فقه الطفل

دروس في الفقه الاستدلاليّ


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين.

ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض الله له عملا»[1].

يتميّز الفقه الإسلامي بمعالجته الشاملة لجميع ما يحتاج إليه الإنسان في أبعاد حياته المختلفة، الإجتماعية والاقتصادية، السياسية والأمنية، الصحيّة والنفسيّة والتربوية وغيرها. ولقد كان هذا من عناصر خلود الشريعة الإسلاميّة ومعلَما من معالم خاتميّتها.

وعلى هذا الأساس وجدنا الأحكام والتوجيهات الشرعية التي تناولت تفاصيل حياة الإنسان في تلك الأبعاد المختلفة، ومنها الأحكام المتعلّقة بالحياة الزوجية والأسرية للإنسان. فمن التوجيهات الشرعية للرجل والمرأة في مسألة اختيار الشريك للحياة الزوجية، إلى بيان الأحكام التي تحدّد الوظائف والحقوق لكلا الزوجين، مع بيان ضرورة حاكميّة المودة والرحمة في دائرة العلاقات الزوجية، إلى مسألة طلب الولد والذرية

 

 


[1] (1) المجلسي، العلامة محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسسة الوفاء، لبنان – بيروت، 1403ه – 1983م، ط2، ج78، ص321.

 

10


1

المقدمة

وجملة من آدابها، إلى مسألة التربية الصالحة للأولاد وأنحائها؛ إذ يُراد من خلالهم عمارة الحياة الدنيا بالخير والصلاح، والفعالية والعطاء. إلى غيرها وغيرها الكثير من الأحكام.

ولقد صنّف الفقهاء –لاسيّما فقهاء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)- على مدى الأعصار كتباً جليلة يصعب إحصاؤها؛ تحتوي على كثير من المسائل الفقهية في الكثير من تلك الأبعاد ممّا شكّل ثروةً عظيمةً من ثروات التشريع الإسلامي. ولازال البحث والتصنيف مستمرًّا ببركة مدارك الأحكام الخالدة.

ولكنّ هذا لا ينفي أننا قد نجد بعض الموضوعات الفقهية التي لم تُبحث بعد لكونها من مستجدات مسائل الحياة، أو أنّها لم تُبحث بشكل تفصيلي وبمقدار الحاجة الفعلية للمجتمعات الإنسانية والإسلامية، أو أنّها بُحثت ولكن في أبواب شتّى من أبواب الفقه الإسلامي، بحيث يصعب على الباحث أن يصل إلى النتيحة النهائية منها إلّا بعد بذل جهد كبير، ومن تلك الأبحاث ما يتعلّق بالأطفال وأحكامهم، على أهميّتها؛ التي مافتئت تزداد لاسيّما مع تقدّم الحياة وزيادة عناصر التهديد للأسرة والأبناء.

وعلى هذا الأساس قام مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية بإعداد هذا الكتاب الإستدلالي (فقه الطفل) معتمدا بشكل أساس على الأثر الفقهي المهم والكبير (موسوعة أحكام الأطفال وأدلّتها)؛ الصادر عن مركز فقه الأئمة الأطهار(عليهم السلام) في مدينة قم المقدّسة، متناولا للعديد من الموضوعات منها: التربية والتعليم، الرضاعة، الحضانة، الولاية على الطفل، سنن الولادة، حكم التبنّي وغيرها.

نسأل الله تعالى أن يساهم هذا العمل في رفد معاهدنا ومجتمعاتنا بما يساهم في الإجابة عن كثير من الأسئلة المرتبطة بهذا الميدان من ميادين الحياة، ويسهم كذلك في إبراز عظمة الشريعة الإسلامية المقدّسة، وليساهم بالنتيجة في تأصيل الهوية الإسلامية لمجتمعاتنا في طريق التمهيد لظهور قائم آل محمد عليه وعلى آبائه آلاف التحية والثناء.

 

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية

 

11

 


2

المقدمة

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يشرح اهتمام الإسلام بالتربية.

2. يتعرّف إلى بعض الآيات التي تناولت مفهوم التربية والتزكيّة.

3. يعدّد طوائف الروايات التي أشارت إلى أهميّة التربية.

 

12


3

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

تمهيد

المقصود من التربية في هذا الدرس هو التربية الإيمانيّة، والخُلُقيّة، والنفسيّة، والعقليّة، ولا شكّ في أنّ الإسلام قد بالغ واهتمّ في أمر التربية والتعليم بأشدّ الاهتمام، ويدلّ على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث المتظافرة.

أهمية التربية في القرآن الكريم

منها: قوله -تعالى-: ﴿لَقَد مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلمُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولٗا مِّن أَنفُسِهِم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ﴾[1].

وقد كرّر هذا المضمون في أربعة مواضع من كتاب اللَّه العزيز[2].

وجعل اللَّه -سبحانه وتعالى- الغاية القصوى والأهداف العُليا في بعث النبيّ (صلى الله عليه وآله)وإنزال الكتاب تزكية المؤمنين، وتعليمهم الكتاب والحكمة.

والتزكية من الزكاة، ومعناها النموّ والصلاح والتطهير من الأقذار والدنس، كما في المصباح المنير[3]، ومجمع البحرين[4]، ولسان العرب[5].

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 164.

[2] ما ذكرنا آنفاً؛ وأيضاً قوله -تعالى-: ﴿رَبَّنَا وَٱبعَث فِيهِم مِّنهُم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ﴾ سورة البقرة، الآية 129؛ وقوله -تعالى-: ﴿كَمَآ أَرسَلنَا فِيكُم رَسُولٗا مِّنكُم يَتلُواْ عَلَيكُم ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُم وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَم تَكُونُواْ تَعلَمُونَ﴾ سورة البقرة، الآية 151؛ وقوله -تعالى-: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنهُم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾. سورة الجمعة، الآية 2.

[3] المقريّ الفيّوميّ، أحمد بن محمّد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج1-2، ص254.

[4] الطريحيّ، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضويّ، لا.م، 1362ش، ط2، ج1، ص203.

[5] ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405هـ، لا.ط، ج14، ص358.

 

14


4

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

وفي المفردات: «تزكية النفس أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعاً»[1].

قال في تفسير الميزان: «التزكية إنماء الشيء وإعطاء الرشد له بلحوق الخيرات وظهور البركات، كالشجرة بقطع الزوائد من فروعها، فتزيد في حسن نموّها وجودة ثمرتها»[2].

وبالجملة: ما هو المقصود من التزكية يُقصد في التربية أيضاً، ويصحّ أن يقال: التزكية مرتبة أعلى من التربية والغاية القصوى منها؛ فإنّ من الأهداف العالية للمربّي، الذي اشتغل بالتربية الإيمانيّة والخُلقيّة، أن يُطهِّر المرَبَّى -مَن وقعت عليه التربية - من الأخلاق الذميمة الناشئة من شرَه البطن، والكلام الباطل، والغضب، والحسد، والبخل، وحبّ الجاه، وحبّ الدنيا، والكِبَر والعُجب.

وهذا المعنى هو المقصود من التزكية أيضاً.

ومنها: قوله -تعالى-: ﴿قَد أَفلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَد خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾[3].

صرّحت الآية بأنّ فلاح الإنسان في تزكية نفسه وتربيتها؛ بأن يبذر فيها بذر التقوى، ويطهّرها من الفجور، ويعوّدها على المكارم والأعمال الصالحة. ولا ريب في أنّ إقسام اللَّه لأمر يدلّ على عظمة ما أقسم لأجله، لا سيّما إذا كان الإقسام بالأمور الكثيرة، وفي المورد أقسم اللَّه بأحد عشر قسماً بأنّ المفلح من زكّى نفسه، وأنّ الخاسر مَن حُرِمَ من الكمال والسعادة؛ بأن أفسد نفسه بالمعصية وكسب الأخلاق الرذيلة.

ولم يرد في القرآن مورد حلف اللَّه فيه أحد عشر حلفاً إلّا في هذا المورد، وهذا يدلّ على اهتمام الشارع بتربية النفس وتزكيتها كمال الاهتمام.

ومنها: قوله -تعالى-: ﴿مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٖ فِي ٱلأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا﴾[4].

 


[1]  الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داووديّ، طليعة النور، لا.م، 1427هـ، ط2، ص381.

[2] الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، 1417هـ‏، ط5، ج9، ص377.

[3]  سورة الشمس، الآيتان 9 - 10.

[4] سورة المائدة، الآية 32.

 

15


5

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

وهذه الآية وإن كان مفهومها ظاهراً في قتل النفس وخطورته في الشريعة، لكن وردت روايات مستفيضة بتفسير المعصومين (عليهم السلام) قتل النفس بإضلال الفرد وإغوائه، وإحياء النفس بهدايتها، وإرشادها إلى الصلاح، منها:

ما رواه في الكافي عن سماعة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله -عزّ وجلّ: ﴿مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٖ فِي ٱلأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا﴾ قال: «مَن أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها، ومَن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها»[1].

والقرآن الكريم كثيراً ما عبّر عن الموت والحياة بالموت والحياة المعنويّين، وبعبارة أخرى: عبّر عن الكفر بالموت، وعن الإيمان بالحياة، كقوله -تعالى-: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيتٗا فَأَحيَينَٰهُ وَجَعَلنَا لَهُۥ نُورٗا يَمشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيسَ بِخَارِجٖ مِّنهَا﴾[2].

فالمستفاد من الآية، أنّ تربية الفرد على الصلاح والفلاح وتعويده على الأخلاق الفاضلة، لها من الأجر والثواب بمنزلة إحياء النّاس جميعاً.

أهميّة التربية في الروايات

النصوص الواردة كثيرة جدّاً، نذكر شطراً منها، ونخرجها في طوائف؛ فإنّ بعض النصوص وإن لم يكن معتبراً سنداً، لكنّ مجموعها مستفيض، ويكفي لإثبات المدّعى؛ وهي على أربعة طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات الواردة في حكمة بعثة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله):

كقوله (صلى الله عليه وآله): «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[3]. فقد حصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) الهدف من بعثته في تربية نفوس الناس، وتتميم مكارم الأخلاق بينهم.

 

 


[1]  الكلينيّ، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص210.

[2] سورة الأنعام، الآية 122.

[3] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقيّ، بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج16، ص21.

 

16


6

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

ويستفاد من الحديث، أنّ التربية وتعليم مكارم الأخلاق كانا من أهداف جميع الأنبياء، حيث قال (صلى الله عليه وآله): «لأتمّم مكارم الأخلاق»؛ إذ التتميم[1] يُستعمل في موردٍ لم يكمل فيه العمل، فيأتي شخص آخر فيتُمّه ويكُمله.

فالأنبياء (عليهم السلام) الذين بعثوا قبل نبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله) كانت أهدافهم تربية نفوس الناس وتعليمهم مكارم الأخلاق ومحاسنها، لكنّ اللَّه بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) لإتمام مكارم الأخلاق وإكمالها.

وبالجملة: يُستفاد من هذه النصوص أنّ الأنبياء (عليهم السلام) بُعثوا لتربية النفس وإصلاحها، وتهذيب الروح وتكمليها؛ لأنّ الإنسان إنسان بنفسه وروحه، وأمراض الروح أعقد من أمراض البدن، ومعالجتها أصعب. ومثله قوله (صلى الله عليه وآله): «عليكم بمكارم الأخلاق؛ فإنّ اللَّه بعثني بها»[2].

الطائفة الثانية: الروايات التي وردت في بيان أجر الهداية والتربية:

منها: ما ورد أنّه (صلى الله عليه وآله) قال لعليّ (عليه السلام): «لأنْ يهدي اللَّه بك رجلاً خيرٌ من أن يكون لك حُمُر النِّعَم»[3].

وفي رواية أخرى: «خيرٌ لك من الدُّنيا وما فيها»[4].

ومنها: ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً أنّه قال: «ما أهدى المرء المسلم على أخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده اللَّه بها هدى، ويردّه عن ردى»[5].

 

 


[1]  ويحتمل أن يكون هذا التعبير نظير ما ورد في القرآن الكريم ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ﴾ (سورة البقرة، الآية 196)، فكما أنّ معنى الإتمام في هذه الآية هو الإقامة والإيجاد والإحداث، فكذلك في هذا التعبير؛ بمعنى أنّ الأخلاق الكريمة والصفات الحسنة والتأدّب بآداب اللَّه لم تكن إلّا بالإسلام، أو بمعنى أنّ الأخلاق صارت معدومةً في الجاهليّة، فالبعثة لأجل تحقّق هذه المكارم الحسنة.

[2] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414هـ، ط1، ص478.

[3] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص184.

[4] الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين بن علي، منية المريد، تحقيق: رضا المختاري، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران، 1409ه - 1368ش، ط1، ص101.

[5] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص25.

 

17


7

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

الطائفة الثالثة: ما وردت في منزلة الفقيه الذي يربّي نفوس الناس:

منها: ما ورد في مستدرك الوسائل أنّ الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ (عليه السلام) قال: «قال عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام): يقال للعابد يوم القيامة: نِعم الرجل كنت، همّتك ذات نفسك، وكفيت الناس مؤونتك، فادخل الجنّة، ألا إنّ الفقيه من أفاض على الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفّر عليهم نعم جنان اللَّه، وحصّل لهم رضوان اللَّه -تعالى-. ويقال للفقيه: أيّها الكافل لأيتام آل محمّد، الهادي لضعفاء محبّيهم ومواليهم، قف حتّى تشفع لكلّ مَن أخذ عنك، أو تعلّم منك، فيقف فيدخل الجنّة معه فئامٌ[1] وفئامٌ وفئامٌ -حتّى قال عشراً-، وهم الذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمّن أخذ عنه، وعمّن أخذ عمّن أخذ عنه إلى يوم القيامة، فانظروا كم فرق ما بين المنزلتين»[2].

الطائفة الرابعة: ما وردت في أجر التعليم وحثّ الناس به:

منها: ما ورد عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: «فضل العالم على العابد كفَضلي على أدناكم...، إنّ اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتّى النملة في جُحرها وحتّى الحوت، ليصلّون على معلّم الناس الخير»[3].

ومنها: ما ورد بالإسناد الصحيح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) يقول: طلب العلم فريضةٌ على كلّ مسلم، فاطلبوا العلم في مظانّه، واقتبسوه من أهله؛ فإنّ تعلّمه للَّه حسنةٌ، وطلبه عبادةٌ، والمذاكرة فيه تسبيحٌ، والعمل به جهادٌ، وتعليمه مَن لا يعلمه صدقةٌ، وبذله لأهله قربة إلى اللَّه -تعالى-؛ لأنّه معالم الحلال والحرام»[4].

 

 


[1]  الفئام بالهمزة وكسر الفاء: الجماعة من الناس، وفسّر في خطبة أمير المؤمنين(عليه السلام) في يوم الغدير بمئة ألف؛ راجع: العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص6. وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام) فسّر النبي (صلى الله عليه وآله) الفئام الواحد ألف ألف من الناس، ص434.

[2]  الطبرسي، الشيخ الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج17، ص320.

[3] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج61، ص244.

[4] الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص488.

 

18


8

الدرس الأول: أهمّيّة التربية في الإسلام

المفاهيم الرئيسة

- الإسلام اهتمّ كثيراً في أمر التربية والتعليم بأشدّ الاهتمام، ويدلّ على ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة.

- جعل اللَّه -سبحانه وتعالى - الغاية القصوى والأهداف العُليا في بعث النبيّ (صلى الله عليه وآله)وإنزال الكتاب تزكية المؤمنين، وتعليمهم الكتاب والحكمة.

- لم يرد في القرآن مورد حلف اللَّه فيه أحد عشر حلفاً إلّا في سورة الشمس، وهذا يدلّ على اهتمام الشارع بتربية النفس وتزكيتها كمال الاهتمام.

- القرآن الكريم كثيراً ما عبّر عن الموت والحياة بالموت والحياة المعنويّين، وبعبارة أخرى: عبّر عن الكفر بالموت، وعن الإيمان بالحياة.

- قال رسول اللَّه(صلى الله عليه وآله): «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» فقد حصر النبيّ الهدف من بعثته في تربية نفوس الناس، وتتميم مكارم الأخلاق بينهم.

- الأنبياء (عليهم السلام) الذين بعثوا قبل نبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله) كانت أهدافهم تربية نفوس الناس وتعليمهم مكارم الأخلاق ومحاسنها، لكنّ اللَّه بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) لإتمام مكارم الأخلاق وإكمالها.

 

19


9

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى كون عمليّة التربية تبدأ في مرحلة الصِبا.

2. يعرف مسؤوليّة الوالدين في عمليّة التربية والتعليم.

3. يبيّن ثمرة تربية الأطفال وتعليمهم.

 

20


10

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى كون عمليّة التربية تبدأ في مرحلة الصِبا.

2. يعرف مسؤوليّة الوالدين في عمليّة التربية والتعليم.

3. يبيّن ثمرة تربية الأطفال وتعليمهم.

 

20


11

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

ضرورة كون التربية في مرحلة الصِبا

اهتمّ الإسلام بالطفولة اهتماماً واسعاً؛ ولذا لم يسعد الأطفال في العالم كما سعدوا في ظلّ الحضارة الإسلاميّة؛ فإنّ عناية الإسلام بالتنشئة في مراحلها الأولى تفوق كلّ عناية؛ باعتبارها حجر الزاوية في بناء المجتمع الإسلاميّ. وفي تاريخنا الإسلاميّ، ارتبطت وضعيّة الطفل المسلم بمدى التطبيق العمليّ لتعاليم الإسلام، فكلّما ساد العدل الاجتماعي، واطمأنّ المسلمون إلى أنفسهم، كان أطفالهم بمنجاة من عوامل الضياع وأسباب الفساد[1].

وبالجملة: مرحلة الصِبا هي مرحلة التعليم والتربية؛ إذ يرسخ في قلب الصبيّ كلّ ما يعلّمه إيّاه الوالدان أو المعلّم أوغيرهما. وقد حثّ أولياء الدين على تعليم الصغار وتربيتهم في هذه المرحلة. فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لابنه الحسن (عليه السلام): «وإنّما قلب الحَدَث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسُوَ قلبك ويشتغل لبّك»[2].

وعنه (عليه السلام): «العلم في الصِغَر كالنقش في الحجر»[3].

 

 


[1] الأسروشني، محمّد بن محمود، جامع أحكام الصغار، تحقيق: عبد الحميد عبد الخالق، الجامعة المستنصرية، بغداد - العراق، 1402هـ - 1982م، ط1، ج1، ص9.

[2] ابن شعبة الحراني، الحسن بن عليّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص70.

[3]  الكراجكي، كنز الفوائد، مطبعة غدير، الناشر: مكتبة المصطفوي، قم-إيران، 1369هـ.ش، ط2، ص147.

 

22


12

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

وعن نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «مَن تعلّم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر، ومن تعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء»[1].

وقال الإمام عليّ (عليه السلام): «تعلّموا العلم صغاراً تسُودوا به كباراً»[2].

وأيضاً عنه (عليه السلام) قال: «من لم يتعلّم في الصِغَر لم يتقدّم في الكبر»[3].

وفي الكافي، بإسناده عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول لأبي جعفر الأحول وأنا أسمع: أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ -أي في قبول أمر الولاية - قال: واللَّه إنّهم لقليل ولقد فعلوا، وإنّ ذلك لقليل، فقال(عليه السلام): «عليك بالأحداث؛ فإنّهم أسرع إلى كلّ خير»[4].

وعنه(عليه السلام): «الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين»[5].

فعلى الوالدين أن يجتهدوا كمال الاجتهاد في تربية أولادهم وتعليمهم في هذه المرحلة، وأن يستفيدوا من الفرصة التي وجدت في الأطفال، وأن يغتنموها؛ لأنّها إن فاتت لم تحصل في المراحل الأخرى قط.

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «الفرصة تمرّ مرّ السحاب، فانتهزوا فرص الخير»[6].

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص77.

[2] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة اللَّه‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر: مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي‏، إيران - قم، 1404هـ، ودار إحياء الكتب العربية-عيسى البابي الحلبيّ وشركاه، 1378هـ - 1959م، ط1، ج20، ص267.

[3]  الليثي الواسطيّ، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418هـ، ط1، ص463.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص93.

[5]  المصدر نفسه، ج6، ص47.

[6]  الرضي، السيّد أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، شرح: الشيخ محمّد عبده، دار الذخائر، إيران - قم، 1412هـ – 1370ش، ط1، ج4، ص6.

 

23


13

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

عِظَم مسؤوليّة الوالدين في عمليّة التربية والتعليم

إنّ الأولاد في الواقع أمانة من اللَّه عند الآباء والأمهات، فينبغي مراقبتهم كمال المراقبة، والمحافظة عليهم، وتعليمهم أحكام الإسلام، وتربيتهم بالمكارم والمحاسن، لينالوا السعادة، ويفوزوا في الدُّنيا والآخرة، وكذلك ينبغي لهما حفظهم ممّا يؤدّي إلى الانحراف والضلال؛ فإنّ مسؤوليّتهم في قبال تربية الأولاد عظيمة جدّاً.

ويدلّ على هذا النصوص الكثيرة، نذكر بعضها في ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات الدالّة على أنّ كلّ مولود يولد على فطرة الحقّ، ولكنّ الوالدَين قد يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه:

منها: ما رواه في الفقيه، بإسناده عن فضل بن عثمان الأعور، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنّه قال: «ما من مولود يولد إلّا على الفطرة[1]، فأبواه اللّذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه»[2].

يستفاد من هذا النصّ ونظائره أنّ الوالدَين قادران على أن يحوّلا فطرة الولد التي خلقها اللَّه -تعالى - على التوحيد والمعرفة، فإن بادروا بالتعليم والتربية الصحيحن

 

 

 

[1] المراد بالفطرة هو التوحيد أو معرفة اللَّه -عزّ وجلّ-، والمعنى أنّ اللَّه خلق قلوب بني آدم لقبول الحقّ، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيّات والمسموعات. قال اللَّه -تعالى-: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ﴾ سورة الروم، الآية 30. وفي مجمع البيان، ج8، ص59 ﴿فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا﴾ فطرة اللَّه الملّة، وهي الدين والإسلام، والتوحيد التي خلق النّاس عليها ولها وبها؛ أي لأجلها والتمسّك بها. (الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ - 1995م، ط1).

وفي النهاية لابن الأثير: «كلّ مولود يولد على الفطرة»، الفَطر الابتداء والاختراع، والفطرة الحالة منه، كالجلسة والركبة، والمعنى: أنّه يولد على نوع من الجبلّة والطبع المتهيّئ لقبول الدِّين، فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنّما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، ثمّ تمثّل بأولاد اليهود والنصارى في اتّباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم من مقتضى الفطرة السليمة، وقيل: معناه كلّ مولود يولد على معرفة اللَّه والإقرار به، فلا تجد أحداً إلّا وهو يقرّ بأنّ له صانعاً. (ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1364ش، ط4، ج3، ص457).

وقد وردت روايات في تفسير الفطرة بالتوحيد: منها: ما رواه الكليني في الصحيح عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن قول اللَّه -عزّ وجلّ-: ﴿فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا﴾ قال: «فطرهم جميعاً على التوحيد»، راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص12.

[2]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج2، ص49.

 

24


14

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

من أوّل سنيّ الولد يصير سعيداً، وإن بادروا بالتعليم والتربية الفاسدة يصير الولد شقيّاً.

الطائفة الثانية: الروايات التي تحثّ الوالدَين على تربية أولادهما:

منها: ما رواه الكلينيّ عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال؛ فإنّ المال يذهب والأدب يبقى»[1].

ومنها: ما رواه في المستدرك أيضاً عن دعائم الإسلام، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنّه قال: «لا يزال المؤمن يورّث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتّى يُدخلهم الجنّة جميعاً، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً، ولا يزال العبد العاصي يورّث أهل بيته الأدب السيِّئ حتّى يُدخلهم النار جميعاً، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً»[2].

ودلالتها على المدّعى ظاهرة؛ فإنّها تدلّ على عناية خاصّة بتربية الولد وتعويده على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة.

الطائفة الثالثة: ما ورد في أنّ الرجل كالراعي على أهل بيته ومسؤول عنهم:

منها: ما رُوي أنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: «ألا كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته، فالأمير على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيّته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، فالمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم...، ألا فكلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته»[3].

فكما أنّ راعي الماشية يرعاها؛ أي يحوطها ويحفظها، فعلى الرجل أن يحوط أهل بيته وأطفاله ويحفظهم.

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص150.

[2] الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج12، ص201.

[3] ابن ورّام، ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1368ش، ط2، ج1، ص14.

 

25


15

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

ومنها: عن الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) في حقّ الولد رسالة الحقوق: «وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب والدلالة على ربّه -عزّ وجلّ-»[1].

ثمرة تربية الأطفال وتعليمهم

من الفوائد المهمّة والثمرات العظيمة لتربية الأطفال -مضافاً إلى صلاح أنفسهم، وتقوية إيمانهم التي توجب أن يسلكوا الصراط المستقيم، وأن لا يعصوا اللَّه، ويفلحوا في الدنيا والآخرة - انتفاع آبائهم وأمّهاتهم من صالح أعمالهم في حياتهم وبعد وفاتهم؛ إذ إنّ كلّ عمل صالح يفعله الأولاد؛ فإنّ اللَّه بفضله وكرمه يعطي الثواب لآبائهم وأمهاتهم الذين ربّوهم على فعلها بمثل ما يعطي للأولاد أنفسهم؛ فتربية الأولاد بمنزلة بذر الأعمال الصالحة في قلوبهم.

ومعلومٌ أنّ البذر يُنتج للزارع -أي الأب والأم - قبل أن يُنتج لغيره؛ وهذا المعنى يساعد عليه العقل، وغير خفيّ على ذي فكر وبصيرة، وصرّح به القرآن العظيم، حيث وصف المؤمنين القانتين بأنّهم عباد الرحمن، يبتهلون إلى اللَّه -عزّ وجلّ-، قائلين: ﴿رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٖ وَٱجعَلنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[2]، فيطلبون الذرّية الطيّبة لتكون قرّة عين لهم، وتنفعهم في الحياة وبعد الممات.

وكذا ورد عن الأئـمّة المعصومين (عليهم السلام) -في تأكيد هذا المعنى وفضل الولد الصالح - روايات كثيرة كادت أن تكون متواترة في معناها، نذكر نماذج:

منها: ما رواه في الكافي عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «مرّ عيسى ابن مريم (عليه السلام) بقبر يُعذَّب صاحبه، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو لا يُعذَّب، فقال: يا ربّ! مررتُ بهذا القبر عام أوّل فكان يُعذّب، ومررت به العام فإذا هو ليس يُعذَّب؟ فأوحى اللَّه إليه أنّه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما فعل ابنُه»، ثمّ قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «ميراث اللَّه -عزّ وجلّ - من عبده

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص622.

[2] سورة الفرقان، الآية 74.

 

26


16

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

المؤمن ولد يعبده من بعده»، ثمّ تلا أبو عبد اللَّه (عليه السلام) آية زكريا (عليه السلام): ﴿فَهَب لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا ٥ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن ءَالِ يَعقُوبَ وَٱجعَلهُ رَبِّ رَضِيّٗا﴾[1]»[2].

ومنها: ما رواه معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: «... والولد الصالح يدعو لوالدَيه بعد موتهما، ويحجّ ويتصدّق عنهما، ويعتق ويصوم ويصلّي عنهما»، فقلت: أشرِكْهما في حجّي؟ قال: «نعم»[3].

ومنها: ما رواه في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر، إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سَنَّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»[4]، وغيرها[5].

 


[1] سورة مريم، الآيتان 5 - 6.

[2]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ص3 - 4.

[3] المصدر نفسه، ج7، ص57.

[4]  المصدر نفسه، ج7، ص56.

[5]  المصدر نفسه.

 

27


17

الدرس الثاني: التربية في مرحلة الصِبا وثمرتها

المفاهيم الرئيسة

- مرحلة الصِبا هي مرحلة التعليم والتربية؛ إذ يرسخ في قلب الصبيّ كلّ ما يعلّمه إيّاه الوالدان أو المعلّم أو غيرهما.

- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لابنه الحسن (عليه السلام): «وإنّما قلب الحَدَث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسُوَ قلبك ويشتغل لبّك».

- على الوالدين أن يجتهدوا كمال الاجتهاد في تربية أولادهم وتعليمهم في هذه المرحلة، وأن يستفيدوا من الفرصة التي وجدت في الأطفال، وأن يغتنموها؛ لأنّها إن فاتت لم تحصل في المراحل الأخرى قط.

- إن بادرا الوالدان بالتعليم والتربية الصحيحة من أوّل سنيّ الولد يصير سعيداً، وإن بادرا بالتعليم والتربية الفاسدة يصير الولد شقيّاً.

- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال؛ فإنّ المال يذهب والأدب يبقى».

- من الفوائد المهمّة والثمرات العظيمة لتربية الأطفال -مضافاً إلى صلاح أنفسهم، وتقوية إيمانهم التي توجب أن يسلكوا الصراط المستقيم، وأن لا يعصوا اللَّه، ويفلحوا في الدنيا والآخرة - انتفاع آبائهم وأمّهاتهم من صالح أعمالهم في حياتهم وبعد وفاتهم.

- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر، إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سَنَّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له».

 

27


18

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى بعض الآيات والروايات التي تدلّ على وجوب عمليّة التربية والتعليم على الوالدَين.

2. يلخّص الأدلة على وجوب عمليّة التربية والتعليم على الوالدَين.

3. يبيّن الوجوب الكفائي لعمليّة التربية والتعليم على الوالدَين.

 

30


19

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

الآيات الدالة على وجوب عمليّة التربية والتعليم على الوالدَين

منها: قوله -تعالى-: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ﴾[1].

يقال: وقيت الشيء أقيه وقاية أي منعته وحفظته، كما في النهاية[2]، والمصباح المنير[3]. وفي مجمع البحرين: «وقيته: منعته... والتوقّي التجنّب»[4].

والأهل أهل البيت، والأصل فيه القرابة[5]، ففي لسان العرب: «أهل الرجل: أخصّ الناس به»[6]، فيدخل فيه الأولاد.

يستفاد من الآية -بضميمة الإيعاد بالعذاب الشديد فيها: ﴿وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ﴾[7]- أنّه يجب على المؤمنين أن يقوا «أي يمنعوا» أولادهم ويحفظوهم عن ارتكاب كلّ ما أوعد اللَّه عليه النار، وكذا يجب عليهم أن يأمروهم بفعل الطاعات التي أوعد اللَّه -تعالى - على تركها العذاب، كما يجب عليهم أن يقوا أنفسهم كذلك، وهذا لا يمكن إلّا بتربية الأطفال على نحو يحصل لهم الاعتقاد الصحيح والأخلاق الصحيحة، وتعليمهم ما

 

 


[1] سورة التحريم، الآية 6.

[2]  ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج5، ص217.

[3] المقري الفيومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج2، ص669.

[4] الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص451 - 452.

[5]  المقري الفيومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج1، ص28.

[6] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج11، ص29.

[7]  قال الشيخ في التبيان، ج10، ص50: ﴿وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ﴾. قيل: حطب تلك النار الناس والحجارة كوقود الكبريت، وهو أشدّ ما يكون من العذاب.

 

32


20

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

يجب عليهم لدى التكليف، وما هو ضروريّ من الدين. وقد صرّح المفسِّرون والفقهاء بهذا المضمون في ذيل الآية المتقدّمة إجمالاً.

قال في مجمع البيان: «والمعنى قوا أنفسكم وأهليكم النار؛ بالصبر على طاعة اللَّه وعن معصيته، وعن اتّباع الشهوات، وقوا أهليكم النار بدعائهم إلى الطاعة، وتعليمهم الفرائض، ونهيهم عن القبائح، وحثّهم على أفعال الخير. وقال مقاتل: هو أن يؤدِّب الرجل المسلم نفسه وأهله، ويعلّمهم الخير، وينهاهم عن الشرّ، فذلك حقّ على المسلم أن يفعل بنفسه وأهله... في تأديبهم وتعليمهم»[1].

ومثل ذلك قال المحقّق الأردبيليّ، وأضاف: «إنّ هذا بالطريق المذكور في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فدلّت على وجوب أمر الأهل ونهيه لسائر العبادات وعن المعاصي، كما يدلّ عليه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً، فكأنّ بالنسبة إلى الأهل زيادة اعتناء، فدلّت على وجوب تعليمهم الواجب والمحرّم، وأمرهم بالفعل ونهيهم عن الترك»[2].

والحاصل: يستفاد من الإطلاق في معنى الوقاية والأهل والإيعاد بالعذاب مع ضميمة الروايات الواردة في ذيلها، أنّه يجب على الأولياء أن يمنعوا أولادهم -المميِّزين الذين تمكّنوا من تعقّل الأمور وفهم المطالب ولم يبلغوا، وكذا البالغين - عمّا أوعد اللَّه -تعالى - عليها النار؛ سواء كان أمراً اعتقاديّاً، مثل الشرك، فيجب عليهم أن يمنعوهم من الشرك؛ أو أفعالاً جوارحيّة، كفعل الطاعات والاجتناب عن المعاصي. ولا ريب في أنّ هذا الأمر لا يتحقّق إلّا بأن يربّي الوليّ ولده في مرحلة الطفولة والتمييز بالمعنى المقصود في المقام؛ أي يربّيه التربية الإيمانيّة والأخلاقيّة والعقليّة.

 


[1] الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج10، ص62.

[2] المحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد، زبدة البيان في أحكام القرآن، تحقيق وتعليق: محمد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، ايران - طهران، لا.ت، لا.ط، ص571 - 572.

 

33


21

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

الروايات الدالة على وجوب عمليّة التربية والتعليم على الوالدَين

الطائفة الأولى: ما دلّ على لزوم تربية الأولاد والولاية فيها على نحو الإطلاق:

منها: ما رواه في الفقيه قال: قال الإمام الصادق (عليه السلام): «دعِ ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدَّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبعاً، فإن أفلح وإلّا فلا خير فيه»[1].

الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ تربية الأولاد حقٌّ لهم:

منها: ما رواه في الكافي بسند معتبر عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، ما حقّ ابني هذا؟ قال: تُحسن اسمه وأدبه، وتضعه موضعاً حسناً»[2].

ومنها: ما جاء في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إنّ للولد على الوالد حقّاً، وإنّ للوالد على الولد حقّاً، فحقّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلّ شيء إلّا في معصية اللَّه -سبحانه-، وحقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه، ويحسّن أدبه، ويعلّمه القرآن»[3].

الطائفة الثالثة: ما ورد في بيان المقصود من الآية الكريمة: ﴿قُوٓاْ أَنفُسَكُم﴾[4]:

منها: موثّقة أبي بصير في قول اللَّه -عزّ وجلّ-: ﴿قُوٓاْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارٗا﴾ قلت: كيف أقيهم؟ قال: «تأمرهم بما أمر اللَّه، وتنهاهم عمّا نهاهم اللّه، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك»[5].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص492.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص48.

[3]  الشريف الرضي، السيد محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص546.

[4] سورة التحريم، الآية 6.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص62.

 

34


22

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى الآية، قال: «علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم»[1].

الطائفة الرابعة: ما دلّ على عقوق الوالدين لأولادهم:

وردت نصوص تدلّ على أنّ الوالدَين، لأجل عدم قيامهم بالوظائف التي عيّنها الشارع بالنسبة إلى الأولاد، وترك تربيتهم، ربّما يصيران عاقّين[2] للأولاد، وهو من الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار.

منها: صحيحة يونس بن رباط، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «رحم اللَّه من أعان ولده على برّه، قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به، فليس بينه وبين أن يصير في حدّ من حدود الكفر إلّا أن يدخل في عقوق أو قطيعة رحم، ثمّ قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): الجنّة طيّبة طيّبها اللَّه وطيّب ريحها، يوجد ريحها من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريح الجنّة عاقّ، ولا قاطع رحم، ولا مرخي الإزار خيلاء»[3].

 

 


[1]  الحاكم النيسابوري، محمد بن عبداللَّه، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص494.

[2] العاقّ أصله من العقّ، بمعنى الشقّ والقطع، (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج3، ص267). والمقصود منه في الأحاديث قطع الرحم من جانب الأولاد؛ بأن يعصوا والديهم، وكذلك من جانب الوالدين؛ بأن لا يعملا بمسؤوليّتهما الشرعيّة في قبال أولادهم. وقد تكرّر ذكره في الأحاديث، وعدّ من الكبائر وأوعد عليه النار، فقد ذكر الصدوق في الفقيه بإسناده عن محمّد بن سنان، عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه من جواب مسائله: «وحرّم اللَّه عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوقير لله -عزّ وجلّ-، والتوقير للوالدين، وتجنّب كفر النعمة، وإبطال الشكر، وما يدعو من ذلك إلى قلّة النسل وانقطاعه؛ لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين، والعرفان بحقّهما، وقطع الأرحام، والزهد من الوالدين في الولد، وترك التربية لعلّة ترك الولد برّهما» (الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص565).

وذكر في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)في كلام له: «إيّاكم وعقوق الوالدَين؛ فإنّ ريح الجنّة يوجد من مسيرة ألف عام، ولا يجدها عاقّ، ولا قاطع، ولا شيخ زانٍ، ولا جار إزاره خيلاء، إنّما الكبرياء للَّه ربّ العالمين» (الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص349).

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص50، ح6؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1364ش، ط3، ج8، ص113.

 

35


23

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

الطائفة الخامسة: ما دلّ على ذمّ بعض الآباء:

ورد في بعض الأخبار أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذمّ بعض الآباء الذين لم يعملوا بوظائفهم في تعليم أولادهم وتربيتهم، كما رواه في مستدرك الوسائل، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه نظر إلى بعض الأطفال فقال: «ويلٌ لأطفال آخر الزمان من آبائهم، فقيل: يا رسول اللَّه: مِن آبائهم المشركين؟ فقال: لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعَرَضٍ يسير من الدّنيا، فأنا منهم بريء، وهم منّي بُراء»[1].

ودلالتها على وجوب القيام بتربية الأولاد وحرمة تركها صريحة؛ وذلك لأنّ ترك التربيّة توجب براءة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، التي هي عذاب أليم وشقاء دائم.

سيرة المتشرّعة المستمرّة

السيرة المستمرّة من المتشرّعة قائمة على أنّ لأولياء الأولاد يُلزِمُون أنفسهم بالقيام بتربية أولادهم تربية صحيحة، وصونهم عمّا يوجب فساد أخلاقهم ويضرّ بعقائدهم. وهذه السيرة لم يثبت ردعها من الشرع، بل ثبت إمضاؤها بمقتضى النصوص المتقدّمة.

قال الفقيه السبزواريّ في المهذّب: «ويلزم عليه -إلى الوليّ - أن يصونه عمّا يُفسد أخلاقه فضلاً عمّا يضرّ بعقائده؛ لأنّ ذلك من أهمّ جهات ولايته عليه، بل لم يشرع الولاية إلّا لذلك، فيلزم القيام بها، وتقتضيه سيرة المتشرّعة خلَفاً عن سلَف»[2].

حكم العقل

إنّ قلب الأبوَين مفطور على محبّة الولد، ومفعمٌ بالمشاعر النفسيّة والعواطف القلبيّة لحمايته، والرحمة به، والشفقة عليه، والاهتمام بأمره؛ لأنّه لولا ذلك لانقرض النوع الإنسانيّ، ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما. والعقل السليم يحكم بأن تجعل

 

 


[1]  الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص164.

[2] السبزواريّ، السيّد عبد الأعلى، مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، مكتب آية اللَّه العظمى السيد السبزواريّ، 1413هـ، ط4، ج21، ص130.

 

36


24

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

هذه الأمور في مسير صحيح، والمسير الصحيح لا يكون إلّا بتربية الطفل بكلّ ما يؤدّي إلى سعادته ومنعه عن الرذائل.

الأولويّة القطعيّة

وتقريرها أن يقال: إنّ وجوب حضانة الأطفال وكذا نفقتهم، يقتضي وجوب تربيتهم في الجملة بطريق أولى؛ لأنّ وجوب الحضانة وكذا النفقة، جُعِلَ لرفع ما يحتاج إليه الأطفال في أمورهم الجسمانيّة، وأمّا تربية الأطفال وقيام الوالدَين بوظائفهما المقرّرة من الشرع والعقل، فتوجب نيلهم فضائل الأخلاق وحياتهم الخالدة، كما أنّ عدم تربيتهم سيوقعهم في الهلكة الدائمة، ولا شكّ في أنّ عدم إيقاعهم في التهلكة أولى بأن يكون واجباً من الحضانة والنفقة، والشاهد على هذا تصريح الفقهاء بأنّ حضانة الأم مشروطة بأن تكون مسلمة، فالكافرة لا حضانة لها على الولد المسلم[1].

وعلّل هذا الشرط بعضهم بأنّها «تفتنه عن دينه»[2]، وبعض آخر بأنّ «الولد ربّما ضلّ بصحبتها، وتأدّب بآدابها»[3].

وجوب التعليم والتربية هل هو عينيّ أو كفائيّ؟

ظهر ممّا تقدّم، أنّ وجوب التعليم والتربية -في الجملة - ثابت ومتّفق عليه عند الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين، ولعلّ عدم ذكره في كلمات بعضهم بخصوصه لبداهته؛ ولأنّه متسالم عندهم.

ويظهر من الأدلّة أيضاً أنّ وجوبه كفائيّ؛ بمعنى أنّ الشارع لا يرضى أن يترك الطفل في الأوقات التي يكون مستعدّاً فيها لقبول التربية الصحيحة، ولها تأثير في بناء شخصيّته

 

 


[1]  الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، المبسوط، تصحيح وتعليق: السيّد محمّد تقيّ الكشفي، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، لا.م، 1387هـ، لا.ط، ج6، ص40؛ المحقّق الحلّيّ، الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن الهذلي، شرائع الإسلام، مع تعليقات السيّد صادق الشيرازي، انتشارات استقلال، ايران-طهران، 1409هـ، ط2، ج2، ص567.

[2]  الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، مسالك الأفهام، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران-قم، 1413هـ، ط1، ج8، ص422.

[3]  الفاضل الهندي، الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهانيّ، كشف اللثام ط.ج، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1416هـ، ط1، ج7، ص551.

 

37


25

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

في الآجل والعاجل؛ لأنّ تركها يوجب ضرراً عليه، وسبباً لفساد عقيدته وعمله، وانحرافه عن الصراط المستقيم قطعاً، وهو مبغوض للشارع بالضرورة.

قال في الرياض -بعد نقل وجوب الحضانة عن بعض الأصحاب-: «وهو حسن، حيث يستلزم تركها تضييع الولد، إلّا أنّ حضانته حينئذ تجب كفايةً كغيره من المضطرّين»[1].

وبالجملة: فإذا كان الأبوان موجودَين، وكانا واجدَين لشرائطها، فالوجوب في حقّهما فعليٌّ وإنْ كانت الأم أحقّ بها، فإذا اختارتها سقطت عن الأب؛ لقوله (عليه السلام) في صحيحة أيّوب بن نوح: «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين»[2]. وغيرها[3]، بناءً على أنّ الحضانة تشمل التربية في معنى المقصود في المقام.

فعلى هذا، إذا فطم الولد، أو بلغ سبع سنين إن كان أنثى، أو امتنعت الأم من الحضانة، أو فقدت شرائطها فيختصّ الوجوب بالأب؛ لأنّ الولد منتسب إليه وهو أصله، كما قال (عليه السلام): «وأمّا حقّ أبيك، فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يُعجبك، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه»[4].

وفي بعض الموارد، اختصّ الوجوب بالأمّ، كما لو مات الأب أو ارتدّ أو لم يقدر عليها، ففي هذه الأحوال، وجب على الأم حضانة الطفل وكفالته وتربيته عيناً، ولو امتنعت فعلى الحاكم إجبارها؛ حفظاً لرعاية مصالح الطفل، ودفعاً لتضييع حقوقه، كما أنّه كان للحاكم أيضاً إجبار الأب بحضانة ولده إذا لم تحضنه الأم لمانع.

ونقول: إنّ ترك التربية ضرر على الطفل، وهو منهيّ بحكم الآيات، والروايات، والسيرة، والإجماع، والعقل؛ ولذا لا يكون قابلاً للإسقاط من جانب الأبوَين، بل لو امتنعا يُجبِرُهما الحاكم الشرعي، كما أنّه يجبرهما إن امتنعا عن الحضانة، أو امتنع الأب عن النفقة.

 

 


[1]  الطباطبائي، السيد محمد بن علي، المناهل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج10، ص529.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج5، ص435.

[3]  الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص164.

[4]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص622؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص263.

 

38


26

الدرس الثالث: وجوب التربية والتعليم على الوالدين

المفاهيم الرئيسة

- يستفاد من قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ﴾ أنّه يجب على المؤمنين أن يقوا «أي يمنعوا» أنفسهم كذلك أولادهم عن ارتكاب كلّ ما أوعد اللَّه عليه النار.

- يستفاد من الآية مع ضميمة الروايات الواردة في ذيلها، أنّه يجب على الأولياء أن يمنعوا أولادهم -المميِّزين الذين تمكّنوا من تعقّل الأمور وفهم المطالب ولم يبلغوا، وكذا البالغين - عمّا أوعد اللَّه -تعالى - عليها النار؛ سواء كان أمراً اعتقاديّاً، مثل الشرك، فيجب عليهم أن يمنعوهم من الشرك؛ أو أفعالاً جوارحيّة، كفعل الطاعات والاجتناب عن المعاصي.

- لا ريب في أنّ هذا الأمر لا يتحقّق إلّا بأن يربّي الوليّ ولده في مرحلة الطفولة والتمييز التربية الإيمانيّة والأخلاقيّة والعقليّة.

- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ للولد على الوالد حقّاً، وإنّ للوالد على الولد حقّاً، فحقّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلّ شيء إلّا في معصية اللَّه -سبحانه-، وحقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه، ويحسّن أدبه، ويعلّمه القرآن».

- عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)أنّه نظر إلى بعض الأطفال فقال: «ويلٌ لأطفال آخر الزمان من آبائهم، فقيل: يا رسول اللَّه: مِن آبائهم المشركين؟ فقال: لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعَرَضٍ يسير من الدّنيا، فأنا منهم بريء، وهم منّي بُراء».

- إنّ وجوب حضانة الأطفال ونفقتهم، يقتضي وجوب تربيتهم في الجملة بطريق أولى.

 

39

 


27

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى كيفيّة انتقال عمليّة التربية والتعليم بعد فقدان الأبوين.

2. يشرح أدلّة ولاية الحاكم على تربية الأيتام وتعليمهم.

3. يبيّن أدلة انتقال تربية الأيتام إلى عدول المؤمنين عند فقدان الحاكم الشرعي.

 

40


28

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

عمليّة التربية والتعليم مشتركة ما بين الأب والأم

إنّ عمليّة التربية والتعليم تقع على نحو الاشتراك ما بين الأب والأمّ، بل يستفاد من سياق الأخبار أنّ كلّ واحد منهما مأمور بأداء التكليف الذي تبيّنه هذه النصوص؛ والسرّ في ذلك أنّ الأحكام التي ارتبطت بالأطفال -كوجوب النفقة والولاية على التربية والتعليم والنكاح وغيرها - شرّعت لمصلحة الطفل، ورفع ما يحتاج إليه في حياته الجسمانيّة أو المعنويّة، فبعضها دلّ الدليل على اختصاصها بالأب فقط، كالولاية على النكاح والمال، وبعضها الآخر تختصّ بالأم، كالرضاع إذا كانت متبرّعة، أو رضيت بما يأخذ غيرها من الأجرة، والباقي مشترك بينهما، كالولاية على الحضانة، والتربية والتعليم؛ لأنّه لو كانت مختصّة بالأب لبيّنتها النصوص، فعدم بيانها دليل على اشتراك الحكم بينهما.

وببيان آخر: عدم السؤال عنه في الروايات يكشف عن كونه مفروغاً منه عند أصحاب الأئمّة(عليهم السلام)، وإلّا لسألوا الأئمّة(عليهم السلام) عنه كما هو دأبهم في سائر الأبواب، فوقوع السؤال عنهم في باب النفقة والنكاح وعدمه في المقام دليل على أنّ الولاية على التعليم والتربية مشترك بينهما ولا يختصّ بالأب.

وهكذا السيرة المستمرّة خلَفَاً عن سلَفَ قائمة على أنّ الأبوين كليهما يقومان بتربية أولادهما، ولم يثبت ردعه من الشارع، ولم يسمع من المتشرّعين أن يقولوا باختصاص هذا الحكم بالأب.

 

42


29

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

عند فقد الأب والأمّ يختصّ الوجوب بالأرحام بحسب مراتب الإرث

إذا فُقِد الأبوان يختصّ الوجوب بغيرهما، كالجدّ والجدّة للأب أو الأمّ والعمّ والخال والعمّة والخالة على ترتيب طبقات الإرث، فيجب عليهم القيام بتربية الطفل على ما هو وظيفة الأبوَين في حال حياتهما.

قال العلّامة في القواعد في خصوص الحضانة: «ولو فُقِد الأبوان فالجدّ للأب أولى، فإنْ فُقِد فالأقارب على مراتب الإرث، والأخت من الأبوَين أو من الأب أولى من الأخت من الأم، إمّا لزيادة القرب أو لكثرة النصيب، وكذا أمّ الأب أولى من أمّ الأمّ، والجدّة أولى من الأخوات؛ لأنّها أمّ وتتساوى العمّة والخالة على إشكال، ولو تعدّد المتساوون أُقرِع»[1].

وقريب من هذا في المبسوط[2]، والخلاف[3]، والمختلف[4]، والمهذّب[5]، والوسيلة[6] وغيرها[7].

وهكذا، يظهر من الأدلّة أنّ الولاية على التربية والتعليم حكم؛ بمعنى أنّه يجب على الآباء والأمّهات تربية أولادهم بالتفصيل المتقدّم.

 


[1]  العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، قواعد الأحكام، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1413هـ، ط1، ج3، ص102.

[2] الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج6، ص42 - 43.

[3]  الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الخلاف، تحقيق: جماعة من المحققين، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1407هـ، لا.ط، ج5، ص134 - 135.

[4]  العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، مختلف الشيعة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1413هـ، ط2، ج7، ص310.

[5] القاضي ابن البراج، عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، المهذّب، إعداد: مؤسّسة سيد الشهداء العلمية، إشراف: جعفر السبحاني، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران-قم، 1406هـ، لا.ط، ج2، ص353.

[6]  ابن حمزة الطوسي، محمد بن علي، الوسيلة، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، 1408هـ، ط1، ص288.

[7] المفيد، الشيخ محمد بن محمد، المقنعة، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران-قم، 1410هـ، ط2، ص531؛ الحلي، يحيى بن سعيد، الجامع للشرايع، تحقيق وتخريج٬ جمع من الفضلاء، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة سيد الشهداء العلمية، 1405ه، لا.ط، ص460؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص554.

 

43


30

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

عند فقد الأب والأمّ وسائر الأرحام تقع عمليّة التربية والتعليم على عاتق الحاكم الشرعيّ

لا شكّ في أنّ للحاكم -وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى- بعد فَقْدِ الأبوين وسائر الأرحام على مراتبهم في الإرث ولايةً على تربية الأيتام وتعليمهم، ويجب عليه القيام بذلك على النحو الذي أثبتنا وجوبها على الأبوَين وسائر الأرحام مع وجودهم.

ويمكن أن يُدّعى أنّه لا خلاف فيه، بل إنّ الفقهاء متّفقون على هذا، ولعلّ عدم ذكره في كلماتهم بخصوصه لبداهته، أو أنّه متسالم عندهم.

توضيح ذلك: أنّهم صرّحوا بأنّ الحاكم وليّ مَن لا وليّ له، ويذكرون لهذا الحكم مصاديق كثيرة، ويطبّقونه في الموارد المختلفة.

وكذا ذكروا أنّ كلّ فعل متعلّق بأُمور العباد في دينهم أو دنياهم، ولا بدّ من الإتيان به، نصّب الشارع عليه والياً وقيّماً، ولا شكّ في أنّ تربية الأيتام يكون كذلك، وحيث إنّ المفروض عدم وجود وليّ لهم، فالقدر المتيقّن أن يكون الحاكم متولّياً عليها، وكذلك ذكروا في باب الوصيّة أنّه لو مات شخص ولم يوصِ إلى أحد؛ فإنّ النظر في تركته للحاكم الشرعي، وهو الذي يعيّن القيّم حتّى يحفظ أموال الأطفال، ويفعل ما كان مصلحة لهم من البيع والشراء والإنفاق عليهم وغيرها.

وفي المقام شطرٌ من كلماتهم التي يمكن أن يُستفاد من إطلاقها أو عمومها إثبات ولاية الحاكم على تربية الأيتام.

قال الشيخ الطوسي: «مَن يلي أمر الصغير والمجنون خمسة: الأب والجدّ، ووصيّ الأب والجدّ، والإمام أو من يأمره الإمام»[1].

وفي المسالك قال الشهيد الثاني: «إنّ الأمور المفتقرة إلى الولاية إمّا أن تكون أطفالاً أو وصايا وحقوقاً وديوناً، فإن كان الأوّل فالولاية فيهم لأبيه... فإنْ عُدِم الجميع فالحاكم...

 

 


[1]  الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج2، ص200.

 

44


31

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

والمراد به السلطان العادل أو نائبه الخاصّ»[1].

وصرَّح في الجواهر بأنّه: «لا يمكن استقصاء أفراد ولاية الحاكم وأمينه؛ لأنّ التحقيق عمومها في كلّ ما احتيج فيه إلى ولاية في مال أو غيره»[2].

وقال الإمام الخميني(قدس سره): «ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومين (عليهم السلام) في جميع ما ثبت لهم الولاية فيه، من جهة كونهم سلطاناً على الأمة، ولا بدّ في الإخراج عن هذه الكلّية في مورد من دلالة دليل على اختصاصه بالإمام المعصوم (عليه السلام)»[3].

وبالجملة: مَن تتبّع كلمات الفقهاء في أبواب مختلفة، جزم بأنّهم متّفقون على ثبوت ولاية الفقيه الجامع للشرائط في الجملة، وإن اختلفوا في توسعتها وتضيّقها.

ومن الموارد المتيقّنة عندهم ولايته على القصّر والغيّب، والمراد منه ولايته على الأيتام عند فقد الأب والجدّ، ومن جملتها الولاية على تربيتهم وتعليمهم فيما كان مصلحة لهم وتركها يوجب ضرراً عليهم.

أدلّة ولاية الحاكم على تربية الأيتام وتعليمهم

يمكن أن يُستدلّ لإثبات هذا الحكم بأمور، منها:

الأوّل: ولايته العامّة:

إنّ الحاكم -وهو المجتهد الجامع للشرائط - له ولاية عامّة في كلّ فعل متعلّق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم، ولا بدّ من الإتيان به ولا مفرّ منه؛ ولا شكّ في أنّ كلّ أمر كان كذلك، لا بدّ من أن يُنصِّب الشارع الرؤوف الحكيم والياً وقيّماً ومتولّياً عليه، ولا ريب في أنّ تربية الأيتام من الأمور التي لا بدّ من الإتيان بها، ولا يرضى الشارع بتركها؛ لأنّه موجب للضرر عليهم، وتضييع حقوقهم، وفساد عقيدتهم، بل فساد غيرهم، ومع عدم

 

 


[1] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج6، ص264 - 265.

[2] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج22، ص334.

[3]  الإمام الخمينيّ، السيد روح اللَّه الموسوي، كتاب البيع، تحقيق ونشر: مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، 1421هـ‍، إيران-طهران، ط1، ج2، ص653.

 

45


32

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

وجود وليّ للأيتام يقوم بتربيتهم، أو كان ولكن لم يكن فيه شرائطها، أو امتنع من ذلك ولم يمكن إجباره، كانت الولاية للفقيه الجامع للشرائط.

فعلى هذا، ولاية الحاكم على تربية الأطفال الذين لا وليّ لهم، وعلى تعليمهم، ثابتة قطعاً لا ريب فيها ولا إشكال.

ويُستفاد ذلك -أيضاً- من إطلاق كلام المحقّق الأردبيليّ[1]، وصاحب الجواهر[2]، والسيّد السبزواريّ في مهذّب الأحكام[3]، والإمام الخمينيّ[4].

والحاصل: إنّ ولاية الحاكم على تربية الأيتام وتعليمهم من المصاديق الواضحة لولايته؛ أي وجوب تصدّيه لكلّ معروف لا يرضى الشارع بتعطيله. ولذا تتصدّى له الحكومات العرفيّة -أيضاً - بحسب قوانينهم[5].

قال الشهيد في المسالك: «إنّ الحاكم وليّ عامّ لا يحتاج إلى دليل»[6].

الثاني: وجوب حفظ النظام:

لا شكّ في أنّ حفظ النظام واجب[7]، والقدر المتيقّن لمن يجوز له القيام هو الحاكم، ولا ريب في أنّ إهمال الأطفال الذين لا وليّ لهم يؤدّي إلى انحرافهم واختلال النظام تدريجيّاً؛ لأنّهم سوف ينشؤون نشأة منحرفة، وذلك لسوء تربيتهم، وحيث إنّ فساد المجتمع بفساد أفراده، ما يؤثّر سلباً في انحلال المجتمع وشيوع الفساد فيه؛ لوجود هؤلاء الأفراد الّذين لا قيّم عليهم ولا وليّ لهم.

 

 


[1] البهبهاني، محمد باقر الوحيد، حاشية مجمع الفائدة والبرهان، مؤسّسة العلّامة المجدد الوحيد البهبهاني، منشورات مؤسّسة العلّامة المجدد الوحيد البهبهاني، 1417ه، ط1، ج8، ص157.

[2] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج15، ص423.

[3] السيّد السبزواريّ، مهذّب الأحكام، مرجع سابق، ج16، ص366.

[4]  انظر: الإمام الخمينيّ، كتاب البيع، مصدر سابق، ج2، ص653.

[5] انظر: الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، بحوث فقهية مهمّة، نسل جوان للطباعة والنشر، إيران - قم، 1422ه، ط1، ص411.

[6] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مصدر سابق، ج4، ص162.

[7] الإمام الخمينيّ، كتاب البيع، مصدر سابق، ج2، ص619.

 

46


33

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

فيجب على الحاكم الإسلاميّ تربية الأيتام وتعليمهم، صوناً للمجتمع من الانحراف والفساد.

الثالث: إثباتها من باب ولاية الحسبة:

مع غضّ النظر عن الأدلّة المتقدّمة، يمكن إثبات ولاية الحاكم على تربية الأيتام والذين لا وليّ لهم، وتعليمهم من باب ولاية الحسبة التي هي مقبولة عند الكلّ.

عدم وجود الحاكم وانتقال تربية الأيتام إلى ولاية عدول المؤمنين

عند عدم وجود الحاكم المتصديّ لتربية الأيتام وتعليمهم، تنتقل الولاية إلى عدول المؤمنين؛ ويدلّ على ذلك ما ذُكر في محله من أنّ الولاية على أموال الأيتام عند فقد الأبوين وسائر الأرحام والحاكم الشرعي تنتقل إلى عدول المؤمنين؛ مع عدم الفرق بين البابَين، بل يدلّ على ولايتهم في المقام بطريق أولى؛ لأنّ تربيتهم -كما ذكرنا - أشدّ تأثيراً في إصلاح دينهم ودنياهم من حفظ أموالهم.

كما تدلّ على ولايتهم في المقام بعض الأدلّة المتقدّمة التي أقمناها على ولاية الحاكم على تربية الأيتام، كدليل وجوب حفظ النظام؛ لأجل أنّ القدر المتيقّن للعمل بهذا الوجوب في صورة فَقْدِ الحاكم العدول من المؤمنين. ودليل الحسبة، حيث إنّ الشارع لا يرضى بترك تربيتهم، وهي كالنفقة لهم بل أولى منها، فيجب إنجازها، والقدر المتيقّن بعد الحاكم هو المؤمن العادل.

ويمكن أن يقال: إنّ ترك التربية والتعليم، الذي يوجب انحراف الأطفال وفسادهم، الأطفال يعدّ في العرف إعانة على الإثم، فالإهمال فيها حرام، وفعلها واجب، والقدر المتيقّن للعمل بهذا الوجوب في مفروض البحث مع عدم وجود الحاكم هو المؤمن العادل.

وفي الجملة: لا شكّ في أنّ التربية والتعليم للأطفال الذين لا وليّ لهم تكون إحساناً إليهم؛ لأنّها توجب جلب المنفعة لهم ورفع الضرر عنهم.

 

47


34

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

وكذلك، يمكن إثبات ولايتهم على تربية الأيتام من أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّ التربية والتعليم واجب الحصول للأطفال، وحيث لم يكن وليّ ولا حاكم، فيتوجّه الخطاب إلى المؤمن العادل؛ لأنّه تصرّف وولاية على الأطفال، والأصل عدمها إلّا ما خرج بالدليل، والقدر المتيقّن الذي خرج من هذا الأصل في صورة فقد الوليّ والحاكم هو المؤمن العادل.

ويشترط في ولايتهم على تربية الأطفال ما اشتُرط في ولايتهم على الأموال؛ من وجوب رعاية المصلحة، وفقد الحاكم، وتعذّر الاستئذان منه.

 

 

48

 


35

الدرس الرابع: مسؤوليّة التربية والتعليم بعد فقدان الوالدَين

المفاهيم الرئيسة

- إنّ عمليّة التربية والتعليم تقع على نحو الاشتراك ما بين الأب والأمّ، بل يستفاد من سياق الأخبار أنّ كلّ واحد منهما مأمور بأداء التكليف الذي تبيّنه هذه النصوص؛ والسرّ في ذلك أنّ الأحكام التي ارتبطت بالأطفال شرّعت لمصلحة الطفل.

- إذا فُقِد الأبوان يختصّ وجوب عملية التربيّة والتعليم بغيرهما، كالجدّ والجدّة للأب أو الأمّ والعمّ والخال والعمّة والخالة على ترتيب طبقات الإرث، فيجب عليهم القيام بتربية الطفل على ما هو وظيفة الأبوَين في حال حياتهما.

- تنتقل عملية تربيّة الطفل وتعليمه للحاكم - وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى - بعد فَقْدِ الأبوين وسائر الأرحام على مراتبهم في الإرث .

- مَن تتبّع كلمات الفقهاء في أبواب مختلفة، جزم بأنّهم متّفقون على ثبوت ولاية الفقيه الجامع للشرائط في الجملة، وإن اختلفوا في توسعتها وتضيّقها.

- إنّ ولاية الحاكم على تربية الأيتام وتعليمهم من المصاديق الواضحة لولايته؛ أي وجوب تصدّيه لكلّ معروف لا يرضى الشارع بتعطيله. ولذا تتصدّى له الحكومات العرفيّة -أيضاً - بحسب قوانينهم.

- لا شكّ في أنّ حفظ النظام واجب، والقدر المتيقّن لمن يجوز له القيام هو الحاكم، ولا ريب في أنّ إهمال الأطفال الذين لا وليّ لهم يؤدّي إلى انحرافهم واختلال النظام تدريجيّاً؛ لأنّهم سوف ينشؤون نشأة منحرفة.

- عند عدم وجود الحاكم المتصديّ لتربية الأيتام وتعليمهم، تنتقل الولاية إلى عدول المؤمنين؛ ويدلّ على ذلك ما ذُكر في محله من أنّ الولاية على أموال الأيتام عند فقد الأبوين وسائر الأرحام والحاكم الشرعي تنتقل إلى عدول المؤمنين.

 

49


36

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يعدّد سنن الولادة في الشريعة الإسلامية.

2. يلخص الروايات التي تتحدث عن وقت التسمية.

3. يشرح أحكام العقيقة والأحكام المتعلّقة بها.

 

50


37

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

استحباب غسل المولود

ذهب بعض الفقهاء كابن حمزة[1]، إلى وجوب غسل المولود، وهو الظاهر من كلام الصدوق أيضاً[2]، ولكنّ المشهور بين الفقهاء، كما عن الشيخ[3]، وابن إدريس[4]، والمحقّق[5]، والعلّامة،[6] والشهيد[7]، وصاحب الجواهر[8]، والشيخ الأنصاري[9]، وغيرهم[10]، استحبابه، وهو الأقوى.


 


[1]  ابن حمزة الطوسي، الوسيلة، مصدر سابق، ص54.

[2] انظر: الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج5، ص72.

[3]  الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، انتشارات قدس محمدي، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص500.

[4] ابن إدريس الحلي، الشيخ محمد بن منصور، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، لجنة التحقيق في تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1410هـ، ط2، ج2، ص646.

[5] المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص 564؛ المحقق الحلي، الشيخ جعفر بن الحسن الهذلي، المختصر النافع، قسم الدراسات الإسلاميّة في مؤسّسة البعثة - طهران، 1402 – 1410هـ، ط2، ص193.

[6]  العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تذكرة الفقهاء ط.ج، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قم، 1414هـ، ط1، ج2، ص144، مسألة279.

[7]  الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص394.

[8]  الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج5، ص72.

[9] الأنصاري، الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين، كتاب النكاح، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلاميّ، إيران - قم، 1415، ط1، ج20، ص490.

[10] العاملي، السيد محمد، نهاية المرام، الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، آقا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1413هـ، ط1، ج1، ص446؛ المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج4، ص190؛ السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج2، ص288؛ الإمام الخمينيّ، السيد روح اللََّّه الموسوي، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلمية، العراق - النجف، 1390هـ.ق، ط2، ج2، ص310.

 

52


38

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

وتدلّ عليه موثّقة سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن غُسل الجمعة؟ فقال: «واجب - إلى أن قال-: وغسل المولود واجب»[1].

فإنّ لفظ الوجوب، وإن كان عند الأصوليّين حقيقةً فيما لا يجوز تركه، إلّا أنّه في الأخبار استُعمل في الأعمّ من الوجوب وتأكّد الاستحباب؛ أي مطلق الثبوت.

وببيان آخر: لفظ الوجوب وإن كان يُستعمل حقيقةً فيما لا يجوز تركه، ولكن حيث إنّ هذه الجملة «وغسل المولود واجب»، في الموثّقة ذُكِر مع جملة من الأغسال التي لا خلاف في استحبابها، فالاستحباب هو الأظهر، ويحمل الوجوب في غير الأغسال الستّة الواجبة على تأكّد الاستحباب، كما حمله عدّة من الفقهاء[2].

استحباب الأذان والإقامة

يستحبّ الأذان في الأُذُن اليمنى للمولود والإقامة في أُذُنه اليسرى[3] يوم ولادته أو قبل أن تسقط سرّته[4]، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين فقهائنا.

ويدلّ عليه نُصوص:

منها: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: «مَن وُلِد له مولود فليؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليقم في اليسرى، فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم»[5].

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص40؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص79؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج1، ص104.

[2]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج1، ص105؛ الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، تحقيق وتصحيح وتذييل: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، لبنان - بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403هـ - 1983م، ط5، ج2، ص937؛ اللنكراني، الشيخ فاضل، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مركز فقه الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، إيران - قم، 1421هـ، ط1، ص525.

[3] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص521؛ الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص500؛ ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص646؛ يحيى بن سعيد الحلي، الجامع للشرايع، مرجع سابق، ص457؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص564؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج2، ص97؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص394؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص526؛ الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح، مرجع سابق، ص490؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص525.

[4] اليزدي، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي، العروة الوثقى، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ج2، ص411؛ الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج2، ص310.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص27؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، مصدر سابق، ج7، ص437.

 

53


39

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

ومنها: عن أبي يحيى الرازي، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إذا وُلِد لكم المولود أيّ شيء تصنعون به؟ قلت: لا أدري ما نصنع به... - إلى أن قال-: وأذّن في أذنه اليمنى، وأقم في اليُسرى، تفعل به ذلك قبل أن تقطع سُرّته، فإنّه لا يفزع أبداً، ولا تصيبُه أمّ الصبيّان[1]»[2].

ومنها: عن الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، عن أسماء بنت عميس، قالت حدّثتني فاطمة (عليها السلام): «لمّا حملتُ بالحسن (عليه السلام) وولدتُه جاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أسماء، هلمّي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى... -إلى أن قال- قالت أسماء: فلمّا كان بعد حَول ولد الحسين (عليه السلام)، جاءني النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقال: يا أسماء هلمّي بابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى...»[3] ، وغير ذلك من الروايات[4].

استحباب تحنيك المولود

يستحبّ تحنيك المولود بماء الفرات وتربة الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنْ لم يوجد فبماء السماء، فإن تعذّر فبماء عذب، وإن لم يوجد إلّا ماء ملحٍ جُعِل فيه شيء من التمر أو العسل[5]، بمعنى إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم[6].

 


[1]  أم الصبيّان: يعني الريح التي تعرض لهم، فربّما غشي عليهم منها. انتهى. وقيل: نوع من الجن يؤذي الصبيّان، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج1 ص68.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص26.

[3] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي، بيروت - لبنان، 1404 هـ - 1984م، لا.ط، ج2، ص28.

[4] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص136-142، ج4، ص672.

[5] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص521؛ الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص500؛ ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص646؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص564؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص395؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص526.

[6]  الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص395؛ الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص253؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص526.

 

54


40

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

ويدلّ على ذلك نصوص:

منها: عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «يُحنَّك المولود بماء الفرات، ويقام في أذنه»[1].

ومنها: في رواية أخرى عنه (عليه السلام): «حنِّكُوا أولادكم بماء الفرات وبتربة الحسين (عليه السلام)، فإن لم يكن فبماء السماء»[2].

ومنها: ما روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): حنِّكوا أولادكم بالتمر، هكذا فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام)»[3] ، إلى غير ذلك من الروايات[4].

قال صاحب الجواهر(قدس سره): «وإن كان لا بأس بخلط شيء من العسل والتمر بماء الفرات أو السماء وتحنيكه به، فإنّ فيه جمعاً بين الجميع»[5].

استحباب اختيار الأسماء الحسنة للمولود

من حقّ الولد على والده أن يُحسن اسمه[6]، فقد جاء في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)، قال: «يا عليّ، حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً»[7].

وفي حديث آخر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله): استحسنوا أسماءكم فإنّكم تدعون بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك»[8].

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص24؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص436.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه.

[4] الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص138.

[5] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص253.

[6] الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص501؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص526.

[7]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص372.

[8]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص19.

 

55


41

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

وروى موسى بن بكر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «أوّل ما يبرّ الرجل ولدهُ أن يسمّيه باسمٍ حسن، فليحسن أحدُكم اسم ولده»[1]، وغير ذلك من الروايات[2].

وقت التّسمية

وردت طوائف مختلفة من الروايات في وقت التسمية:

الطائفة الأولى: صرّحت باستحباب التسمية قبل الولادة:

ما ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: حدّثني أبي، عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإنّ أسقاطكُم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تُسمّوهُم يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني، وقد سمّى رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله) محسناً قبل أن يُولد؟!»[3]، وفي معناها غيرها[4].

الطائفة الثانية: دلّت على استحباب التسمية يوم الولادة:

الأخبار التي ذُكرت في استحباب بعض الأسماء وأفضليّته؛ لأنّها مطلقة، فيدخل وقتها من حين الولادة:

منها: ما روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «العقيقة واجبة إذا ولد للرجل ولد، فإن أحبَّ أن يسمّيه من يومه فعل»[5].

الطائفة الثالثة: تدلّ على استحباب التسمية في اليوم السابع من الولادة:

منها: ما روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في المولود، قال: «يسمّى في اليوم السابع، ويُعقّ عنه، ويُحلَق رأسه، ويُتصدَّق بوزن شعره فضّة»، وغير ذلك من الروايات[6].

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص18.

[2]  الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص125 - 127.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص18.

[4] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص112.

[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص484؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص440.

[6]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص29؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص149.

 

56


42

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

ويمكن الجمع بينها، إمّا بالحمل على الفضيلة والأفضليّة، فتجعل التسمية يوم السابع أفضل من غيره غير ما استثنى من اسم محمّد، فإنّه يستحب تسمية الحمل ما دام حملًا بمحمّد، فإذا ولد بقي على ذلك إلى اليوم السابع، فإن شاء غيّرهُ وإن شاء أبقاهُ، فيراد حينئذ ممّا ورد من استحباب التسمية في اليوم السابع الاسم المستقرّ.

والشاهد على ذلك، ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مرسل أحمد بن محمّد قال: «لا يولد لنا ولد إلّا سمّيناهُ محمّداً، فإذا مضى سبعة أيّام، فإن شئنا غيّرنا، وإن شئنا تركنا»[1].

وإمّا بالحمل على أنّ منتهى الرخصة في التأخير يوم السابع، فهو غاية الأمد المستحبّ فيه التسمية، فالمستحبّ أن لا يؤخّر عنه التسمية، لا أن يؤخّر إليه؛ لما ورد من استحباب تسمية الحمل[2].

الكنى والألقاب الحسنة

يستحبّ مضافاً إلى اختيار الاسم الحسن للولد، أن يكنّى بأحسن الكنى والألقاب[3].

قال في المسالك: «الكُنية -بضمّ الكاف- ما صُدّر من الأعلام بأب أو أمّ، كأبي الحسن وأمّ كلثوم، وهي مستحبّة مضافة إلى الاسم؛ حذراً من لحوق النبز، وهو ما يكره من اللقب»[4].

ويَدلّ عليه روايات:

منها: عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن التهنئة بالولد متى؟ فقال: «إنّه قال: لمّا ولد الحسن بن عليّ هبط جبرئيل بالتهنئة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) في اليوم السابع، وأمره أن يُسمّيه ويكنّيه...»[5].

 

 


[1] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص437.

[2] الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص526.

[3] المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص565؛ الفاضل الآبي، زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب، كشف الرموز، تحقيق: الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، ذي الحجة 1408هـ، لا.ط، ج2، ص197؛ الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح، مرجع سابق، ج20، ص490.

[4] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص397.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص33.

 

57


43

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

ومنها: روى معمّر بن خثيم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّه قال في حديث: «إنّا لنكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم»[1].

استحباب حلق رأس المولود والتصدّق بوزنه

من سنن الولادة، حلق رأس المولود قبل العقيقة، والتصدّق بوزن شعره فضةً أو ذهباً[2].

ومن النصوص الدالّة عليه:

منها: موثّقة عمار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: وسألته عن العقيقة عن المولود كيف هي؟ قال: «إذا أتى للمولود سبعة أيّام، سمّي بالاسم الذي سمّاهُ اللّٰه -عزّ وجلّ-، ثمّ يُحلَق رأسه، ويُتصدَّق بوزن شعره ذهباً أو فضةً، ويُذبَح عنه كبش»[3].

ومنها: في رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: قلت: بأيّ ذلك نبدأ؟ فقال: «تحلق رأسه، وتعقّ عنه، وتصدّق بوزن شعره فضّةً، ويكون ذلك في مكان واحد»[4]، إلى غير ذلك من الروايات[5].

وإطلاق النصّ والفتوى، بل ظاهر بعض الأخبار وكلمات الفقهاء[6] يدلّ على عدم الفرق في ذلك بين الذكر والأنثى، ويؤيّده أيضاً عموم ما روي في العلل عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سُئِل ما العلّة في حلق شعر رأس المولود؟ قال (عليه السلام): «تطهيره من شعر الرّحم»[7].

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص19.

[2]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي، المقنع، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي (عليه السلام)، 1415هـ، لا.ط، ص335؛ الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص501؛ ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص646 - 647؛ أبو الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم بن عبد اللَّه الحلبي، الكافي في الفقه، رضا أستادي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة - أصفهان، لا.ت، لا.ط، ص314؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص565؛ كشف الرموز، الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، ذي الحجة 1408هـ، لا.ط، ج2، ص197؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص401؛ مرجع سابق، ص529.

[3]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص29؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص443.

[4]  المصدر نفسه، ص27.

[5] راجع: الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15.

[6]  الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص527؛ السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص506.

[7]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1385هـ - 1966م، لا.ط، ج2، ص505؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص489.

 

58


44

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

العقيقة

أ-مفهوم العقيقة:

أصل العقّ الشقّ، يقال: عقّ ثوبه، كما يقال شقّهُ بمعناه[1]، ويقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود في بطن أمّه ويولد به الطفل: عقيقة؛ لأنّه يشقّ الجلد[2]، ثمّ أسمت العرب الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه أو ما يجاوره، ثمّ اشتهر ذلك حتّى صار من الأسماء العرفيّة[3].

هذا في اللغة، وأمّا في الاصطلاح، فهي ذبح شاة عند الولادة للإطعام[4].

ب-حكم العقيقة:

في كونها واجبة أو سنّة أو أنّها ليست فرضاً ولا سنّة، أقوال:

القول الأول: إنّها سنّة مؤكّدة، وعليه المشهور من الفقهاء، كالشيخ الطوسي[5]، وابن إدريس[6]، والمحقّق[7]، وصاحبي الحدائق[8]، والجواهر[9]، وغيرهم[10].

 

 


[1]  المقري الفيومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج2، ص422.

[2] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج10، ص257.

[3] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص264؛ الفيروزآبادي الشيرازي، إبراهيم بن علي، ‎المهذب في فقه الإمام الشافعي، ضبط زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1995م، ط1، ج1، ص438؛ ابن قدامه، عبد الرحمن، الشرح الكبير، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، طبعة جديدة بالأوفست، ج3، ص585؛ الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلاميّ وأدلّته، دار الفكر، سوريا - دمشق، 1405ه، ط2، ج3، ص636؛ ابن قدامه، عبد اللَّه، المغني، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، طبعة جديدة بالأوفست، لا.ت، ج11، ص119.

[4] ابن حمزة الطوسي، الوسيلة، مصدر سابق، ص316.

[5]  الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص501.

[6] ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص646.

[7]  المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص565.

[8]  المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج25، ص59.

[9] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص264.

[10] الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص536.

 

59


45

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

القول الثاني: الوجوب، وذهب إليه الإسكافي[1]، والمرتضى[2]، وبعض متأخّري المتأخِّرين، كالمحدّث الكاشاني، حيث ذكر: «باب العقيقة ووجوبها»، ثمّ أورد جملة من الأخبار الظاهرة في ذلك[3].

القول الثالث: الإباحة، وهي قول الحنفيّة، حيث قالوا: «تُباح العقيقة ولا تستحبّ؛ لأنّ تشريع الأضحية نسخ كلّ دم كان قبلها، من العقيقة والرجبيّة والعتيرة»[4]، فمن شاء فعل، ومن شاء لم يفعل.

والحقّ هو القول الأوّل، ويدلّ عليه روايات:

منها: عن عمر بن يزيد، عن الإمام أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «كلّ امرئ مرتهن يوم القيامة بعقيقته، والعقيقة أوجب من الأضحية»[5]؛ فإنّ الأضحية[6] مندوبة إجماعاً على ما قيل، فكذلك العقيقة.

ومنها: ما عن أبي خديجة، عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «كلّ مولودٍ مرتهن بالعقيقة»[7].

 

 


[1]  العلّامة الحلي، مختلف الشيعة، مرجع سابق، ج7، ص303.

[2] السيد المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، الانتصار، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1415هـ، لا.ط، ص406.

[3]  الفيض الكاشاني، محمد بن مرتضى، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهانيّ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) العامة، إيران - أصفهان، 1406هـ، ط1، ج23، ص1330، ولكن قال { في مفاتيح الشرائع: «يستحبّ العقيقة عنه استحباباً مؤكّداً؛ للنصوص المستفيضة»؛ الفيض الكاشاني، محمد بن مرتضى، مفاتيح الشرائع، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مجمع الذخائر الإسلاميّة، إيران - قم، 1401هـ، لا.ط، ج2، ص367.

[4] الرجبيّة: شاة كان العرب في الجاهلية يذبحونها في رجب، فيأكل منها أهل البيت ويطبخون ويطعمون، والعتيرة: أوّل ولد للناقة أو الشاة يذبح ويأكل صاحبه ويطعم منه، وقيل: إنّها الشاة التي تذبح في رجب وفاءً للنذر، راجع: الزحيلي، الفقه الإسلاميّ وأدلّته، مرجع سابق، ج3، ص636.

[5]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص484.

[6]  الأضحيّة جمع ضحايا كعطايا، والمراد بها ما يذبح أو ينحر من النعم يوم عيد الأضحى وما بعده إلى ثلاثة أيّام أحدها يوم العيد...، ولعل وجه تسميتها لذبحها في الضحى غالباً. الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج19، ص219.

[7]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص24؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص484؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص441.

 

60


46

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

والوجوب والارتهان في النصوص يراد بهما تأكّد الندب. ومن الدليل على ذلك، الأمر بها في جملة من السنن المعلوم ندبها[1]، بل يمكن إقامة قرائن كثيرة على ذلك تصل إلى حدّ القطع، خصوصاً ما دلّ على إجزاء الأضحية[2] عنها، وانتقالها إلى الولد إذا بلغ ولم يعقّ عنه والده، وغير ذلك من القرائن.

ت-وقت العقيقة:

يستحبّ أن تكون العقيقة في اليوم السابع من الولادة، وبه قالت الشيعة[3]، وأهل السنّة[4]. والأخبار الواردة به مستفيضة:

منها: عن الكاهلي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «العقيقة يوم السابع»[5].

والأَولى على تقدير التأخير عن اليوم السابع الإتيان بها بنيّة رجاء المطلوبيّة.

ث-عقّ البالغ عن نفسه:

إن لم يعقّ الوالد عن ولده يوم السابع وما بعده، استحبّ للولد أن يعقّ عن نفسه إذا بلغ وإن كان شيخاً، وبه قال علماؤنا[6].

ومن الروايات الدّالة على ذلك:

منها: رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «إنّي واللّٰه ما أدري كان أبي

 

 


[1] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، مصدر سابق، ج7، ص442.

[2]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص173.

[3]  الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص501؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص565؛ المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج25، ص59؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص540.

[4] الفيروزآبادي الشيرازي، ‎المهذب في فقه الإمام الشافعي، مصدر سابق، ج1، ص439؛ ابن قدامة، المغني، مصدر سابق، ج11، ص121؛ ابن قدامه، الشرح الكبير، مصدر سابق، ج3، ص587.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص29؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص443.

[6] الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص501؛ ابن حمزة الطوسي، الوسيلة، مصدر سابق، ص316؛ يحيى بن سعيد الحلي، الجامع للشرايع، مرجع سابق، ص458؛ الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح، مرجع سابق، ج20، ص491؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص538.

 

61


47

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

عقّ عنّي أم لا؟ قال: فأمرني أبو عبد اللّٰه (عليه السلام)، فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير»[1].

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل لم يعقّ عنه والده حتّى كبر، فكان غلاماً شابّاً أو رجلاً قد بلغ، فقال (عليه السلام): «إذا ضُحّي عنه أو ضحّى الولد عن نفسه، فقد أجزأت عنه عقيقته، وقال (عليه السلام): قال رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله): المولود مرتهن بعقيقته، فكّه أبواه أو تركاه»[2].

ومنها: ما روي من أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عقّ عن نفسه بعدما جاءته النبوّة[3].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص484؛ الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص25؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص444.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، سابق، ج6، ص39؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص173؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص447.

[3] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1379هـ - 1338ش، لا.ط، ص84.

 

62


48

الدرس الخامس: سنن الولادة في الشريعة الإسلاميّة

المفاهيم الرئيسة

- المشهور بين الفقهاء، كما عن الشيخ الطوسي وابن إدريس والمحقّق الحلّي والعلّامة الحلّي والشهيد الثاني وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم استحباب غسل المولود.

- يستحبّ الأذان في الأُذُن اليمنى للمولود والإقامة في أُذُنه اليسرى.

- يستحبّ تحنيك المولود بماء الفرات وتربة الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنْ لم يوجد فبماء السماء، فإن تعذّر فبماء عذب، وإن لم يوجد إلّا ماء ملحٍ جُعِل فيه شيء من التمر أو العسل.

- من حقّ الولد على والده أن يُحسن اسمه فقد جاء في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام)، قال: «يا عليّ، حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً».

- استحباب التسمية قبل الولادة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: حدّثني أبي، عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإنّ أسقاطكُم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تُسمّوهُم يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني، وقد سمّى رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله) محسناً قبل أن يُولد؟!».

- استحباب أن يكنّى الولد بأحسن الكنى والألقاب.

- من سنن الولادة، حلق رأس المولود قبل العقيقة، والتصدّق بوزن شعره فضةً أو ذهباً.

- استحباب العقيقة عن المولود.

 

63


49

الدرس السادس: إرضاع الطفل

الدرس السادس: إرضاع الطفل

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى حكم إرضاع الأمّ لولدها في الإسلام.

2. يبيّن أنّ الأم مقدّمة على غيرها في إرضاع طفلها.

3. يعلم أنّ استحباب الرضاع في حولَين كاملَين.

 

64


50

الدرس السادس: إرضاع الطفل

تمهيد

إنّ الأمر الإلهيّ بإرضاع الأمّهات أولادهنّ يكون على مقتضى الفطرة؛ لأنّ أفضل اللبن للولد لبن أمّه؛ لأنّه قد تكوّن من دمها في أحشائها، فلمّا برز إلى الوجود تحوّل اللبن الذي كان يتغذّى منه في الرحم إلى لبن يتغذّى منه خارجه، فهو اللبن الذي يلائمه ويناسبه. وقد قضت الحكمة بأن تكون حالة لبن الأمّ في التغذية ملائمة لحال الطفل بحسب درجات سنّه[1].

وقد اتّفقت كلمة العلماء المختصّين والأطبّاء على أنّ لبن الأمّ يعدّ أفضل غذاء للطفل، وهذا الذي اكتشفه العلم أخيراً، وبه قال الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) منذ نحو أربعة عشر قرناً، فقد روى أبو عبد اللّٰه (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن امّه»[2].

حكم الإرضاع

يستفاد من كلمات فقهائنا، بل ادّعي الإجماع عليه[3]، أنّه لا يجب على الأم أن ترضع ولدها إلّا اللباء[4]، فإنّه يجب على قول بعض، بل يجب على الأب بمعنى وجوب نفقتها عليه.

 

 


[1] رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، مطبعة المنار، مصر، 1350، ط2، ج2، ص416.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص40؛ الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص475؛ الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ص108.

[3] السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص516.

[4]  اللبأ -بكسر اللام وفتح الباء - أوّل اللبن في النتاج. قال أبو زيد: أوّل الألبان اللبأ عند الولادة، وأكثر ما يكون ثلاث حلبات وأقله حلبة، راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص150.

 

66


51

الدرس السادس: إرضاع الطفل

ومن الروايات الدالّة على ذلك:

منها: ما رواه عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد، فألقته على خادم لها فأرضعته، ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ، فقال: «لها أجر مثلها»[1].

فهذه الرواية دلّت بالالتزام على أنّ الرضاع لا يجب على الأمّ، وإلّا لم يحكم (عليه السلام) بأجرة المثل لها.

ومنها: خبر سليمان بن داود المنقريّ قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرضاع؟ فقال: «لا تُجبر الحرّة على رضاع الولد، وتُجبر أمّ الولد»[2].

ويؤيّده -أيضاً - عموم قوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا﴾[3]، الشامل لمثل الإضرار بالأم بإجبارها على إرضاع طفلها.

وبما مرّ من الأدلّة، يصرف ظاهر الطلب المستفاد من قوله -تعالى-: ﴿وَٱلوَٰلِدَٰتُ يُرضِعنَ أَولَٰدَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ﴾[4] إلى الاستحباب؛ جمعاً بين الأدلّة، فنحكم أنّه يستحبّ للأُمّ أن ترضع ولدها طول المدّة المعتبرة في الرضاع، كما صرّح به بعض الفقهاء، قال الشهيد في اللمعة: «ويستحبّ للأُمّ أن ترضعه طول المدّة المعتبرة في الرضاع»[5].

وبالجملة: لا إشكال في أصل الحكم وهو عدم وجوب الرضاع على الأُمّ، ويستثنى من ذلك الحكم صور، يمكن أن تخصّص بها:

أحدها: إذا لم يكن للولد مرضعة أخرى سواها.

ثانيها: كانت له مرضعة أخرى، ولكن لم يتمكن الطفل الوصول إليها؛ إما لعدم وجود

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص41.

[2]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ص107.

[3]  سورة البقرة، الآية 233.

[4] السورة والآية نفسها.

[5] الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي العاملي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، السيد محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية، 1410هـ، ط1، ج5، ص455 - 456.

 

67


52

الدرس السادس: إرضاع الطفل

الأب أو لإعساره، وإما لعدم وجود مال للولد يمكن به إرضاعه منها، فيجب على الأم حينئذٍ الإرضاع بلا خلاف، كوجوب إنفاقها عليه في مثل هذه الصورة[1].

ثالثها: ألّا يقبل الطفل إلّا لبن أمّه، فيجب عندئذ إرضاعه إنقاذاً له من الهلاك؛ لتعين الأمّ[2].

تقدّم الأمّ في الإرضاع

اتّفق الفقهاء[3] على أنّ الأمّ تُقدَّم في الإرضاع إذا أرضعت ولدها بدون أجر، أو لم تطلب زيادة على ما تأخذه الأجنبيّة، ولو دون أجر المثل.

ويدلّ على ذلك -مضافاً إلى أنّ الأم تراعي مصلحة الصغير لكونها أكثر حناناً وشفقة عليه من غيرها - الآيات والروايات:

أوّلاً: الآيات:

فإنّ في منع الأم من إرضاع ولدها إضراراً بها، وهو لا يجوز؛ لقوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا﴾[4]، ولمخالفته لقوله -تعالى-: ﴿وَٱلوَٰلِدَٰتُ يُرضِعنَ أَولَٰدَهُنَّ كَامِلَينِ﴾[5]، حيث دلّت على أنّ الإرضاع حقّ لهنّ، فلا يجوز منعهنّ، ويجب على الأب تمكينها منه، ولا يجوز له أخذه منها لترضعه غيرها[6].

 

 


[1]  السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص515.

[2]  السيوري، الفاضل المقداد بن عبد اللَّه‏، كنز العرفان في فقه القرآن، تعليق: الشيخ محمد باقر (شريف زاده)، تصحيح وتخريج الأحاديث: محمد باقر البهبودي، المكتبة الرضوية، إيران - طهران، 1384هـ - 1343ش، لا.ط، ج2، ص231؛ المحقق الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن، مرجع سابق، ص556؛ السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص515 مع تصرّف يسير؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص546، وما بعده مع اختلاف يسير.

[3] المحقق الحلي، جعفر بن الحسن الهذلي، النهاية ونكتها، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1412هـ، ط1، ج2، ص408؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص101؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مرجع سابق، ج5، ص456.

[4]  سورة البقرة، الآية 233.

[5] السورة نفسها.

[6] المحقق الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن، مرجع سابق، ص557.

 

68


53

الدرس السادس: إرضاع الطفل

ثانياً: الروايات:

فهي في حدّ الاستفاضة إن لم نقل التواتر:

منها: صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام)، قال: «الحُبلى المطلّقة يُنفق عليها حتّى تضع حملها، وهي أحقّ بولدها حتّى ترضعه بما تقبله امرأة أخرى، إنّ اللّٰه -تعالى - يقول: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَلَا مَولُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ﴾»[1].

ومنها: ما رواه أبان، عن فضل أبي العبّاس قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): الرجل أحقّ بولده أم المرأة؟ قال: «لا، بل الرجل، فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها: أنا أرضع ابني بمثل ما تجد مَن يرضعه فهي أحقّ به»[2] وغيرها[3]. والدلالة ظاهرة.

نعم، إذا وُجدت متبرّعة بالإرضاع وطلبت الأمّ الأجر، أو وُجدت مرضعة بأجر أقلّ ممّا تأخذه الأمّ، كان للأب نزعه وتسليمه إلى غيرها، سواء كان ما تطلبه الأمّ أجرة المثل أو أقلّ أو أزيد.

ويدلّ عليه قوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَلَا مَولُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ﴾[4]؛ أي بإلزامه أكثر من أجرة الأجنبيّة.

ومن النصوص الواردة عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام):

منها: ما عن أبي الصباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل المرأة وهي حُبلى أنفق عليها حتّى تضع حملها، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها إلّا أن يجد من هو أرخص أجراً منها، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه»[5]. وكذا غيرها[6].

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص103.

[2]  المصدر نفسه، ص44.

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ص190.

[4] سورة البقرة، الآية 233.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص103.

[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص191.

 

69


54

الدرس السادس: إرضاع الطفل

وقيل: بل هي أحقّ مطلقاً إذا لم تطلب أكثر من أجرة المثل[1]. واستدلّوا بإطلاق قوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا﴾، و﴿وَٱلوَٰلِدَٰتُ يُرضِعنَ أَولَٰدَهُنَّ﴾.

ومن جملة ما فيه: إنّ إلزام الأب بأجرة أكثر من أجرة الأجنبيّة فيه ضرر عليه، وقد نفى -تعالى - الضرر عن الأب كما نفاه عن الأمّ بقوله: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَلَا مَولُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ﴾، فإنّه ينهى عن أن يُلحق بالزوجة الضرر من قبل الزوج، وأن يلحق به الضرر من جهة الزوجة بسبب الولد[2].

استحباب الرضاع في حولين كاملين

يستحبّ أن يُرضع الولد سنتين كاملتين لا أقلّ منهما ولا أكثر، كما قال اللّٰه -عزّ وجلّ- : ﴿وَٱلوَٰلِدَٰتُ يُرضِعنَ أَولَٰدَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ لِمَن أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ﴾[3].

فإنّ هذه الجملة في معنى الأمر، وتقديره: ليرضعن أولادهنّ حولَين كاملَين، ودلّت على أنّ الحولَين حقّ لكلّ ولد، سواء ولد لستّة أشهر أو أكثر إن أراد الوليّ إتمام الرضاعة، كما قال به بعض[4]، فإن نقصت عن السنتين مدّة ثلاثة أشهر لم يكن به بأس، كما يستفاد من قوله -تعالى-: ﴿وَحَملُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهرًا﴾[5]؛ إذ مدّة الحمل غالباً تسعة أشهر، فإذا نقصت التسعة من الثلاثين يبقى واحد وعشرون شهراً، فإن نقص عن إحدى وعشرين شهراً لم يجز، وكان ظلماً وجَوراً على الصبيّ، كما عليه المفيد والشيخ والشهيد الثاني والفاضل المقداد[6]، وغيرهم. ويدلّ[7] على ذلك رواية سماعة بن مهران، عن الإمام

 

 


[1]  السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص521.

[2] المحقق الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن، مرجع سابق، ص558 - 559.

[3] سورة البقرة، الآية 233.

[4] المحقق الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن، مرجع سابق، ص556.

[5] سورة الأحقاف، الآية 15.

[6] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص531؛ الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص503؛ الشهيد الثاني، الروضة البهيّة، مصدر سابق، ج5، ص456؛ السيوري، كنز العرفان‏، مرجع سابق، ج2، ص232.

[7] ولا يخفى ما في الاستدلال بهذه الرواية، من جهة أنّ كلمة الجور ليست ظاهرة في الحرمة التكليفيّة، بل يمكن أن تكون إرشاداً إلى عدم كمال الرضاع فيما نقص عن واحد وعشرين، ويؤيّد ذلك أنّه إذا كان جوراً على الصبيّ فتراضي الأبوين لا دخل له في ذلك أبداً.

 

70


55

الدرس السادس: إرضاع الطفل

الصادق(عليه السلام) قال: «الرضاع واحد وعشرون شهراً، فما نقص فهو جَور على الصبيّ»[1].

وهكذا رواية عبد الوهّاب بن الصباح، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهراً، فما نقص عن أحد وعشرين شهراً فقد نقص المرضع، وإن أراد أن يتمَّ الرضاعة فحولَين كاملَين»[2].

نعم، يجوز ذلك إذا اقتضت مصلحة الولد ذلك، وتراضى عليه الأبوان، كما قال اللّٰه -عزّ وجلّ-: ﴿فَإِن أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا﴾[3]؛ أي إن أراد الأب والأُمّ فصالًا قبل الحولَين وتراضيا به، ويكون الفصال مصلحة للولد، فلا جناح ولا حرج عليهما، فإن تنازعا رجعا إلى الحولَين[4].

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص40.

[2] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج8، ص106.

[3] سورة البقرة، الآية 233.

[4] الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مصدر سابق، ج2، ص115.

 

71


56

الدرس السادس: إرضاع الطفل

المفاهيم الرئيسة

- إنّ الأمر الإلهيّ بإرضاع الأمّهات أولادهنّ يكون على مقتضى الفطرة؛ لأنّ أفضل اللبن للولد لبن أمّه؛ لأنّه قد تكوّن من دمها في أحشائها.

- يستفاد من كلمات فقهائنا، بل ادّعي الإجماع عليه، أنّه لا يجب على الأم أن ترضع ولدها إلّا اللباء وهو أوّل اللبن في النتاج، وأكثر ما يكون ثلاث حلبات وأقله حلبة.

- يستثنى من ذلك الحكم صور، وهي:

- أحدها: إذا لم يكن للولد مرضعة أخرى سواها.

- ثانيها: كانت له مرضعة أخرى، ولكن لم يتمكن الطفل الوصول إليها.

- ثالثها: ألّا يقبل الطفل إلّا لبن أمّه.

- اتّفق الفقهاء على أنّ الأمّ تُقدَّم في الإرضاع إذا أرضعت ولدها بدون أجر، أو لم تطلب زيادة على ما تأخذه الأجنبيّة، ولو دون أجر المثل.

- يستحبّ أن يُرضع الولد سنتين كاملتين لا أقلّ منهما ولا أكثر، كما قال اللَّه -عزّ وجلّ-: ﴿وَٱلوَٰلِدَٰتُ يُرضِعنَ أَولَٰدَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ لِمَن أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ﴾.

 

72


57

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى معنى الحضانة لغةً واصطلاحاً.

2. يشرح أدلة الحضانة من الكتاب والسنّة.

3. يبيّن أنّ وجوب الحضانة هو كفائيّ وليس عينيّاً.

 

74


58

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

الحضانة لغةً واصطلاحاً

أوّلاً: الحضانة لغةً:

قال في مجمع البحرين: «الحِضْنُ كحمل... واحْتَضَنتُ الشيء: جعلته في حِضني... والحضَانةُ، بالفتح والكسر: اسم منه، وهي ولاية على الطفل والمجنون لفائدةِ تربيته، وهو ما يتعلّق بها من مصلحته وحِفظه، وجعله في سريره، ورفعه، وغَسل ثيابه وبدنه، ومشطه، وجميع مصالحه، غير الرَّضاعة.

وحَاضِنَةُ الصبيّ: التي تقوم عليه في تربيته»[1].

ثانياً: الحضانة اصطلاحاً:

لم نعثر -بحسب تتبّعنا - على تعريف للحضانة في كلمات الفقهاء إلى زمان العلّامة الحلّي (رحمه الله) في القرن السابع، حيث عرّفها العلّامة، وبعده سلك بعض الفقهاء طريقه وعرّفوها في مباحثهم.

قال العلّامة في القواعد: «الحضانة ولاية وسلطنة على تربية الطفل»[2]. وبمثل هذا قال الشهيد في المسالك[3]، والمحقّق الطباطبائيّ في الرياض[4].

 

 


[1] الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج6، ص238.

[2] العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، كتاب النكاح، ج3، ص102.

[3] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص421.

[4]  السيد محمد الطباطبائي، رياض المسائل، مرجع سابق، ج10، ص523.

 

76


59

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

حكم الحضانة وأدلّتها

المفهوم من كلمات الفقهاء أنّ الحضانة واجبة، ويمكن أن يستدلّ على أصل وجوبها في الجملة بالأدلّة الأربعة، ونقتصر هنا على إيراد نماذج ممّا استدلّ به على وجوبها من الكتاب والسنّة.

أوّلاً: القرآن الكريم:

منها: قوله -تعالى-: ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَملٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعنَ حَملَهُنَّ فَإِن أَرضَعنَ لَكُم فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأتَمِرُواْ بَينَكُم بِمَعرُوفٖ﴾[1].

وجه الاستدلال: إنّ معنى ﴿وَأتَمِرُواْ بَينَكُم بِمَعرُوفٖ﴾ أنّه يجب عليكم الائتمار والتشاور في أمر الصبيّ بالمعروف لدفع الضرر عنه.

فصدر الآية الشريفة، وإن دلّ على وجوب النفقة وأجرة الرضاع على الأزواج، ولكنّ ذيلها دلّ بالالتزام على وجوب الحضانة؛ لأنّ الحضانة من الأمور المعروفة التي يلزم على الوالدَين رعايتها، ويجب عليهم التشاور بشأنها والإقدام عليها، حتّى لا يتضرّر الولد من تركها.

قال في مجمع البيان: «والأقوى عندي أن يكون المعنى دبّروا بالمعروف بينكم في أمر الولد ومراعاة أمّه حتّى لا يفوت الولد شفقتها وغير ذلك»[2].

وأيضاً يمكن أن يقال في وجه الاستدلال بالآية: إنّه إذا أوجب اللّٰه -سبحانه وتعالى- على الآباء والأمهات مراعاة الرابطة العاطفية بينهم وبين أولادهم والاهتمام بها[3]، فيستكشف منه بطريق أولى وجوب حفظهم وحضانتهم، وهو المطلوب.

 

 


[1]  سورة الطلاق، الآية 6.

[2] الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج10، ص48.

[3]  وذلك من خلال أدلّة أخرى، كما قد يستفاد من قوله -تعالى-: ﴿يُوصِيكُمُ أَولَٰدِكُم﴾ (سورة النساء، الآية 11). وفي الأحاديث الشريفة كقول رسول اللَّه(صلى الله عليه وآله): «أحبوا الصبيّان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنهم لا يرون إلّا أنّكم ترزقونهم»، راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49. وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «من قبَّل ولده كتب اللَّه له حسنة»، راجع: ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن علي، عوالي اللئالي، تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، لا.ن، لا.م، 1403هـ - 1983م، ط1، ج3، ص283. وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وحق الصغير: رحمته في تعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له»، راجع: الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص625. وغيرها من الأدلة التي تدل على وجوب مراعاة الرابطة العاطفيّة بين الأهل وأولادهم.

 

77


60

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

ثانياً: السنّة:

لا يوجد -بحسب التتبّع - نصّ صريح دلّ على وجوب الحضانة، بل الموجود نصوص دالّة على أصل استحقاق الحضانة، كما قال الشهيد الثاني (رحمه الله): «وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق»[1].

وعلى أيّ تقديرٍ، الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها ثبوت أصل الاستحقاق بالمطابقة، ووجوب الحضانة بالالتزام كثيرة، نذكر الأهمّ منها -والتي هي صحيحة أو معتبرة سنداً وكانت دلالتها ظاهرة-:

منها: صحيحة أيّوب بن نوح قال: كتب إليه بعض أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد وخلّيت سبيلها، فكتب (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، إلّا أن تشاء المرأة»[2].

ومنها: رواية أبي الصباح الكنانيّ، عن الإمام أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل المرأة وهي حُبلى أنفق عليها حتّى تضع حملها، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها إلّا أن يجد من هو أرخص أجراً منها، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه»[3].

ومنها: صحيحة الحلبيّ، عن الإمام أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «الحُبلى المطلّقة ينفق عليها حتى تضع حملها، وهي أحقّ بولدها حتّى ترضعه بما تقبله امرأة أخرى، إنّ اللّٰه يقول: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَلَا مَولُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ﴾[4]»[5].

ومنها: خبر المنقريّ، عمّن ذكره قال: سُئِل أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يطلّق امرأته وبينهما ولد، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»[6].

 

 


[1]  الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مرجع سابق، ج5، ص464.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص435.

[3] المصدر نفسه، ج6، ص103.

[4] سورة البقرة، الآية 233.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص103.

[6] المصدر نفسه، ص45.

 

78


61

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

وفي معناها غيرها من الروايات، ومن أراد المزيد فليراجع المصادر الحديثيّة كالوسائل.

وجه الاستدلال بهذه الروايات على وجوب الحضانة يتوقّف على بيان أمرين:

الأوّل: إنّ الحضانة كانت من الأمور الطبيعيّة والفطريّة؛ بمعنى أنّ الآباء والأمّهات يحبّون حفظ أولادهم من البلايا والآفات، ويسعون في تدبير شؤونهم؛ من تنظيفهم وغسل ثيابهم و... وهذا لا يختصّ بالإنسان فقط، بل الحيوان أيضاً كذلك يسعى في حفظ أولاده، ويهيّئ لهم كلّ ما يحتاجون إليه من الماء والغذاء وغير ذلك.

الثاني: إن تدبّرنا في الروايات الواردة في الباب، وبالالتفات إلى سياقها وإلى ما يسأله السائل، الذي كانت أسئلته منصّبةً في الغالب على حكم انفصال الولد من الأمّ، وخاصّة بعد الزواج الثاني، يعلم أنّ لزوم الحضانة عند الإمام (عليه السلام) وعند السائل كان أمراً معلوماً وقطعيّاً؛ ولذا بيّن الإمام (عليه السلام) مَن هو الأحقّ بها، وأيّ الوالدين أكثر استحقاقاً من الآخر. والدليل على ما قلنا، كثرة سؤال السائل عمّن يستحقّ الحضانة هل الأمّ أو الأب بعد أن كان وجوبها واضحاً عندهم، وإلّا يجب على الإمام بيان هذا الوجوب لهم.

فعلى هذا، دلّت هذه الروايات بمضمونها وسياقها على وجوب الحضانة، وأنّ وجوبها مفروغ منه عند السائل والإمام (عليه السلام)، وقد سُئِلَ فيها عمّن يستحقّ الحضانة إذا اختلف الزوجان في أمرها أو تشاجرا أو طلّق الزوج زوجته ولها منه ولد.

هل وجوب الحضانة عينيّ أم كفائيّ؟

يظهر من الأدلّة أنّ وجوب الحضانة كفائيّ، بمعنى أنّ الشارع لا يرضى أن تختلّ أمور الطفل من تنظيفه وتدبير شؤونه وحفظه وما يتعلّق بذلك، فإذا قام بها أحد الأبوين سقط عن الآخر.

توضيح ذلك: إذا كان الأبوان موجودَين، وكانا واجدَين لشرائط الحضانة، فالوجوب في حقّهما فعليّ، وإن كانت الأمّ أحقّ بالحضانة، فإذا اختارتها سقطت عن الأب؛ لقوله (عليه السلام) في صحيحة أيّوب بن نوح المتقدّمة: «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين».

 

79


62

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

وهكذا ما جاء في الخبَرين المتقدّمَين: خبر أبي الصباح الكنانيّ والمنقريّ: «فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه»، و«المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج».

وكذلك جاء في حديث عبد اللّٰه بن عمر أنّ امرأة قالت: يا رسول اللّٰه، إنّ ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإنّ أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه منّي، فقال لها النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أنت أحقّ به ما لم تنكحي»[1].

فعلى هذا، إذا فطم الولد أو بلغ سبع سنين إن كان أنثى، أو امتنعت الأمّ من الحضانة، أو فقدت شرائطها، فيختصّ الوجوب بالأب؛ ولعلّ الوجه في ذلك، أنّ الولد منتسب إليه وهو أصله؛ لقوله (عليه السلام): «وأمّا حقّ أبيك، فأن تعلم أنّه أصلك، فإنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يُعجبك، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه»[2].

نعم، في بعض الموارد اختصّ الوجوب بالأمّ، كما لو مات الأب أو ارتدّ أو لم يقدر على الحضانة ولم يكن للولد جدّ، في هذه الحالات، وجب على الأم حضانة الطفل وكفالته عيناً[3]، ولو امتنعت فعلى الحاكم إجبارها؛ حفظاً لرعاية مصالح الطفل، ودفعاً لتضييع حقوقه، كما أنّ للحاكم إجبار الأب بحضانة ولده إذا لم تحضنه أمّه لمانع، من امتناعها أو فقد شرائطها أو ارتدادها أو عدم القدرة عليها، ونحو ذلك.

 

 


[1]  ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، مصدر سابق، ج3، ص370.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص621.

[3] سيأتي الدليل عليه في الدرس التاسع.

 

80


63

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

المفاهيم الرئيسة

- يقول اللَّه -تعالى-: ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَملٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعنَ حَملَهُنَّ فَإِن أَرضَعنَ لَكُم فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأتَمِرُواْ بَينَكُم بِمَعرُوفٖ﴾[1].

وجه الاستدلال: إنّ معنى ﴿وَأتَمِرُواْ بَينَكُم بِمَعرُوفٖ﴾ أنّه يجب عليكم الائتمار والتشاور في أمر الصبيّ بالمعروف لدفع الضرر عنه.

- لا يوجد -بحسب التتبّع - نصّ صريح دلّ على وجوب الحضانة، بل الموجود نصوص دالّة على أصل استحقاق الحضانة، نعم هناك روايات دلّت على وجوب الحضانة بالالتزام .

- يظهر من الأدلّة أنّ وجوب الحضانة كفائيّ، بمعنى أنّ الشارع لا يرضى أن تختلّ أمور الطفل من تنظيفه وتدبير شؤونه وحفظه وما يتعلّق بذلك، فإذا قام بها أحد الأبوين سقط عن الآخر.

- في بعض الموارد اختصّ الوجوب بالأمّ، كما لو مات الأب أو ارتدّ أو لم يقدر على الحضانة ولم يكن للولد جدّ، في هذه الحالات، وجب على الأم حضانة الطفل وكفالته عيناً.

 

 


[1] سورة الطلاق، الآية 6.

 

81


64

الدرس السابع: حضانة الطفل(1)

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى المستحقّون للحضانة ومراتبهم.

2. يعرف أدلّة تقدّم الأمّ في الحضانة مدّة الرضاع.

3. يشرح مدّة استحقاق الأمّ للحضانة.

 

81


65

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى المستحقّون للحضانة ومراتبهم.

2. يعرف أدلّة تقدّم الأمّ في الحضانة مدّة الرضاع.

3. يشرح مدّة استحقاق الأمّ للحضانة.

 

82


66

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

تقدّم الأمّ في الحضانة مدّة الرضاع

إنّ المستحقّين للحضانة ليسوا في مرتبة واحدة، بل إنّهم في مراتب متعدّدة من حيث الاستحقاق؛ ولهذا يقدّم فيها الأحقّ فالأحقّ حسب ترتيبهم في استحقاق الحضانة، فنذكر في المقام:

البحث في تقدّم الأم مدّة الرضاع، وهي حولان، ذكراً كان الوليد أو أنثى، فيه قولان:

الأوّل: وهو المشهور بين الفقهاء أنّ الأمّ أحقّ بحضانة الولد قبل الفطام؛ أي مدّة الرضاع في الحولَين مطلقاً حتّى مع انفصال الوالدين.

الثاني: ما ذهب إليه ابن فهد الحلّي من القول باشتراك الأمّ في الحضانة مع الأب مدّة الرضاع[1].

أمّا مختار المشهور: نفى العديد من الفقهاء الخلاف في أنّ الأُمّ مقدّمة في الحضانة على الأب في أيّام الرضاع، قال الشهيد في المسالك: «لا خلاف في أنّ الأمّ أحقّ بالولد مطلقاً مدّة الرضاع»[2].

وقال المحقّق في الشرائع: «فالأمّ أحقّ بالولد مدّة الرضاع، وهي حولان، ذكراً كان أو أنثى»[3].

 

 


[1] ابن فهد الحلي، المهذّب البارع، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1407هـ، لا.ط، ج3، ص426.

[2] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص421.

[3]  المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص567.

 

84


67

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

والمستند لقول المشهور دليلان:

الدليل الأوّل: الروايات التي تقدّم ذكرها:

مثل ما جاء في صحيحة أيّوب بن نوح قال: كتب (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلّا أن تشاء المرأة»[1]. وكذا ما جاء في رواية أبي الصباح الكنانيّ والمنقريّ من قوله (عليه السلام): «فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه»[2]، و«المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»[3]، وغيرها.

هذه النصوص وما يشابهها، صريحة بأنّ الأمّ في أيّام الرضاع وقبل فطام الولد، إن لم تتزوّج، مقدّمة في الحضانة على الأب، ولا يجوز للأب أن يأخذ الولد منها، وهذا هو المطلوب.

قال العلامة الطباطبائي في ذيل قوله -تعالى-: ﴿وَعَلَى ٱلمَولُودِ لَهُۥ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِٱلمَعرُوفِ﴾[4]: «وقد فُرع عليه حكمين آخرين، أحدهما: حق الحضانة والإرضاع الذي للزوجة وما أشبهه فلا يحق للزوج أن يحول بين الوالدة وولدها بمنعها عن حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة وحرج عليها...»[5].

وهكذا قال الطبرسي في مجمع البيان في ذيل كلمة ﴿بِٱلمَعرُوفِ﴾: «... وجعل حقّ الحضانة للأمّ، والنفقة على الأب، على قدر اليسار»[6].

ولكن قد يقال: إنّ الآية الكريمة لا تدلّ على أحقّيّة الأمّ للحضانة صريحاً، ولكن يمكن استفادة هذا الحكم منها بالالتزام؛ والوجه في ذلك، أنّ الآية صريحة في عدم جواز إلحاق أيّ ضرر بالولد، وهو في أيّام الرضاع يحتاج إلى حضانة الأمّ أكثر من الأب، فمنع

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص435.

[2]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص45.

[3]  المصدر نفسه.

[4] سورة البقرة، الآية 233.

[5] العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مرجع سابق، ج2، ص240 - 241.

[6] الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص115.

 

85


68

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

الأمّ عن الحضانة ضرر عليه، والآية تنهى عنه، فيستفاد منها أحقيّة الأمّ للحضانة بضميمة هذه المقدّمة، واللّٰه هو العالم.

الدليل الثاني: السيرة:

قد ثبت في سيرة المتشرّعة والعقلاء من زمان الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) إلى زماننا هذا، أنّ الأمّ كانت وما زالت أحقّ بحضانة الولد من بداية ولادته حتّى انتهاء مدّة رضاعه، وإنْ منع الأب الأمّ من حقّها يذمّونه، كما أنّه إن امتنعت الأمّ من حضانة الولد لتغيظ أباه يذمّونها أيضاً، ويقبّحون عملها.

ومستند القول الثاني:

قال في المهذّب البارع: «وقع الإجماع على اشتراك الحضانة بين الأبَوين مدّة الحولَين»[1].

وقال في الجواهر: «وربّما كانت الآية: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَلَا مَولُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ﴾[2]... ظاهر(ة) فيه»[3].

ولكن يرد عليه: مع ملاحظة ما تقدّم من دعوى عدم الخلاف بين الفقهاء على تقدّم الأمّ على الأب في الحضانة، فإنّ الإجماع الذي ادّعاه ابن فهد بالاشتراك موهون، وقد تقدّم أنّ الآية الكريمة دالّة على تقدّم الأمّ على خلاف ما استفاده ابن فهد (رحمه الله).

مدّة استحقاق الأمّ للحضانة

لا خلاف بين فقهائنا في تقدّم الأم أيّام الرضاع وقبل الفطام في حضانة الولد، سواء كان الولد ذكراً أو أنثى، ولكن اختلفوا في استحقاق الأمّ لحضانة الصغير والصغيرة بعد الفطام وإتمام الرضاع على أقوال خمسة:

 

 


[1]  ابن فهد الحلي، المهذّب البارع، مرجع سابق، ج3، ص426.

[2]  سورة البقرة، الآية 233.

[3] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص286.

 

86


69

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

الأوّل: وهو قول الشيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة، قال: «والأمّ أحقّ بكفالة البنت حتّى تبلغ تسع سنين»[1].

والإشكال في هذا القول، أنّ مستنده غير معلوم، ولعلّ الشيخ المفيد وصل إليه خبر في ما ذكره ولم يصل إلينا، ويظهر أنّ هذا القول لم يقل به فقيه من فقهاء الشيعة إلّا المفيد في المقنعة، والديلمي في المراسم[2].

الثاني: مدّة استحقاق حضانة الصغير سبع سنين، والصغيرة ما لم تتزوّج، وبه قال شيخ الطائفة في الخلاف[3]، وادّعى أنّ إجماع الفرقة وأخبارهم عليه.

ولكن يرد عليه: إنّ هذا كان قول بعض أهل السنّة، وهو مخالف لما اشتهر بين فقهائنا[4]؛ ولذا قال ابن إدريس ردّاً على هذا القول: «ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه، بعضه قول بعض المخالفين، وما اخترنا هو الصحيح؛ لأنّه لا خلاف أنّ الأب أحقّ بالولد في جميع الأحوال، وهو الوالي عليه والقيّم بأموره، فأخرجنا بالإجماع الحولَين في الذكر، وفي الأنثى السبع، فمن ادّعى أكثر من ذلك يحتاج فيه إلى دليل قاطع، وهو مذهب شيخنا في نهايته...»[5].

الثالث: الأمّ أحق بالولد ما لم تتزوّج، قال الصدوق (رحمه الله) في المقنع: «وإذا طلّق الرجل امرأته وبينهما ولد، فالمرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»[6].

ويرد عليه: إنّ الدليل لهذا القول منحصر بمرسلة المنقريّ التي جاء فيها: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»[7]، وهي بإرسالها ضعيفة، مع أنّها معارضة لصحيحة أيّوب بن نوح

 

 


[1] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص531.

[2]  الديلمي، الشيخ حمزة بن عبد العزيز الديلمي، المراسم العلوية في الأحكام النبوية، تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني، المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)، 1414هـ، لا.ط، ص166.

[3] الشيخ الطوسي، الخلاف، مصدر سابق، ج5، ص131 - 132.

[4] وهو ما سيُذكَر في القول الخامس.

[5] ابن إدريس الحلي، السرائر، مصدر سابق، ج2، ص653.

[6] الشيخ الصدوق، المقنع، مصدر سابق، ص360.

[7] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص45.

 

87


70

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

التي صرّح فيها بأحقيّة الأمّ للحضانة إلى سبع سنين، قال (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلّا أن تشاء المرأة»[1]. والترجيح مع الصحيحة.

الرابع: اختصاص الأمّ بحضانة الطفل سنتين، وبعدها يترك الأمر إلى اجتهاد القاضي، قال الشيخ مغنيّة: «وغير بعيد أن تختصّ الأمّ بحضانة الطفل سنتين، ذكراً كان أو أنثى، وبعدها يترك الأمر إلى اجتهاد القاضي ونظره، فهو الذي يقرّر انضمام الطفل إلى الأمّ أو الأب بعد السنتين على أساس مصلحة الطفل ديناً ودنيا... وأضاف: إنّ هذا كان من الوجهة النظريّة»[2].

ويرد عليه: إنّه لا يوجد دليلٌ يمكن إثبات هذا القول به، ولم يقل به فقيه، ولم يذكر هو نفسه -أيضاً - دليلًا عليه، وما ذكره نوع استحسان، ولا اعتبار به في فقهنا، مع أنّ مفاد القول إنّ نظر القاضي بعد السنتين يؤثِّر في تعيين مَن له استحقاق الحضانة، وهو الذي يقرّر انضمام الطفل إلى الأمّ أو الأب على أساس المصلحة، والسؤال أنّ هذا في مورد اختلاف الأب والأمّ في أمر الحضانة ورجوعهما إلى القاضي، أمّا إذا لم يكن كذلك، بل أراد كلّ من الأب والأمّ أن يعلما وظيفتهما، فما هو الحكم الشرعي؟ لا يمكن لهذا القول أن يكون جواباً لهذه المسألة.

الخامس: إنّ مدّة استحقاق الأمّ في حضانة البنت سبع سنين، والصبيّ إلى سنتين، وهذا هو المشهور بين الفقهاء[3]، وادّعى ابن إدريس الإجماع عليه[4]، واختاره الشيخ في

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص435.

[2]  مغنيّة، الشيخ محمد جواد، فقه الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قم، 1421 - 1379ش، ط2، ج5، ص303.

[3] الخوانساري، السيد أحمد، جامع المدارك، تعليق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق - طهران، 1405 - 1364ش، ط2، ج4، ص473.

[4] ابن إدريس الحلي، السرائر، مصدر سابق، ج2، ص653.

 

88


71

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

النهاية[1]، والمحقّق في الشرائع[2]، وابن حمزة في الوسيلة[3]، وابن برّاج في المهذّب[4]، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع[5]، والشيخ محمد حسن النجفي في الجواهر[6]، وغيرهم[7].

والمستند لهذا القول صحيحة أيّوب بن نوح قال: كتب إليه بعض أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد، وخلّيت سبيلها، فكتب (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلّا أن تشاء المرأة»[8].

قال الشيخ الحرّ العامليّ بعد نقل الرواية في الوسائل: أقول: حمله جماعة من الأصحاب على الأنثى. وهكذا صحيحة أخرى له، قال: كتبت إليه مع بشر بن بشّار: جعلت فداك، تزوّج امرأة فولدت منه ثمّ فارقها، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب (عليه السلام): «إذا صار له سبع سنين، فإن أخذه فله، وإن تركه فله»[9].

والدلالة واضحة، ولكن الاستدلال بهما يتوقّف على أن يحمل الولد على الأنثى، وهو مقتضى الجمع بين الأخبار بأن يقال إنّ مقتضى رواية الكنانيّ المتقدّمة انقطاع حضانتها بالفطام مطلقاً من غير فرق بين الذكر والأنثى، ومقتضى رواية أيّوب بن نوح المتقدِّمة -أيضاً - هو بقاء حضانتها إلى أن تبلغ سبع من غير فرق بين الذكر والأنثى، فتحمل الأُولى على الذكر، والثانية على الأنثى؛ للمشهور، ونظراً إلى أنّ الوالد أنسب بتربية الذكر وتأديبه، والوالدة أنسب بتربية الأُنثى وتأديبها[10].

 

 


[1]  الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص504.

[2] المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص567.

[3] ابن حمزة الطوسي، الوسيلة، مصدر سابق، ص288.

[4]  السيد السبزواريّ، مهذب الأحكام، مرجع سابق، ج25، ص278.

[5]  ابن فهد الحلي، المهذب البارع، مرجع سابق، ج3، ص426.

[6] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص285.

[7]  السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص524 - 525؛ الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج2، ص313.

[8] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص435.

[9] ابن إدريس الحلي، الشيخ أبو جعفر محمد بن منصور، مستطرفات السرائر، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1411هـ، ط2، ص581.

[10] انظر: الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص559.

 

89


72

الدرس الثامن: حضانة الطفل(2)

المفاهيم الرئيسة

- المشهور بين الفقهاء أنّ الأمّ أحقّ بحضانة الولد قبل الفطام؛ أي مدّة الرضاع في الحولَين مطلقاً حتّى مع انفصال الوالدين.

- هناك نصوص صريحة بأنّ الأمّ في أيّام الرضاع وقبل فطام الولد، إن لم تتزوّج، مقدّمة في الحضانة على الأب، ولا يجوز للأب أن يأخذ الولد منها.

- قد ثبت في سيرة المتشرّعة والعقلاء من زمان الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) إلى زماننا هذا، أنّ الأمّ كانت وما زالت أحقّ بحضانة الولد من بداية ولادته حتّى انتهاء مدّة رضاعه، وإنْ منع الأب الأمّ من حقّها يذمّونه، كما أنّه إن امتنعت الأمّ من حضانة الولد لتغيظ أباه يذمّونها أيضاً، ويقبّحون عملها.

- هناك خمسة أقوال في مدّة استحقاق الأمّ للحضانة ولكن أشهرها القول بأن حضانة البنت سبع سنين، والصبيّ إلى سنتين.

- المستند لقول المشهور صحيحة أيّوب بن نوح قال: كتب إليه بعض أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد، وخلّيت سبيلها، فكتب (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلّا أن تشاء المرأة».

- ولكن الاستدلال بهذه الرواية وغيرها يتوقّف على أن يحمل الولد على الأنثى، وهو مقتضى الجمع بين الأخبار.

 

90


73

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يبيّن أدلّة تقدّم أحد الأبوَين على سائر الأرحام.

2. يشرح أدلّة تقدُّم الجدّ من جهة الأب على سائر الأرحام.

3. يعدّد أهم شروط المستحقّين للحضانة.

 

92


74

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

تقدّم أحد الأبوَين على سائر الأرحام

لو مات الأب أو ارتدّ أو فقدت فيه بعض شرائط الحضانة بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله، كانت الأمّ أحقّ بحضانة الولد -وإن كانت متزوّجة- من وصيّ أبيه، وكذا باقي الأقارب حتّى جدّه وجدّته فضلًا عن غيرهما، كما أنّه لو ماتت الأمّ في زمان حضانتها، كان الأب أحقّ بها من وصيّها ومن باقي الأقارب مطلقاً، حتّى من أبيها وأمّها، وهذه المسألة لا مخالف فيها.

قال الشهيد الثاني (رحمه الله): «إذا مات الأب... انتقلت الحضانة إلى الأمّ، وكانت أحقّ بها من وصيّ الأب وغيره من الأقارب، وظاهر العبارة [أي عبارة المصنّف] عدم الفرق بين كون الأمّ حينئذٍ متزوّجة وعدمه، وأنّ مانع التزويج إنّما يؤثّر مع وجود الأب كما يقتضيه النصّ، حيث إنّ المنازعة وقعت بينها وبين الأب، فجعلها أحقّ به ما لم تتزوّج»[1].

مقصوده (رحمه الله) من النصّ مرسلة المنقريّ التي سُئِل فيها أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يُطلِّق امرأته وبينهما ولد، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»[2]، ولذا قال بعد كلامه هذا: «والمتحقّق من مانعيّة التزويج ما كان منها مع وجود الأب لا مطلقاً». على كلّ حال هذا القول مختار الشيخ[3]، والمفيد[4]، والمحقّق[5]، والعلّامة[6]، وصاحب الجواهر[7]، وغيرهم[8].

 

 


[1] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص427.

[2]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص45.

[3]  الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص504.

[4] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص531.

[5]  المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص567.

[6]  العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص102.

[7] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص293.

[8] السيد الخوانساري، جامع المدارك، مرجع سابق، ج4، ص474.

 

94


75

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

والدليل على هذا الرأي وجوه منها:

الأوّل: ظهور قوله -تعالى-: ﴿وَأُوْلُواْ ٱلأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَىٰ بِبَعضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ﴾[1]؛ إذ لا شك في أنّ الأولوية تشمل الإرث والحضانة وغيرهما، وبتعبير آخر: الولد يفتقر إلى التربية والحضانة، فلا بدّ مَن أن يكون له من يقوم بذلك، والقريب -أعني الأب أو الأمّ- أولى من البعيد.

قال بعضهم في وجه الاستدلال بالآية: «وإن كان الوالد قد مات، كانت الأم أحقّ بحضانته من الوصيّ إلى أن يبلغ، ذكراً كان أو أنثى، تزوّجت أم لم تتزوّج؛ لقوله -تعالى-: ﴿وَأُوْلُواْ ٱلأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَىٰ بِبَعضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ﴾، ولا خلاف في أنّ الأمّ أقرب إليه بعد الأب من كلّ أحد[2].

الثاني: ما دلّت عليه –أيضاً - موثّقة داود بن الحصين، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «والوالدات يرضعن أولادهنّ...، فإذا مات الأب فالأمّ أحقّ به من العصبة»[3]. والدلالة واضحة.

الثالث: إنّ الأب والأمّ أشفق وأرفق بالولد من غيرهما، فالحضانة التي نشأت من طبيعتهما كانت لهما فقط ما دام أحدهما أو كلاهما موجوداً.

وقد أشير في ذيل موثّقة داود بن الحصين المتقدّمة إلى هذا الوجه؛ لأنّه قال (عليه السلام) فيها: «إلّا أنّ ذلك خير له وأرفق به أن يُترك مع أمّه».

تقدُّم الجدّ من جهة الأب على سائر الأرحام

لا يوجد نصّ في حكم الحضانة على الخصوص إلّا في الأبوَين دون من عداهما من بقية الأجداد والجدّات والأقارب؛ ولذلك اختلف الأصحاب في مَن له استحقاق الحضانة ويجب عليه القيام بها بعد الأبوَين: الجدّ للأب، أو الأمّ للأب، وسائر الأقارب بحسب

 


[1] سورة الأنفال، الآية 75.

[2] ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص652.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص45. والعصبة هم قرابة الأب؛ كالإخوة والأعمام، وأولادهم.

 

95


76

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

مراتبهم في الإرث، أو تكون الحضانة لوصيّ الأب والجدّ... على أقوال كثيرة نشير إليها على نحو الاختصار:

القول الأوّل: إنّ الحضانة تكون بعد الأبوَين لأمّ الأب:

فإن لم تكن فلأبيه، فإن لم يكونا فلأمّ الأمّ. هذا قول المفيد (رحمه الله) في المقنعة[1]، ولم يذكر له دليلًا.

القول الثاني: إنّ الحضانة تكون بعد الأبوَين للقرابة، حيث تقوم مقام من تقرّبت به:

نسبه في الجواهر إلى ابن الجنيد[2]، وذكر العلّامة في المختلف نقلًا عنه قوله: وقال ابن الجنيد: «قرابة الأمّ أحقّ بالأنثى من قرابة الأب؛ لحكم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بابنة حمزة لخالتها دون أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر، وقد طالبا بها؛ لأنّها ابنة عمّهما جميعاً». وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ عندي ابنة رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله) وهي أحقّ بها، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ادفعوها إلى خالتها، فإنّ الخالة أمّ»[3]،[4].

القول الثالث: لو عُدم الأبوان فللأجداد، فإن عُدموا فلأقرب النسب كالإرث:

ولو تعدّدوا أُقرِع. وهذا مذهب العلّامة في إرشاد الأذهان[5].

القول الرابع: إنّها للجدّ من الأب مع فقد الأبوَين:

ومع عدمه، فإن كان للولد مال استأجر الحاكم مَن يحضنه، وإلّا كان حكم حضانته حكم الإنفاق، تجب على الناس كفاية، نسب هذا القول في الجواهر[6] إلى ابن إدريس، والذي جاء في السرائر أنّه: «لا حضانة عندنا إلّا للأمّ نفسها وللأب، فأمّا غيرهما فليس

 


[1] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص531.

[2]  الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص297.

[3] الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص159.

[4]  العلّامة الحلي، مختلف الشيعة، مرجع سابق، ج7، ص310.

[5]  العلّامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، إرشاد الأذهان، تحقيق: الشيخ فارس حسون، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1410هـ، ط1، ج2، ص40.

[6] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص296.

 

96


77

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

لأحدٍ ولاية عليه سوى الجدّ من قبل الأب خاصّة»[1].

القول الخامس: إذا فُقد الأبوان انتقلت الحضانة إلى باقي الأقارب والأرحام على ترتيب الإرث:

تمسّكاً بظهور قوله -تعالى-: ﴿وَأُوْلُواْ ٱلأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَىٰ بِبَعضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ﴾[2]، فإنّ الأولوية تشمل الإرث والحضانة وغيرهما. ولأنّ الولد مفتقر إلى التربية والحضانة، فمن الحكمة نصب قيّم عليها، والقريب أولى بها من البعيد. على هذا، مع فقد الأبوَين يُنظر في الموجود من الأقارب ويُحكم له بحقّ الحضانة، ثمّ إن اتّحد اختصّ، وإن تعدّد أُقرِع بينهم؛ لما في اشتراكها من الإضرار بالولد. وهذا مختار الشهيد في المسالك[3] والروضة البهيّة[4]، والعلّامة في المختلف[5].

القول السادس: بعد فقد الأبوَين تكون الحضانة للجدّ من قبل الأب:

ثمّ للوصيّ المتأخّر موته منهما، ثمّ للأرحام على مراتبهم في الإرث، ثمّ للحاكم، ثمّ للعدول من المؤمنين، ثمّ للمسلمين كفايةً.

هذا قول صاحب الجواهر[6]، والإمام الخمينيّ[7]، والسيّد عبد الأعلى السبزواريّ[8]، وكما يُستفاد ذلك من كلمات الشيخ[9]، والمحقّق[10]، والعلّامة[11]، وغيرهم[12].

 

 


[1] ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص654.

[2] سورة الأنفال، الآية 57.

[3] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص430.

[4] الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مرجع سابق، ج5، ص460.

[5] العلّامة الحلي، مختلف الشيعة، مرجع سابق، ج7، ص311 - 312.

[6] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص297.

[7] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج2، ص313.

[8] السيد السبزواريّ، مهذب الأحكام، مرجع سابق، ج25، ص281.

[9] الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج6، ص42.

[10] المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص567.

[11] العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص102.

[12] الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص564.

 

97


78

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

وأمّا الدليل على هذا القول:

إنّ أصل الحضانة للأب؛ لأنّ له الولد، انتقلت عنه إلى الأمّ مع وجودها بالنصّ والإجماع، فإذا انتفيا انتقلت إلى أب الأب؛ لأنّه أب ومشارك للأب في كون الولد له، وله الولاية عليه في المال (كما سيأتي) وغيره، وكذا في الحضانة.

ولا يرد أنّ أمّ الأمّ وأمّ الأب يسمّيان أمّاً، فيشملهما ما دلّ على حضانة الأمّ؛ لأنّها لمّا خالفت الأصل اقتصر فيها على المتيقّن، وهو حضانة الجدّ من جهة الأب فقط.

وأمّا الدليل على تقدّم وصيّ الأب أو وصيّ الجدّ على سائر الأرحام؛ لأنّهما نائبان وقائمان مقامهما، وبما أنّ الحضانة كانت للأب أو الجدّ فبعد فقدهما تكون لوصيّهما؛ لأنّ ولاية الوصيّ المنصوب من قِبَل الموصي قيّماً على أولاد الصغار ثبتت بالنّص والإجماع، ومن النصوص ما جاء في خبر عليّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى جعفر وموسى: «وفي ما أمرتكما من الإشهاد بكذا وكذا نجاة لكما في آخرتكما، وإنفاذ لما أوصى به أبواكما، وبرّ منكما لهما، واحذرا أن لا تكونا بدّلتما وصيّتهما ولا غيّرتما على حالها...»[1].

وأمّا بعد الوصيّ للأب والجدّ، فللأرحام على ترتيب الإرث، وإن تساووا وحصل التشاحّ والنزاع فبحكم القرعة؛ تمسّكاً بظهور قوله -تعالى-: ﴿وَأُوْلُواْ ٱلأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَىٰ بِبَعضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ﴾؛ لأنّ الأولوية تشمل الإرث والحضانة، والقريب أَولى بها من البعيد، وإذا فقد الأرحام أو لم يوجد فيهم مَن كان واجداً لشرائطها، فالحضانة للحاكم؛ تمسّكاً بأدلّة ولايته، ومع عدمه فلعدول المؤمنين، أو للمؤمنين والمسلمين كفايةً، واللَّه العالم.

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص14.

 

98


79

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

في شروط المستحقّين للحضانة

الشرط الأول: الإسلام:

اشترط الفقهاء أن يكون الحاضن أو الحاضنة مسلماً أو مسلمة إذا كان الولد مسلماً، وهو إجماعيّ عند علمائنا. قال المحقّق: «فالأمّ أحقّ بالولد مدّة الرضاع، إذا كانت مسلمة...، ولا حضانة للكافرة مع المسلم»[1]. وكذا قال صاحب الجواهر: «وأمّا الكافر فإنّه وإن لم يكن فيه نصّ، إلّا أنّ من المعلوم عدم ولايته على المسلم»[2].

فعلى هذا، لو كانت الأمّ كافرة كان الأب أحقّ بالولد إذا كان مسلماً، كما صرّح بذلك في القواعد[3]. وكذا لو كان الأب كافراً كانت الأمّ أحقّ به لو كانت مسلمة.

ومن الأدلة على هذا الحكم:

منها: قوله -تعالى-: ﴿وَلَن يَجعَلَ ٱللَّهُ لِلكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلمُؤمِنِينَ سَبِيلًا﴾[4]؛ أي لن يجعل اللّٰه، في عالم التشريع، حكماً يكون موجباً لتسلّط الكافرين على المؤمنين، وتشريع جواز حضانة الكافر على الولد المسلم موجب لعلوّ الكافر على المسلم، وهذا منفيّ بحكم الآية، فيستفاد منها قاعدة هي: «عدم جواز علوّ الكافرين على المسلمين»، وهي حاكمة على سائر الأدلّة.

ومنها: الخبر المشهور الذي ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه»[5]. وهذا الخبر مشهور معروف موثوق الصدور؛ لاشتهاره بين الفقهاء، وعملهم به على كلّ حالٍ. والظاهر من الحديث الشريف أنّه لا يمكن أن يكون حكم الإسلام وتشريعه سبباً وموجباً لعلوّ الكافر على المسلم.

 


[1] المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص567.

[2] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص294.

[3] العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص102.

[4]  سورة النساء، الآية 141.

[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص334.

 

99


80

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

وقد أخذ الفقهاء من الآية والحديث المتقدّمين قاعدةً فقهيةً أسموها قاعدة نفي السبيل؛ أي: نفي السبيل للكافرين على المسلمين.

الشرط الثاني: القدرة:

المقصود بالقدرة هنا معناها الأعمّ، أي الشرعيّة والعقلية. والقدرة هي التمكُّن من القيام بشؤون الطفل والعناية به حفظاً وتربيةً، سواء كان الحاضن ذكراً أو أنثى. على هذا، إن كان عاجزاً عن ذلك فلا حضانة له، سواء كان عجزه لكبر سنّه أو مرضه أو إصابته بعاهةٍ، كالفالج والعمى ونحو ذلك.

ومن البديهيّ أنّ العقل يحكم باشتراط القدرة في الحضانة، وكذا النقل؛ لقوله -تعالى-: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا﴾[1].

وموثّقة حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله): رُفِع عن أمّتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان...، وما لا يطيقون»[2].

يستفاد من هذا الحديث الشريف أنّ كلّ عملٍ لا يقدر المكلّف على إتيانه مرفوع عنه، ومنه الحضانة.

الشرط الثالث: الصحّة:

المفهوم من كلمات الفقهاء أنّه يشترط في الحاضن أو الحاضنة خلوّهما من المرض المعدي للمحتضن، بحيث يضرّ به أو يكون مفوّتاً لحقّه. قال الشهيد (رحمه الله): «لو كان بها جذام أو برص وخيف العدوى أمكن كون الأب أولى...»[3].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 286.

[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الخصال، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران-قم، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ص417.

[3]  الشهيد الأوّل، محمّد بن مكي العامليّ، القواعد والفوائد، تحقيق: السيد عبد الهادي الحكيم، منشورات مكتبة المفيد، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ج1، ص445.

 

100


81

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

ويؤيّد ذلك قوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَلَا مَولُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ﴾[1].

ويؤيّده قوله (صلى الله عليه وآله): «لا يُورد مُمرض على مُصحٍّ»[2].

ولكن مع ذلك كلّه، سقوط الاستحقاق بالمرض مناف لإطلاق الأدلّة، فيمكن أن يقال: جاز للمريض أن يستنيب لأمر الحضانة بحيث يرفع الضرر عن المحضون.

وفي إلحاق المرض المزمن -الذي لا يُرجى زواله - بالمرض المعدي وجهان: من اشتراكهما في المانع من مباشرة الحفظ، وأصالة عدم سقوط الولاية، مع إمكان تحصيلها بالاستنابة، وبه يفرّق بينه وبين الجنون، ضرورة أنّ السقوط منافٍ لإطلاق الأدلّة على كلّ تقدير[3].

نعم، إذا لم يمكن الاستنابة، وكان المرض ممّا يترتّب فيه الضرر على الولد، لا يجوز للمريض الحضانة حينئذٍ.

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 233.

[2] ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، مصدر سابق، ج1، ص447.

[3]  الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص288.

 

101


82

الدرس التاسع: حضانة الطفل(3)

المفاهيم الرئيسة

- إن كان الوالد قد مات، كانت الأم أحقّ بحضانته من الوصيّ إلى أن يبلغ، ذكراً كان أو أنثى، تزوّجت أم لم تتزوّج؛ لقوله -تعالى-: ﴿وَأُوْلُواْ ٱلأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَىٰ بِبَعضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ﴾، ولا خلاف في أنّ الأمّ أقرب إليه بعد الأب من كلّ أحد.

- لو ماتت الأمّ في زمان حضانتها، كان الأب أحقّ بها من وصيّها ومن باقي الأقارب مطلقاً، حتّى من أبيها وأمّها.

- إنّ مانع التزويج للأم إنّما يؤثّر مع وجود الأب كما يقتضيه مرسلة المنقريّ التي سُئِل فيها أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يُطلِّق امرأته وبينهما ولد، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج».

- اختلف الأصحاب في مَن له استحقاق الحضانة ويجب عليه القيام بها بعد الأبوَين: الجدّ للأب، أو الأمّ للأب، وسائر الأقارب بحسب مراتبهم في الإرث، أو تكون الحضانة لوصيّ الأب والجدّ و... على أقوال كثيرة.

- شروط المستحقّين للحضانة عديدة نذكر منها: الإسلام، القدرة، الصحة...

 

102


83

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى باقي شرائط مستحقي الحضانة.

2. يلخّص الأقوال في حقّ الحضانة بعد انفصال الأمّ عن الرجل الأجنبيّ.

3. يعرف الأقوال في مدّة الحضانة.

 

104


84

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

شروط مستحقي الحضانة

الشرط الرابع: العقل:

فلا حضانة للمجنون؛ لأنّ المجنون لا يتأتّى منه الحفظ والتربية، بل هو في نفسه محتاج إلى مَن يحضنه، ولا فرق بين أن يكون الجنون مطبقاً أو أدوارياً[1]، إلّا إذا وقع نادراً ولا تطول مدّته فلا يبطل الحقّ[2].

توضيح ذلك: أنّ المجنون فاقد للتكليف:

أوّلًا: لقوله (عليه السلام): «أما علمت أنّ القلم يُرفع عن ثلاثةٍ: عن الصبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن النائم حتّى يستيقظ؟!»[3].

ثانياً: تفويض أمر الحضانة إلى المجنون موجب لتضييع حقوق الطفل، وتضييع حقوقه إضرار به، وهو منهيّ بحكم العقل والنقل؛ وكذلك الحضانة نوع ولاية لتربية الطفل وتدبير شؤونه، ولا ولاية للمجنون. وقد أفتى كثير من الفقهاء[4] بلزوم هذا الشرط للحضانة.

بل يمكن أن يقال: اتّفق فقهاء الشيعة على لزومه، فلا حاجة إلى إطالة الكلام فيه.

 

 


[1] المراد من المطبق المستمر؛ بمعنى أن هذا الجنون يغطي صاحبه ويلازمه. والمراد من الجنون الأدواردي هو الذي ينقطع ثمّ يعود.

[2] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص287.

[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص94.

[4] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص423.

 

106


85

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

الشرط الخامس: عدم الزواج من أجنبيّ -فيما إذا كان الحاضن هو الأمّ-:

فلو تزوّجت الأم سقط حقّها في الحضانة إذا كان الأب حرّاً مسلماً. وأمّا إذا كان رقّاً أو كافراً فلا يسقط حقّ حضانة الأمّ مع التزويج إذا كانت حرّة، ولا فرق في سقوط حقّها بالتزويج بين دخول الزوج وعدمه؛ لإطلاق النصّ، كقوله (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»[1].

ويدلّ على هذا الشرط -أيضاً - روايتا فضيل بن يسار وداود الرقّيّ[2] الدالّتان على تقدّم الأمّ بالولد بعد التزويج إذا كان الأب رقّاً، وصرّحتا بتقدّم الأب إذا أُعتق.

وقد صرّح بلزوم هذا الشرط كثير من الفقهاء، مثل الشيخ في النهاية[3]، والمفيد في المقنعة[4]، والعلّامة[5]، وصاحب الحدائق[6]، وصاحب الجواهر[7]، وغيرهم[8]، وادّعى الشهيد الإجماع عليه[9]. وعلّل في المسالك سقوط حقّ الحضانة بالتزويج بقوله: «ولأنّ النكاح يشغلها بحقّ الزوج، ويمنعها من الكفالة»[10].

فرع1:

هل يعود حقّ الحضانة بعد الانفصال من أجنبيّ؟ فيه قولان:

القول الأوّل: يعود حقّ الحضانة بعد الانفصال وزوال المانع.

القول الثاني: لا يعود.

أمّا القول الأوّل: إذا طلّقها الزوج طلقة رجعيّة لم يعد حقّها، وإن طلّقها بائناً عاد؛

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص45.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص435؛ الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص45.

[3] الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص504.

[4] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص531.

[5] العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص102.

[6] المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج25، ص92.

[7] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص291.

[8] السيد الخوانساري، جامع المدارك، مرجع سابق، ج4، ص475.

[9] الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مرجع سابق، ج5، ص463.

[10] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص424.

 

107


86

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

لأنّ الإمام (عليه السلام)[1] جعل التزويج مانعاً من استيفاء الحقّ، فإذا زال فالحقّ باقٍ على ما كان. وهذا مختار الشيخ في الخلاف[2] والمبسوط[3]، وبعض الفقهاء المعاصرين[4].

وأما القول الثاني: فإن طلّقها مَن تزوّج بها طلاقاً رجعيّاً لم يعد حقّها من الحضانة، وإن كان بائناً فالأولى أنّه لا يعود؛ لأنّ عوده يحتاج إلى دليل. وجعل (عليه السلام) غاية الاستحقاق للحضانة التي تستحقّها الأم تزويجها، وهذه قد تزوّجت فخرج الحقّ منها، ويحتاج في عوده إليها إلى شرع[5].

فرع2:

ذكر بعض الفقهاء في موضوع الحضانة مسألة لا يخلو ذكرها من الفائدة، وهي أنّه «ليس للأمّ الحاضنة أن تسافر بالولد إلى بلد بغير رضاء أبيه؛ لأنّ الأب وليّه الشرعي، فلا يجوز السفر بالولد بدون رضاه، وكذا ليس للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أمّه إن استلزم الضرر على الطفل أو على الأمّ، فحينئذٍ لا يجوز بلا إشكال؛ لحديث نفي الضرر، وإن لم يكن ضرر بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، فمقتضى الأصل الجواز[6].

الشرط السادس: أن تكون أمينة:

قد صرّح بلزوم هذا الشرط بعض الفقهاء من الشيعة؛ لأنّها إن لم تكن أمينةً ربّما كانت سبباً في عدم حفظ الولد وفي عدم تربيته تربيةً صالحة، ولا ولاية لفاسق. يقول الشهيد الثاني: «فلا حضانة للفاسقة؛ لأنّ الفاسق لا يَلي، ولأنّها لا تؤمن أن تخون في حفظه، ولأنّه لا حظّ له في حضانتها؛ لأنّه ينشأ على طريقتها، فنفس الولد كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته»[7].

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص4.

[2] الشيخ الطوسي، الخلاف، مرجع سابق، ج5، ص133.

[3]  الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج6، ص41.

[4] الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، ص561.

[5]  ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص651.

[6] السيد السبزواريّ، مهذب الأحكام، مرجع سابق، ج25، ص283.

[7]  الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص424.

 

108


87

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

قال الشيخ في المبسوط: «وإن كان أحدهما عدلًا والآخر فاسقاً فالعدل أحقّ به بكلّ حال؛ لأنّ الفاسق ربّما فتنه عن دينه»[1]. وبمثل هذا قال الشهيد الأوّل في القواعد[2].

وذهب آخرون إلى عدم اشتراط العدالة للحاضن وللحاضنة؛ لعموم أدلّة الحضانة، ولم يمنع النبيّ (صلى الله عليه وآله)ولا أحد الأئمّة (عليهم السلام) فاسقاً من تربية ولده وحضانته له، ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة لكان بيان هذا للأمّة من أهمّ الأمور، واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدّماً على كثير ممّا نقلوه، فالخروج ممّا ثبت شرعاً له من حقّ الحضانة بمثل التعليلات المذكورة لا يخلو من مجازفة، مع أنّ منشأ الحضانة الشفقة التي هي من لوازم طبيعة كلّ حيوان، فضلًا عن الإنسان. وهذا ملخّص ما ذهب إليه الفاضل الهنديّ[3]، وصاحب الجواهر[4]، والعلّامة في القواعد[5]، وصاحب الحدائق[6].

نعم، لو كان الفسق يوجب الإضرار بالولد في حضانته على وجه لا يُطاق، ففي هذه الحالة يوجب سلب الحضانة، لكن من ناحية نفي الضرر والإضرار، لا بسبب الفسق وعدم العدالة.

قال في الجواهر: «نعم، لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد أمكن حينئذٍ دعوى سقوط حضانتها، وعدم شمول الإطلاقات لها»[7].

فرع:

ظهر ممّا ذكرنا، أنّ بعض الأُمّهات اللاتي يبتلين ببعض الأمراض كاعتياد المخدّرات، والتي -مع الأسف راجت في زماننا-، كالحشيش والمورفين والكوكايين وغيرها، لا يستحققن الحضانة.

 

 


[1] الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج6، ص40.

[2] الشهيد الأوّل، القواعد والفوائد، مرجع سابق، ج1، ص396.

[3]  الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص556. .

[4] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص289.

[5]  العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص102.

[6]  المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج25، ص93.

[7] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص289.

 

109


88

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

ذلك أنّ الاعتياد على المخدّرات يوجب غيبة العقل وضياعه، ومن غاب عقله فعل الأفاعيل وهو لا يدري، ومن كان كذلك يسلب عنه حقّ الحضانة، كما أفتى بعض الأعلام من فقهاء العصر بذلك[1].

قال السيّد الفقيه الگلبايگاني في جواب السؤال من أنّه «هل يسلب حقّ الحضانة من المرأة التي تستعمل المخدّرات للأغراض الطبّية؟: إنّ الامّ إذا لم تقدر على حفظ ولدها لأجل مرضها يسلب عنها حقّ الحضانة»[2].

وقال أيضاً :«إن كان الرجل ذا أخلاق فاسدة لأجل تعويده بشرب الخمر والقمار فلا يستحقّ الحضانة، وتجب على الامّ حضانة الولد ولا يجوز أن تدفعه لأبيه»[3].

وقال الشيخ الفقيه الفاضل اللنكراني: «يسقط حقّ الحضانة من المرأة إذا خيف من أخلاقها أن يضرّ الولد»[4].

ويمكن القول بوجه عامّ: إنّ تفويض الحضانة إلى المرأة أو الرجل اللذين تعوّدا المخدّرات موجب لتضييع حقوق الطفل، وتضييع حقوقه إضرار به وهو منهيّ بحكم العقل والنقل، فيشمله قوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا﴾[5]، وقوله (صلى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار»[6]. وهكذا الحضانة نوع ولاية لتربية الطفل وتدبير شؤونه ولا ولاية لمن غاب عقله، والاعتياد على المخدّرات يكون كذلك غالباً.

أَمَد الحضانة

بعد إثبات وجوب الحضانة وبيان شرائطها، يلزم أن نبحث في أنّه إلى أيّ زمان تجب حضانة الطفل؟ ومتى تنقضي مدّته؟

 

 


[1] حيث صرّح بعضهم أنّ الولد ينتزع من الأم المدمنة إذا خيف عليه ولم تكن لها صلاحية الحضانة.

[2] الفقيه الگلپايگانى، سيد محمد رضا، مجمع المسائل(الفارسيّ)، دار القرآن الكريم، إيران-قم، 1413هـ، ط4، ج4، ص391 - 392.

[3] الفقيه الگلپايگان، مجمع المسائل(الفارسي)، مرجع سابق، ج4، ص391 - 392.

[4]  المصدر نفسه، ج1، ص439، ج2، ص439.

[5] سورة البقرة، الآية 233.

[6] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص293.

 

 

110


89

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

الجواب: بما أنّ الحضانة شرّعت لمصلحة المحضون، فمدّتها تتحدّد بقدر حاجته إليها، وتنتهي بانتفاء الحاجة إليها؛ وذلك عند استغناء المحضون عن الحضانة، ويُعلم ذلك بأنّ يصير الولد بالغاً رشيداً، فحينئذٍ ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتى الأبوين فضلًا عن غيرهما، وهذا ممّا لا خلاف فيه عند الفقهاء.

قال العلّامة في القواعد: «فإن كان الولد بالغاً رشيداً تخيّر في الانضمام إلى مَن شاء منهما ومن غيرهما»[1]، وكذا في الإرشاد[2].

وفي الرياض: «إذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه بلا خلاف»[3].

وقال المحقّق في الشرائع: «إذا بلغ الولد رشيداً سقطت ولاية الأبوين عنه، وكان الخيار إليه في الانضمام إلى من شاء»[4].

وقال الشهيد في المسالك: «وهو موضع وفاق، ولكن كرهوا للبنت مفارقة أمّها إلى أن تتزوّج»[5]. وهذا مختار الشيخ في المبسوط[6]، وابن حمزة[7]، وصاحب الجواهر[8]، والإمام الخمينيّ[9]، وغيرهم[10].

واستدلّ لهذا الحكم بوجوه عدّة، منها:

أوّلًا: الأصل. وتقريره أن يقال: الأصل عدم ولاية أحدٍ على أحدٍ، خرج عنه بمقتضى الدليل أيّام عدم بلوغ الطفل، فإذا انقضت أيّام الرضاع شُكّ في بقائه وأثّر الأصل أثره،

 

 


[1] العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص101 - 102.

[2] العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان، مرجع سابق، ج2، ص40.

[3] السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص529.

[4]  المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص568.

[5] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص436.

[6] الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج6، ص39.

[7] الكيدري، قطب الدين البيهقي، إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق(عليه السلام)، مطبعة: اعتماد - قم، محرم الحرام 1416هـ، ط1، ج18، ص350.

[8] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج31، ص301.

[9] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج2، ص312.

[10]  ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص652؛ العلاّمة الحلّي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج3، ص102؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام، مرجع سابق، ج7، ص549.

 

111


90

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

وهو عدم ولاية أحدٍ على أحد، ويشمل المورد؛ لأنّ الحضانة -كما قلنا في تعريفها - نوع ولايةٍ.

ثانياً: إطلاق أدلّة البلوغ والرشد، كقوله -تعالى-: ﴿وَٱبتَلُواْ ٱليَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِن ءَانَستُم مِّنهُم رُشدٗا فَٱدفَعُوٓاْ إِلَيهِم أَموَٰلَهُم﴾[1].

الابتلاء هو الاختبار والإمتحان، وهو هنا تتبّع أحوال اليتامى حتّى يتبيّن حالهم من الرشد، فإن ثبت يُعطوا أموالهم وإلّا فيترك ويحجر حتّى يتبيّن الرشد[2]، والرشد: الصلاح، وهو إصابة الحقّ. وأمر بيّن رشده: أي صوابه، وهو خلاف العَمَه والضلال[3].

وفي اصطلاح الفقهاء معناه القدرة على حفظ المال وعدم تضييعه. لقول الإمام الصادق (عليه السلام) في قول اللّٰه -عزّ وجلّ-: ﴿فَإِن ءَانَستُم مِّنهُم رُشدٗا فَٱدفَعُوٓاْ إِلَيهِم أَموَٰلَهُم﴾[4] قال: «إيناس الرشد حفظُ المال»[5].

فالرشد والخروج عن اليتم هو أن يعلم صلاح المال وعدم صرفه في وجهٍ غير لائق بنظر العقلاء، فتضييع المال بإلقائه في البحر أو حرقه أو صرفه في المحرّمات منافٍ للرشد، كما أنّ صرف المال في وجهٍ لائق وفي الأمور الخيريّة موافق للرشد.

فمقتضى الآية جواز الابتلاء والامتحان قبل البلوغ، وانتهاؤه بالبلوغ والرشد، وهكذا الظاهر منها بمعونة النصوص الواردة أنّ الرشد وخروج الطفل عن اليتم يحصل بالبلوغ، وببلوغهم يكونون مالكين لأنفسهم، ولا يحتاجون حينئذٍ إلى الحضانة.

فثبت أنّ أَمَد الحضانة تنتهي إن بلغ الولد رشيداً، وحينئذٍ يصير مالك نفسه وله الخيار في الانضمام لمن يشاء من الأبوين، ذكراً كان الولد أو أنثى، وقد وردت في هذا نصوص كثيرة[6].

 

 


[1] سورة النساء، الآية 6.

[2] المحقق الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن، مرجع سابق، ص497.

[3]  الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج3، ص50.

[4] سورة النساء، الآية 6.

[5]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص222.

[6] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج1، ص31، ج13، ص143.

 

112


91

الدرس العاشر: حضانة الطفل(4)

المفاهيم الرئيسة

- العقل: فلا حضانة للمجنون؛ لأنّ المجنون لا يتأتّى منه الحفظ والتربية، بل هو في نفسه محتاج إلى مَن يحضنه.

- لو تزوّجت الأم سقط حقّها في الحضانة إذا كان الأب حرّاً مسلماً، ويدل على هذا الحكم قوله (عليه السلام): «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج».

- هل يعود حقّ الحضانة بعد الانفصال من أجنبيّ؟ فيه قولان: القول الأوّل: يعود حقّ الحضانة بعد الانفصال وزوال المانع. القول الثاني: لا يعود.

- ليس للأمّ الحاضنة أن تسافر بالولد إلى بلد بغير رضاء أبيه؛ لأنّ الأب وليّه الشرعي.

- ليس للأب أن يسافر بالطفل ما دام في حضانة أمّه إن استلزم الضرر عليه أو على الأمّ.

- يشترط بالحاضنة أن تكون أمينة لأنّها إن لم تكن أمينةً ربّما كانت سبباً في عدم حفظ الولد وفي عدم تربيته تربيةً صالحة.

- إنّ تفويض الحضانة إلى المرأة أو الرجل اللذين تعوّدا المخدّرات موجب لتضييع حقوق الطفل، وتضييع حقوقه إضرار به وهو منهيّ بحكم العقل والنقل، فيشمله قوله -تعالى-: ﴿لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُ بِوَلَدِهَا﴾

- إنّ الحضانة شرّعت لمصلحة المحضون، فمدّتها تتحدّد بقدر حاجته إليها، وتنتهي بانتفاء الحاجة إليها؛ وذلك عند استغناء المحضون عن الحضانة، ويُعلم ذلك بأنّ يصير الولد بالغاً رشيداً، فحينئذٍ ليس لأحد حقّ الحضانة عليه حتى الأبوين فضلًا عن غيرهما.

 

113


92

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يعدّد أقسام الولاية.

2. يلخّص أدلّة ولاية الأب والجدّ على الصغار في التزويج.

3. يقرأ اشتراط تزويج الوليّ بوجود المصلحة أو عدم المفسدة.

 

114

 

 


93

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

مفهوم الولاية

أوّلاً: الولاية لغةً:

الولاية في اللغة مأخوذة من مادّة ولي، وهو بمعنى القرب والدُنوّ، يُقال: تباعدنا بَعْدَ ولي[1].

وولي الشيء وِلايةً ووَلايةً بالكسر والفتح، وهي بالكسر، الاسم مثل الإمارة والنِّقابة وبالفتح المصدر[2]. وقيل: الولاية بالكسر: السلطان[3]. ووليّ اليتيم: الذي يلي أمره ويقوم بكفايته، ووليّ المرأة: الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبدّ بعقد النكاح دونه[4]، (و) المولى من الدين هو الوليّ، وذلك قوله -تعالى-: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَولَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَأَنَّ ٱلكَٰفِرِينَ لَا مَولَىٰ لَهُم﴾[5]؛ أي لا وليّ لهم. ومنه الحديث: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»؛ أي مَنْ كنت وليّه[6].

 

 


[1] الفيروزآبادي، الشيخ محمد بن يعقوب الشيرازي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان-بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص401؛ الزبيدي، السيد محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان-بيروت، 1414هـ - 1994م، لا.ط، ج20، ص310.

[2] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج15، ص407.

[3] الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، لبنان-بيروت، 1407هـ-1987م، ط4، ج6، ص2530.

[4] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج15، ص407؛ الزبيدي، تاج العروس، مصدر سابق، ج20، ص315، وفيه «ويقوم بكفالته».

[5]  سورة محمّد، الآية 11.

[6]  الزبيدي، تاج العروس، مصدر سابق، ج20، ص311.

 

116


94

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

وقال ابن الأثير: «وكأنّ الولاية تُشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك لم يُطلق عليه اسم الوالي»[1].

فتحصّل من جميع ذلك، أنّ معنى الولاية: التصدّي لشؤون الغير، وتدبير أمره، والتصرّف في نفسه أو ماله أو فيهما معاً.

ثانياً: الولاية اصطلاحاً:

عُرّفت الولاية بتعاريف مختلفة، منها: «الولاية هي قدرة الشخص شرعاً على إنشاء التصرّف الصحيح النافذ على نفسه أو ماله، أو على نفس الغير وماله»[2].

وهذا التعريف شامل لولاية الأب والجدّ والوصيّ عنهما، ولكنّه قاصر عن الشمول لولاية الحاكم؛ لأنّها تكون عامّةً بالنسبة إلىٰ جميع الشؤون الشخصيّة والماليّة والاجتماعيّة والسياسيّة والمصالح الأخرويّة والدنيويّة، والحال أنّه اقتصر هذا التعريف للولاية على الشؤون الماليّة والشخصيّة فقط.

فالأولى أن تعرّف بما ذكره المحقّق الأصفهانيّ (رحمه الله) بقوله: «فالولاية حقيقتها كونُ زمام أمور شيءٍ بيد شخص، مَن ولِيَ الأمر ويليه»[3].

أقسام الولاية

تنقسم الولاية من عدّة حيثيات إلى:

أوّلاً: تقسيم الولاية باعتبار سببها:

تنقسم الولاية بهذا الاعتبار إلىٰ قسمين:

1. الولاية بالمعنى الأخصّ. 2. الولاية بالمعنى الأعمّ.

 

 


[1] ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج5، ص227؛ وقد ذكر في اللغة للوليّ معانٍ كثيرة خارجة عن موضوع كلامنا هذا، مثل المحبّ، الصديق، النصير، المطيع، التابع، ابن العم، الجار، المعتق، و...

[2]  زيدان، عبد الكريم، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلاميّة، مؤسّسة الرسالة، لبنان-بيروت، 1993م، ط1، ج6، ص339.

[3] الشيخ الأصفهانيّ، حاشية المكاسب، تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي، ذوي القربى، 1418هـ، ط1، ج2، ص379.

 

117


95

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

فالأولى: هي مسبّبة عن أحد الأسباب الخمسة، وهي الأبوّة والجدودة والملك والسلطنة والوصاية[1].

والثانية: هي مطلق القدرة على إنفاذ التصرّف في الشيء، فتعمّ الوكيل[2] والمأذون، والمتصدّق في مجهول المالك، والملتقط في اللقطة، والأمّ بالنسبة إلى الحضانة، ومتولّي الوقف العامّ أو الخاصّ من الواقف، وفي القصاص والتقاصّ، وغير ذلك من الموارد التي وقع التعبير فيها كثيراً بالولاية لمن له ذلك في كلمات الفقهاء[3]. وتكون الولاية في هذه الموارد بالمعنى الأعمّ، ويكون مرجعها في الحقيقة إلى التولية والتفويض.

ثانياً: تقسيم الولاية باعتبار المولّىٰ عليه:

تنقسم الولاية بهذا الاعتبار إلى الولاية العامّة والولاية الخاصّة، فولاية الحاكم عامّة باعتبار عموم المولّىٰ عليهم، تعمّ الناس جميعاً في أنفسهم وأموالهم، وولاية الأب والجدّ خاصّة على ولده الصغير.

ثالثاً: تقسيم الولاية باعتبار التصرّف:

وتنقسم بهذا الاعتبار إلىٰ قسمين:

1. ما يكون الوليّ فيه مستقلّاً في التصرّف، ويكون نظره سبباً مستقلّاً في جواز تصرّفه، كولاية الحاكم في النكاح على البالغ فاسد العقل مع الغبطة.

2. ما يكون تصرّف الغير منوطاً بإذنه، فيكون نظر الوليّ شرطاً في تصرّف الغير، كولاية الحاكم في بعض أقسام الوقف؛ لأنّ تصرّف المتولّي منوط بإذنه.

 

 


[1] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مرجع سابق، ج2، ص586.

[2] الوكيل: هو النائب، المفوض، من أوكل إليه القيام بعمل الآخرين. وأما المأذون: هو المأذون له بالتصرف: الذي أبيح له التصرف، لأن الأذن يفيد الإباحة. والفرق بينهما هو أن المأذون والوكيل بعد اشتراكهما في جواز التصرّف، هو أنه اعتبر في الوكالة تنزيل فعل الوكيل في التصرّفات منزلة فعل الموكِّل ولم يعتبر في المأذون ذلك.

[3] بحر العلوم، السيد محمد، بلغة الفقيه، شرح وتعليق: السيد محمّد تقيّ آل بحر العلوم، منشورات مكتبة الصادق - طهران، 1362ش-1403هـ - 1984م، ط4، ج3، ص211، وغيرها من المصادر الفقهيّة.

 

118


96

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

رابعاً: تقسيم الولاية باعتبار كمالها:

تنقسم بهذا الاعتبار أيضاً إلى أقسامٍ ودرجاتٍ مختلفة نذكر الأهمّ منها اختصاراً:

1. ولاية اللّٰه -تعالى - على خلقه، التي هي أكمل الولايات وأقواها، وقوام المخلوقات ووجودها بها ﴿فَٱللَّهُ هُوَ ٱلوَلِيُّ﴾[1].

2. ولاية النبيّ (صلى الله عليه وآله)وخلفائه المعصومين (عليهم السلام) بالولاية الباطنيّة والظاهريّة، وكان لهم (عليهم السلام) جهاتٌ من الولاية:

أ. ولايتهم التكوينيّة.

ب. ولايتهم التشريعيّة.

ت. نفوذ أوامرهم في الأحكام الشرعيّة الراجعة إلى التبليغ، ووجوب اتّباعهم.

ث. وجوب إطاعة أوامرهم الشخصيّة.

3. ولاية الحاكم «الفقيه والقاضي» التي تكون من شؤون ولاية النبيّ والأئمّة (عليهم السلام)، حيث إنّ الحاكم منصوبٌ من قبلهم[2]. ولكلّ هذه الثلاث أدلّة قد ذكرت في محلّها، من أرادها فليُراجع الكتب المفصّلة.

4. ولاية الأب والجدّ على الصغار، وتنقسم إلى أقسامٍ ثلاثة:

الأوّل: ولايتهما على المال بمعنىٰ تدبير شؤون القاصر المالية من استثمار وتصرّفٍ وحفظ وإنفاق و... يأتي بحثها إن شاء اللّٰه.

الثاني: ولايتهما على النفس، بمعنى الإشراف على شؤون القاصر الشخصية. وتكون لهذه أنواع:

أ. ولاية الحضانة. وقد سبق الكلام فيها.

ب. ولاية الضمّ، والمقصود منها أنّه إذا انتهت مدّة الحضانة تليها مرحلة أخرىٰ، وهي مرحلة ضمّ الصغار إلى من لهم الولاية على النفس، وسمّاها بعض الفقهاء «بالكفالة».

 


[1] سورة الشورى، الآية 9.

[2] السيد محمد بحر العلوم، بلغة الفقيه، مرجع سابق، ج3، ص221 - 225.

 

119


97

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

ت. ولاية التزويج، وهي مورد بحثنا الآن.

الثالث: ولايتهما على استيفاء حقوق الصغار، بمعنى السلطنة على أخذ حقوقهم، كحقّ الشفعة وحقّ القصاص وحقّ الخيار وغيرها.

ولاية الأب والجدّ على الصغار في التزويج

هذه الولاية هي من أنواع الولاية على النفس. والمراد بالصغار في بحثنا: الذكور والإناث دون سنّ البلوغ أو الرشد.

ولا شكّ في ثبوت الولاية في زواج الصغار للأب والجدّ، كما في المقنع[1]، والمقنعة[2]. وبه قال في الكافي[3]، واختاره الشيخ[4]، والسيد المرتضى[5]، وذهب إليه أيضاً المتأخّرون، كما في المسالك[6]، والحدائق[7]، وجامع المقاصد[8] والرياض[9]، والجواهر[10]، والشيخ الأعظم الأنصاري[11]. وهو أيضاً مورد اتّفاق فقهاء العصر، كما في العروة والتعليقات عليها وغيرها[12].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، المقنع، مرجع سابق، ص316.

[2] الشيخ المفيد، المقنعة، مصدر سابق، ص511.

[3] أبو الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم بن عبد اللَّه، الكافي في الفقه، تحقيق: رضا أستادي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة - أصفهان، لا.ت، لا.ط، ص292.

[4] الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص465.

[5] السيد المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، الانتصار، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1415هـ، لا.ط، ص286.

[6]  الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج7، ص117.

[7]  المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج23، ص203.

[8] المحقق الكركي، الشيخ علي بن الحسين، جامع المقاصد، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قمّ المشرّفة، 1408هـ، ط1، ج12، ص92.

[9] السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص86 - 89.

[10] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج29، ص172.

[11]  الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح، مرجع سابق، ص107.

[12] السيد اليزدي، العروة الوثقى، مرجع سابق، ج5، ص623؛ الشيخ اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، مرجع سابق، كتاب النكاح، ص89.

 

121


98

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

فثبوت الولاية للأب والجدّ على نكاح الصغار من القطعيّات والضروريّات في الفقه، وتطابقت عليه الفتاوى على وجهٍ لم يظهر فيه مخالف، وادّعي عليه الإجماع في السرائر[1]، والتذكرة[2]، وغيرهما[3].

أدلّة ولاية الأب والجدّ في التزويج:

تدلّ على إثبات ولاية الأب والجدّ على الصغار في التزويج أمور، هي:

الأوّل: الكتاب:

ومنه قوله -تعالى-: ﴿أَو يَعفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقدَةُ ٱلنِّكَاحِ﴾[4].

دلّ ظاهر الآية على لزوم أن يُدفع للمطلّقة بعد الفرض وقبل المسّ نصف المهر المسمّىٰ إلّا على تقدير العفو من المطلّقة، أو من وليّها؛ لأنّ المراد من الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها، فقد ورد في الصحيح عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها»[5].

ولا خلاف في أنّ كلًّا من الأب والجدّ وليّ أمرها، فعقدة النكاح بأيديهما.

الثاني: السنّة:

والنصوص الدالّة على هذا الحكم على طوائف:

الطائفة الأولى: النصوص التي تدلّ على جواز عقد الأب والجدّ للصبيّة، وعدم الخيار لها بعد بلوغها:

منها: صحيحة ابن بزيع، التي رواها المشايخ الثلاثة، قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام)

 

 


[1] ابن إدريس الحلي، السرائر، مرجع سابق، ج2، ص561.

[2] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مرجع سابق، ج2، ص586 - 587.

[3] ابن زهرة الحلبي، غنية النزوع، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق(عليه السلام)، 1417هـ، ط1، ص342؛ السيد المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، الناصريات، مركز البحوث والدراسات العلمية، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة مديرية الترجمة والنشر، 1417هـ - 1997م، لا.ط، ص332؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد، مرجع سابق، ج12، ص92.

[4] سورة البقرة، الآية 237.

[5]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص392.

 

122


99

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

عن الصبيّة يزوّجها أبوها ثمّ يموت وهي صغيرة، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها؛ يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال (عليه السلام): «يجوز عليها تزويج أبيها»[1]؛ إذ تدلّ على نفاذ عقد الأب وجوازه حال الصغر، ولا يجوز لها الخيار بعد البلوغ.

ومنها: صحيحة عبد اللّٰه بن الصلت، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، لها أمرٌ إذا بلغت؟ قال: «لا، ليس لها مع أبيها أمرٌ. قال: وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألَها مع أبيها أمر؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تكبر»[2]. وجه الدلالة كسابقتها.

الطائفة الثانية: النصوص التي تدلّ على تقديم عقد الجدّ على عقد الأب وأولويّته عند التعارض والتشاحّ:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، ولابنه أيضاً أن يزوّجها. فقلت: فإن هوى أبوها رجلًا وجدّها رجلًا، فقال: الجدّ أولى بنكاحها»[3].

فإنّها تدلّ صراحةً على جواز عقد الأب والجدّ وأولويّة عقد الجدّ وتقديمه على عقد الأب عند التشاح والتعارض، وتقديم عقد الجدّ بعد المفروغية من صحّته، وكذا غيرها من الروايات.

الطائفة الثالثة: الأخبار التي تدلّ على التوارث بين الصغيرَين؛ لأنّ ثبوت الإرث يتوقّف على النكاح الصحيح:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصبيّ يتزوّج الصبيّة، يتوارثان؟ فقال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم، قلتُ: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: لا»[4].

 

 


[1]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص381.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص394.

[3] المصدر نفسه، ص395.

[4] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص389.

 

123


100

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

وتدلّ على أنّ التوارث يتوقّف على تزويج الأبوَين، فجواز عقد الأب قطعيّ لا شكّ فيه. ونحوها معتبرة عبيد بن زرارة[1].

الطائفة الرابعة: النصوص التي تدلّ على ثبوت المهر على الأب أو الابن الصغير، فإنّ ثبوت المهر فرع صحّة النكاح؛ ولأنّ العقد الفاسد لا يوجب المهر:

منها: موثّقة عبيد بن زرارة قال: سألتُ أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال: «إن كان لابنه مال فعليه المهر، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر، ضمن أو لم يضمن»[2].

فإنّ تفصيله (عليه السلام) في المهر دالٌّ على المفروغية من صحّة النكاح، ونحوها موثّقة فضل بن عبد الملك[3]، وذيل صحيحة الحذّاء[4].

الثالث: الإجماع:

وقد ادّعاه في السرائر[5]، والناصريات[6]، والغُنية[7]، والتذكرة[8]، وجامع المقاصد[9]، والرياض[10]، وغيرها.

قال في السرائر: «عندنا أنّه لا ولاية على النساء الصغار اللاتي لم يبلغن تسع سنين إلّا للأب والجدّ من قبله... بغير خلاف بين أصحابنا إلّا من شيخنا أبي جعفر في نهايته»[11].

 

 


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص132.

[2] المصدر نفسه، ج5، ص400.

[3] المصدر نفسه.

[4]  المصدر نفسه، ص401.

[5] ابن إدريس الحلي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، مصدر سابق، ج2، ص561.

[6]  السيد المرتضى، الناصريات، مصدر سابق، ص333.

[7] ابن زهرة الحلبي، غنية النزوع، مصدر سابق، ص342.

[8] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مصدر سابق، ج2، ص587.

[9]  المحقق الكركي، جامع المقاصد، مصدر سابق، ج12، ص92.

[10]  السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مصدر سابق، ج10، ص86.

[11]  ابن إدريس الحلي، السرائر، مصدر سابق، ج2، ص560.

 

124


101

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

وقال في الرياض: «لا ولاية في النكاح لغير الأب والجدّ للأب وإن علا... إجماعاً»[1].

والظاهر أنّ هذا الإجماع ليس دليلًا مستقلّاً في قبال النصوص.

فتحصّل من جميع ما تقدّم: أنّ الولاية للأب والجدّ على نكاح الصغيرَين ثابتة، كتاباً وسنةً واتفاقاً من الفقهاء، ولم نظفر على مخالفٍ إلّا ما يُنسب إلى ابن عقيل من إنكار ولاية الجدّ، ولعلّه استند في ذلك إلى النصوص التي تدلّ على حصر الولاية في الأب: كصحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا ينقض النكاح إلّا الأب»[2].

وموثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا ينقض النكاح إلّا الأب»[3].

والظاهر أنّ المقصود فيهما نفي نفوذ غير الأب من العصبة في التزويج من الأخ والعمّ والخال وغيرهم، ردّاً للعامّة لأنّهم يقولون بولاية العصبة، هذا أوّلاً.

وثانياً: يطلق الأب على الجدّ مجازاً، فيصحّ أن يكون المقصود من الأب في هذه النصوص الحاصرة الأب والجدّ لغةً، كما قال في المصباح المنير[4]، أو إجماعاً كما قال بعضهم: «إنّ الجدّ ملحق بالأب إجماعاً[5]، أو أنّه أبٌ في الحقيقة[6].

اشتراط تزويج الوليّ بوجود المصلحة أو عدم المفسدة

بعد إثبات أنّ للأب والجدّ ولايةً على تزويج الصغار، يقع البحث في أنّه هل تكون ولايتهما مشروطة برعاية المصلحة أو تكفي عدم المفسدة فقط؟

 

 


[1]  السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج10، ص86.

[2]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص392.

[3]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج7، ص379.

[4] المقري الفيومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج1، ص2.

[5] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مصدر سابق، ج29، ص197.

[6] العلّامة الحلي، مختلف الشيعة، مصدر سابق، ج7، ص100.

 

125


102

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

اختلف الأصحاب في هذه المسألة على قولين:

القول الأوّل: يُشترط مراعاة المصلحة ولا يكفي عدم المفسدة:

ذهب بعض الفقهاء إلىٰ أنّه يلزم في تزويج الصغار رعاية المصلحة، ولا يكفي عدم المفسدة فقط.

قال في نهاية المرام: «تصرُّف الوليّ منوط بالمصلحة»[1].

واختاره المحقّق الثاني[2].

واستدلّ لهذا القول بأمور، منها:

إنّ المشهور بين القدماء هو اعتبار المصلحة في صحّة تصرّفات الوليّ في أموال الصغار، بل ظاهر العلّامة في التذكرة دعوىٰ نفي الخلاف فيه[3]. ويلحق النكاح بالأموال، فيقال: إذا اعتبرت المصلحة في الأموال، فتعتبر في العرض والنكاح بطريقٍ أولى[4].

القول الثاني: تكفي مراعاة عدم المفسدة ولا يلزم مراعاة المصلحة:

ذهب المشهور من الفقهاء إلى أنّه يكفي في تزويج الوليّ؛ أي الأب أو الجدّ، الصغيرَ أو الصغيرة عدم المفسدة، ولا يلزم مراعاة المصلحة، قال به الشهيد الثاني في المسالك[5] -واستظهره من كلام المحقّق في الشرائع-، وصاحب الجواهر[6]، والشيخ الأعظم الأنصاريّ[7]، والمحقّق النراقيّ[8]، وغيرهم[9].

 

 


[1] العاملي، السيد محمد، نهاية المرام، تحقيق ومراجعة: الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، آقا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1413هـ، ط1، ج1، ص89.

[2] المحقق الكركي، جامع المقاصد، مرجع سابق، ج12، ص144 - 145.

[3] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مرجع سابق، ج2، ص180.

[4]  السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، إيران - قم، 1404هـ، لا.ط، ج14، ص456(بتصرف).

[5] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج7، ص155 - 172.

[6] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج29، ص198.

[7] الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح، مرجع سابق، ج20، ص168.

[8] المحقق النراقي، أحمد بن محمّد، مستند الشيعة، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران-قم، 1415هـ، ط1، ج16، ص167.

[9] المحقق الكركي، جامع المقاصد، مرجع سابق، ج12، ص144 - 145.

 

126


103

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

ومن أدلّة هذا القول:

النصوص -وهي العمدة-:

1. كعموم صحيحة أبي حمزة الثماليّ، عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله)قال لرجلٍ: أنت ومالك لأبيك، ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحِبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّٰه لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ»[1].

فإنّ تحديد ولاية الأب بعدم المفسدة إذا ثبت في المال ثبت في العرض بطريقٍ أولى، فعلى هذا لو كان في تزويج الأب والجدّ للصغار فساد ومضرّة لا يجوز التزويج مع المفسدة بحكم هذا التعليل؛ لأنّ المدار على عموم التعليل.

2. وموثّقة عبيد بن زرارة، لأنّه قال (عليه السلام) فيها: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً»[2] فإنّ التقييد بعدم كونه مضارّاً إنّما يدلّ على عدم ثبوت الولاية للجدّ إذا كان في مقام الإضرار بها.

ويستدلّ له -أيضًا - بعموم دليل نفي الضرر، فإنّه بحكم كونه حاكماً على جميع الأدلّة يقتضي نفي جعل الولاية للأب والجدّ فيما إذا كان في إنكاحهما ضرر عليها.

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص135.

[2] المصدر نفسه، ص395.

 

127


104

الدرس الحادي عشر: ولاية الأب والجد على الصغير والصغيرة في التزويج

 

المفاهيم الرئيسة

- عرفت الولاية بعدة تعريفات، وخلاصتها أنها التصدّي لشؤون الغير، وتدبير أمره، والتصرّف في نفسه أو ماله أو فيهما معاً.

- الولاية اصطلاحاً هي قدرة الشخص شرعاً على إنشاء التصرّف الصحيح النافذ على نفسه أو ماله، أو على نفس الغير وماله.

- تنقسم الولاية من عدّة حيثيات إلى: أوّلاً: تقسيم الولاية باعتبار سببها، وتنقسم إلى الولاية بالمعنى الأخصّ، والولاية بالمعنى الأعمّ، وتقسم باعتبار المولّىٰ عليه إلى العامة والخاصة، وتقسم باعتبار التصرّف إلى ما يكون الوليّ فيه مستقلّاً في التصرّف، وإلى ما يكون تصرّف الغير منوطاً بإذنه، وتقسم باعتبار كمالها إلى أقسام ودرجات وأهمها : ولاية اللّٰه -تعالى - على خلقه، وولاية النبيّ (صلى الله عليه وآله)وخلفائه المعصومين (عليهم السلام)، وإلى ولاية الحاكم «الفقيه والقاضي»، وإلى ولاية الأب والجدّ على الصغار.

- إن ثبوت الولاية للأب والجدّ على نكاح الصغار من القطعيّات والضروريّات في الفقه، وقد استدل عليها بالكتاب والسنة والإجماع.

- اختلف العلماء في اشتراط تزويج الوليّ بوجود المصلحة أو عدم المفسدة، وانقسم العلماء إلى قولين: القول الأوّل: يُشترط مراعاة المصلحة ولا يكفي عدم المفسدة، والقول الثاني: تكفي مراعاة عدم المفسدة ولا يلزم مراعاة المصلحة.

 

128


105

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى معنى ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال.

2. يشرح أدلّة ثبوت ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال.

3. يبيّن أنّ الولاية تعمّ الأجداد كلّهم من جهة الأب.

 

129


106

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

تمهيد

الولاية على المال؛ وهي التي تتعلّق بأموال الصغار والمجنون والسفيه؛ لأنّ الولد الصغير كما يحتاج إلى من يقوم بإرضاعه وحضانته وكفالته، كذلك يحتاج إلى من يراعي مصلحته في أمواله، بحسن إدارتها وحفظها من الضياع واستثمارها والإنفاق منها على الأمور الضروريّة له؛ لأنّ الولد الصغير لِصغره ليس أهلاً لتقدير المصلحة، ولا يتصوّر منه الرضى الصحيح ولا القصد والاختيار، فلهذا منع من التصرّفات في ماله، فالحجر على الولد الصغير إنّما كان لعجزه عن التصرّف في ماله على وجه المصلحة، فكان من رحمة الشارع الحكيم أن حجر عليه، ولكن جعل الولاية في أموال الصغار إلى من يحفظها وينمّيها لهم.

ولاية الأب والجدّ على الأموال

لا خلاف في ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب على الطفل إلى أن يبلغ الرشد، وأنّ ولايتهما بجعل إلٰهيّ؛ أي كان كلّ واحدٍ منهما وليّاً إجباريّاً من قِبَل الشارع.

قال الشيخ الطوسي: «من يلي أمر الصغير والمجنون خمسة: الأب والجدّ ووصيّ الأب أو الجدّ، والإمام أو من يأمره الإمام»[1].

وقال المحقّق الحلّيّ: «يشترط في المتعاقدَين كمال العقل والاختيار، وأن يكون البائع مالكاً أو وليّاً، كالأب والجدّ للأب والحاكم وأمينه والوصيّ»[2]. وكذا في الوسيلة[3]. وصرّح

 

 


[1] الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج2، ص200.

[2] المحقق الحلي، المختصر النافع، مرجع سابق، ط2، ص118.

[3]  ابن حمزة الطوسي، الوسيلة، مصدر سابق، ص279.

 

131


107

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

به العلّامة في بعض كتبه[1]. وبه قال الشهيد الأوّل[2]، ويحيى بن سعيد[3]، والمحقّق[4] والشهيد الثاني[5]، والمحقّق الأردبيليّ[6].

واختاره جماعة من متأخِّري المتأخِّرين[7]، وفقهاء العصر[8].

قال في تحرير الوسيلة: «ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه، لأبيه وجدّه لأبيه، ومع فقدهما للقيّم من أحدهما... ومع فقده للحاكم الشرعي... ومع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط»[9]. وكذا في تفصيل الشريعة[10].

وممّا تقدّم من كلمات الفقهاء، ظهر الترتيب في الولاية على الأموال عندهم أيضاً. ولقد أجاد في الحدائق في تنقيح ترتيب الأولياء في المقام، حيث قال: «الأولياء هم ستّة على ما ذكره الأصحاب، وسبعةٌ على ما يستفاد من الأخبار -وبه صرّحوا أيضاً في غير هذا الموضع-: الأب والجدّ له -لا للأم - والوصيّ من أحدهما -على من لهما الولاية عليه - والوكيل من المالك أو ممّن له الولاية، والحاكم الشرعي حيث فقد الأربعة المتقدّمة، وأمينه؛ وهو المنصوب من قبله لذلك أو لما هو أعمّ، وعدول المؤمنين مع تعذّر الحاكم، أو تعذّر الوصول إليه»[11].

 

 


[1]  العلّامة الحلي، قواعد الأحكام، مرجع سابق، ج2، ص135؛ العلّامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تحرير الأحكام، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إيران - قم، 1420هـ، ط1، ج2، ص541.

[2] الشهيد الأوّل، محمّد بن مكي العامليّ، اللمعة الدمشقية، منشورات دار الفكر، إيران - قم، 1411هـ، ط1، ص121.

[3] يحيى بن سعيد الحلي، الجامع للشرايع، مرجع سابق، ص246 - 282.

[4] المحقق الكركي، جامع المقاصد، مرجع سابق، ج5، ص187؛ ج4، ص85.

[5] الشهيد الثاني، الروضة البهية، مرجع سابق، ج4، ص105-106؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج3، ص164 - 166.

[6] المحقق الأردبيلي، أحمد، مجمع الفائدة، صححه ونمقه وعلق عليه وأشرف على طبعه: الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهانيّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ج9، ص230 - 236.

[7] السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ص105؛ المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج18، ص403؛ السيد اليزدي، العروة الوثقى، مرجع سابق، ج5، ص126؛ الأنصاري، الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين، كتاب المكاسب، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلاميّ، إيران-قم، 1415هـ، ط1، ج16، ص535.

[8] الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، منهاج الصالحين، لا.ن، لا.م، 1410ه، ط28، ج2، ص181؛ الإمام الخمينيّ، كتاب البيع، مرجع سابق، ج2، ص581.

[9] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج2، ص13.

[10] الشيخ اللنكراني، الشيخ فاضل، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدّين والقرض، الرّهن الحجر، الضّمان، الحوالة والكفالة، الوكالة، الإقرار، الهبة)، دار التعارف للمطبوعات، 1418هـ-1998م، ط2، ص299.

[11]  المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج18، ص403.

 

132


108

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

وما استدلّ به الفقهاء أو يمكن أن يستدلّ به لإثبات ولاية الأب والجدّ على أموال الصغار، أمور:

الأوّل: الإجماع، قال في التذكرة: «الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا... إجماعاً»[1]، وفي الرياض: «ولا خلاف في ثبوت الولاية لهؤلاء، بل الظاهر الإجماع عليه»[2]، وبه صرّح المحقّق النائيني[3].

وقال السيّد الخوئيّ: «ولاية الأب والجدّ وثبوتها لهما في الجملة على الصغير من ضروريّ الفقه، ومورد الإجماع، والسيرة المستمرّة القطعيّة»[4].

الثاني: السيرة المستمرّة القطعيّة، كما تقدّم الإشارة إليها.

الثالث: النصوص الكثيرة الواردة في أبواب مختلفة؛ وهي على طوائف نذكرها على الترتيب التالي:

الطائفة الأولى: تدلّ على جواز تزويج الأب والجدّ للصغار:

الأخبار الواردة في باب تزويج الأب والجدّ للصغار، وفيها الصحاح والموثّقات، وهي تدلّ بالصراحة على ثبوت ولايتهما على تزويج أولادهما الصغار.

قالوا: إذا صحّ ولاية الأب والجدّ على الأولاد الصغار في النكاح، وكونهم سبباً في إيجاد التزويج بينهم مع كونه من أهمّ الأمور، فلا شبهة في جواز ولايتهم ونفوذ أمرهم في سائر العقود، بالفحوى والأولويّة القطعيّة.

الطائفة الثانية: تدلّ على أنّ الولد وماله للأب:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه؟ قال: «يأكل منه ما شاء من غير سرف». وقال: في كتاب عليّ (عليه السلام):

 

 


[1] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مرجع سابق، ج2، ص80.

[2]  السيد علي الطباطبائي، رياض المسائل، مرجع سابق، ج8، ص119.

[3]  الآملي، الشيخ محمّد تقيّ، كتاب المكاسب والبيع - تقرير أبحاث الأستاذ الأعظم الميرزا النائيني، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ج2، ص330.

[4]  الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، مصباح الفقاهة، مكتبة الداوري، إيران - قم، لا.ت، ط1، ج3، ص247.

 

133


109

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

«إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء»،... وذكر أنّ رسول اللّٰه (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: «أنت ومالك لأبيك»[1]. وغيرها من الأخبار.

وكيفيّة الاستدلال بها أن يقال: حرف اللّام في كلمة «لأبيك» للاختصاص، وفيه احتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن يكون الاختصاص بنحو الملك، والولد وماله ملكاً للأب.

الثاني: أن يكون الاختصاص بنحو الولاية؛ أي أنّ ولاية الأب ثابتة على الولد وماله.

الثالث: أن يكون الاختصاص بنحو السلطنة على الانتفاع به وبماله، كما أشار إلى ذلك المحقّق الأصفهانيّ[2].

أمّا الاحتمال الأوّل: فباطل قطعاً؛ لأنّه من البديهي أنّ المراد بهذه الروايات ليس ما هو الظاهر منها؛ من كون الولد وما بيده من ممتلكات أبيه، ليكون الابن كعبد الأب والبنت كالجارية؛ بداهة أنّ رقبة الولد غير مملوكة لأحدٍ، وأيضاً ليس المراد بتلك النصوص كون مال الولد للأب حقيقةً بحيث يفعل ما يشاء.

وبعد تعذّر الأخذ بظاهرها، لا بدّ من حملها على معنى كنائيّ، كما يقال في العرف في مورد صحّة تصرّف الغير: إنّ العبد وما في يده لمولاه، والمعنى الكنائيّ هو أن ينزّل الولد وماله بمنزلة الملك للأب.

فنقول: إنّ الأب مالك للولد وماله، تنزيلاً بأن يعامل معه معاملة مال نفسه وإن لم يكن مالكاً حقيقةً؛ لأنّ المتفاهم من هذا التركيب ونحوه من المخاطبات العرفيّة: أنّ المال مال الأب بحسب التنزيل لا الحقيقة. ومقتضى هذه المالكيّة التنزيليّة جواز الانتفاع بماله إذا كان فقيراً ومحتاجاً.

إذاً، المستفاد من تلك الروايات أنّ للأب السلطنة على جميع التصرّفات الراجعة إلى الولد وماله، بشرط أن لا يوجب الفساد والإسراف، ولكنّ الولد الكبير خرج منهما إمّا بالدليل، وإمّا بإنصراف أدلّة الولاية عنه[3].

 

 


[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج12، ص195.

[2] الأصفهانيّ، الشيخ محمد حسين، حاشية المكاسب، تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي، 1418هـ، ط1، ج2، ص373.

[3] الشيخ الأنصاري، كتاب المكاسب، مرجع سابق، ج16، ص537.

 

134


110

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

قال الإمام الخميني (قدس سره): «يظهر من تلك الروايات ومن غيرها، حدود جواز الأخذ بلا إذن من الابن، وليس المقصود من قوله (صلى الله عليه وآله): «أنت ومالك لأبيك» ولاية الأب على ولده الكبير أو جواز أخذه من ماله كيفما كان...»[1].

والحاصل: يستفاد من تلك الأخبار أنّ للأب التصرّف في مال ولده الصغير ونفسه؛ لأنّه وماله لأبيه وللجدّ وإن علا.

تعميم الولاية للأجداد كلّهم

ظاهر كلمات الفقهاء أنّ الولاية لا تختصّ بالجدّ الداني، بل تعمّ العالي أيضاً، كما صرّح به في التذكرة[2]، والروضة[3]، والمسالك[4]، والكفاية[5]، والرياض[6]، وغيرها[7]. وادّعى في المناهل[8] أنّه لا خلاف فيه.

والوجه في ذلك، أنّ العرف يفهم من التعليل الوارد في معتبرة عبيد بن زرارة، ومعتبرة علي بن جعفر أنّ الأجداد كالجدّ القريب وكالأب في الولاية، ولا فرق بين الجدّ وجدّ الجدّ وإن علا؛ لأنّه ورد فيها «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً... ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ»[9].

وإطلاق الجدّ يشمل الجدّ العالي والداني.

قال الشيخ الأعظم: «لا خلاف ظاهراً -كما ادّعي - في أنّ الجدّ وإن علا يشارك الأب في الحكم. ويدلّ عليه ما دلّ على أنّ الشخص وماله -الذي منهما لابنه - لأبيه، وما دلّ على أنّ الولد ووالده لجدّه»[10].

 

 


[1]  الإمام الخمينيّ، كتاب البيع، مرجع سابق، ج2، ص586 (بتصرّفٍ).

[2] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء ط.ق، مرجع سابق، ج2، ص587.

[3] الشهيد الثاني، الروضة البهية، مرجع سابق، ج5، ص150؛ ج4، ص105.

[4]  الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج4، ص161.

[5] حكاه عنه في: السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ص105.

[6] السيد علي الطباطبائي، رياض المسائل، مرجع سابق، ج8، ص118.

[7] الإمام الخمينيّ، كتاب البيع، مرجع سابق، ج2، ص590 (بتصرّف).

[8] السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ص105.

[9]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص395.

[10] الشيخ الأنصاري، كتاب المكاسب، مرجع سابق، ج16، ص542.

 

135


111

الدرس الثاني عشر: ولاية الأب والجدّ على الصغير والصغيرة في الأموال

المفاهيم الرئيسة

- الولاية على المال؛ وهي التي تتعلّق بأموال الصغار والمجنون والسفيه؛ لأنّ الولد الصغير كما يحتاج إلى من يقوم بإرضاعه وحضانته وكفالته، كذلك يحتاج إلى من يراعي مصلحته في أمواله، بحسن إدارتها وحفظها من الضياع واستثمارها والإنفاق منها على الأمور الضروريّة له؛ لأنّ الولد الصغير لِصغره ليس أهلاً لتقدير المصلحة، ولا يتصوّر منه الرضى الصحيح ولا القصد والاختيار، فلهذا منع من التصرّفات في ماله.

- لا خلاف في ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب على الطفل إلى أن يبلغ الرشد، وأنّ ولايتهما بجعل إلٰهيّ؛ أي كان كلّ واحدٍ منهما وليّاً إجباريّاً من قِبَل الشارع.

- استدلّ الفقهاء لإثبات ولاية الأب والجدّ على أموال الصغار، أمور: الإجماع، والسيرة المستمرّة القطعيّة، والنصوص الكثيرة الواردة في أبواب مختلفة، وقسمت إلى عدّة طوائف.

- ظاهر كلمات الفقهاء أنّ الولاية لا تختصّ بالجدّ الداني، بل تعمّ العالي أيضاً.

 

136


112

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يشرح مفهوم التبنّي لغةً واصطلاحاً.

2. يلخّص الأدلة على حرمة التبنّي.

3. يتعرّف إلى الأسباب الموجبة للمحرميّة.

 

 

137

 


113

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

تمهيد

حرّم الإسلام التبنّي وأغلق بابه، ولكنّه في المقابل فتح باب الإحسان ورغّب فيه، خاصّة إلى الأيتام، فيستحبّ للرجل العقيم والمرأة العاقر وغيرهما أن يأخذوا الأطفال اللقطاء والأيتام من المؤسّسات التي أعدّت لإيوائهم، فيساعدوهم بالإحسان، وينفقوا عليهم، ويربّوهم بأيديهم الرحيمة، ويكونوا لهم كالآباء والأمّهات الذين أشفقوا على أولادهم حتّى يرتفع عنهم البؤس والفاقة.

التبنّي لغةً واصطلاحاً

معنى التبنّي لغةً:

التبنّي لغةً بمعنى اتّخاذ ولد الغير ولداً، يقال: تبنّى فلاناً؛ أي اتّخذه ولداً[1].

معنى التبنّي اصطلاحاً:

معنى التبنّي في الفقه هو معناه اللغويّ نفسه؛ أي اتّخاذ الشخص ولد غيره ولداً، ويجعله كولده الصلبيّ الحقيقيّ ادّعاءً وبلا دليل؛ سواء كان هذا الولد مجهول النسب كاللقيط أو معلوم النسب كاليتيم. وكان الرجل في الجاهليّة يتبنّى الرجل فيجعله كالابن المولود له، وينسبه النّاس إليه، ويرثه ميراث، الأولاد، فأبطله الإسلام.

حرمة التبنّي وعدم ثبوت النسب به

لا خلاف في حرمة التبنّي وعدم ثبوت النسب به. ويستفاد هذا الحكم من إطلاق أو

 

 


[1] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مرجع سابق، ج4، ص306.

 

139


114

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

مفهوم كلمات الفقهاء في الأبواب المختلفة؛ فإنّهم ذكروا في جواز إلحاق الولد -بمن يمكن أن يلحق به كالزوج - شرائط، كما في الشرائع[1]، والمسالك[2] وغيرهما[3]، والتبنّي ليس واحداً منها.

وعليه؛ لا يثبت النسب بالتبنّي، ولو فعله أحدٌ لم يترتّب عليه أحكام البنوّة والأبوّة والأمومة، ويضاف إلى ذلك الحرمة؛ لأنّه يوجب اختلاط الأنساب ومفاسد أخرى، كما صرّح به بعض من تعرّض لحكمه من الفقهاء المعاصرين.

ففي مجمع المسائل: «لا يجوز للشخص التبنّي وإلحاق ولد الغير بنفسه»[4].

وكذا في جامع الأحكام[5].

وفي منهاج الصالحين: «لا يجوز للملتقط أن يتبنّى اللقيط ويلحقه بنفسه، ولو فعل لم يترتّب عليه شيء من أحكام البنوّة والأبوّة والأمومة»[6].

وفي صراط النجاة: «لا يجوز التبنّي وما يستلزمه أو يقتضيه»[7].

ويدلّ على تحريم التبنّي وعدم ثبوت النسب به أمور:

الأوّل: الكتاب:

قال اللَّه -تعالى-: ﴿مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلبَينِ فِي جَوفِهِۦ وَمَا جَعَلَ أَزوَٰجَكُمُ ٱلَّٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ
مِنهُنَّ أُمَّهَٰتِكُم وَمَا جَعَلَ أَدعِيَآءَكُم أَبنَآءَكُم ذَٰلِكُم قَولُكُم بِأَفوَٰهِكُم وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلحَقَّ وَهُوَ يَهدِي ٱلسَّبِيلَ ٤ ٱدعُوهُم لِأٓبَآئِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ ٱللَّهِ﴾[8].

 

 


[1] المحقق الحلي، شرائع الإسلام، مرجع سابق، ج2، ص561.

[2] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج8، ص373.

[3] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج2، ص274.

[4] الفقيه الگلپايگانى، مجمع المسائل(الفارسيّ)، مرجع سابق، ج2، ص175.

[5] الشيخ الگلپايگانى، لطف اللَّه صافي، جامع الأحكام، انتشارات حضرت معصومة عليها السلام، إيران-قم، 1417ه‍، ط4، ج2، ص43 - 44.

[6]  السيستاني، السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، مكتب آية اللَّه العظمى السيد السيستاني، إيران-قم، 1414هـ، ط1، ج2، ص211.

[7] الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، صراط النجاة، تعليق: الميرزا جواد التبريزي، دفتر نشر برگزيده، إيران، 1416هـ، ط1، ج1، ص335.

[8] سورة الأحزاب، الآيتان 4 - 5.

 

140


115

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

الأدعياء جمع الدعيّ؛ وهو الذي يتبنّاه الإنسان، وبيّن -سبحانه - أنّه ليس بابن على الحقيقة، كما في التبيان[1].

وفي الميزان: «وقد كان الدعاء والتبنّي دائراً بينهم في الجاهليّة، وكذا بين الأمم الراقية يومئذ كالروم وفارس، وكانوا يرتّبون على الدعيّ -التبنّي - أحكام الولد الصلبيّ؛ من التوارث وحرمة الازدواج وغيرهما، وقد ألغاه الإسلام»[2].

فمعنى الآية: إنّ اللَّه -تعالى - لم يجعل أدعياءكم -أي أبناءكم بالتبنّي - أبناءكم حقيقة؛ لأنّ البنوّة لا تكون بتبنّيكم أبناء غيركم، فهذا ادّعاء محض ﴿ذَٰلِكُم قَولُكُم بِأَفوَٰهِكُم﴾، ولا تثبت به البنوّة حقيقة.

وفي مجمع البيان في تفسير هذه الآية: «نزلت في زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبيّ من بني عبد ودّ، تبنّاه النبيّ (صلى الله عليه وآله) قبل الوحي، وكان قد وقع عليه السبي، فاشتراه رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)... فلمّا نُبِّئ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) دعاه إلى الإسلام فأسلم، فقدم أبو حارثة مكّة، وأتى أبا طالب، وقال: سل ابن أخيك، فإمّا أن يبيعه وإمّا أن يعتقه. فلمّا قال ذلك أبو طالب لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: هو حرّ، فليذهب حيث شاء، فأبى زيد أن يفارق رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، فقال حارثة: يا معشر قريش، اشهدوا أنّه ليس ابني، فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): اشهدوا أنّه ابني -يعني زيداً-، فكان يدعى زيد بن محمّد (صلى الله عليه وآله)، فلمّا تزوّج النبيّ (صلى الله عليه وآله)زينب بنت جحش التي كانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوّج محمّد (صلى الله عليه وآله)امرأة ابنه، وهو ينهى الناس عنها.

فقال اللَّه -سبحانه-: ما جعل اللَّه من تدعونه ولداً - وهو ثابت النسب من غيركم - ولداً لكم... تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له عند اللَّه -تعالى-»[3]، وكذا في غيره[4].

 

 


[1]  الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلاميّ، لا.م، 1409هـ، ط1، ج8، ص315.

[2] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مرجع سابق، ج16، ص275.

[3]  الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص119.

[4] القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، لبنان-بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405هـ - 1985م، ط2، ج14، ص118 وما بعدها.

 

141


116

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

والحاصل: إنّه لـمّا نسخ الإسلام نظام التبنّي وأبطل النسب عن طريقه، فقد أبطل آثاره كذلك، ومن هنا فلا يمكن إثبات نسب أحد بالتبنّي، ولا يحرم على المتبنّي الزواج من زوجة مَن تبنّاه إذا فارقها بموت أو طلاق؛ ولأجل تثبيت هذا الأثر لإبطال التبنّي، قضى اللَّه -جلّ جلاله - أن يتزوّج رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) زوجة زيد بن حارثة، وهي زينب بنت جحش بعد أن طلّقها زيد الذي قد تبنّاه رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، كما تقدّم.

والحكمة من زواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) بزينب هي تثبيت نسخ التبنّي وإبطال آثاره، ورفع الحرج عن المسلمين في نكاح أزواج أدعيائهم الذين لم يدعوا أبناءهم بالتبنّي، كما أنّهم ليسوا بأبنائهم في الحقيقة والواقع. وكان هذا الإبطال بعمل الرسول، وبالإخبار عنه في القرآن العظيم، مع بيان حكمته.

قال اللَّه -تعالى-: ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ زَيدٞ مِّنهَا وَطَرٗا زَوَّجنَٰكَهَا لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى ٱلمُؤمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزوَٰجِ أَدعِيَآئِهِم إِذَا قَضَواْ مِنهُنَّ وَطَرٗا﴾[1]. وهذا كلّه ما أشار إليه المفسّرون[2].

الثاني: النصوص، وهي على طوائف نذكر بعضها:

الطائفة الأولى: ما دلّ على حرمة التبرّي من النسب:

منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «كفر باللَّه من تبرّأ من نسب وإن دقّ[3]»[4].

ومنها: ما رواه ابن فضّال، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (عليهما السلام) قالا: «كفر باللَّه العظيم الانتفاء من حسب وإن دقّ»[5].

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 37.

[2]  الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص315؛ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص125؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، مصدر سابق، ج14، ص118، وما بعدها.

[3]  دق: أي بعد، أو وإن كان خسيساً دنيا. وقيل: يحتمل أن يكون ضمير دق راجعاً إلى التبري بأن لا يكون صريحاً بل بالايماء وهو بعيد. وقيل يعنى وإن دق ثبوته وهو أبعد. والكفر هنا ما يطلق على أصحاب الكبائر كما في بعض الروايات.

[4] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص350.

[5] المصدر نفسه.

 

142


117

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

فإنّها تدلّ على أنّه لا يجوز التبرّي من النسب وانتفاؤه، وإطلاقها يشمل المقام؛ فإنّ من يتبنّى ولد غيره ينتفي نسبه عمّن هو مُلحَق به شرعاً، وهو لا يجوز، فلا يثبت النسب بالتبنّي بمقتضى هذه الطائفة.

الطائفة الثانية[1]: ما ورد في مقدار أقلّ الحمل وأكثره، فإنّها تدلّ على أنّ ملاك الانتساب والإلحاق أن يكون الولد من نطفة الرجل، بشرط أن يمضي بعد الوطء ستّة أشهر أو أكثر:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدّت ونكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه لمولاها الذي أعتقها، وإن وضعت بعدما تزوّجت لستّة أشهر فإنّه لزوجها الأخير»[2]، وغيرها[3].

ويستفاد منها أنّه إذا كان الولد من نطفة غير من يدّعيه، كما في فرض التبنّي، فلا يقبل قوله في الإلحاق، فلا يثبت النسب بالادّعاء والتبنّي، وهو المطلوب.

الطائفة الثالثة: التي ورد فيها اللعن على من ادّعى نسباً غير معروف:

منها: ما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لعن اللَّه المحلّل... ومن ادّعى نسباً لا يعرف»[4]، ودلالتها ظاهرة.

واستدلّ كذلك بالإجماع وبسيرة المتشرعة.

والحاصل: إنّ ما يفعله بعض الناس اليوم من تبنّي بعض اللقطاء أو الأطفال المجهولي النسب ويلحقه بعائلته -بأيّ حجّة كانت - لا يجوز، بل هو حرام، ولا يترتّب على الولد بالتبنّي أيّ آثار وأحكام للبنوّة الحقيقيّة، ويبقى أجنبيّاً، إلّا أن يسلك الطرق الشرعيّة المحرميّة التي سنذكرها قريباً.

 

 


[1] غاية ما تدلّ هذه الطائفة الثانية، هو الملاك في الانتساب والإلحاق، ولا تدلّ على حرمة التبنّي. نعم، تدلّ على أنّه بالتبنّي لا يتحقّق النسب والإلحاق، وأين هذا بحرمة التبنّي، وهكذا الكلام في الطائفة الثالثة.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص490.

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص115.

[4]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص71.

 

143


118

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

أ. أن يرتضع من لبن المرأة، فيصير ولداً رضاعيّاً لها.

ب. أن يرتضع لبن أُمّ المرأة، فيصير أخاً رضاعيّاً للمرأة.

ت. أن يرتضع من لبن أخت المرأة، فيصبح ابناً رضاعيّاً لأختها، أو أن يرتضع من لبن بنت أخت المرأة، فيصير ابناً رضاعيّاً لبنت أخت المرأة.

ث. أن يرتضع من لبن زوجة أخ المرأة، فيصير ابناً رضاعيّاً لأخيها، أو يرتضع من لبن بنت أخ المرأة، فيصير ولداً لبنت أخيها بالرضاع.

السبب الثاني: النكاح:

إن لم يكن الصبيّ أو الصبيّة رضيعاً، أو لم يكن من يرتضعهما موجوداً، فيمكن حصول المحرميّة بالنكاح المنقطع، ويتصوّر في هذا السبب أيضاً فروض كثيرة.

لأنّه إن كان الطفل صبيّة، فيمكن أن يعقد عليها أب الرجل أو جدّه، فتصير زوجة أب الرجل أو زوجة جدّه، كما يمكن أن يعقد عليها ابن الرجل، فتصير زوجة ابنه، وهكذا إن كانت للصغيرة أمٌّ لا زوج لها -ويمكن أن يكون العقد دواماً أو انقطاعاً-، فحينئذ يجوز للرجل الّذي ربّاها أن يعقد على أُمّ الصغيرة ويدخل بها، فتصير الصغيرة ربيبةً ومحرماً له.

ويلزم أن نذكر أنّه يشترط في العقد على الصغير أو الصغيرة إذن وليّهما، وأن يقع العقد لمصلحتهما، أو لا أقلّ عدم المفسدة لهما.

وحيث إنّ في مفروض البحث يمكن أن يقع العقد مع الصبيّ أو الصبيّة قبل بلوغهما، فيلزم أن يقع العقد بإذن الوليّ الشرعي -الأب أو الجدّ - لهما، وإن لم يكن لهما وليّ فبإذن الحاكم الفقيه الجامع للشرائط.

 

144


119

الدرس الثالث عشر: حكم التبنّي

المفاهيم الرئيسة

- اتّخاذ الشخص ولد غيره ولداً، ويجعله كولده الصلبيّ الحقيقيّ ادّعاءً وبلا دليل؛ سواء كان هذا الولد مجهول النسب كاللقيط أو معلوم النسب كاليتيم.

- كان الرجل في الجاهليّة يتبنّى الرجل فيجعله كالابن المولود له، وينسبه النّاس إليه، ويرثه ميراث، الأولاد، فأبطله الإسلام.

- لا خلاف في حرمة التبنّي وعدم ثبوت النسب به. ويستفاد هذا الحكم من إطلاق أو مفهوم كلمات الفقهاء في الأبواب المختلفة.

- نسخ الإسلام نظام التبنّي وأبطل النسب عن طريقه، فقد أبطل آثاره كذلك، ومن هنا فلا يمكن إثبات نسب أحد بالتبنّي، ولا يحرم على المتبنّي الزواج من زوجة مَن تبنّاه إذا فارقها بموت أو طلاق؛ ولأجل تثبيت هذا الأثر لإبطال التبنّي، قضى اللَّه -جلّ جلاله - أن يتزوّج رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) زوجة زيد بن حارثة، وهي زينب بنت جحش بعد أن طلّقها زيد الذي قد تبنّاه رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله).

- إنّ ما يفعله بعض الناس اليوم من تبنّي بعض اللقطاء أو الأطفال المجهولي النسب ويلحقه بعائلته -بأيّ حجّة كانت - لا يجوز، بل هو حرام، ولا يترتّب على الولد بالتبنّي أيّ آثار وأحكام للبنوّة الحقيقيّة، ويبقى أجنبيّاً.

- تحصل المحرّميّة بسببين، وهما: الرضاع وله شروطه وأحكامه الخاصة، والثاني النكاح، وله أيضاً أحكامه وشروطه الخاصة.

 

146

 


120

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى معنى المشروعيّة.

2. يشرح أدلة القائلين بمشروعيّة عبادة الصبيّ.

3. يلخّص أدلة القائلين بأنّ عبادة الصبيّ تمرينيّة.

 

147


121

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

تمهيد

اتّفق الفقهاء على أنّ التكاليف الالزاميّة من الوجوب والحرمة لا تتوجّه إلى الصبيّ وإن كان مميّزاً؛ لاشتراط التكليف بالبلوغ، بل في الجواهر: «لعلّه من ضروريّات المذهب أو الدين»[1]، ولكن وقع الخلاف في أنّه هل تتوجّه إلى الصبيّ المميّز الأحكامُ غير الإلزاميّة أم لا؟ وفي الحقيقة وقع الخلاف في أنّه هل تكون عبادات[2] الصبيّ مشروعة أم لا؟

مفهوم المشروعيّة

والمشروعيّة منسوبة إلى مشروع، والمشروع: ما سوّغه الشرع، والشرع: الطريق، والشرعة والشريعة: ما سنّ اللَّه من الدين وأمر به، كالصوم والصلاة والحجّ والزكاة وسائر أعمال البرّ.

والمقصود من مشروعيّة عبادات الصبيّ مندوبيّتها في حقّه، بحيث يصدق على إتيانه بتلك العبادات الإطاعة والامتثال للأوامر المولويّة الاستحبابيّة، فتتّصف بالصحّة، ويستحقّ الصبيّ عليها الأجر والثواب، وتترتّب عليها آثار أخرى، كصحّة نيابته عن الغير –مثلاً - وغير ذلك، بخلاف ما إذا لم تكن مشروعة في حقّه، فلو أتى بها بقصد الإطاعة والامتثال للأوامر المولويّة تكون تشريعاً وافتراءً محرّماً عقلاً لا مولويّاً، كما أشار إليه بعض الفقهاء[3].

 

 


[1] الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج11، ص258.

[2] العبادة في اللغة: بمعنى الطاعة والخضوع؛ انظر: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص271. أمّا في اصطلاح الفقهاء فهي عبارة عن وقوع الفعل بقصد الامتثال للسيّد المنعم. انظر: الشيخ النجفي، جواهر الكلام، مرجع سابق، ج9، ص155.

[3] المحقق البحراني، الحدائق الناظرة، مرجع سابق، ج13، ص53؛ البجنوردي، السيد محمد حسن، القواعد الفقهية، تحقيق: مهدي المهريزي - محمد حسين الدرايتي، نشر: الهادي، إيران - قم، 1419هـ ـ 1377ش، ط1، ج4، ص109؛ الشيخ اللنكراني، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص355.

 

149


122

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

الأقوال في المسألة وأدلّتها

ذكر الأصحاب في مشروعيّة عبادات الصبيّ أو عدمها أقوالاً، نذكر أهمها، وهي اثنان:

القول الأول: مشروعيّة عبادات الصبيّ:

هذا القول تبنّاه المشهور. قال الشيخ الطوسي في المبسوط: الصبيّ «إذا نوى الصوم صحّ ذلك منه، وكان صوماً شرعيّاً»[1].

وفي النهاية: «ويستحبّ أن يؤخذ الصبيّان بالصيام إذا أطاقوه، وبلغوا تسع سنين، وإن لم يكن ذلك واجباً عليهم»[2].

وفي التذكرة: «وهل صلاته -أي صلاة الصبيّ - شرعيّة معتدٌّ بها؟ المشهور ذلك»[3].

وما يمكن أن يستدلّ به لإثبات هذا القول وجوه:

الدليل الأوّل: العمومات والإطلاقات التكليفيّة:

إنّ العمومات والإطلاقات الواردة في التكاليف كقوله -تعالى-: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾[4]، وقوله: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمهُ﴾[5]، وأمثالهما من العمومات والإطلاقات في أدلّة العبادات، تشمل غير البالغين كشمولها للبالغين[6].

ونوقش هذا الدليل بمناقشات، منها: ادّعاء الانصراف: إذ قد يُدّعى انصراف تلك العمومات والإطلاقات إلى البالغين[7].

ولقد أجاد المحقّق البجنورديّ في الجواب عنه، حيث قال: «أمّا في دعوى الانصراف، فإنّها لا تخلو عن مجازفة؛ إذ لا شكّ في أنّ الشارع لم يتّخذ في مقام تبليغ أحكامه طريقاً

 

 


[1]  الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج1، ص278.

[2] الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، مصدر سابق، ص149.

[3] العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء، مرجع سابق، ج2، ص331.

[4] سورة البقرة، الآيتان 43 - 185.

[5]  السورة نفسها، الآية 185.

[6] السيد البجنوردي، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ج4، ص112.

[7] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج2، ص15.

 

150


123

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

خاصّاً[1]، بل يبلّغ الناس ويُفهمهم على طريق أهل المحاورة، ولا شكّ في أنّ أهل المحاورة لا يفرّقون في توجيه الخطاب وألفاظ المخاطبة بين البالغين ومن كان عمره أقلّ من عمر البالغ بساعة، بل يخاطبونهم على نسق واحد وبلفظ واحد، فدعوى أنّ العمومات لا تشمل غير البالغين أو تكون منصرفة عنهم مجازفة محض وبلا دليل ولا برهان»[2].

الدليل الثاني: العمومات والإطلاقات غير التكليفيّة:

وردت عمومات ترغّب كلّ أحد في العمل بمفادها، كما في الصلاة، كقوله (عليه السلام): «الصلاة قربان كلّ تقي»[3]، ونحوه في الصوم، كقوله (عليه السلام): «الصوم جنّة من النار»[4]، فهذه العمومات لا تقصر عن إفادة استحباب هذه العبادات للصبيّ أيضاً، وهو مساوق للصحّة، كما أشار إليه بعض الفقهاء[5].

الدليل الثالث: العمومات والإطلاقات الّتي دلّت على ترتّب الثواب:

إنّ العمومات والإطلاقات التي دلّت على ترتّب الثواب على الأفعال، كقوله -تعالى-: ﴿مَن جَآءَ بِٱلحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشرُ أَمثَالِهَا﴾[6]، أو من صلّى أو صام أو حجّ أو أعطى الزكاة و... فله كذا، كما ورد في الصوم المستحبّ: «من صام ذلك اليوم -أي سبعة وعشرين من رجب - كتب اللَّه له صيام ستّين شهراً»[7]، وغيرها[8]؛ فهذه النصوص تشمل غير البالغين كشمولها للبالغين.

 

 


[1] وبعبارة أخرى: لو لم يكن في البين ما يدلّ على اشتراط التكليف بالبلوغ، وكنّا نحن وهذه الأدلّة، لما شككنا في عدم اختصاصه بالبالغين، ولوجب أن يقال: إنّ الخطاب متوجّه إلى كلّ من يصحّ الخطاب إليه عرفاً، ولا شكّ في أنّ الصبيّ المميّز يصحّ توجّه الخطاب إليه عرفاً.

[2] السيد البجنوردي، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ج4، ص112 - 113.

[3]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص265.

[4] المصدر نفسه، ج2، ص19.

[5] الطبري الآملي، الشيخ عبد اللَّه الجوادي، كتاب الصلاة تقرير أبحاث آية اللَّه العظمى المحقق الداماد{ في الصلاة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعه لجماعة المدرسين بقمّ المقدّسة، 1416هـ، ط2، ج1، ص417.

[6] سورة الأنعام، الآية 160.

[7]  الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص149.

[8]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج7، ص330.

 

151


124

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

ودعوى الانصراف إلى البالغين هي خروج عن ظاهر اللفظ. ولا شكّ في أنّ ترتّب الثواب على فعل يكون من لوازم ذلك الفعل، فتدلّ بالدلالة الالتزاميّة على استحباب تلك الأفعال بالنسبة إلى غير البالغين بعد القطع بعدم وجوبها عليهم[1].

ويؤيّد ذلك: الروايات[2] التي تضمّنت أنّ الحسنات تُكتب لأطفال المسلمين كما تُكتب للمكلَّفين، كقوله (عليه السلام): «إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللَّه، شافع ومشفّع، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كُتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كُتبت عليهم السيّئات»[3]، فإنّ ظاهر قوله (عليه السلام) كُتبت لهم الحسنات استحباب فعله ومطلوبيّته عند الشارع، وإلّا فلا وجه لصيرورة فعله منشأً لكتابة الحسنات له غير ذلك.

الدليل الرابع: الروايات الخاصّة:

وردت في أبواب مختلفة روايات عديدة يستفاد منها مشروعيّة عبادات الصبيّ، نذكر منها:

معتبرة إسحاق بن عمّار عن جعفر(عليه السلام) عن أبيه أن علياً (عليه السلام)، كان يقول: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم»[4].

والظاهر أن لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الأذان عبادة متلقّاة من الشرع[5]، وكما أنّ المشهور بينهم أنّه يصحّ أذان الصبيّ، وادّعى بعضهم الإجماع على ذلك. قال الشيخ في الخلاف: «يجوز للصبيّ أن يؤذّن للرجال، ويصحّ ذلك... دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل ولا دليل، وأيضاً الأخبار التي وردت في الأذان تتناول البالغين وغيرهم»[6].

 

 


[1] السيد البجنوردي، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ج4، ص115.

[2] وهذه الروايات أخصّ من المدّعى، فتدبّر.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص3.

[4] الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الاستبصار، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة - طهران، 1363ش، ط4، ج1، ص424.

[5] العلّامة الحلي، مختلف الشيعة، مرجع سابق، ج2، ص131.

[6]  الشيخ الطوسي، الخلاف، مرجع سابق، ج1، ص281.

 

152


125

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

وفي الرياض: «الصبيّ المميّز يجوز أن يؤذّن... إجماعاً»[1].

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «إذا أتى على الصبيّ ستّ سنين وجب عليه الصلاة، وإذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام»[2].

القول الثاني: إنّ عباداته تمرينيّة:

بمعنى عدم ترتّب أجر وثواب من اللَّه -تعالى- على عمل الصبيّ، وإن كان لوليّه ثواب التمرين لذلك.

قال في المسالك: «وأمّا كون صومه شرعيّاً ففيه نظر؛ لاختصاص خطاب الشرع بالمكلّفين، والأصحّ أنّه تمرينيّ لا شرعيّ»[3]، وكذا في الروضة[4]، وروض الجنان[5]، وجامع المقاصد[6].

وممّا استدلّ به لإثبات هذا القول:

الأوّل: إنّ عموم رفع القلم شامل للندب أيضاً، وتخصيصه بالوجوب والمحرّم -كما قيل[7] - غير واضح الوجه[8].

وفيه: مضافاً إلى ما تقدّم في تقرير الدليل القول الأوّل من الأدلّة التي استدلّ بها على مشروعيّة عبادات الصبيّ، إنّ حديث رفع القلم لا يشمل المستحبّات لوجوه، منها: إنّه امتناني، ورفع المستحبّات يكون على خلاف الامتنان؛ لأنّه يوجب محروميّة الصبيّ عن الثواب[9].

 

 

 

[1]  السيد محمد الطباطبائي، المناهل، مرجع سابق، ج3، ص298.

[2] الشيخ الطوسي، الاستبصار، مصدر سابق، ج1، ص408.

[3] الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج2، ص15.

[4] الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مرجع سابق، ج2، ص102.

[5] الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، مركز الابحاث والدراسات الإسلاميّة، بوستان كتاب قم، 1422هـ، ط1، ج2، ص761.

[6]  المحقق الكركي، جامع المقاصد، مرجع سابق، ج3، ص82.

[7]  انظر: العاملي، السيد محمد، مدارك الأحكام، مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدسة، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قمّ المشرّفة، 1410هـ، ط1، ج6، ص42.

[8] تقرير بحث السيد الخوئي للبروجردي، شرح العروة الوثقى - الصوم (موسوعة الإمام الخوئي)، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1426هـ.ق- 2005م، ط2، ج21، ص502.

[9]  السيد الخوئي، مصباح الفقاهة، مرجع سابق، ج2، ص518(مع تصّرف).

 

153


126

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

الثاني: انصراف الأدلّة الواردة في التكاليف مطلقاً عن الصبيّ واختصاصها بالبالغين[1].

وفيه: ما تقدّم مفصّلاً، من أنّه وردت نصوص تطلب من الصبيّ بعض العبادات ندباً، وكذا وردت نصوص تدلّ على كتابة حسنات الصبيّ.

الثالث: أنّ التكليف مشروط بالبلوغ ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط[2]، وقرّره بعضهم: «بأنّ غير البالغ ليس من أهل التكليف، ولا يقع منه الفعل على وجه يعدّ طاعة؛ لأنّها موافقة الأمر، والصبيّ ليس بمأمور»[3].

وفيه: ما تقدّم -أيضاً - من أنّ المستحبّات لم تكن مشروطة بالبلوغ.

قال في المدارك: «إنّ العقل لا يأبى توجّه الخطاب إلى الصبيّ المميّز، والشرع إنّما اقتضى توقّف التكليف بالواجب والمحرّم على البلوغ... أمّا التكليف بالمندوب وما في معناه فلا مانع عنه عقلاً ولا شرعاً.

وبالجملة، فالخطاب بإطلاقه متناول له، والفهم الّذي هو شرط التكليف حاصل كما هو المقدّر، ومن ادّعى اشتراط ما زاد على ذلك طولب بدليله»[4].

 

 


[1]  الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مرجع سابق، ج2، ص15؛ اللنكراني، الشيخ فاضل، القواعد الفقهية، قدم له نجله محمد جواد الفاضل اللنكرني، لا.ن، لا.م، 1416هـ، ط1، ج1، ص345.

[2]  العلّامة الحلي، مختلف الشيعة، مرجع سابق، ج3، ص386.

[3]  البحراني، الشيخ المفلح الصميري، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، دار الهادي، 1420هـ - 1999م، ط1، ج1، ص216.

[4]  السيد محمد العاملي، مدارك الأحكام، مرجع سابق، ج6، ص42.

 

154


127

الدرس الرابع عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(1)

المفاهيم الرئيسة

- اتّفق الفقهاء على أنّ التكاليف الإلزاميّة من الوجوب والحرمة لا تتوجّه إلى الصبيّ وإن كان مميّزاً؛ لاشتراط التكليف بالبلوغ.

- المقصود من مشروعيّة عبادات الصبيّ مندوبيّتها في حقّه، بحيث يصدق على إتيانه بتلك العبادات الإطاعة والامتثال للأوامر المولويّة الاستحبابيّة، فتتّصف بالصحّة، ويستحقّ الصبيّ عليها الأجر والثواب، وتترتّب عليها آثار أخرى، كصحّة نيابته عن الغير –مثلاً - وغير ذلك، بخلاف ما إذا لم تكن مشروعة في حقّه، فلو أتى بها بقصد الإطاعة والامتثال للأوامر المولويّة تكون تشريعاً وافتراءً محرّماً عقلاً لا مولويّاً.

- ذكر الأصحاب في مشروعيّة عبادات الصبيّ أو عدمها أقوالاً، نذكر أهمها، وهما اثنان:

الأول: مشروعيّة عبادات الصبيّ، واستدل له بالعمومات والإطلاقات التكليفيّة وغير التكليفية، وكذلك الإطلاقات التي تدل على ترتب الثواب، وكذلك استدل له بالروايات الخاصة.

الثاني: إنّ عباداته تمرينيّة، بمعنى عدم ترتّب أجر وثواب من اللَّه -تعالى- على عمل الصبيّ، وإن كان لوليّه ثواب التمرين لذلك، واستدلّ به لإثبات هذا القول بـعموم رفع القلم شامل للندب، وانصراف الأدلّة الواردة في التكاليف مطلقاً عن الصبيّ واختصاصها بالبالغين، واستدل له أيضاً بأنّ التكليف مشروط بالبلوغ ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط.

 

155


128

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

على المتعلم، مع نهاية هذا الدرس، أن:

1. يعدّد الثمرات المتفرّعة على القول بمشروعيّة عبادة الصبيّ.

2. يشرح نيابة الصبيّ في الصلاة والصوم عن الغير على ضوء قولي مشروعيّة عباداته وتمرينيّتها.

3. يتعرّف إلى القول باستحباب تطوّع الصبيّ بالصلاة والصوم.

 

157


129

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

الثمرات المتفرّعة على مشروعيّة عبادات الصبيّ

يترتّب على القول بمشروعيّة عبادات الصبيّ مطلقاً أمور، منها:

1. كون جميع العبادات الواجبة والمستحبّة مستحبّة له، فالصلاة مع جميع أذكارها وأورادها... مستحبّة له، والصوم الواجب والمندوب مستحبّ له، وكذا الحجّ وغيرها من العبادات، كما أنّ المحرّمات والمكروهات مكروهة له[1].

2. فعل الصبيّ يوجب السقوط عن الغير في الواجب الكفائيّ، فبناءً على المشروعيّة يستحبّ له تجهيز الميّت؛ من الغسل والكفن والصلاة عليه، وإن كان على البالغين واجباً كفائيّاً، فيجوز له أن يتصدّى ويرفع موضوع الوجوب عن البالغين، وأمّا على عدم المشروعيّة فليس له أن يجهّز الميّت وإن كان أباه أو أمّه[2].

3. إذا بلغ الصبيّ أثناء العمل أو بعد أداء الصلاة وقد بقي من وقتها، فعلى القول بتمرينيّتها يجب عليه الإعادة، وأمّا على القول بالمشروعيّة، فهل يجب عليه الإعادة أم لا؟ فيه قولان:

القول الأول: عدم وجوب الإعادة:

ذهب إليه الشيخ في المبسوط، حيث قال: «أمّا الصبيّ إذا بلغ في خلال الصلاة بما لا يفسد الصلاة من كمال خمس عشرة سنة أو الإنبات والوقت باق، وجب عليه إتمام الصلاة، وإن بلغ بما ينافيها أعادها من أوّلها»[3].

 

 


[1]  الشيخ اللنكراني، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص369، بتصّرف.

[2]  السيد اليزدي، العروة الوثقى، مرجع سابق، ج2، ص39.

[3] الشيخ الطوسي، المبسوط، مصدر سابق، ج1، ص73.

 

159


130

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

القول الثاني: وجوب الإعادة:

ذهب إلى هذا القول العلّامة في النهاية، حيث تردد واحتمل وجوب الاستيناف؛ لأنّها غير مجزية لو وقعت كاملة، فكذا أبعاضها، ووجوب الإتمام؛ لأنّها صلاة صحيحة قد أدرك الوجوب فيها، فيلزمه إتمامها...[1].

نيابة الصبيّ في الصلاة والصوم عن الغير

هل يصحّ استيجار الصبيّ المميّز بإذن وليّه لقضاء الصلوات التي فاتت عن الميّت أم لا؟ في المسألة أقوال:

القول الأوّل: الصحّة مطلقاً:

أي حتّى بناء على تمرينيّة عباداته وعدم الأمر بها، احتمله المحقّق النراقي، حيث قال: «وهل يجوز استيجار المميّز من الصبيّان بإذن وليّه؟ مقتضى الأصل ذلك، ولا تمنع عنه تمرينيّة عبادة نفسه؛ لأنّ الصلاة نيابة وليست عبادة[2] للنائب حقيقة»[3].

وقال في المستمسك: «يمكن القول بجواز استئجاره وإن قلنا بكون عباداته تمرينيّة[4]، سواء كانت شرعيّة أيضاً... أم غير شرعيّة...؛ لأنّ ذلك لا يقدح في صحّة النيابة عن الغير، كنيابة غير المستطيع عن المستطيع في حجّة الإسلام، فإنّ عدم مشروعيّة الفعل في حقّ النائب لا يمنع من صحّة نيابته عن غيره المشروع في حقّه الفعل؛ لأنّ النائب... إنّما يفعل بقصد امتثال أمر المنوب عنه لا غير»[5].

 

 


[1]  العلّامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، نهاية الإحكام، السيد مهدي الرجائي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1410هـ، ط2، ج1، ص315 - 316.

[2]  كيف والصلاة بنفسها عبادة؟ ولا فرق في هذه الجهة بين أن يفعل الإنسان لنفسه أو لغيره، فالنيابة لا تخرجها عن العباديّة.

[3] المحقق النراقي، مستند الشيعة، مرجع سابق، ج7، ص344.

[4] نعم، الظاهر أنّ الخلاف في التمرينيّة وغيرها إنّما هو بالنسبة إلى أعمال نفسه، وأمّا الاعمال النيابيّة فلا فرق بين القولين فيها.

[5] السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، مرجع سابق، ج7، ص125.

 

160


131

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

القول الثاني: عدم الصحّة مطلقاً:

ذهب إليه السيّد الخوئي (رحمه الله) وملخّص كلامه: إنّ أدلّة مشروعيّة عبادات الصبيّ منصرفة إلى أعمال نفسه ولا تشمل العمل النيابيّ، وعليه لا يترتّب أثر على ما يأتي به نيابة، أعمّ من أن يكون بنحو الإجارة أو بنحو التبرّع؛ لعدم الدليل على المشروعيّة، ومع الشكّ وعدم الدليل يكون مقتضى القاعدة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه. وبه قال في مدارك العروة[1].

القول الثالث: التفصيل في المسألة:

وهو ما اختاره غير واحد من الفقهاء، من أنّه تصحّ نيابة الصبيّ على القول بالمشروعيّة.

قال المحقّق المراغي: «وفي جواز نيابة الصبيّ عن ميّت أو حيّ بأجرة أو بدونها، فعلى القول بالتمرين الصرف واضح الفساد؛ لعدم كونه قابلاً للنيابة، وعدم وجود الفائدة الموجبة للصحّة، وعلى القول بالشرعيّة فهي جائزة كالبالغ، من دون فرق، فيكون نائباً، ويكون منوباً عنه أيضاً»[2].

وقال في تحرير الوسيلة: «هل يعتبر في الأجير البلوغ، فلا يصحّ استئجار الصبيّ المميّز ونيابته وإن علم إتيانه على الوجه الصحيح؟ لا يبعد عدمه، وإن كان الأحوط اعتباره»[3]. وكذا في الوسيلة[4].

وقال الفاضل اللنكرانيّ: «بناء على المشروعيّة لا مانع من استيجاره للعبادة، فيأتي بها نيابة عن الحيّ، كما في باب الحجّ أو الميّت، كما في مثل الصلاة والصيام، فإنّه بناء عليه

 

 


[1]  تقرير بحث السيد الخوئي للبروجردي، شرح العروة الوثقى - الصلاة (موسوعة الإمام الخوئي)، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1426هـ.ق- 2005م، ط2، ج16، ص237 - 238؛ الاشتهاردي، الشيخ علي پناه، مدارك العروة، دار الأسوة للطباعة والنشر، 1417ه، ط1، ج16، ص304 - 305.

[2] الحسيني المراغي، السيد مير عبد الفتاح، العناوين الفقهية، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ج2، ص665.

[3] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مرجع سابق، ج1، ص229.

[4] الأصفهانيّ، السيد أبو الحسن الموسوي، وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخمينيّ)، مع تعاليق الإمام الخمينيّ - مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - طهران، 1422ه، ط1، ج1، ص199.

 

161


132

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

يكون عمله قابلاً لتحقّق الاستيجار عليه، وشخصه صالحاً لأن يكون نائباً في العبادة»[1].

والظاهر أنّ هذا القول أوفق بالقواعد؛ لأنّه على القول بمشروعيّة عبادات الصبيّ وصحّتها يتوجّه الأمر الندبيّ إليه، وتكون عباداته ذات مصلحة وملاك تامّ كالبالغين، وإنّما ارتفع اللزوم بمقتضى حديث الرفع[2] إرفاقاً ورأفةً بهم، فيشمله عموم دليل الإجارة والنيابة، مثل ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: «يقضي عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن»[3].

وما رواه عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «من عمل من المؤمنين عن ميّت عملاً صالحاً أضعف اللَّه أجره، وينعم بذلك الميّت»[4]. ومثله ما رواه حمّاد بن عثمان عنه (عليه السلام)[5].

فإنّ قوله (عليه السلام): «من عمل من المؤمنين عن ميّت» يشمل الصبيّ المميّز.

استحباب تطوّع الصبيّ بالصلاة والصوم

يستحبّ للصبيّ المميّز أن يتطوّع بالصلاة والصوم والصدقة وجميع العبادات لأبويه وغيرهما، أحياءً كانوا أم أمواتاً.

ويدلّ عليه إطلاق العديد من النصوص:

منها: «عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنّة سنّها يُعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من يعمل بها، من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، والصدقة الجارية تجري من بعده، والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهم أو يحج ويتصدّق ويعتق عنهما ويصلّي ويصوم عنهما، فقلت: أشركهما في حجتي؟ قال: نعم»[6].

 


[1]  الشيخ اللنكراني، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص369.

[2] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص94.

[3] ابن طاووس، السيد علي بن موسى، قبس من غياث سلطان الورى، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قمّ المقدّسة، لا.ت، لا.ط، ص9.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  المصدر نفسه.

[6] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص57.

 

162


133

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

ومنها: ما رواه عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) يصلّى عن الميّت؟ فقال: «نعم، حتّى إنّه يكون في ضيق، فيوسّع عليه ذلك الضيق، ثمّ يؤتى، فيقال له: خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك»[1].

ومثله: ما رواه عبد الخالق بن عبد ربّه، قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاثة: ولد بارّ يستغفر له، وسنّة خير يقتدى به فيها، وصدقة تجري من بعده»[2].

وعنه (عليه السلام) أيضاً: «ما يمنع أحدكم أن يبرّ والدَيه حيّين وميّتين يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده اللَّه ببرّه خيراً كثيراً»[3].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص183.

[2]  الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص237.

[3]  ابن فهد الحلي، أحمد بن فهد، عدة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح: أحمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني، إيران-قم، لا.ت، لا.ط، ص76.

 

163


134

الدرس الخامس عشر: مشروعيّة عبادات الصبيّ(2)

المفاهيم الرئيسة

- يترتّب على القول بمشروعيّة عبادات الصبيّ مطلقاً أمور، منها:

1. كون جميع العبادات الواجبة والمستحبّة مستحبّة له.

2. فعل الصبيّ يوجب السقوط عن الغير في الواجب الكفائيّ إذا بلغ الصبيّ أثناء العمل أو بعد.

3. أداء الصلاة وقد بقي من وقتها، فعلى القول بتمرينيّتها يجب عليه الإعادة، وأمّا على القول بالمشروعيّة، فهل يجب عليه الإعادة أم لا؟ فيه قولان: الأول عدم وجوب الإعادة، والثاني وجوب الإعادة.

- اختلف العلماء في نيابة الصبيّ في الصلاة والصوم عن الغير على أقوال، وهي: الصحّة مطلقاً حتّى بناء على تمرينيّة عباداته وعدم الأمر بها، وعدم الصحّة مطلقاً حيث إنّ أدلّة مشروعيّة عبادات الصبيّ منصرفة إلى أعمال نفسه ولا تشمل العمل النيابيّ، والثالث التفصيل في المسألة حيث أنّه تصحّ نيابة الصبيّ على القول بالمشروعيّة.

- يستحبّ للصبيّ المميّز أن يتطوّع بالصلاة والصوم والصدقة وجميع العبادات لأبويه وغيرهما، أحياءً كانوا أم أمواتاً.

 

164


135

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

- زيدان، عبد الكريم، المفصّل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلاميّة، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1993م، ط1.

- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة اللَّه‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي‏، إيران - قم، 1404هـ، ودار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1378هـ- 1959م، ط1.

- ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن علي، عوالي اللئالي، تقديم السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، لا.ن، لا.م، 1403هـ- 1983م، ط1.

- ابن إدريس الحلي، الشيخ أبو جعفر محمد بن منصور، مستطرفات السرائر، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1411هـ.

- ابن إدريس الحلي، الشيخ محمد بن منصور، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، لجنة التحقيق في تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1410هـ، ط2.

- ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر

 

165


136

قائمة المصادر والمراجع

أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1364ش، ط4.

- ابن حمزة الطوسي، محمد بن علي، الوسيلة، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، 1408هـ، ط1.

- ابن زهرة الحلبي، غنية النزوع، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري - إشراف: جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق(عليه السلام)، 1417هـ، ط1.

- ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1404هـ- 1363ش، ط2.

- ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، قبس من غياث سلطان الورى، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قمّ المقدّسة، لا.ت، لا.ط.

- ابن فهد الحلّيّ، أحمد بن فهد، عدّة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح: أحمد الموحدي القمّي، مكتبة وجداني، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط.

- ابن فهد الحلّيّ، المهذّب البارع، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1407ه، لا.ط.

- ابن قدامه، عبد الرحمن، الشرح الكبير، دار الكتاب العربيّ للنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، طبعة جديدة بالأوفست.

- ابن قدامه، عبد اللَّه، المغني، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، طبعة جديدة بالأوفست.

- ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405هـ، لا.ط.

- ابن ورّام، ورّام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)،

 

166


137

قائمة المصادر والمراجع

طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1368ش، ط2.

- أبو الصلاح الحلبيّ، تقي الدين بن نجم بن عبد اللَّه الحلبي، الكافي في الفقه، رضا أستادي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) العامّة - أصفهان، لا.ت، لا.ط.

- الأسروشني، محمّد بن محمود، جامع أحكام الصغار، تحقيق: عبد الحميد عبد الخالق، الجامعة المستنصرية، بغداد - العراق، 1402هـ - 1982م، ط1.

- الأصفهانيّ، السيّد أبو الحسن الموسويّ، وسيلة النجاة (تعليق: الإمام الخمينيّ)، مع تعاليق الإمام الخمينيّ - مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - تهران، 1422ه، ط1.

- الأصفهانيّ، الشيخ محمّد حسين، حاشية المكاسب، تحقيق: الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي، 1418هـ، ط1.

- الإمام الخمينيّ، السيّد روح اللَّه الموسويّ، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلميّة، العراق - النجف، 1390هـ.ق، ط2.

- الإمام الخمينيّ، السيّد روح اللَّه الموسويّ، كتاب البيع، تحقيق ونشر: مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ (قدس سره)، 1421هـ ‍، إيران - طهران، ط1.

- الآملي، الشيخ محمّد تقي، كتاب المكاسب والبيع - تقرير أبحاث الأستاذ الأعظم الميرزا النائيني، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، لا.ت، لا.ط.

- الأنصاري، الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين، كتاب النكاح، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلاميّ، إيران - قم، 1415هـ، ط1.

- البجنوردي، السيّد محمّد حسن، القواعد الفقهية، تحقيق: مهدي المهريزي - محمّد حسين الدرايتي، نشر: الهادي، إيران - قمّ، 1419هـ - 1377ش، ط1.

- بحر العلوم، السيّد محمّد، بلغة الفقيه، شرح وتعليق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم، منشورات مكتبة الصادق - طهران، 1362ش- 1403هـ - 1984م، ط4.

 

167


138

قائمة المصادر والمراجع

- البحرانيّ، الشيخ المفلح الصميري، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، دار الهادي، 1420هـ - 1999م، ط1.

- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، قمّ المقدّسة، 1409ه، ط1.

- تقرير بحث السيّد الخوئي للبروجردي، شرح العروة الوثقى - الصلاة (موسوعة الإمام الخوئي)، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1426هـ.ق- 2005م، ط2.

- تقرير بحث السيّد الخوئي للبروجردي، شرح العروة الوثقى - الصوم (موسوعة الإمام الخوئي)، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1426هـ.ق- 2005م، ط2.

- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407هـ - 1987م، ط4.

- الحاكم النيسابوري، محمّد بن عبد اللَّه، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

- الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، تحقيق وتصحيح وتذييل: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، لبنان - بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1403هـ - 1983م، ط5.

- الحسيني المراغي، السيّد مير عبد الفتاح، العناوين الفقهية، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1417ه، ط1.

- الحلّيّ، يحيى بن سعيد، الجامع للشرايع، تحقيق وتخريج: جمع من الفضلاء - إشراف الشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة سيّد الشهداء - العلميّة، 1405ه، لا.ط.

- الخوانساري، السيّد أحمد، جامع المدارك، تعليق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، طهران، 1405هـ - 1364ش، ط2.

- الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسوي، صراط النجاة، تعليق الميرزا جواد التبريزي، دفتر نشر برگزيده، إيران، 1416هـ، ط1.

 

168


139

قائمة المصادر والمراجع

- الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسوي، مصباح الفقاهة، مكتبة الداوري، إيران - قم، لا.ت، ط1.

- الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسويّ، منهاج الصالحين، لا.ن، لا.م، 1410هـ، ط28.

- الديلمي، الشيخ حمزة بن عبد العزيز الديلمي، المراسم العلوية في الأحكام النبويّة، تحقيق: السيّد محسن الحسيني الأميني، المعاونية الثقافيّة للمجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)، 1414هـ، لا.ط.

- الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م.

- رضا، محمّد رشيد، تفسير المنار، مطبعة المنار، مصر، 1350ه، ط2.

- الرضي، السيّد أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، شرح الشيخ محمّد عبده، دار الذخائر، إيران - قمّ، 1412هـ-1370ش، ط1.

- الزبيدي، السيّد محمّد مرتضى الحسيني، تاج العروس، تحقيق عليّ شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1994م، لا.ط.

- الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلاميّ وأدلّته، دار الفكر، سوريا - دمشق، 1405ه، ط2.

- السبزواريّ، السيّد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام في بيان الحلال والحرام، مكتب آية اللَّه العظمى السيّد السبزواريّ (قدس سره)، 1413هـ، ط4.

- السيّد المرتضى، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ، الانتصار، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، 1415هـ، لا.ط.

- السيّد المرتضى، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ، الانتصار، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قم، 1415هـ، لا.ط.

 

169


140
فقه الطفل