معالم مدرسة الشهيد سليماني

معالم مدرسة الشهيد سليماني


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للترجمة

مركز متخصص بنقل المعارف والمتون الإسلامية؛ الثقافية والتعليمية؛ باللغة العربية ومنها باللغات الأخرى؛ وفق معايير وحاجات منسجمة مع الرؤية الإسلامية الأصيلة.


إشارة

إشارة

ليس من السهل الكتابة عن شخصيّة الحاج قاسم أو التعريف بإنجازاته؛ فهذا يحتاج إلى الجرأة والإحاطة؛ شخصيةٌ تعدّدت خصائصها ومعالمها فظهرت في أعمالها؛ إذ قدّمت خدمات للمسلمين والمستضعفين في أصعب الظروف؛ شخصيّة عدّها الإمام الخامنئي مدرسةً؛ إذْ مزجت العلم بالعمل؛ وأظهرتْ في سلوكها مختلفَ جوانب القيم والأخلاق الإسلامية؛ ومثّلت سماحةَ الإسلام وشدّةَ بأسه في آن؛ وكانت النموذج المتألق للتّتلمذ في مدرسة الإسلام الأصيل التي بيّن معالمها الإمام الخميني؛ شخصية واجهت العالم المستكبر، وأفشلت خططه وأرعبتْ عملاءه، وساهمت في رسم بداية خريطة جديدة لمستقبل شرق آسيا. فقد بثّ الشهيد سليماني روح العزة في قلوب المستضعفين، فعقدت عليه آمالها عندما وفّر لها عدّة الدفاع عن وجودها وفتح لها آفاق الثقة بالنفس.

الحاج قاسم ثوريٌّ مهاجر، طوّاف الميادين وقائد محاور المجاهدين وحبيبهم؛ فشكّل حضوره معهم جبهةً مثقلة بالمعنويات؛ أينما حلّ فُتحت أبواب النصر؛ ولكَمْ أدخل البسمة إلى وجوه كثيرين من مظلومي العالم..

إن عمق قوة هذه الشخصية القيادية نابع من عمق فكره وأصالته، ومن قوة عقيدته وإيمانه بالغيب، ومن طاعته لقادته، وثقته بفريق عمله المنتشر في البلدان. ومن مظاهر ذلك وآثاره البارزة: معرفته العدو، وتخطيطه البعيد واستقطابه لعناصر القوة، والعمل على الوحدة بين جماعات المسلمين من السنة والشيعة، والتأليف

 

8


1

إشارة

بين الآراء. فقد حضرت في أعماله العقيدة والسياسة والمعنوية والعقلانية ومعرفة المجتمع وحراسة القيم والرؤية العالمية وروحية «طلب الشهادة»، إذ برزت بقوة في شخصيته، ولا نختم الحديث بمحبته للقراءة والكتاب فذلك بُعد آخر له دلالات هامة، وقد كتب المؤلف شهادات لافتة حول ذلك لا تدع مجالًا للشك بأن أحد أبعاد الشخصية القيادية: العلاقة بالكتاب والمطالعة..

حقيقٌ أن يُكشف النقاب عن كثير من أسرار هذه المدرسة الإسلامية الأصيلة التي خرّجت أمثال هؤلاء القادة، وأن يتعرف شباب العالم الحائر إلى فكرٍ ونهج يقدّم لهم وصفة التحرر والتقدّم والاستقلال والعزة..

كانت مبادرة سماحة الشيخ علي شيرازي الطيبة من خلال تدوين هذه المجموعة من المعالم خطوةً هامّة للتعرف إلى هذه الشخصية، فهو من الذين عملوا معه واقتربوا منه في كثير من الساحات الجهادية والثقافية.

وفي الختام؛ يسرُّنا أن نقدّم للقراء وخاصة الشباب والمهتمين هذا الإصدار «معالم مدرسة الشهيد سليماني»؛ الترجمة العربية لكتاب «شاخص هاى مكتب شهيد سليمانى» ولا يسعنا إلّا أن نشكر كل من ساهم في إعداده وترجمته ليبصر النور بهذه الحلّة: الكاتب: سماحة الشيخ علي شيرازي. فريق الترجمة: د. رلى السعيدي والحاجة فاطمة شوربا. المدقق اللغوي: الحاج عدنان حمّود. المخرج الفني: الأستاذ علي عليق. والشكر موصول لدار المعارف الإسلامية الثقافية في بيروت؛ ناشر النسخة العربية.

 

مركز المعارف للترجمة

ربيع الآخر 1442 هـ./ تشرين الثاني2020 م

 

9


2

توطئة

توطئة

الحاج قاسم سليماني، هو مدرسة. لقد دارت هذه الكلمة على الألسن، عندما قال الإمام الخامنئي في 27 دى 1398 [7 كانون الثاني 2020]، في إحدى خطبتي صلاة جمعة طهران: «علينا ألا ننظر إلى شهيدنا العزيز الحاج قاسم سليماني على أنه فرد، بل علينا أن ننظر إليه كمدرسة. علينا أن ننظر إلى شهيدنا القائد العزيز على أنه مذهبٌ، على أنه نهجٌ وعلى أنه مدرسة للتعلم، فلننظر إليه بهذه النظرة».

المدرسة [الفكرية]، هي بناءٌ [فكري] شامل ومتجانس، وهي بما تقدّمه من رؤية كونيّة ومن برامج، تقود البشرية نحو كمالها وغايتها.

يقول العلامة مرتضى مطهري في توضيحه لمصطلح «المدرسة»: «المدرسة تعني الحاجة لنظرية شاملة ولمشروع [فكري] جامع ومتناسق ومنسجم، هدفه الأساسي هو الكمال الإنساني وتحقيق السعادة الجامعة، ويجب أن يُحدّد فيه الخطوط الأساسية والمناهج، ما ينبغي وما لا ينبغي، الحسنات والسيئات، الأهداف والوسائل، الاحتياجات والمشاكل والحلول،

 

10

 

 


3

توطئة

والمسؤوليات والتكاليف، وأن تكون منبعَ إلهام التكاليف والمسؤوليات لجميع الأفراد»[1].

الإسلام هو مدرسة. ومدرسة الإسلام هي نظرية انتصار الإنسانية على الحيوانية، والعلم على الجهل، والعدالة على الظلم، والمساواة على التمييز، والفضيلة على الرذيلة، والتقوى على الانحلال، والتوحيد على الشرك. وبرؤية كهذه، فإن الإسلام العزيز هو مدرسة شاملة ذات نظرة واقعية.

وقد اهتمَّت هذه المدرسة بجميع جوانب الحاجات الإنسانية، بما فيها الدنيوية والأخروية، الجسدية أو الروحية، العقلية أو الفكرية، وبما فيها الأحاسيس والمشاعر، والحاجات الفردية أو الاجتماعية. مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام)، مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) ومدرسة الإمام الخميني؛ استلهمت جميعها من مدرسة الإسلام. نحن نعدّ مدرسة الإمام الخميني فرعًا لمدرسة الإمام الحسين (عليه السلام). ومدرسة الشهيد سليماني أيضًا، هي فرع لمدرسة الإمام الخميني.

من أجل تبيين مدرسة الشهيد الحاج قاسم سليماني، علينا بداية التعرّف إلى مدرسة الإسلام. وعلينا بعد ذلك، أن نعكف على تبيين مدرسة الرسول  (صلى الله عليه وآله) وأولياء الله تعالى، ونتعرف بدقة وعمق إلى مدرسة سيد الشهداء (عليه السلام). عندها ستتجلى مدرسة الإمام الخميني. وبالتعرف إلى مدرسة الخميني الكبير، فإن

 

 


[1] مجموعه آثار شهيد مطهرى [مجموعة مؤلّفات الشهيد مطهّري]، ج 2، ص 53.

 

11


4

توطئة

معالم مدرسة الشهيد سليماني تتوضح هي الأخرى.

إنّ توضيح كل ما ذكرناه يضيق بهذه المقدّمة. فحاولنا في هذا الكتاب، بعد إشارة إجمالية لمدرسة الإسلام المحمّدي الأصيل ولمدرسة الإمام الحسين (عليه السلام)، أن نبيّن معالم مدرسة الإمام الخميني، وبتبيين كل مَعْلم من معالم مدرسة إمامنا العظيم، حاولنا تطبيق معالم مدرسة الشهيد سليماني على مدرسة الإمام الخميني.

كما حاولنا الاستعانة بكلام الإمام الخامنئي من أجل تبيين معالم مدرسة الإمام الخميني، ليكون في ذلك، إضافة إلى دقّة الاستدلال، تبيينٌ لمدرسة الإمام الخامنئي، وليتّضح أكثر لقرائنا الأعزاء أن تلميذَ مدرسة إمامَي الثورة الإسلامية، أسّس مدرسةً امتدادًا لنهج قادة ثورته، تتطابق جميع معالمها مع الإسلام المحمّدي الأصيل.

والجدير بالذكر، أن المعالم التي سنذكرها وستقرأونها، ما هي إلا بعض معالم مدرسة سليماني وأهمّها، ذلك أنه لا يمكن تبيين جميع المعالم، التي يضيق صبر القارئ بها.

ولتبيين المعالم، استعنّا بكلام القائد الشهيد سليماني، وأضفنا حتمًا وجهات نظر الآخرين إلى وجهة نظر الشهيد، ليكون بين يدي القراء كتابٌ أمتعَ قراءة.

لا جرم أن هذا الكتاب هو بداية لمجموعة من الكتب، في سياق تبيين عظمة شهيد جبهة المقاومة الشامخ ومقامه الكبير.

 

12

 

 


5

توطئة

أعزائي القراء! نأمل من خلال نقدكم الجميل، أن يصل كتاب «معالم مدرسة الشهيد سليماني» إلى مرحلة كماله، وأن يتمكن من تقديم هذه المدرسة بصورة أبهى، حتى يغدو شهيدنا القدير أسوة لأجيال شباب العالم الحالي والآتي، بأكثر مما هو عليه اليوم، إن شاء الله.

 

علي شيرازي

 

13


6

المقدّمة

المقدّمة

تعتني المدرسة الإسلامية بالبديهيّات الأخلاقية، لكنها مع ذلك لا تقتصر عليها. ينبغي في نظر الإسلام أن يكون الوحي الإلهي هو من يحدّد المصاديق الدقيقة للأفعال الأخلاقية، ولِما هو حَسن ولِما هو سيِّئ، ولحدودهما. وهذه من ميزات المنظومة الأخلاقية المتعالية للمدرسة الإسلامية، التي تعتمد في هذا المجال على الوحي.

تعتمد المنظومة الأخلاقية الإسلامية على نمطٍ خاص من الرؤية الكونية، التي تقدم وجود الله تعالى كمبدِئ وخالقٍ للموجودات، وتقدِّم الإنسان كموجود مرتبط به ومفتقر إليه.

ومن وجهة نظر المدرسة الإسلامية، الإيمان والتقوى هما أساس القيم، وهما يرتبطان ببعضهما البعض على نحو ارتباط العلّة والمعلول. فعندما نقول إن مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) استلهمت من المدرسة الإسلامية، فمعناه أنّ مدرسة الإمام العاشورائية تقدم تلك الرؤية الكونية نفسها، وتصدر تعاليمها بناءً عليها، كما جاء فيما كتبه الإمام الحسين (عليه السلام) ردًّا على رسائل أهل الكوفة: «فلَعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب

 

14

 

 


7

المقدّمة

والقائم بالقسط والدائن بدين الحق، والسلام»[1].

وعندما نقول إن مدرسة الإمام الخميني هي فرع لمدرسة الإمام الحسين (عليه السلام)، فمعنى هذا أن ثورة الإمام الخميني الباعثة على الأمل، والتي جاءت بالبشرى، نشأت من مدرسة سيد الشهداء (عليه السلام)، وبشعار «هيهات منّا الذلّة»، وتشكّلت بناءً على قيام الإمام الحسين (عليه السلام). وعندما نقول إن مدرسة سليماني هي فرع لمدرسة الإمام الخميني، فمعناه أن رؤية القائد الشهيد سليماني مقتبسة من رؤية مولاه وإمامه الخميني الكبير. ومن هذا المنطلق، يقول الإمام الخامنئي في الخطاب التأبيني بمناسبة شهادة الشهيد سليماني، بتاريخ 13 دِى 1398 [3 كانون الثاني 2020]: «لقد كان مثالًا بارزًا لمن ترعرعوا في الإسلام وفي مدرسة الإمام الخميني (قدس سره)».

كتب القائد سليماني في مستهل وصيته: «اللهم لك الحمد أن قلّبتني بين الأصلاب، قرنًا إثر قرن، ومن صُلب إلى صُلب، وأذنتَ لي بالظهور ووهبتني الوجود في عصر أُدركُ فيه أحدَ أبرز أوليائك المقربين من المعصومين والمقترنين بهم، أعني عبدك الصالح الخميني الكبير، وأكون جنديًّا في ركابه».

من هذا المنطلق، فإن التبيين الدقيق والمتين لمدرسة الإمام الخميني، يمهّد الطريق للتعرف إلى مدرسة القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني. مدرسة الإمام الخميني هي مدرسة الإسلام المحمّدي الأصيل نفسها: مدرسة شقّت طريقها نحو

 

 


[1] الكامل لابن الأثير، ج 3، ص 267.

 

15


8

المقدّمة

القلوب والعقول ضمن النطاق الذي حدّدته لنفسها، وجذبت القلوب إليها بما لها من دعامة فكرية ومعنوية قوية وغنيّة.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1390 [04/06/2011]، في مراسم الذكرى السنوية لارتحال الإمام الخميني: «محبة الناس وإخلاصهم للإمام العظيم، تعني قبول مدرسة الإمام على أنها النهج الجَليّ والخطّ الواضح للحركة العامة للشعب الإيراني قاطبة». المدرسة التي:

الإمام الخميني حيّ بها،
استمرارية ولاية الفقيه [رهن] بها،
الجمهورية الإسلامية قائمة عليها،
آمال العالم الإسلامي معلّقة عليها،
هي عامل صمود الشعب الإيراني وعدم خضوعه،
هي الحاجة الراهنة للمجتمع الإنساني،
هي عامل هزيمة الاستبداد والاستكبار،
هي عامل قطع أيادي الناهبين عن إيران،
هي عامل تشكّل النظام الديني والإلهي،
تحمل رسالة ونهجًا جديدًا للإنسانية المعاصرة،
هي في العالم الراهن ظاهرةٌ حديثة لا يعتريها القِدَم،
ترتقي بإيران وبالشعب الإيراني والعالم الإسلامي إلى العدل والعزة والتقدّم.

قال الإمام الخامنئي في 30 ارديبهشت 1383 [19/05/2004]، في لقائه أعضاء اللجنة المركزية لإحياء الذكرى السنوية لارتحال

 

16


9

المقدّمة

الإمام الخميني: «لم يقدّم الإمام مدرسةً على المستوى العام ومن أجل إدارة البلاد وحسب، بل قدّم تفاصيل وثمار هذا الفكر أيضًا، وبرهن على أنه ملتزم بها ثابت عليها في العمل بأحكامه وتوصياته هو نفسه، وفي شؤون حياته الخاصة والعامة».

ومدرسة التلميذ الذي ترعرع في مدرسة الإمام الخميني، هي أيضًا رؤية شاملة، قدّمها إمامنا الكبير وسمّاها «الإسلام الأصيل».

يقول القائد الحاج قاسم سليماني في بهمن 1397 [شباط 2019]، في الليلة الثالثة من مجالس عزاء السيدة الزهراء (عليها السلام)، في بيت الزهراء في مدينة كرمان: «نال الإمام الخميني (قدس سره) شرف إحياء الإسلام».

وأضاف: «بإمكاننا في ظل الحكومة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية، نفض غبار الغربة لا عن التشيّع وحسب، بل عن الإسلام الأصيل».

يقول هذا القائد الحر الكبير، في أسبوع التعبئة عام 1397 [بين 21/11 و27/11 عام 2018]، وضمن حشد من الحرس الثوري في قوات القدس: «المهمة الملقاة على عاتق قوات القدس فيما يتعلق بمسألة الدين، هي استمرار رسالة رسول الإسلام العظيم، استمرار رسالة الأولياء العظام بعد الرسول».

هذه هي الرؤية التي تعطي مدرسة الشهيد سليماني شكلها، وتقدّم معالمَ كمعالم مدرسة الإمام الخميني، التي تعرض تفاصيل هذه المدرسة.

 

17

 

 


10

المقدّمة

ومن أجل هذا، فإنّا نعتقد أن مدرسة الشهيد سليماني هي الأخرى مدرسةٌ:

الشهيد سليماني ونهج الشهادة القاني حيٌّ بها،
استمرارية ولاية الفقيه بها،
الجمهورية الإسلامية وجبهة المقاومة قائمة عليها،
آمال العالم الإسلامي معلّقة عليها،
هزيمة الجبهة العالمية للاستكبار وللصهيونية ممكنة بها،
المجتمع العالمي وجبهة المقاومة يحتاجان إليها،
تشكيل الأمة الواحدة والحضارة الإسلامية الحديثة، ممكن ويتحقق في ظلها،
عدم استسلام جبهة المقاومة وصمودها، ممكن بها،
ظاهرة حديثة في العالم ولا يعتريها القِدَم،
ترتقي بجبهة المقاومة وجبهة مظلومي العالم ومستضعفيه إلى العدالة والعزة والتقدم.

استطاع الحاج قاسم سليماني بمدرسته أن يسقط راية تنظيم داعش الصهيوأميركي في منطقة غرب آسيا[1]، وأن يعلن نهاية سيطرة هذه الشجرة الملعونة الخبيثة.

 


[1] «منطقة غرب آسيا» مصطلح اقترحه سماحة القائد بديلًا عن مصطلح «منطقة الشرق الأوسط» الذي يتضمن نظرة استعمارية بريطانية لهذه المنطقة.

 

18


11

المقدّمة

في 30 آبان 1396 [21/11/2017]، كتب الإمام الخامنئي للقائد سليماني: «لم يكن هذا ضربة لتنظيم داعش الظالم والآثم وحسب، بل ضربة أقسى لسياسة خبيثة كانت تستهدف، من خلال الزعماء الأشقياء لهذا التنظيم الضال، إضرام حروب أهلية في المنطقة، والقضاء على المقاومة المعادية للصهيونية، وإضعاف الدول المستقلة، وقد كانت ضربة استهدفت الإدارة الأميركية السابقة والراهنة، والأنظمة المرتهنة لها في هذه المنطقة... إنه نصر إلهي... أُثِبتُم به، أنت ورفاقك في القتال، نتيجة جهادكم المتواصل ليل نهار».

مدرسة الشهيد سليماني هي أيضًا كمدرسة الإمام الخميني، تحمل رسالة جديدة للعالم، وتقترح نهجًا جديدًا. يوجد في هذه المدرسة الجميلة التي تستحق الثناء أمورٌ، البشرية عطشى لها.

تتضمن مدرسة القائد السليماني معالم، موجودة كلها في مدرسة الإمام الخميني:

 

19

 

 


12

التوحيد

التوحيد

التوحيد هو الأصل الاعتقادي الأساس في الإسلام، وهو بمعنى الاعتقاد بأن الله واحدٌ لا كفؤ له، وأنه لا شريك له في خلق عالم الوجود. والتوحيد في مقام العمل، يعني أن لا ننحني تعظيمًا لأحد أو لشيء سوى الله الواحد، وأن نكفر أيضًا بالطاغوت.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1394 [04/06/2015]: «تتضمن المنظومة الفكرية للإمام [الخميني] جميع مكوّنات مدرسة فكرية واجتماعية وسياسية. فهي أولًا تعتمد وترتكز على رؤية كونية، هي التوحيد. وكانت كل أعماله وكل منطقه يعتمد على التوحيد، الذي هو الركن الأساس لكل الفكر الإسلامي».

يقول سماحته في 16 فروردين 1374 [15/04/1995]: «كان ذاك الإمام الكبير موحدًا، وكان التوحيد يسري في كل أركان وجوده. كان كل وجوده قد آمن بالله وبعظمته وبعزته تعالى».

في 5 آذر 1357 [26/11/1978]، وفي حوار له مع صحافي لجريدة دانماركية، قال الإمام الخميني: «برنامجنا في الحكومة الإسلامية مبنيّ على التوحيد».

وكتب في رسالة النيروز بتاريخ 3 اسفند 1366 [22/02/1988]:

 

20


13

التوحيد

كل ما عدا صراط التوحيد المستقيم، فهو منكر».

قال الإمام الخامنئي في 23 آبان 1391 [13/11/2012]: «التوحيد هو الاعتقاد بالله تعالى والكفر بالطاغوت، عبودية الله تعالى ونفي عبودية سواه».

يقول الله تعالى في الآية 36 من سورة النحل في تبيين التوحيد: «... اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ».

وبهذه الرؤية، يقول الإمام الخامنئي في 12 آذر 1379 [02/12/2000]: «التوحيد كما هو الاعتقاد بوجود الله، فهو أيضًا نفي الألوهية والعظمة عن الأصنام والأوثان والأخشاب التي ينحتها الإنسان [بهدف العبادة]، وعن الناس الذين يدّعون الألوهية، وأيضًا عمّن لا يدّعون الألوهية إلا أنهم يريدون القيام بعمل إلهي».

وبهذا التعريف، جاء في نداء الحج الذي وجّهه الإمام الخميني في 6 مرداد 1366 [28/07/1987] لحجاج بيت الله الحرام: «إعلان البراءة في الحج، هو تجديدٌ لميثاق النضال، وتمرينٌ لتشكّل المجاهدين بغية مواصلة الصراع ضد الكفر والشرك وعبدَة الأوثان، وهذا لا يختصر بالشعار؛ فهو مقدمة معلنة لصياغة شرعية المجابهة وتنظيم جنود الله تعالى مقابل جنود إبليس والأبالسة، والذي يُعدّ من المبادئ الأوليّة للتوحيد».

وقبل ذلك، في 23 آبان 1344 [13/11/1965]، قال مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران: «رسول الإسلام  (صلى الله عليه وآله)... كتبَ أربعَ رسائل لأربعة أباطرة: في إيران، في روما، في مصر وفي

 

21


14

التوحيد

الحبشة... وقد تضمنت هذه الرسائل الأربع التي كتبها  (صلى الله عليه وآله) للأباطرة معنًى واحدًا: وهو دعوتهم إلى الإسلام وإلى التوحيد».

وقال أيضًا في 5 شهريور 1364 [27/08/1985]: «يجب علينا أن نعرّف الناس إلى التوحيد. يجب على العلماء الأعلام أن يعرّفوا الناس إلى التوحيد».

وفي 20 خرداد 1357 [10/06/1978]، قال الإمام الخميني: «لقد بذل رسول الإسلام العظيم كل ما يملك في سبيل الإسلام، لكي ترفرف راية التوحيد عاليًا، ونحن، وبحكم اتّباعنا لذلك الإنسان العظيم، يجب أن نبذل كل ما لدينا لتستقرّ راية التوحيد».

وقال ذاك الحكيم المتألّه في 4 آبان 1357 [26/10/1978]: «لقد قطعنا بشعار التوحيد والإسلام يد أسرة پهلوي ومنظومة نهب النفط عن البلاد».

وقال في 5 ارديبهشت 1358 [25/4/1979]: «من خلال التحولات الروحية أقبل هذا الشعب، قلبًا واحدًا وجبهة واحدة وباتجاه التوحيد، على الإسلام، وأثمر هذه النهضة المقدسة».

بهذه الرؤية، يقول القائد سليماني عام 1389 [2010] في ذكرى شهداء مدينة خانوك في محافظة كرمان: «لقد وصلَ الشهيد إلى هذا المقام العظيم بالاتكاء على الإخلاص النابع من أصول الدين الخمسة. يمكن القول: إن شهداءنا كافة هم الشهداء الحقيقيون لأصول الدين، أي عندما نتحدث عن التوحيد، فإنّ التوحيد يختلف في رؤية الشهيد عنه في تصوّرنا. لذا، فإن ذاك

 

22

 

 


15

التوحيد

التصور عن التوحيد، قد وهب الشهيد المعرفة، التي أوصلته إلى هذا المقام العظيم والجليل»[1].

لقد أخذ الشهداء هذا التوحيد من القرآن والأدعية، ومن إمامَي الثورة الإسلامية.

يقول القائد الحاج قاسم سليماني في أسبوع التعبئة عام 1390 [2012] في حشد من الحرس الثوري: «إن الأدعية التي تقرأونها هي عمومًا أدعية توحيدية: من قبيل دعاء كميل، دعاء السمات، مناجيات الصحيفة [السجادية]، دعاء أبي حمزة و...».

كان يعتقد بأن قراءة الأدعية وتلاوة القرآن توصل الإنسان إلى التوحيد، خاصة التوحيد الصانع للشهداء، التوحيد الذي يؤسس للاعتقاد بالله تعالى وللكفر بالطاغوت، ويحدّد عبودية الله تعالى.

لقد وقف الحاج قاسم سليماني بهذا التوحيد في وجه الشاه وصدام وداعش وأميركا وإسرائيل، وحقق انتصارات متعاقبة، وبذل روحه فداءً لعزة المسلمين وفداءً للتوحيد.

لطالما كان القائد سليماني يدعو الآخرين أيضًا للتوحيد، وللارتباط بالله تعالى، وكان يعتبر الخلوة مع الله تعالى تؤدي إلى طمأنينة قلب الإنسان. في 26 اسفند 1395 [16/03/2017]، كتب في رسالة لفاطمة ابنة الشهيد حاج مهدي مغفورى: «ابنتي! إن الخلوة مع الله تعالى هي أهمّ مسكّن لآلامك، تمامًا كما

 


[1] برادر قاسم [الأخ قاسم]، ص105.

 

23


16

التوحيد

قرّب أبوك الكريم نفسه من الله تعالى بهذه الخصال القيمة، وكالشمعة أضاء اليوم مقبرة الشهداء، [فأضحى] الناس يحومون حول قبره كالفراشات، فيقضي الله تعالى حوائجهم التي سألوها عنده. ابنتي! هذه هي العزّة الباقية. ابتني! إنّ سيرة أبيك هي أكثر السير نجاحًا، والتي كانت نتيجتها عزة الدنيا والآخرة».

وكتب أيضًا في مذكّرة بتاريخ 28 دى 1378 [18/01/2000] لفاطمة مغفوري: «فاطمة العزيزة! لقد كان أبوك الكريم أسوة لنا جميعًا ولكل كرمان».

وفي 10 فروردين 1394 [30/03/2015]، يكتب هذا القائد الشامخ في رسالة لابنة أحد قادة قوّة القدس: «ابنتي! كل من عرف الله تعالى، يحصل له شوق خاص إليه تعالى، خاصة في العبادات، ويبتعد عن المعاصي والذنوب. من رأى وعرف عظمة الله عز وجل، فإنه يطهر ويزهد. معرفة الله سبحانه وتعالى تفضي إلى تسليم الإنسان ورضاه. معرفة الله تعالى، تفضي إلى الاستغناء عن الآخرين».

هو نفسه ومن خلال نيله لهذه الخصال جميعًا، عرف الله تعالى جيدًا، واستغرق في معرفة الله، وأدرك التوحيد بكل وجوده، وأضحى موحّدًا وذاب في الله تعالى.

 

24

 


17

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

العشق هو الحب الشديد. عشق الإسلام المحمّدي الأصيل، يعني الحب الشديد للإسلام الأصيل وللعمل بالأحكام الإلهية.

يقول الإمام الخامنئي في إحدى خطبتي صلاة الجمعة في 14 خرداد 1378 [04/06/1999]: «لم يكن الإمام يرى قيمةً أرفعَ من قيمة الإسلام. كانت الثورة ونهضة الإمام من أجل حاكمية الإسلام... والسرّ في نجاح الإمام هو أنه وضع بصراحة ومن دون مواربة الإسلام على كفّه وأعلن أنه يريد العمل من أجل الإسلام، وأن كل شيء هو تحت ظل الإسلام».

وقال سماحته أيضًا في 14 خرداد 1389 [04/06/2010]، في إحدى خطبتي صلاة جمعة طهران: «إن النقطة الأولية والأكثر أصالةً في مباني الإمام وفي آرائه، هي مسألة الإسلام المحمّدي الأصيل، أي الإسلام الذي يقارعُ الظلم، الإسلام الذي ينشدُ العدل، الإسلام المجاهد، الإسلام المناصر للمحرومين، الإسلام المدافع عن حقوق الحفاة والمعذبين والمستضعفين... كان الفكر الإسلامي الأصيل، هو الفكر الدائم للإمام الكبير».

وكإمامه ومقتداه؛ كان فكر القائد الإسلامي الرشيد، الحاج

 

26


18

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

قاسم سليماني، هو أيضًا فكر الإسلام المحمّدي الأصيل. كان هذا القائد الكبير مقارعًا للظلم بكل ما للكلمة من معنى، وناشدًا للعدالة ومدافعًا عن محرومي العالم ومستضعفيه، وأخذ إسلامه عن الإمام الخميني.

في 8 اسفند 1397 [27/02/2019]، وضمن فعاليات مؤتمر «رسالة الحوزة والخطوة الثانية للثورة الإسلامية»، قال: «لقد بيّن الإمام الخميني الإسلام الأصيل، وأحيا بناء الإسلام النبوي، وقد كان هذا الإسلام في غربة لقرون».

كان الحاج قاسم سليماني تابعًا لهذا الإسلام المحمّدي الأصيل. كان إسلامه اسلام أهل البيت(عليه السلام)، إسلام عدم الخشية من مستبدي العالم، إسلام التعبّد، إسلام التعقّل، إسلام الحياة وصناعة الحياة، إسلام العلم والمعرفة، إسلام إنقاذ المحرومين، إسلام العدل والقسط، إسلام العزة والشموخ وإسلام المظلومين والحفاة.

كان إسلام القائد الفريق سليماني هو الإسلام الأصيل والخالص، إسلام التوحيد والوحدة بين الأمة الإسلامية والشعب الإيراني، إسلام «لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»[1]، إسلام «الإسلام يعلُو ولا يُعلى عليه»[2]، إسلام «أشِدّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَينَهُم»[3]، إسلام بذلَ الرسول الأكرم

 


[1] النساء، 141.

[2] وسائل الشيعة، ج 26، ص 14.

[3]  الفتح، 29.

 

27


19

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

والأولياء الإلهيون أرواحهم في سبيله، وبذل الإمام الحسين (عليه السلام) مهجته ومهج أحبائه في سبيله، الإسلام الذي قضى إمامنا العزيز والكبير حياته في الدعوة إليه، الإسلام الذي يهب حفاة العالم ومعذّبيه القوة والعزة والسيادة، ويسقط الطغاة والمستبدين والمستكبرين الظلَمة والخونة عن عروش هيمنتهم.

أخذ القائد العزيز سليماني هذه الرؤية عن الإمام الخميني. في 19 بهمن 1397 [08/02/2019]، في بيت الزهراء مدينة كرمان، وبعد إشارته إلى أن الإمام الخميني حاز فخر إحياء الإسلام الأصيل، قال: «هذه هي الأجواء التي يمكننا فيها أن ننفض غبار الغربة لا عن التشيع فحسب، بل عن الإسلام أيضًا».

وفي مرحلة من التاريخ، صار هو نفسه رائد هذا المسير، ونفض ببسالة وحنكة وحكمة غبار الغربة عن وجه الإسلام المحمّدي الأصيل، وبشهادته قوّى وعزّز حركته في طريق الإسلام الحقيقي.

ذكر حجة الإسلام سعيد رضا عاملي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثورة الثقافية، في خطابه بمناسبة شهادة القائد سليماني: «كان القائد سليماني أكثر شخصيات الثورة الإسلامية محبوبيّة، ولم يكن يفكّر بشيء أبدًا سوى بالعمل من أجل عزة الإسلام والمسلمين ومظلومي العالم، وقد كان مظهر مقارعة نظام الهيمنة والظلم العالمي، وكرّس حياته في سبيل مقارعة الظلَمة والدفاع عن المظلومين، والحق، فقد كان المصداق الكامل لاتّباع الإسلام المحمّدي الأصيل».

 

28


20

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

يقول الشيخ خالد الملا، أحد علماء سنة العراق البارزين: «لقد ترك الحاج قاسم سليماني وطنه، وانكبّ في الصحاري والبوادي على تقديم الاستشارة للعراقيين في حربهم ضد الإرهاب، وكان ينام على رمال الصحراء. إنه رجل عظيم يأتي إلى العراق ويذهب إلى سوريا أيضًا من أجل حماية الإسلام والمسلمين».

يقول الإمام الخامنئي في 19 شهريور 1392 [10/09/2013]: «لا شكّ ولا ريب أن المساعي والخدمات القيّمة التي قدّمها القائد سليماني للإسلام وللمسلمين، هي ذخيرة قيمة في سجل العدل الإلهي».

وجاء أيضًا في خطاب سماحته بمناسبة شهادة القائد سليماني: «كان القائد الشهيد قاسم سليماني نموذجًا بارزًا لمن تربوا في الإسلام وفي مدرسة الإمام الخميني».

في 10 خرداد 1369 [31/05/1990]، كتب سماحته في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لارتحال سماحة الإمام الخميني: «لقد طُويت في مدرسة الثورة التي أسسها إمامنا صفحةَ الإسلام السفياني والمرواني، إسلام المناسك والشعائر الخاوية، الإسلام الذي كان في خدمة المال والسلطة، وخلاصة القول، الإسلام الذي كان وسيلة في أيدي قوى الهيمنة، والذي كان آفةَ أرواح الشعوب، وعلا الإسلام القرآني والإسلام المحمّدي العرش، الإسلام الذي هو خصمٌ للظالم وعون للمظلوم، الإسلام المعادي للفراعنة، وخلاصة القول، الإسلام

 

29


21

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

الذي هو قاصم الجبارين، ومقيم حكومة المستضعفين».

الإسلام الأصيل هو سبيل شهداء كربلاء

سبيل الحسين، سبيل علي وسبيل الأنبياء

[اسلام ناب، راه شهيدان كربلاست

راه حسين، راه علي، راه انبياست][1]

مدرسة سليماني هي مدرسة تشكّلت في مدرسة الثورة هذه، والشهيد الحاج قاسم سليماني تربى في هذه المدرسة التي أسسها إمامنا العزيز.

الميزات والعناصر المهمة المؤلفة لمدرسة الشهيد سليماني، هي نفس الميزات والعناصر المؤلفة للإسلام المحمّدي الأصيل. مدرسة سليماني هي امتداد لمدرسة الإسلام الأصيل، وهي تلائم إنسانًا كاملًا.

تعتمد هذه المدرسة على أسس ثلاثة: المعرفة الإسلامية، السير والسلوك والأحكام الدينية. لقد تكامل عرفان القائد سليماني وأحواله المعنويّة في المدرسة التوحيدية. وكانت شجاعته ثمرةَ تهذيب النفس، والتغلّب على العدو الباطني، وثمرةَ إخلاصه. كانت روحيته النضالية والجهادية نابعةً من تكليفه الإلهي.

لقد وصل إلى السبيل الإلهي وإلى صراط الهداية المستقيم.

يقول الله تعالى في الآية 69 من سورة العنكبوت: «وَالَّذينَ

 


[1] [غلامرضا سازگار].

 

30


22

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا». لقد دلّ الله تعالى الحاج قاسم سليماني على سبيل القرب، وأخذ بيده حتى الوصول إلى الغاية.

جاء في الآية 17 من سورة محمد  (صلى الله عليه وآله): «وَالَّذينَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُم». لقد وسّع تقبّل الهداية الوعاءَ الروحي لهذا القائد العزيز، ونال بعون الله تعالى التقوى. وأتم الله تعالى عليه النعمةَ وهداه إلى الصراط المستقيم: «وَيَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقيمًا»[1].

نقرأ في الآيتين 6 و7 من الفاتحة: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ 2 صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم». الإسلام المحمّدي الأصيل هو صراط الله المستقيم. الصراط المستقيم هو صراط الرسول  (صلى الله عليه وآله) والأئمة والشهداء. جاء في الآية 69 من سورة النساء: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيين والصِّدِّيقِينَ وَالشُهَدَاءِ وَالصَّالِحِين».

تكاملت مدرسة الشهيد سليماني في مسير التكامل هذا، وارتبطت بالإسلام المحمّدي الأصيل، الإسلام الأصيل الذي تحدث عن معالمه في 7 آذر 1397 [28/11/2018] في جامعة الشهيد باهنر في مدينة كرمان: «المعالم المهمّة للإسلام الأصيل في نظر القائد، هي مقارعة الظلم، المطالبة بالعدل، الدفاع عن المظلومين، بثّ الأمل، القضاء على الخوف والجهل في المجتمع».

 

 


[1] [الفتح، 2].

 

31


23

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

انظر! عينُ العالم على الحقيقة فُتِحت

أمواجُ إسلام محمد عَلَت

[بنِگر، چشم جهان، رو به حقیقت واشد

موج اسلام محمد به فراز آمده است][1]

هذا هو الإسلام الذي أحياه الإمام الخميني، كما قال الحاج قاسم سليماني عام 1397 [2018] في الليلة الثالثة من مجالس عزاء شهادة السيدة الزهراء (عليها السلام) في بيت الزهراء في مدينة كرمان: «نال الإمام الخميني (قدس سره) شرفَ إحياء الإسلام، الإسلام الذي وهب المسلمين العزة، الإسلام الذي أسقط مستبدّي العالم، الإسلام الذي هزّ أسس حكومة المستكبرين، الإسلام الذي أوجدَ الجمهورية الإسلامية، وجعلها أسوة للعالمين، الإسلام الذي غدا عاملَ بقاء النظام الديني، الإسلام الذي أحبط مؤامرات الشرق والغرب».

يقول القائد الحاج قاسم سليماني في 22 بهمن 1396 [11/02/2018]، في جمع حاشد من أهالي كرمان: «بالاعتماد على الإسلام المحمّدي الأصيل؛ استطاعت إيران اليوم أن تُجهض كل المؤامرات، ذلك لأن العارف بأمور زمانه لا ينخدع بالعدو... إنَّ العدوَّ يخشانا».

خوفُ العدو منَّا وفشلُ أحابيله، هو ثمرةُ تبعيَّتنا للإسلام المحمّدي الأصيل، الإسلام الذي أصرّ عليه الإمام، والذي دَعَتنا

 

 


[1] [القائد محمدرضا نقدى].

 

32


24

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

لتبعيَّته مدرسة سليماني أيضًا.

اتّباعُ الإسلام المحمّدي الأصيل، هو أعظم رسائل مدرسة سليماني. اتّباع الإسلام الحقيقي هو أيضًا اتّباع الإمام الخميني والإمام الخامنئي.

يرى الحاج قاسم سليماني مدرسةَ الإمام الخميني امتدادًا لمدرسة الإسلام، وكان أيضًا يرى في مدرسة الإمام الخامنئي امتدادًا لمدرسة الخميني الكبير. يقول في 7 آذر 1397 [28/11/2018] في جامعة الشهيد باهنر في مدينة كرمان: «يرى قائد الثورة، أن العزة والقوة والثروة في نظر الإسلام الأصيل تترافقُ مع الروحانية الصحيحة. وأنّ الروحانية هي العاملُ الفاعل في كل هذه الأمور. الصلابة، الإمكانات المادية، الحرية الحقيقية التي تعتق الإنسانية من جميع القيود، بالإضافة إلى الروحانية، هي من العناصر المؤلفة للإسلام الأصيل».

قال الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1382 [04/06/2003]: «إن الإسلام يسعى نحو سعادة الإنسان. الإسلام يعارض الظلم والتمييز والفساد. لقد ورد الإسلام الميدان من أجل رخاء الناس إلى جانب المعنوية. وقد كرر الإمام التصريحَ بهذا الأمر منذ بداية النضال وحتى تأسيس النظام الإسلامي وإلى آخر عمره. وبرهنَ إمامنا العظيم على المعجزة العظيمة التي يحققها الفقه الإسلامي؛ أي قوانين إدارة حياة الناس، إلى جانب الفلسفة الإسلامية؛ أي الفكر المنير والعميق والاستدلالي، والعرفان الإسلامي؛ أي الزهد والانقطاع إلى الله والإعراض عن هوى

 

33

 


25

عشق الإسلام المحمّدي الأصيل

النفس، في العالم الإسلامي. لقد أثبت الإمام عمليًّا أن الإسلام السياسي هو إسلام المعنويّات... إنكم ترون في كل دولة إسلامية تسافرون إليها، أن الإسلام الحي، من وجهة نظر النخبة والشباب والجامعيين والمفكرين والعلماء والأحرار في ذاك البلد، هو الإسلام الذي بإمكانه المحافظة على شعبه وحمايته في وجه مستبدي العالم وبلطجييه وطغاته ومعتديه، وبإمكانه المحافظة عليهم، والذي لا يسمح بتدخل العدوّ وهيمنته وسيطرته على الناس. هؤلاء يريدون هذا الإسلام، وهذا هو معنى الإسلام المحمّدي الأصيل».

هذا هو معنى الإسلام الأصيل في مدرسة الإمام الخميني، وفي مدرسة الإمام الخامنئي، وفي مدرسة الشهيد سليماني. إن جميع المعاني تنسجم مع بعضها البعض في هذه المدارس الثلاث، لأن أساس كل هذه المدارس هو المدرسة المحمدية والعلوية والحسينية.

 

34


26

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

الولاء يعني المحبة بإخلاص. الولاء لأهل بيت رسول الإسلام الأكرم، يغرس في وجود الإنسان الحب والتبعية الخالصة للأئمة الأطهار (عليه السلام)، والإقبال عليهم والتوسل بهم.

يقول الإمام الخامنئي في 28 دى 1368 [8/01/1990]، لدى لقائه ذاكري أهل البيت (عليه السلام) ومدّاحيهم[1]: «إمامنا العزيز -هذا الإنسان العظيم في عصرنا- كان يُظهر اهتمامًا فائقًا بمدح الأئمة (عليه السلام)... عندما يهتم إنسان في مثل مكانته العالية بهذا الأمر إلى هذه الدرجة، فهذا يدلّ على عظمة هذا الأمر».

بنظر هذا الإنسان الإلهي، فإنّ الحركة حول محور ولاية المعصومين وأولياء الحق تعالى؛ ستكون أساسًا للسير في الملكوت، وللتربية المعنوية ولتزكية النفس ونيل المقصد الأسنى والمرصد الأعلى[2].

كان الإمام الخميني يعتقد أنّ: «لأهل بيت العصمة والطهارة(عليه السلام) مقامات معنويّة شامخة في السير المعنوي إلى الله تعالى، وإدراكها

 


[1] الشعراء والرواديد الذين ينشدون الأشعار والمدائح أو الرثاء وقراءة العزاء.

[2] شرح حديث جنود عقل وجهل [شرح حديث جنود العقل والجهل]، ص 402.

 

36


27

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

أيضًا فوق طاقة البشر، وفوق عقول أولي العقول وشهود أصحاب العرفان، وكما هو ظاهر من الأحاديث الشريفة فإنهم يشتركون مع الرسول الأكرم  (صلى الله عليه وآله) في المقام المعنوي، وخُلقت أنوارهم المطهرة قبل خلق العوالم، وكانت منكبة على تسبيح الذات الإلهية المقدسة وتحميدها».

مع هذه الرؤية التي يمتلكها هذا الرجل الرباني والمعنوي والإلهي إزاء أهل البيت (عليه السلام)؛ فمن الطبيعي أن يهيم عشقًا بأولئك الأئمة المعصومين (عليه السلام) وبفاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأن يبذل روحه في سبيل مدرستهم، وأن يدعو العالم إليهم، وأن يتوسل بهم كل صباح ومساء، وأن يجهش بالبكاء لمصائبهم، وأن يفرح لفرحهم.

ضمن تبيين مقام ومنزلة الزهراء (عليها السلام)، يقول هذا العارف الحكيم في 26 ارديبهشت 1358 [16/05/1979]: «لقد تجلّت، وكانت متجلّية، جميع الأبعاد [الكمالية] التي يمكن تصورها للمرأة، والتي يمكن تصوّرها للإنسان في فاطمة الزهراء(عليها السلام). لم تكن امرأة عادية؛ كانت امرأة روحانيّة، امرأة ملكوتية، إنسانًا بكل ما للكلمة من معنى، النموذج التام للإنسانية، الحقيقة التامة للمرأة، الحقيقة التامة للإنسان. لم تكن امرأة عادية، كانت موجودًا ملكوتيًّا تجلّى في العالم بصورة إنسان... كل درجات الكمال التي تتصور للإنسان وتتصور للمرأة موجودة بتمامها في هذه المرأة... إنها امرأة اجتمعت فيها كل خصائص الأنبياء... الروحانيات، المظاهر الملكوتية، المظاهر الألوهية،

 

37


28

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

المظاهر الجبروتية، المظاهر المُلكية والناسوتية، كلها اجتمعت في هذا الموجود».

ومن منطلق هذه الرؤية، فإن تلميذ هذه المدرسة أيضًا يرى أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) تحل المشاكل وتفك العقد، ويهتم بمدّاحيها وبأبنائها، وتفيض عيناه دمعًا عند ذكر اسمها، ويتوسل بها.

يقول حجة الإسلام سيد رضا اكرمي: «كلما كانت تعرض للحاج قاسم مشكلة في الجبهة، كان يقول: ابحثوا عن قارئ لمجالس العزاء، ليرفع مشكلتنا باسم فاطمة (عليها السلام)[1] ».

يقول السيد أحمد يوسف زاده، أسير الحرب المفروضة المحرر، ومؤلف كتاب «أولئك الثلاثة والعشرون فتى»: «في الليلة التي كان من المقرر فيها تنفيذ عملية «والفجر 8»، ظهر في الأفق غيم غير مرتقب، وانتشر في السماء، فكنّا نواجه الريح من جهة ونواجه المطر من جهة أخرى!... كان يجب على الحاج قاسم أن يعبر بغوّاصيه النهر بهدوء ومن دون ضجيج عند حلول الظلام، ليحتل خطوط العدو... لكن، ماذا كان بوسع الحاج قاسم فعله مع هذا الغيم المفاجئ والمزعج، سوى أن يجمع غوّاصي الفرقة حوله، ويكظم غيظه، ويقول بصوت هادئ وعين دامعة: إخواني! لقد وقع ما لم يكن ينبغي له الوقوع. بناءً على التوقعات، فيجب أن تكون السماء الآن صافية ويكون [نهر] أروند هادئًا، لكنه ليس كذلك. وقد بقي أمامنا سبيل واحد فقط لخوض أمواج أروند

 

 


[1] سايت جماران [موقع جماران]، 27 ارديبهشت 1399.

 

38


29

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

العاتية؛ أن نقسم على الماء بضلع الزهراء (عليها السلام) المكسور»[1].

أنتِ الساقي ونبع الخير الكثير والكوثر

أنت النور والزهراء والمرضية وسيدة الماء، يا فاطمة

ناديتُ يا غياث المستغيثين وأدركتُ

شرط الاستجابة في ساحته، أنتِ يا فاطمة

[ساقى وسرچشمۀ خیر کثیری، کوثری

نور، زهرا، بانوی آب ای، فاطمه

یا غیاث المستغیثین گفتم ودریافتم

پیش درگاهش تو شرط استجاب ای، فاطمه][2]

وفي لقاء له بجمع من المجاهدين وعوائل الشهداء؛ قال ذلك القائد القدير أثناء مرحلة قيادته لفرقة ثار الله (عليه السلام): «في عمليات «والفجر 8»، حين وقعت أعيننا على مياه أروند المخيفة والهائجة والعاتية، لم يكن لدينا آنذاك اسم نعرفه أكثر من اسم الزهراء (عليها السلام). لذا، ناديناها في تألّق دموع التعبويين الغريبة والمظلومة، وسيطرنا باسم الزهراء (عليها السلام) على أروند، وعبرناه. في عمليات «كربلاء 4»، عندما فتح العدو معربدًا نار الرشاشات والقاذفات والمدافع على الساحل، وجرت أنهار الدماء نحو أروند، لم يعد أي عمل ينجع آنذاك، ولم يكن

 

 


[1] خبرگزاری دانشگاه آزاد اسلامی [وكالة جامعة آزاد إسلامي الإخباريّة]، 9 بهمن، 1398.

[2] [الشاعرة مونا كرمي].

 

39


30

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

يجري على الألسن إلا اسم السيدة الزهراء (عليها السلام)... وعندما كان العراقيون مستقرين عند ضفاف أروند يطلقون النار على المجاهدين، حينذاك أيضًا، كان سلاحنا الناجع السيدة الزهراء (عليها السلام). عندما بلغنا حدّ الاضطرار في عمليات «كربلاء 5»، ألقينا نظرة على مياه بوبيان، وحينذاك أيضًا أسندنا رؤوسنا إلى الحصن، ونادينا السيدة الزهراء (عليها السلام) عاجزين. لقد شاهدتُ حب الأم وقدرة السيدة الزهراء (عليها السلام) في الهور، غرب قناة «ماهى» [السمك]، وسط حقل الألغام. حين لم تكنّ حاضرات، أيتها الأمهات، وكان أبناؤكن يتخبّطون في دمائهم؛ شاهدت السيدة الزهراء (عليها السلام)... لقد أظهرت السيدة الزهراء (عليها السلام) أمومتها لمقاتلينا في «الهور»، كما في «كربلاء 5»، كما في أروند وجبال كردستان الباردة والوعرة»[1].

في اسفند 1365 [من 20 شباط إلى 19 آذار 1987]، وبعد عمليات «كربلاء 5»، قال في هيئة «مهديه» التابعة لمقر فرقة ثار الله (عليه السلام): «في اللحظة التي خاض فيها شباب التعبئة الماء، كان جسمي يرتعش... كنت أتحكم بالعمليات تحت نور القمر، لأرى المدى الذي يُرى فيه عناصرنا، شاهدت أنهم يُرون إلى ما بعد الشريط الشائك، وأن أعمدة الغوص تُرى جميعها. لمّا رأيت هذا أخذتني الرجفة. كنت فاقدًا للأمل. كنت أقول عاجزًا: اقرأوا دعاء التوسل، اطلبوا من السيدة الزهراء (عليها السلام) المدد. وكأنّ ستارًا أُلقي وأظلم نور القمر. لعل أحدًا لم يكن يصدّق أن فرقة

 

 


[1] خبرگزاری دفاع مقدس [شبكة الدفاع المقدّس الإخباريّة]، 9 بهمن 1398

 

40


31

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

ثار الله عبرت بحيرة ماهى [السمك]».

يقول حجة الإسلام أصغر عسكري، إمام جمعة مدينة رفسنجان: «كان القائد سليماني مخلصًا للسيدة الزهراء (عليها السلام) ومعتقدًا بها بنحو خاص، ولم يكن يغيب عن لسانه ذكر «يا زهراء»[1].

يقول القائد في الحرس الثوري العميد رحيم نوعي أقدم: «عندما كان الحاج قاسم سليماني يصل إلى بوابة حرم السيدة زينب (عليها السلام)، كان يركع بركبتيه على الأرض ويقبّل أعتاب الحرم، ثم يدخله»[2].

كان يحب أولياء الله بنحو غريب. حتى آخر عمره لم تتوقف مجالس عزائه في بيت الزهراء في مدينة كرمان في المحرم وفي الأيام الفاطمية. كان يقيم في بيته عصر الجمعة من كل أسبوع مجلسًا لقراءة العزاء والتوسل. وكان يخفق قلبه لهفًا لزيارة الأئمة المعصومين (عليه السلام) وأبناء الرسول  (صلى الله عليه وآله).

يقول حجة الإسلام ياسين حسين آبادي، معاون مسجد جمكران المقدس للشؤون الثقافية: «كان القائد الحاج قاسم سليماني يذهب، خفية وعلانية، لزيارة مسجد جمكران المقدس، من أجل العبادة والأنس بإمام الزمان |»[3].

يقول السيد مهدي صفدي أحد قادة فيلق ثار الله (عليه السلام) أثناء

 

 


[1] سايت خانه ى خشتى [موقع بيت الطين]، دى 1398.

[2] تابناك آذربايجان شرقى [لامع آذربايجان الشرقيّة]، 11 مهر 1398.

[3] سايت ابنا [موقع إيتا]، 16 دى 1398

 

41


32

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

الحرب: «في عصر أحد أيام عام 1364 [1985]، كان الحاج قاسم سليماني على ضفاف نهر «بهمن شير» في منطقة آبادان، من أجل عمليات معينة. اتصل بي لأغادر موقع فرقة ثار الله إلى بهمن شير. انطلقت بعد صلاتي المغرب والعشاء، ووصلت بعد ساعتين إلى مقره. كان القائد في الخندق مع أربعة عناصر. سألني: أتعلم أي ليلة هي هذه؟ قلت: إنها ليلة شهادة السيدة الزهراء (عليها السلام). قال: أريدك أن تقرأ لنا عزاءً للسيدة الزهراء (عليها السلام)».

يقول الله تعالى في الآية 22 من سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْألُكُمْ عَلَيهِ أجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى». يقول فخر الدين الرازي في تفسيره: «لمّا نزلت آية المودة قالوا: يا رسول الله  (صلى الله عليه وآله)، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما».

ونقرأ في تفسير الزمخشري أن رسول الله  (صلى الله عليه وآله) قال: «مَنْ ماتَ على حُبِّ آل محمد مات مؤمنًا مستكمل الإيمان».

حب القائد الحاج قاسم سليماني وولاؤه هذا، مقتبس من حب القرآن الكريم ومنبعث من إيمانه الكامل. وباقتدائه وتوسله بمقامات المعصومين (عليه السلام)، أقام معهم علاقة معرفية ومعنوية عجيبة، بحيث كان يُعدّ والهًا حقيقيًّا في بحر مودة المعصومين. كتب القائد العزيز في وصيته: «إلهي! أيها القادر العزيز، وأيها الرحمن الرزّاق! أمرّغ على عتبتك جبين الشكر والاستحياء، أن جعلتني أسير في مذهب التشيع -العطر الحقيقي للإسلام- على نهج فاطمة الزكية وأبنائها، وأن أنعمت عليّ بنعمة ذرف الدموع على أبناء علي بن أبي طالب وفاطمة الزكية، يا لها

 

42


33

الولاء لأهل البيت(عليه السلام)

من نعمة عظيمة، هي أرفع نعمك وأثمنها، وهي نعمة فيها نور ومعنوية واضطراب يحمل في طياته أرفع درجات الطمأنينة، وحزن يختزن الهدأة والروحانيّة».

لقد استقى هذا الشهيد العزيز هذا الحب والولاء من مدرسة الإمام الخميني. كان ذاك الإمام الكبير يعتقد: «قلب المؤمن عرش سلطنة الحق تعالى وكرسيه، ومنزل ذاته تعالى المقدسة، وصاحب القلب هو الذات المقدسة. الإقبال على غير الحق تعالى هو خيانة للحق تعالى، ومحبة سوى ذاته تعالى وسوى خاصة أوليائه، التي هي محبته تعالى، هي خيانة في مذهب العرفان ومذهب ولاية أهل بيت العصمة والطهارة ومذهب مودة أهل بيت الرسالة (عليه السلام)، وعرفانهم المقدس هو أمانة الحق»[1].

كان الإمام الخميني محبًّا حقيقيًّا لأهل البيت (عليه السلام)، وعندما كان يتشرف بزيارة الأئمة المعصومين، كان يستغرق في الأئمة ويستأنس بهم إلى درجة وكأنه كان يرى هؤلاء الأئمة العظام ناظرين وحاضرين أمامه، وكان يزور بوقارٍ وسكينة تامة وباحترام خاص[2].

لذا، فعندما كنّا نرى القائد سليماني في حرم أحد الأئمة المعصومين (عليه السلام)، أو الإمام الرضا (عليه السلام)، أو في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) تفيض عيناه دمعًا، كنّا نوقن أن مدرسة سليماني نشأت من مدرسة الخميني الكبير.

 

 


[1] چهل حدیث [الأربعون حديثًا]، ص 480.

[2] حديث پايدارى، [حديث الثبات أو حديث الانطلاق] ص 74.

 

43


34

المعنوية

المعنوية

المعنوية[1] هي العنصر الأساس في الدين، وتعد العنصر المحدّد للعلاقة الخاصة بين الإنسان والله تعالى. تَعتبر الروحانية الإسلامية الإنسانَ لائقًا لنيل مقام القرب الإلهي.

في 14 خرداد 1390 [04/06/2011]، وفي الذكرى الثانية والعشرين لارتحال الإمام الخميني، قال الإمام الخامنئي: «لم يكن إمامنا الكبير يطوي طريقه بالاعتماد على العوامل المادية والظواهر المادية وحسب، كان من أهل الارتباط بالله تعالى، من أهل السلوك المعنوي، من أهل الإقبال والتذكر والخشوع والذكر، وكان يعتقد بالمدد الإلهي. كان أمله بالله تعالى أملًا لا نهاية له».

يقول سماحته في تلك الخطبة نفسها: «كان مظهر المعنوية في الإمام، إخلاصه في الدرجة الأولى. كان الإمام يؤدي عمله من أجل الله تعالى. منذ البداية كان يقوم بكل ما يراه تكليفه الإلهي... لم يتكلم، ولم يعمل، ولم يُقدم على شيء من أجل أن يمدحه أو يمجّده هذا وذاك... كان الإمام يأمرنا بأن نكون من

 

 


[1] بالفارسية: معنويت، وقد ترد في ترجمات أخرى بمعنى الروحانية.

 

44


35

المعنوية

أهل التوكل، ومن أهل الثقة بالله تعالى، ومن أهل حسن الظن به تعالى، وأن نعمل من أجل الله تعالى. هو نفسه كان من أهل التوكل، من أهل التضرع، من أهل التوسل، من أهل الاستمداد بالله تعالى ومن أهل العبادة... شطر عظيم من الروحانية في الإسلام هو الأخلاق، واجتناب الذنوب، اجتناب التهمة، اجتناب سوء الظن، اجتناب الغيبة، اجتناب سوء السريرة واجتناب التفريق بين القلوب. كان الإمام الكبير نفسه يراعي هذه الأمور، وكان يوصي الناس بها، كما يوصي المسؤولين بها».

في 14 خرداد 1383 [03/06/2004]، قال قائد الثورة العالم والحكيم في مراسم إحياء الذكرى الخامسة عشرة لارتحال الإمام الخميني: «كانت حركة الإمام من أجل سعادة البلاد والشعب، قائمة على أساس هداية الشريعة الإسلامية، لذا فبالنسبة للإمام، كان التكليف الإلهي يُعد مفتاح السعادة، وكان يوصله إلى أهدافه المبدئيّة الكبرى».

لكلّ هذه المعالم المعنوية في مدرسة الشهيد الحاج قاسم سليماني تجلّ عملي.

وعندما نقول: إن الروحانية والمعنوية موجودة ومتجلية في مدرسة الإمام الخميني، فإنّ الحاج قاسم سليماني الذي هو تلميذ مدرسة الإمام، والذي كان يعشق الإمام الخميني، ويعد نفسه تابعًا لنهج الإمام وفكره وخطّه ومبادئه وقيم الثورة الإسلامية، كان التعبد والالتزام والتقوى والتواضع والإعراض

 

45

 


36

المعنوية

عن الدنيا والإقبال على الآخرة والإخلاص والتوسل والتضرع ومحورية الولاية والتكليف [لديه]، ينثر عطرَ الروحانية مصحوبًا بصبغة محورية الله تعالى، في أرجاء مدرسته، لتمطره براعم عبوديّته، هو وداعميه وأتباع مدرسته، بالأزهار.

على شهادته تشهد السجادة

أنّ عمله كان الدعاء والبكاء، أمّن يُجيب والعبادة

[سجاده شاهد است براى شهادتش

كارش دعا و گریه و أَمَّن يُجيب بود[1]

يقول القائد محمد رضا فلاح زاده: «كان الحاج من أهل صلاة الليل. في ثكنة نصر في مدينة حلب وفي ثكنة ثار الله في مدينة البوكمال، كان يعكف دائمًا على صلاة الليل قبل صلاة الصبح بساعة. سمعت ذات ليلة نشيج بكائه في ثكنة نصر. فتحت الباب. رأيته قانتًا في صلاة الوتر. كانت عينا الحاج تفيضان بالدموع كأمطار الربيع ما إن يسمع ذكر مصائب أهل البيت (عليه السلام)، وسيد الشهداء (عليه السلام)، وخاصة أم أبيها السيدة الزهراء المرضية (عليها السلام). كان من أهل الدعاء وزيارة المعصومين وتلاوة القرآن»[2].

يقول السيد شهرياري، قائد كتيبة في فيلق ثار الله (عليه السلام) أثناء

 


[1] [امير حسن بزرگی متین].

[2] مكتب حاج قاسم [مدرسة الحاج قاسم]، ص 77.

 

46


37

المعنوية

حرب الثماني سنوات المفروضة: «ذهب إلى قصر الكرملين، وكان لديه موعد مع بوتين. ما إن وصل رئيس روسيا حتى حان وقت الأذان. نهض الحاج. أذّن وأقام. جال صوته في الصالة. ثم وقف للصلاة. كان الجميع ينظر إليه. كان يقول: طوال عمري لم أستمتع بصلاتي كهذه المتعة. وضع جبهته بعد الصلاة على التربة، وقال مخاطبًا ربه: إلهي! كانت هذه كرامتك. لقد كانوا يومًا يحيكون في قصر الكرملين [هذا] المؤامرات للقضاء على الإسلام، والآن، ها أنا قاسم سليماني أتيت إلى هنا وصليت»[1].

من كان استغراقه في الروحانيات

سارت مشاكله نحو السعادات

[هر كه با معنويتها، سرو كارش باشد

كار آشفتۀ خود، رو به سعادت بكند[2]

يقول القائد كريم نصر، قائد لواء قمر بني هاشم (عليه السلام): «في اليوم الثالث من عمليات «والفجر 4»، التي كنا فيها مشتبكين [مع العدو] بشدة، واجتمعنا في الخندق التكتيكي لثكنة كربلاء، لكي نرى كيف يمكننا إحداث الثغرة الضرورية في خطوط العدو، بلغنا وقت صلاة الظهر. فجأة وبعد الصلاة، دخل علي فدوي الخندق على عجل، وكان حينها مسؤول معلومات العمليّات في

 

 


[1] المصدر السابق، ص 199.

[2] [حسن مصطفايى دهنوى].

 

47


38

المعنوية

ثكنة حمزة سيد الشهداء، تربًا، مدمًى، مضطربًا بشدة، وباكيًا، وأخبر بأنه داس وقائد الثكنة علي رضاييان، على لغم واستشهد الحاج علي... قلب خبر شهادته المفاجئ أحوال الجميع. أحمد كاظمي، الحاج همت، حسين خرازي، السيد رحيم وقاسم سليماني والآخرون الذين كانوا في الخندق؛ طفقوا جميعًا يبكون. كان ذلك بعد صلاة العصر، وأثناء البكاء الطاهر للأصحاب، شرع الحاج قاسم فجأة، بصوت مؤثّر وحزين، بقراءة دعاء تعقيبات صلاة العصر: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوم... كان يقرأ ويبكي بحرقة شديدة، بحيث إنّ الخندق أخذ يهتز من وقع بكاء القادة وعويلهم، الذين كانوا ينتظرون أجواءً كهذه»[1].

لا جرم أن الشهيد سليماني أخذ هذا الحب وهذه الروحانية والإخلاص عن إمامٍ كتب في وصيته: «أوصي أبناء الشعب الإيراني العزيز أن يثبتوا على هذا الصراط الإلهي المستقيم، الذي لا يتبع الشرق الملحد ولا الغرب الظالم الكافر، بل يتبع الصراط الذي حباهم الله تعالى إياه، وأن يستمسكوا به بشدة ويلتزموا به ويصمدوا عليه، وألا يغفلوا لحظة عن شكر هذه النعمة، وألا يسمحوا للأيادي النجسة للقوى العاتية، سواء عملاء الخارج أم عملاء الداخل الذين هم أسوأ من الأجانب، أن توهن عزيمتهم الطاهرة وإرادتهم الحديدية، وليعلموا أن كل الضجيج الذي تثيره وكالات الأنباء العالمية وقوى الغرب والشرق

 

 


[1] اين مرد پايان ندارد [هذا الرجل لا تنقضي عجائبه]، ص 67 و68.

 

48


39

المعنوية

الشيطانية، فإنما هو دليل على قوّتهم الإلهية، وإن الله تعالى سيؤتيهم أجرهم في هذا العالم وفي العوالم الأخرى».

يؤيد الإمام الخامنئي هذه الحقيقة، ويقول في 18 دى 1398 [08/01/2020]: «كما كان الشهيد سليماني شجاعًا فقد كان مدبّرًا أيضًا... كان لكلامه أثر، وكان مقنعًا ويحدث أثرًا. والأسمى من كل هذا كلّه، كان إخلاصه. كان مخلصًا. كان يستخدم أداة الشجاعة وأداة التدبير هذه من أجل الله تعالى، ولم يكن من أهل التظاهر والرياء وما شابه».

يقول سماحته أيضًا في 27 دى 1398 [17/01/2020]: «حيثما كان الإخلاص فإنّ الله تعالى يبارك إخلاص عباده المخلصين، فيغدو العمل مباركًا، وينمو ويكبر. ويصبح العمل بنحو تصل معه آثاره إلى الجميع، وتبقى بركاته بين الناس. ومنشأ هذا هو الإخلاص. ثمرة هذا الإخلاص محبة الناس ووفاء الناس هذا، عشق الناس وآهاتهم هذه، حضور الناس هذا، وهذا الإحياء لروحية الناس الثورية. لكن، أن نأتي ونقوّم هذه الحوادث ونؤتيها حقها ونقدّرها ونرى ما هو حجم هذه الوقائع وقيمتها؛ فإنّ هذا الأمر ممكن في حال لا ننظر فيها إلى الحاج قاسم سليماني -الشهيد العزيز- ... على أنه فرد...، بل على أنه مدرسة. علينا أن ننظر إلى شهيدنا القائد العزيز بأنه مذهب، نهج، مدرسة نتعلم منها، بهذه العين علينا أن ننظر إليه. آنذاك ستتجلى أهمية هذا الأمر».

عظمة القائد سليماني وجلال مدرسة سليماني كانا

 

49

 

 


40

المعنوية

بإخلاصه. مظهر معنوية هذا الشهيد الكبير كان في الدرجة الأولى إخلاصه. لم يكن يأبه لمدح الناس. كان يسعى لما يريده الله تعالى منه. أن يرى الآخرون أو لا يروا، أن يعلموا أو لا يعلموا، أن يمدحوا، أن يُسرّوا، لم يكن يهمه كثيرًا.

ليس من أهل الأرض، من كان متواضعًا مثلك

لم تأتِ أبدًا على ذكر نفسك على لسانك

[كسى كه اهل زمين نيست، خاكى است چنان تو

نبرده ای به زبان هیچگاه نام خودت را][1]

يقول السيد جواد رزم حسينى: «كان يعيش في نجف آباد جريح تزيد نسبة جراحه عن 70 في المئة، وكان مقطوع النخاع. كان القائد سليماني قد نذر بأن يقضي يومًا كاملًا كل عام في خدمة هذا الشخص (السيد توبه اى ها)، وأن يؤدي له أعماله. كان يغسل في ذاك اليوم ملابس هذا الجريح، ويغسل بدنه، ويقوم كالممرض بكل أعماله الشخصية»[2].

يقول الإمام الخامنئي في 18 دى 1398 [08/01/2020] لدى لقائه أهالي قم: «في الاجتماعات التي عادة ما كانت تعقد مع جميع المسؤولين المعنيين بمهمته -اجتماعات رسمية عادية- كان الحاج قاسم يجلس في زاوية بحيث لم يكن يُرى أبدًا. أحيانًا كنا نحتاج إلى معرفة أمر أو الاستشهاد على أمر، فكان يجب أن

 


[1] [بشرى صاحبى].

[2] ویژه نامه اطلاعات [العدد الخاص بصحيفة اطلاعات]، 24 بهمن 1398، ص 19

 

50


41

المعنوية

نبحث عنه حتى نجده. لم يكن يستعرض نفسه أمام الأعين، لم يكن يتظاهر».

روحانية الشهيد سليماني وإخلاصه مستقيان من إخلاص معلمه وأستاذه وقائده ومقتداه الإمام الخميني. يقول الإمام الخامنئي في 4 اسفند 1371 [08/03/1993]: «درجة الإخلاص الرفيعة هي أن... لا يكترث أبدًا للناس، علموا أم لم يعلموا، رضوا أم لم يرضوا. أن ينظر [الإنسان] إلى ما أراده الله تعالى منه وينفذه بدقة. لقد شاهدت هذه الخصلة وهذه الروحية مرات كثيرة في الإمام (قدس سره). شاهدت، أنا العبد، هذه الخصلة فيه. لم يكن يهتم؛ رضي الآخرون أم سخطوا. كان يؤدي تكليفه».

 

51


42

الإعراض عن الدنيا

الإعراض عن الدنيا

الإعراض عن الدنيا يعني أن لا يتعلّق القلب بها، بحيث لا يؤدي الاستمتاع بملذات الدنيا والانهماك بأمورها المادية إلى ترك الواجب أو إلى ارتكاب الحرام. يجب أن تكون الدنيا وسيلة لنيل الكمال الأخروي.

يقول الإمام الخامنئي في 1 فروردين 1376 [21/03/1997]: «كان إمامنا الكبير مظهر العفّة والتقوى والإعراض عن الدنيا».

يقول سماحته في 15 اسفند 1377 [06/03/1999]: «كان [إمامنا] إنسانًا، لا يرى للمناصب والألقاب الدنيويّة أيّ أهمّية. وكان المرء يرى هذا في ذلك الرجل الروحاني العظيم، وهو أن المناصب والألقاب الدنيوية وتعلّقاتها وشكليّاتها، لم يكن لها أبدًا قيمة عنده».

يقول هذا القائد الحكيم في 23 ارديبهشت 1371[13/05/1992]: «الإمام، ذاك الحكيم الكبير والعالم، كان، إنصافًا، يشعر بكل وجوده أن هذه المناصب الصوريّة والشكليّة ليست شيئًا. كان ينظر إلى منصبه العظيم، الذي هو منصب القيادة، الذي كان العالم خاضعًا له، بعين التحقير، وكان يقول عنه: ما هو بشيء».

 

52


43

الإعراض عن الدنيا

يقول الإمام الخميني في 19 بهمن 1357 [08/02/1979]: «الدنيا شيء ضئيل جدًّا من العالم. الدنيا تعني ذاك الشيء الوضيع جدًّا».

يقول هذا الإنسان العزيز والحكيم في 13 تير 1358 [04/07/1979]: «الدنيا على لسان الأنبياء تعني ما هو سافل جدًّا. إذًا، فمعنى كلمة «دنيا» ما هو سافل جدًّا. وعبارة «أسفل سافلين»[1] التي جاءت في القرآن، هي [عالم] الطبيعة نفسه».

من منطلق هذه الرؤية، يقول الإمام الخميني في 21 خرداد 1359 [11/06/1980]: «لم يخطُ الأنبياء أبدًا خطوة في سبيل الثروة والسلطة والدنيا ونيل الدنيا والوصول إلى الحكم... إنّ المناصب في نظر الأنبياء خاوية، وجميع أشكال السلطة والهيمنة والنفوذ كلها خاوية».

يقول سماحته في 16 دى 1360 [06/01/1982]: «كل الخطايا التي نرتكبها، هي بسبب هذا الحب للنفس والجاه والمال والثروة».

ويقول سماحته أيضًا في 16 فروردين 1358 [05/04/1979]: «كلما كان الإقبال على الدنيا أكثر والتعلق بهذه الدنيا أكثر؛ كانت أمور الحياة تمضي بصعوبة أكثر».

انطلاقًا من هذه الرؤية، لم يكن الإمام الخميني متعلقًا بالدنيا، ولم يكن يكترث لها. مدرسته نشأت من مدرسة

 


[1] [التين، 5]

 

54


44

الإعراض عن الدنيا

مكافأة الجهاد في سبيل الله وتعويضه بهذه الأشياء... ما يقابل الجهاد في سبيل الله، ويعطيه الله تعالى مقابل بذل الروح والمال وتقديمهما على الأكف في سبيل الله، هو الجنة، ورضا الله تعالى... [تقليد الأوسمة] له أهميّة في الحسابات المادية الدنيويّة، لكن ليس له أهمّيّة في الحسابات المعنوية والإلهية».

تختلف نظرة رجال الله عن نظرة الماديين، وعن نظرة أهل الدنيا وعَبَدتها. ففي نظرهم لا قيمة للدنيا. وهم لا يسعون أبدًا من أجل الدنيا، ولا يسعون من أجل المنصب والمقام، ولا يجهدون من أجل الوسام والرتبة والموقع.

لا تحزن أيها القلب للدنيا، سيمضي هذا أيضًا

ولأنّ أساس الدنيا على المُضي، فسيمضي هذا أيضًا

إذا أساء لك الزمان، فكن أنت حسن الخصال

مرّ على رأسك كثير من هذا، وسيمضي هذا أيضًا

[اى دل، غم جهان مخور؛ اين نيز بگذرد

دنیا چو هست بر گذر؛ این نیز بگذرد]

[گر بد کند زمانه، تو نیکو خصال باش

بگذشت از این بسد به سر؛ این نیز بگذرد[1]

يقول القائد في الحرس الثوري محمد إسماعيل كوثري:

 

 


[1] [ابن يمين فريومدى].

 

55


45

الإعراض عن الدنيا

«لما طلب سماحة القائد عام 1369 [1990]، سجلاتنا من أجل منحنا رتبة [عسكرية]، كتبت له أنا والحاج قاسم والحاج أحمد كاظمي والقائد شوشتري رسالة بدمائنا، قلنا فيها إننا لم نلتحق بالحرس من أجل الرتبة، لكن سماحة القائد قال إن الإمام أكد على هذا الأمر، وهذه الرتبة ضرورية من أجل الانضباط وانتظام أمور الحرس الثوري. ثم أرسل بعدها رسالة قال فيها: إذا لم يكن بوسعكم تحمّل هذه الرتبة، فاذهبوا وفكروا في حل لمشكلتكم، أو حاولوا أن تتحكّموا أنتم برتبكم، لا أن تتحكّم رتبكم بكم وتؤثّر عليكم! منذ ذاك اليوم، لم يكن الحاج قاسم يكترث لرتبه [العسكرية]»[1].

لم يكترث لوسام «ذو الفقار»، لم يكترث أيضًا للرئاسة، كما جاء في 6 ارديبهشت 1396 [26/04/2017] في جوابه على رسالة شاب دعاه للترشح لرئاسة الجمهورية: «الحمد لله، ففي بلدنا عدد كبير من الشخصيات المهمة والقيّمة المجهولة والمعروفة، بحيث إن الأمر لا يستدعي أن يغادر جندي مقر جنديته. لي الفخر بأن أكون مجنّدًا في مهمة الدفاع عن شعب قال عنه الإمام «روحي فداه»: أرى التخلي عن هذا الموقع، في ظروف يتربص فيها الذئاب، خيانة».

كان الشهيد سليماني قد أخذ نهجه وطريقه عن الإمام الخميني، كان يسعى من أجل العمل في سبيل الله وبناءً على

 

 


[1] ماهنامه فكه [دوريّة فكّه الشهريّة]، العدد 202، ص 67.

 

56


46

الإعراض عن الدنيا

تكليفه، كانت الدنيا زهيدة ولا قيمة لها في عينه. منذ البداية وحتى النهاية كانت هذه رؤيته، واستشهد على هذه الرؤية.

لم يكن للقائد الشهيد الحاج قاسم سليماني تعلق بالدنيا، ولطالما دعا الآخرين أيضًا للإعراض عن الدنيا. يقول في بهمن 1388 [شباط 2010] في حشد من الحرس الثوري: «لا تحرصوا على ما قد تصلون إليه من ناحية المال والرتبة والمنصب والموقع المادي، ليس لهذه الأمور قيمة».

ويقول في العام 1392 [2013] في مراسم ذكرى استشهاد حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ عباس شيرازي في رفسنجان: «كانت عمليات «والفجر 8» قد انتهت. اجتمعنا بمناسبة يوم الحرس الثوري في مصلّى فرقة ثار الله، لنقدم عنصر الحرس النموذجي. كانت كل العيون تنظر إليّ مستفهمة عن الشخص الذي سأقدمه كحرس نموذجي. ذكرت اسم «مهدي زندي». كان الشهيد الحاج مهدي زندي مسؤول معدات الفرقة. بكى كثيرًا. حملوه من تحت إبطيه ورفعوه. أقبل نحوي. شاهدت حقارتي مقابل عظمته. لمّا أراد أن يستلم الهدية مني، قال باكيًا مختنقًا: لقد ظلمتني!».

لقد حقّر الحاج مهدي زندي الدنيا. يريد الحاج قاسم سليماني إعطاء درس في تحقير الدنيا، يريد إعطاء درس في الإعراض عن الدنيا، ليعلم الجميع أن المَعْلم الأساس لمدرسة الشهيد سليماني هو هجر الدنيا، وهو معلمٌ يشع كالشمس على جبين مدرسة الإمام الخميني، ويربط كل تابع حقيقي للإمام

 

57


47

الإعراض عن الدنيا

بالإقبال على الآخرة بدل الإقبال على الدنيا.

لم يكن أحد في الجبهة يهتم بأن يكون نموذجيًا وبأن يتلقى جائزة، أو بأن يسعى وراء المال والمقام، وبما أن الحاج قاسم سليماني بقي في الجبهة أربعين عامًا، فقد كان على تلك الروحية وظل عليها ومضى. لم تغرّه الدنيا، ولم يفعل شيئًا أبدًا طمعًا في الدنيا، بالضبط كإمامه الذي كان يعطر كل خطواته وأعماله بعطر الإقبال على الآخرة وعلى الله تعالى.

 

 

58

 


48

التلفيق بين السياسة والمعنوية

التلفيق بين السياسة والمعنوية

إذ يجري الحديث عن اتحاد السياسة والمعنوية، فالمقصود هو مزج السلطة بالأخلاق والعرفان الإسلامي. وبناءً عليه، يوجد بين نطاقي الدنيا والآخرة عروة لا انفصام لها.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1383 [03/06/2004]: «الإمام، الذي كان تجسيدًا لمدرسته السياسية، كان يُرفِق سياسته بروحانيته معًا، وكان يواصل هذا الأمر. وحتى في النضالات السياسية، فقد كانت النقطة المركزية في سلوك الإمام، روحانيته».

كانت جميع تصرفات الإمام وجميع مواقفه، تتمحور حول الله تعالى والروحانية. كان الإمام يعتقد بالإرادة التشريعية والإرادة التكوينية لله تعالى، وكان يعلم أن من يسعى في سبيل تطبيق الشرع الإلهي، فإن سنن عالم الخلق وقوانينه ستكون في عونه.

ولبيان العلاقة بين الروحانية والسياسة، فقد كان الإمام الخميني يضع رأي الإسلام مبنًى لعمله وروحًا وأساسًا له، وكان يعتقد أنه يجب، في جميع جوانب التخطيط لسلطة سياسية ما، أن يتلاحم الدين والدنيا معًا. كان الإمام يعتقد بأن الدنيا هي

 

60

 

 


49

التلفيق بين السياسة والمعنوية

الساحة الأساسية لأداء التكليف والمسؤولية والرسالة الدينية، وأن الدنيا بلا دين، خاوية من الروحانية والحقيقة والمحبة والروح. ولذا، فإنه لا يمكن في منطق الإمام الخميني فصل الدين عن الدنيا، والروحانية عن السياسة.

وإذ نقول: في مدرسة الإمام الخميني الدين والدنيا يكمّلان بعضهما البعض ويتشابكان معًا، ولا يمكن فصل الروحانية عن السياسة؛ فإنّنا نشهد هذا المَعْلم أيضًا في مدرسة تلميذ الإمام.

يقول القائد الحاج قاسم سليماني في بهمن 1388 [2010] لدى لقائه حشدًا من عناصر قوّة القدس التابعة للحرس: «كانت العبودية تجري من جميع سكنات الإمام، عبد الله الصالح هذا. لقد استمر هذا النضال خمسة عشر عامًا تحت لواء ولي الله هذا، إلى أن بلغ النصر في 22 بهمن [11/2/1979]... الشيء الذي كان الإمام يصر عليه، وعلى أساسه تقدّمَ منذ البداية، بالثورة إلى الأمام... كان الإسلام... الإنجاز العظيم الذي حققه الإمام هو أنه جعلَ الإسلام ومذهب التشيع ظهيرًا لهذه الثورة ولإيران... وهل كان بإمكاننا الانتصار من دون التمسك بالإمام الحسين (عليه السلام)؟... كان هذا إنجاز الإمام، وكان العمل العظيم للإمام هو هذا».

يقول في وصيته: «كان أهمّ إنجازٍ للخميني العزيز هو أنّه في بادئ الأمر جعل الإسلام ظهيرًا لإيران، ومن ثمّ جعل إيران في خدمة الإسلام. لو لم يكن الإسلام، ولو لم تكن الروح الإسلامية سائدة بين هذا الشّعب، لكان صدّام نهش هذا البلد كذئب

 

61


50

التلفيق بين السياسة والمعنوية

مفترس، ولقامت أمريكا بالأمر نفسه كالكلب المسعور. لكنّ الإنجاز البارز للإمام الخميني هو في جعله الإسلام ركيزة، وفي جعل عاشوراء ومحرّم، وصفر والأيام الفاطميّة سندًا لهذا الشّعب. لقد أحدث ثورات في الثورة. ولهذا، وفي كل مرحلة، جعل الآلاف من الفدائيين من أنفسهم دروعًا تحميكم وتحمي الشعب الإيرانيّ، وتراب إيران، وتحمي الإسلام، وجعلوا أعتى القوى الماديّة تذلّ لهم».

رؤية الشهيد سليماني هذه، نابعة عن فكر أستاذه وقائده الإمام الخميني، الذي أماط اللثام في 21 فروردين 1343 [10/04/1964]، وقال: «واللهِ إنّ الإسلام كله سياسة. لقد قدّموا الإسلام بنحو سيّئ. إن سياسة المُدُن[1] تنبع من الإسلام».

وقال سماحته أيضًا في 1 آذر 1343 [22/11/1964]: «لقد وضع الإسلام للإنسان، أساس الحياة الفردية من قبل ولادته؛ ووضع أساس المجتمع الأسري له ما دام هو يعيش ضمن الأسرة، وحدّد له تكليفه حين يبدأ بالتعلّم، ويَرِد المجتمع، وحين يقيم العلاقات مع سائر البلدان والدول والشعوب. لكلّ هذا نُظُمه. لكلّ هذه الأمور أحكامها في الشرع المطهّر. ليس الأمر عبارة عن دعاء وزيارة وحسب. وليست أحكام الإسلام مقتصرة على الصلاة والدعاء والزيارة، بل هذه جزء من أحكام الإسلام. وباب من أبوابه؛ يوجد في الإسلام سياسة، يوجد في الإسلام إدارة البلاد، الإسلام يدير البلاد الكبيرة».

 


[1] [سياسة المدن: مصطلح قديم للتعبير عن السياسة].

 

62


51

التلفيق بين السياسة والمعنوية

تشكيل جبهة المقاومة، ودعم القائد سليماني لحكومة العراق الجماهيرية، وتأييد دور الشعوب في حكم سائر الدول، أمور نابعة من رؤية الإمام الخميني هذه.

لقد تشكلت مدرسة الشهيد سليماني بناءً على رؤيته، الرؤية التي تتصل خيوط نسيجها بجذور [فكر] الإمام الخميني، وكان هو كمقتداه يعتقد بأن الروحانية والسياسة متشابكتان معًا.

 

63


52

الالتزام بالتكليف الشرعي

الالتزام بالتكليف الشرعي

التكليف مصطلح فقهي وكلامي يعني الوظيفة الدينية، أو الوظيفة التي ألقاها الدين على عاتق العبد، والتي توجب عليه عملًا أو ترك عمل. التكليف الشرعي هو تكليف منبعث من الأحكام والأوامر الشرعية التي أقرها الشارع للناس بغية تنظيم شؤون حياتهم.

يقول الإمام الخامنئي في 15 آبان 1378 [04/11/1999]: «الخصلة الأهمّ في وجود إمامنا الكبير، كانت أنه تغاضى عن نفسه وتجاهلها، وجعل التكليف محور عمله وحركته».

يقول سماحته في 19 دى 1384 [09/01/2006]: «قال الإمام منذ اليوم الأول: نحن مأمورون بالتكليف... لقد عمل الإمام بتكليفه الذي كان مأمورًا به. وأعطاه الله تعالى أيضًا نتيجة ذلك».

يقول سماحته في 14 خرداد 1383 [03/06/2004]: «الشيء الذي كان يقود الإمام نحو أهدافه؛ التكليف الإلهي والعمل به، والحركة من أجل الله تعالى. ولأن هذا كان دافعه، لم يكن يخاف، لم يكن يشك، لم يكن يقنط، لم يكن يغتر، لم يكن يتزلزل أو حتى يتعب. هذه ميزات العمل بالتكليف والعمل من

 

64

 

 


53

الالتزام بالتكليف الشرعي

أجل الله تعالى. من يعملْ من أجل التكليف لا يَعْتَرِهِ الشك ولا يتزلزلْ، ولا يتعبْ، ولا يرجعْ عن الطريق، ولا يُحدِّدِ التفكيرُ في منافعِه الشخصية سبيلَه وتوجُّهَه».

وفي مدرسة الشهيد سليماني أيضًا، يمكننا أن نعثر بجلاءٍ وجمال على جميع هذه الحقائق.

وكالإمام الخميني، جعل القائدُ الفريق في الحرس الثوري الحاج قاسم سليماني التكليف محور حركته وسعيه. لقد أخذ هذه الرؤية عن مقتداه. لذا، قال في جمع من المجاهدين المدافعين عن المقامات الشريفة: «لم يحالفنا التوفيق في عمليات «بدر» أثناء الحرب [المفروضة]. كنّا ساخطين بشدة، وقدّمنا أيضًا كثيرًا من الشهداء. اجتمعنا جميعًا في اليوم التالي للعمليات في جزيرة مجنون. كان الجميع حزينًا. وجّه الإمام يومذاك خطابًا، وقد كان هذا الخطاب غريبًا للغاية. قال الإمام: ينبغي علينا أن لا ننظر إلى الانتصارات والهزائم، بل علينا أن ننظر إلى تكليفنا».

يقول الإمام الخميني في 5 اسفند 1357 [06/03/1979]: «بعد الضغوط التي مارستها الحكومة الإيرانية ومحمد رضا شاه، الشاه السابق، على الحكومة العراقية، ومحاصرتهم لمنزلنا، وبعد اللقاءات المتبادلة والأحاديث التي جرت بيننا وبين الحكومة العراقية، حذّرناهم بأن المسألة بالنسبة لنا هي مسألة شرعية، وتكليف إلهي، وليس بإمكاني، كما تقولون، ترك الأمر الإلهي والتكليف الشرعي. [وقلت لهم] إن الأعمال

 

65


54

الالتزام بالتكليف الشرعي

التي أقوم بها هنا، سأقوم بها، وأنتم أيضًا افعلوا ما شئتم. كانوا يطالبوننا [بترك العمل بتكليفنا، قائلين]: بما أنه لدينا التزامات تجاه الحكومة الإيرانية، وبما أن الأنشطة التي تقومون بها أنتم وأصحابكم تتعارض مع تلك الالتزامات؛ فإننا لا نحتمل هذا. فأجبتهم: أنا ليس عندي التزامات [تجاه أحد]، أنتم من عنده التزامات. أنا عليّ تكليف شرعي، وأعمل به ولا أكترث بالتزاماتكم، وسأخطب من على المنابر، كما سأصدر البيانات، وسأسجل الأشرطة وأرسلها [إلى إيران]. هذا تكليفي، واعملوا أنتم أيضًا بما عليكم من تكليف».

وكان التكليف مُهمًّا لتلميذ مدرسة الإمام أيضًا، والعمل بالتكليف الشرعي مهمًّا له. كان تكليفه حينًا قتال صدام، والمحافظة على الأمن في سيستان وبلوتشستان حينًا آخر، ومحاربة داعش في حين ثالث. كان التكليف في ساحة الحرب هذه هو مراعاة الأحكام الشرعية. إنّ حربنا هي من أجل مراعاة الحلال والحرام، ومن أجل تطبيق الحدود الإلهية.

أثناء الحرب مع داعش في سوريا، كتب القائد سليماني رسالة إلى أحد السوريين، أورد فيها: «أنا أخوك الصغير، قاسم سليماني. لا بد أنك تعرفني. قدّمنا للسّنّة خدمات كثيرة في كل مكان. أنا شيعي وأنت سنّي... فهمت من القرآن الكريم وصحيح البخاري والكتب الأخرى الموجودة في بيتكم أنكم أناس مؤمنون. بداية أعتذر منكم، وأرجو أن تتقبلوا اعتذاري لاستخدامنا بيتكم من دون إذنكم. ثانيًا، إذا كنّا ألحقنا أضرارًا ببيتكم،

 

 

66

 


55

الالتزام بالتكليف الشرعي

فنحن على استعداد لدفع تعويضات عنها... نحن نعتقد أننا وأنا [بالأخصّ] ندين لكم، لبقائنا في بيتكم من دون إذنكم. هذا رقم هاتفي في إيران. أتمنى أن تتصلوا. أنا مستعد لفعل أي شيء تريدونه».

يقول الإمام الخامنئي في 18 دى 1398 [08/01/2020]: «كان الشهيد سليماني مراعيًا بشدة للحدود الشرعية. قد ينسى بعض الناس الحدود الإلهية في ساحة الحرب، يقولون: ليس الوقت الآن لمثل هذه الأمور. لا، هو كان يراعيها... كان حريصًا على ألا يُعتدى على أحد، وألا يظلم أحد. كان يحتاط في أمور لا يرى عادة كثيرون في المجال العسكري ضرورةً للاحتياط فيها.

يقول الأسير المحرّر ورفيق جهاد الشهيد، القائد محمد رضا حسني سعدي: «كان الحاج قاسم يراعي القضايا الشرعية في خضم المعارك وفي ساحات القتال»[1].

كان القائد سليماني يسعى من أجل العمل بتكليفه وأداء واجبه ومراعاة الحدود الشرعية، كان يحرص على العمل بأحكام الدين والقرآن، والعمل بتعليمات إمامَي الثورة. لقد كان عاملًا إلهيًّا.

يقول آية الله عبد الله جوادي آملي بعد شهادة القائد سليماني، وبعد انتهاء درس الخارج في الفقه: «جميعنا مدينون لشهادة ومجاهدات أخينا العزيز هذا، المرحوم الشهيد القائد الفريق الحاج قاسم سليماني (رحمة الله عليه)... الإنسان الذي قضى عمره

 

 


[1] ماهنامۀ ياران [مجلّة ياران الشهريّة]، ش 171، ص 52.

 

67


56

الالتزام بالتكليف الشرعي

في خدمة القرآن، وصان عزتنا، وحافظ على أمننا، وصان عرضنا، وحافظ على ديننا، وصان شرفنا، وحافظ على نظامنا، وحافظ على تعاليم الإمام، وحافظ على تعاليم القائد... إلهي! إنك أنت الشاهد على أن عزيزنا هذا جنديك!».

يتألق العمل بالتكليف الشرعي في مدرسة هذا الشهيد؛ وهي المدرسة التابعة لمدرسة الإمام الخميني. والمَعلَم البارز في مدرسة المُراد أيضًا، هو الالتزام بالتكليف الشرعي.

 

 

68

 


57

العقلانية

العقلانية

تحولت العقلانية في التعاليم الإسلامية إلى كلمة تساوق الدين، إلى الحد الذي أشارت فيه الأحاديث والروايات إلى تساوق العقل والشرع.

بنى الإمام مدرسته على أساس الإسلام الأصيل. وإذا ما ورد في مدرسة الإمام الخميني حديث عن العقلانية، فإن هذا المَعْلم أنشأه الإسلام المحمّدي الأصيل.

يقول الإمام الخميني في 22 مهر 1357 [14/10/1978]: «يملك الإسلام نظرية لهذا الإنسان الجامع لكل شيء، أي له مراتب من عالم الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة وحتى عالم اللاهوت، ولديه برنامج له. يريد الإسلام أن يبني إنسانًا جامعًا، أي أن يمنحه الرشد بالنحو الذي ينبغي. فإذا كان على سبيل الطبيعة، فسيعطيه نموًّا طبيعيًّا، وإذا كان على سبيل البرزخ، فسيمنحه رشدًا برزخيًّا، وإذا كان على سبيل الروحانية، فسيمنحه تعاليًا روحانيًّا، وإذا كان على سبيل العقلانية، فسيهبه تساميًا عقليًّا».

ما أكثر العوالم في ذهن العقل

ما أوسع هذا البحر الذي للعقل

 

 

70


58

العقلانية

هذا العالم فكرة من العقل الكلّي

العقل كالملك والصور هي الرُسل

[تا چه عالمهاست در سودای عقل

تا چه باپهناست این دریای عقل]

[این جهان، یک فکرت است از عقل کل

عقل چون شاه است وصورتها رُسل][1]

في 26 تير 1361 [17/07/1982]، كتب هذا الحكيم العالم في رسالة عرفانية لحجة الإسلام الحاج أحمد الخميني: «تتحول هذه الخطوة البرهانية والعقلية إلى خطوة روحية وإيمانية، عندما تصل من أفق العقل إلى مقام القلب، ويصدّق القلب ما أثبته الاستدلال العقلي».

وأورد الإمام أيضًا في رسالته لغورباتشوف، زعيم الاتحاد السوفييتي: «إن معيار المعرفة في الحكمة الإلهية هو أعمّ من الحس والعقل، فيدخل المعقول [المدرك بالعقل] في دائرة العلم».

البُعدان المهمّان والأساسيان في مدرسة الإمام الخميني، هما البُعد المعنوي والبعد العقلاني.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1390 [04/06/2011]:

 

 


[1] [مولانا جلال الدين الرومي، الأرجوزة المعنوية].

 

71


59

العقلانية

فيما يتعلق بالبعد العقلاني، فقد كان إعمال الحكمة والتدبير والفكر والتخطيط، محط اهتمام في مدرسة الإمام».

الانتخابات بمحورية الشعب، التشدّد وعدم الليونة تجاه العدو المعتدي، عدم الركون إلى الأعداء والمستكبرين، بث روح الثقة بالنفس، وتفهيم الشعب أن البلد ملك له؛ هي من مظاهر عقلانية الإمام في مدرسته الواهبة للحياة. جميع مظاهر العقلانية هذه، مع إعمال الحكمة والتدبير والفكر والتخطيط، تتجلى للعيان بدقة في مدرسة الشهيد سليماني.

في بهمن 1388 [شباط 2010]، يقول هذا القائد العزيز في جمع من قوّة القدس التابعة للحرس: «يختلف العراق بشكل أساسي عن اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية. لا يمكن أبدًا للأميركيين أن يبقوا في العراق وينشئوا قواعد. لن يأتي يوم يكون فيه العراق ككوريا واليابان وألمانيا. يوجد هذا الاختلاف في الثقافة وفي الحدود المحيطة، وفي وجود الجمهورية الإسلامية وهذا الشعب... كنّا نسمع في الماضي أنه كان على كل من يريد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أن يقدّم يده [ليقطعوها]. واليوم، فإنّا نرى بأمّ أعيننا، ويعلم الجميع أن التفجيرات تقع في هذه الطرق [المؤدية إلى مقامات الأئمة في العراق]، والأمر يشتد في هذه السنوات كل عام أكثر من سابقه، وينطلق الناس حفاة نحو كربلاء. لو كان لدى الأمركيين عقل ولو بمقدار ذرة، إذًا لعلموا برؤيتهم لهذه المشاهد، أن العراق ليس مكانًا يمكنهم البقاء فيه».

 

72

 


60

العقلانية

العقل والتدبير والفكر والتخطيط تضجّ بها تصريحات القائد سليماني. والتشدد وعدم الليونة تجاه الأعداء مشهودان ويتجليان في رؤيته وفي كلامه. وبث روح الأمل والثقة بالنفس يتجليان للعيان في خطبه.

عام 1391 [2012 - 2013]، يقول القائد سليماني في حشد من قوّة القدس التابعة للحرس: «اعتقادي هو أنّ الله تعالى قدّر في هذه الوقائع [هجوم المسلحين] في سوريا، خيرًا عظيمًا لثورتنا... من المتيقن أن لا أمل في سيطرة المسلحين. كانت دعايتهم قوية جدًّا في قضية [السيطرة على] دمشق، ولم يتمكنوا، ثم ركزوا دعايتهم الواسعة على حلب... وفي حلب أيضًا لم ينجحوا بفضل الله تعالى. ويمكنني الآن القول: إنّ ما يزيد عن 80 بالمئة من أراضي سوريا تسيطر عليه بنحو بنيوي الدولة السورية. لقد سقطت هيمنة هذا المشروع، والجميع يقر بذلك... وحتى لو جاؤوا بضعف هذه القوات، فإنّ هذا المشروع سقط».

هذه التصريحات هي ثمرة عقلانية القائد الحاج قاسم سليماني وتدبيره وتخطيطه. وقد كان ظلّ العقلانية والتدبير الذي ألقى بنفسه على عمله، متجليًا وبارزًا.

يقول الإمام الخامنئي في 18 دى 1398 [08/01/2020]: «كان الشهيد سليماني شجاعًا، كما كان مخططًا. لم يكن شجاعًا وحسب. بعضهم لديهم الشجاعة، إلا أنهم لا يملكون العقل والتدبير الضروري لإعمال هذه الشجاعة. وبعضهم مخططون،

 

73

 

 


61

العقلانية

إلا أنهم ليسوا من أهل العمل والإقدام، وليس لديهم الجرأة على العمل. كان لهذا الشهيد العزيز الجرأة والتخطيط -كان يقتحم المخاطر ولا يهاب شيئًا، ليس فقط في أحداث هذه الأيام، بل في أثناء مرحلة الدفاع المقدس أيضًا في موقع قيادة فرقة «ثار الله» كان كذلك، هو وفرقته- . فكان يفكر ويخطط، وكان يملك منطقًا لأعماله. ولم تكن هذه الشجاعة وهذا التخطيط في المجال العسكري فقط، بل كان كذلك في ميدان السياسة. لطالما تحدثت، أنا العبد، للأصدقاء العاملين في الساحة السياسية عن هذا: عن سلوكه، وعن أعماله. كان في مجال السياسة شجاعًا كما كان مدبّرًا. كان لكلامه أثر، وكان مُقنِعًا، وكان يؤثّر».

يقول السيد حميد رضا فراهاني: «كان الحاج قاسم أعطى تعليمات لوحدة الدعم والمؤن في الفرقة، ليرسلوا بضع كيلوات من شحم الإلية إلى الجبهة [خلال الحرب المفروضة]. لما وصل الشحم إلى الجبهة، أمر الحاج قاسم باضرام نار، ووضع الشحم فيها. شرع الشحم بالاحتراق وطغت رائحة الشواء على كل الجبهة. في اليوم الأول والثاني، وبغية تعزيز روحية المقاتلين في الخط الأمامي، أمر الحاج قاسم وحدة المؤن بإعداد طعام ساخن ولذيذ. كان طعام الخط الأمامي يومذاك «تشلوکباب» [أرز مع كفتة]، ومشروبًا غازيًّا في علب معدنية باردة... وعوضًا عن فتح النار على خط العدو؛ أمر الحاج قاسم شباب الفيلق ليرموا علبهم المعدنية الفارغة كالقنابل اليدوية إلى ما وراء سواتر البعثيين الترابية.

 

74


62

العقلانية

أخذت العلب المعدنية الفارغة تتساقط كالمطر من خطنا إلى ما وراء سواتر العراقيين. وأيضًا فعلت العلب فعل القنابل اليدوية، بحيث إن مَعِدات الجنود البعثيين الجوعى والعطاشى تفجّرت فيها الحوامض المعوية. أحدثت رائحة الشحم المشوي وعلب المشروب الغازي الفارغة زلزالًا في خطوط الدفاع العراقية. لم تمض بضع دقائق، حتى ظهر أول جندي عراقي بقميصه الداخلي الأبيض، ويديه المرفوعتين استسلامًا، بين الساترين الترابيين [العراقي والإيراني]. أخذ الجندي العراقي يركض، وألقى بنفسه عند ساترنا الترابي. أخذه الشباب إلى الحاج قاسم. أمر الحاج قاسم بإعطائه وجبة تشلوکباب مع مشروب غازي بارد. لمّا أنهى الجندي العراقي طعامه، أمر الحاج قاسم باطلاق سراحه. بداية لم يكن الجندي يصدّق...

لذا، كلما كان يمضي بضع خطوات، كان يستدير وينظر خلفه، إلى أن وصل إلى سواترهم الترابية، واختفى خلفها. بعد بضع دقائق، ظهر من خلف الساتر صف من الجنود العراقيين، بدا كالحية التي تزحف على الأرض من دون رمق... بلغ الحاجَّ قاسم خبرُ استسلام عشرين جنديًّا عراقيًّا، أمر وحدة المؤن ليرسلوا بضعة مئات من وجبات الشواء الساخن إلى الخط... فتح الحاج قاسم الساتر الترابي العراقي من دون إطلاق حتى رصاصة واحدة ومن دون إراقة الدماء»[1].

 

 


[1] حاج قاسم، سلام، ص 251 تا 253.

 

75


63

العقلانية

يدل هذا التخطيط على حكمة الحاج قاسم سليماني. لقد أعزّه عقله وتدبيره.

أخذ القائد سليماني هذه العقلانية من مدرسة الإمام الخميني، وقد كان الإمام يرى للعقل موقعًا ومقامًا بارزًا، وكان يعتقد أن قيمة الإنسان وموقعه الممتاز رهن امتلاكه للعقل، ذلك أن الحق تعالى بإعطائه العقل للإنسان فقد أعطاه كل شيء.

وبالنسبة للعقل، فقد كان الإمام الخميني يعتقد أن قيمة الإنسان وقيمة إنسانيته هي بهذه الثروة القيّمة والرفيعة، التي هي أساس تمايزه عن سائر مخلوقات الله تعالى.[1]


 


[1] كتاب طلب واراده [الطلب والإرادة]، ص 141 و142.

 

76


64

إشارة

الإيمان الصادق بدور الشعب

كان الإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، يؤكد دائمًا على دور الشعب في الحكومة، وكان يعدُّ الشعب أحدَ دعائم الحكومة الإسلامية، ويؤكد دائمًا في تصريحاته على ضرورة اعتماد الدولة على الشعب.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1383 [03/06/2004]، وضمن مراسم الذكرى السنوية الخامسة عشرة لارتحال الإمام الخميني: «إن رأي الشعب في المدرسة السياسية للإمام مصيري ومؤثّر بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذه هي عظمة وأهمّيّة رأي الشعب. من ناحية أخرى، كان الإمام، وبالاعتماد على قوّة رأي الشعب، يرى أنه يمكن بإرادة الشعب الحديدية الوقوف في وجه جميع قوى العالم المعتدية، وقد وقف».

كان الإمام الخميني يعتقد أنه يمكن بمشاركة الشعب ومراقبته التصدي لجميع الانحرافات، وحفظ نظام الجمهورية الإسلامية.

وبإيمان الإمام الخميني، بمسؤولية عموم أفراد المجتمع، وضرورة الرقابة العامة للشعب في جميع الشؤون، بما فيها

 

78

 

 


65

العقلانية

أداء رجال الدولة والنظام السياسي، فقد كان يؤكد على [دور] الإعلام، وعلى متابعة نتائج الرقابة الدقيقة للشعب، حتى في نطاق المنظمات والمؤسسات، وكان يرى أنّ انعدام الرقابة العامة، يفضي إلى الفساد وزوال نظام «السيادة الشعبيّة الدينيّة».

يقول سماحته في 10 تير 1360 [01/07/1981] لدى لقائه علماء الدين في طهران: «إذا لم يمارس الشعب الرقابة في قضايا الحكومة والمجلس وفي كل شيء، إذا تنحّى جانبًا، وسلّم الأمور لهؤلاء [رجال الدولة والمجلس] وانشغل بشؤونه، فقد يأتي يوم تفسد فيه الأمور... إذا لم يتدخل [الشعب] وتعرّض الإسلام لضربة، فإن كل واحد منّا مسؤول في محكمة العدل الإلهي... وهل يمكن القول: نحن لا شأن لنا بالإسلام؟! أنت مكلّف بالمحافظة على [الإسلام]».

لقد كانت هذه نظرة الإمام الخميني إلى دور الشعب. وقد تألّق الشعب، حقًّا، في مجال تشكيل حكومة «السيادة الشعبيّة الدينيّة» وصيانتها، إلى الحد الذي كتب الإمام الخميني في وصيته: «بجرأة أدّعي، أنّ الشعب الإيراني وجماهيره المليونية في العصر الراهن، أفضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله  (صلى الله عليه وآله)، ومن شعب الكوفة والعراق في عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي(عليهما السلام)... نحن نرى اليوم أيّ ملاحم يسطّرها الشعب الإيراني، وأيّ تضحيات يبذلها، بحماسة وشوق كاملين، بدءًا بالقوات المسلحة وقوى الأمن والحرس والتعبئة، وانتهاءً بالقوات الشعبية من العشائر والمتطوعين، ومن القوات في الجبهات ومن هم وراء الجبهات... كل هذا نابع من

 

79


66

العقلانية

حبهم وولائهم وإيمانهم القويّ بالله تعالى وبالإسلام وبالحياة الأبدية... نحن جميعًا نفتخر بأننا نعيش في عصر كهذا، وبين يدي شعب كهذا».

في مدرسة الشهيد سليماني أيضًا، يتألق هذا الاعتقاد الصادق بدور الشعب والولاء للشعب الإيراني وللأمة الإسلامية. لقد كان الشهيد تلميذَ الإمام وتابعًا له، يحذو حذو قائده ومراده تمامًا، ويحب الشعب الإيراني.

كتب القائد الحاج قاسم سليماني في وصيته: «إخواني وأخواتي الإيرانيّين الأعزّاء! أيّها الشّعب الشّامخ الشريف! فداكم روحي وأرواح أمثالي آلاف المرّات، كما بذلتم أنتم مئات آلاف الأرواح فداءً للإسلام وفداءً لإيران».

وكذلك فقد أورد هذا العزيز الحرّ، والعارف الذي قلّ نظيره في وصيته: «والمسألة التي أوجّهها لأهالي كرمان الأعزاء، الأهالي المحبوبين الذين قدّموا خلال أعوام الدفاع المقدس الثمانية أرفع التضحيات، وبذلوا للإسلام قادةً ومجاهدين ذوي مقامات سامية جدًّا. أنا خجلٌ دائمًا منهم... أعزائي... أحبكم أكثر من أبي وأمي وأبنائي وأخواتي وإخواني، لأني قضيتُ معكم أوقاتاً أكثر منهم. مع أني بضعة منهم وهم بضعة مني، إلا أنهم قبلوا أن أنذر وجودي لأجل وجودكم ووجود الشعب الإيراني».

استقى القائد الفريق الحاج قاسم سليماني هذا الحب للناس من مدرسة الإمام الخميني. يقول في إحدى خطبه:

 

80

 

 


67

العقلانية

«أخواتنا، إخواننا، أعزاءنا! لقد تحدث الإمام عن هذا الشعب بأجمل العبارات وبأكثرها عاطفية وأشدّها روحانية، فكتب في وصيته: «الشعب الإيراني الذي روحي فداه». الشعب الذي يستحقّ [أن تفديه] روحًا كروح الإمام؛ روحي، وروح حسين بادپا، وروح جمالي، وروح الله دادي وأرواح جميع شهدائنا، تستحق أن تُبذل وتُفدى من أجله. إن تجربة هذا الشعب الذي هو شريف وعزيز وفدائي ووفيّ وحكيم وشامخ، هي اليوم على رأس التجارب الناجحة لجميع الشعوب»[1].

وأيضًا، كتب القائد سليماني في 6 ارديبهشت 1395 [25/04/2016]، في جواب له على رسالة شاب: «لي الفخر بأن أكون مجنّدًا في مهمة الدفاع عن شعب قال عنه الإمام: روحي فداه».

يقول حجة الإسلام السيد إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، في بهمن 1398 [شباط 2020]، في مراسم أربعين هذا الشهيد الحكيم والكبير: «كان الشهيد سليماني يؤمن بالناس، ولم يكن يعدّ وجهات نظر الناس وآراءهم أمرًا شكليًّا، وكان يؤمن حقيقة بالناس. كان حقيقة، يعشق الشعب وجميع مظلومي العالم، ولم يكن هذا الحب حكرًا على الكرماني والإيراني والسوري والعراقي والأفغاني».

يقول الدكتور محمد تركمن: «جاء القائد [سليماني] لزيارة

 

 


[1] ماهنامۀ فکه [دوريّة فكّة الشهريّة]، العدد 202، ص 34.

 

81


68

العقلانية

حفيديه التوأم في المشفى... تحية الحاج قاسم وسؤاله البسيط والدافئ عن أحوالنا، كسرا الأجواء الجليدية التي خيمت على الممرضين، وفي طرفة عين، التفَّ حوله ممرضو القسم. قررنا التقاط صورة تذكارية. أثار اهتمامي جدًّا حدة ملاحظته. التفّ حوله جميع ممرضي القسم، وتأهبوا لالتقاط الصورة. لم تكن الصورة التذكارية قد التقطت بعد لمّا أشار القائد إلى آخر الصالة. كان أحد عمال النظافة يمسح أرض الصالة. ناداه القائد، وقال له: عليك أن تظهر أنت أيضًا في صورتنا التذكارية»[1].

يقول القائد محمد رضا فلاح زاده: «في حلب كان يساعد شخصيًّا لإخلاء المدينة من السكان، أي إنه كان ينقل الناس بنفسه بالسيارة، ليبذل الآخرون جهدًا أكبر. وكان يواظب على التوصية بتأمين حاجيّات الناس، في فصل الشتاء هذا، من الملابس الشتوية والبطانيات ووسائل النوم المريحة، ويوصي ويؤكد ويتابع بجدية قضايا الماء والغذاء والصحة والعلاج الخاصة بهم. في حلب والبوكمال وفي سوريا عمومًا؛ كان يكرّس شطرًا من جهده لحماية الناس وإيوائهم وإطعامهم وطبابتهم وعلاجهم، بحيث إنه كان يتصرف وكأنّ هؤلاء الناس هم أبوه وأمه وإخوته وأخواته وأبناؤه... كان يقضي حوائج الناس مهما استطاع ذلك».

 


[1] ويژه نامه جمهوری اسلامی [العدد الخاصّ بصحيفة «جمهوری اسلامی»]، 20 بهمن، 1399، ص 4.

 

82


69

العقلانية

ويضيف: «كان قد عاد ذات يوم من كرمان. وكان متعبًا للغاية. قال: وكأني خرجتُ من تحت محدلة. سُئل: لماذا؟ قال: من كثرة ما كان عندي مراجعون. عين هؤلاء الناس على مساعدة أمثالنا وينتظرون منّا ذلك. وأنا أيضًا أساعد إلى الحد الذي بمستطاعي»[1].

حب القائد سليماني للناس هو الذي جعل قلوبهم تحترق في جميع المدن والمحافظات الإيرانيّة، وفي العراق ولبنان وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان وآذربايجان ونيجيريا وروسيا وتركيا والهند، في مراسم تشييعه ومراسم تأبينه، وراحوا جميعًا يقيمون المآتم والعزاء له.

يقول السيد صادق خرازي: «كنّا قبل وفاته بأربعة أيام عند عالم كبير حكيم. قال القائد سليماني لذاك العالم: دعوت الله تعالى في السحر: إلهي! خذ من عمري خمس سنوات وأعطها لهذا العالم! فتبسّم ذاك العالم وقال: منذ خمسة وسبعين عامًا وأنا أؤلف كتبًا لمدرسة أهل البيت، وبحثت، وجمعت رسائل مختلفة في المستدركات الفقهية والأصولية، وكتبت ما يربو على 140 إلى 150 كتابًا ورسالة علمية وفقهية وفي التفسير، ربّيت مئات الطلاب، كل هذا فداءً لخمس دقائق [من عمر] قاسم سليماني ومناجاته وحضوره في الساحة الربوبية وخدماته التي قدّمها لله وللخلق. أنا مستعد لوهبك كل حياتي مقابل خمس

 

 


[1] ويژه نامه حاج قاسم [العدد الخاصّ بالحاج قاسمِ]، ص 177.

 

83


70

العقلانية

دقائق [من حياتك]!»[1].

يقول الإمام الخامنئي في 18 دى 1398 [08/01/2020]: «كلما كان هذا الشهيد العزيز يقدّم لنا تقريرًا –كتابيًّا كان أم شفويًّا– عن المهمات التي أداها، كنت، أنا العبد، أثني عليه من قلبي وعلى لساني، أمّا اليوم، فإنّني [أنحني] له تعظيمًا، مقابل ما كان هو الأساس في حدوثه، ومقابل ما حققه للبلد بل وللمنطقة. لقد حقق أمرًا عظيمًا وأقام قيامة. لقد أبرزت روحانيته شهادتَه على هذا النحو. مراسم التشييع الإيرانية هذه، مراسم التشييع العراقية هذه؛ ماذا فعل هؤلاء الناس في الكاظمَيْن، في بغداد، في النجف وفي كربلاء بهذا الجثمان المقطّع إربًا إربًا!».

يقول أيضًا سماحته في 22 تير 1399 [12/07/2020]: «لقد أثبت الناس في إجلالهم وتكريمهم لمظهر اقتدار الإيرانيين الوطني والجهادي، أعني به الشهيد سليماني، أنهم يؤمنون بالنضال والمقاومة في وجه الاستكبار، وأنهم يعتقدون بأسمى القيم لبطلهم القومي».

يقول القائد حسين نجات في 26 بهمن 1398 [15/02/2020]: «أدى الدعم الاستشاري الذي قدّمه الحاج قاسم سليماني للدول وللشعوب التي كانت تسعى للاستقلال ولمحاربة الاستعمار، إلى أن يغدو الحاج قاسم محبوبًا بين الناس، لأن الناس كانوا شاهدوا قتل الأطفال الأبرياء في سوريا والعراق واليمن، وكان

 

 


[1] ويژه نامه مکتب حاج قاسم [العدد الخاصّ بمدرسة الحاج قاسم]، ص 82.

 

84


71

العقلانية

هذا كافيًا لأن يحب الناس شخصًا انتقم لهؤلاء الأطفال الأبرياء من داعش وأميركا».

غدا هذا الحب المتبادل بين الشهيد سليماني والناس، المَعْلَم البارز لمدرسة سليماني. ولقد رأيتم جيدًا هذا الحب نفسه في يوم 12 بهمن 1357 [01/02/1979] حين استقبال الناس للإمام الخميني، وفي 16 خرداد 1368 [06/06/1989] عند تشييع الجثمان الطاهر للإمام الخميني.

 

85


72

حراسة القيم

حراسة القيم

كلمة قيمة، مفهومٌ له أساس في نفسه. وهو القيميّة وكون الشيء قيّمًا. تعدّ القيم من أهمّ العوامل في النظام العقائدي للإنسان وردود أفعاله. فعندما يقبل الفرد بقيمة ما، تصبح هذه القيمة هدفًا له، وتؤدّي دورًا مصيريًّا في اتّجاهاته.

في مدرسة الإمام الخميني، تمثّل محاربة الاستكبار، الثوريّة، طلب العدالة، الابتعاد عن حياة الترف، وبساطة عيش المسؤولين، رفض العلمانيّة الأخلاقيّة والإباحيّة، الدفاع عن مظلومي العالم، الوقوف والصمود في وجه العدو، ترويج الأخلاق الفاضلة، الوحدة، المساواة والأخوّة، رفض التبعيّة السياسيّة، البصيرة، معرفة العدوّ والتقوى، القيم المقبولة التي يجب العمل بها وحراستها. ولقد أوضح الإمام الخميني مظهرَ القيم عند شرحه لموضوع «ولاية الفقيه». وهذه النظرة واضحة أيضًا في مدرسة الشهيد سليماني.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد من العام 1383 [4/7/2004]: «ولاية الفقيه هي مركز هندسة النظام وحفظ نهج النظام واتّجاهه والحيلولة دون الانحراف إلى اليمين أو

 

86

 


73

حراسة القيم

اليسار؛ هذا هو المفهوم الأهمّ والمعنى الأساس لولاية الفقيه».

ويقول سماحته في التاريخ نفسه: «إنّ حراسة الحركة العامّة للنظام باتّجاه أهدافه ومبادئه السامية، من أهمّ أدوار ولاية الفقيه».

يعتقد القائد الفريق الحاج قاسم سليماني: «إذا ما كان أحدهم ملتزمًا بأسس الثورة، فإنّنا نقبّل يديه. كلّنا معًا نقبّل يديه. أسس الثورة، هي التوجّه نحو القيادة والميل إليها؛ القبول بأصل ولاية الفقيه»[1].

ويكتب (قدس سره) في وصيّته: «العالم الإسلامي يحتاج دائمًا إلى القائد. القائد المتّصل بالمعصوم والمنصوب الشرعي والفقهي من قبله. تعلمون جيّدًا أنّ عالِم الدين الأنزه، الذي هزّ العالم وأحيا الإسلام، أعني به إمامنا الخميني العظيم والمخلص، قد جعل ولاية الفقيه الوصفة المنقذة الوحيدة لهذه الأمّة؛ لذا، فلتعلموا أنتم الشيعة الذين تعتقدون به اعتقادًا دينيًّا، وأنتم السنّة الذين تعتقدون به اعتقادًا عقليًّا، أنّه عليكم وبعيدًا عن أيّ اختلاف، ومن أجل إنقاذ الإسلام، أن لا تتركوا خيمة الولاية. فالخيمة خيمة رسول الله. وأساس عداوة العالم للجمهوريّة الإسلامية يكمن في إشعال النار في هذه الخيمة وتخريبها. فلتدوروا في فلكها. واللهِ، واللهِ، واللهِ، إن أصاب هذه الخيمة ضرر، لا يبقى بيت الله الحرام، ولا حرم رسول الله، ولا النجف ولا كربلاء ولا الكاظمَيْنِ ولا سامرّاء ومشهد؛ القرآن سيتضرّر».

يتابع القائد سليماني في وصيّته: «إخوتي وأخواتي الإيرانيّين

 

 


[1] الدوريّة الشهريّة “فكّة”، العدد 202، ص 35.

 

87


74

حراسة القيم

الأعزّاء...، انتبهوا للأصول. الأصول تعني الوليّ الفقيه؛ خاصّة هذا الحكيم، المظلوم، التقيّ في الدين، والفقه، والعرفان والمعرفة. ولتعدّوا الخامنئي العزيز عزيز أرواحكم، ولتحسبوا حرمته حرمة للمقدّسات».

ويخاطب في وصيّته أهالي كرمان قائلًا: «أحبّ لكرمان أن تبقى دائمًا وإلى الأبد مع الولاية. هذه الولاية هي ولاية عليّ بن أبي طالب، وخيمتها هي خيمة الحسين بن فاطمة، فلتدوروا في فلكها».

ويوجّه في هذه الوصيّة خطابه للمسؤولين قائلًا: «إذا أردتم أن تكونوا متّحدين، فإنّ شرط الاتّحاد هو التوافق حول الأصول والتبيان الصريح لها... الأصول، عبارة عن جملة من الأسس المهمّة؛ أوّلها الاعتقاد العملي بولاية الفقيه، بمعنى أن نسمع لنصحه؛ ونعمل بإخلاص بوصاياه وتعاليمه بصفته الطبيب الحقيقي الشرعي والعلمي».

ويخاطب هذا القائد الرفيع الشأن في وصيّته العلماء والمراجع العظام: «الجمهوريّة الإسلامية والقيم وولاية الفقيه هي ميراث الإمام الخميني، رحمة الله عليه، وينبغي أن تكون موضع حماية ودفاع جدّيّين. إنّي أرى سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي مظلومًا جدًّا ووحيدًا. وهو بحاجة إلى مواكبتكم ومؤازرتكم، وعليكم أيّها المراجع العظام أن توجّهوا المجتمع إليه من خلال خطاباتكم ولقاءاتكم ودعمكم له».

وقد صرّح القائد سليماني في العام 1389 [2010] في ذكرى

 

88


75

حراسة القيم

شهداء «خانوك» التابعة لـ«كرمان»: «أنا لست عضوًا في أيّ حزب أو تيّار، ولا أميل إلى أيّ طرف سوى للذي يخدم الإسلام والثورة... والله إنّني أعرف علماء الشيعة كلّهم وعن كثب... والله، وأشهد بالله بأنّ أفضلهم جميعًا هو آية الله العظمى الخامنئي».

ويقول: «إذا ما كان علماء العالم جميعًا في طرف، وكان سماحة القائد في طرف، فإنّني يقينًا سأكون إلى جانب الإمام الخامنئي»[1].

لو تحوّلت أيّامنا وليالينا إلى جهنّم

وقتّلونا واحدًا تلو الآخر

فنحن التعبويّين لا نسمح بأن

تنقص شعرة من رأس الخامنئي

[روز و شب ما اگر جهنم گردد

شخصیت مان ترور دمادم گردد

ما بسیجیان نمی گذاریم حتی

یک موز سر خامنه ای کم گردد]

ويقول: «إنّ كلّ ما لدينا اليوم هو من هذه الثورة والإمام. ونحن مدينون في هذه العزّة العامّة، لخطّ الإمام واستمرار نهج الامام على يدي سماحة القائد المفدّى. ما من ثروة أهمّ من ثروة وجود القائد، وهي ثروة لا يمكن مقارنتها بأيّ ثروة أخرى. لا ينبغي أن يُطرح في البلاد كلام مخالف لسياسات وأهداف

 

 


[1] الأخ قاسم، ص 28.

 

89


76

حراسة القيم

سماحة القائد المفدّى، وإذا ما طُرح مثل هذا الكلام ولم يُعترض عليه، فإنّنا نكون مشاركين في إثمه».

نشكر الله تعالى أنّك لدينا

أنت حيدر ونحن كذي الفقارك

يا سيّد علي، يا قائدي العزيز

هيهات ندعك وحيدًا

[ما شاكر حق ایم که داریم تورا

تو حیدری وچو ذوالفقاریم تورا

ای سید علی، رهبر من، آقاجان

هیهات که تنها بگذاریم توراِ]

هذه النظرة، شكّلت مدرسة القائد سليماني. ودفاع الشهيد سليماني عن القيم؛ دفاعه عن ولاية الفقيه وحراستها؛ دفاعه عن مصداق الولاية، الإمام الخامنئي، مستقى من مدرسة الإمام الخميني ونظرة مؤسّس جمهوريّة إيران الإسلامية.

في رسالة للإمام الخميني بتاريخ 21 دي 1366 [11/1/1988]، يخاطب فيها عزيزه الخامنئي قائلًا: «من بين الأصدقاء والملتزمين بالإسلام والمباني الإسلامية، أنت من جملة الأفراد النادرين، كالشمس تبعث الضياء».

من خلال رؤية الإمام الخميني، يرتبط القائد سليماني

 

90


77

حراسة القيم

بالإمام الخامنئي وبولاية الفقيه. وبسبب عظمة القائد سليماني وشأنه المعنويّ وبصيرته، يكتب قائد الثورة الإسلامية المفدّى في رسالة له بتاريخ 10 شهريور 1393[1/9/2014]: «لن أقول لك شيئًا عن قلقي من الخطر الذي يكتنف وجودك في الجبهات؛ لكن اعلم أنّني قلق عليك!».

 

ويجيب القائد سليماني على تلك الرسالة نفسها قائلًا: «روحي الرخيصة لا تستحقّ قلقك، ونفسي فداء، آلاف المرّات، لروحك العزيزة».

إنّنا نفدي الوليّ بأرواحنا

ونعشقه بالعشق الأزلي

هذه الأمانة التي وهبنا الله إيّاها

هي الروح التي نقدّمها للسيّد علي

[هستی خویش به ولی می بازیم

عشقی که به عشق ازلی می بازیم

این بارِ امانت که خدا داد به ما

جانی ست که بر سید علی می بازیم]

بالنظرة الإلهيّة للولاية ومكانة ولاية الفقيه يكتب القائد سليماني: «نفسي فداء آلاف المرّات، لروحك العزيزة».


ويرى الإمام الخميني أستاذ القائد سليماني أنّه: «إذا ما قام شخص لائق توافرت فيه هاتان الخصلتان [المعرفة بالأحكام

 

91

 

 


78

حراسة القيم

الإلهيّة، والعدالة]، وشكّل الحكومة الإسلامية، تكون له الولاية نفسها التي كانت للرسول الأكرم  (صلى الله عليه وآله) في أمر إدارة المجتمع، وعلى جميع الناس إطاعته»[1].

ينبغي النظر إلى مدرسة القائد سليماني من هذا الموقع. الموقع الذي -كما الإمام الخميني- يصمد للدفاع عن القيم والمبادئ؛ القيم التي بيّن الإمام الخميني العظيم مظهرها عند شرح موضوع ولاية الفقيه؛ وكان القائد سليماني حاضرًا للتضحية بنفسه في سبيل الولاية ووليّ فقيه زمانه.

 


[1] شؤون وصلاحيّات الوليّ الفقيه، ص33.

 

92


79

العدالة الاجتماعيّة

العدالة الاجتماعيّة

العدالة الاجتماعيّة، واحدة من دلالات مفهوم العدالة، والتي يراد بها التوزيع العادل للثروات في مجتمع ما. بمعنى أنّه يجب على القانون أن يتوافر على مستوى مقبول من العدالة الحقيقيّة والرسميّة، ويضمن التوزيع العادل للثروات وتكافؤ الفرص.

وقد قال الإمام الخامنئي بتاريخ 14 خرداد 1383 [4/7/2004]: «العدالة الاجتماعيّة من أهمّ الأهداف في المدرسة السياسيّة لإمامنا الخميني العظيم».

العدالة الاجتماعيّة مستندة إلى العدالة التكوينيّة التي يقوم العالم عليها، وعلى أساسها تكون الحياة العامّة المسالمة ممكنة.

في كلمة له في 19 تير 1374 [10/6/1995]يقول الإمام الخامنئي: «العدالة الاجتماعيّة هي أمر اجتماعي محض، ومرتبط بالحكومة؛ مرتبط بالسياسة، مرتبط بأسلوب الحكم في المجتمع».

وقال بتاريخ 14 خرداد من العام 1381 [4/7/2002]: «أصل العدالة الاجتماعيّة، إجراء العدالة، الأخذ بعين النظر حقّ الجماهير الشعبيّة الواسعة، وسدّ الفجوات بين الطبقات الاجتماعيّة، هي من الأصول الأساسيّة للنظام الإسلامي».

 

94

 

 


80

العدالة الاجتماعيّة

تستقيم الحكومة بالعدل

ويستقرّ أمرك بعدلك

[مملكت از عدل شود پایدار

کار تو از عدلِ تو گیرد قرار]

وفي خطاب له بتاريخ 1 مرداد 1367 [23/7/1988]يقول سماحته: «العدالة الاجتماعيّة تعني أن تستفيد جميع الشرائح من سائر خيرات المجتمع الإسلامي وثرواته... وينبغي لهذه المسألة أن تكون في صدارة القوانين والتقويمات والخطابات والمؤلّفات، وذلك حتّى يزول التمييز والظلم والحرمان».
وقال ذلك الحكيم المتألّه في 14 خرداد 1378[ 4/7/1989]: «العدالة الاجتماعيّة هي من الشعارات الأساسيّة؛ ولا يمكن وضعها في الدرجة الثانية ونقلها إلى الحاشية».

هذه النظرة التي تشكّلت مدرسة الإمام الخميني على أساسها، وهي من معالم مدرسة القائد سليماني، قد استخرجت من النصّ القرآني والنصوص الدينيّة.

وبالاستفادة من آيات القرآن الكريم، يرى الإمام الخامنئي أنّ العدالة الاجتماعيّة جزء من الأديان ذاتها؛ بحيث إنّ هدف الأديان هو إيجاد النظام العادل، ويرى سماحته أنّ العدالة الاجتماعيّة من أهمّ أهداف النظام الإسلامي، وهو (دام ظله) يتبيّن أهمّيّة هذا الهدف لكثرة وروده في النصوص والمتون الإسلامية.

فقد ورد في القرآن الكريم بعد قوله تعالى «لقد أرسلنا

 

95


81

العدالة الاجتماعيّة

رسلنا بالبيّنات...» قوله تعالى «ليقوم الناس بالقسط»؛ أي إنّ الهدف من إرسال أنبياء الله والرسل هو تحقيق القسط، والقسط هو العيش العادل.

وقال الإمام الخميني في 18 شهريور 1360 [9/9/1981]: «يقول الله تبارك وتعالى، لقد أرسلنا الأنبياء، وآتيناهم البيّنات والآيات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط. الغاية هي أن يقوم الناس بالقسط؛ وأن تتحقّق العدالة الاجتماعيّة بين الناس؛ ويزول الظلم؛ ويجري الاهتمام بالمستضعفين ويقام القسط».

ويقول القائد سليماني في أسبوع التعبئة في العام 1397 [2018]: «المسؤوليّة الملقاة على عاتق قوّة القدس فيما يتعلّق بشأن الدين، هي استمرار رسالة رسول الإسلام المعظّم  (صلى الله عليه وآله)؛ استمرار رسالة الأولياء الكرام بعد الرسول؛ مواجهة الظلم؛ مواجهة أعداء الإسلام؛ الدفاع عن الإسلام؛ نشر الإسلام؛ نشر الثقافة الإسلامية؛ تجهيز المسلمين للدفاع عن أنفسهم؛ الدفاع عن المستضعفين في وجه المستكبرين؛ هزيمة المستكبرين».

ولقد سار هو في هذا المسار بدقّة. فجهود القائد سليماني لإنقاذ الشعوب المظلومة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان من نير المعتدين والإرهابيّين الأمريكيّين والإسرائيليّين والداعشيّين، وتثبيت السلم والاستقرار في سوريا والعراق، ورفض الظلم والجور، ومساعيه من أجل تحقيق العدالة الاجتماعيّة، لن تُمحى أبدًا من أذهان شعوب العالم الإسلامي.

 

96


82

العدالة الاجتماعيّة

يقول القائد في حرس الثورة أصغر صبوري: «بالنسبة للشهيد سليماني لا يوجد فرق بين الشيعة والسنّة. وإنّ أرواح المسلمين مهمّة بالنسبة إليه. وقد أخذ هذه الفكرة من قائد الثورة الإسلامية، وهي أنّ لا فرق بين المسلمين في دعم جبهة المقاومة والمظلومين والمستضعفين»[1].

في فكر القائد سليماني كانت العدالة الاجتماعيّة والاهتمام بالناس وحلّ مشكلاتهم مهمّة؛ وأداء التكليف كان مهمًّا.

يقول القائد اللواء الثاني في حرس الثورة الإسلامية مهدي إيران منش: «كان يتابع بجدّيّة الرسائل التي كانت تصله من الناس ويقول: عندما يسلّمني أحدهم رسالة، فهو حتمًا يريد جوابًا على رسالته. لديّ تكليف، وعليّ أن أردّ على رسالته».

كان القائد سليماني يسعى من أجل إرضاء الناس والمسلمين. كان يسعى وراء العدالة الاجتماعيّة، القضاء على الظلم والجور في العالم، والدفاع عن كلّ مظلوم في المنطقة والعالم.

وقال في أوائل مرداد من العام 1397 [2018]في ذكرى عمليّات رمضان في همدان: «هذه الحكومة وسائر الحكومات هي خادمة [للشعب]، وكلّ حكومة قد سارت بالبلد قُدمًا بنحو من الأنحاء؛ لكن إن وُضعت بعض الأمور موضع اهتمام الحكومات، سيكون لها تأثير عجيب. قد لا نستطيع اجتراح معجزة في الإدارة؛ لكن يمكننا إيجاد الرضا، محوريّة العدالة، التعايش، الأخوّة والمساواة»[2].

 

 


[1] دورية “فكّة” الشهريّة، العدد 202، ص 71.

[2] صحيفة الشرق، 6 مرداد 1397.

 

97

 

 


83

العدالة الاجتماعيّة

لقد استقى هذه النظرة من الإسلام المحمّدي الأصيل، ومن مدرسة الإمام الخميني؛ وتعلّمها من مدرسة الإمام الخامنئي.

وقال في 7 آذر 1397 [2018]في جامعة الشهيد باهنر في كرمان: «من المعالم المهمّة للإسلام الأصيل في فكر القائد، محاربة الظلم، طلب العدالة، الدفاع عن المظلومين، بثّ الأمل، والقضاء على الخوف والجهل في المجتمع».

وهو نفسه كان يسير بدقّة في هذا الإطار وعلى هذه السكّة. فحياته كانت حافلة بالسعي للقضاء على الظلم، والدفاع عن المظلوم، ورفع منسوب العدالة الاجتماعيّة. كان بعمله يبثّ الأمل في نفوس الناس؛ ويزيد من نسبة الرضا في المجتمع، ويعلّم الجميع «المساواة» عمليًّا.

وقد أظهرت مدرسة القائد سليماني للعالم من خلال معلَم العدالة الاجتماعيّة، بأنّ نظريّة الديمقراطيّة الاشتراكيّة والمذاهب الماديّة في حلّ المشكلات وسدّ الفجوات بين الطبقات الاجتماعيّة، واستفادة شعوب العالم من ثروات الحياة المادّيّة والمعنويّة، لن تُفضي إلى أيّ نتيجة. وهو بمسيره في طريق العدالة قد أظهر للمسلمين وغير المسلمين بأنّ الوصفة الوحيدة لعلاج المجتمع البشري اليوم، تتمثّل في الإسلام المحمّدي  (صلى الله عليه وآله) الأصيل.

معلم العدالة الاجتماعيّة في مدرسة القائد سليماني مستقًى من الإسلام المحمّدي الذي قال الإمام الخميني بشأنه في 14 آذر1367 [5/12/1988]: «أبنائي المجاهدين الأعزّاء، الشيء الوحيد الذي ينبغي أن تفكّروا فيه هو إرساء دعائم الإسلام

 

98


84

العدالة الاجتماعيّة

المحمّدي الأصيل؛ الإسلام الذي سيذلّ الغرب، وعلى رأسه أمريكا ناهبة العالم، والشرق، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي المجرم؛ الإسلام الذي حَمَلَةُ لوائه هم الحفاة والمظلومون وفقراء العالم، وأعداؤه هم الملحدون والكافرون وأصحاب الثروات وعبّاد المال».

وقد بيّن الإمام الخميني في 14 فروردين 1368 [5/4/1989] إطار الإسلام المحمّدي الأصيل في رسالة بعث بها إلى آية الله جنّتي فقال: «إطار الإسلام المحمّدي الأصيل هو الذي يرسّم الغضب والحقد المقدّس والثورة على رأسماليّة الغرب وشيوعيّة الشرق الطاغية...».

العدالة الاجتماعيّة لن تتحقّق إلّا بالسير في طريق الإسلام المحمّدي الأصيل  (صلى الله عليه وآله) وفي إطاره. وبسير القائد سليماني في هذا الطريق، كان يسعى لتحقيق العدالة الحقيقيّة.

وباستلهام القائد الحاج قاسم سليماني من دين الإسلام ومدرسة النبيّ الأكرم محمّد بن عبد الله  (صلى الله عليه وآله) ومدرسة الإمام الخميني، كان يسعى وراء هذا الهدف، ألا وهو رفع الظلم عن العالم وتحقيق العدالة في سائر أنحائه.

ومن خلال معلَم العدالة الاجتماعيّة، كان يسعى لتهيئة مقدّمات الحكومة المهدويّة وذلك لكي يتعطّش العالم للعدالة.

وقال الإمام الخميني في 18 فروردين 1366 [1987]: «في عصر صاحب الأمر، تصبح الحكومة واحدة...؛ وتتحقّق العدالة الاجتماعيّة في كلّ العالم».

 

99


85

العدالة الاجتماعيّة

وقال في 20 مرداد 1359 [1980]: «إنّنا نرى الإمام المهديّ واحدًا من أتباع الإسلام؛ تابعًا لرسول الإسلام؛ لكنّه التابع الذي هو نور بصر رسول الإسلام، وسيحقّق الأهداف التي أرادها الرسول الأكرم  (صلى الله عليه وآله)».

وقال سماحته في ذلك الخطاب نفسه: «الإمام المهدي...، هو قوّة تطبيق الإسلام... والعدل سيعمّ في زمانه».

 

100

 

 


86

القوّتان الجاذبة والدافعة

القوّتان الجاذبة والدافعة

الجاذبة والدافعة بمعنى أنّ الانسان في سبيل عقيدته، يجذبُ جماعات إليه ويكون محبوبًا لدى أطياف من الناس، ويدفعُ جماعات عنه؛ فهو يصنع أحبّاءه وأعداءه.

يقول الإمام الخامنئي في ذكرى ارتحال الإمام الخميني بتاريخ 14 خرداد 1389[ 2010]: «هناك معلَم آخر في برنامج الإمام وخطّ الإمام وطريق الإمام المستقيم، هو مسألة الجذب والدفع عند الإمام. وللقوّة الجاذبة لدى الأناس العظام والقوّة الدافعة لديهم ميدانٌ واسع وممتد. جميعهم لديهم قوّة جاذبة وقوّة دافعة. أنت بتصرّفك تجذب شخصًا إليك وتجعله يحبّك، وتنفّر شخصًا آخر؛ وهذه هي الجاذبة والدافعة. أمّا الأناس العظماء فجاذبتهم توجدُ طيفًا واسعًا وكذلك دافعتهم. والقوّة الجاذبة والدافعة لدى الإمام جديرة بالمشاهدة. والأساس والمعيار في جاذبة الإمام ودافعته كان الدين؛ الإسلام... لم يكن للإمام عداوة شخصيّة مع أحد. ولو وُجدت مثل هذه الكدورات الشخصيّة، لسحقها الإمام تحت رجليه؛ لكنّ العداوة بسبب الدين كانت أكثر جدّيّة بالنسبة للإمام. فالإمام الذي فتح منذ بداية النهضة في العام 1341 [1963] صدره لجماهير الناس،

 

102


87

القوّتان الجاذبة والدافعة

ولصنوف الأفكار المختلفة السائدة بينهم، وتقبّل الناس برحابة صدر، إلى أيّ قوم وجماعة ودين انتموا، هو نفسه الإمام الذي طرد في أوائل الثورة، جماعات عنه؛ فطرد الشيوعيّين بنحو صريح. وكان هذا الأمر يومها بالنسبة للكثيرين منّا، نحن الذين شاركنا في النضال منذ بداية الثورة، مدعاة للعجب. فقد اتّخذ الإمام في أوائل الثورة، موقفًا صريحًا من الشيوعيّين وأبعدهم عنه. وكان حاسمًا كذلك في مقابل الليبيراليّين والمبهورين بالأنظمة والثقافة الغربيّة؛ وأبعدهم عنه وطردهم، ولم يحابِ أحدًا ولم يراعِ شيئًا في هذا الأمر...، ومع أنّه لم تكن بينه وبينهم عداوة شخصيّة... ولم يكن للإمام خصومة شخصيّة مع أحد؛ لكنّه في إطار الدين، كان يُعمل، وبنحو حاسم، قوّتيه الجاذبة والدافعة. هذا معلم أساسي من حياة الإمام ومدرسته».

ومدرسة الشهيد سليماني في هذا المعلَم تتطابق مع مدرسة الإمام الخميني. ولذلك القائد العظيم قوّتا جذب ودفع قوّيتان انطلاقًا من معايير دين الإسلام المبينروقيمه. إن كان مظهرًا للخوف، فهو مظهر للرجاء أيضًا فالقائد [سليماني] يتمتّع بقوّتي الجذب والدفع معًا.

أحد أسس القوّتين الجاذبة والدافعة لدى الشهيد سليماني، كانت عقلانيّته المصحوبة بالتعبّد. فقد كان ذلك العزيز العظيم الشأن، ملتزمًا بالأصول الأساسيّة للإسلام، ولم يحد عنها قيد أنملة. فحبّه وبغضه كانا لله، ولم يكن تابعًا أبدًا لرغباته النفسيّة. ولم يُعمل قوّتيه الجاذبة والدافعة أبدًا منطلِقًا من طلب الدنيا

 

103


88

القوّتان الجاذبة والدافعة

والسلطة. والمبنى الأساس لقوّتي الجذب والدفع لدى القائد الرشيد الحاج قاسم سليماني، كان الإسلام المحمّدي الأصيل. وهو بالاستناد إلى دين الإسلام ومدرسة الإمام الخميني، وبصفاء نيّته وخلوص عمله، قد جذب جماعة كبيرة من الشعب الإيراني ومسلمي العالم إليه. وبسبب التزامه بالأصول وثباته عليها، قد خلق لنفسه أعداءً أيضًا، فكان من أجل حراسة الثورة الإسلامية والولاية والقيادة، يقف بوجه أولئك الأعداء أو الغافلين، ويقول كلمته بقوة، ويدافع عن القيم الإسلامية والثوريّة.

كان كالصخرة بوجه الأعداء، وكالوردة مع الأصدقاء ابتسامته كانت بطراوة بستان تفّاح.

[با دشمنان چو صخره وبا دوستان چو گل لبخند او، طراوت یک باغ سیب بود]

قال الإمام الخامنئي بتاريخ 18 دي 1398 [8/1/2020]: «هناك مسألة مهمّة وهي أنّ [الشهيد سليماني] في القضايا التي تحدث داخل البلد...، لم يكن يميل إلى حزب أو تيّار وما شابه؛ لكنّه كان ثوريًّا بشدّة. فالثورة والثوريّة كانتا خطّه الأحمر الحاسم. فلا يحاولنّ البعض تبهيت رونق هذا الأمر.

هذه حقيقته؛ كان ذائبًا في الثورة؛ والثوريّة كانت خطّه الأحمر. لم يكن ضمن هذه العوالم المقسّمة إلى أحزاب متنوّعة وأسماء وتيّارات مختلفة وما شابه؛ أمّا في عالَم الثوريّة، فكان مرتبطًا بالثورة بشدّة، وملتزمًا بالخطّ المبارك والنوراني للإمام الراحل رضوان الله عليه».

 

104


89

القوّتان الجاذبة والدافعة

وقد قال ذلك القائد العزيز في شهر مهر من العام 1395 [2016]في ذكرى شهداء ملاير: «لا ينبغي أن يرتفع صوتان في الخطّ الأمامي للحرب مع العدوّ، فيقول بعضهم هذا ليس عدوًّا؛ هذا صديق. ولقد كان الخوارج نتاج ترويج مثل هذه النظرة. إذا ما وجّه المسؤولون الناس بنحو خاطئ وأوجدوا في المجتمع صوتين في مقابل العدوّ، فقد ارتكبوا خيانة. ففتح الطريق أمام العدوّ هو من أسوأ أنواع الخيانة. الترويج للفهم الخاطئ للعدوّ؛ القضاء على حساسيّة المجتمع [إزاءه] والشعور بالبرودة تجاهه؛ إيجاد الفرقة فيه، هو خيانة».

وقال أيضًا بتاريخ 9 إسفند 1397 [28شباط2019] في ذكرى شهداء كرمان: «بالنسبة للعدوّ، لاتّفاق برجام [الاتفاق النووي] هذا ثلاثة جوانب؛ لا جانبًا واحدًا. وكان أوباما يظنّ أنّه بمرور الزمان سيصل إلى الجانبين الآخرين؛ لكنّ الشخص العجول الذي تولّى سدّة الرئاسة [ترامب]، مصرّ على الوصول سريعًا، وكان يتصوّر بأنّه سيصل. والسبب في إصرارهم على برجام 2 في المنطقة هو أنّهم يريدون لهذه الحركة التي انبعثت من إيران الإسلامية وبعثت الروح والنشاط في العالم الإسلامي أن تجمد، ولهذه الدماء التي جرت في العالم الإسلامي أن تجفّ. الهدف هو أن يجمّدوا قدرة الإسلام الأصيل هذه في برجام 2. إذا والعياذ بالله ذهبنا وشاركنا في المرحلة الثانية من الاتّفاق النووي، فهل الأمر سينتهي عند هذا الحدّ؟ لا؛ فالاتّفاق النووي الأساسي هو في داخل إيران. ولن تنتهي مساعيهم بهذا، وسيطالبون بمرحلة

 

105


90

القوّتان الجاذبة والدافعة

ثالثة منه؛ لأنّ الأعداء يؤمنون بوجوب تجفيف المنبع، وهذا المنبع هو إيران».

كما صرّح القائد الحاج قاسم سليماني في احتفال الذكرى السنويّة للشهيد شاطري قائلًا: «إنّ ما له جنبة وطنيّة في إيران أغلبه كاذب. وقد طرحوا الوطنيّة في مقابل الإسلامويّة؛ لا الوطنيّة بمعنى حبّ الوطن بحيث يكون الشخص متألّمًا ويأتي ويقوم بعمل من أجل وطنه؛ وإلّا، كان ينبغي أن نرى الوطنيّين في ساحات الحرب متقدّمين على غيرهم، وفي الطليعة. ولكان يجب أن نشاهد الوطنيّين، وجماعة «نهضت آزادي» [نهضة الحريّة]، و»جبهه ملّى» [الجبهة الوطنيّة]، في زمن حرب السنوات الثماني والاعتداء الخارجي لعدوّ إيران التاريخي؛ لكنّنا لم نرَ أيّ أثر لهم؛ لم نرَ تعبويًّا منهم في أيّ مكان؛ ولم نرهم يسعون إلى تسجيل أسمائهم في أيّ مكان للالتحاق بالجبهة، ولم نرهم يجمعون القوّات؛ لم نرهم يشكّلون كتيبة أو سريّة ويرسلونها إلى الجبهة. لم يحصل هذا في أيّ وقت. هدفهم كان إيجاد «وطنيّة» كاذبة لمواجهة الدين ومواجهة الإسلام»[1].

روحيّته الثوريّة أدّت إلى أن يقول كلمته بنحو صريح؛ ولو ابتعد عنه البعض أو استاؤوا منه. في الوقت الذي تلزم فيه القوّة الدافعة، كان يقول كلمته ولم يكن يتحرّز عن شيء.

في دائرة الدين، كان ذلك القائد الرفيع الشأن والعزيز، يعمل قوّتيه الجاذبة والدافعة بنحو حاسم. وكلّما لزمت القوّة الدافعة،

 


[1]  وكالة مهر الإخباريّة، 19 بهمن 1393.

 

106


91

القوّتان الجاذبة والدافعة

كان حاضرًا، وكلّما لزمت القوّة الجاذبة كان حاضرًا في الميدان.

وكان يقول: «أنا وأصدقائي؛ أنا ورفاقي؛ أنا ومريديّ؛ هذه السافرة؛ هذه المحجّبة؛ هذا اليسار؛ هذا اليمين؛ هذا الإصلاحي؛ هذا المحافظ؛ حسنًا، فمن هو الشخص الذي تريدون المحافظة عليه؟ تلك الفتاة السيّئة الحجاب هي ابنتي؛ ابنتي وابنتكم؛ ليست ابنتي وابنتكم التي من صلبي وصلبكم؛ لكن [ابنة] مجتمعنا. ارتباط الحزب اللهي بالحزب اللهي فقط لا معنى له. ارتباط الحزب اللهي بضعيف الإيمان له معنًى وأهمّيّة. مجتمعنا هو عائلتنا. هؤلاء جميعًا هم شعبنا. هؤلاء هم أولادنا»[1].

يقول مسؤول مؤسّسة المستضعفين المهندس برويز فتّاح: «لقد كانت روح الحاج قاسم عالية جدًّا، وذهنه واسعًا، فكان يعمل خارج البلاد مع أشخاص وكانوا هم يعملون له، وهو ما ليس موجودًا في إيران حقيقةً، خاصّة مع هذه السلوكيات والعادات والخلقيّات التي يتخلّق بها عناصر حزب الله، فإنّهم لم يكونوا يعملون أبدًا مع مثل هؤلاء. فجيش الحاج سليماني له نطاق واسع جدًّا. وهو لم يكن يعمل مع الحزب اللهيّين والمدافعين عن الحرم فقط؛ حتمًا كان اعتماده الأساسي عليهم؛ لكن ما أريد قوله بحسم وقاطعيّة إنّ الحاج قاسم استطاع جذب الكثيرين في هذا العالم إلى جيشه»[2].

يقول السيّد علي مهاجراني، أحد رفاق الشهيد سليماني منذ أربعين عامًا، وأحد المديرين النشطين في هيئة العتبات العاليات:

 

 


[1] وكالة المشرق الإخباريّة، 15 دي 1398.

[2] عدد خاصّ من مجلّة حول مدرسة الشهيد سليماني.

 

107


92

القوّتان الجاذبة والدافعة

«كان أحيانًا ينحني ويقبّل أيادي العمّال... يتقدّم ويحتضنهم واحدًا واحدًا ويقبّلهم»[1].

ويقول رئيس هيئة العتبات العاليات المهندس محمّد جلال آباد: «في سيل خوزستان، كان يتفقّد بيوت الناس بيتًا بيتًا... كان هناك رجل غير مستعدّ لترك بيته، وكان على الإخوة أن يقنعوه بالخروج من المنطقة حفاظًا على حياته من السيل. فذهب القائد سليماني وقبّل يد ذلك العجوز محاولًا إقناعه بترك المنطقة حفاظًا على سلامته»[2].

أمّا طريقة تعامله مع عوائل الشهداء فكانت الأجمل.

يقول القائد محمّد رضا حسني في مقابلة أجرتها معه مؤسّسة مدرسة الحاج قاسم: «كان الشهيد سليماني يحمل معه دومًا دفتر تلفون صغيرًا، يحوي أرقام هواتف قرابة 150 عائلة شهيد، فكان في بعض الأيّام يجري عدّة مكالمات هاتفيّة معهم. وكان للحاجّ قاسم ارتباط خاصّ ببعض أمّهات الشهداء. وهذا ما كان يشعر به إزاء والدة الشهيد علي شفيعي، فكان أحيانًا يتّصل بها من سوريا».

يقول سائق الحاج سليماني السيّد نصرالله جهانشاهي في مقابلة مع مجلّة «صبح صادق» [الصبح الصادق] الأسبوعيّة: «كان الحاج رجل العمل. كان إن ذهب إلى كرمان ووجد متّسعًا قليلًا من الوقت، فإنّه كان يزور عائلة شهيد.

وإن كان في طهران ووجد ساعة من الوقت، فإنّه أيضًا كان

 


[1] علامة الإرادة، ص70.

[2] المصدر نفسه، ص 106.

 

108


93

القوّتان الجاذبة والدافعة

يذهب لزيارة عائلة شهيد. وإن كان في مشهد، وسنحت له الفرصة، فكان يخصّصها لزيارة عوائل الشهداء».

هذا التعاطي الحارّ والصادق مع عوائل الشهداء والاهتمام بهم، جعلهم مجذوبين إليه ويعشقونه.

تقول زوجة الشهيد المدافع عن الحرم بويا أيزدي: «كان وجود الحاج قاسم سليماني بالنسبة لعوائل الشهداء كالمرهم والبلسم المداوي لجراحاتهم. ولقد كان المواسي لنا. أحد الأمور التي جعلت عوائل الشهداء يثبتون بعد شهادة أعزّائهم، ويصبرون، كان حضور الحاج قاسم سليماني».

ويقول أحد الأصدقاء المقرّبين جدًّا من الشهيد سليماني الحاج محمّد خالقي: «في العام 1395 [2016]، ذهب الحاج قاسم إلى منزل ابنة أحد الشهداء ليزورها. وبعد الزيارة، كتبت ابنة الشهيد رسالة وجدانيّة حول هذا الموضوع مفادها أنّه بمجيئكم، خرج من قلبي حزن 35 سنة على شهادة أبي.

أيّ أيادٍ أخذتَ بها، كم من حملٍ أخذته عن عواتق كثيرين أيّ ضحكات رسمتها على الشفاه اليائسة .

[چه دست ها که گرفتی؛ چه شانه ها که تکاندی چه خنده ها که به لب های ناامید نشاندی]

وتقول زوجة الشهيد المدافع عن الحرم حمزة كاظمي: «في شتاء العام 1397 [2019] زارنا الحاج قاسم في منزلنا، وكان ذلك متزامنًا مع ذكرى ولادة الإمام علي (عليه السلام). كادت [ابنتي] ليلى تطير من الفرح. جلست ليلى إلى جانب الحاج وراحا يتحادثان

 

109


94

القوّتان الجاذبة والدافعة

بهدوء؛ أحاديث كتلك التي تدور بين الأب وابنته...

حينها كان الحاج قاسم يلبس خاتمًا كتذكار من أحد أصدقائه المقرّبين الشهداء. خلع الخاتم من يده وقدّمه لليلى وقال: لم أجد شخصًا أليق منك لأخذ هذا الخاتم. وأنا أعطيك إيّاه وقد وصل إليّ كتذكار... عندما سمعت ابنتي خبر شهادة الحاج قاسم أصيبت بصدمة. من حينها إلى الآن وأنا ألقى صعوبة في تهدئتها. ظنّت أنّ أباها قد استشهد من جديد. أصابها تمامًا ما أصابها في ذلك اليوم الذي استشهد فيه أبوها».

ينبغي سماع حقيقة القوّة الجاذبة في قائدنا الشهيد على لسان أبناء الشهداء. تقول فاطمة، ابنة الشهيد الحاج مهدي مغفوري، أحد قادة فرقة ثار الله: «مرضت ابنتي زينب، وكانت بحاجة لإجراء عمليّة جراحيّة. أخذناها إلى المستشفى. جاء الحاج قاسم برفقة السيّد بور جعفري إلى المستشفى. ومع كلّ أشغاله بقي منتظرًا حتّى انتهاء عمليّة زينب. كما بقي حتّى استعادت وعيها. كان ودودًا جدًّا معنا. ولقد جاء لزيارتنا مرّات عدّة، وزرناه نحن أيضًا في منزله. كان كأب بالنسبة لي. رحيله أشعل النار في قلبي. لقد مضى أشهر على استشهاده وإلى الآن لم تهدأ دمعتي».

تقول فاطمة ابنة الشهيد الشيخ محمّد شيخ شعاعي: «لقد تفطّرت قلوبنا لرحيل القائد سليماني، وأخي حسين لا يهدأ روعه!».

تقول «سبا» ابنة الشهيد نمكي أحد شهداء الجيش: «بشهادة الحاج قاسم، عادت وارتجفت قلوب أبناء الشهداء».

 

110


95

القوّتان الجاذبة والدافعة

يمكن البحث عن سرّ هذه الجاذبة والعشق السليمانيّين، في كتاباته حول «ثار الله»[1]. يكتب (رحمه الله): «ثار الله لم يكن مجرّد ثكنة عسكريّة؛ بل معسكر أشمل من الجامعة وأوسع من الحوزات العلميّة؛ هو مدرسة فكريّة تبعث على تحوّل عظيم في الشباب وأهالي المنطقة. ثار الله كان ميعادًا لعاشقين، أدّوا طواف العشق العملي، لا بالرجوع إلى البيت، بل بالتسليم لله تعالى وبأداء تكليفهم الإلهي على أفضل وجه؛ ميعادًا حافلًا بالإسماعيليّين [بأشباه إسماعيل] الذين لم يرتضوا بالذبح فقط، بل التمسوا بذل النفس في سبيل المعبود. ثار الله كبيت من بيوت الله، كان يتمتّع بجاذبيّة كبيرة بحيث يندر أن يستطيع الذي رآه أن ينسلخ عنه.

مديرو مدرسة العشق والإيثار هذه، كانوا شبابًا تربّوا في الأحضان الطاهرة، وادّخروا من صلب إلى صلب لمثل هذا اليوم؛ عاشقين لم يختبروا العشق فحسب، بل كانوا أنفسهم أساسًا لبنائه».

وأبرز مديري مدرسة العشق هذه، كان قائدًا مفعمًا بالجاذبيّة، بحيث أصبح نفسه أساسًا لبناء العشق، وقد جسّد العشق تجسيدًا جميلًا جدًّا بحيث لم يمطر الدمع ويحترق لفراقه آباء الشهداء وأمّهاتهم وزوجاتهم وأولادهم فحسب، ولا إيران فحسب، بل الأّمّة الإسلامية وجبهة المقاومة بأكملها. وكأنّه بهذه الميزة أيضًا قد شابه الإمام الخميني الذي بكته كل شعوب العالم المظلومة حزنًا على فراقه.

 

 


[1] بما قصد تشكيل أو فرقة ثار الله في كرمان.

 

111


96

القوّتان الجاذبة والدافعة

معرفة العدوّ

إحدى المعارف اللازمة في الحياة، والتي ترتبط بسعادة الإنسان أيضًا هي معرفة العدوّ. العدوّ يعارض تطوّر الإنسان وكماله وسعادته، ويظهر عداوته بطرق متنوّعة. لذا، فإنّ لمعرفة أساليب عداوة العدوّ أهمّيّة أيضًا.

قال الإمام الخامنئي في إحدى خطبتي الجمعة في طهران بتاريخ 14 خرداد 1378 [1999]: «كان الإمام يعرف العدوّ؛ ويدرك أساليبه السياسيّة والدعائيّة، يعرفها ويقف في وجهها بقوّة».

وأشار سماحته في 13 خرداد من العام 1371 [تموز 1992]قائلًا: السرّ الأساسي لعمل الإمام وتقدّم الإمام والتوفيقات الإلهيّة لذلك الرجل العظيم والقائد الاستثنائي، هو أنّه عرف العدوّ، ووقف في وجهه بكلّ قوّة وثبات، ومن دون أدنى اطمئنان له أو استسلام».

لقد عرف الإمام الخميني الشاه؛ عرف صدّام؛ عرف أمريكا؛ عرف إسرائيل؛ عرف الجماعات المنحرفة؛ عرف حيل الأعداء ومخطّطاتهم؛ ووقف بوعي وبصيرة في مقابل العدوّ ومخطّطاته.

 

112


97

معرفة العدوّ

كذلك القائد سليماني في مدرسة الإمام والولاية، عرف الطاغوت؛ عرف العدوّ البعثي الغدّار؛ عرف الاستكبار العالمي؛ عرف النظام الصهيوني الغاصب؛ عرف المنافقين؛ عرف داعش؛ عرف الإرهابيّين؛ عرف آل سعود وآل خليفة؛ واتّخذ موقفًا منهم وحاربهم حتّى استشهد.

المعلَم البارز في الشهيد الحاج قاسم سليماني ومدرسة سليماني هو معرفة العدوّ. وقد جاء في رسالة بعثها القائد سليماني بتاريخ 29 آبان 1396 [20/11/2017]إلى الإمام الخامنئي: «ستّ سنوات مضت، وفتنة خطيرة شبيهة بالفتن التي حدثت في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسلبت المسلمين فرصة معرفة الإسلام المحمّدي الأصيل وتذوّق حلاوته، تتلوّى هذه المرّة، مغمّسة بسمّ الصهيونيّة والاستكبار، وتخترق العالم الإسلامي كطوفان مخرّب هدّام. هذه الفتنة الخطيرة والسامّة، قد أوجدت بهدف إشعال نار كبيرة في العالم الإسلامي، واقتتال المسلمين فيما بينهم، على يد أعداء الإسلام».

هذه الكلمات تدلّ على أعلى درجات معرفة العدو والبصيرة العالية لدى القائد سليماني.

ومن خلال معرفته بالعدوّ، والوعي الصحيح لمخطّطاته، ومعرفة المثيرين الأصليّين للفتن في العراق وسوريا، يكتب القائد الكبير الحاج قاسم سليماني في تلك الرسالة نفسها إلى مراده [الإمام الخامنئي] قائلًا: «كلّ هذه الجرائم، وباعتراف أعلى منصب رسمي في أمريكا، والذي لا يزال إلى الآن يتصدّى

 

113


98

معرفة العدوّ

لرئاسة جمهوريّة هذا البلد، قد خطّط لها ونفّذها القادة والتنظيمات المرتبطة بأمريكا».

وبفهم هذا العزيز الرفيع الشأن الدقيق لفتنة العام 88هـ. ش [2009] وتمييزه العدوّ من الصديق، يقول في شهر بهمن من العام 1388 [شباط 2010] في جمع عناصر قوّة القدس التابعة للحرس: «ماذا عليكم أن تفعلوا لتمييز العدوّ من الصديق؟ ... الفتنة كالليل؛ مظلمة. علينا أن نهزّ بعضنا البعض؛ لا أن ندفع بعضنا البعض... أن نعلن عن موقفنا حول أمرين؛ حول ذلك الشيء الذي من المهمّ إعلان موقفنا بشأنه؛ حول الولاية ونظام الجمهوريّة الإسلامية... عندما تعلنون موقفكم، يمكننا في تلك الظلمة أن نميّز الصديق من العدوّ. إنّ أعداء الثورة قد دخلوا بيننا حتمًا؛ وعلينا نحن أن نميّز بين المعادين للثورة والثوريّين».

ويقول القائد الحاج سليماني في أسبوع التعبئة من العام 1397[2018]: «إنّني أعرّفكم إلى كتاب السيّد دواني «كوفه ونقش آن در قرون نخستين إسلامي» [الكوفة ودورها في القرون الإسلامية الأولى]. لقد قرأت هذا الكتاب بدقّة؛ وقرأت كتبًا أخرى حول هذا الموضوع. لماذا أدعوكم إلى قراءته؟ لأنّ في كلّ حدث مهمّ، توجد آفات مهمّة، وإذا لم تُلاحظ هذه الآفات، فإنّ هذا الحدث المؤثّر والمهمّ، سيتضرّر بسبب كونه مورد توجّه وطمع. ترون أنّ معاوية في حياته، لم يكن ليتعرّض للخلفاء ما قبل أمير المؤمنين...؛ لأنّهم هم كانوا تاركيه وشأنه...؛ وهذا تمامًا يشبه الوضع السائد في العالم اليوم. هناك الكثير من

 

114


99

معرفة العدوّ

الدول التي لا تتحامل عليها أميركا والنظام الصهيوني؛ لكنّهم يشنّون حربًا علينا. وهذا يعود تمامًا إلى التضادّ في المنهج والسياسة بين أمير المؤمنين ومعاوية. فالإمام العادل لا يمكنه تحمّل حاكميّة تيّار فاسق على جزء من الحكومة الإسلامية».

السبب في عداء أمريكا والاستكبار للقائد سليماني يعود إلى معرفة ذلك الشهيد العظيم الشأن بالعدوّ ومحاربته له؛ لوقوفه بوجه أمريكا.

يقول السيّد حسن نصر الله في الاحتفال التأبيني للحاجّ قاسم سليماني:

أينما ذهب الأمريكيّون في المنطقة يجدوا أمامهم الحاج قاسم سليماني، يذهبون إلى سوريا، يجدون الحاج قاسم. في العراق، في لبنان، في اليمن وفي أفغانستان، وفي كلّ مكان مرتبط بمحور المقاومة، يجدون أمامهم الحاج قاسم سليماني. إسرائيل ترى في قاسم سليماني الرجل الأخطر منذ تأسيسها».

وقال الإمام الخامنئي بتاريخ 18 دي 1398[8 ك 2/2020]: «لقد وقف هذا الإنسان، شهيدنا العزيز، الحاج قاسم سليماني في وجه كلّ المخطّطات التي تحيكها أميركا بأموالها، بمؤسّساتها الإعلاميّة الواسعة الانتشار، بقوّتها الديبلوماسيّة، بضغوطاتها وقوّتها التي تمارسها بوجه زعماء العالم، وخاصّة الدول الضعيفة، وأحبط هذه المخطّطات في غرب آسيا».

هذه القوّة والقدرة لشهيدنا العزيز، مستقاة من معرفته للعدوّ ومن المدرسة السليمانيّة.

 

115


100

معرفة العدوّ

ومعرفة العدوّ في مدرسة الشهيد سليماني، تشكّلت من النظر الدقيق والعميق والبصيرة الواسعة والفهم العالي للشهيد الحاج قاسم سليماني. والعزّة التي كان يتمتّع بها، والخوف الواقع في قلوب الأعداء من وجوده، هما أيضًا ناجمان عن معرفة العدوّ.

قال القائد سليماني في أواخر آذر من العام 1395[2016]: «بمعرفة الشعب الإيراني لعدوّه، ومعرفته بمسيره وثقته بهذا المسير، سيطوي طريق العزّة والشموخ».

وهو بهذا يقرّ بأنّ معرفة العدوّ ركن مهمّ من أركان العزّة والاعتلاء، وكان يضع نفسه في مرتبة عالية من معرفة العدوّ.

ويرى حجّة الإسلام السيّد إبراهيم رئيسي أنّ: «معرفة العدوّ والإخلاص كانا من المميّزات البارزة في القائد سليماني»[1].

ويقول حجّة الإسلام الدكتور رفيعي في هذا الشأن: «معرفة العدوّ من المميّزات المهمّة في شخصيّة القائد سليماني»[2].

ويقول إمام جمعة «بانه» ماموستا رحمان خدايي أيضًا: معرفة العدوّ والاستفادة من الفرص في الحرب، كانت من الصفات البارزة في هذا القائد وبطل حرس الإسلام»[3].

ويرى اللواء في الحرس محمّد رضا فلاح زاده أنّ: «هذا الجنديّ الكبير في طريق الولاية، قد وعى مؤامرات الأعداء بنحو جيّد، ولم يسمح لهم بتحقيق أهدافهم الدنيئة».

 

 


[1] خبر بكر، 9 أرديبهشت 1399.

[2] الشبكة الإخباريّة شبستان، 11 بهمن 1398.

[3] قناة جمهوري إسلامي الخبريّة، 17 دي 1398.

 

116


101

معرفة العدوّ

ويقول قائد حرس الثورة الإسلامية الفريق حسين سلامي في مراسم تنصيب القائد قاآني لقيادة قوّة القدس: «التآكل الذي نراه اليوم في أرواح الأعداء وأجسامهم، نتيجة لسنّة جديدة أرساها الحاج قاسم. لقد قام هذا القائد الكبير بعمل، بحيث جعل العدوّ ينفق الأموال، فتستفيد وتنتفع من ذلك جبهة الإسلام. لقد أبعد القائد سليماني العدوّ وجعله يتخبّط».

كان القائد سليماني يعرف العدوّ؛ ويعرف مخطّطاته وحيله؛ ومن هذا المنطلق كان، وبكلّ شجاعة وصلابة، مجسّدًا حقيقيًّا للآية: «أشدّاء على الكفّار».

بهذا الاستدلال نؤمن بأنّ معرفة العدوّ هي أحد من المعالم المهمّة في مدرسة الشهيد سليماني، المعلَم الذي استقاه القائد العزيز من مدرسة الإمام الخميني (قدس سره).

 

117


102

النظرة العالميّة

النظرة العالميّة

النظرة العالميّة أوسعُ بكثير من النظرة الإقليميّة والنظرة التنظيميّة وتتعامل مع البشريّة جمعاء.

قال الإمام الخامنئي بتاريخ 14 خرداد 1383[2004]: «إنّ مخاطب الإمام في خطاباته وأفكاره السياسيّة هو البشريّة؛ ليس الشعب الإيراني فقط... المدرسة السياسيّة للإمام تريد هذا الخير والاستقلال والعزّة والإيمان للأمّة الإسلامية وللبشريّة جمعاء... حتمًا اختلاف الإمام عن الأشخاص الذين يرون لأنفسهم رسالة عالميّة، هو أنّ مدرسة الإمام السياسيّة لا تريد لشعب من الشعوب أن يؤمن بفكرها وبنهجها بقوّة المدافع والدبّابات والسلاح».

النظرة العالميّة لمدرسة الإمام الخميني هي التي جعلت ذلك الإمام الهمام يقول في رسالة بتاريخ 29 تير من العام 1367[20/7/1988] وفي الذكرى السنويّة لمجزرة مكّة الدامية والقبول بالقرار 598: «مناسك الحجّ، هي مناسك الحياة، فكما إنّ على شعوب الأمّة الإسلامية، إلى أيّ عرق أو قوم انتموا، أن تصبح إبراهيميّة، لتلتحق بجماعة أمّة محمّد  (صلى الله عليه وآله)،

 

118


103

النظرة العالميّة

وتتوحّد وتصبح يدًا واحدة، الحجّ هو تنظيم وتدريب وتشكّل لهذه الحياة التوحيديّة»؛ الحياة التوحيديّة هي التي تلخبط الأمور على مستكبري العالم وتشكّل النظام الإلهي؛ كما يكتب ذلك الإمام الزاهد في تلك الرسالة نفسها: «لقد أعلنّا عن هذا الواقع والحقيقة مرارًا في سياستنا الإسلامية الخارجيّة والدوليّة، بأنّنا كنّا ولا نزال نعمل على اتّساع نفوذ الإسلام في العالم وتقليص هيمنة المستكبرين... ونعمل على تجفيف الأسس الفاسدة للصهيونيّة، الرأسماليّة، والشيوعيّة في العالم. لقد عزمنا بلطف الله تعالى وعنايته، على الإطاحة بالأنظمة القائمة على هذه الأسس الثلاثة، والترويج لنظام إسلام رسول الله  (صلى الله عليه وآله) في العالم المستكبر، وستشهده الشعوب الأسيرة المكبّلة عاجلًا أو آجلًا».

ويتابع الإمام الخميني في رسالته قائلًا: «العالم اليوم متعطّش لثقافة الإسلام المحمّدي الأصيل، والمسلمون في تشكيل إسلامي كبير سيطفئون بريق القصور البيضاء والحمراء».

ويضيف سماحته قائلًا: «يجب علينا في حربنا العقائديّة، أن نطلق التعبئة الكبرى لجنود الإسلام في العالم».

تتجلّى هذه الحقيقة في مدرسة سليماني، ويصمّم ذلك القائد العزيز من خلال النظرة العالميّة، على إطلاق التعبئة الكبرى لجنود الإسلام في العالم.

في ردّ القائد الخامنئي بتاريخ 30 آبان 1396 [21/11/2017]على رسالة القائد سليماني حول انتهاء سيطرة داعش، يؤيّد

 

119


104

النظرة العالميّة

هذه الحقيقة ويكتب: «أشكر الله العظيم بكلّ وجودي أن بارك بجهادكم التضحوي وجهاد الكثير من رفاقك على المستويات المختلفة، واجتثّ هذه الشجرة الخبيثة التي غرسها طواغيت العالم في سوريا والعراق على أيديكم أنتم عباد الله الصالحين. ولم تكن هذه ضربة لجماعة داعش الظالمة والسيّئة السمعة فحسب؛ الضربة الأشدّ كانت للسياسات الخبيثة التي كانت تهدف إلى إشعال حرب داخليّة في المنطقة، والقضاء على مقاومة العدوّ الصهيوني، وإضعاف الدول المستقلّة على أيدي الزعماء الأشقياء لهذه الجماعة الضالّة؛ كانت ضربة للحكومات الأميركيّة السابقة والحاليّة والأنظمة التابعة لها في المنطقة الذين أوجدوا هذه الجماعة، وأمدّوها بكلّ أنواع الدعم ليبسطوا هيمنتهم المنحوسة على منطقة غرب آسيا، ويسلّطوا عليهم النظام الصهيوني الغاصب. إنّكم بتشتيتكم لهذه الكتلة السرطانيّة المهلكة، لم تقدّموا خدمة كبيرة لبلدان المنطقة والعالم الإسلامي فحسب، بل لسائر الشعوب والبشريّة جمعاء».

هذا الجهاد والانتصار الكبير كان مرهونًا بفكر القائد؛ الفكر الذي قوّى حزب الله؛ وأوجد الحشد الشعبي؛ وأوجد لواء «فاطميّون» و«زينبيّون» و«حيدريّون» و«فرقة الإمام الحسين (عليه السلام)»؛ وأضفى الحيويّة على «الدفاع الوطني» في سوريا؛ لتتولّد من داخلهم ملاحم كبرى، وهذا ما حصل.

يقول المستشار السابق في وزارة الخارجيّة الإيرانيّة حسين شيخ الإسلام: «عمل الحاج قاسم المهمّ، كان أن قضى على

 

120


105

النظرة العالميّة

داعش بجيش مؤلّف من شعوب العالم الإسلامي. لقد قضى قاسم سليماني على داعش بمساعدة اللبنانيّين، الفلسطينيّين، العراقيّين، الأفغانيّين و... . وهذا يُعد من أهمّ أعمال قاسم سليماني؛ إذ قضى على بديل العدوّ المتمرّس[1].

يقول وزير خارجيّة إيران الأسبق السيّد متّكي: «للمرّة الأولى في التاريخ، ابتدع الحاج قاسم مشروعًا ألا وهو جعل الدفاع عن المقامات دوليًّا، ورأينا دفعة واحدةً الفاطميون، الزينبيّون، العلويّون من الدول المختلفة، قد حمل كلّ منهم لواءً لأهل البيت، وهبّوا يقاتلون دفاعًا عن مقامات أهل البيت في العراق، وانتشر عنصر المقاومة كإكسير في قلب المنطقة».

الذكرى الباقية من جبهة [نهر] أروند

في كلامه حماسة [نهر] كارون

في ركابه يفور العشق من كلّ حدب وصوب

فاطميّون، زينبيّون، وحيدريّون

[یادگار جبهه ی اروند

در کلامش شورش کارون

در رکابش عشق از هر سو

می خروشد فاطمیون، زینبیون، حیدریون]

يقول السيّد حسن نصرالله: [في فترة وجود داعش في

 


[1] العدد الخاصّ بمدرسة الحاج قاسم سليماني، ص117؛ انتقل قائل هذا الكلام بتاريخ 15 إسفند 1398[4 آذار 2020] إلى جوار ربّه.

 

121


106

النظرة العالميّة

العراق]، وصل إليّ في الساعة 12 ليلًا وقال لي أريد منك مع طلوع الفجر 120 قائد عمليات من اللبنانيين، وأنا استغربت ذلك في هذا الوقت المتأخر، لكنه قال إنّنا إن أردنا الدفاع عن الشعب العراقي ومحاربة داعش وحماية العتبات المقدسة ليس لدينا خيار، وقال إنّه يريد قادة وليس مقاتلين، وقد قلت في خطاب بعد ذلك إنّ الحاج قاسم خلال 22 سنة من علاقتنا لم يطلب منا شيئًا حتى لإيران، إلا في هذا المرة للعراق، وبقي معي واتصلنا بالإخوة وأمنا تقريبا 60 منهم، بعضهم ممن كان في سوريا، والبعض أيقظناهم وجئنا بهم من بيوتهم، لأنّ الحاج قال إنه يريد أخذهم معه بعد صلاة الفجر، وهذا ما تمّ بالفعل وقد غادر دمشق ومعه حوالي 60 من القادة الميدانيين لحزب الله وذهب بهم إلى الجبهات في العراق».

إنّ ملاحم لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن وفلسطين كلّها وليدة تعبئة الإسلام العالميّة. وإنّ نهضة المدافعين عن المقامات كانت فرعًا من هذه التعبئة العظيمة لجنود الإسلام في العالم. ومدرسة الشهيد سليماني هي مظهر لكلّ هذه الوقائع والحقائق.

وقد قال ذلك الشهيد العظيم الشأن في 22 آذر 1397 [11/12/2018]في جمع عوائل الشهداء المدافعين عن المقامات: «إنّكم جميعًا تتمتّعون بخاصّية، وتلك الخاصّية أجرت ثقافة جديدة في روح الثورة وشرايينها، وأسّست لثقافة باسم «المدافعين عن المقامات».

 

122

 

 


107

النظرة العالميّة

لقد خطّط سليماني العزيز، تحت قيادة وليّ فقيه زمانه، الإمام الخامنئي، بحيث جعل قدرة أمريكا والنظام الصهيوني الغاصب في المنطقة والعالم في طريق الهزيمة، وأخذ قوّات تعبئة الإسلام العالميّة إلى مقربة من قلب العدوّ.

يقول الإمام الخامنئي في جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن المقامات: «إنّ الجمهوريّة الإسلامية اليوم تفخر بأنّ لها قوّات بالقرب من الحدود مع الكيان الصهيوني الغاصب؛ فسواء قوّاتنا، أو قوّات حزب الله، أو قوّات المقاومة، أو قوّات أمل... هذه مفخرة كبيرة جدًّا للإسلام وللجمهوريّة الإسلامية»[1].

قوّات من الدول المختلفة، من إيران والعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان الذين تعبّأوا للدفاع عن المقامات ومن أجل الإسلام، قد وصلوا إلى حدود كيان إسرائيل.

يقول قائد الثورة الإسلامية المفدّى في جمع العوائل الشريفة للشهداء المدافعين عن المقامات: «لو لم يكن هذا الدفاع عن المقامات، حيث كان شبابنا جزءًا من تلك الأعداد الهائلة من الشباب العراقي وغير العراقي الذين كانوا يجاهدون ويسعون. هؤلاء الأعداء اللدودون والخبيثون يحتقرون مقامات أهل البيت. وربّما لو استطاعوا لسوّوا تلك الأماكن المباركة بالأرض؛ لكنّ هؤلاء الشباب لم يسمحوا لهم بذلك. بالتأكيد، شبابنا كانوا قلّة هناك؛ وأعدادهم قليلة؛ سواء في العراق أم في سوريا. في الغالب كان أبناء المنطقة موجودين؛ لكن مشاركة

 

 


[1]  المدافع عن المقامات، ص 31.

 

123


108

النظرة العالميّة

شبابنا في هذا الحدث المهمّ ميزة من امتيازاتهم العظيمة»[1].

كما قال ذلك الحكيم المتبحّر في جمع عوائل شهداء «فاطميّون»: «لقد أرسل الآباء والأمّهات الأفغانيّون الأعزّاء وأهالي القرى الواقعة شرق مشهد وخراسان، هؤلاء الشباب الذين هم كالورود للدفاع عن حريم أهل البيت... من بين الجماعات التي تقدّمت للدفاع؛ كان إخوتنا من الهزاره»[2].

تعبئة كلّ هؤلاء الأفراد والجماعات كانت فكرة القائد سليماني وبهمّته؛ الهمّة التي أودت بكلّ مشاريع الاستكبار العالمي في منطقة غرب آسيا إلى الهزيمة. يقول الإمام الخامنئي في 18 دي 1398[8/1/2020] حول هذا الموضوع: «استطاع [الشهيد سليماني] بمساعدة شعوب المنطقة، أو بالمساعدات التي قدّمها لشعوب المنطقة، أن يحبط كلّ خطط أمريكا اللا مشروعة في منطقة غرب آسيا».

يقول عضو المجلس السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين السيّد خالد البطش: «لقد أضاف الشهيد الحاج قاسم سليماني أبعادًا مختلفة للمقاومة الفلسطينيّة، وبعون الله تعالى، وسّع عمل المقاومة في قطاع غزّة وسار به قُدمًا، فكان يؤمّن للمقاومة ما تحتاجه حتّى تشتدّ قوّة؛ لقد كان الحاج قاسم روح المقاومة في فلسطين، بجميع أبعادها، السياسيّة، العسكريّة، وحتّى التدريبيّة، فكان بدعمه، نبض المقاومة. فيما

 

 


[1] المصدر نفسه، ص32 إلى 34.

[2] المصدر نفسه، ص 36 و37.

 

124


109

النظرة العالميّة

يتعلّق بسرايا القدس وكتائب القسّام وحركات المقاومة الأخرى، سواء الحركات الإسلامية وغير الإسلامية والوطنيّة، لم يكن الحاج قاسم يفرّق بين حركات المقاومة [هذه] في غزّة، وكان يدعم الجميع؛ لأنّ حربنا جميعًا كانت مع العدوّ الصهيوني. لقد استطاع الحاج قاسم بصبره ونفسه الطويل المعروف بهما، أن يقوّي المقاومة في غزّة ويزيد من إمكاناتها»[1].

يقول مسؤول مكتب حماس في طهران السيّد خالد القدّومي: «في حرب 2008، لبّى الحاج قاسم نداء الجهاد وجاء إلى دمشق، وشاهد عن كثب في غرفة العمليّات المشتركة بين القسّام وحماس، البعد الاستراتيجي والأفق الواقعي لمجاهدي فلسطين، وكان له تأثير لا يُنكر في تقدّم «حرب الفرقان» التي أطلق عليها الإسرائيليّون عمليّة «الرصاص المصبوب».

كان كلّ همّ القائد سليماني تطبيق كلام الإمام الخميني وخليفته؛ القيام للدفاع عن مظلومي العالم؛ تشكيل جبهة المقاومة؛ إطلاق التعبئة الكبرى لجنود الإسلام في العالم؛ دعم الشعب الفلسطيني.

يقول الإمام الخامنئي في 18 دي 1398[8/1/2020]: «إنّ مشروع الأمريكان وخطّتهم فيما يتعلّق بفلسطين، كان إيداع القضيّة الفلسطينيّة طي النسيان؛ والإبقاء على الشعب الفلسطيني ضعيفًا بحيث لا يجرؤ على الكلام عن الكفاح والنضال. هذا الرجل [الشهيد سليماني] دعم الفلسطينيّين؛

 

 


[1] العدد الخاصّ بالمدرسة السليمانية، ص165.

 

125


110

النظرة العالميّة

وفعل فعلًا جعل منطقة صغيرة، مثل قطاع غزّة، تقف في وجه النظام الصهيوني مع كلّ جبروته وادّعاءاته؛ أنزل فوق رؤوسهم بلاءً بحيث جعلهم يطالبون بوقف إطلاق النار بعد 48 ساعة من بدء العمليّة؛ هذا ما فعله الحاج قاسم سليماني... لقد أُحبطت خطّة أمريكا في العراق، في سوريا، في لبنان، بدعم هذا الشهيد العزيز وجهوده، حيث وقفت العناصر العراقيّة المؤمنة، وأشاوس العراق وشبابه والمرجعيّة في العراق، في وجه هذه الأحداث، فأوصل الحاج قاسم (رحمة الله عليه)، إلى كلّ جبهة التعبئة هذه، المدد والدعم كمستشار فعّال، وظهر هناك كداعم كبير. وهكذا الأمر بالنسبة لسوريا؛ وبالنسبة للبنان... فأصبح حزب الله بحمد الله أقوى يومًا فيومًا. حزب الله اليوم هو يد لبنان وعينه؛ ودور شهيدنا العزيز في هذا الوضع دور ممتاز وبارز».

يقول الإمام الخامنئي بتاريخ 16 بهمن 1398[5/2/2020] في لقاء جمع من شرائح الشعب المختلفة، في تبيين عظمة الشهيد سليماني: «لقد عقدوا اجتماعًا بداية هذا العام في غرف التفكير الأمريكيّة، وبحثوا بحثًا مطوّلًا حول الحاج قاسم سليماني؛ ونشروا بعد مدّة تقرير هذه الجلسة بنحو محدود، ووصل إلى أيدينا. لقد ذكروا مواصفات وميّزات حول شخصيّة الحاج قاسم وقالوا: هذا الرجل مانع كبير في مقابل أهداف أمريكا». لهذا السبب، اغتاله الأميركيّون، وبأمر مباشر من الرئيس الأمريكي ترامب، في 13 دي 1398[3/1/2020] في مطار بغداد، بعد تعرّض موكبه لقصف صاروخي. الضعفاء يقصفون الأقوياء بالصواريخ.

 

126


111

النظرة العالميّة

يقول الإمام الخامنئي في إحدى خطبتي صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 27 دي 1398[17/1/2020]: «لقد اغتال هؤلاء شخصًا كان القائد الأشهر والأقوى في محاربة الإرهاب. [نعم] فالشهيد سليماني بالمعنى الواقعي للكلمة كان القائد الأقوى في المنطقة في محاربة الإرهاب؛ وقد اشتهر بهذا اللقب أيضًا. أيّ قائد آخر غيره يمتلك القدرة كان بإمكانه القيام بما قام به هو؟ لقد اغتالته الحكومة الأمريكيّة غدرًا وبطريقة جبانة. ولقد اعترفوا هم بذلك. وكانت هذه [الجريمة] فضيحة [كبرى] لأمريكا».

لقد كان عاشقًا للشهادة، وقد حقّق أمنيته؛ لكنّ دماءه جعلت المدرسة السليمانيّة تتألّق، وهي يقينًا، ستهيّئ مقدّمات سقوط الاستكبار.

إنّ أتباع مدرسة سليماني، من خلال النظرة العالميّة المستلهمة من نظرة الحاج قاسم سليماني، سيجعلون تعبئة الإسلام العالميّة أكثر ازدهارًا، ليلقي العالم، من جديد، نظرة إلى ابتكار الإمام الخميني، ويشاهدوا عظمة مدرسة الإمام الخميني ومدرسة الشهيد سليماني.

لقد ابتكر المراد مدرسة جديدة، وأصبح المريد والتلميذ، في ظلّ استمرار مدرسة الخمينيّ العظيم، المؤسّس لمدرسة خالدة، ليعلن للعالم بأنّ نهج الإمام الخميني، وفكره وخطّه، لن يبهت ولن يضعف أبدًا.

 

127


112

المقاومة والصمود

المقاومة والصمود

المقاومة والصمود بمعنى الثبات، الرسوخ، الدفاع والصبر على المشكلات.

يقول الإمام الخامنئي في 30 بهمن عام 1370 [19/2/1992]: «تحمّل تلك المشكلات أدّى إلى إيجاد شخصيّة في هذه المدرسة [الفيضيّة] ... مثل الإمام الخميني، وإلى أن يغيّر العالم. فالتحوّل الذي أوجده الإمام لم يكن محصورًا بإيران؛ حتمًا ما أنجزه في إيران كان أشبه بالمعجزة. لقد أوجد إعصارًا في العالم. كلّ هذه الأمور مرتبطة بالثبات والصمود».

يقول سماحته في 14 خرداد 1375[3/6/1996]: «لحركة الإمام الخميني شَبَهٌ كبير بثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي تقريبًا اتّخذت من الحركة الحسينيّة نموذجًا لها... من جملة الخصائص الموجودة بنحو بارز في كلا الحركتين، مسألة الثبات. قيل يومًا للإمام الخميني، إن استمررت في هذه النهضة، فإنّ الحوزة العلميّة في قم ستُقفل. وفي يوم آخر قيل له: إن استمررت في هذا الطريق قد يؤلبون عليك كبار العلماء والمراجع ويحرّكونهم ضدّك. وقيل مرّات للإمام إنّك تشجّع

 

128

 


113

المقاومة والصمود

الناس على الوقوف في وجه النظام البهلوي، من سيتحمّل مسؤوليّة الدماء التي ستسقط؟ لقد ارتعدت مفاصل الجميع في هذا الميدان؛ لكنّ الإمام لم يهتزّ؛ لم يغيّر طريقه وتقدّم. كثيرون ينثنون عن متابعة الطريق بفعل الضغوط؛ لكنّ الإمام صمد حتّى انتصر».

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1378[حزيران1999]: «لم تكن أيّ حادثة [مهما] كانت عظيمة لتكسره وتجبره على الرضوخ أمامها. ففي كلّ الحوادث المريرة والصعبة التي حدثت في زمن قيادة ذلك الرجل العظيم، ولم تكن بالقليلة، كان الإمام أكبر منها جميعًا».

وهكذا كان الحاج قاسم سليماني مثل مراده، لا يهاب التهديدات ولا الضغوط؛ ثبت في كلّ الميادين؛ قاوم وصمد وانتصر على أعداء متعدّدين.

في العام 1361[1982]، في عمليّات رمضان، وبسبب الإخفاق، آل الأمر إلى وضع اضطّر القائد العام للحرس الثوري الإيراني الأخ محسن رضايي أن يعلن في جمع قادة مقرّ كربلاء: فلنطفئ المصابيح، وليغادر كلّ من لا يستطيع البقاء من القادة! فكان الحاج قاسم سليماني، القائد الأوّل في ذلك الاجتماع، الذي تحدّث عن تجديد العهد.

في زمن الحرب مع داعش في العراق وسوريا، كان سليماني كما في حرب السنوات الثماني، مثالًا للصمود والثبات.

يقول المتحدّث باسم الحشد الشعبي في العراق السيّد أحمد

 

129


114

المقاومة والصمود

الأسدي: «لقد كان الحاج قاسم سليماني حاضرًا دومًا في معظم العمليّات، وأظنّ أنّ أيّ توجيه استراتيجي لا يحصل إلّا ذلك الذي ينتهي بتوجيهاته وإرشاداته».

يقول السيّد مسعود البارزاني: «كانت داعش قد وصلت إلى مشارف أربيل، وكان الخوف من أن تحتلّ المدينة قريبًا. بعد هجوم داعش اتّصلت بالأمريكان، بالأتراك، بالبريطانيّين، بالفرنسيّين، وحتّى بالسعوديّة؛ فكان جواب رؤساء هذه الدول، إنّهم الآن لا يستطيعون تقديم أيّ مساعدة... فاتّصلت على الفور بالحاج قاسم سليماني وشرحت له الأوضاع بالدقّة. قال لي الحاج قاسم: سأكون غدًا بعد صلاة الصبح في أربيل. قلت له: إلى الغد تكون الفرصة قد فاتت؛ تعال الآن. قال الحاج: كاك [أخ] مسعود، فلتحافظوا على المدينة الليلة فقط. في صباح اليوم التالي كان الحاج قاسم في مطار أربيل. فذهبت لاستقباله. كان قد جاء برفقة 50 عنصرًا من قوّاته الخاصّة. فذهبوا على الفور إلى مناطق الاشتباكات وأعادوا تنظيم قوات «البيشمركة»، وفي ظرف عدّة ساعات انقلبت الأمور لمصلحتنا. فيما بعد أسرنا قائدًا من داعش وسألناه، ماذا حصل حتّى انسحبتم وقد كنتم على مشارف أربيل؟ أجاب: أخبرنا عناصرنا النفوذيّون في أربيل بأنّ قاسم سليماني في أربيل؛ فانهارت معنويّات عناصرنا وانسحبنا».

يقول قائد الحرس في محافظة خراسان الجنوبيّة علي قاسمي: «إنّ حضور الفريق سليماني في العمليّات كان يرفع من معنويّات كلّ العناصر، ويقوّي قلوبنا... كان دائمًا يحضر بنفسه

 

130


115

المقاومة والصمود

في مناطق العمليّات والميدان»[1].

يقول مستشار الحاج قاسم سليماني القائد حسن بلارك: «في العام 1999، عندما وصلنا خبر هجوم طالبان، وقرب سقوط أفغانستان، توجّه عند الساعة الثامنة صباحًا إلى أفغانستان»[2].

يقول الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله: «مثلًا هو قائد قوّة في الحرس، ويستطيع أن يجلس في إيران في طهران، ويقول للآخرين تعالوا إليّ كل مدة، ويجلس معهم ويستمع اليهم ويتابع مسائلهم بشكل طبيعي وروتيني، أو اذا يحضر إليهم، أي أن يأتي إلى لبنان أو سوريا أو العراق أو أماكن أخرى، مثلًا كلّ ستة أشهر أو سنة يذهب مرة لتفقدهم، وعادة قد يتصرف هكذا بعض القادة».

وقال السيد نصرالله: «مكتب [مدرسة] الحاج قاسم يعني الذهاب إلى ساحة العمل، إلى الميدان، الذهاب إلى الآخرين، نحن منذ 1998 يعني منذ بدأنا العلاقة والمعرفة بيننا وبين الحاج قاسم يعني تقريبا 20 أو 22 سنة الى آخره، عدد المرات التي ذهبنا إليه مرات قليله، لكن دائما هو من كان يأتي إلينا، طبعًا هذا المجيء إلى الساحة، إلى الميدان، فهو يلتقي بالإخوة، يراهم جميعًا، يذهب إلى الميدان مباشرة، يستمع الى المقاتلين والمجاهدين».

ويتابع قائلًا: كان دائمًا يذهب إلى فم الموت والخطوط الأمامية... في حرب تموز حرب الـ33 يومًا 2006، هو جاء من

 


[1] العدد الخاصّ بمدرسة الحاج قاسم، ص59.

[2] العدد الخاصّ بصحيفة إطلاعات، 24 بهمن 1398، ص49.

 

131


116

المقاومة والصمود

طهران إلى دمشق واتصل بنا وقال أنا أريد أن آتي اليكم إلى الضاحية الجنوبية، فقلنا له كيف؟ أصلًا لا يمكن، الجسور تم ضربها، الطرقات مقطعة، الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف كل الأهداف، والوضع وضع حرب بالكامل، أصلًا لا يمكن الوصول إلى الضاحية وإلى بيروت، ولكن هو كان مصرًّا جدًّا وقال إن لم ترسلوا السيارات لتأتي بي أنا سآتي هكذا، يعني أصرّ ووصل، وبقي معنا كامل الوقت».

يقول القائد سليماني: «لم أعد إلى أن انتهت الحرب، وبقيت في هذه الـ33 يومًا في لبنان. وبعد أن انتهت الحرب، عدت إلى إيران»[1].

يقول الدكتور نوري المالكي: «بعد أن تنحّيت عن منصب رئاسة الوزراء [في العراق]، ذهبت إلى مناطق الاشتباك الواقع إلى الشمال من ديالى. وصلنا إلى منطقة تقع بين قوّات داعش وقوّاتنا؛ يستقرّ فيها الجيش والحشد الشعبي معًا. كان الوضع خطيرًا. لم يسمحوا لي بأن أمكث هناك طويلًا؛ لأنّ القذائف كانت تتساقط باستمرار. فجأة رأيت الحاج قاسم يترجّل من سيّارة. كان آتيًا من جهة جبهة الأعداء وخطّ التماس... كان حاضرًا في الخطّ الأمامي الذي لم يسمح لي الإخوة بالمكوث [بالقرب منه] طويلًا، وكانوا يقولون إنّ المنطقة خطرة!»[2].

كان أيضًا يمتلك هذه الروحيّة في مرحلة حرب السنوات

 

 


[1]  المصدر نفسه، ص 147.

[2]  المصدر نفسه، ص 213.

 

132


117

المقاومة والصمود

الثماني [بين إيران والعراق]. يقول نائب [قائد] فرقة ثار الله في مرحلة الدفاع المقدّس المهندس مصطفى مؤذن زاده: «في عمليات كربلاء 1، تقدّم القائد سليماني برفقة أحد عناصر معلومات العمليّات على درّاجة ناريّة إلى قلب الجبهة، ولم ينتظر إلى حين تطهير الخطّ، مع أنّ العراقيّين كانوا منتشرين في المنطقة»[1].

يقول السيّد موحّد أميري: «في عمليّات كربلاء 5، كنت في مقرّ القوّات البريّة للحرس. ذهبت يومًا من أيّام هذه العمليّات برفقة بعض الشباب إلى شرق البصرة سالكين «قناة ماهي» [قناة السمك]، لنستطلع المنطقة للعمليّات اللاحقة. كانت المنطقة هناك مقدّمة الجبهة ومنطقة العمليّات، ولم تفصلنا عن قوّات العدوّ سوى أمتار... وهناك انتبهت إلى وجود الحاج قاسم. سألت: ماذا تفعل هنا؟ أجاب الحاج قاسم: «وما الذي يميّزني عن باقي شباب الفرقة حتّى أكون خلفهم؟ أنا كسائر الشباب ولا فرق بيني وبينهم.»[2]

يقول سفير إيران الأسبق في الأردن السيّد مصطفى مصلح زاده: «الميزة الأهمّ في قاسم سليماني أنّه لم يكن يهاب الطرف المقابل، وكان يرد الميدان على الرغم من كلّ التهديدات. فكان في البداية يوقف تقدّم العدوّ، ومن ثم يتغلّب وينتصر عليه»[3].

 

 


[1] العدد الخاصّ بصحيفة إطّلاعات، 24 بهمن 1398، ص11.

[2] المصدر نفسه، ص27.

[3]  وكالة تسنيم، 21 بهمن 1398.

 

133


118

المقاومة والصمود

يقول القائد سليماني بتاريخ 9 مهر 1398 [1/10/2019] في جمع من القادة والمسؤولين في حرس الثورة الإسلامية: «الحرس يخاطر؛ لكن بحكمة؛ بوعي. إن لم يخاطر الحرس وخاف، فليس بحرس... إن خاف الحرس، سيخاف الجميع. إن تحليل الحرس، وشجاعته وثباته وصموده، يؤثّر في كلّ أنواع الصمود والثبات... لقد خُلِقَ الحرس من قلب الأزمات الصعبة والمظلمة، والتي لا يُعلم متى ستنتهي، ومن قلب الوجل وهذا الخوف الصعب، أهمّ الفرص ... لقد أنتج من الدفاع المقدّس وتلك القمّة النورانيّة، نورانيّة أخرى باسم «الدفاع المقدّس عن المقامات» وصمد... لقد طوّر الحرس المقاومة كمًّا وكيفًا».

وقال في موضع آخر: «ذات مرّة ناداني الإمام الخامنئي، وأشار إليّ أن تقدّم. عندما اقتربت منه، فتح كتابًا كان بين يديه وأراني صوَر عدد من الشهداء؛ الشهيد باكري، الشهيد باقري والشهيد زين الدين، وكانت صورة لي من ضمن تلك الصور.

فقال لي القائد: ما وجه الشبه بين صورتك وسائر الصور؟ وحيث إن الصورة كانت التقطت في أيّام شبابي قلت: كنّا في السنّ نفسه.

قال القائد: لقد أدّى هؤلاء تكليفهم ورحلوا، وكانت المصلحة الإلهيّة أن تبقى أنت وتقوم بالعمل الذي ربّما يكون أصعب من أعمالهم هم. إن لم تكن أنت موجودًا، من الذي سيقوم بهذا العمل؟[1]».

 

 


[1] خبرآنلاين [الخبر العاجل] 27 اردیبهشت 1399.

 

 

134


119

المقاومة والصمود

یقول القائد العليّ الشأن الحاج قاسم سليماني في الاجتماع الثالث والعشرين لقادة الحرس ومسؤوليه: «كان للحرس شبهٌ كبيرٌ بالإمام الحسين (عليه السلام)؛ الحرس الذي تربّى في النور، وربّى النور في أحضانه. بالأمس ربّى في أحضانه الشهيد فهميده، ومن تربية الشهيد فهميده تلك نما اليوم الشهيد حججي، الشهيد إسكندري والشهيد جواد الله كرم؛ فكانوا أشبه الناس، من بين المدافعين عن المقامات، بسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)؛ الحرس المقطوعي الأيدي، الحرس الذين فقدوا إحدى أعينهم، الحرس الذين تلاشت رؤوسهم... جواد الله كرم والشهيد حججي وحسين إسكندري، قُطعت رؤوسهم في الغربة بعيدًا عن أمّهاتهم وأخواتهم. ولقد التهمت السباع في الصحراء نصف جسد الشهيد حججي، ولملمناه من دون رأس... يقول الإمام الخامنئي: الحرس في كربلاء 5، كرّروا واقعة عاشوراء... إلى الغرب من قناة السمك، كان المكان مملوءًا بالجثث؛ جثث شباب مكدّسة فوق بعضها البعض».

لقد كتب الشهيد سليماني في رسالة إلى رفاقه الشهداء: «أعزّائي! لقد شاهدت تضحياتكم مرّات ومرّات، وحضرتُ عند مقتلكم مئات المرّات. سمعتُ بأذنيّ خرير حناجركم المذبوحة. ورأيت انسحاق إخوانكم تحت سلاسل الدبّابات وسمعتُ نداءاتكم خميني خميني تحت سياط الجلّادين، رأيت كيف استشهدتم ظلمًا، ومعنويّاتكم [العالية]، حيث لا تزال تشققّات أعقاب أقدامكم في خوزستان وكردستان تفور دمًا. لقد شممتُ

 

135


120

المقاومة والصمود

رائحة أبدانكم المحترقة في مئات من حقول الألغام، والهجومات والهجومات المضادّة؛ الأبدان التي طمرتها الصواريخ المنفجرة في الحفر إلى الأبد. إنّ كلّ أملي في القيامة، هو نظرة الوداع الأخيرة لعاشق، وقبلة الوداع التي لا أزال أحسّ بحرارتها في خريف عمري هذا. لقد نشأت في أرضكم، وسُقيت من دمائكم، وكلّ براعم خدمتي تفوح برائحة دمائكم. قاسم، من دونكم ليس قاسمًا. قاسم، بكم أصبح قاسمًا. حياتي من دونكم موت، والموت معكم حياتي التي ألتذّ بها».

لقد جعلوا بشجاعتهم ومروءتهم وثباتهم وصمودهم وروحيّة طلب الشهادة لديهم، من قاسم قاسمًا. وبرؤية القائد سليماني لكلّ هذه المشاهد، عزم على الوقوف، وعلى جني ثمرة دماء أصحابه التي هي انتصار الإسلام.

لقد كتب الحاج قاسم سليماني هذه الرسالة إلى علي وخانعلي ومحمد ومحمود ومهدي وحسين والسيّد جواد، الشهداء الذين يعبقون برائحة فرقة ثار الله.

ويكتب أيضًا في رسالة إلى الأسير المحرّر في فرقته، أحمد يوسف زاده[1]: «إنّني أفخر بكوني كرمانيًّا؛ بامتلاك جواهر من أمثال «شهسواري» الذي نادى بالموت لصدّام، والموت لأعداء الإسلام وهو في قبضة العدوّ، وأظهرَ أنّه تعلّم درسه من مدرسة الإمام السجّاد (عليه السلام) جيّدًا، وأمير شاه بسندي الذي كووا جسده بالمكواة بعد أن تناثر لحمه بفعل ضربات السياط، وأحمد يوسف زاده، زاد خوش،

 

 


[1] مؤلف كتاب: أولئك الثلاثة والعشرون فتى.

 

136


121

المقاومة والصمود

مستقيمي، حسني و... الذين صنعوا من الأسر مفخرة».

كلّ هؤلاء كانوا من تلاميذ مدرسة سليماني الذي نفسه وقف حتى النفس الأخير؛ وتناثر جسده وتمزّق إربًا بفعل ضربات صواريخ العدوّ؛ وقد كتب في وصيّته: «ادفنوني إلى جانب قبر حسين يوسف إلهي في كرمان، واكتبوا على شاهد قبري: الجندي قاسم سليماني».

وها هو اليوم الشعب الإيراني وشعوب العالم، يحسبون الحاج قاسم سليماني شهيد المقاومة والصمود، ويعدّون الثبات والصمود من معالم مدرسة ذلك القائد الشهيد، الذي نفسه كان مؤمنًا بأنّه جنديّ في ركاب العبد الصالح الإلهي، الخميني الكبير؛ ويقول فيه إمامه ومراده الخامنئي العزيز: «لقد كان مثالًا بارزًا للمتربّين في مدرسة الإسلام ومدرسة الإمام الخميني».

 

137


122

عشق الكتاب والمطالعة

عشق الكتاب والمطالعة

هذا العشق هو من ميّزات الإنسان البارزة.

يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1378[1999]: «معظم الصفات الموجودة في زعماء العالم، وأصبحت أساسًا لتميّزهم، بمقدار ما بحثتُ وتوصّلتُ إليه من نتيجة، فإنّي أرى كلّ هذه الصفات مجتمعة في الإمام. لقد كان عاقلًا، بعيد النظر، محتاطًا، يعرف عدوّه، يثق بالصديق، وحاسمًا في الضربة التي يوجّهها للعدوّ. كلّ الصفات والخصائص اللازمة لإنسان ما، لكي يستطيع تأدية تكليفه في مثل هذه الموقعيّة الحسّاسة والخطيرة وإرضاء ربّه ووجدانه، كانت مجتمعة في هذا الرجل».

يعتقد القائد بأنّ الإمام الخميني كان مظهرًا للتجديد العلمي والتبحّر في الفقه والأصول. ففي قم، كان درس الفلسفة خاصّته الدرس الأوّل فيها. وكان هذا الرجل معلّمًا في الأخلاق. لقد كتب الإمام فكر ولاية الفقيه بالالتفات إلى الآفاق الجديدة والعظيمة التي يمتلكها العالم المعاصر والمذاهب والمدارس المعاصرة، وثبّتها وأحكمها وأقام الدليل عليها. لقد كان من أهل التأليف والمطالعة.

يقول الإمام الخامنئي: «لقد قرأ مؤسّس الثورة الإسلامية

 

138


123

عشق الكتاب والمطالعة

تاريخ الثورات الماضية بدقّة، وجعلها موضع بحث ودراسة، فكان يستفيد من هذه التجارب للحفاظ على الثورة».

يقول السيّد مجيد زمان بور في كتاب «مجريات الكتاب والمطالعة عند الإمام الخميني»: «يقول أحد أصحاب الإمام: لطالما حدث وجلست في غرفته من الصباح إلى الظهر، وكان الإمام مشغولًا في هذه المدة بالمطالعة، لا ينبس ببنت شفة... كان يحبّ المطالعة، ويطالع كثيرًا إلى أن تتعب عيناه. أحيانًا كان يطالع لستّ ساعات متوالية».

الكتاب شاهد آثار ما في اللوح والقلم

الكتاب مقصد الحزانى

إذا ما سُجّل التاريخ في قطار الأيّام

فإن صورة وجهه تليق بما يقوله الكتاب

الربّ الأزلي والنور الجلي علّم بالقلم

اكتب فهذا الدفتر المملوء بالفوائد هو الكتاب

القلم في العرش، ما إن يستقيم

حتّى يسجد حبًّا للكتاب

[در لوح قلم، شاهد آثار، کتاب است

سر منزل مقصود گهربار، کتاب است

تاریخ اگر ثبت شده در صف ایام

تصویر رخش، درخور گفتار کتاب است

رب ازلی، نور جلی، بر قلم آموخت

بنویس که این دفتر پربار، کتاب است

 

139


124

عشق الكتاب والمطالعة

در عرش، قلم، قامت خود تا که بیاراست

بر سجده سرآورد که دلدار، کتاب است]

يقول حجّة الإسلام السيّد محمود دعايي في العام 1387[2008]: «لقد كان الإمام من أهل المطالعة، ويحبّ مطالعة الكتب كثيرًا»[1].

كتب الإمام الخميني بتاريخ 28 شهريور 1367[1988]: «الحياة تحت مظلّة العلم والمعرفة عذبة جدًّا، والأنس بالكتاب والقلم والمراجع والمصادر، ينشّط الذاكرة كثيرًا ويبقيها، وينسي المصاعب والإخفاقات الأخرى».
في مدرسة الشهيد سليماني أيضًا وتأسّيًا بالإمام الكبير، تُعدّ قراءة الكتب أحد الهواجس المهمّة. فقد كان القائد [سليماني] نفسه من أهل المطالعة والترويج لها. فكان يقرأ بنحو منتظم الكتب التاريخيّة، الأخلاقيّة، الدينيّة، كتب التفاسير، الكتب التي تنتجها مؤسسات «التاريخ الشفاهي للحرب»، وكان أحيانًا من خلال ملاحظاته وتقريظاته عليها، باعثًا على التعريف بهذه الكتب وارتفاع نسبة مبيعاتها، ومن ثمّ مطالعتها.

ملاحظاته على كتب: راديو، الكتيبة 409، أنا على قيد الحياة، عندما اختفى القمر[2]، وكتب مؤتمرات شهداء محافظات كرمان، سيستان وبلوجستان، وهرمزكان، هي مثال عن محبّة

 

 


[1] مدخل إلى الإمام الخميني، 16 آبان 1365.

[2] ترجم هذان الكتابان وصدرا في بيروت عن دار المعارف الاسلامية ضمن سلسلة سادة القافلة.

 

140


125

عشق الكتاب والمطالعة

القائد سليماني للكتاب والمطالعة.

في رسالة بعث بها ذلك القائد العظيم إلى محمّد رضا بايرامي مؤلّف كتاب «ثلاثة من أجل واحد»[[1] التي تحكي سيرة حياة الشهيد الحاج علي محمّدي بور، يقول: «إنّني أعرف هذا الشهيد الذي كتبتَ عنه منذ أمدٍ بعيد. لقد ترعرعنا معًا؛ التحقنا بالحرب معًا؛ بقينا في الجبهة معًا؛ شاركنا في العمليّات معًا... لقد بقيتُ مستيقظًا من الليل حتّى الصباح وأنا أقرأ كتابك وأبكي وأذرف الدموع. أقبّل يديك؛ لكنّ شهداءنا عظماء بما فيه الكفاية؛ ولا حاجة إلى المبالغة حين الكلام عنهم».

يقول المسؤول السابق للجنة الفنيّة في منظّمة الإعلام الإسلامي السيّد محسن مؤمني شريف: «لقد أدرك الشهيد سليماني أهمّيّة روايات الشهداء، قبل 24 أو 25 عامًا، وتابع العمل من أجل أن تُؤلّف الكتب حول رفاقه الشهداء... لقد قرأ الحاج قاسم كتاب ذكريات الشهيد علي خوش لفظ، وقال إنّه قرأ هذا الكتاب في الطريق من بغداد إلى إقليم كردستان، وكان مزاجه جيّدًا؛ أي إنّ قائدنا كان يقرأ الكتب في مثل هذه الظروف والأوضاع»[2].

وكان الشهيد سليماني يقول: «اقرأوا كتاب الغارات هذا، الذي هو من أقدم كتب الشيعة. اقرأوه حتمًا؛ فهو مقتلٌ بتمامه. إن قرأتموه، فإنّنا سننظر إلى هذه الحكومة اليوم، التي هي استمرار

 

 


[1] سه كانه اى براى يگانه.

[2] موقع بابليان، 27 بهمن 1398.

 

141


126

عشق الكتاب والمطالعة

لحكومة علي بن أبي طالب، بنحو أوعى ومن دون تعصّب فردي وحزبيّ، نعطي رأينا و [في الوقت نفسه] ندافع عنها».

وقال في خطاب له في أسبوع التعبئة عام 1397[2018]: «أرجو أن تقرأوا الكتب المؤلّفة حول عهد حكومة أمير المؤمنين التي امتدّت لأربع سنوات... من الجيدّ جدًّا أن نقرأ هذه الكتب لنسمع كلامه، أقواله وخطاباته ونراها. إنّني أعرّفكم إلى كتاب «الكوفة ودورها في القرون الإسلامية الأولى»، لمؤلّفه السيّد دواني، وهو كتاب ضخم، لكنه مهمّ. ولقد قدّم لهذا الكتاب والد المؤلّف المرحوم السيّد علي دواني، وهو من كتّاب التاريخ المهمّين، مقدّمةً غاية في الأهمّيّة. لقد قرأت هذا الكتاب بدقّة.

وطالعتُ كتبًا أخرى حول هذا الموضوع. لماذا أقول اقرأوا؟ لأنّ في كلّ حدث مهمّ، توجد آفاتٌ مهمّة، وإذا لم تُلاحظ هذه الآفات، فإنّ هذا الحدث المؤثّر والمهمّ، سيتضرّر بسبب كونه محطّ توجّه وطمع».

وقال أيضًا في خطاب له في أسبوع الدفاع المقدّس عام 1393[2014]: «إنّني أوصي الذين أدركوا الحرب، والذين لم يدركوها، بأن يقرأوا الكتب والمؤلّفات المرتبطة بمرحلة الدفاع المقدّس. لربّما كانت أكبر التأثيرات التربوية الحقيقيّة موجودةً في هذه الكتب. وإذا لاحظتم، من بين سائر الكتب الموصى بقراءتها من جانب قائد الثورة الإسلامية المفدّى، يُثني سماحته ويُوصي أكثر ما يوصي بكتب الدفاع المقدّس هذه. ولربّما يمكن القول، إنّه قلّما نُشر كتاب ووصل إليه، ولم يطالعه ويكتب حوله

 

142


127

عشق الكتاب والمطالعة

تقريظًا. والسبب الرئيس في ذلك هو أنّ في داخل هذه الكتب حقيقةً، توجب التأثّر والتأثير الكبيرين جدًّا».

يقول الإمام الخامنئي في 8 آبان 1387[2008]: إنّني أوصي بقراءة هذه الكتب التي كُتبت حول الشهداء، حول جرحى الدفاع المقدّس وبيّنت شخصيّاتهم. فهي من ناحية كتب جميلة وجذابة، ومن ناحية أخرى تعرّفكم إلى حوادث وقضايا كثيرة».

ويقول ذلك القائد الحكيم في 15 مهر 1392[2013]: «فلتقدّروا هذه الظواهر ونتاجات تاريخ الثورة هذه، وتاريخ الدفاع المقدّس؛ عليكم أن تقدّروها كثيرًا. ولتُنشر بين الناس... فالرواية الحقيقيّة هي هذه، هذه الكتب. حاولوا مهما أمكن أن تصل إلى أيدي الشباب». لقد كان القائد الفريق الحاج قاسم سليماني، وتأسّيًا منه بالإمام الخميني والإمام الخامنئي، مروّجًا للكتاب، ويدعو إلى قراءة كتب الدفاع المقدّس بنحو صريح.

وقد كتب في ملاحظاته على كتاب «راديو»: «هذه الذكريات القيّمة التي تهزّ الأبدان، باعثةٌ على الحماسة أكثرَ من عمليّات كبيرة خاصّة، وينبغي أن لا يُتعامل معها بهذه البساطة. يمكن لموضوع الـ«راديو» أن يكون من أجمل القصص المقروءة بالنسبة للأجيال كافّة. ففي الوقت الذي يبحث فيه عادةً الأسرى والمسجونون، عن السجائر والمواد المنسية المخدّرة، كان أبناء روح الله يفكّرون في فهم فكره، ويحاولون جاهدين أن تبقى أرواحهم ثابتة على نهجه... هذا هو تأثير القائد الثوري على الشباب والناشئة في الأوضاع الصعبة التي ترتعد لها المفاصل».

 

143

 

 


128

عشق الكتاب والمطالعة

ويكتب أيضًا حول كتاب «أولئك الثلاثة والعشرون فتى»[1]: عزيزي أحمد، عندما قرأت كتابك، تمثّل فجأة أمام عيني مشهد الأسر، فتذكّرت تلك الأسيرة (السيّدة زينب (عليها السلام)) وانهمرت من عينيّ الدموع على كتاب هذا الأسير؛ تذكّرت بطلة الأسر التي قيّدت الأسر».

وجاء في رسالة لذلك القائد العزيز، كتبها للأسيرة المحرّرة معصومة آباد، حول كتاب «أنا على قيد الحياة»: «سأترجم كتابك، إن شاء الله، إلى اللغات كافّة، ليعلم الجميع كيف كانت زينب بنت رسول الله؛ حينما كانت جاريتها معصومة، طاهرة ومعصومة هكذا».

نظرة سليماني هذه مستقاة من نظرة الإمام الخامنئي الذي قال في 23 ارديبهشت 1392[ايار2013]: «إذا ما تُرجمت كتبكم هذه، ستجد لها مخاطبين كثرًا. عليكم أن تولوا أهمّيّة كبرى للمخاطبين العالميّين. هل تعلمون ماذا سيحدث في العالم إن استطعتم ترجمة هذه الذكريات المحكيّة؛ سواء تلك المرتبطة بالدفاع المقدّس، أم تلك المرتبطة بالأسرى في السجون العراقيّة، باللغة الإنكليزيّة والإسبانيّة، أو إن أتيتم إلى هذه الجهة من العالم، وترجمتموها باللغة الأورديّة؟ هذه الثقافة التي تُبذل كلّ هذه الجهود لنقلها، فنعلّم عددًا من الأشخاص، ونرسلهم إلى الدولة الفلانيّة للتبليغ، فيذهبون، وقد ينجحون في التبليغ وقد

 

 


[1] ترجم الكتاب في بيروت وصدر عن دار المعارف الاسلامية ضمن سلسلة سادة القافلة.

 

144


129

عشق الكتاب والمطالعة

يخفقون، ولا يتأتّى لهم فعل شيء، لا أهمّيّة للتفاصيل، يمكن أن تنشروا هذه الثقافة عبر الكتاب، فتعمّ العالم؛ تمامًا كما فعل الآخرون ذلك... فكّروا أن تنشروا هذه الكتب، إن شاء الله، في الخارج أيضًا».

متابعة القائد سليماني لإمامَي الثورة، وانسجام مدرسة سليماني مع مدرسة الإمام الخميني في المطالعة وقراءة الكتب والترويج لها في إيران والعالم، حاكٍ عن عظمة بارزة في حياة شهيد جبهة المقاومة العالمي ذاك.

أنيس زاوية الوحدة الكتاب

نور صباح العلم الكتاب

[انیس کنج تنهایی کتاب است

فروغ صبح دانایی کتاب است]

قراءة الكتب عند القائد سليماني واهتمامه بالكتاب والمطالعة قد شمل كلّ الجوانب؛ بدءًا من الكتب التاريخيّة، الأخلاقيّة، الفقهيّة، وكتب التفسير إلى القصص والروايات؛ من كتابة الملاحظات واستلالها من تفاسير القرآن وترجماته وشروحات نهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة إلى مطالعة روايات الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز».

ذلك القائد العالي الشأن بيّن في ملاحظة له على كتاب «انقلاب چهل ساله» [الثورة ذات الأربعين عامًا]، عُمقَ رؤيته العلميّة والدينيّة فكتب: «هذا الكتاب الذي هو جانب من مهارة

 

145


130

عشق الكتاب والمطالعة

الإسلام في الحكومة، ولو سمحوا أو يسمحون لحكومة ولاية الفقيه القرآنيّة، ميراث المهدويّة العظيم هذه، أن تتحقّق بنحو كامل، عندها يتجلّى إعجاز القرآن والدين أكثر وأكثر».

كان لطلب العلم من المهد إلى اللحد تجسيدًا عمليًّا في مدرسة الشهيد سليماني، وهو قبل شهادته بثلاثة أو أربعة أيّام، طلب من أحد الإخوة في مكتبه بأن يجمع له شرائط التسجيل والأقراص المدمجة المسموعة والمرئيّة لدروس أخلاق الآيات العظام: آملي، المصباح اليزدي، مظاهري، مشكيني والسيد مجتبى طهراني.

طلب هذا الشيء فيما كان هو غارقًا في مطالعة كتب الأخلاق والعرفان، وكان يوصينا دائمًا بقراءة كتابي «الأربعون حديثًا» و«أسرار الصلاة» للإمام الخميني؛ وكان الكتاب دومًا، هديّته الأثمن للأصدقاء وأبناء الشهداء.

 

146


131

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

هناك أشخاص يمتلكون الفهم الأجمل والأسمى لفلسفة الحياة، وهم حاضرون ليضّحوا بأنفسهم في سبيل مبادئهم المعنويّة، ويقبلون على الشهادة في سبيل الدين. تسمّى هذه الروحيّة المترافقة مع ترك التعلّقات الدنيويّة، طلبَ الشهادة.

يقول الامام الخامنئي في 9 مهر 1378[1989] في إحدى خطبتي صلاة الجمعة في طهران حول شخصية الإمام الخميني: «هناك ثلاث خصائص متميّزة في شخصيّته ومتداخلة بنحو كبير أوجدت جاذبيّة وتأثيرًا عجيبًا في هذا الرجل العظيم. الخاصّية الأولى كانت عبارة عن العقل والعلم... الخاصّية الثانية التديّن والإيمان المترافق مع البصيرة... والخاصّيّة الثالثة كانت شجاعته والسخاء بالنفس. كان [الإمام] مستعدًّا لمواجهة العالم عندما يقول هو كلمة الحقّ، ويقول العالم كلمة الباطل... حينما ورد الميدان، وردَه وحده؛ كان وحيدًا؛ كان يشعر بالوحدة أيضًا؛ لكنّ هذه الشجاعة التي كان يمتلكها هي التي جعلته يَرِد. عندما يرد الإنسانُ ميدانًا ما، وتكون في مقابله السلطات والقوى النظاميّة والأمنيّة بوسائل تعذيبها القاسية،

 

 

148


132

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

ويكون الضمير والدين والمراعاة معدومين، ويكون هؤلاء أيضًا مدعومين من السياسات العالميّة والاستكباريّة؛ فإنّ الشرط الأوّل لدخول ميدان كهذا، أن يسخى الإنسان بنفسه، وقد سخى هو بنفسه، وكان مستعدًّا لمواجهة كلّ المخاطر؛ أي لم تكن الروح وشؤونها الأخرى مهمّة بالنسبة إليه. يقول البعض، لقد سخينا بأنفسنا؛ لكن إن نظرتم إليهم في مقام العمل، فإنّهم لا يتخلّون ولا يتغاضون حتّى عن المجاملات الصوريّة؛ فكيف هم يسخون بأنفسهم؟! لا تسخى أنفسهم بقليل من المال، ولا يتخلّون عن لذّة وشهوة؛ فكيف هم يسخون بأنفسهم؟! لكن [الإمام الخميني] كان محقًّا في قوله؛ كان حقًّا واضعًا روحه في كفّه، ومستعدًّا، وورد الميدان».

كان الإمام الخميني عاشقًا للشهادة، وقد عبّر عن ذلك العشق في 16 بهمن 1365 [5/2/87]في ذكرى تكريم الشهداء ومجاهدي الإسلام فكتب: «كم هم غافلون محبّو الدنيا الذين يبحثون عن قيمة الشهادة في صفحات الطبيعة، ويفتّشون عن أوصاف لها في الأناشيد والملاحم والأشعار، ويتوسّلون كشفها بالفنّ التخيّلي وكتاب التعقّل؛ حاشا لهذا اللغز أن يُحلّ سوى بالعشق!».

لقد تحدث الإمام مرّات ومرّات عن عشقه للشهادة، وربّى تلاميذ مدرسته على هذا العشق أيضًا. ففي رسالة له في الذكرى الثالثة لانتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 22 بهمن 1360[11/2/1982]، يعّرف مريديه بما يلي: «الشعب الذي يغلي حبّ الشهادة في قلوب نسائه ورجاله وصغاره وكباره، ويسابق

 

149


133

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

أحدهم الآخر من أجل نيل الشهادة...».

يقول الإمام الخامنئي المفدّى في 16 فروردين 1358 [5/4/1979]: «لقد كان شعبنا عاشقًا للشهادة. وبعشق الشهادة تقدّمت هذه الثورة. ولو لم يكن هذا العشق وهذا الحبّ، لما كنّا انتصرنا أبدًا في مقابل كلّ هذه القوى».

وقال في 23 خرداد 1361[13/6/1982]: «إنّ الشيء الذي أدّى إلى انتصار بلدنا وشعبنا، كان الإيمان بالله وعشق الشهادة؛ عشق الشهادة في مقابل الكفر؛ في مقابل النفاق؛ ومن أجل حفظ الإسلام».

ولقد تربّى القائد الحاج قاسم سليماني في مدرسة الإمام الخميني أيضًا، على عشق الشهادة هذا.

يقول القائد اللواء في الحرس محمد رضا فلاح زاده: «في سوريا، كان حاضرًا في كلّ جبهات العمليّات الهجومية والدفاعيّة. في «باشكوي» في حلب، كان عرضة لرصاص داعش المباشر. في «سابقيّة»، جنوب حلب، أمطروا سيّارته بوابل من الرصاص. في قلعة حلب، تعرّض لرصاص قنّاصة العدوّ. في شمال حماه، فجّر انتحاريّ نفسه بالقرب من الحاج قاسم. انفجر صاروخ أطلقه المسلّحون بالقرب منه.

كان أوّل الداخلين إلى حلب المحاصرة عبر طائرة مروحيّة، تعرّضت هي بدورها لطلقات من المضادّات الجوّيّة. كان أوّل الهابطين في مطار حلب ليلًا عبر طائرة مدنيّة، هذا فيما كانت

 

150


134

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

«مضادات الدفاع الجويّ 23» التابعة للنصرة تمطر المدرج بنيرانها. ومن بعدها جاؤوا ببقيّة القوّات.

كان أوّل الهابطين نهارًا في مطار حلب، هذا فيما كانت طائرته في مرمى صواريخ العدوّ الجويّة، ومدرج المطار يُمطر بصواريخ الكاتيوشيا والقذائف المدفعيّة التابعة للإرهابيّين. بعد هذه الحادثة، أصبح مطار حلب شغّالًا ليلًا نهارًا. كان أوّل المفتتحين لمطار تدمر بهبوطه فيه، وأوّل الذاهبين بالمروحيّة إلى «جبل الغراب»، «سنجري» و«بئر طيّاريّه»، على الرغم من وجود الأميركيّين في الميمنة، وداعش في الميسرة، ما رفع من معنويّات المجاهدين والقادة هناك، ومن خلال دراسته وتفقّده للجبهة خطّط لاستمرار العمليّات. كان أوّل الذاهبين بالمروحيّة ومن فوق رؤوس الداعشيين إلى سدّ الوعر، وتفقّد هناك قوّات الدفاع الشعبي السوري من سنّة وشيعة، ولواء «فاطميّون». تعرّض لرصاص قنّاصة داعش في البوكمال؛ فأخطأت الرصاصة الهدف وأصابت أحجار حافّة السطح، التي تناثرت فوق رأس الحاج، محدثة جروحًا فيه وفي وجهه وعينه»[1].

يقول القائد محمد تشهارباغي، أحد مسؤولي مدفعيّة الحرس: «في الصباح الباكر، ومع انبلاج الفجر، رُفع الأّذان، وأدّينا الصلاة. قال لي الحاج قاسم: حاج محمود، هيّا بنا! قلت: إلى أين؟ قال: إلى خناصر؟ كان العدوّ لا يزال موجودًا فيها. كنّا نحن نسيطر على نصفها، والعدوّ على النصف الآخر! قال: تعالَ

 

 


[1] مدرسة الحاج قاسم، ص179

 

151


135

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

لنذهب، هل تخاف؟ قلت: لا! وممّ أخاف؟ لنذهب.

ركبنا سيّارة، وذهبنا نحن الاثنان... دخلنا خناصر. كان شباب الحشد الشعبي قد سيطروا على المنطقة هناك؛ لكنّ الرصاص كان ينهمر علينا من كلّ حدب وصوب. ومن دون أن يكترث الحاج قاسم لهذا الرصاص، ذهب ليتفقّد شباب الحشد الشعبي. وهؤلاء ما إن رأوا الحاج قاسم حتّى استمدّوا منه القوّة؛ راحوا يخبرون بعضهم البعض بصوت عال: يا شباب، لقد جاء الحاج قاسم! لقد ذهب الحاج قاسم إليهم ليتفقّدهم، ويثني على جهودهم وتعبهم، ويقول لهم عافاكم الله وسلّمكم. حضور الحاج قاسم هذا ووجوده [هناك] كان يعزّز معنويّاتهم ويرفعها»[1].

هو الذي عندما كان يرد الميدان

كانت الجبهة تهدأ من عطره

بكاءاته الليليّة في الوِتر

كان لها نكهة صلاة المولى

هو الذي كان جيشًا بنفسه

أصيب من كلّ معركة بجرح

كان يهجم على الخطّ من دون سلاح ودرع

فاسمُ الله درعه

 

 


[1] المصدر نفسه، ص 187

 

152


136

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

او که پا می گذاشت در میدان

جبهه آرام می شد از عطرش

رنگ و بوی نماز مولا داشت

گریه های شبانه وِترش

او که خود یک تنه سپاهی بود

زخمی از هر نبرد بر تن او

بی سلاح وزره به خط می زد

نام پروردگار، جوشن او]

يقول معاون المعلومات الأسبق في حرس الثورة في كرمان، السيّد مجيد آنتيكي: «بعد عمليّات والفجر 8، قال لي الحاج قاسم: «لنذهب إلى ما وراء خطوط التماس». طوال الطريق، وفي أثناء سيرنا، كانت القذائف تتساقط علينا من السماء كما البَرَد... في تلك الوضعيّة، كان الحاج قاسم يتمتّع ببرودة أعصاب كبيرة، بحيث لم أرَ فيه أدنى خوف من الموت، ولهذا السبب، كانت تضحياته لافتة»[1].

وقد قال إمامه الخامنئي في 13 دي 1398[3/1/2020] فيه: «لقد اقترب الحاج قاسم مئات المرّات من الشهادة. لم يكن يخاف شيئًا في طريق الله، في طريق أداء التكليف، في طريق

 

 


[1] العدد الخاص بصحيفة إطلاعات، 24 بهمن 1398، ص 52.

 

153


137

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

الجهاد في سبيل الله... لدينا شهداء كثر؛ ولدينا أيضًا شهداء من الأفراد العاديّين؛ لكنّني لا أذكر شهيدًا غير الحاج قاسم، استشهد على يدي أخبث الناس في العالم أي الأمريكان، وهم يفتخرون أنّهم استطاعوا قتله. جهاده هذا، كان جهادًا عظيمًا؛ ولقد جعل الله تعالى شهادته شهادة عظيمة... كان على الحاج قاسم أن يستشهد بهذه الطريقة... لقد كانت تلك أمنيته. كان يبكي لكي يُرزق الشهادة... شوقه للشهادة كان يُجري مدامعه؛ وقد حقّق أمنيته.

يقول الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله: «الحاج قاسم كان يسعى وراء الشهادة منذ أن كان شابًّا. ليالي كثيرة كان يقضيها باكيًا، عندما يُذكر الشهداء يبكي، في كثير من اللقاءات كان يقول لي: ضاق صدري في هذه الدنيا من شدة شوقي للقاء الله وللشهداء الذين مضوا»[1].

يكتب القائد سليماني في ملاحظة له يخاطب فيها راوي كتاب «وقتى مهتاب گم شد» [عندما اختفى القمر]، علي خوش لفظ: «أخي العزيز، علي الحبيب! لقد رأيتَ كلّ الشهداء وحقائق تلك المرحلة [مرحلة الدفاع المقدّس] في وجهك. لقد ألقيت دفعة واحدة كلّ ذكرياتي في وجهي. كم كان كلامك جميلًا عن أشخاص فقدتُ المئات منهم، ولا أزال أشيّعُ كلّ شهر واحدًا منهم، وأستحي أن أشارك في تشييع جنائزهم. قبل عشرة أيّام، فقدتُ أفضلهم؛ مراد وحيدر. أمّا أنا فلا أذهب ولا أموت؛ في حين أنّي أتحرّق شوقًا لوصل

 

 


[1] مجلّة الفكر الشهريّة، العدد 202، ص20.

 

154


138

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

واحد من أسود الأمس الذين يُعدّون بالمئات، ولا أدري ما العمل؟ لقد عمّ هذا الوجع اليوم كلّ وجودي، ورششتَ أنت الملح فوق جراحي».

هذه الميزة، معلَمٌ بارزٌ في مدرسة الشهيد سليماني.

لقد كان عاشقًا للشهادة، وأتباعُ مدرسته أيضًا سيتابعون طريقه من خلال معلَم روحيّة طلب الشهادة.

جاء في وصيّة الشهيد سليماني:

«إلهي! أيّها العزيز! لقد تخلّفتُ لسنوات عن القافلة، وقد كنتُ دومًا أدفع الآخرين إليها، لكنّي بقيتُ متخلّفًا عنها، وأنت تعلم أنّي لم أستطع أبدًا نسيانهم، فذكراهم وأسماؤهم تتجلّى دائمًا لا في ذهني، بل في قلبي وفي عينيّ المغرورقتين بدموع الحسرة.

يا عزيزي! جسمي يوشك على أن يعتلّ ويمرض، كيف يُمكن أن لا تقبل من وقف على بابك أربعين سنة؟ يا خالقي، يا محبوبي، يا معشوقي الذي لطالما طلبتُ منه أن يغمر وجودي بعشقه، أحرقني وأمتني بفراقك.

كالطائر في القفص، كان عمرًا

يسعى وراء الشهادة بابًا بابًا

[او که چون مرغ در قفص، عمری

در به در پی شهادت بود]

وقال في آخر لحظات حياته: «إلهي، أنا عاشق للقائك؛ ذلك

 

155


139

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

اللقاء الذي أعجزَ موسى عن الوقوف والتنفّس. إلهي، اقبلني طاهرًا!».

ارزقني الشهادة أي رب، فأنا لا أريد

أن أكون خاضعًا لعالم القبح

[مرا شهيد كن، ای دوست، من نمی خواهم

که تن سپرده به دنیای مرده شو باشم]

يقول أخو الشهيد السيّد سهراب سليماني حول عشق القائد للشهادة: «كان منتظرًا للشهادة، ويبكي وينتحب من أجل الوصول إليها».

ويقول الابن الأكبر للقائد [سليماني] السيّد حسين: «لقد وصل والدي إلى ما كان يتمنّاه ويسعى إليه منذ سنوات. كثيرًا ما كنّا نتحدّث إلى بعضنا البعض في المنزل، فكان يقول لنا: «إنّني أسعى وراء الشهادة»[1].

كان القائد سليماني يعشق الشهادة ويهيّئ نفسه لها. وكان يعدّ الشهادة فوزًا عظيمًا، ويؤمن بأنّ على المرء أن يكون شهيدًا لينال الشهادة.

يقول ذلك الشهيد الكبير بتاريخ 14 أرديبهشت 1395 [2016]في المؤتمر الوطني لشهداء محافظة كيلان: «ما لم يكن الشخص شهيدًا، فلن يستشهد. من شرائط نيل الشهادة، أن يكون المرء

 

 


[1] مجلّة ياران الشهريّة، العدد 171، ص19.

 

156


140

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

شهيدًا. إن رأيتم اليوم شخصًا تفوح من كلامه، من تصرّفاته، ومن أخلاقه، رائحة الشهادة، فاعلموا أنّه سيستشهد. هذه الميزة كانت موجودة في كلّ شهدائنا؛ كانوا شهداء قبل أن يستشهدوا».

أحدهم همس في أذنه بهذه البشارة

ستُستشهد قبل أن تموت

[کسی به گوش وی آهسته این بشارت داد

تو پیش از آن که بمیری، شهید خواهی شد]

نشاهد هذه الحقيقة في كلام الإمام الخامنئي في العام 1384 [2005]في كرمان، في منزل عائلة الشهيد عظيم بور.

عندما طلب صهر عائلة الشهيد السيّد جواد روح اللهي من قائد الثورة الإسلامية المفدّى، بأن يعده بالشفاعة، فقال القائد: «أوّل من يستطيعون الشفاعة في جماعتنا، وبحسب القاعدة، هم هؤلاء الشهداء، وأمثالهم. ومن ثمّ آباؤهم وأمّهاتهم ».بعدها نظر القائد إلى الحاج قاسم سليماني الذي كان حاضرًا في ذلك اللقاء وقال: «الحاج قاسم هذا، هو أيضًا من أهل الشفاعة إن شاء الله... خذ منه وعدًا؛ بشرط أن لا يخلف بوعده»[1].

يقول مولانا [الإمام الخامنئي] في 23 تير 1389 [2010]في جمع من قادة حرس الثورة الإسلامية: «العشق والمعرفة هما اللذان أوجدا الحرس، حرّكاه ووجّهاه وطوّرا الناس في هذه المنظومة المتشعّبة والواضحة، وربياهم. والأفراد الذين تربّوا

 

 


[1] كريمانه، ص120.

 

158


141

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

في هذه المؤسّسة الكبرى، حينما نتأمّل في شخصيّة كلّ واحد منهم ـ في أيّ درجة أو رتبة كان ـ تأمّلًا دقيقًا، تصبح حياته بالنسبة للإنسان، وبالنسبة للأشخاص المحرومين أمثالي، مشعلَ طريق، وأسوة. عندما يطالع الإنسان ويقرأ سيرة حياة كلّ واحد من هؤلاء الأعزّاء، والقادة... ينفتح أمامه بحرٌ من المعرفة والعشق؛ يهدي الإنسان. هكذا هو الحرس. واليوم، حين أنظر في وجوهكم أيّها الإخوة الأعزّاء، يا قدامى الحرس والعناصر المتمرّسة فيه، أرى فيكم أولئك الشهداء الأعزّاء؛ الشهيد باكري، الشهيد همّت، الشهيد بروجردي. أنتم أؤلئك أنفسهم، إلّا أنّ لِحاكم شابَها البياضُ بمرور الزمن».

في ذلك اليوم، كان الشهيد سليماني حاضرًا. وها هو اليوم قد التحق بجسده المقطّع إربًا إربًا بجمع الشهداء العظيم وحقّق أمنيته التي لطالما تمنّاها. لقد كان الشهيد الذي نال الشهادة. وهو بكونه شهيدًا، وباستشهاده، كان دائمًا يفتح طرق الانتصارات ويتقدّم.

وقد جاء في كلام له في أسبوع الدفاع المقدّس في العام 1389 [2010]: «لو لم تكن صفة طلب الشهادة موجودة في قادة الحرب والمسؤولين فيها، لما استطعنا أبدًا تبديل عدم التكافؤ هذا في ميدان الحرب إلى انتصار».

قال الإمام الخميني في 19 تير 1358[10/7/1379]: «شاء الله أن يتحوّل هذا الشعب من حدود الكلام إلى حدود العمل، وتلك الروحيّة التي كانت سائدة بين المسلمين في صدر الإسلام، قد وُجدت في شعبنا...؛ بحيث كان ولا يزال شباب شجعان في أوائل

 

158


142

بذل النفس وروحيّة طلب الشهادة

شبابهم يطلبون منّي أن أدعو لهم بالشهادة، وكانوا يطلبون ذلك بجدّيّة، والبعض منهم كانوا يتحسّرون لأنّهم لم يُستشهدوا... ليفكّر المسلمون في طريقة ليحصل فيهم هذا التحوّل: التحوّل من الخوف إلى الشجاعة، التحوّل من الانشغال بالدنيا إلى الإيمان بالله. إنّ منشأ كلّ هذه الانتصارات، هو هذه الكلمة».

لقد أوجد القائد سليماني هذا التحوّل في نفسه؛ لهذا لم يكن يخاف، ولم تكن المغريات الدنيويّة لتمنعه من الذهاب نحو الشهادة. وهو بروحيّة طلب الشهادة، كان يحقّق الانتصارات المتوالية، ويسعى وراء «الشهادة» في تلك الميادين.

والقائد العزيز الحاج قاسم سليماني كان قد تعلّم درس الشهادة وكيف يصبح المرء شهيدًا من مدرسة الإمام الخميني؛ وكم برع في تطبيق هذا الدرس عمليًّا، فخطا في ركاب العشق مستقبلًا الشهادة بكلّ عشق وهيام.

حبيب؛ مسلم؛ أبو ذر؛ برير؛ حنظلة؛ سلمان

أنت وارث عطش القاسم وجلالة سليمان

لا الفاتح ولا الفريق، ولا ذو الفقار ولا القائد

إنّما كان فقط اسم «الشهيد» لائقًا بك

[حبیب؛ مسلم؛ ابو ذر؛ بریر؛ حنظله؛ سلمان

تو وارث عطش قاسم وشکوه سلیمان

نه فاتح ونه سپهبد، نه ذوالفقار ونه سردار

برای نام تو تنها «شهید» بود سزاوار]

 

159


143
معالم مدرسة الشهيد سليماني