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص325.
120
96
الدّرس العاشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (1) على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة
الأفكار الرئيسة
- ليس النزاع الشديد أو الطلاق هو الحلّ عند الابتلاء بالخلافات الزّوجيّة، بل لا بدّ من البحث عن الحلول الإيجابيّة والعلاجيّة الكثيرة لفضّ النزاعات ورفعها.
- لقد حدّد القرآن منهجًا واضحًا لحلّ النزاعات الأسريّة يتألف من أربع مراحل هي: نصح المرأة، وهجر مضجعها، وضربها ضمن حدود خاصة وكيفية خاصة، واللجوء إلى حكم بينهما.
- الوقاية من المشاكل والخلافات قبل وقوعها من خلال الالتزام بالواجبات والقيم الأخلاقيّة التي وضعتها الروايات من الأساليب الرئيسة في منع وقوع الخلافات الزّوجيّة والأسريّة.
- يجب السعي لحلّ المشاكل العاطفيّة باقتلاع أسبابها قبل تجذّرها، وذلك بالعلاقة الحسنى والروح الإيجابيّة القائمة على المحبّة والمودّة.
121
97
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
1. يعرف أسلوب المواجهة الإيجابيّة والواقعيّة في حلّ الخلافات الزّوجيّة.
2. يُحدِّد دور الاستشارات الأسرية في حلّ النزاعات.
3. يعرف أن الطلاق هو آخر الحلول.
123
98
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
الأساليب الإيجابية والعمليّة لحل الخلافات الزوجيّة
ينبغي أن ينظر الزّوجان نظرة واقعيّة إلى الخلافات الزّوجيَّة، إذ إنّها من الممكن أن تكون عاملًا من عوامل الحوار والتفاهم إذا أحسنا التعامل معها. وذلك لأنّ الأسلوب الذي يتّبعه الزّوجان في مواجهة الخلافات الزّوجيّة إذا كان صداميًّا، فإنه قد يوسّع نطاقه ويضخمه، وقد يؤدّي إلى انهيار الحياة الأسريّة والزّوجيّة. ومن الأساليب الإيجابيّة في تقويم الخلافات الزّوجيّة وحلّها:
1. التواصل الإيجابي:
لا شكّ أنّ الكلمات الحادّة، والعبارات العنيفة، لها صدى يتردّد باستمرار حتّى بعد انتهاء الخلاف، علاوة على الصدمات والجروح العاطفيّة الّتي تتراكم في النفوس. وقد رُوِي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في بيان طبيعة اللّسان إن لم يتقيّد بأوامر الشرع ونواهيه: «إن كان في شيء شؤم ففي اللسان»[1]. وأمّا الصمت والسكوت على الخلاف فهو حلّ سلبي مؤقّت للخلاف, إذ سرعان ما يثور البركان عند أدنى اصطدام، إذ إن كبت المشكلة في الصدور بداية للعقد النفسيّة ولضيق الصدر، ولذا فالحل يكون إما بالتناسي والترك ولهذا الأمر سلبياته، وإما يُطرح الخلاف للوصول إلى حلٍّ واقعي، ولا بدّ أن تكون التسوية شاملة لجميع ما يختلج في النفس، وأن تكون عن رضى وطيب خاطر. والأهم في هذا كلّه، ترك الجدال والمراء[2]، فقد رُوِي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «ثلاث من لقي اللَّه -عزّ وجلّ- بهنّ
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص116.
[2] المِراء مصدر بمعنى المجادلة.
125
99
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
دخل الجنة من أي باب شاء: من حسَّن خلقه، وخشي اللَّه في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقًّا»[1].
2. المداراة:
البعد عن الأساليب الّتي قد تكسب الجولة فيها وينتصر أحد الطرفين على الآخر، لكنّها تعمّق الخلاف وتجذّره، مثل: أساليب التهكّم والسخرية، أو الإنكار والرفض، أو السباب والشتائم. رُوِي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لمحمد بن الحنفية في مداراة المرأة: «إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك»[2]. فالقاعدة الرئيسة الّتي تحكم العلاقات بين الناس هي المداراة، فكيف إذا كانت هذه العلاقة مع أقرب الناس وهي الزّوجة أو الزّوج. والمداراة من الأساليب الإيجابيّة البنّاءة في معالجة التوتّرات، ولا يقتصر على المداراة دائمًا بل يجب اتّباعها بالحوار والتوضيح والنصح.
3. التروّي والموضوعيّة:
لا يصلح أن يقول الزّوج في أمر من الأمور «لا» أو «نعم»، ثمّ بعد الإلحاح يغيّر القرار، أو يعرف خطأ قراره فيلجأ إلى اللّجاج والمخاصمة، وهذه الطريقة تُفقد الزّوج المصداقيّة والهيبة وحسن الظنّ به وبقراراته. ولهذا يجب أن تنبع قرارته من مصلحة حياته الزّوجيّة وأسرته، وليس انتصارًا لأنانيّته وسلطته، ولا يكون ذلك إلا بالتروّي والموضوعيّة في التعامل مع القضايا الخلافيّة.
4. الدراسة السليمة للمشكلة:
ويكون ذلك عبر خطوات متعدّدة، أهمّها:
أ. تفهُّم الأمر هل هو خلاف عميقٌ أم أنّه سوءُ فهمٍ فقط؟ فالتعبير عن حقيقة مقصد كلِّ واحدٍ منهما وعمَّا يضايقه بشكلٍ واضحٍ ومباشرٍ يساعدُ على إزالة سوء الفهم، فلربما أنَّه لم يكن هناك خلاف حقيقيّ وإنما سوء في الفهم.
[1] الشيخ الکليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص300.
[2] المصدر نفسه، ص510.
126
100
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
ب. الرجوع إلى النفس ومحاسبتها ومعرفة تقصيرها، فقد يكون أصل المشكلة سببه ذنب أو معصية وتخطّي الحدود الإلهيّة، ثمّ انعكس في العلاقة مع الشريك. والحلّ يكون في الإنابة والتوبة إلى اللَّه تعالى، وطلب المسامحة منه، ثمّ طلب المسامحة من زوجه.
ج. تطويق الخلاف وحصره من أن ينتشر بين الناس أو يخرج عن حدود أصحاب الشأن لئلّا يتفاقم في صعب حلّه، فقد رُوِي عن الرسول (صلى الله عليه وآله): «استعينوا على الحوائج بالكتمان لها»[1].
د. تحديد موضع النزاع والتركيز عليه، وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو تجاوزات سابقة، أو فتح ملفّات قديمة، ففي هذا توسيع لنطاق الخلاف.
ه. أن يتحدّث كلّ واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها، ولا يجعل فهمه صوابًا غير قابل للخطأ أو أنّه حقيقة مسلَّمة لا تقبل الحوار ولا النقاش، فإنّ هذا قاتل للحلّ في مهده.
5. الاستشارة:
إنّ معظم المشاكل الأسريّة تعود إلى ما أفرزته المجتمعات الصناعيّة الحديثة من قواعد للحياة الاجتماعية، والّذي طال مجتمعنا أيضًا. وإنّ التطوّر البنيويّ الذي حصل في العقود الأخيرة أدّى إلى تغيّر طبيعة علاقات أعضاء الأسرة، وإلى التغيّر في تحديد مفهوم الأسرة واقتصادها، ودور الرجل والمرأة، تغييرًا جذريًّا. وعليه ضَعُفَت الطريقة الجماعيّة التقليديّة لإزالة المشاكل الأسريّة، وكذا المخزون العاطفي والتجريبي للأقرباء، وبات حلّ المشكلة مرميًّا على عاتق الزّوجَيْن، ولأنّهما غالبًا لا يتمتّعان بالآليّات والمهارات التواصلية الكافية لإيجاد الحلول الممكنة، يقومان بإنكار المشكلة ما يؤدّي إلى تداعيات مخلّة دائميّة كالإحباط، والتدمير المتبادل... لذا كان من الضروري الاعتماد في حل ّالخلافات الزّوجيّة على أخصائيّي المعالجة الأسرية. وقد أيّدت التعاليم الإسلاميّة مبدأ الاستشارة في شؤون
[1] البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410 - 1990م، ط1، ج5، ص412.
127
101
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
الحياة كافّة. ولكن يجب أن يحظى المستشار بسمات تؤهّله لتقديم استشارات أسريّة ناجعة منها: الإحاطة العلميّة بالموضوع وخلفيّاته، والقدرة على التواصل العاطفي مع الآخرين، والإخلاص والنزاهة، والصبر والحلم، والائتمان، والقدرة على مواكبة الزوجين في حلّ الخلاف الناشب بينهما، وأن يكون نموذجاً في الاستقامة والتقوى. والنقطة الأخرى المهمّة هي التركيز على قناعات الزّوجَيْن وقيمهما.
الإصلاح غاية العلاج
بعد دراسة المشكلة الواقعة بين الزوجين دراسة دقيقة ينبغي الإسراع بالمعالجة والإصلاح، وذلك من خلال:
1. الحوار الإيجابي، حيث يتم التعرّض لنقاط الاتّفاق وتجاهل ما هو موضع خلاف بينهما، فطرح الحسنات والإيجابيّات والفضائل عند النقاش ممّا يرقِّق القلب ويبعد الشيطان، ويقرِّب وجهات النظر، وييسِّر التنازل عن كثير ممّا في النفوس. قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَنسَوُاْ ٱلفَضلَ بَينَكُم﴾[1]، وخصوصًا الزّوجة إذا كانت ليّنة الجانب. فالزّوج سرعان ما يفيء إلى لطفها، وقد ورد في الرّوايات في الصفات المرغوبة للمرأة قول الإمام الرضا (عليه السلام): «وموافقة الزّوجة كمال السرور»[2].
2. جرّ النزاع إلى منطقة العفو والتسامح، فمعظم الأخطاء الّتي تحصل في الحياة الزّوجيَّة هي أخطاء يمكن التعامل معها بل وتصحيحها، بل قد ينجح الزّوج أو الزّوجة في تحويل الطرف الآخر من شخص قبيح إلى حسن إن استطاع أن يستخدم كيمياء المحبّة المناسبة. وبوابة هذا الأمر، ترك العتاب والتذكير بالعيوب، فقد وصِف الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنّه «ما سئل عن شيء قط فقال: لا، ولا عاتب أحدًا على ذنب أذنبه»[3]. ومن المهمّ أن يبادر أحد الطرفَيْن بسرعة إلى التحرّك بلطف ومحبّة، والإصرار على طيّ صفحة
[1] سورة البقرة، الآية 237.
[2] ابن بابويه القمي، علي بن بابويه، فقه الرضا، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) - مشهد المقدسة، 1406ه.ق، ط1، ص345.
[3] المصدر نفسه، ص355.
128
102
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
الخلاف، فعن الصادق (عليه السلام)، قال: «خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني»[1].
الطلاق آخر الحلول
يتمثّل الحلّ الأخير لإنهاء الخلافات الزّوجية بالطلاق، فقد يكون استمرار الزّواج في ظلّ الخلافات الشديدة لا يتسبب في استلاب الحيويّة والطمأنينة للزوجين وأسرتهما فحسب، بل يؤدّي إلى أضرار نفسيّة حادّة وبروز تصرُّفات شاذّة أيضًا. فإذا انتهت كلّ محاولات الإصلاح إلى طريق مسدود، يصبح الانفصال الرسمي للزّوجَيْن حلًّا لإنهاء المشاكل والصدامات الأسريّة. ويُعدّ الطلاق في الإسلام أمرًا بغيضًا، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «أوصاني جبريل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة»[2]. لذا جعل الإسلام حدّ الطلاق ثلاث مرّات حيث يتعذّر على الرجل بعد الطلاق الثالث معاودة الزّواج بالمرأة نفسها إلّا إذا تزوّجت رجلًا آخر وطُلّقت منه، فعندئذ يمكنه أن يتزوّج بها[3]؛ ويهدف هذا القانون إلى الحيلولة ما أمكن دون وقوع الطلاق -بمعنى الانفصال التام- بين الزوجين، لأنّ الطلاق يُفكّك الأسرة ويُخلّف تداعيات سلبيّة على أعضائها. لذلك يسعى الإسلام إلى منع حدوثه بطرق متعدّدة، كوضع محدّدات زمنيّة خاصّة، ووجود شهود لإتمامه، وهي أصعب بكثير من عقد القران. كما إنّ وجوب عيش المرأة المطلَّقة مع زوجها حتّى انقضاء العدّة وفقًا للإسلام من شأنه أن يفتح مجالًا لعودتهما من جديد، وبالتّالي تحاشي تفكُّك الأسرة. وإن كان لا بدّ من الطلاق فليكن حسب تعاليم الإسلام بمعروف وإحسان للمرأة[4]، وألا يمارس عليها الضغط ليدفعها للتضحية بحقوقها كاملة لأجل الطلاق والخلاص ممّا هي فيه[5].
[1] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص200.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص512.
[3] سورة البقرة، الآية 230.
[4] ﴿ بِمَعرُوفٖۚ﴾ و ﴿ بِإِحسَٰنٖ﴾، سورة البقرة، الآيتان 229 - 231.
[5] ﴿ بِبَعضِ مَآ ءَاتَيتُمُوهُنَّ﴾، سورة النساء، الآية 19.
129
103
الدّرس الحادي عشر: العلاجات والحلول للمشاكل الزّوجيّة (2) الأساليب العمليّة
الأفكار الرئيسة
- من الأساليب الناجحة في حلّ الخلافات الزّوجيّة التقويم الواقعي والموضوعي لأسباب المشاكل وآثارها، ويشكّل التواصل الإيجابيّ والتروّي في اتّخاذ القرارات أحد مقوِّمات الأساليب الناجحة.
- إنّ المواجهة الإيجابيّة للخلافات الزّوجيّة بتخفيف حدّة الخطاب وقسوة الكلام، وضبط طريقة التعبير عن المشكلة... من الوسائل الناجحة في حلّ الخلافات.
- إنّ اللّجوء إلى أخصّائي للمعالجة الأسريّة عند وقوع النزاعات المستعصية من الأمور المقبولة إسلاميًّا، بشرط اتصافه بالتديّن والورع إلى جانب التخصّص والخبرة.
- يتمثّل الحلّ الأخير لإنهاء الخلافات الزّوجية بالطلاق، وذلك بعد استنفاد كافة الحلول الإيجابية.
130
104
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
1. يعرف كيفية عقد الزَّواج وشروطه.
2. يلتزم بمراعاة شرطية إذْنِ أولياء العَقْد في الزَّواج.
3. يفهم معنى المَهر وشروط استحقاقه.
131
105
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
تمهيد
لقد فصّل الفقهاء أحكام العلاقة الزّوجيّة وواجباتها وحقوقها في دراسات مفصَّلة في الكتب الفقهيّة، نكتفي هنا بذكر بعض الموارد المهمّة انسجامًا مع هدف هذا الكتاب.
الزَّواج في الإسلام
هو رابطة شرعيّة بين رجلٍ وامرأةٍ تنعقد بالصِّيغة المقرّرة شَرْعًا، ويشترط أن تكون مع الرِّضى والقَّبول الكامل منهما وِفْق الأحكام المُفَصَّلة شَرْعًا.
والزَّواج الشَّرعي: هو الوسيلة المحدَّدَة على سبيل الحصر -باستثناء ملك اليمين- لإباحة اقتران الرَّجل بامرأة، والأساس الوحيد لبناء الأُسرة. وقد حَرَّمَ الإسلام الصُّورَ الأُخرى كافّة للعلاقة بين الرَّجل والمرأة خارج إطار الزَّواج المشروع.
عَقْد الزَّواج
1. شروط عقد الزَّواج:
يشترط في عَقْد الزَّواج أمورٌ:
الأول: الإيجاب والقَبُول اللّفظيّان، ولا يكفي مجرّد الرِّضى ولا المعاطاة، ولا الكتابة، ولا الإشارة، إلّا في الأخرس فله إيقاعه بالإشارة المفهمة.
الثّاني: أن يكون اللّفظ بالعربيّة على الأحوط وجُوبًا، نعم مع العجز عن العربيّة يجوز إيقاعه بغيرها بحيث يُعَدُّ ترجمة له.
الثّالث: أن يكون الإيجاب من طرف الزّوجة، والقَبُول من طرف الزَّوج، فلا يكفي العكس على الأحوط.
133
106
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
الرابع: أن يقدَّم الإيجاب على القَبُول على الأحوط وجُوبًا، إذا كان القَبُول بمثل «قبلت»، ويجوز التقديم إذا كان بمثل «تزوَّجت».
الخامس: أن يكونَ الإيجاب بلفظ «زوَّجتُ»، أو «أنكَحْتُ»، أو «متَّعتُ»، والأحوط استحبابًا عدم الاكتفاء بلفظ متّعت في الزَّواج الدَّائم ولو عقد به أتى بما يجعله ظاهرًا في الدوام، ولا يجوز بغير ذلك مثل وهَبْتُ ونحوها. فتقول الزَّوجة مثلًا: «زوَّجتك نفسي على مَهْرٍ وقَدْره كذا»، فيقول الزَّوج «قَبِلت»، أو «رَضِيْت»، ويمكن أن يقولَ «قَبِلْتُ التَّزوِيْج» ولا يجب ذلك.
السادس: أن لا يكونَ اللّفظ ملْحُونًا بنَحْوٍ يؤدِّي إلى تغيير المعنى، نعم لا يؤثّر اللّحن إن لم يكن مبدِّلًا للمعنى.
السابع: القصد إلى مضمون اللّفظ، وهو متوقّف على فَهْمِ معنى لفظَيْ أنكَحْتُ وزوَّجْتُ، ولو بنَحْوِ الإجمال حتّى لا يكون مجرّد لقلقة لسان.
الثامن: قصدُ الإنشاء بأنْ يكونَ المُوجِبُ قاصِدًا بإيجابه إيقاعَ الزَّواج، وأن يكونَ القابلُ قاصِدًا إنشاء القَبُول.
التاسع: الموالاة بمعنى عدم الفَصْل المعتَدِّ به بين الإيجاب والقَبُول.
العاشر: التنجيز فلو علّقه على شرط ومجيء زمانٍ بَطَلَ، نعم لو علَّقَتْ على أمرٍ حاصل صَحَّ كما لو قالت في يوم الجمعة: «زوَّجتُك نفسي إنْ كان اليوم الجمعة» صَحَّ.
الحادي عشر: أن يكون العاقد بالغًا، عاقلًا، قاصِدًا غير هازِلٍ ولا سَكْران.
الثّاني عشر: الاختيار من الزَّوجين، فلو أُكْرِهَا أو أُكْرِهَ أحدُهما لم يصحَّ العَقْد، نعم لو لحِقَه الرِّضى صَحَّ.
2. أحكام التوكيل في العقد:
أ. يصحُّ التّوكيل في النِّكاح عن الزّوجة أو الزّوج أو عنهما معًا، ويمكن أن يتولّى الوكالة واحد عنهما معًا والأَوْلى تركه.
ب. يجوز أن توكِّل الزَّوجة الزَّوج فيُجْرِي العَقْد عنها وكالة، وعنه أصالة، والأحوط الأَوْلَى عدم إجرائه بهذا النحو.
134
107
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
الشُّروط المذكورة في العقد
1. يجوز أن يُشتَرط في ضمن عَقْد النِّكاح كلُّ شرط سائغ، ويجب على المشروط عليه الوفاء به.
2. إذا اشتُرط في عَقْد النِّكاح ما يخالف الشَّرع بَطَلَ الشَّرط وصحّ العَقْد.
3. من الشُّروط المخالفة للشَّرع أن تَشْتَرِط الزَّوجة على الزَّوج عدم منعها من الخروج متى شاءت، أو أن لا يتزوَّج عليها.
4. إذا اشترطت الزَّوجة على الزَّوج أن لا يُخرجها من بلدها لَزِمَ الشَّرط، وكذا لو اشترطت عليه أن يُسكنها في بلد معلوم أو منزل مخصوص.
3. أولياء العقد:
أ. للأب والجد من طرف الأب، وإنْ عَلَا ولايةٌ على الصَّغير والصَّغيرة والمجنون في التَّزويج، ولا فَرْقَ في الجنون بين المتّصل بالبلوغ أو الطَّارئ بعد البلوغ.
ب. ليس لأحد ولايةٌ على البالغ الرشيد، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيِّبًا وأمّا إذا كانت بِكْرًا فالأحوط وجوبًا اعتبار إذنها وإذن الوَلي. نَعَم يسقط اعتبار إذْنِ الوليِّ مع منعه من تزويجها بمن هو كفؤٌ لها شَرْعًا وعُرفًا ولا يوجد خاطب آخر يرضى به الأب، ومع حاجتها للتَّزويج.
ت. ولايةُ الجَدِّ مستقلّةٌ عن ولايةِ الأب، وأيّهما سبق تزويجه نفذ، ولو تقارن عقدهما قُدِّمَ عَقْدُ الجدِّ وأُلغِيَ عَقْد الأب.
ما يَحْرُم بالمُصَاهَرة
1. إذا عقد على امرأة حَرُمَت على أبيه وإنْ عَلَا، وعلى ابنه وإنْ نَزَل، سواء أكان عقدًا دائمًا أم مؤقَّتًا، وسواء أَدَخَلَ بها أم لا، وسواء أكَان الأب والابن نَسَبيَيْن أم رضاعِيَيْن.
2. إذا عقد على امرأة حَرُمَت عليه أمُّها وإنْ عَلَت، نسبًا أو رضاعًا، دائمًا كان العَقْد أو منقطِعًا دَخَلَ بها أم لا.
135
108
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
ولا تحرُم عليه ابنتها عينًا بمجرَّد العَقْد وإنْ حَرُمَت جَمْعًا، فإذا دَخَلَ بالأمِّ ولو دُبُرًا فتَحْرُم عليه ابنتها، وإنْ نَزَلَت عَينًا.
المَهْر
المَهْر: ويُسمَّى الصّداق[1]، وهو ما تستحقّه المرأة بجعله في العَقْد، أو بتعيينه بعده، أو بسبب الوَطء أو ما هو بحُكْمه.
1. نوع المَهْر:
كُلُّ ما يمكن أن يملكه المسلم يصحُّ أن يجعلَه مَهْرًا[2]، عَينًا كان أو دينًا أو مَنْفعة.
والعين، مثل: المال النّقدي، والبيت، والأرض، والسَّيارة... وغيرها.
أمّا المنفعة:
- منفعة الأعيان المَمْلُوكة: مثل: منفعة البيت (السكنى)، والسَّيارة (الركوب).
- منفعة الحر: مثل: تعليم صَنْعَةٍ ونحوه من كلّ عمل محلَّل.
2. مقدار المَهْر:
لا تقدير للمَهْر من جانب القِلّة ولا من جانب الكَثْرة، بل يصحُّ كلّ ما تراضى عليه الزّوجان، كثيرًا كان أم قليلًا.
ويجب في جانب القِلّة مراعاة أن لا يخرج المَهْر عن الماليّة بسبب القِلّة، كأن يكون حبّةً من حِنْطَة مثلًا.
ويستحبُّ في جانب الكَثرة أن لا يزيد على مَهْر السُّنّة، وهو خمسمئة دِرهم، ويعادل 1260 غرامًا من الفضّة من العيار الأعلى.
3. تعيين المهر:
أ. يُشترط تعيين المَهْر بما يُخْرِجُه عن الإبهام، فلو أمهَرَها أحد هذَيْن الدَّارَيْن -مثلًا- بَطُل المَهْر دون العَقْد، وتكفي المشاهدة فيه.
[1] الصداق يجوز بفتح الصاد وكسرها.
[2] أي ما سمح الشارع للمسلم بامتلاكه، بخلاف ما لم يسمح بامتلاكه كالخمر والخنزير، فإنه لا يصح جعله مهراً.
136
109
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
ب. ذكر المَهْر ليس شرطًا في صَحَّة العَقْد الدَّائم، فيصُحُّ من دونِ ذِكْر المَهْر ولو عَمْدًا، ولو جَرَى العَقْدُ من دونِ ذكرِ المَهْر. فإذا دَخَلَ بها استحقّت الزَّوجة على زوجها مَهْر أمثالها من النِّساء، سواء أَطَلَّقها بعد الدُّخول أو مات أحدُهما بعد الدُّخول، ويجوز لهما أن يتراضيا على شيء. وإن طلَّقها قبل الدُّخول فتستحقّ عليه أن يعطيَها شيئًا بحسب حاله من الغِنى والفقر واليسار والإعسار ويقال له: المتعة.
ت. يجوز أن يجعل المَهْر كلّه حالًّا بِلَا أَجَل، ويجوز أن يجعله كلّه مؤجّلًا، ويجوز أن يجعل بعضه حالًّا وبعضه الآخر مؤجّلًا.
4. استحقاق المَهْر:
أ. تملك المرأة المَهْر بمجرّد العَقْد، وتستقرّ ملكيّتها له بتمامه بعد الدُّخول بها. نعم ليس لها المطالبة به إن كان مؤجّلًا إلّا عند حلول أجله.
ب. لو مات أحدُ الزَّوجَيْن قبل الدُّخول، أو طلَّق الزَّوج زوجته قبل الدُّخول سقط نِصْفُ المَهْر المجموع من المُعَجَّل والمُؤَجّل، وتستحقّ الزَّوجة النِّصف فقط.
ت. يجوز للزّوجة أن تمتنع من تمكين نفسها لزوجها حتّى تقبض تمام مَهْرها المُعَجَّل.
ج. المَهْر حقّ للزّوجة يجوز لها أخذه، كما يجوز لها أن تبرِّئ ذِمَّةَ زوجها منه أو من بعضه.
د. تستحقّ الزَّوجة المؤجّل إذا طلّقها زوجها أو مات، كما وتستحقّ المؤجّل إذا ماتت، وينتقل إلى وَرَثَتِها.
137
110
الّدرس الثّاني عشر: فقه الزّواج في الإسلام (1)
الأفكار الرئيسة
- الزَّواج رابطة شرعيّة بين رجلٍ وامرأةٍ تنعقد بالصِّيغة المقرّرة شَرْعًا.
- يُشْترط في عَقْد الزَّواج أمورٌ، منها: الإيجاب والقَبُول اللّفظيّان، وأَنْ يكونَ اللّفظ بالعربيّة على الأحوط وجُوبًا، وأن يكونَ الإيجاب من طَرَفِ الزَّوجة، القَبُول من طَرَفِ الزَّوج، ... وغيرها.
- للأب والجَدِّ من طَرَفِ الأب، وإنْ عَلَا ولايةٌ على الصَّغير والصَّغيرة والمجنون في التَّزويج.
- المَهْر: ويُسمّى الصّداق، هو ما تستحقّه المرأة بجعله في العَقْد، أو بتعيينه بعدَه.
138
111
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
1. يعرف الحقوق والواجبات الشَّرعيّة المترتّبة على العَقْد بالنسبة إلى الزَّوجة.
2. يعرف الحقوق والواجبات الشَّرعيّة المترتّبة على العَقْد بالنسبة إلى الزَّوج.
3. يشرح معنى النشُوز وكيفيَّة تحقُّقِه في الزَّوجَيْن.
139
112
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
الحقوق والواجبات الشَّرعيّة
بمجرّد إنشاء عَقْد الزَّواج، يتولّد العديد من الأحكام الشَّرعيّة لِكِلَا الزّوجَيْن، أهمّها:
1. حقّ النَّفقة والسَّكن:
أ. يجب على الزَّوج أن يُنْفِق على زوجته بشرطَين:
الأوّل: أن يكون الزَّواج دائمًا، فلا تجب النفقة في الزَّواج المؤقّت. لكن، إذا شرطت النفقة في ضمن العقد وجَبَت التزامًا بالشَّرط.
الثّاني: أن تكون الزَّوجة مطيعة لزوجها فيما يجب إطاعتها له، فلا تجب النفقة على الناشِزة، كما لو سافرت لغير ضرورة أو واجب من دون إِذْنِ الزَّوج، أو خرجت من بيته من دون إذْنِه ولو لغير سَفَر.
ب. لا تقدير للنفقة شرعًا، بل الضَّابط القيام بما تحتاج إليه الزَّوجة، من طعام، وكسوة، وفراش، وغطاء، وإسكان، وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها، وغير ذلك.
ج. الأَوْلَى إِيْكَالُ الأمر إلى العُرف والعادة في جميع المذكورات، فيُلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدتها الّتي تسكن فيها. وليس لها أن تطلب أكثر من نفقة يوم واحد في كلّ يوم، كأسبوع أو أكثر.
د. لا يُشترط في استحقاق الزَّوجة النفقة فقرُها واحتياجها، فلها على زوجها حقّ الإنفاق وإن كانت من أغنى الناس.
ه. إذا كان الزَّوج فقيرًا ولم يستطع الإنفاق على زوجته، فتصبح النفقة دَيْنًا في ذمّته.
141
113
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
و. النفقة حقٌّ للزَّوجة، قابلٌ للإسقاط من دُونِ ضغط أو إكْراه، وأمّا مع الإكراه فلا تسقط حتّى لو أسقطتها.
ز. لا تسقط نفقة الزَّوجة مع عدم تمكين الزَّوج من نفسِها لعُذْر، سواء أَكَان شَرْعيًّا (كما لو كانت في الحَيْض، أو الإِحْرام، أو اعتكاف واجب)، أو عقليًّا (كما لو كانت مريضة)، أو غير ذلك.
ح. تثبت النفقة والسَّكن للمطلَّقة ذات العِدّة الرَّجعيّة ما دامت في العِدّة، من غير فرق بين كونها حاملًا أو لا.
ط. تسقط نفقة وسكن المطلَّقة ذات العِدّة البائنة إلّا إذا كانت حامِلًا، فإنّها تستحقُّها حتّى تضَعَ حَمْلَها. وتسقط النفقة عن المتوفّى عنها زوجها حتّى لو كانت حاملًا.
2. حقّ المعاملة بإحسان:
يجب على الزَّوج أن يُعامل زوجته بإحسان، وأن يغفر لها إذا جَهِلَت، ولا يقبّح لها وجهَا، فلا يجوز له أن يهينها، وما شابه ذلك.
3. حقّ العلاقة الزَّوجيّة الخاصّة:
أ. لا يجوز للزَّوج أن يترك العلاقة الزَّوجيّة الخاصّة لزوجته الدّائمة والمنقطعة أكثر من أربعة أشهر إلّا بإذنها أو لعذر، فإذا كان معذورًا جاز له التّرك ما دام العُذر موجودًا. والأحوط وجوبًا إجابتها إذا كانت محتاجة للمواقعة.
ب. إذا كان الزَّوج مسافرًا سفرًا ضروريًّا (ولو عُرفًا) مثل: سفر تجارة، أو تحصيل علم، ونحو ذلك، جاز له ترك هذه العلاقة الخاصّة ما دام مسافرًا، وأمّا السَّفر لمجرّد الأُنس والتفرُّج ونحوِ ذلك فلا يجوز الترك على الأحوط وجُوبًا إلّا بإذْنِ الزَّوجة.
4. حقّ المبيت:
أ. إذا كان للرَّجل زوجة فليس لها عليه حقّ المبيت عندها، لا في كلّ ليلة، ولا في كلّ أربع ليالٍ ليلة، بل اللّازم أن لا يهجرها، ولا يذرها كالمعلّقة، لا هي ذات بعل ولا مطلّقة.
142
114
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
ب. إذا كان عند الرَّجل أكثر من زوجة دائمة، فإن بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضًا، فإن كنَّ أكثر من زوجة وبات عند إحداهنّ طاف على غيرها، لكلّ منهنّ ليلة، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض في ذلك، وإن كنّ أقلّ من أربع زوجات، يجوز له تفضيل بعضهنّ بالمبيت، فإن كان عنده زوجتان جاز له أن يبيت عند إحداهما ثلاث ليال، وعند الأخرى ليلة واحدة، وإن كان عنده ثلاث زوجات فيجوز له أن يبيت عند إحداهنّ ليلتَيْن، واللّيلتان الأخريان للزّوجتَيْن الأخرَيَيْن.
ج. إذا كان للزّوجة حقّ المبيت يجوز لها أن ترفع اليد عن حقّها، وتهبه للضُّرّة، أو للزّوج ليصرفها فيما يشاء.
د. تختصّ الزّوجة البكر أوّل عُرْسِها بسبعِ ليالٍ، والثيّب (غير البكر) بثلاث، ولا يجب على الزّوج أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمات.
ه. يُستحبّ التسوية بين الزّوجات في الإنفاق، والالتفات، وإطلاق الوجه، والعلاقة الخاصّة.
5. حقّ الحضانة:
أ. الأم أحقّ من غيرها بحضانة الولد (ذكرًا كان أم أنثى) وتربيته، وما يتعلّق بالحضانة من مصلحة حفظ الولد، وذلك مدّة الرضاع وهي سنتان، بشرط أن تكون حرّة مسلمة عاقلة، سواء أرضعته بنفسها أو بواسطة غيرها. فلا يجوز للزَّوج (الأب) أن يأخذ الولد في هذه المدّة من الزَّوجة (الأمّ) حتّى وإن فَطَمَت الولد على الأحوط وجُوبًا.
ب. إذا انقضت السَّنتان، فالأب أحقُّ بحضانة الصَّبيّ، والأمُّ أحقُّ بحضانةِ الأنثى حتّى تبلغَ سبعَ سنين من عمرها، ثمّ يكون الأب أحقّ بحضانتها بعد ذلك.
ج. إذا فارق الزَّوج زوجته بفسخ أو طلاق قبل أن يبلغَ الصَّبيّ سنتَين والبنت سبع سنوات، لم يسقط حقّ الأمّ إلّا إذا تزوَّجت بغير الوالد، فلو تزوَّجت بغيره سقط حقّها، ولو فارقها الثاني يعود حقّها.
د. لو مات الزَّوج (الأب) بعد انتقال حضانة الأولاد إليه كانت الزَّوجة (الأمّ) أحقّ بحضانة الولد الذّكر والأنثى حتّى وإن كانت متزوّجة.
143
115
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
6. حقّ الإرضاع:
أ. الأمّ أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرّعة، أو تطلب ما تطلبه غيرها، أو تطلب أنقص ممّا تطلب غيرها.
وأمّا لو طلبت أُجْرة مع وجود متبرّعة، أو طلبت أزيد ممّا تطلبه غيرها جاز للزَّوج (الأب) أن يسلّمه إلى غيرها، ولكن يبقى حقّ الحضانة ثابتًا للأم على الأحوط وجُوبًا.
ب. لا يجب على الزَّوجة إرضاع ولدها لا مجّانًا ولا بالأُجْرة إذا أمكن حفظ الولد بمُرضِعةٍ غيرها، أو بحليب ونحوه، مع الأمن من الضَّرَر عليه، وإنْ لم يمكن ذلك وَجَبَ عليها إرضاعه.
ج. لا يجب على الأمّ إرضاع ولدها مجّانًا حتّى وإن انحصر الإرضاع بها لو أمكن حفظ الولد بلبن ونحوه مع الأمن من الضرر عليه. نعم مع الانحصار لها المطالبة بأجرة الإرضاع، ولو لم يكن للولد مال، ولم يكن الأب وإن عَلَا موسرين وَجَبَ على الأمِّ إرضاعُ ولدها مجَّانًا مع قدرتها، ويكون الإرضاع إمّا بنفسها وإمّا باستئجار مُرضِعَة أخرى، أو بغير ذلك من طُرقِ الحِفظ إن لم يكن مضرًّا به، وتكون الأُجْرة أو النفقة على الأمّ.
7. حقّ وكالة الطلاق:
- يجوز للمرأة أن تشترط على الزَّوج حال العَقْد أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها منه.
8. حقّ الإرث:
إذا مات الزَّوج يحقّ للزَّوجة أن ترثه من الأرض وغيرها. على التفصيل التالي:
- ترث من قيمة الأرض لا من عينها، وترث قيمة ما يُبنى على الأرض، وترث من المنقولات من عينها.
- إذا كان للزَّوج ولدٌ أو أكثر ولو من غيرها ترثُ الثُّمن، وإنْ لم يكن له ولدٌ ولو من غيرها ترثُ الرُّبْع.
144
116
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
حقوق الزَّوج في الإسلام
1. حقّ القوامة:
إنّ الزَّوج هو القيّم والمتولّي لشؤون الأُسرة، لكنّ هذا الحقّ لا يعني تسلّطه على الزَّوجة، فلا يجوز له تجاوزُ حقوقها، أو إهانتُها.
2. حقّ الاستمتاع بالزّوجة:
أ. يجوز للزَّوج أن يستمتع بزوجته بجميع الاستمتاعات، ما عدا مواردَ أربعة، لا يجوز فيها بعض الاستمتاعات أو جميعها، وهي:
الأوّل: إذا كان أحد الزَّوجَيْن أو كِلاهما في إحْرام العُمرة أو الحجّ، فلا تجوز جميع الاستمتاعات.
الثاني: إذا كانت الزَّوجة في حالة حَيْض أو نَفَاس، فلا يجوز للزَّوج العلاقة الخاصّة الكاملة فقط (والدخول قُبلاً)، وتجوز سائر الاستمتاعات.
الثالث: إذا كان كِلَاهما أو كانت الزّوجة -فقط- في حالة صَوْم الواجب، فلا يجوز للزَّوج الاستمتاعات المؤدّية إلى الجنابة عمدًا أو ما يلحق به.
الرابع: إذا كان الزَّوج مُعتكِفًا، أو كانت الزَّوجة مُعتكِفَة بِإذْنِ الزَّوج فلا تجوز له جميع الاستمتاعات في مدّة الاعتكاف.
ب. يجب على الزَّوجة أن تستجيب لزوجها بحقّه في الاستمتاع إن لم تكن مريضة مرضًا يمنع عن ذلك، وسواء أكانت راغبة في ذلك أم لا.
3. عدم جواز خروج الزَّوجة من البيت إلّا بإذن الزَّوج:
أ. لا يجوز للزَّوجة أن تخرج من بيت زوجها إلّا بِإذْنِ زوجها، سواء أكان خروجها منافيًا لحقّ الاستمتاع أم لا.
ب. لو خرجت الزَّوجة من دون إذْنِ زوجها تكون ناشِزاً. نعم، لا يجوز للزَّوج أن يمنعها عن الخروج لأداء واجب مضيق، كالخروج لأداء حجّة الإسلام أو لضرورة.
145
117
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
4. إذن الزَّوج في يمين الزَّوجة ونذرها:
أ. لا يصحّ ولا ينعقد يمينُ الزَّوجة مع منع الزَّوج، بل لا ينعقد من دون إذْنهِ أصلًا. نعم، إذا أَذِنَ لها باليمين صَحَّ وانعقد، ويجب عليها الوفاء به.
ب. لا يصحّ نَذْر الزَّوجة ولا ينعقد مع منع الزَّوج، سواء أكان النذر متعلّقًا بماله أو بمالها، حتّى وإن لم يكن العمل به مانعًا عن حقّه، بل لا ينعقد النذر من دون إذْنهِ أصلًا إذا كان حاضرًا معها.
لو أَذِنَ لها فنذرت انعقد النذر، وليس له بعد ذلك حلّه، ولا المنع عن الوفاء به. بخلاف اليمين فإن له حلّه بعد الانعقاد بإذنه.
5. حقّ الطَّلاق:
أ. الطَّلاق شَرْعاً بيد الزَّوج، وبناءً عليه يجوز للزَّوج أن يطلّق زوجته سواءً أكانت راضية بالطَّلاق أم لا.
ب. لا يجوز للزَّوج ترك بعض الحقوق الواجبة للزَّوجة، ولا أذيّتها بالضَّرر أو الشَّتم، أو غير ذلك، لتبذل له مالًا، ليمسك عن أذيّتها، أو ليطلّقها طلاقًا خلعيًّا. وبالجملة، لا يجوز له أذيّتها لتتنازل عن بعض حقوقها.
6. حقّ الولاية على الأولاد القاصرين:
أ. للأب مع أبيه (الجد للأب) وإن عَلَا الولاية على الأولاد القاصرين (لصِغَرٍ، أو جنون، أو سَفَه). فلهم حقّ رعاية الولد القاصر، وتولية شؤونه وتدبيرها، في صحّته النفسيّة والجسديّة، وفي شتّى أموره الدينيّة والدُّنيويّة، وتبقى هذه الولاية لهم حتّى يصير الولد بالغًا عاقلًا رشيدًا، وتكون لهم الولاية حتّى في المدّة الّتي تكون الحضانة فيها للزَّوجة (الأم).
ب. لا يجوز للأمّ ضرب ولدها تأديبًا إلّا بإذن وليّه مع مراعاة شروط التأديب.
7. حقّ الحضانة:
أ. الحضَانة تعني تدبير شؤون الولد في أموره العاديّة؛ من طعامه، ولباسه، ونومه، وتنظيفه، ودفع الأذى عنه، ونحو ذلك من الأمور الشَّخصيّة، وهي غير الولاية.
146
118
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
ب. يحقّ للأب حضانة ابنه الذّكر بعد إتمامه العامَيْن من عمره، ويحقّ له حضانة ابنته بعد إكمالها سبع سنوات هلاليّة.
ج. تنتهي الحضَانة إذا بلغ الولد وصار رشيدًا، فيصير مالكًا لأموره، ذكرًا كان أم أنثى.
د. إذا طلّق الرَّجل زوجته لا يسقط حقّها بالحضانة إلّا إذا تزوَّجت بغيره. ولا تسقط حضانتها بموت الزَّوج حتّى لو تزوَّجت بغيره، بل يصير لها حقّ الحضَانة إلى بلوغ الولد رشيدًا (الذكر والأنثى).
8. إذن الزَّوج في الصوم التطوّعيّ للزَّوجة:
الأحوط وجُوباً عدم صَوْم الزَّوجة التطوُّعيّ من دون إذْنِ الزَّوج.
9. حقّ الإرث:
يرث الزَّوج من زوجته بعد موتها، ويرث من كلّ شيء، فإن كان لها ولدٌ ولو من غيره يرثُ الرّبع، وإن لم يكن لها ولدٌ ولو من غيره يرث النِّصف.
10. إذن الزَّوج لزوجته في منع الحمل:
لا يجوز للزّوجة أن تستعمل وسائل منع الحمل من دون إِذْنِ الزَّوج.
أحكام النشوز
1. نشوز الزَّوجة:
أ. النشوز من الزَّوجة هو خروجها عن طاعة الزَّوج الواجبة، ويتحقّق نشوز الزَّوجة بعدم تمكين نفسها للاستمتاع، وبعدم إزالة المنفّرات المبعّدة عن التمتّع بها.
ب. من علامات وأَمَارات النشوز تغيير عادة الزَّوجة مع الزَّوج في القول أو الفعل، بأن تجيبه بكلام خَشِن بعد ما كان كلامها ليّنًا معه، أو أن تظهر عبوسًا وتقطّبًا في وجهه وتثاقلًا ودمدمة، بعد أن كانت على خلاف ذلك. ومن أَمَارات النشوز كلّ ما يُوجِب نفور الزَّوج منها وانصرافه عنها، بحيث تكون المنفّرات نوعًا من الامتناع غير المباشر من تمكين نفسها. ويستحبّ لها أن تتزيّن لزوجها وتتودّد له، وتعرض نفسها عليه.
147
119
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
ج. لا يجوز للزَّوجة أن تخرج من بيت زوجها لغير ضرورة أو لأداء واجب مضيّق إلّا بإذن زوجها، سواء أكان خروجها منافيًا لحقّ الاستمتاع أم لا. ولو خرجت من دون إذنه تكون ناشِزاً. لكن، يجوز لها الخروج من دون إذْنِ زوجها لأداء واجب مضيّق، مثل: الخروج لأداء حجّة الإسلام.
د. لا يتحقّق نشوز الزَّوجة بترك طاعة الزَّوج في ما ليست الطَّاعة بواجبة عليها، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائج الزَّوج الّتي لا تتعلّق بالاستمتاع، مثل: الكنس، والخِيَاطَة، والطَّبخ ونحوِ ذلك حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقّق النشوز.
ه. يجب على الزَّوجة الالتحاق بزوجها في البلد الّذي يعيش فيه إذا طلب منها ذلك، وكان تمكين نفسها لزوجها متوقّفًا عليه. وإن لم تستجب تعتبر ناشِزاً.
و. يجب على الزَّوجة إزالة المنفّرات المضادّة للاستمتاع، فإذا تركت التزيّن والتنظيف مع ميل الزَّوج لذلك تكون قد عَصَتْ، وتعتبر ناشِزاً ولا تستحقّ النفقة.
2. نشوز الزَّوج:
أ. يتحقّق نشوز الزَّوج بتعدّيه على الزّوجة وعدم القيام بحقوقها الواجبة، فإذا ظهر منه النشوز جاز لها المطالبة بحقوقها ووعظها إيّاه، فإن لم يؤثّر جاز لها أن ترفعَ أمرَها للحاكم الشرعيّ، ليُلزمه بأداء الحقوق لها مع الإمكان.
ب. إذا اطّلع الحاكم على نشوز الزَّوج نهاه عن فعل ما يَحْرم عليه، وأمره بفعل ما يجب، فإن نفع فلا كلام، وإن لم ينفع فيعمل الحاكم بما يراه صلاحًا، مثل تعزير الزَّوج، أو الإنفاق من مال الزَّوج -مثلاً- مع امتناعه من ذلك.
148
120
الدّرس الثالث عشر: فقه الزَّواج في الإسلام (2)
الأفكار الرئيسة
- من حقوق الزَّوجة على زوجها في الإسلام: حقّ النفقة والسَّكن، حقّ المعاملة بإحسان، حقّ المبيت، حقّ الحضانة، حقّ الإرث.
- من حقوق الزَّوج على زوجته في الإسلام: حقّ القوامة، حقّ الاستمتاع، حقّ عدم خروج الزَّوجة من البيت بدون إذْنهِ، حقّ الطَّلاق.
- النشوز من الزَّوجة هو خروجها عن طاعة الزَّوج الواجبة، ويتحقّق بعدم تمكين نفسها، وعدم إزالة المنفرات.
- يتحقّق نشوز الزَّوج بتعدّيه على الزَّوجة وعدم القيام بحقوقها الواجبة.
149
121
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن أبي الدنيا، عبد اللَّه بن محمد، الهم والحزن، تحقيق: مجدي فتحي السيد، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1412 - 1991م، ط1.
ابن أبي جمهور الإحسائي، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق وتصحيح: مجتبى العراقي، قم المشرّفة، دار سيد الشهداء للنشر، 1405ه، ط1.
ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1364ش، ط4.
ابن بابويه القمي، علي بن بابويه، فقه الرضا، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) - مشهد المقدسة، 1406ه.ق، ط1.
ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، قم المشرّفة، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، 1404ه، ط2.
ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415، لا.ط.
151
122
المصادر والمراجع
ابن فهد الحلي، أحمد بن محمد، عدة الداعي ونجاح الساعي، تحقيق وتصحيح: أحمد موحدي القمي، نشر دار الكتب الإسلامي، لا.م، 1407ه.ق، ط1.
ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405ه، لا.ط.
الأشعري القمي، أحمد بن محمد بن عيسى، النوادر، مدرسة الإمام المهدي | - قم المقدسة، مدرسة الإمام المهدي | - قم المقدسة، 1408، ط1.
الأصفهاني، السيد أبو الحسن، وسيلة النجاة، تعليق: الإمام الخميني، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني، إيران - طهران، 1422ه.ق، ط1.
البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1370ه - 1330ش، لا.ط.
البروجردي، السيد حسين الطباطبائي، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، إيران - قم المشرّفة، 1399ه، لا.ط.
البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410ه - 1990م، ط1.
الجواهري، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام، تحقيق وتعليق: محمود القوچاني، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1366ه.ش، ط2.
الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قم المشرّفة، 1414ه.ق، ط2.
الحسني، السيد هاشم معروف، سيرة الأئمّة الإثني عشر، دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1411ه.ق - 1990م، ط6.
الحميري القمي، عبد اللَّه بن جعفر، قرب الاسناد، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1413ه، ط1.
152
123
المصادر والمراجع
الخميني، الإمام روح اللَّه الموسوي، تحرير الوسيلة، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، إيران، مؤسّسة العروج، 1427ه.
الخوارزمي، الموفق بن أحمد، المناقب، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي - مؤسّسة سيد الشهداء (عليه السلام)، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1414ه.ق، ط2.
الدكتور سپوك، مشاكل الآباء في تربية الأبناء، المؤسسة العربية للدراسة والنشر، لا.م، 1980م، ط3.
الديلمي، الشيخ أبو محمد الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، انتشارات الشريف الرضي، إيران - قم، 1415ه - 1374ش، ط2.
رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، دار المنار، مصر، 1367ه.ق، ط3.
الرضي، الشريف محمد بن الحسين، المجازات النبوية، تحقيق وشرح: طه محمد الزيتي، منشورات مكتبة بصيرتي، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط.
زيد بن علي، مسند زيد بن علي، منشورات لبنان - بيروت، دار مكتبة الحياة، لا.ت، لا.ط.
الزيلعي، جمال الدين، تخريج الأحاديث والآثار، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة، لا.م، 1414ه، ط1.
سالاري فر، محمد رضا، الأسرة من منظور الإسلام وعلم النفس، تعريب: حسين حسين بور، مراجعة وتقويم لغوي: مسعود فكري، مؤسّسة دراسة وتدوين الكتب الجامعية للعلوم الإنسانية (سمت)، إيران - طهران، 2017م، ط1.
السبحاني، الشيخ جعفر، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إيران - قم المشرّفة، 1417ه.ق، ط1.
السبزواري، الشيخ محمد، معارج اليقين في أصول الدين، تحقيق علاء آل جعفر، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1410ه - 1993م، ط1.
153
124
المصادر والمراجع
سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي، سنن سعيد بن منصور، حققه وعلق عليه: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.
شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان)، الفضائل، منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها - النجف الأشرف، 1381ه - 1962م، لا.ط.
الشريف الرضي، السيد محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ه - 1967م، ط1.
الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي العاملي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، السيد محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية، 1386 - 1398ه، ط1.
الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام، مؤسّسة المعارف الإسلامية، مؤسّسة المعارف الإسلامية، إيران - قم، 1413ه، ط1.
الشيخ أبو الفتوح الرازي، حسين بن علي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن (فارسي)، تحقيق وتصحيح: دكتر محمد جعفريا حقّي - دكتر محمد مهدى ناصح، المطبعة: امور فنىوچاپ: مؤسّسهء چاپو انتشارات آستان قدس رضوى، الناشر بنياد بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوى، 1368 ه.ش، لا.ط.
الشيخ هادي النجفي، موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1423 - 2002م، ط1.
الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم المشرّفة، 1417ه، ط1.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الخصال، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري،
154
125
المصادر والمراجع
مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1403ه - 1362ش، لا.ط.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، المقنع، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي (عليه السلام)، مؤسّسة الإمام الهادي (عليه السلام) 5141ه، لا.ط.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1368 ش، ط2.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي - بيروت - لبنان، 1404 - 1984م، لا.ط.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1379ه - 1338 ش، لا.ط.
الصدوق، الشيخ محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ، ط2.
الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم المشرّفة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة، 1417ه، ط5.
الطبرسي، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1392ه - 1972م، ط6.
الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415ه.ق - 1995م، ط1.
الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية
155
126
المصادر والمراجع
- مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1414ه، ط1.
الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1364ش، ط3.
عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.
العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، إيران - طهران، 1422ه، ط1.
الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409ه.ق، ط2.
الفيروزآبادي، الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.
الفيض الكاشاني، المولى محمد محسن، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة، إيران - أصفهان، 1406ه.ق، ط1.
الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363ش، ط5.
الكوثر، مجموعة من خطابات الإمام الخميني (قدس سره) الّتي تتضمن تسجيلًا لوقائع الثورة الإسلاميّة خلال الأعوام (1962م- 1978م).
الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، إيران - قم المشرّفة، 1418ه.ق، ط1.
156
127
المصادر والمراجع
المازندراني، المولى محمد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421ه - 2000م، ط1.
المجلسي، العلامة محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2.
محبّي، سيدة فاطمة، الغرب وظاهرة الأسر ذات الوالد الواحد، ترجمة هاجر حسيني، فاطمة بختياري، مجلة المرأة.
المحقق الكركي، الشيخ علي بن الحسين، جامع المقاصد، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، 1408ه، ط1.
محمد بن سليمان الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، إيران - قم، 1412ه، ط1.
المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، 1417ه، ط1.
مطهّري، الشهيد مرتضى، التعليم والتربية في الإسلام، ترجمة: أحمد القبانجي، قلم مكنون، إيران - قم المشرّفة، 1385ه.ش، ط1.
المغربي، القاضي النعمان بن محمد، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، تحقيق وتصحيح آصف الفيضي، قم المشرّفة، نشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، 1427 ه، ط2.
مهريزي، مهدي، شخصية وحقوق المرأة، إيران-طهران، دار النشر العلمي-فرهنكي، 1382ه.ش، لا.ط.
النمازي الشاهرودي، الشيخ علي، مستدرك سفينة البحار، تحقيق وتصحيح: الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1418ه.ق، لا.ط.
157
128
المصادر والمراجع
النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ه - 1987م، ط1.
الهندي، الفاضل محمد بن الحسن، كشف اللثام، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1416ه.ق، ط1.
ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1368ش، ط2.
158