المقدّمة
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين، ولعن الله أعداءهم وظالميهم.
ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «العالِمُ بزمانه، لا تهجم عليه اللّوابس»[1].
وأهمّ معرفة بالزمان هي معرفة العدوّ، خصوصاً العدوّ الذي يشكّل تهديداً لوجودنا وديننا، فضلاً عن ثرواتنا.
وتشكّل الإدارة الأميركيّة ببنيتها التنظيميّة والسياسيّة والثقافيّة رأسَ حربةِ الشرِّ في العالم، وأكبر خطر يهدّد وجود الإيمان الحقيقيّ والإسلام الأصيل. فالعدوان والغدر ومحاربة القِيَم والسطو على ثروات، هي طبع أصيل ومتجذّر في هذه الإدارة المستكبِرة.
والإمام الخمينيّ (قدس سره)، بوصفه عارفاً حقيقيّاً بالإسلام الأصيل وما يتهدّده، وبوصفه قائداً شجاعاً وبصيراً حققّ حلمَ الأنبياء بإقامة نظام الإسلام وحكمه، وجعل هذا النظام صخرةً صلبةً تتكسّر عليها
[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص27.
9
1
المقدّمة
كلّ مؤامرات الأعداء، قام على مدى أعوام طويلة بتعرية العدوّ الأكبر وتبيين أهدافه وأساليبه وشرح مبادئه وسلوكه وكشف مؤامراته للأمّة الإسلاميّة.
كان الإمام الخمينيّ (قدس سره) يعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الإدارة الأميركيّة هي الشيطان الأكبر الذي يهدّد وجود الإسلام، ولكون فكر الإمام (قدس سره) يشكّل الركن والدستور في حركتنا الجهاديّة والسياسيّة، أعددنا في مركز المعارف للتأليف والتحقيق كتاباً بعنوان «أميركا في فكر الإمام الخمينيّ»، يتضمّن آراء مؤسِّس الجمهوريّة الإسلاميّة ونظرته إلى الإدارة الأميركيّة، وفهمه لنظامها وسياستها، حيث يبيّن سياسة الروح الاستكباريّة، ويوضّح مبادئها، ودعمها للأنظمة المستبدِّة، وتعاملها مع الشعوب والمنظّمات الدوليّة، وسطوها على ثروات العالم، وسياستها في الشرق الأوسط... ليكون مجتمعنا على بصيرة ومعرفة مستقاة من هذا المنبع الأصيل.
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
10
2
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
توضيح مفهوم الاستكبار
إنّ [المستكبرين] لا ينحصرون بالسلاطين، لا ينحصرون برؤساء الدول، لا ينحصرون بالحكومات الظالمة، بل للمستكبرين معنى أعمّ من ذلك، وأحد مصاديقه هم الأجانب، حيث يستضعفون الشعوب ويتعدّون عليها ويظلمونها. ومن مصاديقه أيضًا، هذه الحكومات الجائرة، والملوك الظلمة الذين يستضعفون شعوبهم ويظلمونها... كلّ فرد يمكن أن يكون مستكبرًا، ويمكن أن يكون مستضعَفًا. فإذا تعدَّيتُ على الذين تحت يدَيّ، حتّى ولو كانوا بضعة أشخاص، وظلمتُهم واستصغرتُهم، استصغرتُ عبادَ الله، أكون مستكبرًا، ويكونون مستضعَفين، وأكون مشمولًا للمعنى الذي يتضمّنه المستكبرون والمستضعفون. إنّكم إذا استضعفتم الذين تحت سلطتكم، وتعدّيتم عليهم -لا سمح الله- وظلمتموهم، تصبحون مستكبرين أيضًا، ويكون الذين تحت سلطتكم مستضعفين[1].
(52/5/9791م)
[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، صحيفة الإمام (تراث الإمام الخمينيّ (قدس سره))، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، إيران-طهران، 1430هـ - 2009م، ط1، ج7، ص350.
13
3
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
أميركا والروح الاستكباريّة
إنّ المستكبرين ينظرون إلى العالم من زاوية الاستكبار وذلك المرض الروحيّ الذي فيهم. هذا المرض الذي كان سبب عدم الاهتمام بعدد كبير من شعوب العالم. السيّد كارتر[1] وجماعة لا يبلغ عددهم خمسين ألف نسمة، من أصل عدد سكّان المعمورة البالغ ثلاثة مليارات، هؤلاء الجماعة هم رؤساء الدول الذين يحرّضون الآخرين على الظلم والتجاوز، ولا يقيمون وزنًا لجميع الشعوب.
إنّ كارتر وجلاوزته هم جزء صغير من هذا العالم، لكنّ أتباعهم في أنحاء العالم، يعتقدون أنّ هؤلاء يشكِّلون العالم بأسره.
هذه هي نظرة المستكبرين الذين لا يقيمون وزنًا لبقيّة طبقات الشعوب، التي تشكّل الغالبيّة، ولا يرونهم بعين الاعتبار، مع أنّهم بالنسبة إلى غالبيّة الناس، كالقطرة في تلك البحار. فمرض جنون العظمة هو سبب ذلك. لذا، حينما يجلس أحد هؤلاء على كرسيّ رئاسة الجمهوريّة، وينظر بعينه المريضة، ويرى نفسه رئيسًا آمرًا على عدد من الوزراء والنوّاب والعملاء في مختلف البلدان، يعتقد أنّه لا يوجد في العالم أحدٌ له قيمة إلّا هؤلاء الجلاوزة الجواسيس؛ لذلك يعتبر هؤلاء الجواسيس دبلوماسيّين وسياسيّين[2].
(02/11/9791م)
[1] الرئيس الأميركيّ جيمي كارتر تولّى السلطة في عام 1976م، ولم يُنتَخب في المرّة الثانية؛ بسبب هزيمته في إطلاق سراح خمسين جاسوسًا أميركيًّا اعتُقِلوا في طهران أثناء احتلال وكر السفارة الأميركيّة مِن قِبَل طلّاب الجامعات.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص82-83.
14
4
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
أميركا أصل كلّ شرّ في المنطقة
فليعلم العالم أنّ مصائب الشعب الإيرانيّ والشعوب الإسلاميّة كلّها هي من الأجانب ومن أميركا، والشعوب الإسلاميّة مشمئزّة من الأجانب عامّة، ومن أميركا خاصّة؛ فتعاسة الدول الإسلاميّة وليدة تَدَخُّل الأجانب في مقدّراتهم. فالأجانب هم الذين نهبوا وينهبون مواردنا وثرواتنا؛ فالإنجليز على مدى سنوات متمادية، نهبوا وينهبون ذهَبَنا الأسود بسعر بخس... الأجانب هم الذين احتلّوا بلدنا العزيز دون وجه حقّ، هجموا عليه من ثلاثة محاور، وقتلوا جنودنا.
فبالأمس، ابتُلِيَت الدول الإسلاميّة بالاستعمار البريطانيّ وعملائه، واليوم بالهيمنة الأميركيّة وعملائها. أميركا هي التي تساند إسرائيل وتدعم حلفاءها، وتبذل لإسرائيل كي تقوم بتشريد العرب المسلمين... أميركا هي التي تفرض النوّاب، بصورة مباشرة وغير مباشرة، على الشعب الإيرانيّ... أميركا هي التي تعتبر الإسلام والقرآن المجيد مضرَّين بمصالحها، وهي التي تمارس الضغوط على المجلس والحكومة لإقرار مثل هذا القرار المخزي الذي يصادر جميع أمجادنا الإسلاميّة والوطنيّة، وتنفيذه... أميركا هي التي تتعامل مع الأمّة الإسلاميّة معاملة وحشيّة، بل وأكثر من وحشيّة[1].
(72/01/4691م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج1، ص365.
15
5
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
إنّ ما يدعو للعجب حقًّا، هو أنّ أميركا التي تدعم إسرائيل الغاصبة، وتكنّ عداءً وكراهيّة للشعوب العربيّة وحكوماتها، ولا تكفّ عن تهديدها، وفي الوقت ذاته الذي أوقفَت فيه الحكومةُ والشعبُ الإيرانيّ النبيل تزويدَ إسرائيل بالنفط، وأعلنا عن دعمِهما للشعوب العربيّة، وحثِّها على معارضة أميركا والصهيونيّة، وبدلًا من أن تتضامن الدول العربيّة مع إخوتها في الإسلام بنصّ القرآن الكريم، وتمدّ لهم يد الأخوّة والاتّحاد، وتتكاتف مع أقوى دول المنطقة وأكثرها تمسُّكًا بالإسلام، وكسبها لصالحهم ضدّ أعداء الإسلام، نرى هذه الدول تتضامن مع أميركا وإسرائيل، وتحرص على صداقتهما، ولا تتوانى عن كيل التهم وترويج الإشاعات ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، وجَعْلِها تتألّم منها[1].
(62/1/3891م)
استغلال ثروات البلدان الفقيرة
لا تزال الحكومة ورئيس الجمهوريّة الأميركيّ يتعاملون مع إيران على أنّها عدوّ. لقد قامت بنهب ثروات البلاد لعدّة سنوات، وخصَّصَت مصاريف ضخمة ومرتفعة للمستشارين العسكريّين من جهة، وللقواعد العسكريّة من جهة أخرى، واستغلَّت جميع الإمكانات والقدرات الكبيرة للبلاد والشعب من أجل الاستثمارات، أبشع استغلال[2].
(4/1/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص211.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص228.
16
6
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
الاستكبار والنزاع العالميّ ومسلكه الحيوانيّ في التعامل مع الشعوب
يُربّي الغربُ الدنيا تربيةَ مقاتِلٍ فظّ؛ فتربيته تسلب الإنسان إنسانيّته، وتدعه كائنًا مفترسًا، وحيثما تنظروا في العالَم المفترض هدوؤه الآن وبُعده عن الحرب، تجدوا القتل في كلّ بلادٍ بتدَخُّلِ أميركا والاتّحاد السوفياتيّ. فالقتل في أفغانستان بتدخُّل الاتّحاد السوفياتيّ، وفي كثيرٍ من الأماكن. والقتل في لبنان بتدخُّل أميركا. فالغرب يربّي حيوانًا، وذاك ليس بهادٍ، وإنّما هو وحشيّ مفترس.
فتقدّمُه غير إنسانيّ، بل حيوانيّ، وتربيته ليست إنسانيّة، وإنّما هي حيوانيّة؛ نعني الحكومات لا الشعوب، فالحكومات ومَن تُربِّي في منأى عن الإنسانيّة. ولذا، تقدّم في تربية الحيوان، وصنع آلات الدمار، فالبارحة أو الليلة التي سبقتها، ورد في الصحيفة أنّهم صنعوا قنبلة تفوق تلك التي ألقوها على اليابان خمس مرّات!
فعمل الغرب هو أن يصنع ما يقتل به الناس، والفخر هو أن يصنع قنبلة تفوق خمس مرّات تلك التي قتلَتْ مئتَي ألف نسمة في مدينة. هذا هو التقدُّم، ونحن وثقنا أنّ كلّ شيء في الغرب!
لا، فما في الغرب تربية حيوان مفترس ضارّ، ويصنع آلات هي مخالب الحيوان وأنيابه، إلّا أنّها أمضى منها بمئات الآلاف من الدرجات[1].
(21/6/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج8، ص82- 83.
17
7
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
إنّ كلّ ما أنجزه الغرب من تقدُّم، لا يعدو أن يكون تقدُّمًا مادّيًّا، جعل العالم يبدو وكأنّه غابة لصراع الوحوش. إنّ أسلوب التربية في الغرب قد جرَّد الإنسان من إنسانيّته، وحوّله إلى حيوان مفترس، وحيثما سرحتم البصر في هذا العالم الآن، والذي يبدو هادئًا وخاليًا من الحروب الشاملة، فإنّ كلّ بلدٍ يعمّه القتلُ، سببُه التدخُّل الأميركيّ، أو التدخُّل السوفياتيّ، وهذا هو لبنان[1]، كغيره من البلدان، يعمُّه القتل؛ بسبب التدخُّل الأميركيّ. وهكذا يبدو حيوانًا، ليته كان أليفًا، بل حيوان مفترس قاتل آكل للحوم البشر، فهذا ليس تقدُّمًا إنسانيًّا[2].
(11/6/9791م)
أميركا في مقدّمة جميع المجرمين
من المؤسف أن يكون الإسلام في هذه الحالة، وأن يكون الذين يدَّعون الإسلام في مثل هذه الأوضاع. الإسلام يقف قاطعًا أمام المذنبين والمقصِّرين والمعتدين، وهؤلاء الذين يدعون أتباع الإسلام، يُرَغِّبون الآخرين في الاعتداء. وأميركا التي تقف على رأس جميع المجرمين، وهذه الجريمة التي وقعَت قبل فترة في بيروت، بالتحريض الأميركيّ الخفيّ، والممارسة العلنيّة للصهاينة، كان المخطِّط الأساس لها هم. وهؤلاء أيضا اعترفوا بذلك، وقالوا: إنّ المشروع مشروعٌ أميركيّ. فلو لم تكن أميركا ضالعة في القضية، لقالت لإسرائيل: لا
[1] كان حين الاحتلال الصهيونيّ لجنوب لبنان، ونشوب الحرب الأهليّة.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)،ج4، ص95.
18
8
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
إنّ كيان أميركا كلّه يدور حول محور هذه الأمور الحيوانيّة: «الاصطياد». فهذه البلدان لا بدّ وأن تبتلعها أميركا، وكلّ من يتفوّق في هذا المضمار يجوز قصب السبق من مجلس الشيوخ الأميركيّ، بينما كلّ من يَحُولُ دون ذلك، فهو مجرم في نظر هذا المجلس، وهذا هو أقصى ما يفهمونه[1].
(22/4/9791م)
التهويل الإعلاميّ
لقد اتّبعَت أميركا سياسة التهويل والإرعاب، بناءً على تصوُّرِها بأنّ القوميّين والمنافقين وبقيّة أتباعها من اليمين واليسار، سوف يتمكّنون من الإمساك بزمام الأمور في البلاد. وانهمكَت في حياكة المؤامرات والتخطيط للانقلابات العسكريّة، وانتهجَت سياسة الضغط، وقامَت باغتيال رجالات الثورة. لكنّ الله -تعالى- مَنَّ علينا مرّة أخرى، فأعلن الشعب الإيرانيّ من جديد، في ملحمة الهيمنة على الوكر الجاسوسيّ، براءته من أميركا وأذنابها؛ ما حدا بأميركا إلى وضع السيف الذي كان بيد محمّد رضا، بيد صدّام الزنجيّ المترنّح[2].
(82/7/7891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص361.
[2] المصدر نفسه، ج20، ص265.
20
9
الفصل الأوّل: سمات الاستكبار الأميركيّ
لقد استخدم هؤلاء الإعلام، من أجل بثّ الهلع في النفوس؛ حتّى يحقِّقوا أطماعهم. ولقد شعر الكثيرون بالرهبة، فتخلّفوا عن الساحة، وباتوا غير مبالين وجبناء. ومع أنّ قوّتهم لم تكن إلى تلك الدرجة التي يبيدون بها شعبًا، إلّا أنّهم استغلّوا تلك الشعوب. غير أنّ الشعب الإيرانيّ غَيَّر هذه المعادلة، وقضى على ذلك النظام[1]. وهذا هو أمر القوى العظمى، التي يفوق إرعابها حقيقتها؛ فلو حدث شيء مثلًا، في أيّ بلد صغير، خلافًا لهوى الاتّحاد السوفياتيّ[2] أو أميركا، لكفى أن يُغضِب أحدهما، لينتهي الأمر[3].
(3/2/0891م)
[1] نظام الشاه المخلوع.
[2] عندما كانت جمهوريّات آسيا الوسطى وروسيا متّحدةً تحت اسم الاتّحاد السوفياتيّ.
[3] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص304-305.
21
10
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
الاختلاف بين الحكومة الأميركيّة وشعبها
1- المقصود من الدعاء بالموت لأميركا
وبالطبع، نحن فرّقنا، وسوف نفرّق بين الشعب الأميركيّ والحكومة الأميركيّة، ونطلب من الشعب الأميركيّ مساندة الحركة الإسلاميّة الإيرانيّة[1].
(12/1/8791م)
نحن نطلب ونتمنّى من الشعب الأميركيّ أن يُلقي اللوم على رؤسائه، ولا نرغب في تشويه صورة الشعب الأميركيّ بين أوساط الشعوب المسلمة، وأن يعتبروه شعبًا ظالِمًا. كما أنّنا سوف نشكر الشعب الأميركيّ أيضًا، في حالة وقوفه معنا[2].
(11/3/8791م)
إنّ الشعب الذي يرفع شعار «الموت لأميركا!» الآن، لا يقصد سوى كارتر، فالشعب الأميركيّ لم يُسِئ إلينا، وعلى الشعب الأميركيّ أن يتفهّم هذا الأمر؛ فلو تفهَّمَه، لكان معنا، حسب ما يمليه عليه ضميره الإنسانيّ[3].
(12/16/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص107.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص100.
[3] المصدر نفسه، ج1، ص9.
25
11
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
أبناء شعبنا الذين يصرخون اليوم «الموت لأميركا!»، إنّما قصدهم كارتر. الشعب الأميركيّ لم يرتكب شيئًا ضدّنا، ولو عرف الشعب الأميركيّ حقيقة الأمر، فإنّ ضميره الإنسانيّ سيكون إلى جانبنا[1].
(12/15/9791م)
2- لا خلاف بيننا وبين شعوب العالم
لا خلاف بين شعبنا وبقيّة الشعوب، حتّى الشعب الأميركيّ، ولم يصلنا منهم ظلمٌ يكون سببًا للخلاف معهم؛ فالمسائل ترتبط بالحكومات[2].
(11/27/9791م)
لقد طالبْنا دول المنطقة مرارًا: تعالوا نضع يدًا بيد؛ للتخَلُّص من براثن القوى الكبرى. لا يمكن للمظلومين البقاء تحت ظلم القوى الكبرى بعد الآن. فإنّ الشعب الأميركيّ نفسه لا يقبل بتصرُّفات رئيسه. لقد ضاق الأميركيّون ذرعًا بهؤلاء. فلا تظنّوا أنّ عالم اليوم كالسابق. العالم لا يقبل بالبقاء تحت ظلمكم، وأنتم جالسون في قصوركم. لا بد من أن تفكّروا في أمركم. وعلى البلاد الإسلاميّة أن تفكّر في أمرها. أقول لمن يمثّلون بلادهم في إيران: اطلبوا من مسؤولي بلدانكم أن يفكّروا في أمرهم. إنّ صدّامًا زائل! فإن تركناه
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص213.
[2] المصدر نفسه، ص110.
26
12
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
نحن، فإنّ الشعب العراقيّ لن يتركه. إنّه زائل! فكِّروا في أمر ما بعد صدّام. إنّنا نطالب بالسلام مع جميع الشعوب في العالم. إنّنا نريد أن نعيش بسلام مع شعوب العالم، إلّا أنّ القوى الكبرى تمنعنا من ذلك. فلولا هجوم صدّام علينا، لَمَا كان يعنينا العراق؛ فالعراق بلد شقيق. الشعب العراقيّ اليوم شقيقنا أيضًا، فنحن لا نعادي الشعب العراقيّ[1].
(2/6/4891م)
الأفكار العامّة للشعب الأميركيّ
1- مخالفة التدخُّلات العسكريّة في العالم
إنّهم إنّما يخوّفوننا من الموت؛ لأنّهم هم يخافون منه، ولأنّهم لا يعتقدون بما وراء الطبيعة. أمّا الذي يعتقد بالله -تعالى- وبيوم القيامة، فلا يخاف من شيء أبدًا. إنّ أميركا مخطئة، وإنّ كارتر مخطئ حينما ظنّ أنّه يستطيع ذلك.
فالعالم لا يسمح له بذلك. والشعب الأميركيّ أيضًا لا يجيز له ذلك، فهل قَتْلُ شعبِنا وإبادته كاملًا هو عملٌ يسير، حتّى تستطيع أميركا أن تقوم به؟ إنّه ليس عملًا هيّنًا يستطيع كارتر أن يقوم به[2].
(22/11/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج18، ص260.
[2] المصدر نفسه، ج11، ص97.
27
13
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
ليس الشعب الأميركيّ مخالفًا لمصالحنا، بل هو يؤيّدنا ويُعرِب عن أسفه على ما تقوم به حكومته والحكومات الفاسدة الأخرى[1].
(03/21/8791م)
2- الوقوف بوجه السلطة الظالمة
إنّ المظلومين لم يعودوا يحتملون البقاء تحت ظلم القوى الكبرى. وحتّى في أميركا الآن، فإنّ الشعب يعارض ممارسات رئيسه. وها هو الشعب الأميركيّ الآن، قد بات رافضًا، حتّى هو، لحكّامه، بل إنّ العالم بأسره يعمّه العصيان والرفض[2].
(7/2/3891م)
وإذا اطّلع الشعب الأميركيّ، بوسائل الإعلام العامّة، على جميع الأمور، وما تحمّلناه من مصائب من رؤسائهم ورؤساء بقيّة الدول الكبرى، فإنّه يسحب تأييده لكارتر[3].
(71/11/9791م)
3- عدم مخالفتهم للثورة الإسلاميّة، والدعوة إلى مناصرتها
وبالطبع، نحن فرّقنا، وسوف نفرّق بين الشعب الأميركيّ والحكومة الأميركيّة، ونطلب من الشعب الأميركيّ مساندة الحركة الإسلاميّة الإيرانيّة[4].
(1/21/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص224.
[2] المصدر نفسه، ج18، ص322-323.
[3] المصدر نفسه، ج11، ص72.
[4] المصدر نفسه، ج5، ص107.
28
14
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
وأنا أطلب من الشعب الأميركيّ، أن يعمل بأقصى سرعة لمصلحة الشعب الإيرانيّ المظلوم، وأن يطلبوا من السيّد كارتر والحكومة الأميركيّة عدمَ تقديم العون والمساعدة للشاه، وأنْ لا يثيروا الرأي العامّ العالميّ على الشعب الأميركيّ[1].
(72/21/8791م)
عندما كان كارتر يطلق تلك الادّعاءات، أرسل فلاسفة بلاده وعلماؤها رسالة إليّ، أعربوا فيها عن شكرهم وتأييدهم لهذه النشاطات النهضويّة، وللشعب الإيرانيّ. فليس الشعب الأميركيّ مخالفًا لمصالحنا، بل هو يؤيّدنا ويُعرب عن أسفه على ما تقوم به حكومته والحكومات الفاسدة الأخرى[2].
(13/21/8791م)
وأنا أرجو إذا كان صوتنا يصل لسكّان العالم، أن تكون كلّ الشعوب معنا. حتّى الشعب الأميركيّ، إذا أدرك ما نقول، وما فعله كارتر وأمثال كارتر في بلادنا طوال هذه السنين، طوال هذه الخمسين سنة تقريبًا، فإنّه سيكون معنا[3].
(7/21/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص205.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص224.
[3] المصدر نفسه، ج11، ص166.
29
15
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
خيانات الحكومة الأميركيّة للشعب الأميركيّ
1- تمويه الحقائق بشأن الشعب الإيرانيّ
لا خلاف لنا مع الشعب الأميركيّ، لكنّ السيّد كارتر يُمَوّه الحقائق، ويشيع في أميركا أنّ الشعب الإيرانيّ على خلاف مع الشعب الأميركيّ، وأنّنا نعاديه؛ وهذه إحدى الجنايات التي تحدث في التاريخ. لذلك، نرفع أصواتنا بأنّنا نخالف السيّد كارتر، إذ آوى مجرمنا ودافع عنه، وهو الآن يروّج أنّنا على خلاف مع الشعب الأميركيّ، ويحرّض الشعب الأميركيّ ويغيظه ضدّنا ليخاصمنا. لكنّ الحقيقة ليست كذلك[1].
(72/11/9791م)
2- تشويه صورة الشعب الأميركيّ
نحن نطلب ونتمنّى من الشعب الأميركيّ، أن يُلقي اللوم على رؤسائه، ولا نرغب في تشويه صورة الشعب الأميركيّ بين أوساط الشعوب المسلمة، وأن يعتبروه شعبًا ظالِمًا[2].
(3/11/8791م)
نريد أن نبيّن للشعب الأميركيّ ما فعل هؤلاء بالشعب الأميركيّ نفسه، ولكي تُبَيَّن الجرائم التي ارتكبها هؤلاء، حتّى إنّهم يريدون إسقاط الشعب الأميركيّ من أعين الناس[3].
(51/21/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص111.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص100.
[3] المصدر نفسه، ج11، ص227.
30
16
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
3- التفرقة العنصريّة
بالأمس، أو ما قبل الأمس، حيث كان يوم حقوق الإنسان، تحدّثوا بالكثير. إنّ أولئك الذين يقضون على الإنسان، يتحدّثون عن حقوق الإنسان! أولئك الذين يجعلون من التفرقة العنصريّة مبدأ أمرهم، لم يسلم منهم حتّى الجنس الأبيض، سوى جنس واحد فقط، هو جنسهم هم. هؤلاء هم الذين يتحدّثون عن وحدة الأجناس، وأنّه لا فرق بينها! هذا هو وضع العالم، حيث يبدو الظالم الذي يقضي على الناس، وكأنّه أشدّ رفقًا بالمظلوم![1].
(11/21/4891م)
إنّ العنصريّة الوطنيّة هي ضدّ الإسلام. فلقد جاء الإسلام للمساواة بين كافّة الناس، وشتّى المجتمعات. وإنّ العنصريّة الوطنيّة هي الموجودة الآن بين السود والبيض في أميركا، وإنّ كارتر الذي يدّعي المحافظة على حقوق الإنسان، هو الذي يقتل السود بقسوة، ويوقع بهم شديد الأذى[2].
(42/5/0891م)
4- خداع الشعب الأميركيّ
لا خلاف لنا مع الشعب اليابانيّ، كما لا خلاف لنا مع الشعب
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج19، ص117.
[2] المصدر نفسه، ج13، ص334.
31
17
الفصل الثاني: دراسة خصائص الشعب الأميركيّ وتحليلها
الأميركيّ، لكنّ السيّد كارتر يُمَوّه الحقائق، ويشيع في أميركا أنّ الشعب الإيرانيّ على خلاف مع الشعب الأميركيّ، وأنّنا نعاديه؛ وهذه إحدى الجنايات التي تحدث في التاريخ. لذلك، نرفع أصواتنا بأنّنا نخالف السيّد كارتر، إذ آوى مجرمنا ودافع عنه، وهو الآن يروّج أنّنا على خلاف مع الشعب الأميركيّ، ويحرّض الشعب الأميركيّ، ويغيظه ضدّنا ليخاصمنا. لكنّ الحقيقة ليست كذلك. وإنّنا الآن نرفع أصواتنا بأنّنا نخالف كارتر ونخاصمه؛ لأنّه أخذ مجرمنا وآواه، وأحدث ضجيجًا علينا في العالم، وأظهر الأمور على خلاف حقيقتها، وأنّه متأثّر بالقوى الشيطانيّة الصهيونيّة. إنّنا نرفع أصواتنا بأنّنا لا نخاصم الشعوب أبدًا، بأيّ شكل من الأشكال، بل نقف إلى جانب المظلومين والشعوب من جملة المظلومين، ونخاصم الظالمين، سواء أكانوا ظالمين لدولهم، أو لشعوبهم، أو للشعوب المستضعفة[1].
(82/11/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص111.
32
18
الفصل الثالث: أميركا والآخر
تعامل أميركا مع دول العالم الثالث
1- الخداع
مزاعم مناصرة الإنسانيّة والدفاع عن حقوق الإنسان، يُطلقها مَنْ هم من المنتهِكين لحقوق الإنسان، والبطل في هذا المجال هو مَن يكون انتهاكُه واعتداؤه أكثر من الآخرين. ومثل هذا البطل، يتمثّل في عصرنا الحاضر، بشخص كارتر. كنّا جميعًا قد شهدنا المذابح الجماعيّة العامّة التي تكرّرت في الكثير من المدن الإيرانيّة، وتمَّت على يد الشاه. وقد شهدَت طهران مؤخّرًا مذابح جماعية على نطاق واسع على يد الشاه، حيث زاد عدد القتلى -حسبما ذُكِر- على الأربعة آلاف قتيل. السيّد كارتر الذي أثار ضجّة كبرى من أجل سجين في الاتّحاد السوفياتيّ، لم يتوانَ عن تقديم دعمه للشاه، بعد ارتكابه لهذه المذابح المتتابعة كلّها!
كما أعرب الرئيس الصينيّ عن دعمه للشاه -الذي لم يتمكّن من النزول به إلى الشوارع؛ خشية انتفاضة الشعب- المنفِّذ لهذه المذابح كلّها في إيران. وفعل زعماء الكرملين الشيء نفسه.
وأميركا وسائر الدول الاستعماريّة، لا هدف لها سوى الإبقاء على تخلُّف الدول الضعيفة، في مختلف المجالات الثقافيّة والسياسيّة
35
19
الفصل الثالث: أميركا والآخر
والعسكريّة. وابتغاء السيطرة على ثرواتنا وثروات سائر الدول المتخلِّفة، لا يسعهم إلّا أن يكونوا مصدرًا لممارسة المزيد من الضغط علينا في مختلف المجالات[1].
(41/9/8791م)
2- أميركا ونظرتها الدونيّة تجاه العالم الثالث
عليكم أن تعلموا أنّ الشرق والغرب لا يقدّمان لنا ما ينفعنا وينفع بقيّة دول الشرق أو الغرب، التي تعيش التخلُّف والتأخُّر عنهم. إنّ كلّ ما يعطوننا إيّاه، إمّا أنّه لم يعد ينفعهم، أو أنّهم يقدّمونه لنا بنحوٍ لا يفيدنا. فإذا ما أرادوا إعطاءنا شيئًا من علومهم، أعطونا ذلك الجانب الذي لا يفيدنا. وحتّى إذا أراد شبابنا الذهاب إلى هناك للدراسة، فإنّهم يقبلونهم في جامعات خاصّة بدول العالم الثالث، تختلف في مستواها العلميّ عن جامعاتهم. إنّهم يعتبرون العالم الثالث شيئًا آخر، إنّهم لا يقيمون لدول العالم الثالث وشعوبها وزنًا أصلًا، بل لا يعتبرونهم شيئًا يُذكَر. وربّما أنّهم يعتنون بالحيوانات أكثر من اعتنائهم بالإنسان الذي يعيش في بلداننا! فالدواء الذي يمنعونه في بلادهم، يجيزون بيعه واستعماله في بلداننا، ويرسلونه إلى العالم الثالث![2].
(1/11/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص399.
[2] المصدر نفسه، ج10، ص317.
36
20
الفصل الثالث: أميركا والآخر
3- استغفال العالم الثالث
على مرّ التاريخ، خصوصًا في القرون الأخيرة، تمّ السعي من أجل إبقاء دول العالم الثالث في نوم عميق؛ ليبقوا غافِلين عمّا يحدث حولهم ويُحاك ضدّهم، ولكي لا يشعروا بوجودهم، وليعيشوا التبعيّة التامّة للغير. هذه المسألة كانت مطروحة منذ سنوات طويلة، وكانت تنضج بشكل تدريجيّ، حتّى وصلت إلى مرحلة النضج النهائيّ[1].
(71/1/1891م)
4- استغلال موارد دول العالم الثالث الطبيعيّة ونهبها
إنّ هؤلاء الأجانب قد درسوا جميع أمورنا، وبحثوها. إنّهم موجودات عجيبة، إذ بحثوا جميع أمورنا، وجاء خبراؤهم في وقتٍ مبكر، حيث لم تُختَرع فيه السيّارة بعد، وركبوا الجِمال، وذهبوا مع رعاة الإبل إلى الصحاري، وإلى الأماكن التي تذهب إليها القوافل، وكانوا يرسمون الخرائط لتلك الأماكن كلّها، ويكشفون بواسطة ما لديهم من أجهزة، عن نوع المعادن الموجودة في باطن الأرض[2].
(3/1/0891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص414.
[2] المصدر نفسه، ج12، ص26.
37
21
الفصل الثالث: أميركا والآخر
لقد كانوا يرسلون خبراءهم، في الوقت الذي لم تكن توجد السيّارات وغيرها من وسائل النقل، وكانوا يجوبون البلاد مع قوافل الإبل، وكانوا يقومون بمعرفة مصادر الثروة، كالنفط والذهب وغيرهما، وأماكنها، بإمكانيّات كانت لديهم[1].
(8/9/1891م)
5- التدخُّل في الشؤون الداخليّة، والسيطرة السياسيّة الاقتصاديّة
مرّت سنوات طويلة، وأميركا تباشر التدخُّل في شؤون الدولة الإيرانيّة الخاصّة، خلافًا لجميع المعايير الدوليّة والإنسانيّة.
وعندما وصل الشاه إلى هاوية السقوط اليوم، وثار الشعب الإيرانيّ للحصول على تقرير مصيره، رأينا الرئيس الأميركيّ وبعض كبار المسؤولين الأميركيّين باشروا التدخُّل الرسميّ في شؤوننا، وأعلنوا على الرغم من إرادة الشعب الإيرانيّ الحاسمة، أنّهم (نحن نساند الشاه، ويجب أن نسانده؛ لأنّه أفضل صديق، ومحافظ على المصالح الأميركيّة في المنطقة).
نرى في السنوات الطويلة، أنّ أكثر، بل جميع سياسات الشاه في المجالات المختلفة، تصبّ في دائرة تأمين الحدّ الأقصى من مصالح أميركا وأصدقاء أميركا. دُمِّرَت الزراعة الإيرانيّة لخدمة المصالح الأميركيّة، وأُعطِيَت أميركا الثروات الباطنيّة والنفط خاصّة، وجُعِلَت
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج15، ص182.
38
22
الفصل الثالث: أميركا والآخر
6- نيل الاستقلال الاقتصاديّ واجب شرعيّ
لو شُنَّ علينا عدوان اقتصاديّ، قد يبعث على احتياجنا وتبعيّتنا لبلد آخر، فيجب على الجميع إنقاذ بلادنا منه. كلّ إنسان عليه أن يقوم بما يستطيع لدعم الحقل الاقتصاديّ، ويجب ألّا تقعد شريحة بانتظار ما تقوم به الأخرى. ليس للمزارعين التكاسلُ في عملهم. على الذين يعملون في المصانع عدم التقاعس والتماهل، فشعبكم اليوم يخوض حربًا اقتصاديّة، وهذه الظروف ليست ملائمة لنقول: لا نريد أرباحًا أكثر ممّا نجني. والاختيار لكم للناس عامّة، وهذا الخيار من الله، وهو الذي أمر بهذا المفهوم. أي: لا يجوز لنا أن نكون تحت إشراف دولة أخرى لا تؤمن بالدين، فإنّنا حين ذلك نكون تحت راية الكفر. هذه إحدى القضايا المهمّة. يجب علينا أن نسعى ونعيد ازدهار اقتصادنا بأنفسنا. وفي هذه الظروف التي نواجه فيها قوّة شيطانيّة تهدّدنا بأنّها ستجنّد جميع الدول لإغلاق الأبواب علينا، ومع أنّنا نؤمن بأنّ هذه التصريحات مجرّد تصريحات لفظيّة لن تتحقّق، يجب علينا الحذر إذا احتملنا واحدًا بالمئة أنّها جادّة.
يجب ألّا نتجاهل قيام الأعداء بما يقولون. حسنًا، قد يحدث في يومٍ ما. لمثل ذلك اليوم، على جميع شرائح المجتمع، كلّ شخصٍ بأيّ طريقة كانت، يمكن أن ينتج، فمثلًا، أصحاب البساتين يمكن أن ينتجوا، مربّو المواشي يمكن أن ينتجوا، والمزارعون بإمكانهم الإنتاج،
40
23
الفصل الثالث: أميركا والآخر
ويمكن لبعض الأشخاص مساعدة المزارعين، المصانع بإمكانها الإنتاج، الشركات الخاصّة الكثيرة في إيران دُمِّرَت -مأسوفًا عليها- وتُدَمَّر الآن. على جميع هؤلاء النهوض لإنقاذ البلاد من تعثّر الاقتصاد. إن لم تكتفِ بلادكم من الناحية الاقتصاديّة ذاتيًّا، وبقيَت على تبعيّتها الاقتصاديّة، فإنّ هذه التبعيّة ستستتبع أمورًا أخرى، وستجرّ إلى تبعيّة سياسيّة أيضًا، والتبعيّة العسكريّة أيضًا ستتلو سابقاتها؛ لأنّنا حين لا نملك ما يمكننا الاستفادة منه، لا بدّ أن نمدّ أيدينا إلى أميركا، وهي عندئذٍ، ستفرض علينا كلّ ما تشاء.
في وقتٍ ما، قد تقوم بتهديدنا، فنقول لها: لا، لسنا بحاجة إلى ذلك. والآن أيضًا، نقول لها: سنقطع حاجتنا إليها، وسنعمل، فالله -تبارك وتعالى- أنعم علينا بالأراضي الشاسعة الخصبة، ومنحنا المياه الزاخرة التي تذهب هدرًا؛ نهر كارون مياهه تذهب هدرًا باستمرار، والأراضي التي تحيط به تبقى بلا استثمار. يجب أن نتعاضد، والعمل عمل إلهيّ، وهو اليوم عبادة، الزراعة اليوم هي طاعة أمر الله، فتجب تقوية هذه الزراعة. كلّ شخص عليه فعل ما يستطيع لتقوية هذا القطاع، حتّى نخرج من هذه الورطة التي ابتُلِينا بها، إن شاء الله. ونأمل أن تتمّ تسوية سائر العقبات أيضًا، نحلّ المعضلات الثقافية والسياسيّة، يجب علينا تسويتها جميعًا. ولأنّ الكلام كان يدور حول الاقتصاد، ذكرتُ هذه المقاصد[1].
(62/21/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص337-338.
41
24
الفصل الثالث: أميركا والآخر
7- الهيمنة على العالم من خلال الحفاظ على التفوُّق
إنّ هاتَين القوّتين العظيمتَين[1] هما مشكلة تهدّد العالم اليوم. إنّ هاتَين القوّتين تهيمنان على العالم، وتسخّرانه لمصالحهما. إنّهما تكرّسان جهودهما للتآمر وإنتاج السلاح، الذي يشكّل خطرًا حقيقيًّا على مستقبل البشريّة. وعلى الرغم من أنّ كلّ معسكر يخشى المعسكر الآخر، وهذه القوّة العظمى تخشى تلك القوّة، غير أنّه من الممكن أن يأتي إلى رأس السلطة في إحدى هاتَين الدولتَين، مجنونٌ مثل هتلر أو صدّام، ويقود العالم إلى الضياع والدمار، بوحيٍ من جنونه بامتلاك القوّة. وإذا اندلعَت اليوم -لا سمح الله- حربٌ بين هاتين القوّتَين، فإنّها ستجرّ على العالم الخراب والدمار وإراقة الدماء.
إنّ المشكلة التي تواجه العالم اليوم، تتمثلّ في هاتين القوّتَين. أمّا المشاكل الأخرى، فهي مشاكل إقليميّة، يتحمّل المفكّرون والشعوب المحرومة مسؤوليّة إيجاد حلول لها. وحتّى لو أراد هؤلاء إيجاد حلول لها، فإنّ حكوماتهم لن تسمح بذلك. فالحكومات غير قادرة وغير مؤهّلة لمعارضة هاتين القوّتَين، كما أنّ أهواءهم النفسيّة تَحُول دون ذلك أيضًا.
لا بدّ للجماهير والكتّاب والخطباء والمفكّرين من التفكير بحلول لمستقبل العالم، وتوعية الشعوب بالأخطار التي تهدّد البشريّة
[1] أميركا والاتحاد السوفيتيّ سابقَا.
42
25
الفصل الثالث: أميركا والآخر
جمعاء. يجب توعية الشعوب بأنّ الخطر العظيم قادم، وإذا استمرَّت هاتان القوّتان العظيمتان على حالهما في إنتاج الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل، وصناعتها، فمن الممكن أن تقودا العالم إلى الدمار، وستكون الشعوب المتضرِّرَ الأكبر.
يجب على الجميع، كلّ مِن موقعه، الكتّاب والمفكّرين والعلماء لدى مختلف شعوب العالم، توعية الجماهير بهذا الخطر المحدق، لعلّها تتصدّى بنفسها لهاتين القوّتَين، وتحول دون إنتاج هذه الأسلحة... إنّ ما يتردّد أحيانًا في أوساط هذه الحكومات، من أنّها تسعى للحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومحاولة التوصُّل إلى اتّفاق بهذا الشأن، ليس أكثر من شعار، فأميركا تسعى لخداع الاتّحاد السوفياتيّ، وتعمل على وضع الأسلحة الموجودة في الغرب على أهبّة الاستعداد، تحسُّبًا ليومٍ إذا ما ضُغِطَ فيه على زرّ، فسوف تضرم النيران في العالم بأسره.
ينبغي اليوم لشعوب العالم، أن تتنبه لهذه المشكلة الكبرى التي تواجه العالم. وعلى مختلف الفئات، من كتّاب وصحافة ووسائل إعلام في العالم أجمع، متابعة هذا الموضوع، وتوعية الجماهير للتصدّي له. طبعًا، توجد اليوم بعض الفئات التي تتظاهر ضدّ هذه الأسلحة، ولكن لا بدّ من تضافر جهود كلّ الشعوب؛ كي يتسنّى لها أن تفعل شيئًا.
فلو لم تكن قوّة أميركا، لَمَا كان بوسع صدّام ارتكاب مثل هذه
43
26
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الحماقة. ولو لم تكن قوّة أميركا، لَمَا استطاعَت إسرائيل أن ترتكب هذه المذابح كلّها. ولو لم تكن قوّة أميركا، لَمَا أقدَمَت الدول الخليجيّة وأمثالها على هذه الأعمال التي تقوم بها الآن.
وإذا أراد العالم أن يتخلّص من هيمنة هاتين القوّتَين، عليه أن ينهض، مثلما فعلت إيران، حيث انتفضَت مختلفُ فئات الشعب، ونهض الجميع وفجّروا الثورة، دون أن يلجؤوا إلى أيٍّ من القوّتَين، وإنّما نزلوا إلى الساحة باستقلاليّة تامّة. ورغم كلّ المساعي التي بذلتها وتبذلها أميركا في سحق الجماهير وإفشال نهضتها، إلّا أنّها عجزَت عن ذلك. فإذا لم تنهض الدول الإسلاميّة وغير الإسلاميّة، وكلّ دول العالم التي تعاني شعوبها البؤس والحرمان وهيمنة واضطهاد حكوماتها، وما لم يتنبّهوا إلى هذا الخطر العظيم الذي يهدّد العالم، ولو قُدِّر له -لا سمح الله- أن يحدث يومًا، فلن تكون حينها، دولةٌ على وجه الأرض، وربّما لن يبقى إنسان. فلا بدّ للعالم من التفكير بذلك[1].
(4/11/2891م)
8- نشر الثقافة الأجنبيّة
الشعب هو الشعب نفسه، فلماذا لم يعترض أو يحتجّ؟ لأنّ الثقافة الأجنبيّة لم تكن تسمح بذلك. فالشابّ حين كان يفتح
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص74- 75.
44
27
الفصل الثالث: أميركا والآخر
عينَيه، ينظر إلى المجلّة، فيراها حافلةً بالجنس، وينظر إلى الصحف، فيرى سيل الشتائم ضدّ المعمّم أو الإسلام، وما إلى ذلك. لقد ربّوا الأطفال، منذ الصغر، على كراهيّة الإسلام، وعلى معاداة الوطن، وعلى انعدام الإيمان. وقد تلطّف الله -تبارك وتعالى- بهذا الشعب المظلوم، على الرغم من أنّ الأحلام التي كان يخطّط لها هؤلاء، كلّها كانت على هذا النمط. يكفي أن تنظروا إلى إحدى قضاياهم التي أرادوا أن يروّجوا لها في السنوات الأخيرة، وهي زواج أحد أبناء الجنرالات من آخر؛ زواج ولد من ولد! هذه من القضايا التي فتحوا بابها، ولو أنّهم أُمهِلُوا قليلًا، لعملوا على ترويجها، مثلما حصل في بعض المناطق الأخرى. فالفحشاء كانت بصورة علنيّة في شوارع شيراز...
لقد كانوا يخطّطون لأشياء كثيرة لشعبنا، وقد رأيتم بأنفسكم ما كان يجري على سواحل البحر، وفي النوادي الليلية والحانات ومراكز لعب القمار، التي كانت منتشرة في كلّ مكان من إيران. ولكنّ الله -تبارك وتعالى- تلطّف علينا برحمته، وأوجد كلّ هذا التحوُّل في المجتمع، وأنقذ شبابنا من ذلك المستنقع، وأدخلهم في محيطٍ إسلاميٍّ إنسانيٍّ، يتصدّى للشرق والغرب، ولن يعبؤوا بما لدى هؤلاء ممّا يمكن أن يحسدوهم عليه.
ويجب أن تعلموا أنّ هؤلاء كانوا هكذا دائمًا، وأنّ جهود المستعمرين كانت منصبّة على بثّ الفرقة والاختلاف بين أبناء
45
28
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الشعب الواحد. ففي كلّ وقت، كانوا يخطّطون لتنفيذ الانقلابات وتفجير نزاعات داخل البلد الواحد، بصدد ذلك دائمًا، ولن يكفّوا أيديهم عنّا. لذا، ينبغي لشعبنا أن يكون يقظًا واعيًا. وكذلك جيشنا وحرسنا ولجاننا الثوريّة وقوّات التعبئة والعشائر. على الجميع أن يتحلّوا باليقظة والحذر، وليعلموا بأنّه متى ما ظهرت بوادر الاختلاف والفرقة، فإنّ هناك دسيسة تُدَبَّر لهم[1].
(81/21/2891م)
9- منع التقدّم والتطوّر
إنّ شعارنا في جميع الحالات، هو قطع أيدي الأجانب، من اليمين واليسار، عن البلاد. فالتنمية والاستقلال والحرّيّة لا يمكن تحقيقها مع التدخُّل الأجنبيّ، من أيِّ جنسيّة أو مدرسة فكريّة، سياسيًّا أو ثقافيًّا أو اقتصاديًّا أو عسكريًّا.
وكلّ مَن يسمح بالتدخُّل الأجنبيّ في بلادنا الغالية صراحةً، أو بتقديم مشاريع تقتضي استمرار الهيمنة الأجنبيّة، أو تؤدّي إلى خلق هيمنة جديدة، خائنٌ للإسلام والبلاد، يجب الابتعاد عنه. فإذا كان هناك تدخُّل أجنبيّ -خاصّة تدخُّل الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفياتيّ وبريطانيا- فإنّ كلّ حكومة تأتي ستكون أداةً لتخَلُّف الشعب واستمرار شقائه وتعاسته من جهة، واستمرار
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص131.
46
29
الفصل الثالث: أميركا والآخر
النهب والغطرسة من جهة أخرى. وتبديل فئة بفئة قد يؤدّي إلى تحسين الأوضاع مؤقّتًا، إلّا أنّه لا يؤثِّر في مصيرنا؛ لأنَّ جميع مصائب المسلمين ومشكلاتهم تنبع من تدخُّل الأجانب في مصيرهم[1].
(7/01/8791م)
10- جعل العالم الثالث مختبرًا طبّيًّا
إنّ الذي يُصَدَّر إلينا باسم العلم أو الثقافة، أو باسم الرقيّ والرفعة، هو غير الذي يحتفظون به لأنفسهم. إنّهم يفكّرون بطريقة أخرى من أجل الدول الشرقيّة. فإذا لاحظتم قبل عدّة أيّام، نُشِرَ في إحدى المجلّات أو الجرائد، أنّ الدواء الفلانيّ ممنوع في أميركا، ولكن تصديره مسموح إلى دول العالم الثالث![2].
(52/01/9791م)
لقد ذكرتُ مرارًا، وأعود وأكرّر هنا، لشدّة تأثُّري، فلقد قرأتُ في بعض الصحف والمجلّات مؤخّرًا، أنّه قد تمّ منع استعمال بعض الأدوية في أميركا لضررها، ولكن سُمِحَ لشركات الدواء بتصدير هذه الأدوية إلى العالم الثالث!
لاحِظوا كيف ينظر هؤلاء إلينا! لقد وصل بهم الأمر إلى درجة أنّهم لا يعتبروننا مخلوقات حيّة. والله، لا يمكن لإنسان أن يعامل
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص411- 412.
[2] المصدر نفسه، ج10، ص260.
47
30
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الحيوان بهذا الشكل، فكيف بالإنسان؟! انظروا، نحن أمام أيّ نوع من المخلوقات، أمام أيّ نوع من المخلوقات الخبيثة! وأنا لا أقصد هنا الشعب الأميركيّ، بل الحكومة الأميركيّة، والحكومات الغربيّة التي تعاملنا بهذه الطريقة. وللأسف، ما زلنا نخضع لهم، ونعمل لصالحهم.
فلتُكسَر الأقلام التي تدعو لعبادة الغرب، ولتُقطَع الألسنة التي تنطق خدمةً للغرب، وتعمل على ضياع الشعب. يُصَدِّرون إلينا الأدوية المضرّة! وليذهب العالم الثالث إلى الجحيم! ليس مهمًّا لهم، المهمّ أنّهم يقبضون ثمنها. نعم، هكذا كان الغرب، ولا يزال يصدّر إلينا كلّ ما هو ضارّ، ويمتنع عن إعطائنا ما ينفعنا[1].
(82/01/9791م)
عليكم أن تعلموا أنّ الشرق والغرب لا يقدّمان لنا ما ينفعنا وينفع بقيّة دول الشرق أو الغرب، التي تعيش التخلُّف والتأخُّر عنهم. إنّ كلّ ما يعطوننا إيّاه، إمّا أنّه لم يعد ينفعهم، أو أنّهم يقدّمونه لنا بنحوٍ لا يفيدنا. فإذا ما أرادوا إعطاءنا شيئًا من علومهم، أعطونا ذلك الجانب الذي لا يفيدنا. وحتّى إذا أراد شبابنا الذهاب إلى هناك للدراسة، فإنّهم يقبلونهم في جامعات خاصّة بدول العالم الثالث، تختلف في مستواها العلميّ عن جامعاتهم. إنّهم يعتبرون العالم الثالث شيئًا آخر، إنّهم لا يقيمون لدول العالم الثالث وشعوبها
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج10، ص285.
48
31
الفصل الثالث: أميركا والآخر
وزنًا أصلًا، بل لا يعتبرونهم شيئًا يُذكَر. وربّما هم يعتنون بالحيوانات أكثر من اعتنائهم بالإنسان الذي يعيش في بلداننا! فالدواء الذي يمنعونه في بلادهم، يجيزون بيعه واستعماله في بلداننا، ويرسلونه إلى العالم الثالث. والطبيب غير المسموح له بممارسة الطبّ عندهم، يرسلونه إلينا، والأطبّاء الذين يدرسون هناك ويتخرّجون من جامعاتهم، لا يسمحون للأكثريّة منهم بمزاولة الطبّ عندهم، على الرغم من منحهم شهادات مصدّقة من جامعاتهم، إذ يشترطون عليهم الذهاب إلى بلدانهم ليمارسوا مهنتهم. إنّهم يعطوننا شيئًا آخر غير الموجود عندهم والمفضَّل لديهم[1].
(1/11/9791م)
أميركا ومنطقة الشرق الأوسط
1- أسباب التواجد الأميركيّ في منطقة الشرق الأوسط
أ- الخوف من ظهور قوّة الإسلام
يجب أن يعلم المسلمون أنّه بعد الثورة الإسلاميّة، وظهور قوّة الإسلام الإعجازيّة، بدأت المؤامرات والخطط الأميركيّة لإيجاد الفرقة بين السنّة والشيعة، وازداد الهجوم على إيران، التي تمثّل مركز ثقل الحركة الإسلاميّة، وامتدَّت إلى لبنان، وأنّ جميع هذه المؤامرات هي من أجل محاربة الإسلام وإضعاف هذه القدرة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج10، ص317.
49
32
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الإلهيّة. ويجب أن يعلموا أنّ مخطّط أميركا، الذي يُنَفَّذ بيد إسرائيل، لا ينتهي عند لبنان وبيروت، بل الهدف هو الإسلام في كلّ مكان في البلاد الإسلاميّة، خصوصًا منطقة الخليج الفارسيّ والحجاز، الذي يُعتَبَر مركز الوحي الإلهيّ. وهم يريدون أن يسمع حكّام المنطقة إلى أوامر أميركا، من دون اعتراض. والأنكى من ذلك، هو أنْ يكونوا مثل إسرائيل، ويقبلوا بكلّ ذلٍّ وهوان. وفي مثل هذه الأوضاع والفاجعة العظمى، لا ينبغي للمسلمين أن يكونوا لا أباليّين، ولا ينبغي التقصير في سبيل حفظ الإسلام والبلاد الإسلاميّة. وما هو أكثر إيلامًا ومصيبة، أن تتجرّأ إسرائيل، وهي إلى جوار المسلمين والدول التي تدّعي الإسلام، وتعتدي بهذه الصورة على الشعب اللبنانيّ المظلوم، وعلى سكّان بيروت الأعزّاء! وبدلًا من أن تنهض الدول الإسلاميّة للدفاع، باعتباره فريضة إلهيّة وإنسانيّة، تبدي اللاأباليّة تجاه ذلك، بل تعمل من أجل تحقيق أهداف أميركا وإسرائيل المشؤومة. وبدلًا من انتقاد إسرائيل الجائرة، أخذت تنتقد إيران الإسلاميّة والإسلام في إيران. وإذا ما استطاعوا اليوم أن يقدّموا التبريرات والأعذار على سكوتهم وتأييدهم لأهداف المجرمين المشؤومة، لكن هل يستطيعون تحريف التاريخ؟ وهل يستطيعون خداع الشعوب الحرّة؟ وهل يستطيعون إقناع الله المنتقم بهذه الأعذار غير المبرّرة؟ وهل يغفر الله لهم هذا الذنب العظيم، حيث اتّخذوا
50
33
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الإسلام العظيم ألعوبة بيدهم؟ وهل يستطيعون أن يجيبوا على دماء النساء والرجال والأطفال والأبرياء في بيروت؟[1].
(91/9/2891م)
ب- عدم جدارة حكومات المنطقة
إنّ الهجمات العلنيّة والخفيّة لأعداء الإسلام والمعتدين الدوليّين، على القرآن الكريم وأحكام الإسلام التحرّريّة، مستمرّة بشدّة من كلّ حدب وصوب. وإنّ الكثير من حكومات البلدان الإسلاميّة هي، وبسبب عمالتها أو مهمّتها، المنفِّذة لمخطّطاتهم المشؤومة والخيانيّة؛ سواء أولئك الذين يدّعون الإسلام ويقيمون ما يُسَمَّى بالمؤتمر الإسلاميّ، أو أولئك الذين يُلغون الدين في بلدانهم المسلمة، أو لا يعترفون به رسميًّا. إنّ الجميع يتحرّكون في مسار واحد، عن علم أو غير علم؛ وهو تنفيذ أهداف الأعداء الاستعماريّة المشؤومة، حيث يريدون أن تستمرّ هذه الأوضاع المأساويّة في المجتمع الإسلاميّ، وتتسلّط إسرائيل على أرواح أمّة الإسلام وثرواتها وأراضيها، وتبقى سيادة الاستعمار وسلطته في العالم الإسلاميّ محفوظتَين دائمًا، وتُنَفَّذ المخطّطات التوسّعيّة المدمّرة للصهيونيّة في البلدان الإسلاميّة، وتكون البلدان الإسلاميّة ذليلة ومستَعبَدَة دومًا مِن قِبَل المعتدين الدوليّين، وتمدّ يد التسوُّل وطلب المساعدة إلى
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص386- 387.
51
34
الفصل الثالث: أميركا والآخر
المستعمِرين المجرمين، ولا ترى وجه الاستقلال والحرّيّة والاستقرار والأمن أبدًا[1].
(41/3/3791م)
2- أنواع التواجد الأميركيّ في منطقة الشرق الأوسط، وأساليبه
أ- التواجد العسكريّ وبثّ الرعب والخوف
كم هو جيّد أن يفكّر رؤساء الدول الإسلاميّة في الأوضاع الراهنة للدول الإسلاميّة المضطهدة، والشعوب المظلومة المتعرِّضة لتسلّط الأجانب، والسلب والنهب من الشيطان الأكبر وسائر الشياطين، الذين يُغِيرون على ثرواتهم، وهم في حالةٍ من الفقر والإملاق المدقع! وكم هو حسن أن يثوبوا إلى رشدهم، ويزنوا الأمور بدقّة، ويضعوا الخوف والرعب، الذي فرضته عليهم القوى العظمى؛ من أجل غضّ الطرف عن مصالحهم ومصالح سائر المسلمين جانبًا، وليحكموا بضمائرهم، ولا يجلبوا الخزي والعار لهم ولدولهم، أكثر ممّا هو عليه الآن![2].
(6/8/6891م)
ب- الحرص على تشكيل حكومات تابعة وموالية لهم
فليعرف الشباب قدر شبابهم، ويستفيدوا منه في العلم والتقوى،
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج2، ص449- 450.
[2] المصدر نفسه، ج20، ص84.
52
35
الفصل الثالث: أميركا والآخر
وفي بناء أنفسهم، ليصبحوا أشخاصًا أمناء صالحين؛ فالبلاد ستصبح مستقلّة بفضل هؤلاء الأشخاص. إنّ كلّ تبعيّتنا وارتباطنا بالخارج كانت لأنّنا لم نملك رجالًا صالحين. ففي ذلك الوقت، كان الرجال الصالحون يتنحّون جانبًا، وأولئك الذين كانوا في الساحة لم يكونوا صالحين، كانوا علماء، ولكنّهم لم يكونوا صالحين، ولم يقدّموا أيّ نفع لبلادنا، وكانوا هم من جعلَنا تابعين للخارج. وعلى مرّ أعوام كثيرة، كانت خيراتنا تذهب إلى الأجنبيّ، وما قدّمَه لنا كان هذا، كما ترون، لا شيء[1].
(7/7/9791م)
ومن ناحية أُخرى، وضعوا عميلًا لهم في مصر، اسمه السادات، الحاكم الناشط في تطبيق مخطّطات الاستعمار، وكلّنا نعلم بزيارته لإسرائيل. وفي الخمسين سنةً التي نتذكّرها، وهي تمثّل حالة العزاء، تمثّل المصيبة لإيران، بما ذاق الشعب من هذه الأسرة الظالمة، قامت إنجلترا -المحبّة للإنسان- إنجلترا الديمقراطيّة، التي وقّعَت على إعلان حقوق الإنسان، بإيصال رضا خان إلى السلطة، وذلك بحسب إقرارها هي، وجعلَتْنا عرضةً للعناء حوالي عشرين سنة، وجعلَت الشعب المسلم في مشقّة[2].
(71/2/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج9، ص12.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص296-297.
53
36
الفصل الثالث: أميركا والآخر
3- السياسات الأميركيّة في منطقة الشرق الأوسط
أ- استعباد الناس
واعلموا أنّ الأمّة الإسلاميّة لن تنعم بالأمن والحرّيّة ما دامت متشبّثة بهذه المذاهب الاستعماريّة، وما دامت تقارن التشريعات الإلهيّة معها، وتضعها بعضًا إلى جنب بعض. فهذه المذاهب التي تُعرَض على الأمّة الإسلاميّة من اليسار واليمين، هدفها الوحيد إضلال المسلمين وحرفهم، فهم يريدون أن يُبقوا المسلمين في حالة الذلّ والتخلّف والعبوديّة دائمًا، ويُبعِدوهم عن تعاليم القرآن الكريم التحرّريّة[1].
(7/8/2791م)
إنّ العالم الإسلاميّ اليوم، يعاني من أميركا. وعليكم أن تنقلوا نداء ربّكم إلى المسلمين في العالم، نداء تعلنوا فيه أنّ العبودية لله فقط، ولا تقبلوا العبوديّة للآخرين[2].
(92/9/9791م)
وأوصي منتسِبي القوّات المسلّحة وصيَّة مشفقة، وأنا أعتزم الرحيل عن هذه الحياة الدنيا، أن يستقيموا وفاءهم للإسلام، كما هو حالهم اليوم، فإنّ الإسلام هو المنهج الوحيد لتحقيق الاستقلال والتحرّر، فالله -تعالى- يدعو الجميع لبلوغ مقام الإنسانيّة السامي
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج2، ص404.
[2] المصدر نفسه، ج10، ص113.
54
37
الفصل الثالث: أميركا والآخر
بنور هدايته. استقيموا، فإنّ ذلك سينجيكم، وينجي بلدكم وشعبكم من عار التبعيّات والأسر للقوى التي لا تريدكم إلّا عبيدًا لها، ولا تسعى إلّا إلى إبقاء بلدكم متخلِّفًا، وسوقًا استهلاكيّة ترزح تحت عبء ظلمهم الثقيل المهين. ولترجّحوا الحياة الشريفة، ولو مع بعض الصعوبات، على حياة العبوديّة للأجانب، المذلّة الرفاه الحيوانيّ[1].
(41/2/3891م)
ب- الدعم الدائم لإسرائيل، ونهب الموارد الطبيعيّة
إنّ أميركا تقول: إنّها لا يمكن أن تبيع إسرائيل لأيّ شخص. إنّها تأخذ منكم كلّ تلك الموارد، ثمّ تقول: إنّها لن تبيع إسرائيل لكم. فهل يستحقّ الأمر أن تضحّوا بكلّ كرامتكم وكيانكم أمام شعوبكم، وأمام شعوب العالم والأجيال القادمة، من أجل خدمتكم لها؟[2].
(13/5/2891م)
على الحكومة والمسؤولين، سواء في الجيل الحاضر أم في الأجيال القادمة، أن يقدّروا متخصّصيهم، ويشجّعوهم على مواصلة العمل، وذلك بالبذل المادّيّ والمعنويّ، وأن يَحُولُوا دون استيراد السلع الاستهلاكيّة المدمّرة، ويتكيّفوا بالموجود عندهم، إلى أن يتمكّنوا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج21، ص384.
[2] المصدر نفسه، ج16، ص216.
55
38
الفصل الثالث: أميركا والآخر
من صنع كلّ ما يحتاجونه بأنفسهم. هذا وأطلب من الشبّان، فتية وفتيات، أن لا يضحّوا، وإن تطلَّب الأمر تحمُّل المشقّة والعناء، بالاستقلال والحرّيّة والقيم الإنسانيّة، من أجل السلع الكماليّة والاختلاط وأنواع التحلُّل، وفي سبيل الحضور في مراكز الفحشاء، التي يقيّضها لهم الغرب وعملاؤه الخونة، فقد ثبت أنّ أولئك لا يفكّرون بغير إفسادكم وإغفالكم عن مصير بلدكم؛ لنهب ثرواتكم، وجرّكم بقيود الاستعمار وعار التبعيّة، وجعل شعبكم وبلدكم مستهلكين فقط. فهم يريدون بتلك الأساليب وأمثالها، إبقاءكم متخلّفين، ونصف متوحّشين، على حدّ تعبيرهم[1].
(41/2/3891م)
إنّ مصائبنا كلّها هي من فعل حكّام الشعوب، من رؤساء البلدان. إنّ كلّ المصائب التي تطال إيران وبلدان الشرق، هي من رؤساء ما يُسَمَّى بالقوى الكبرى. فهؤلاء الأقوياء يريدون نهب ثروات الضعفاء، وأن يتحمّل الضعفاء الجوع، وينهب أولئك نفطهم ومعادنهم ويبدّدوها، وأن يجلس الناس على آبار النفط هذه، ويتضوّروا جوعًا! هذا هو منطق القوى الكبرى، كالاتّحاد السوفياتيّ وأميركا وأمثالهما[2].
(02/01/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج21، ص373.
[2] المصدر نفسه، ج4، ص58.
56
39
الفصل الثالث: أميركا والآخر
ج- نهب ثروات البلدان تحت عنوان المصالح
إنّ ما تقوله أميركا في هذه الفترة من الزمن، مِن أنّ لها أصدقاء في المنطقة ومصالح؛ علينا أن نرى ما تقول، ومَن هم أصدقاؤها، ومَن كانوا، وما هي مصالحها في المنطقة، وماذا كان، وماذا سيكون. إنّ لهم أصدقاء كثيرين، لهم من الأصدقاء مَن هم بالإضافة إلى كونهم عملاء مدفوعي الأجر، فهم أيضًا عملاء لا يستلمون الأجور. إنّ أولئك الذين يهبون بسخاء، مصالح بلادهم وثروات المستضعفين إلى الأقوياء، ويؤمّنون مصالحهم؛ والمراد من المصالح مثل هذه المصالح، المصالح التي تقطع شريان حياتهم إذا ما انقطعت. أصدقاؤهم هم أولئك الذين إن ذهبوا، فإنّهم سيسلبونهم حياتهم أيضًا.
ونحن نذكّر جميع البلدان الجارة لنا، البلدان المسلمة، ومسؤوليها الذين يزعمون أنّهم إسلاميّون، أنّ قصد أميركا من أنّ لها أصدقاء ومصالح، وترى على إثر ذلك أصدقاءها ومصالحها مهدَّدة مِن قِبل الإسلام وإيران، أنّ تلك المصالح ما هي إلّا الثروات الغزيرة للبلدان الإسلاميّة، وهي نفسها الموارد المعدنيّة والنفطيّة في البلدان الإسلاميّة والمناطق المهمّة لهم، وأولئك الأصدقاء هم أنتم، فبعضٌ منكم يقدّم الخدمة لهم، وتقدّمون إزاء هذه الخدمة مواردكم[1].
(03/5/2891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص208-209.
57
40
الفصل الثالث: أميركا والآخر
تُرى ما هي المصالح التي يمكن أن تكون لأميركا هنا، سوى الثروات المربحة؟ ومن هم الأصدقاء الذين يمكن أن يكونوا لها، سوى الذين يخدمونها تحت عنوان الصداقة؟ إنّ أميركا لا تريد أصدقاء، بل خدّامًا. إنّ أميركا تريد خدّامًا يقدّمون لها مصالح شعوبهم، ويتسبّبون في الذلّ لأنفسهم في الوقت نفسه، ويتحمّلونه[1].
(03/5/2891م)
د- استغلال جهل حكومات المنطقة وضعفها
إنّ أميركا استغلَّت جهل صدّام وغروره وأحلامه المريضة، ودفعته للهجوم على إيران. وفي المنطق الأميركيّ، فإنّ هزيمة العراق وإيران، وتدمير كِلا البلدَين أو إيران، يصبّ لصالحها في كلّ الأحوال. وإنّ صدّام قد أخطأ في حساباته، حيث كان يحلم بأن يصبح شرطيّ المنطقة وقائد القادسيّة العظيم. غير أنّ الذي يجهله ولا يريد أن يفهمه، هو قدرة الإسلام العظيمة، وتضحيات جند الإسلام الأوفياء. وبسبب هذا الجهل والحماقة، ألقى بنفسه في الفخّ الذي ليس بوسع أيّة قوّة إنقاذه منه. وإنّنا نحذّر دول المنطقة من جديد، بأنْ لا يُجهِدوا أنفسهم أكثر من هذا لإنقاذ وحش مجرم، إذا ما وجد الفرصة، فسيشعل المنطقة بأسرها. فلا تُلقُوا بأنفسكم في دوّامة الموت والهلاك... ولا تخدعكم وعود أميركا والآخرين؛ لأنّه إذا ما
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص210.
58
41
الفصل الثالث: أميركا والآخر
استمرّ تقديم الدعم لعدوّ الإسلام، فمن الممكن أن يحتّم الواجب على الشعب والحكومة الإيرانيّة اتّخاذ موقف لا نرغب فيه! وطالما هناك متّسع من الوقت، يُستَحسَن أن تنصاعوا إلى أحكام الإسلام وتعاليمه الباعثة للحياة، وتنقذوا بلادكم من شرّ القوى التي تسعى إلى خداعكم. واعلموا أنّ اللجوء إلى الإسلام، والعيش بسلام مع الجمهوريّة الإسلاميّة، يصبّان لصالحكم. وإنّ الحكومة والشعب الإيرانيّ أفضل لكم من أميركا وصدّام ومصر والماكرين الآخرين.
فلا بدّ أن تكونوا قد أدركتم حقيقة أنّ قوّة كلّ دول المنطقة لم تكن تساوي أقلّ من نصف قوّة الشاه المخلوع والمعدوم. وإنّ قوّة إيران اليوم، ببركة الإسلام وتواجد الشعب في الساحة، هي أضعاف قوّة النظام البائد. وإنّ أميركا التي تخلَّت في الظروف العصيبة عن الشاه المخلوع -إذ إنّها لم تستطع، ولم ترغب في مساعدته- لن تساعدكم إذا ما احتجتم إليها، أنتم الذين تُعتَبَرون لها أقلّ أهمّيّة من الشاه... إنّ أميركا وغيرها من القوى الكبرى قد جعلت منكم مجرّد وسيلة لتأمين مصالحها في المنطقة. وإذا ما وقعتم في الفخّ، فإنّهم لن يكلّفوا أنفسهم عناء إنقاذكم[1].
(11/2/3891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص324-325.
59
42
الفصل الثالث: أميركا والآخر
تدخُّلات أميركا في عصر الحكم البهلويّ، ونشاطاتها
1- التدخُّل الأميركيّ بالشؤون الداخليّة
مرَّت سنوات طويلة، وأميركا تباشر التدخُّل في شؤون الدولة الإيرانيّة الخاصّة، خلافًا لجميع المعايير الدوليّة والإنسانيّة.
وعندما وصل الشاه إلى هاوية السقوط اليوم، وثار الشعب الإيرانيّ للحصول على تقرير مصيره، رأينا الرئيس الأميركيّ وبعض كبار المسؤولين الأميركيّين باشروا التدخُّل الرسميّ في شؤوننا، وأعلنوا على الرغم من إرادة الشعب الإيرانيّ الحاسمة، أنّهم (نحن نساند الشاه ويجب أن نسانده؛ لأنّه أفضل صديق ومحافظ على المصالح الأميركيّة في المنطقة).
نرى في السنوات الطويلة أنّ أكثر، بل جميع سياسات الشاه في المجالات المختلفة، تصبّ في دائرة تأمين الحدّ الأقصى من مصالح أميركا وأصدقاء أميركا. دُمِّرَت الزراعة الإيرانيّة لخدمة المصالح الأميركيّة، وأُعطِيَت أميركا الثروات الباطنيّة والنفط خاصّة، وجُعِلَت إيران مخزنًا للأسلحة التي تصنعها أميركا وحلفاؤها، مقابل النفط المنهوب منها.
وفضلًا عن أنّ هذه الأسلحة لم يستفد منها إلّا في قتل أبناء الشعب في المدن والقرى، فُرِضَ علينا أكثر من أربعين ألف مستشار عسكريّ أميركيّ، بالإضافة إلى أنّه فُرِض علينا ميزانيّة قاصمة للظهر، لدفع رواتبهم كلّ عام.
60
43
الفصل الثالث: أميركا والآخر
وهؤلاء المستشارون أساسًا، يعملون تحت رقابة السفارة الأميركيّة، ليسيطروا على أوضاع البلاد كافّة، حفاظًا على المصالح الأميركيّة، وسحبوا كلّ نوع من أنواع حرّيّة العمل من يد الجيش الإيرانيّ، وعبّؤوه على خلاف إرادته، لحماية الشاه. واستعملَت أميركا الشاه لجعل إيران قاعدة عسكريّة لها، بإزاء القوى العظمى المنافسة لها، فأهدر حقوق العمّال المكافحين الشرفاء والمحرومين الإيرانيّين، بقوّة السلاح[1].
(4/21/8791م)
2- فرض نظام الشاه
أميركا فرضَت الشاه بانقلاب عسكريّ، مرّة أخرى، على إيران. وتحت عنوان تحديث الدولة، أعاد الانقلاب الأميركيّ الشاه مرّة أخرى، وكانت نتيجة هذا الانقلاب الكلّيّة لمصلحة أميركا ودمار إيران. لقد أتلفَت الزراعة في البلد، وأصبحَت إيران سوقًا مستهلكة للموادّ الغذائيّة الأميركيّة. والثروات الباطنيّة، بدءًا من النفط، حتّى النحاس، وكلّ الثروات سُلِبَت، وما زالت تدرّ لمصلحة أميركا، وعوّضَت إيران عنها بالأسلحة التي لا تنفع الدولة.
وضرره الآخر كان فرض أكثر من أربعين ألف مستشار عسكريّ بنفقات باهظة، وهي فضلًا عن أنّها أفقدَت جيشنا اعتباره، وضعَت كلّ مقدّرات البلد بأيديهم. بوجود هذا الشاه، أصبحَت
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص118.
61
44
الفصل الثالث: أميركا والآخر
إيران قاعدة عسكريّة أميركيّة. وأيضًا، بأموال هذا الشعب، حوّلوا الشاه إلى شرطيٍّ لمنطقة الخليج الفارسيّ. وهذه الأمور كلّها جزء من المظالم التي حملتها أميركا على شعبنا. فبناء على هذا، لماذا لا تنشط أميركا لمجابهة ثورة الشعب الإيرانيّ؟[1].
(22/11/8791م)
3- جعل الدول تابعةً لهم في كلّ أمورهم
إنّ الشاه هو الذي سلّط الأجانب، وأميركا خاصّة، على جميع شؤون البلاد، وقدّم لهم ثرواتها، ومنحهم الحصانة فيها، وسلّطهم حتّى على الجيش، وجعل إيران مستهلِكةً خاضِعةً للبضائع الأميركيّة[2].
(9/6/8791م)
إنّ إيران -كما نعلم وتعلمون- كانت خاضعةً تمامًا لأميركا، وكان الشاه الخائن المخلوع هو الذي وضع إيران برمّتها تحت تصرُّف أميركا، وجعلها قاعدةً عسكريّةً أميركيّة. لقد كان الجيش في يد مستشاري أميركا، وكانت الثقافة في يد المرتزقة، ولم يكن الشاه والحكومة والبرلمان سوى عبيد وخدم لهم. وبهذا، انهار الاقتصاد بسبب التبعيّة لهؤلاء، وأصبح الشاه شرطيّهم القويّ في المنطقة، وكان حُماته أميركا والبلدان العميلة لها[3].
(3/9/3891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص53.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص360.
[3] المصدر نفسه، ج18، ص92-93.
62
45
الفصل الثالث: أميركا والآخر
4- استغلال الثروات وسلبها تحت عنوان الإصلاح
الشعب الإيرانيّ مجبر على التصويت لمصلحة مَن سبَّب تقهقرَ إيران في الزراعة وتنمية الثروة الحيوانيّة، وجعل هذا الشعب يستورد اليوم جميع ما يحتاج إليه من القمح والأرزّ واللحم والزيت بأسعار باهظة. الشاه الذي كان يَعِدُ المزارعين، في بداية الطرح المدعوّ «الثورة البيضاء»، بالاكتفاء الذاتيّ في الغلّات والحبوب، في ظلّ الإصلاح الزراعيّ، يتبجّح اليوم باستيراد مليونَين ونصف مليون طنّ من القمح، وأربعمئة ألف طنّ من الأرزّ هذه السنة، بدلًا من الشعور بالخجل. هذا في وقتٍ يعلم فيه المطّلعون أنَّ محافظةً إيرانيّةً واحدة مثل محافظة خراسان، كانت قادرةً وحدها على توفير القمح لكلّ البلاد، لكنّ ثورة الشاه البيضاء سلبتها هذه القدرة.
تشدَّقَ الشاهُ أكثر من عشر سنوات بتطوُّر البلاد، في وقتٍ أغرق فيه أغلب الشعب الإيرانيّ في الفقر والبؤس. وقد قام بتزيين ظاهر طهران، وبناء القصور الفخمة لعملائه، بعرق هذا الشعب، بينما تفتقر القرى والأرياف الإيرانيّة التي تضمّ أكبر نسبة من سكّان إيران، لأدنى مقوّمات الحياة. اليوم، يعد الناس مواعيد تستغرق 25 عامًا، إلّا أنّ الشعب الإيرانيّ الواعي يدرك جيّدًا أنّ هذه المواعيد واهية، لا أساس لها من الحقيقة. فالبلاد سُلِبَت القدرة الزراعيّة، وأحوال الفلّاحين والعمّال تتدهور يومًا بعد يوم، وليس لها من
63
46
الفصل الثالث: أميركا والآخر
التصنيع المستقلّ غير التابع لسواها من الأمم، ولن يكون إلّا أن يتغيّر هذا النظام البالي، بإذن الله -تعالى-[1].
(11/3/5791م)
لا نعلم ما يفعله هؤلاء بهذه البلاد، وإذا ما رحل، إن شاء الله، يستطيع الأشخاص المطّلعون أن يقولوا: كلامَهم حول ذلك، إذ لديهم اطّلاع كافٍ على حقيقة ما يجري في إيران، وهم مطّلعون على خيانات هذا الشخص؛ فإذا ما تحدّث هؤلاء، ستتّضح حقائق كثيرة. إنّ ما لدينا من معلومات بسيطة تشير إلى أنّ حضرته حطّم زراعة إيران بصورة عامّة، باسم «الإصلاح الزراعيّ»! وهذا هو المضحك حقًّا! فالبلاد التي كانت تصدّر القمح والشعير وأشياء أخرى، يتباهون الآن بأنّهم يستوردون لها كذا مقدار! هذا يستدعي إقامة العزاء، لا المدح والتباهي! فمن ذا الذي حطّم هذه الزراعة العظيمة في إيران، وقد كانت محاصيل إحدى محافظاتها تكفي البلد كلّه؟ والآن، يجب استيراد كلّ شيء من الخارج. لقد أبادوا الثروة الحيوانيّة إبادة تامّة، وأخذوا مراتعنا التي هي مراعٍ لمواشينا، وأمّموها كما يدّعونح ومعنى التأميم، إن حضرته، هو الأمّة، وأنّ الأمّة كلّها أساسًا هي الشاه وعائلته! وعندما يعلنون تأميم شيء، فمعناه: أنّنا نستولي عليه ونبتلعه! لقد منعوا الناس من جلب مواشيهم إلى المراعي، ومنعوهم من
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص76.
64
47
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الاستفادة من الغابات، بل باعوا الغابات هنا وهناك، وابتلعوا أثمانها، وذهبوا وشأنهم[1].
(02/01/8791م)
لقد قضوا على الثروة الحيوانيّة، حتّى نستورد اللحوم من الخارج، كما أبادوا كلّ ما لدينا من ثروات تحت عناوين خادعة برّاقة، خلال هذه السنوات الخمسين[2] [3].
(41/6/9791م)
5- فرض الحصانة القضائيّة للأميركيّين
إنّ فرض الحصانة القضائيّة[4] على شعبنا المظلوم مِن قِبَل الشاه المخلوع السابق، كان من أكبر جرائم أميركا، وقد واجهَت معارضة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص60.
[2] المصدر نفسه، ج8، ص155.
[3] المدّة التي سيطرَت فيها الأسرة البهلويّة على الحكم في إيران من 8/2/1925، عندما ألغى رضا خان حكم الأسرة القاجاريّة، وحتّى 11/2/1979، أي عندما أسقطت الثورة الإسلاميّة الأسرة البهلويّة عن العرش.
[4] في عام 1964، قامت الحكومة الإيرانيّة برئاسة حسن عليّ منصور ومجلس النوّاب، بالمصادقة على لائحة قانون (الحصانة القضائيّة للرعايا الأميركيّين في إيران). ويقضي القانون بإعفاء المستشارين العسكريّين وعوائلهم وخدمهم من شمول القانون الإيرانيّ، وجعلهم في عداد أعضاء السلك الدبلوماسيّ، ببنود معاهدة فيينّا للحصانة الدبلوماسيّة. وبناءً على اللائحة، فإنّ الأميركيّين في إيران:
1- لا يحقّ لأحد توقيفهم، مهما كان السبب.
2- تجب معاملتهم بلطف؛ وعليه، فقد كانت هناك قوّات خاصّة من الشرطة مسؤولة عن حمايتهم وخدمتهم.
3- يصانون من الدعاوى المدنيّة، وتلغى كلّ الدعاوى الصادرة بحقّهم.
4- يُستَثنون من الضرائب، مهما استوردوا أو صدّروا، مِن وإلى إيران.
65
48
الفصل الثالث: أميركا والآخر
رجال الدين والشعب المتديّن، وجرى ما جرى بعد ذلك على شعبنا من الجرائم والمظالم[1].
(13/5/0891م)
لقد عرضوا في المجلس قانونًا ألحقونا به بمعاهدة فيينّا أوّلًا، ومنحوا الحصانة للأميركيّين ثانيًا. ويعني ذلك أنّ جميع الخبراء العسكريّين الأميركيّين وأسرهم وموظّفيهم الفنّيّين والإداريّين وخدمهم وكلّ مَن يتعلق بهم، أصبحوا جميعًا يتمتّعون بالحصانة عن كلّ جريمة يرتكبونها في إيران؛ فإذا اغتال خادمٌ أميركيّ أو طباخٌ أميركيّ مرجعَكم، فإنّ الشرطة الإيرانيّة لا يحقّ لها أن تمنعه من ذلك، ولا يحقّ للمحاكم الإيرانيّة أن تحاكمه وتحقّق معه، بل يجب أن يذهب إلى أميركا، حيث يُحدِّد الأسيادُ وضعَه. وكانت الحكومة السابقة قد صادقَت على هذا القانون، ولم تُفْشِ ذلك لأحد. وقدَّمَت الحكومة الحالية هذا القانون قبل أيّام إلى المجلس، وكانت قد قدّمَته قبل ذلك إلى مجلس الشيوخ، وصادقوا عليه هناك بإشارة واحدة، ولم يتفوَّه منهم أحد، ثمّ قدّموه في الأيّام القليلة الماضية إلى مجلس الشورى، حيث أجروا مناقشات واعتراضات، وتحدَّث بعض النوّاب مُعترِضِين، إلّا أنّ القانون صُودِقَ عليه بكلّ وقاحة. ودافعت الحكومة، بكلّ وقاحة، عن وصمة العار هذه، وجعلَت الشعب الإيرانيّ أدنى من كلاب أميركا؛ فإذا دهس أحدٌ كلبًا أميركيًّا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص302.
66
49
الفصل الثالث: أميركا والآخر
يحاسبونه، وإذا دهس شاهُ إيران كلبًا أميركيّا يحاسبونه، وإذا دهس طاهٍ أميركيّ شاهَ إيران، ودهس أكبر مسؤول، فلا يحقّ لأحد أن يعترضه! لماذا؟ لأنّهم أرادوا أن يقترضوا قرضًا من أميركا، وطلبَت منهم أميركا إقرار هذا القانون[1].
(52/01/4691م)
6- إقامة القواعد العسكريّة لضمان مصالحهم
لقد قال الشاه في أحد خطاباته وأحاديثه الصحفيّة: إذا تقرَّر أن أذهب، سأحوّل البلاد إلى تلٍّ مِن تراب!
لقد جَعَلته اليوم، وأنت موجود، أسوأ من تلٍّ مِن تراب! فلم يُبقي الشاهُ لنا شيئًا. ويجب على أميركا أن تدعمه؛ لأنّه لا يوجد أيّ عميل أفضل منه، يمنح بلادنا كلّها، ويقيم بدلًا منها قاعدة عسكريّة لها. من الطبيعيّ أن تقول أميركا: إنّ الشاه منح الحرّيّة، وهو الآن يبني بلادًا متقدِّمة! إنّ الحرّيّة في منطق كارتر عبارة عن هذه المجازر التي تحدث في إيران كلّ يوم! وهي في تزايد مستمرّ. والرقيّ الاجتماعيّ هو عبارة عن هذه الأمور التي صارت من نصيبنا، وانهارت جميع جوانب بلادنا[2].
(91/01/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج1، ص368.
[2] المصدر نفسه، ج4، ص51.
67
50
الفصل الثالث: أميركا والآخر
طبعًا، احتياطي النفط في إيران كبير، لكنّهم ينهبونه ويقدّموه لأسيادهم مجّانًا. ويا ليت اكتفى أسيادهم بأخذه مجّانًا! لكنّهم يُشيّدون عوضًا عنه قواعد عسكريّة تضمن مصالحهم. يُعطوننا الأسلحة، ويُشيّدون قاعدة عسكريّة لهم في جبال كردستان. إنّ جميع هذه الأسلحة لا تنفعنا، فما جدوى أسلحة لا يعرف الجيش كيف يستخدمها؟ ينهبون منّا النفط، ويقدّمون لنا عوضًا عنه أسلحة لا تنفعنا، أسلحة تخدم أغراضهم وأهدافهم في المنطقة. ويدّعون أنّهم يُشيّدون هذه القواعد لمواجهة الخطر الشيوعيّ ونفوذ الاتّحاد السوفياتيّ في المنطقة[1].
(22/01/8791م)
لو أردنا أن نعرف ما الذي تحقَّق حتّى الآن، وما نريد أن نفعله في المستقبل، لتبيّن لنا أنّ ما تحقَّق إلى الآن كان معجزة... فماذا يعني «ما الذي تحقَّق؟»؟! لقد كنتم إلى الآن أسرى قيود منظّمة المخابرات، التي كانت منتشرة في كلّ مكان، وكانت تؤذي الجميع وتعذّبهم. ماذا فعلوا مع الناس في هذه السجون والأقبية، التي يشعر الإنسان بالخوف عندما يشاهد بعض صورها التي يعرضونها؟ فهل كان عملًا ضئيلًا هذا الذي حقّقَته الثورة؟ إنّ التساؤل عمّا تحقَّق يعني أنّ هذا كان عملًا ضئيلًا. هذا العمل الذي حيّر العالم، حيّر المفكّرين في العالم؛ كيف حصل هذا؟ وكيف تحطّم هذا السدّ؟
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص92.
68
51
الفصل الثالث: أميركا والآخر
وكيف قُطِعَت يد الأجانب، التي كانت ممتدّة إلى ثرواتنا، حيث كانوا ينهبون نفطنا كلّه، ويشيّدون عوضًا عنه قاعدة عسكريّة لهم، ويرسلون المعدّات والأسلحة للإيرانيّين، معرفةً بها أصلًا، وبكيفيّة استخدامها، كانوا يرسلونها تحت عنوان أنّنا نأخذ النفط ونعطي هذه المعدّات لهم، وهي في الحقيقة لهم، وليست لنا نحن؛ لأنّه لم يكن لدينا اطّلاع عليها. لقد كانوا يرسلون هذه المعدّات لتشييد قاعدة لهم هنا، حتّى إذا ما وقع نزاع بينهم وبين الاتّحاد السوفياتيّ، يكون لهم قاعدة هنا. فكانوا من جهة يأخذون النفط، ومن جهة أخرى يُشيّدون لأنفسهم قاعدة هنا، مقابل النفط، تحت عنوان أنّهم يسدّدون ثمن النفط، حتّى لا تعلو أصوات الاعتراض[1].
(02/5/9791م)
7- جعل الشاه شرطيًّا لمنطقة الخليج
أميركا فرضَت الشاه بانقلاب عسكريّ مرّة أخرى، على إيران. وتحت عنوان تحديث الدولة، أعاد الانقلاب الأميركيّ الشاه مرّة أخرى، وكانت نتيجة هذا الانقلاب الكلّيّة لمصلحة أميركا ودمار إيران. لقد أتلفَت الزراعة في البلد، وأصبحَت إيران سوقًا مستهلِكة للموادّ الغذائيّة الأميركيّة. والثروات الباطنيّة، بدءًا من النفط حتّى النحاس، وكلّ الثروات سُلِبَت، وما زالت تدرّ لمصلحة أميركا، وعوّضت إيران عنها بالأسلحة التي لا تنفع الدولة.
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص294.
69
52
الفصل الثالث: أميركا والآخر
وضرره الآخر كان فرض أكثر من أربعين ألف مستشار عسكريّ بنفقات باهظة، وهي فضلًا عن أنّها أفقدَت جيشَنا اعتبارَه، وضعَت مقدّرات البلد كلّها بأيديهم. بوجود هذا الشاه، أصبحَت إيران قاعدة عسكريّة أميركيّة. وأيضًا، بأموال هذا الشعب، حوّلوا الشاه إلى شرطيّ لمنطقة الخليج الفارسيّ. وهذه الأمور كلّها جزء من المظالم التي حملتها أميركا على شعبنا. فبناء على هذا، لماذا لا تنشط أميركا لمجابهة ثورة الشعب الإيرانيّ؟[1].
(22/11/8791م)
8- نشر الثقافة الاستعماريّة، وعواقبها الوخيمة، وضرورة التصدّي لها
يتحدّث [الشاه] بالثورة البيضاء، هذه الثورة التي أدّت إلى شقاء الناس وشَلِّ القوى الفعّالة للشعب، حتّى إنّ الشاه نفسه اعترف بعد عشر سنوات بزيفها. هذه الثورة تريد نشر الثقافة الاستعماريّة إلى أقصى القرى والأرياف، وأن تفسد شبابنا. ومَن يخالف هذه «الثورة» -كما تُدعى- يجب أن يُعَذَّب ويُحرَم حقوقَه الاجتماعيّة[2].
(11/3/5791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص53.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص77.
70
53
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الثقافة الاستعماريّة تقيّض للبلد شبّانًا استعماريّين، الثقافة التي يقوم الأجانب بإعدادها لنا، ويسعون لترويجها في مجتمعنا، إنّما هي ثقافة استعماريّة وطفيليّة، وهي أسوأ من كلّ الأشياء، حتّى من أسلحة هؤلاء المتجبّرين، فأسلحة المتجبّرين تنكسر بعد حين، وهي مكسورة الآن، وكسرُها يجعل شبابنا -الذين هم الأساس لكلّ شيء- طفيليّين، ومتأثّرين بالغرب[1].
(2/8791م)
وما يمكن أن نصفه بأنّه مصدر الأمراض، هو الانتشار المتزايد للثقافة الأجنبيّة الاستعماريّة، التي عملت على تغذية شبابنا لسنين طويلة بأفكارها السامّة، وعمل العملاء الداخليّون للاستعمار على تكريسها، فنحن لا يمكن أن نتوقّع من الثقافة الاستعماريّة الفاسدة سوى الموظّف وربّ العمل المتأثّرين بالاستعمار. وعليكم أن تبذلوا الجهد لدراسة مفاسد الثقافة الحاليّة، واطّلاع الشعوب عليها، وأن تتصدّوا لها، بإذن الله -تعالى-، وتحلّوا محلّها الثقافة الإسلاميّة الإنسانيّة؛ كي تتربّى الأجيال القادمة على أسلوب تربية الإنسان، وإشاعة العدل[2].
(71/5/1791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص276.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص326.
71
54
الفصل الثالث: أميركا والآخر
عملاء أميركا وأنصارها
1- عملاء أميركا
أ- ضرورة معرفتهم والتنبّه إلى وجودهم
الوضع الآن محتاج لإدامة الثورة التي لم تبلغ غايتها، فهي في عرض الطريق، والشياطين يأتمرون بها. فيجب على الشعب كلّه، كلّ طبقاته التي ينبض قلبها للإسلام، أولئك الذين يخفق قلبهم لشعبهم ولبلادهم، أن ينفضوا أيديهم من المطامح الخاصّة، وينأوا عن الآمال والأمنيات الشخصيّة، ويفكّروا بالشعب والإسلام والبلاد. يجب تبديد المؤامرات بوحدة الكلمة.
ينبغي أن يعرف الجميعُ أولئك الذين يدورون بين العمّال والفلّاحين والكلّيّات والجامعات، ويزرعون الفساد حيث حلّوا.
انظروا مَنْ هؤلاء، ومِن أين يُدْعمون، ومَن أولئك الذين يُؤيّدونهم؟
اعرفوا الأقلام السامَّة، فعلى الشعب أن يعرف مَن يحملون أقلامهم على الإسلام، وضدّ رجال الدين ومسير الشعب، ويأتوا بسوابقهم، ويُطالعوا أحوالهم، وينظروا في سوابقهم[1].
(03/5/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج8، ص29.
72
55
الفصل الثالث: أميركا والآخر
إنّ خطّة شعبنا -وهي الخطّة قصيرة الأجل- تتلّخص في معرفة العدوّ وطرده من الساحة، مثلما فعلوا ذلك من قبل. إنّ عدوّنا لم يتمثّل في محمّد رضا خان فحسب، بل إنّ كلّ مَن لم يكن مسيره مسير الإسلام، فهو عدوّ لنا، مهما كان اسمه. كلّ مَن يطالب بالجمهوريّة بمعزل عن الإسلام، فهو عدوّ لنا؛ لأنّه عدوٌّ للإسلام. كلّ مَن يضع إلى جانب الجمهوريّة الإسلاميّة كلمة الديمقراطية، فهو عدوٌّ لنا. كلّ مَن ينادي بالجمهوريّة الديمقراطيّة، فهو عدوٌّ لنا؛ لأنّه لا يريد الإسلام. إنّنا نريد الإسلام. لقد قدّمنا هذه التضحيات كلّها، وخاض شبابنا هذا الصراع كلّه، وتحمّلوا المتاعب والآلام، وبذلوا الدماء، إنّ ذلك كلّه كان لأنّهم ينشدون الإسلام. إنّ الذي دفع بهذه الثورة إلى الأمام، هو ذاك الذي كان يقول: إنّني أرى الشهادة فوزًا عظيمًا. هل كان يرى الشهادة فوزًا للديمقراطيّة؟ هل يرى الإنسان الشهادة فوزًا لليسار أو لليمين؟ هل كان شبابنا يطالبون بالجمهوريّة، على نسق ما هو موجود في الاتّحاد السوفياتيّ؟ هل كانوا ينشدون الجمهوريّة التي يريدها الشيوعيّون؛ ولذلك كانوا ينادون بها تبعًا لهم؟ هل قدّمنا الدماء من أجل تلك الجمهوريّة؟ هل بذلنا الدماء من أجل جمهوريّة غربيّة؟ لقد بذلنا الدماء من أجل الإسلام. بذل شبابنا الدماء من أجل الإسلام. أنتم أيّها الشباب، الذين قَدِمتم من مكان بعيد، تجشّمتم عناء السفر، وجئتم إلى هنا، هل جئتم لتلتقوا مع ديمقراطيّ؟ لتلتقوا مع مَن يميل إلى
73
56
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الاتّحاد السوفياتيّ؟ لتلتقوا مع أميركيّ؟ بريطانيّ؟ أم جئتم لتلتقوا مع المسلم؟ لتلتقوا مع مَن يدعو إلى الإسلام؟ تحمّلتم هذه المشقّة كلّها لتلتقوا مع روسيّ؟ لتلتقوا مع بريطانيّ؟ لتلتقوا مع ألمانيّ؟ إنّكم لم تأتوا إلى هنا من أجل ذلك، لقد جئتم إلى شخصٍ تكون آلامه آلامكم. إنّنا جميعًا ننشد الإسلام. لا بدّ من الانتباه إلى ذلك، والتعرّف على علائمه التي ذكرتُها؛ ما يريده هو ما تريدونه. يجب أن تعرفوه، وعلامته هي هذه التي ذكرتُها[1].
(22/5/9791م)
ب- نشاطات عملاء أميركا
- إبقاء الوجود الأميركيّ والحرص على عدم نجاح الثورة
هؤلاء لا يريدون لهذه الثورة أن تبلغ غايتها. وقد بذلوا طاقتهم كلّها لئلّا يدعوا محمّد رضا يرحل، والْتَأَمَتْ كلّ القوى لئلّا تدعه يذهب، وما تسنّى لها ذلك. ثار الشعب، وفرض عليه أن يذهب. واجتمعوا ليحفظوا بختيار، الذي كان تاليًا له، وقد كان من الخدم أيضًا. وبعدما أخرجه الشعب، كانوا يسعون أن يبقى الشاه، ومنهم ناس محترمون أرادوا ذلك أيضًا. كلّ ذلك كان خُططًا ينفثونها، ويقبلها مَن لا اطّلاع لهم. وقدّموا خطّة رفضها الشعب، وقذفها جانبًا. وإذا طرحوا كلّ شيء الآن، وعادوا يائسين، اتّجهوا إلى
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص329.
74
57
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الانتخابات، فمنعوها؛ عدّة منهم قاطعوها، ومنهم رفضوا الاستفتاء وقاطعوه، وأشعلوا النيران، فئة منهم أحرقت الصناديق، ومنعَت الناس بالسلاح أن يُعطوا آراءهم. هنا أيضًا، باؤوا بالهزيمة، وأعطى الناس آراءهم إعطاءً لا سابقة له، فقد صوّتَت كثرةٌ كاثرة تصويتًا لا نظير له. وكُفّت أيديهم عن هذا أيضًا، فجاؤوا إلى الدستور، بعدئذٍ، وقصدوا أن يعرقلوه، بأنّه يجب أن يكون مجلس مؤسّسين -وماذا سيحصل لو لم يكن مجلس المؤسِّسين؟- وذلك لئلّا يدَعوه يتقدّم، وأخفقوا في هذه أيضًا، وراحوا الآن يُحاولون ألّا تأتلف هذه الهيئة. وهذه كلّها خطط مدروسة بحساب، لا أنّ أحدًا في الحدود. وهؤلاء المسمّين كذا، لا أدري، يثيرون الضجيح، ليسوا بجماعة جاءت من نفسها تعمل هذا، ولا أنّ إشاعة الهيرويين في البلاد، من أقصاها إلى أقصاها، جاءت عفوًا ومن باب الصدفة، لا، ذلك كلّه على وفق خطّة[1].
(2/7/9791م)
- إلقاء التفرقة بين الناس وإيقاع المؤامرات
إنّهم يُلقون التفرقة بين الناس كلّ يوم، بمختلف الذرائع، وتُحاكُ كلَّ يوم مؤامرة لإيقاع الاختلاف بين صفوف الشعب. يذهبون إلى الجامعات بنوايا مبيّتة، ولكن تحت واجهات إنسانيّة، فيثيرون الطلّاب للقيام بتظاهرات مناهضة للثورة. إنّ نواياهم سيّئة، ليس
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج8، ص303.
75
58
الفصل الثالث: أميركا والآخر
لديهم نيّة حسنة، لا يقبلون الإسلام، لا يقبلون علماء الإسلام، لا يؤيّدون الفلّاحين، لا يؤيّدون العمّال، لا يؤيّدون شعبنا؛ ولهذا لا يدعون الخير يعمّ هذا البلد. لا يريدون لهذا الشعب أن يحصل على الرفاهيّة، لا يريدون لهذا البلد أن يجد الهدوء والاستقرار؛ لتتمكّن الحكومة من إنجاز أعمالها وإصلاحاتها، لا يروق لهم أن تتطوّر زراعتنا، يريدون أن يجعلونا طفيليّين نقتات على أميركا دائمًا، بحيث يأتي كلّ ما نحتاجه من أميركا. لا يريدون لثقافتنا أن تنمو، ويوجد إنسان في إيران يحبط كيدهم، لا يريدون لاقتصادنا أن يكون سالمًا، لا يرغبون في أن يكون جيشنا مستقلًا. إنّهم يستلهمون كيدهم هذا من أميركا وأمثال أميركا، وهم منهمكون داخل إيران بالتآمر. يجب أن تكونوا يقظين! مجرّد التصويت للجمهوريّة الإسلاميّة، لا يكفي. فقد أظهر الاستفتاء مدى ضعفهم، فانتابهم الخوف لدرجةٍ جعلتهم يفكّرون بالمزيد من المؤامرات الخفيّة. عليكم أن تراقبوا مؤامراتهم بدقّةً تامّة، وعلى شبابنا الجامعيّين أن لا ينخدعوا بهذه الفئة الفاسدة المفسدة، ولا يغترّوا بكلامهم المعسول، ولا يتأثّروا بالكلام الذي يبدو منطقيًّا في الظاهر، ولكنّه في واقعه تآمر. إنّ جميع شبابنا مكلَّفون بحفظ هذه النهضة، وإحباط كيد الخائنين[1].
(91/4/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص57.
76
59
الفصل الثالث: أميركا والآخر
- الانخراط في مؤسّسات الدولة والحكومة
أنتم منتخبو المجلس، يا من حظيتم بالدعم الحقيقيّ من أبناء الشعب الأعزّاء، عليكم الوقوف بمنتهى القوّة حيال القوى الشيطانيّة، التي كانت في النظام السابق العميل، تتحكّم بمصيرنا، وأن لا تخافوا أيّة قوّة غير القوّة الإلهيّة، ولا تهتمّوا بأيّ شيء غير مصالح البلاد. تنبّهوا إلى أنّ اليساريّين أو اليمينيّين أو البقايا المتهرئة للنظام السابق، قد تطمع بما لديها من أساليب خداع ومسرحيّات تقوم بها خارج المجلس، بالتغلغل إلى المجلس، وفرض الأهداف المشؤومة للأجانب. عليكم جميعًا التدقيق بوعي، في المشاريع والقضايا الراهنة، وأن تعوذوا بالله -تعالى- من كيد الأعداء. حفظَنا الله -تعالى- جميعًا من الزلل[1].
(72/5/0891م)
ينبغي أوّلًا، توخّي الدقّة في الأشخاص المنتخبين للقيام بعمليّة التطهير، أو أولئك العاملين في الجمعيّات الإسلاميّة، وأن تُعرَف سوابقهم والأعمال التي كانوا يؤدّونها أثناء وجود ذلك النظام، وبعد سقوطه. فأنتم تعلمون أنّ المفسدين والمنافقين والمنحرفين يحاولون، بشتّى الحيل، التغلغل في المراكز التي تريد خدمة الناس، وما أكثر الذين يدخلون بهدف العمل خلافًا للإسلام، ونشر التذمّر بين الناس، ويطرحون أنفسهم باعتبارهم من جند الله وأنصار
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص296.
77
60
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة! إنّنا اليوم نقبل من الشخص بمجرّد أن يكون مسلمًا ملتزمًا بأحكام الإسلام، ومؤمنًا بالثورة، لكن يجب أن لا يتدخَّل في الأمور المرتبطة بهذا النوع من القضايا (التطهير وإعادة البناء أو الإصلاح)، ما لم يكن موضع ثقة المؤسّسات الثوريّة؛ فطرفا القضيّة يحملان معهما خطورة كبيرة؛ فمن الممكن أن يندسّ أشخاص يعملون على إبقاء غير الصالحين، وتنحية الصالحين جانبًا، أو يقومون بإدخال عناصر من الخارج، ترتبط بهذه الفئات المضادّة للثورة، وهذا العمل لا يمكن أن يتمّ بدون تحقيق. فإذا أردتم أن تسجّلوا اسم كلّ مَن يريد أن يدخل في هيئة إعادة البناء (الإصلاح)، فإنّ هذا سيُحدِث أحيانًا كارثة. فمن الأمور المهمّة التي ينبغي أن يؤكّد عليها السادة، ويدقّقوا فيها، هو تاريخ هؤلاء الأشخاص وعوائلهم في النظام السابق، وكيف كانت طبيعتهم، وكيف كان أصدقاؤهم، وكيف تصرّفوا بعد الثورة، وما كان وضعهم. فهذه الأمور يجب دراستها، ومن الضروريّ أن يكون هناك أفراد موثوقون مئة بالمئة من قبل الحكومة أو المجلس، أو موثوقون مِن قِبَل السلطة القضائيّة، للتحقيق حول هؤلاء الأشخاص؛ فإذا كان بين هؤلاء فرد منحرف، فإنّكم ترون بعد فترة أنّ كثيرًا من الفاسدين والمعادين للثورة قد تمّ تعيينهم في هذه الهيئات. وبناء على هذا، فإنّه وكما تُعتَبَر إعادة البناء مسألة مهمّة وحياتيّة للبلاد في بداية الثورة، كذلك يُعتَبَر اختيار الأفراد الصالحين للعمل في هيئات إعادة
78
61
الفصل الثالث: أميركا والآخر
البناء، أمرًا مهمًّا؛ فلا تطمئنّوا بهذه السرعة بأنّكم مجموعة من حزب الله، حيث قد يدخل فيكم بعض الأفراد باسم حزب الله، ولكنّهم يعرقلون عملكم باسم حزب الله، وتنتبهون إلى ذلك بعد عامَين! وهكذا يكون من المهمّ معرفة الأفراد الذين يريدون العمل ضمن هذه الهيئات وتأسيسها، وهذا أمرٌ لا يمكن التساهل بشأنه أبدًا[1].
(4/9/2891م)
- إثارة الشغب وإشعال فتيل الحرب
لقد أظهرتم خلال فترة جهادكم الماضية، نضجَكم الإسلاميّ والثوريّ، وأنتم مطالَبون اليوم بإظهار هذا النضج للعالم أجمع، وبشكل أكبر، حتّى يعلم العالم بأنّ الشعب الإيرانيّ المسلم يتمكّن، ودون وصاية أو قيمومة من هذا أو ذاك، من اختيار طريق سعادته. لذا، فإنّني أدعوكم للحيلولة دون وقوع الاضطرابات والفوضى، وأن لا تسمحوا لمثيري الشغب المغرضين القيامَ بأعمال الإغارة وإشعال الحرائق، أو مجازات المتّهمين وإتلاف الآثار العلميّة والفنّيّة والصناعيّة، ناهيك عن إتلاف المال العامّ والخاصّ.
إنّ العدوّ ولأجل تشويه صورة الثورة، بادر إلى بثّ بعض المفسدين والمغرضين بين أبناء الشعب المسلم، ليقوموا بمثل هذه
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص363-364.
79
62
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الأعمال؛ كي يُظهِروا ثورتنا على أنّها ثورة رجعيّة ومتوحّشة. إنّني أؤكّد أنّ كلّ مَن يقوم بمثل هذه الممارسات، منفورٌ مِن قِبَل المجتمع الإسلاميّ، وهو مسؤولٌ أمام الله -تعالى-[1].
(01/2/9791م)
أيّها الشعب الإيرانيّ الشجاع! لقد هُزِمَ محمّد رضا بهلويّ، ولم يبقَ له في البلاد موطئ قدم، فقد التحق الجيش وسائر القوى الأمنيّة بالشعب، وأعلنوا ولاءهم له، إلّا أنّ بعض العناصر الفاسدة والمنحرفة منهمكةٌ في إثارة أعمال الشغب والفوضى؛ علّهم يتمكّنون من تحقيق مقاصدهم المشؤومة المتمثِّلة بإطلاق أيدي الظالمين، وترويج النهب من بيت المال، وإعادة هيمنة الأجانب على مقدّرات البلاد.
إنّ أولئك الذين انتهجوا سبيلًا مناوِئًا للثورة الإسلاميّة، وقرّروا القيام بوجه الحكومة الإسلاميّة، هم خونة مُخِلّون بالأمن، متقنِّعون بأقنعة خدّاعة. على الشعب المسلم الشجاع التصدّي لهم بالقدرة الإلهيّة، وعدم إتاحة أيّة فرصة لهم[2].
(31/2/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص104.
[2] المصدر نفسه، ص115.
80
63
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الأعمال؛ كي يُظهِروا ثورتنا على أنّها ثورة رجعيّة ومتوحّشة. إنّني أؤكّد أنّ كلّ مَن يقوم بمثل هذه الممارسات، منفورٌ مِن قِبَل المجتمع الإسلاميّ، وهو مسؤولٌ أمام الله -تعالى-[1].
(01/2/9791م)
أيّها الشعب الإيرانيّ الشجاع! لقد هُزِمَ محمّد رضا بهلويّ، ولم يبقَ له في البلاد موطئ قدم، فقد التحق الجيش وسائر القوى الأمنيّة بالشعب، وأعلنوا ولاءهم له، إلّا أنّ بعض العناصر الفاسدة والمنحرفة منهمكةٌ في إثارة أعمال الشغب والفوضى؛ علّهم يتمكّنون من تحقيق مقاصدهم المشؤومة المتمثِّلة بإطلاق أيدي الظالمين، وترويج النهب من بيت المال، وإعادة هيمنة الأجانب على مقدّرات البلاد.
إنّ أولئك الذين انتهجوا سبيلًا مناوِئًا للثورة الإسلاميّة، وقرّروا القيام بوجه الحكومة الإسلاميّة، هم خونة مُخِلّون بالأمن، متقنِّعون بأقنعة خدّاعة. على الشعب المسلم الشجاع التصدّي لهم بالقدرة الإلهيّة، وعدم إتاحة أيّة فرصة لهم[2].
(31/2/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص104.
[2] المصدر نفسه، ص115.
80
63
الفصل الثالث: أميركا والآخر
- اغتيال الشخصيّات الكبيرة
إنّ بقايا النظام، وبعناوين مختلفة، تسعى لئلّا يستتبّ الهدوء؛ لأنّه في ظلّ الهدوء، يصل الشعب إلى حقّه، وتُقطَع أيديهم. إنّهم الآن، وقد شاهدوا هزيمتهم في الاستفتاء، وشعروا بتوجُّه الشعب نحو الإسلام، لمسوا هزيمتهم، فاندفعوا نحو أعمال يائسة، يغتالون شخصيّاتنا الكبيرة، وهم يظنّون أنّه بالاغتيال ستتحقّق أهدافهم. إنّ هذا الاغتيال قد أثبت أنّ شعب إيران كلّما أعطى دمًا أكثر، وتعرّض لمتاعب أشدّ، أصبح أكثر قوّة. إنّ إرادة شعبنا الحديديّة لا تُهزَم بمثل هذه الحركات اليائسة. لقد وجدَت أمّتُنا طريقها، ولن تقف حتّى تطبّق الإسلام العزيز، وقطع يد جميع الخونة، واستغلال المستغلّين[1].
(51/5/9791م)
ينتابني إحساسٌ بأنّ عناصر النظام البائد قد بدؤوا يشعرون باليأس والعجز عن القيام بأيّ عمل. والدليل على ذلك، قيامهم بتلك الأعمال التخريبيّة والإرهابيّة. فمن المؤكّد أنّكم سمعتم اليوم عن محاولة اغتيال أحد علماء الدين في طهران، وإصابته بثلاث عيارات ناريّة، ولكنّ محاولتهم فشلَت؛ وهذا مؤشّر على ضعفهم. فإذا أحسّ الفرد بضعفه، وشعر بقرب نهايته، يُقدِم على تلك الأعمال التخريبيّة؛ لكي تعمّ الفوضى البلاد، ويوجِد الرعب،
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص244.
81
64
الفصل الثالث: أميركا والآخر
ويشوّش الأذهان. غير أنّ شعبنا لم يعد يخشى هذه الحركات. فلم يكن الشعب ليخافهم عندما كانوا بكامل قواهم، حتّى يخشاهم الآن. حين كان النظام البائد بكامل قواه، كنّا نشاهد الطفل والشيخ والرجال والنساء ينزلون إلى الشوارع، ويهتفون بالشعارات الإسلاميّة، وترتفع صرخاتهم بنداء «الله أكبر!»، واستطاعوا أن يهزموا النظام. إنّ هذه الأعمال التخريبيّة التي يقوم بها هؤلاء، لن تحقّق أحلامهم الواهمة. فلم يعد بإمكانهم الآن، من خلال اغتيال شخص ما، أو تخريب مركز معيّن، أن يحقّقوا أهدافهم. لذا، يجب أن يكون شعبنا قويّ الإرادة، وصلب العزيمة، ويمضي قدمًا بعون الله -تعالى-[1].
(41/7/9791م)
2- أنصار أميركا
أ- أفكارهم
- التبعيّة المطلقة للقوى الكبرى
لقد قلتُ مرارًا وتكرارًا: ابتعِد عن هذه العصابات الفاسدة، وتبرّأ من المنافقين؛ حتّى لا تفقد شخصيّتك وكيانك. انضمّ إلى الشعب، وأخرِج هؤلاء من نفسك؛ فهم سيجرّونك إلى الإثم والجريمة. إنّ أغلب هذه الذئاب التي التفَّت حولك، تريد أن تقودك صوب
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج9، ص83.
82
65
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الجريمة؛ فأبعِدهم عن نفسك!
ولكنّه انصاع لهم، وذهب خلف الجريمة؛ لأنّه لم يستطع أن يدرك ماذا يعني الإسلام، وماذا يعني بلد مسلم، وشعب مسلم، وجيش مسلم، وقوى مسلّحة مسلمة. إنّني لا زلت أودّ حتّى اليوم، أن تعود تلك الأحزاب المسلمة، التي تضمّ بين أفرادها المصلّين، الذين لم يقطعوا ارتباطهم بالله -عزّ وجلّ- والإسلام، إلى وعيها، وأن تبتعد عن أولئك الذين أعلنوا الجهاد ضدّ الإسلام، وأن تذهب إلى الإذاعة والتلفزيون؛ لتدين أمام الجميع، تلك المجموعاتِ المنافقةَ التي ارتكبَت العديد من الجرائم الشنيعة منذ عدّة أيّام، وأن يتبرّؤوا منها، فقد كانت تعدّ العدّة لتقطيع إيران، ولإنزال الويلات والمصائب بجميع مدنها، وأن يعلنوا أنّهم لا ينتمون إلى أولئك المتآمرين المفسدين، الذين لا يملكون أيّ اعتقاد بالإسلام، وهم مَن كان السبب في فاجعة أوّل أمس، وأن يعلنوا أنّهم يتبرّؤون من أولئك الذين لا زالوا إلى اليوم، يعتقدون أنّ الإسلام دين خاطئ، وأنّ أحكامه كانت تصلح لفترة ما قبل 1400 سنة فقط. أنا أعلم أين تكمن مصلحتكم، فلا تسمحوا -لا سمح الله- أن يحلّ بكم ما حَلَّ بالآخرين، وإنّني آمل أن تجتمعوا جميعًا حول لواء الإسلام، وأن تقفوا صفًّا واحدًا في وجه أميركا والاتّحاد السوفياتيّ؛ حتّى تنقذوا وطنكم، بدلًا من أن تقفوا في وجه بعضكم. حاوِلوا حَلَّ الخلافات الموجودة بينكم، وانتبِهوا لخطبكم وكتاباتكم، حتّى لا تثير نزاعات
83
66
الفصل الثالث: أميركا والآخر
فيما بينكم. فما يحدث الآن، ليس في صالح الإسلام أو البلاد أو الشعب، فإلى أين تريدون أن تجرّوا بلادكم؟ أيّها المتديّنون! إلى أين تريدون أن تقودوا هذه البلاد؟ إلى أحضان أميركا؟! أم إلى أحضان الاتّحاد السوفياتيّ؟! ألا تعتقدون أنّه لو افترضنا جدلًا، أنّكم استطعتم نشر الفرقة بين الجماعات المسلمة، فلن تكون النتيجة إلا قدوم أميركا أو الاتّحاد السوفياتيّ، واحتلال هذه البلاد؟ فهل أنتم غافلون عن هذا الأمر؟ أأنتم غافلون عن هذا الأمر، أيّها العلماء؟! هل تريدون بيع هذا الشعب لأميركا؟![1].
(12/6/1891م)
هناك كلام كثير حول موضوع ما يُسَمَّى بنهضة الحرّيّة، وتحتاج دراسته إلى وقت وفير، لكن ما ينبغي قوله إجمالًا، هو أنّ إضبارة هذه النهضة، وسَيْرَ عملها في الحكومة المؤقّتة للثورة، تشهد بأنّها تناصر بشدّة تبعيّة إيران لأميركا، ولم تألو جهدًا في هذا الصدد، وأقلّ ما يُقال عنها، لو حملنا أعمالها محملًا حسنًا: أنّها تعتبر أميركا المجرمة -التي تتحمّل كلّ ما يجري من ظلم وشقاء على الشعب الإيرانيّ المظلوم وسائر الشعوب المضطهدة- أفضل من روسيا الملحدة، وهذا من أخطائهم الفظيعة[2].
(81/2/8891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج14، ص382.
[2] المصدر نفسه، ج20، ص393.
84
67
الفصل الثالث: أميركا والآخر
- إيهام الناس بعزلة إيران
من المؤسف أن يظنّ بعضهم بأنّنا عزلنا أنفسنا عالَميًّا، جرّاء مخالفتنا لأميركا! بل أميركا هي المعزولة، والميزان في ذلك هو الشعوب. ارفعوا حرابكم عن رقاب شعوبكم، واسمحوا لها بالتعبير عن رأيها بحرّيّة، لنرى من المعزول منّا. فالآن، ورغم القمع والكبت المطبق على الشعب العراقيّ في الداخل، إلّا أنّه معنا، وإن شاء الله، عمّا قريب، سيشهد العراق انفجارًا شبيهًا بالانفجار الذي حصل في إيران. إنّنا لسنا معزولين، بل أولئك الظلمة المعتدون هم المعزولون؛ لأنّ الميزان في ذلك هو الشعوب.
فقبل انتصار ثورتنا، لم يكن أحدٌ يحفل بنا، ولكن بعد انتصار الثورة المباركة، فبالإضافة إلى الوحدة والتلاحم في صفوف شعبنا (يدٌ واحدة على مَن سواهم)، فإنّ جميع الشعوب المستضعفة، الإسلاميّة منها وغير الإسلاميّة، باتت معنا، فكيف نكون نحن المعزولين؟ نعم، نحن معزولون مِن قِبَل هذه الحكومات العميلة، الجاثمة على صدور شعوبها، لا مِن قِبَل الشعوب ذاتها، فإنّها معنا.
وإنّا نرحّب وبصدرٍ رحب، بهذه العزلة؛ لأنّنا ما لم نعش العزلة، وما لم نمتنع عن مدّ أيدينا إلى القوى الكبرى وغيرها، فلن نستطيع الوقوف على أقدامنا، والاعتماد على ذاتنا، فلا بدّ من أن نُعزَل سياسيًّا واقتصاديًّا، حتّى ننعم بالحرّيّة والاستقلال
85
68
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الحقيقيّ، فالعزلة لا تمثّل لنا شيئًا، وإنّا لا نخافها، سياسيّةً كانت أم اقتصاديّةً أم اجتماعيّةً؛ لأنّ الميزان هو الشعوب، والشعوب معنا. ولو أنّكم تتابعون مختلف المحطّات الإذاعيّة العالميّة، لوجدتم أنّ شعوب العالم بأسره متضامنة معنا، ومستعدّة لخوض الحرب إلى جانبنا، لتنقذنا -حسب تعبيرها- من هذا الشرّ المحدق بنا. ولكنّنا لسنا بحاجة لذلك؛ لأنّنا سنوجّه لصدّام وحزبه الكافر ضربةً لن تقوم له قائمة بعدها أبدًا. وإنّ علينا تصحيح هذا الخطأ الذي وقعَت فيه حكومة العراق الغاصبة، والكثير من حكومات الدول الإسلاميّة، حيث ظنّوا خطأً بأنّ مجرّد هجوم واحد كفيلٌ بتدمير إيران والإجهاز عليها، فعلى هؤلاء أن يعلموا أنّ إيران موجود إلهيّ، هيهات أن يتزعزع كيانها! وأنّها كانت، ولا تزال يدًا واحدة، وصوتًا واحدًا على قوى الشرّ الباغية، ولن تستطيع أيّة قوّة في العالم فرض العزلة عليها، ولن تستطيع أيّة أمّة إخضاع أمّة أخرى لسيطرتها، وهي تعيش الثورة والكفاح[1].
(02/01/0891م)
- مخالفة العقل والشرع
يعتقد ذوو النزعة الدنيويّة والوطنيّون بأنّ ما قام به أولياء الله -تعالى- مخالف للعقل والشرع. لا تحبّذ عقولهم النهضة بدون معدّات كافية، ولا يجيز شرعهم ذلك. وكذلك يعتقد أولئك
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص214-215.
86
69
الفصل الثالث: أميركا والآخر
بأنّ التحرّك من دولة إلى أخرى، ذات حكومة وتنظيمات، مخالفٌ للعقل والقوميّة، ومن ثمّ مخالف للموازين الإلهيّة والشرعيّة، وقد كان، وما زال الصلح والهدنة مع الظلمة والملحدين، وكذلك مع المتظاهرين بالإسلام والمرائين ذوي الجباه السود، هو طريق الصواب والعقل والشرع. لذا، تصبح قضيّة التسوية مع أميركا الظالمة وأتباعها، واجبةً عقلًا وشرعًا، والتخلُّف عن ذلك يعارض الشرع والعقل[1].
(6/8/6891م)
ب- نشاطاتهم
- زعزعة الثقة بالنفس
إنّ أساس كلّ فشل ونجاح، يبدأ من ذات الإنسان. فالإنسان هو أساس النجاح والفشل. عقيدة الإنسان هي أساس كلّ أمر. الغربيّون، وفي السابق الإنكليز، وبعدهم أميركا وباقي الدول القويّة، كانوا يسعون إلى جعل الشعوب، بإعلامهم الواسع، تصدّق بأنّها عاجزة، وأنّها لا تستطيع القيام بأي عمل، فيجب أن يمدّوا أيديهم، في الصناعة والنظام ودوائر الدولة، نحو القوى العظمى من الشرق والغرب.
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج20، ص78.
87
70
الفصل الثالث: أميركا والآخر
هؤلاء الذين كانوا يريدون سلب ثروات البلدان الضعيفة، وقد وضعوا لذلك خططًا صحيحة، وهي أنّهم كانوا يسعون لكي تصدّق شعوب هذه البلاد بأنّها عاجزة، وذلك من خلال إلقاء فكرة الضعف بين الشعوب؛ لكي يعتقد بذلك الشعب قائلًا: إنّنا لا نستطيع أن نقوم بالصناعة، ولا نستطيع أن ندير الجيش، ولا نستطيع إدارة الدولة.
لقد تمّ ذلك بواسطة إعلام أذناب الغرب في هذا البلد، فَجَرُّوا هذه البلاد إلى الفساد والخراب والتخلُّف.
فكلّ إنسان يصدّق بأنّه ضعيف وغير قادر على عمل، فلن يستطيع إنجازه. فمهما كانت قدرة الجيش قويّة، ولكن إذا كانت معنويّاته ضعيفة، فإنّه سيعتقد بأنّه غير قادر على مواجهة القوّة الفلانيّة، ولن يستطيع أن يقاوم ويصمد. فهذا الجيش محكوم عليه بالفشل، وكلّ بلد يعتقد بأنّه غير قادر على التصنيع، محكومٌ على شعبه بعدم القدرة على ذلك حتّى النهاية. وهذا أساس الخطط التي وضعتها القوى الكبرى للشعوب الضعيفة والكتّاب وأتباع الغرب.
التابعون لهم روّجوا بشكل واسع لهذا الأمر، بحيث إنّ هذه الدول صدّقت أنّها غير قادرة على فعل شيء، وغير قادرة على إدارة أيّ أمر من أمور البلاد، كالجيش والصناعة وباقي الأمور التي لها علاقة بحضارة البشر، وأنّها يجب أن تكون تابعة للغرب وللقوى
88
71
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الكبرى، فيحتاج جيشهم إلى مستشار، وبلدهم إلى مدبّر.
فما دام هذا الأمر معتَقَدًا به في دول العالم والدول المستضعَفة، فسيبقون مبتَلِين وتابعين، نتيجة لهذا، إلى النهاية[1].
(91/4/1891م).
- رفع الشعارات المنحرفة، والتي تؤدّي إلى انحراف الشباب
يجب ألّا ننسى أنّنا في حرب مع الولايات المتّحدة. نحن في حرب مع الولايات المتّحدة الأميركيّة ونفاياتها، هذه النفايات التي دسَّت نفسها، ونحن كنّا غافلين عنها، وهي موجودة الآن. يجب أن تعرفوا هؤلاء، وتقدّموهم للمحاكم. لا تتركوهم حتّى يشعلوا النيران في مكان آخر؛ إنّهم يريدون التخريب، ولا يهمّهم مَن يُقتَل ومَن يموت، وليس لهم عداء شخصيّ مع أحدٍ. لقد قتلوا سبعين ونيّفًا من شبابنا، ولم يكونوا يعرفون أحدهم. ما كانوا يعرفونهم، بل كانوا يريدون إثارة الشغب، وإحداث تفجيرٍ يخرج الناس إثره من الساحة، ولكنّهم رأوا العكس من الناس؛ لقد أدَّت هذه الشهادة إلى رصّ صفوف الناس أكثر من ذي قبل.
لقد أدَّت هذه الشهادة إلى فضح ادّعاءات هؤلاء الذين يدّعون بأنّنا نعمل من أجل الحرّيّة، وأن يكون هذا الشعب حرًّا. لقد تمّ فضحهم، وعرف الناس أيّ حرّيّة يريدها هؤلاء؛ يريدون حرّيّة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج14، ص241.
89
72
الفصل الثالث: أميركا والآخر
التفجير، إنّهم يريدون حرّيّة التفجير. كان يريد هؤلاء أن يدخل هؤلاء المنافقون، بكلّ حرّيّة، في صفوف الشعب، وأن يسبّبوا بعد عامٍ انحرافَ شبابٍ آخرين، وأن يعملوا بحرّيّةٍ بعضَ الأعمال، وأن يعملوا أعمالًا أخرى سرًّا، أن يرتكبوا أعمالًا بكلّ حرّيّة، بادّعاء وجود الحرّيّة. وليس من الغريب أنّهم يصفّرون ويصفّقون من خلال خطاباتهم في اجتماع يوم عاشوراء الحاشد.
لقد استشهد إمامنا المظلوم في هذا اليوم، إنّهم يصفّرون ويصفّقون أثناء خطاب شخصٍ يصادقونه في يوم استشهاد إمامنا المظلوم، وينسون أميركا. كانت الخطّة نسيان أميركا[1].
(1/7/1891م)
- محاولة دفع البلد للزحف نحو أميركا
والآن، يوجد تيّار في الساحة -فأنا لا أريد الآن أن يتمّ الحديث عن أشخاص لا قيمة لهم، ولكنّه تيّار موجود- لو انتبه الإنسان إلى المسائل التي طرحوها في الآونة الأخيرة، في الصحف المختلفة، إنّه تيّار موجود يخيف الإنسان، كونه يريد أن يدفع هذا البلد للزحف نحو أميركا، يريدون أن يتقدّموا عن هذا الطريق. وهذه مسألة هامّة إلى درجةٍ ما في نظر الإسلام، ويجب أن يكون لها هذا المقدار من الأهمّيّة في نظركم أيّها القادة والآخرون، بحيث إنّه لو تتنبّؤون
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج15، ص31.
90
73
الفصل الثالث: أميركا والآخر
كذلك، فيجب أن تقفوا في مقابله، وليس أن تتيقّنوا بأنّ المسألة بهذا الشكل[1].
(31/6/1891م)
ج- إجراءاتهم
لقد حقّقنا، وحقّق شعبنا الحرّيّة، بثمن باهظ، بَيْدَ أنّ قيمتَها أكبر من هذه الأشياء. والآن أيضًا، يروم أنصار أميركا أو النظام السابق أن يعيدوا تلك الأمور السابقة إلى بلادنا، ولكنّ هذا ليس سوى وهمٍ باطل. وقد قالت أميركا مؤخّرًا: بأنّ كارتر قال: إنّني سأتدخّل حتّى لو لم تساعدني أيّة دولة، إنّني سأتدخّل لأجل هؤلاء المسجونين في إيران. وهذه جريمة لرئيس جمهوريّة بلد يزعم أنّه يعرف حقوق الإنسان! شخص متعجرف يقول: سوف أتدخّل في بلد آخر، وقد تدخّل، هذه جريمة يجب أن يُحاكَم عليها. ينبغي أن يُحاكَم كارتر في محاكم العالم العامّة. أين هم الذين يزعمون بأنّهم يعترفون رسميًّا باستقلال كلّ البلدان والأقطار؟ أين هم ليقفوا بوجه كارتر، ويقولوا له: إنّك تقول: إنّني أتدخّل لوحدي في إيران، أتدخّل في بلد مستقلّ؟! يُنزل قوّات عسكريّة، ويريد أن يُنزل مرّة أخرى. أين هم هؤلاء الذين ينحازون لمثل هذا المجرم؟ أين يجب أن نشتكي من هذه البلدان التي تتبع أميركا وعميل أميركا؛ تتبعها
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج14، ص344.
91
74
الفصل الثالث: أميركا والآخر
في جرائمها التي ترتكبها؟ لأيّ جهاز أو أيّة محكمة نشتكي من هؤلاء المتغطرسين، ومن هؤلاء الممسكين بزمام أمور البلدان المسكينة المظلومة؟ وللأسف، فإنّ البلدان التي تزعم الاستقلال، تنحاز إليهم أيضًا، تنحاز لمثل هذه الجريمة! يجب سؤال هذه الحكومات: إنّكم إذ تفرضون الحظر الاقتصاديّ، وتضيّقون الحصار على شعب مظلوم، مع أيّة مبادئ، وأيّة قوانين تتطابق فعلتكم هذه؟ لمجرّد أنّ لدى أميركا قوّة، وقد أمرَتكم بهذا؟! هل هذا عذركم إذ تفرضون الحظر الاقتصاديّ؟ وهل تتصوّرون أنّ شعبنا سيُهزَم بالحظر الاقتصاديّ، وسيخضع ويخنع؟![1].
(4/6/0891م)
د- المتنوّرون ومخالفتهم للإسلام
أجل، نحن رجعيّون، وأنتم متنوّرون. أنتم المتنوّرون تريدون منّا أن لا نتمسّك بما ورثنا قبل ألف وأربعمئة سنة. أنتم تخافون من أن يتربّى شبابنا على الإسلام الذي جاء قبل ألف وأربعمئة سنة، التربية التي جعلَت أتباعه، بعد فترة قصيرة من اعتناقهم إيّاه، يقوّضون أكبر إمبراطوريّتَين في ذلك الزمان. أجل، نحن رجعيّون! أمّا أنتم المتنوّرون، فتريدون أن تغرسوا في عقول الشباب القِيَمَ الغربيّة، التي أوجدَتها لنا الدول المستعمرة. أنتم المتنوّرون تريدون
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص322.
92
75
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الحرّيّة، حرّيّة كلّ شيء، حرّيّة الفحشاء، والحرّيّات الأخرى التي تفسد شبابنا، الحرّيّة التي تفتح الباب أمام المستكبرين، وتجعلنا منقادين إلى الآخَرين؛ هذه هي الحرّيّة التي تريدونها، والتي أملاها عليكم الغرب. أنتم لا ترون حدودًا للحرّيّة؛ تَدْعُون الفحشاءَ حرّيّةً، والمفاسدَ الأخلاقيّة الأخرى حرّيّة. نحن جعلناكم أحرارًا، وأنتم تجرّون أنفسكم إلى الفحشاء، لا، بل أسوأ من الفحشاء، وقد أُرِيقَ ماءُ وجوهكم أمام الشعب! نحن جعلناكم أحرارًا، إلّا أنّكم تريدون بأقلامكم المسمومة، أن تمزّقوا شعبنا باسم الديمقراطيّة، باسم التحرُّر، باسم الثقافة، وبأسماء أخرى[1].
(32/8/9791م)
هـ- نصيحة إلى أنصار أميركا
أتمنّى أن تنتصحوا وتعتبروا ممّا حولكم. إنّ هذا المجلس موجودٌ للوقوف في وجه الأمور اللاأخلاقيّة وغير المنطقيّة، وبعيدٌ عن سيطرة أيٍّ من الأحزاب أو المجموعات، أغلب أعضائه أشخاص مستقلّون، يفكّرون بما سيفعلون ثمّ ينفّذون، ويأخذون رضا الله -سبحانه وتعالى- بالحسبان دائمًا؛ لأنّهم يريدون الوصول إلى النهاية. فهل تدركون نتيجة ما تقومون به لحلّ هذا المجلس؟! فهل استغفلَتْكم الشياطين، أنتم أيّها المتعلّمون والمتديّنون؟! وهل تدركون خطورة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج9، ص271-272.
93
76
الفصل الثالث: أميركا والآخر
ما تقومون به؟ انتبِهوا! فإنّ هذه الأحداث التي تحدث في العالم، هي لتنبيهِنا، فالمهمّ هو أن تنتبهوا لِمَا يحدث، وأن لا تحاولوا الإبحار عكس جهة الإسلام والشعب المسلم الغاضب. أنا أريد الخير لكم ولهم ولهذه الأحزاب والتكتّلات الضعيفة. فلتتوقَّف هذه الأحزاب عن الوقوف في وجه الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة، وليَعُدْ أولئك الذين لم يقوموا بأيّ عمل -ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة- بعد، ثائبين إلى أحضان الإسلام. وأطلب من الشباب المخدوعين بأفكارهم، أن ينتبهوا لأنفسهم، ويعودوا إلى أحضان الإسلام؛ لأنّهم إن لم يعودوا، فكأنّهم يضحّون بأنفسهم في سبيل الشيطان، ويقدّمون إخوتهم قرابين لأحاسيسهم الشيطانيّة أيضًا. إنّ قادة هذه الشياطين يريدون أن يجرّوا شبابنا وأبناءنا وبناتنا للوقوف في وجه الشعب، والمواجهة معه؛ وفي النهاية، سيُفني الجميع بعضَهم. إنّ هذه الأحزاب عبارة عن عصابات صغيرة تسعى لإخفاء نفسها خلف شبابنا المخدوعين، وحين يعود شبابنا إلى أحضان الإسلام والشعب، فإنّ هذه العصابات ستظهر على حقيقتها، وسيرفع الشعب صوته ليطالب بوضع حدّ لها. إنّني أريد ما فيه صلاح المسلمين وغير المسلمين، على حدّ سواء، وأطلب من الجميع أن يُخرِجوا الشرّ الموجود في نفوسهم، وأقول لأبنائنا وبناتنا: أن لا ينخدعوا بكلام أحد، وينقذوا أنفسهم من المكائد، ويعودوا إلى أحضان الإسلام؛ لأنّ هؤلاء لا يريدون مصلحة الشعب؛ والدليل على ذلك هو أنّهم كانوا
94
77
الفصل الثالث: أميركا والآخر
يقفون في وجه الشعب كلّما سنحت لهم الفرصة، فهذه الغوغاء والاضطرابات التي حدثَت منذ عدّة أيّام، هم مَن أحدَثَها. فهل كان الهدف منها هو الوقوف في وجه أميركا؟ وهل هؤلاء الناس الذين استشهدوا كانوا من الأميركيّين؟! وهذه البيادر التي تحرقونها، أهي للأميركيّين؟! وهذه المعامل التي توقفونها عن العمل، أهي للأميركيّين؟! وهؤلاء المزارعون الذين تدعونهم إلى الجلوس وعدم العمل، وإذا عملوا وكدّوا، فإنّكم تأتون في النهاية لتحرقوا بعود كبريت، كلَّ ما بذلوه من جهدٍ طيلة العام، هل هم من الأميركيّين أيضًا؟! هل أنتم من المدافِعين عن الشعب؟ مِن المدافعين عن شعب إيران؟ مِن المدافعين عن شعبكم؟! وأنتم أيّها السادة الذين تدافعون عن هؤلاء الأشخاص، فهل تدافعون عن الإسلام بعملكم هذا؟ وهل تدافعون عن الجمهوريّة الإسلاميّة أيضًا؟ وهل تعتبرون أعمالهم أعمالًا إسلاميّة؟ أتعتبرون أعمال حكومتنا الإسلاميّة غير إسلاميّة، وأعمال هذه الأحزاب والعصابات، التي عبَّأَت نفسها لقتال الشعب في الساحات والشوارع، أعمالًا إسلاميّة؟! ألا يجب عليكم أن تتأمّلوا قليلًا في الموضوع؟! «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعِينَ سَنَةً»! فكِّروا في الأعمال التي تُقْدِمون عليها، وبالمصائب التي تُنْزِلونها على أنفسكم، فهل كانت هذه الخطابات التي أرسلتموها، في سبيل الله؟ أو من أجل وطنكم؟ أو من أجل الإسلام؟ وهل الدين هو من أَمَرَكم بمخالفة هذه الحكومة التي تثقل المشاكل كاهلها،
95
78
الفصل الثالث: أميركا والآخر
وأن تعرقلوا طريق الحكومة التي تُجهِد نفسها ليلًا نهارًا في سبيل مصلحة الشعب؟! فهل هذا من أجل الإسلام؟! أو من أجل الشعب المسلم؟! أو من أجل الوطن؟![1].
(12/6/1891م)
و- إنذار أنصار أميركا وتحذيرهم
يوم القدس يومٌ يجب أن يُنذَر فيه أولئك المثقّفون ممّن يقيمون علاقات سرّيّة مع أميركا وعملائها، بأنّهم لو لم يكفوا عن هذا التدخُّل والفضول، فسوف يتمّ قمعهم! لقد أعطيناهم فرصة، وتعاملنا معهم بإحسان، لعلّهم يكفون عن ممارساتهم، غير أنّهم لم يرتدعوا، وسوف نقول الآن كلمتنا الأخيرة، ونُفهمهم أنّه من المحال أن يعود النظام السابق، ولا مكان لأميركا هنا ثانية، فلن تستطيع أن تحكم هنا مرّة أخرى. وكذلك الأمر بالنسبة لسائر القوى الكبرى، إنّه يومٌ يجب أن نوجِّه فيه تحذيرًا لكافّة القوى الكبرى، كي تكفّ عمّا تفعله، وترفع يدها عن المستضعَفين[2].
(51/8/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج14، ص382-384.
[2] المصدر نفسه، ج9، ص221.
96
79
الفصل الثالث: أميركا والآخر
أميركا والحرب المفروضة
1- الذرائع الأميركيّة للهجوم على إيران
أ- قطع العلاقات مع أميركا
إنّ إيران التي أرادت أن تقطع علاقاتها، بكافّة أشكالها، مع هذا الشيطان الأكبر، تعاني اليوم من وطأة حرب مفروضة. لقد أَجبَرَت أميركا العراق على إراقة دماء شبابنا، وفَرضَت على جميع الدول الخاضعة لنفوذها كي تحاصرنا اقتصاديًّا؛ للقضاء علينا. ومن المؤسف أنّ أكثر الدول الآسيويّة استجابت لها، وراحت تناصبنا العداء، بلا أيّ ذنب اقترفناه.
على الشعوب المسلمة أن تعلم أنّ إيران في حالة حرب معلنة مع أميركا، وأنّ شهداءها، هؤلاء الشبّان الشجعان من قوّات الجيش وحرس الثورة، لم يسقطوا دفاعًا عن إيران فحسب، وإنّما دفاعًا عن الإسلام بأسره. ولهذا، فمن الضروريّ التذكير بهذه المسألة، وهي أنّ الاشتباكات والأحداث التي تشهدها غرب البلاد، هي من صنع أميركا، من خلال تحريضها لجماعات لا تعرف الله، وتعيش التبعيّة والعمالة لها، وذلك بهدف القضاء على ثورتنا ومضامينها الأصيلة التي تحملها.
ولو هادنّا أميركا والقوى العظمى الأخرى، فلم نكن لنبتلي بهذه المصائب، ولكنّ شعبنا غير مستعدّ بأيّ شكل من الأشكال، أن يقبل الذلّ والهوان، ويفضّل الموت القاني على أن يحيا ذليلًا.
97
80
الفصل الثالث: أميركا والآخر
نحن مستعدّون للقتل؛ لأنّنا عاهدنا الله على أن نكون أتباعًا أوفياء لنهج إمامنا سيّد الشهداء (عليه السلام). يا أيّها المسلمون الرافعون أيديهم بالدعاء في جوار بيت الله! ادعوا للصامدين والواقفين بوجه أميركا وسائر الدول العظمى، واعلموا أنّ حربنا ليست مع العراق -فالشعب العراقيّ المسلم مؤيِّد لثورتنا الإسلاميّة- وإنّما حربنا مع أميركا وعملائها. واليوم، وقد خرجت يد أميركا من الكمّ العراقيّ، فستستمرّ هذه الحرب حتّى تحقيق الاستقلال والتحرُّر الكامل، إن شاء الله.
لقد قلتُ مرارًا: بأنّنا رجال حرب، والاستسلام ليس من شيمتنا نحن المسلمين. أيّتها الدول المحايدة، أدعوكم لتشهدوا بأنّ هدف أميركا استئصالنا والقضاء علينا. اصحوا قليلًا، وساعدونا في تحقيق أهدافنا. إنّنا أعرَضْنا عن الشرق والغرب، وعن الاتّحاد السوفياتيّ وأميركا؛ لكي ندير بلادنا بأنفسنا. فهل من الحقّ أن نتعرَّض لهجوم الشرق والغرب، لأجل أمرٍ كهذا؟
وحتّى لو متنا أو استشهدنا أو هُزِمنا، فإنّ الأوضاع العالميّة الراهنة ستحافظ على أهداف ثورتنا، التي لن تُهزَم بالتأكيد[1].
(11/9/0891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص161-162.
98
81
الفصل الثالث: أميركا والآخر
ب- محاولة استعادة السيطرة
وأنت أيّها الجيش العراقيّ، لستَ معذورًا أمام الله -تعالى- والشعوب المسلمة، وأمام شعبك الكريم؛ لأنّك تعلم أفضل منّا كم فقدْتَ من الشباب الأوفياء لأمّتك وشعبك، فهل سألتَ نفسَك إلى الآن، ما هو الدافع الذي جرّك لتخسر الكثير من أبناء بلدك الأعزّاء هؤلاء؟
وهل أنت واعٍ لِمَا تفعله بنفسك وشعبك المسلم؟ وأنت تعلم أكثر منّا مدى حجم الخسائر البشريّة والاقتصاديّة، التي خلّفَتها هذه الحرب المدمّرة على شعبك وأمتك، ألا تعلم أنّ حجم الخسائر التي لحقَت بعتادك ومستودعاتك الحربيّة، بلغ مليارات الدنانير، وأنّ المنتفع الوحيد من هذه الأضرار التي لحقت بأمّتك، هي القوى العظمى؟
ألا تعلم أنّ إعادة تأهيل جيشك وعتادك ستكلّف أمّتك ودولتك مليارات الدنانير، التي يجب أن تُصَبّ في حساب القوى العظمى؟
ألا تعلم أنّ سمعتك وماء وجهك قد أُريق أمام العالم بأسره، ولا سيّما أمام أمّتك؟ وهل تعلم ما هو الدافع لهذه الخسائر كلّها؟ إن كنت لا تعلم، فإنّنا نعلم أنّ القوى الكبرى، وعلى إثر الضربة الموجعة التي تلقّتها من الشعب الإيرانيّ المسلم، الذي استطاع بجهاده ونضاله أن يقطع أيديها عن العبث في مقدّراته وثرواته، تسعى الآن جاهدةً لإشعال نار الحرب بين الإخوان؛ لتستعيد بذلك سيطرتها على المنطقة وثرواتها الغنيّة، وتستأنف من جديد
99
82
الفصل الثالث: أميركا والآخر
نهبها وسلبها لخيراتها. وأنت أيّها الجيش العراقيّ، أصبحتَ لعبة بِيَدِ عملاء مصّاصي دماء الشعوب، من القوى الكبرى، وإنّك تعرف حقيقة حزب البعث الكافر أكثر منّا، وشاهدتَ جرائم صدّام وفظائعه عن قرب، حتّى إنّك نفسك لن تكون في منأى عن شرّه، ورأيتم بأمّ أعينكم كيف يعدم هذا السفّاك، وبشكل فظيع، حتّى أقرب المقرّبين له، لمجرّد الاحتمال أو الشبهة، فإلى متى تحمل هذا الأسر والذلّ؟[1].
(51/01/0891م)
ج- استغلال جهل صدّام وغروره لمهاجمة إيران
لقد استغلَّت أميركا جهل صدّام وغروره وخيالاته الخرقاء، فدفعَته لمهاجمة إيران. وحسب تفكيرها، فإنّ هزيمة العراق وإيران، أو القضاء على كلٍّ منهما أو على إيران، سيكون من صالحها، بينما ظنّ صدّام البائس أنّه بات شرطيّ المنطقة، وبطل القادسيّة المغوار، وأخذ ينمّي هذا التصوُّر في عقله الأجوف، في حين أنّ الذي لم ولن يعرفه، هو قوّة الإسلام الهائلة، وشجاعة جنود الإسلام المضحّين، فما كان من جهله وحماقته إلّا أن سقط في شباكٍ ليس بمقدور أيّة قوّة أن تخلّصه منها[2].
(11/2/3891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص207-208.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص324-325.
100
83
الفصل الثالث: أميركا والآخر
د- التدخّل في الشؤون الداخليّة لإيران
إنّ أميركا تطبّل بأنّ لها مصالح. نعم، إنّ لكم مصالح، ولكنّنا ضربنا على أيديكم. إنّكم تريدون أن تتدخّلوا بذلك الجانب من العالم. فهل التدخُّل يكون هكذا؟ إنّ تدخُّلكم يتمثّل في أنّكم أرسلتم صدّامًا والمنافقين. فالتدخُّل لا يعني أن يأتي ريغان بنفسه[1].
(82/5/2891م)
2- إبعاد الناس عن تأييدهم لعمليّات الدفاع المقدّس
الاجتياح الإسرائيليّ في لبنان
على الشعب أن لا يتصوّر أنّنا قد انتصرنا، وأنّنا لا نحتاج إليه؛ فالحاجة إليه قائمة وقائمة دومًا. إنّ الحكومة لا تستطيع لوحدها أن تدير جميع الأمور، بل يجب أن يكون الشعب معها. ثمّ إنّ حربنا لم تنتهِ، فنحن الآن في حالة حرب، وما دمنا كذلك، يجب على شبابنا أن يقدّموا الدعم للجبهات. فكما أنّ شبابنا الأعزّاء كانوا وما يزالون يتوجّهون، واستشهد الكثير منهم وتشرّفوا بلقاء الله، فإنّنا نحتاج إليهم اليوم أيضًا، فالمؤامرات تتّسع يومًا بعد يوم. وأمّا القضيّة التي يجب أن أطرحها في الجانب المرتبط بالظروف الحاليّة، فهي أنّ القوى الكبرى، وخاصّة أميركا، بعد أن فشلَت في جميع المؤامرات وهُزِمَت، وهي ترى الآن أنّ هذه الحرب التي
[1] المصدر نفسه، ج16، ص206.
101
84
الفصل الثالث: أميركا والآخر
أعلنَتْها علينا، في طريقها إلى النهاية هي أيضًا، إن شاء الله، فقد نفّذَت مؤامرة أخرى أكثر عمقًا، انخدعنا بها إلى حدٍّ ما، وهي أنّها خلقَت ذلك الخطر الوشيك في نقطة كبيرة وحسّاسة للغاية لنا؛ كي تجعل شعبنا يغفل عن تلك القضيّة التي تجري في بلده، وعن تلك الحرب التي تجري في بلده، ألا وهي قضيّة هجوم إسرائيل على لبنان. فقد كانت أميركا تعلم أنّنا وشعبنا نولي أهمّيّة فائقة للبنان، وإسرائيل من الجانب الآخر. وأميركا هي التي نصبَت هذا الفخّ؛ أي إنّها بعثَت عميلها ذاك، كي يهاجم لبنان ويتسبّب في تلك الأضرار والجرائم كلّها. ونحن نعلم أنّهم مستعدّون لأن يقضوا على الجميع، وعلى الملايين، في مقابل أن تتحقّق مصلحة واحدة لأميركا. لقد عهدنا ذلك من القوى الكبرى. إنّهم لا يعنيهم ما يجري على النساء والأطفال وبلد هؤلاء المستضعفين في لبنان، بل هم يعملون على أن يُبقوا صدّامًا في موضعه في هذا الجانب، ليحتفظوا بإيران التي تفوق أهمّيّتها، في نظرهم، لبنان والمناطق الأخرى. إنّ أميركا ترى أنّنا نجاور الاتّحاد السوفياتيّ، على طول مئات الكيلومترات، وما يبثّ الرعب في أميركا هو الاتّحاد السوفياتي. وهي تخشى إذا ما زال صدّام، أن يستطيع الاتّحاد السوفياتيّ تهديدها، ولكنّنا نعلم أنّه لا يستطيع، فبَعد أن تواجد الشعب في الساحة، وما يزال، فإنّ أيّ شخص لا يستطيع. وفضلًا عن ذلك، فإنّهم يرون أنّ إيران لو هزمَت العراق في الحرب لصالحها، فإنّ العراق سيتّصل بإيران؛ أي
102
85
الفصل الثالث: أميركا والآخر
إنّ الشعب العراقيّ، الشعب العراقيّ المظلوم، سوف يحرّر نفسه من قبضة هذا الحزب الظالم، ويتلاحم مع الشعب الإيرانيّ، ويؤسّس حكومة إسلاميّة تتوافق مع رغبته. وإذا ما حدث الارتباط والاتّصال بين إيران والعراق، فإنّ أميركا سوف تُحرَم من هذه المنطقة الغنيّة، التي لا ترى ضيرًا في أن تضحّي بالآلاف من جنودها والآلاف من الناس من أجلها. ويتمثّل هذا المخطّط في أن يحرّضوا بِيغن على أن يهاجم لبنان؛ وحين يهاجم لبنان، فإنّ إيران تهتمّ بأمر هذا البلد، وستوظّف كلّ قواها من أجل أن تقضي عليه. وإذا ما غفلَت إيران عن الحرب ضدّ العراق، فإنّ العراق سوف يفعل فعلته، فلا تستطيع إيران أن تفعل شيئًا هنا أيضًا.
على جميع أبناء شعبنا وجميع المسؤولين، أن يلتفتوا إلى أنّنا في الوقت نفسه الذي لا نرى فيه لبنان منفصلًا عن إيران، من حيث المصالح والمفاسد، فإنّه يجب أن لا نقوم بما يستوجب عجزنا عن إنقاذ كلٍّ من لبنان وإيران، بل علينا أن نتجنَّب ذلك. إذا كانت الأنظار اليوم متوجِّهة إلى لبنان، وكانت جميع القوى والخطباء والكتّاب يتحدّثون عن لبنان، فإنّ هذا نجاحٌ لأميركا؛ لأنّ إيران نسيَت حربها،ثمّ إنّها ستفقد كلًّا من العراق ولبنان، فلا تستطيع أن تفقد العراق ولا لبنان، ولا تستطيع أن تفعل شيئًا في العراق ولا في لبنان. إنّ طريقنا هو أن نتوجَّهَ إلى لبنان عن طريق هزيمة العراق، وليس بشكلٍ مستقلّ.
103
86
الفصل الثالث: أميركا والآخر
لاحِظوا أنّ جميع وسائل الإعلام -أقصد جميعها على حدّ علمي- لم تعد تتحدَّث مؤخَّرًا عن الحرب بين العراق وإيران، ولعلّها تتحدَّث بكلمة واحدة، بل اتّجهَت جميعها إلى لبنان. فالإذاعات كلّها لم تكن تتحدَّث إلّا عن إيران وحرب العراق قبل هجوم هذا الرجل -بل هذا الرجل النذل- على لبنان. وحين أصبح مخطّط أميركا يتمثّل في أن تصرف إيران عن محاربة العراق، وإعادتها إلى الموضع الذي تُبدِي فيه الحساسيّة للبنان، لم تعد تلك الإذاعات والمذيعون الأجانب يتحدّثون عن إيران، منذ ذلك اليوم، ولم يعودوا يقولون شيئًا من هذه الأحاديث. اعلموا أنّ ما صدر من العراق قبل بضعة أيّام، من مجلس العراق، بأنّهم سيخلون إيران، هو مؤامرة، ولا يعني أنّهم يريدون إخلاءها حقًّاح إنّهم يريدون تخديرَنا، وأن يصرفوا شبابنا عن الجبهة، ويثبطّوا عزم المتطوّعين الذين يسجّلون أسماءهم بمئات الآلاف حين نعلم أنّنا نريد عشرة آلاف أو عشرين ألفًا. وحين لا يتوجّهون [إلى الجبهات]، فإنّ العراق من الممكن أن يخرج منتصرًا في هذه القضيّة، لا سمح الله. وإذا ما انتصر العراق، فثِقُوا أنّكم لن تستطيعوا فعل أيّ شيء في لبنان.
علينا أن نُفشل هذا المخطّط الذي دبرّته أميركا. أي، إنّ على جميع خطبائنا في أرجاء البلاد، وجميع أئمّة الجماعة، أن يشرحوا هذه القضيّة، ويوضحوا أنّنا سنتوجَّهُ إلى لبنان عن طريق هزيمة العراق. علينا أن لا نسمح للعراق بأن يقف على رجلَيه، ويستجمع
104
87
الفصل الثالث: أميركا والآخر
قوّته، ويقدّم الآخرون الدعم له، ويقوّي حدودَه، ثمّ يهاجمنا بعد ذلك بشكل مفاجئ، ويعود مرّة أخرى إلى الحالة التي كانت منذ البدء[1].
(02/6/2891م)
سياسة أميركا في مواجهة الثورة الإسلاميّة
1- المؤامرات الأميركيّة في مواجهة الثورة الإسلاميّة
أ- تمويه الضرر الأساسيّ في نظر الشعب
في الوقت الذي يجب أن يكون شعبنا ملتفتًا للأمور التي تُطرَح في الخارج، وأن لا يغفل عنها، يجب أن يركّز اهتمامه على مؤامرات الداخل، فالمؤامرات التي تُحاك في الداخل كثيرة جدًّا، ولهم أساليب بارعة مختلفة في نسجها، ومنها إثارة الاضطرابات التي يفتعلونها؛ فالأحداث التي افتعلوها في آذربيجان واحدة منها، وفي سيستان وزاهدان وغيرها. وقسم آخر، الاختلافات التي أوجدوها في المدن والقرى، وفي سائر الأماكن. فالفِرَقُ مختلفةٌ، توجَدُ اختلافاتٌ كثيرة؛ أحدهم يقول: بالجمهوريّة الإسلاميّة، والآخر يقول: شيئًا آخر. يطرحون مشاريع عديدة قبالة الإسلام، ففي الوقت الذي يعلمون أنّهم لا يُوَفَّقون، يريدون أن يُسيئوا. هذا وإنّ الأجانب يخطّطون للتدخُّل العسكريّ أو المقاطعة الاقتصاديّة، وهم يعلمون أنّ هذا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص267-268-269.
105
88
الفصل الثالث: أميركا والآخر
ليس مُوَفَّقًا، وربّما يخطّطون لهدف آخر، وهو صرف أذهاننا عن الاضطراب الداخليّ إلى الخارج. أعتقد أنّه أمرٌ صعب، فليس لديهم قضيّة أخرى يطرحونها، يُحتَمَل هذا. ولكن في الوقت الذي يجب أن نلتفت لهذه الأمور بكامل قوانا، نستعدّ للخارج من دون غفلة عن المشكلات الداخليّة، التي ربّما هي الأهمّ عندهم، فقد اختلقوها لنا من قبل، وما زالت إلى الآن[1].
(13/21/9791م)
طيلة مدّة هذا النضال، ومنذ أحداث 15 خرداد، إلى حين انهيار النظام الشاهنشاهيّ، لم أكن قلقًا في وقت من الأوقات؛ لأنّني كنتُ أرى أنّنا نواجه جهازًا متجبِّرًا ظالِمًا، فضلًا عن الأجانب، ونحن مكلَّفون بالسعي من أجل تغيير هذا الوضع؛ وإذا لم ننجح، لم يكن الأمر مهمًّا أبدًا لي؛ لأنّنا كنّا قد عملنا بتكليفنا، ولن نكون مسؤولين أمام الله. على الرغم من أنّ بعض السادة كانوا يأتون إلى باريس ويقولون: إنّ هذا الأمر غير ممكن، وعليك مثلًا أن تتفاهم مع بعض هؤلاء، وتسمح لهم بالبقاء، وما إلى ذلك. بعد ذهاب الشاه أيضًا، كنت أقول لهم: إنّ علينا تكليفًا، ونحن نعمل به. ومَن يعملون بتكليفهم، لا يهمّهم هل يَغلِبون أم يُغلَبون. إذا غَلَبْنا، فَبِها، وإذا غُلِبْنا، فالإمام عليّ (سلام الله عليه) غُلِبَ أيضًا في الحرب مع معاوية، والإمام الحسين أيضًا قُتِل وغُلِب، ولكنّهم عملوا بالتكليف، ونحن
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص397.
106
89
الفصل الثالث: أميركا والآخر
أيضًا نعمل بالتكليف. إنّني طوال هذه الفترة، لم أكن قلقًا عند مواجهتنا لجهاز الطغيان والكفر، لكنّني الآن قلق! لقد كنّا نتطلّع إلى تحقيق الجمهوريّة الإسلاميّة، والحمد لله أنّ الكثير من الأمور قد تحقَّقَت، لكنّ قلقي من الجبهة الداخليّة لسببَين: أحدهما سبب بسيط، والسبب الثاني خطير. السبب الأوّل هو أنّ هذه الأعمال والمؤامرات والدسائس التي يقوم بها المعارضون، ليست بالشيء المهمّ في نظري، وإنّما الشيء المهمّ هو ما نلاحظه من تضارب بين المؤسّسات الإسلاميّة، حيث إنّك أينما تذهب، لا تجدهم متّفِقين. الكلّ يدعو إلى الوفاق، ولكنّهم أنفسهم غير متوافِقين. هذا مدعاة للقلق؛ لأنّه يسبّب بقاء البلد في حالةٍ من عدم الاستقرار، وإذا بقي على هذه الحال لمدّةٍ من الزمن، فستلحقه الأضرار؛ أي إنّه سيصاب بالأضرار من الداخل، ولن نحتاج إلى أحد يأتي من الخارج ليلحق بنا الضرر؛ نحن نتناحر فيما بيننا، وندمّر أنفسنا. المقلق الآن هو أنّ أيدينا من ناحية مغلولة، فلو أردنا أن نؤشّر على بعض الأفراد، ونقول: هذا مخرِّب، فهؤلاء الأفراد لا نستطيع القول عنهم: إنّهم مخرِّبون، وإنّما هم مخطئون، ولا يمكننا الآن الدعوة إلى محاربة أشخاص كالمحافظين مثلًا، أو الوزراء في الوزارات، أو غيرهم من الأشخاص. إنّهم منّا على كلّ حال. كنّا نناضل في السابق، والنضال إمّا فيه انكسار، أو انتصار، وفي كلاهما كان الفوز لنا؛ أما الآن، فلا نضال أمامنا. علينا أن نتصالح الآن؛ لكي نبني هذا البلد المضطرب،
107
90
الفصل الثالث: أميركا والآخر
والذي يتعرَّض للهجوم من كلّ جانب. ولكن للأسف، أينما وضع الإنسان يده، يجد اختلافًا بين المحافظ وآخرين، والدرك وآخرين، والجيش، والحرس، وفلان، وفلان، وجميع المؤسّسات؛ المؤسّسات مختلفة فيما بينها، وربّما كان الكثير منها بسبب أخطاء، بَيْدَ أنّ الخطأ الأكبر هو أنّهم لا يتلافون هذا الخطأ، وهذا هو الأمر المؤكَّد. إذا بقينا على هذه الحال، لن نستطيع إدارة هذا البلد، لن يستطيع أيّ إنسان أن يفعل ذلك[1].
(01/6/0891م)
ب- العمل على انقسام علماء الدين وبثّ الخلافات بينهم
إنّهم يسعون إلى بثّ الخلاف بين علماء البلاد، وتقسيمهم إلى فريقَين متناحرَين. إنّ اختلاف العلماء يعني اختلاف الشعب، لا الأفراد. فهم يسعون لإيجاد الخلاف بين عالِم له نفوذ في إحدى المدن، ويتمتّع بحبّ الجماهير واحترامهم، وعالِم آخر مثله، ثمّ يحوّلون الاختلاف في الأذواق إلى خلاف في صلاة الجمعة والجماعة والأماكن العامة، حتّى لا يكون خلافًا بين زيد وعمرو، بل خلافًا يشطر كلّ مدينة إلى شطرَين متضادَّين، أحدهما مع هذا والآخر مع ذاك، ثمّ يصعّدون من حدّة الصراع. إنّ أعداءنا يتمتّعون بطول البال، فيرسمون خطّة اليوم من أجل السنوات الخمسين القادمة. وهكذا تستمرّ الأمور، ويشيع الفساد، حتّى
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص333-334.
108
91
الفصل الثالث: أميركا والآخر
تصبح البلاد على شفا الانفجار الداخليّ! فلا يجدر بنا أن نغفل عن هذا[1].
(03/5/4891م)
ج- إعداد العملاء وصناعة الشخصيّات
مرّة أخرى، طفقوا يرتكبون المجازر والمذابح في طهران وسائر المدن. ومرّة أخرى، عاد جلاوزة محمّد رضا يسحقون الأبرياء، متذرِّعين بتطبيق القانون والحفاظ على استقلال البلاد، ومرتدين قناع الوطنيّة.
مرّة أخرى، امتدَّت أيدي الجناة الخونة، من عملاء الأجانب، من أكمام أزلام محمّد رضا بهلويّ، لتثكل هذا الشعب بالمصائب، عقابًا له على تطلّعاته التحرُّريّة والاستقلاليّة.
حتّى الأمس القريب، وصم الخائن محمّد رضا الجيشَ بالعار، حينما أمر العساكر بإطلاق النار على إخوانهم وأخواتهم من أبناء الشعب. واليوم، فإنّ عبده، أو مجموعة من عبيده الخونة، تعهّدوا بالقيام بهذا الدور، خدمةً للاستعمار. أصبحنا نواجه كلّ يوم، مجموعة من المخادعين الساعين لتحقيق مصالح الأجانب، وإن تمَّ ذلك بقتل الآلاف من أبناء هذا الشعب المعذَّب الشجاع[2].
(03/1/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج18، ص478.
[2] المصدر نفسه، ج6، ص9.
109
92
الفصل الثالث: أميركا والآخر
إنّ هؤلاء -أعني عملاء الأجانب- يظهرون كلَّ يوم بمظهر جديد وقناع جديد، فمن المحتمل أنّهم أعدّوا عملاء لهم خلال عشرين عامًا أو ثلاثين عامًا، وأظهروهم أمام الناس على أنّهم وطنيّون، في حين يجهل الشعب الدور المطلوب منهم، وحينما تظهر وجوههم الحقيقيّة، سيدرك الشعب دورهم. يظهر أحدهم على مدى ثلاثين عامًا، أو عشرين عامًا، بنقاب الوطنيّة والدين؛ لأنّهم يعدّونه لوقت آخر، وليوم آخر، يوم يحتاجون فيه إلى قمع الشعب بحراب الوطنيّة، كما هو حالنا اليوم. فاليوم يريدون، وبسلاح الوطنيّة وزيارة قبر مصدّق، أن يقمعوا هذا الشعب. وكما قمع «شريف إمامي» الشعبَ بحربة السلام، فإنّ هؤلاء جاؤوا بحربة أخرى. وهذا الشعب الذي يطلق صوته... بالأمس، خرج الشعب من أقصى البلاد إلى أدناها، وهتف بصوتٍ واحد، بأنّه يؤيّد الحكومة الجديدة، ولكنّ أولئك لا يعتبرون هذا شعبًا! الشعب هو من تعترف به أميركا، وإذا أيَّدَت أميركا انتماء شخصٍ لهذا الشعب، فهو الذي يمثّلهم! وهي لا تؤيّده إلّا إذا حفظ لها مصالحها. وإلّا فإنّ أولئك الذين يقولون: بأنّنا وطنيّون، ونحن مطيعون للشعب، ونحترم آراء الشعب، أولم يكن ما حدث بالأمس تعبيرًا عن آراء الشعب؟ ألم يخرج الملايين وهم يطلقون صرخاتهم؟ أليسوا أولئك شعبًا؟! نعم، إنّهم ليسوا الشعب، من وجهة نظر أميركا، ومن وجهة نظر عملائها. فالشعب بنظرهم،
110
93
الفصل الثالث: أميركا والآخر
هو من يقول: يجب إعطاء كلّ شيء لأميركا، وإعطاء كلّ شيء للأجانب[1].
(9/2/9791م)
د- تشكيل أحزاب متعدِّدة وزرع الفتنة بينها
من الأعمال الأخرى التي ارتكبوها، أنّهم كانوا يُلقون الاختلاف بين الفئات والطوائف، حتّى لا تجتمع مع بعضها. لقد خافوا أن يكون الإسلام مطروحًا في البين، فيتّحد الجميع، فحاولوا توجيه ضربة إليه. لقد شعروا أنّه إذا كان علماء الدين ذوي نفوذ، فإنّ الناس سوف تلتفّ تحت راية واحدة، فحاولوا القضاء على العلماء. ثمّ إنّهم لم يكتفوا بهذا المقدار، بل عملوا على إيقاع الفرقة بين الناس من خلال الدعايات؛ فهذه كردستان وتلك بلوجستان، وهذا بختياريّ وذاك خراسانيّ، إلى غير ذلك داخل إيران. وفي خارج إيران، فهنا باكستان وهناك البحرين، وتلك غيرها وكذا وكذا وكذا، فقد فصلوا المناطق بعضها عن بعض، وعزلوا المسلمين عن بعضهم، قطَّعوهم إربًا إربًا. لقد قسّموا الدولة العثمانيّة، التي كانت دولة كبيرة جدًّا تشمل مصر والحجاز ومناطق أخرى كثيرة، بعد أن تغلَّبوا عليها في الحرب العالَميّة، وجزّؤوها ووضعوا على كلّ منطقة منها عميلًا وخادمًا للأجانب، ليدير تلك المنطقة. وجعلوا تلك الحكومات مختلفة، وأوقعوا العداوة بينها؛ فهذا سلطان كذا وذاك
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص98-99.
111
94
الفصل الثالث: أميركا والآخر
سلطان كذا، هذا رئيس الجمهوريّة الفلانيّ وذاك رئيس الجمهوريّة الفلانيّ، هذا عدوّ ذاك وذاك عدوّ هذا. وتفرَّغ الأجانب ينهبون كلّ ما عندنا، أمّا هؤلاء، فقد اشتدَّت العداوة بينهم، واختلفوا فيما بينهم، وقاموا بتشكيل الأحزاب المتعدِّدة في كلّ دولة، وكانت أحزابًا مختلفة متعادية فيما بينها؛ هذا يطعن في ذاك، وذاك يطعن في هذا. فكانت هناك الجبهات والأحزاب المختلفة. وقد وقع المسلمون -ومع الأسف- تحت تأثير هذه الأمور؛ بسبب عدم التفاتهم لعمق المسائل، دولة العراق في جهة، ودولة إيران في جهة أخرى، مع أنّهما دولتان مسلمتان، ولكن وقعت بينهما العداوة والحرب. دولة باكستان في طرف والدولة الفلانيّة في طرف آخر، وكلاهما دولتان مسلمتان، ولكنّهما متعاديتان وبينهما حرب[1].
(12/5/9791م)
ولكنّ الخوف من ذلك العدوّ الذي يهدّدنا من الداخل، ويريد الإيقاع بيننا، فيلعن أحدنا الآخر، وتتحوّل البلاد -لا سمح الله- إلى أحزاب وتجمّعات وتنظيمات شتّى -حيث يقولون: بأنّ نحو مئتي تجمُّع قد نشأت في الشهور الأخيرة- فلو كانت هذه التجمُّعات متوحِّدة الأهداف والاتّجاه، وتعمل كلّها من أجل الله، لكان ذلك جيّدًا، كأنْ يتوجَّه البقّال أو عالم الدين إلى الله، ولكنّ هذه الأحزاب والتجمُّعات التي قامت في إيران، كلٌّ يلعن صاحبه، وكلٌّ يعارض
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص285.
112
95
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الآخر، وأعداؤنا يريدون إيجاد الشقاق بيننا، عن طريق ازدياد الأحزاب وتعدُّدها. وما يقال عن قضيّة الأحزاب، يأتي أيضًا عن طريق ما شاكلها من الأمور. إنّ هذه خطّة، وهذه المشاكل المتتابعة كلّها جاءت نتيجة ما رسموه من خطط قمنا نحن بتنفيذها، وهم يوقعون بيننا بهذه الوسيلة، وكلّ ذلك يصب في صالحهم[1].
(13/21/9791م)
وعليَّ الآن أن أبيّن أنّ ما يمكن للإنسان أن يفهمه بشأن أصل الأحزاب التي ظهرت في إيران منذ بداية الحركة الدستوريّة، هو أنّ ظهورها كان، من حيث لا تدري، بأيدٍ أجنبيّة، وأنّ بعضها قام بخدمة مصالح الأجانب، وأحتمل أنّ جميع الدول [الاستعماريّة] -وأهمّها إنجلترا يومئذٍ- كانت تصنع أحزابًا لاصطياد البلدان المتخلِّفة التي كانت تسعى لاستغلالها. أمّا الأحزاب التي كانت في تلك الدولة [الاستعماريّة]، فلم تكن خلافاتها حقيقيّة؛ بمعنى أنّ أحدها يعمل لمصلحة الحكومة أو البلاد، والآخر يتحرّك ضدّه ظاهرًا. لقد صنعوا الأحزاب [المتناحرة]، لكي يقتدي بهم الآخرون في ذلك.
أمّا في بلادنا، ولا سيّما في إيران، فمنذ ظهور الأحزاب، شكّلَت كلّ فئة حزبًا يعادي الأحزاب الأخرى، فكانت الساحة السياسيّة ميدانًا لتناحر الأحزاب، والسبب هو أنّ الأجانب كانوا يسعون لتحقيق مصالحهم بإثارة الخلافات بين الشعوب؛ وأحد سبل زرعها
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص504-505.
113
96
الفصل الثالث: أميركا والآخر
والحيلولة دون اتّحاد كلمة الجماهير، هو تشكيل الأحزاب؛ فأسّسوا هذا الحزب، وسمّوه مثلًا الديمقراطيّ، وآخر سمّوه حزب توده، وثالثًا سمّوه حزب العدالة.
وفي البداية، كانت الأسماء غير هذه، ثمّ تحوّلَت هي أيضًا إلى أسماء أوروبّيّة بصورة تدريجيّة، فأولئك يصنعون في بلدانهم صورة ظاهريّة لا واقع لها، يصطادون بها البلدان الأخرى؛ أي يؤسّسون في هذه البلدان أحزابًا متضادّة متناحرة حقًّا، وليس ظاهريًّا، فهذا الحزب يعادي ذاك، وكلاهما يقضيان الوقت كلّه في التناحر فيما بينهما، فيستهلك النشطون، الذين يُرجى إصلاح البلاد بجهودهم، طاقتهم كلّها في النزاع والتناحر فيما بينهم، وكتاباتهم كلّها في ردّ بعضهم على بعض، وكلّ منهم يُسقِط الآخر، وبعضهم يقوم بهذه الأعمال عن علم، فهو عميل للأجانب منذ البدء، وبعضهم عن غير وعي، فهم يتحرّكون من حيث لا يدرون باتّجاهٍ مضادّ لمصالح البلد[1].
(42/21/8791م)
هـ- محاربة الوحدة الإسلاميّة
إنّ النظام الطاغوتي قد ولّى، ولكن هناك أخطار. إنّ أيادٍ أجنبيّة تعمل لتعيدنا ثانيةً إلى الوضع السابق. إنّهم يقومون بإلقاء التفرقة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص190-191.
119
97
الفصل الثالث: أميركا والآخر
بين صفوف الإيرانيّين، غير أنّ مسؤوليّتنا تحتّم علينا الدفاع عن هذه الثورة، والحفاظ على وحدة الكلمة بصورة عمليّة. لقد استطعتم بوحدة الكلمة، وبأيدٍ خالية، الانتصار على القوى الكبرى.
إنّ القوى العظمى لم تستطع المحافظة على محمّد رضا، وقد بذلت -ولاسيّما أميركا وإنكلترا- جهودًا كبيرة للإبقاء عليه، ولكنّها لم تستطع فعل شيء أمام إرادة الشعب. والآن أيضًا، عليكم أن تحذروا، فإنّهم بصدد القضاء عليكم! إنّ أياديهم تتحرّك في كلّ مكان، ولاسيّما في المعامل، حيث يقولون: نحن مع العمّال. فإذا ذهبوا إلى المعامل، وحاولوا خداع العمّال للقيام بإضراب، عليكم التصدّي لفتنتهم وتحرّكاتهم المشبوهة[1].
(41/4/9791م)
وحين وجد الأجانب طريقهم إلى هنا، قبل مئتين أو ثلاثمئة سنة، درسوا كلّ شيء؛ درسوا نفسيّات الناس في المناطق، سافروا على ظهور الإبل، ودرسوا صحارينا وما يوجد فيها وما لا يوجد، درسوا أحوال الطوائف الموجودة في البلاد، ابتداءً بالبلوش وانتهاءً بالأكراد واللر، لقد درسوا ذلك كلّه ليعلموا كيف يمكنهم إبقاءهم متخلِّفين، وإقناعهم بأن لا يثوروا يومًا ما. فنحن منذ ذلك اليوم، وإلى الآن، تحت سيطرة أميركا وأوروبّا. ففي البداية، كانت أوروبّا وإنجلترا، واليوم جاءت أميركا، وهي أسوأ منهم. إنّ كلًّا من السوفيات وأميركا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص22.
115
98
الفصل الثالث: أميركا والآخر
تريدان تبديد ثرواتنا وما نملكه، وإبقاءنا متخلفين ومساكين. لقد درسوا واقتنعوا بضرورة زرع التفرقة بين هؤلاء [المسلمين]، ففرّقوا بين العراق وإيران وأفغانستان وباكستان، وشغلوهم بالنزاعات فيما بينهم؛ كي لا يقدروا على مواجهة القوى العظمى.
وقد سعوا بشتّى الطرق للقيام بأعمال داخل كلّ بلدٍ مثل إيران، كي تتفرّق القوى. ففي عهد رضا شاه، أهانوا العالِم الدينيّ إلى حدٍّ، ما كان يستطيع معه الخروج من داره، لا خوفًا من الحكومة، وإنّما من أيدي الناس! لقد جعلوا الناس بهذا الشكل، وكانوا يقولون: إنّ هؤلاء المعمَّمين كلّهم عملاء البلاط[1].
(03/01/8791م)
2- المشاريع الأميركيّة في المنطقة
أ- الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها
إنّني أعلن الخطر لأجل هذا المشروع[2] على الإسلام. إنّ من قدّموا هذا المشروع، إمّا أن يكونوا جهلاء، أو أنّهم تحت تأثير أميركا والصهيونيّة، وكذلك من يرون في هذا المشروع نقطة إيجابيّة. فلو لم يكن في هذا المشروع إلّا الاعتراف بإسرائيل -إنّ أحد البنود المقترحة هو أن يتمّ الاعتراف بإسرائيل وضمان عدم الهجوم عليها- لو لم يكن فيه إلّا هذا، وكانت الأمور الأخرى كلّها
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص154-155.
[2] مشروع فهد.
116
99
الفصل الثالث: أميركا والآخر
إيجابيّة، فإنّ تلك النقاط الإيجابيّة كلّها كانت لا تساوي شيئًا. ومعنى إعطاء الضمان لإسرائيل هو أن تمنح إسرائيل الأمن، وهي التي غصبَت، منذ سنين طويلة، أراضي المسلمين، وارتكبَت مجازر جماعيّة في فلسطين ولبنان وسائر الأماكن، وشرَّدَت المسلمين، واستباحَت أعراضَهم ونفوسَهم، وعرَّضَتْها للخطر، وجعلَتْها ألعوبة لأهدافها الفاسدة. ويعني ذلك أنّ أيّ شخص أراد أن يتعرَّض لهذه الدولة الغاصبة المجرمة، فإنّ على جميع المسلمين وعلى حكومات المنطقة أن يعارضوه؛ لحفظ إسرائيل التي امتصَّت دماء المسلمين، وفعلَت بفلسطين والقدس ما فعلَت، وفعلَت بلبنان ما يحلو لها، وقامَت بقتل المسلمين ونهبهم. علينا اليوم أن نعطيها أجرها، وأن نكون حافظين لها. وعلينا جميعًا أن نؤمّن إسرائيل التي دخلَت القدس وفلسطين، وغصبَتْهما، يجب اليوم أن نعترف بها؛ أي إنّ على البلاد العربيّة أن تعترف بهذا النظام الفاسد الفاسق الكافر، وأن تعطيها أجرها بعد ارتكاب تلك الجرائم. فإذا كانت النقطة الإيجابيّة هي أن تنسحب إسرائيل إلى حدود ما قبل الحرب الفلانيّة، وحتّى حدود الحرب الفلانيّة، إنّ هذه نقطة سلبيّة، ومعناها أنّ ما غصبَتْه إسرائيل حتّى تلك الفترة تبقى لها، ولكن بالمقابل، تتخلّى عن بعض المناطق، وهذا يشبه تصالحنا مع العراق، وأن نقول للعراق: تعال نقسّم خوزستان؛ فالنصف لك، والنصف الآخر لنا!
117
100
الفصل الثالث: أميركا والآخر
إنّ ذلك من النقاط السلبيّة، وبقيّة البنود كلّها في خدمة إسرائيل، وتهدف إلى جعل إسرائيل تحكم العرب[1].
(71/11/1891م)
ينبغي على العلماء المحترَمين والكتّاب والخطباء الملتزمين، أن يردّوا في الوقت المناسب، وأمام المسلمين، على الدعايات المغرضة التي تبثّها وسائل الإعلام الأميركيّة والإسرائيليّة والمرتبطة بها، والشائعات والأكاذيب التي تنشرها ضدّ الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة، وأن يدافعوا عن الإسلام والثورة الإسلاميّة، ويطرحوا وجه الإسلام الحقيقيّ على العالَم، وأن يُطلعوا الشعوب على الإنجازات الإسلاميّة التي تحقَّقَت بجهاد الشعب الإيرانيّ الملتزم، على الرغم من جميع المصائب والابتلاءات والعراقيل التي يضعها أعداء الإسلام في الداخل والخارج، وأن يفضحوا ويكشفوا حقيقة التهم التي توجّهها الأبواق الدعائيّة ضدّ هذا الشعب، ويفضحوا المخطّطات والمؤامرات الأميركيّة وعملائها، وأن يُطلِعوا المسلمين على ما يرتكبه بعض الحكّام المتأمركين ضدّ الإسلام والمسلمين، وأسوَؤها الاعتراف بإسرائيل بعد هجومها الوحشيّ على لبنان، البلد الإسلاميّ، وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء هناك وجرحهم، ويتحدّثوا عن عدوان جيش صدّام العفلقيّ بأمر من أميركا، وتأييد الدول التابعة لها. عسى أن تعمل الشعوب بالاعتقاد بالله -تعالى-، وأن تَحُولَ دون
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج15، ص323.
118
101
الفصل الثالث: أميركا والآخر
هذه الفاجعة التاريخيّة، التي تسيء إلى سمعة المسلمين في العالم، وأن يُنقذوا أنفسهم من هذا التحقير والمذلّة، التي يبعث الحديث عنها القشعريرة في كلّ مسلم غيور[1].
(12/9/2891م)
إنّني أخشى أن يأتي ذلك اليوم الذي تتنازل فيه الشعوب والحكومات الإسلاميّة، وتمكّن إسرائيل من تحقيق أهدافها الظالمة والإجراميّة، بمساعدة من أميركا المجرمة، وعندئذٍ، لا يستطيع المسلمون عمل أيّ شيء. إنّني أعتبر دعم مشروع استقلال إسرائيل والاعتراف بها كارثة للمسلمين وانفجارًا للحكومات الإسلاميّة، وإنّي أعدّ معارضةَ ذلك فريضةً إسلاميّة كبرى[2].
(5/6/2891م)
ب- الدفاع عن إسرائيل وتبرير جرائمها
كم هو مؤلم لمسلمي العالم في عصرنا الحاضر، أن يحدث هذا المساس بالساحة الإلهيّة المقدّسة ورسل الله العظام، على مرأى ومسمع منهم، مع كلّ ما يملكونه من طاقات مادّيّة ومعنويّة، وذلك على أيدي حفنةٍ من الأوباش والمجرمين! ويا له من عارٍ على الحكومات الإسلاميّة التي تسيطر على الشريان الحيويّ للقوى العظمى في العالم، أن تجلس مكتوفة الأيدي، مكتفيةً بدور المتفرِّج
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص388.
[2] المصدر نفسه، ج16، ص232.
119
102
الفصل الثالث: أميركا والآخر
على أميركا سيّدة الإجرام في التاريخ، وهي تضع في مواجهتهم عنصرًا فاسدًا لا قيمة له، وتذهب بفئةٍ قليلةٍ، وتغتصب منهم مكان عبادتهم المقدَّس وقبلتهم الأولى، ثمّ تقوم باستعراض قوّتها أمامهم جميعًا بكلّ وقاحة![1].
(41/4/2891م)
يجب أن يعلم المسلمون أنّه بعد الثورة الإسلاميّة وظهور قوّة الإسلام الإعجازيّة، بدأَت المؤامرات والخطط الأميركيّة لإيجاد الفرقة بين السنّة والشيعة، وازداد الهجوم على إيران، التي تمثّل مركز ثقل الحركة الإسلاميّة، وامتدَّت إلى لبنان، وأنّ جميع هذه المؤامرات هي من أجل محاربة الإسلام وإضعاف هذه القدرة الإلهيّة. ويجب أن يعلموا أنّ مخطّط أميركا، الذي يُنَفَّذ بيد إسرائيل، لا ينتهي عند لبنان وبيروت، بل الهدف هو الإسلام في كلّ مكان في البلاد الإسلاميّة، خصوصًا منطقة الخليج الفارسيّ والحجاز، الذي يُعتَبَر مركز الوحي الإلهيّ. وهم يريدون أن يسمع حكّام المنطقة إلى أوامر أميركا من دون اعتراض، والأنكى من ذلك، هو أن يكونوا مثل إسرائيل، ويقبلوا بكلّ ذلٍّ وهوان. وفي مثل هذه الأوضاع والفاجعة العظمى، لا ينبغي للمسلمين أن يكونوا لا أباليّين، كما لا ينبغي التقصير في سبيل حفظ الإسلام والبلاد الإسلاميّة. وما هو أكثر إيلامًا ومصيبة، أن تتجرّأ إسرائيل -وهي إلى جوار المسلمين والدول التي
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص190.
120
103
الفصل الثالث: أميركا والآخر
تدّعي الإسلام- وتعتدي بهذه الصورة على الشعب اللبنانيّ المظلوم، وعلى سكّان بيروت الأعزّاء. وبدلًا من أن تنهض الدول الإسلاميّة للدفاع، باعتباره فريضة إلهيّة وإنسانيّة، تبدي اللاأباليّة تجاه ذلك، بل تعمل من أجل تحقيق أهداف أميركا وإسرائيل المشؤومة. وبدلًا من انتقاد إسرائيل الجائرة، أخذَت تنتقد إيران الإسلاميّة والإسلام في إيران[1].
(12/9/2891م)
ج- الاستفادة من التفرقة بين حكومات المنطقة
نعم، أنا أيضًا أعلم بهذا[2]، ولكنّ المهمّ هو أن لا يقع سوء تفاهم بين الشعوب والحكومات الإسلاميّة. وتبقى الوحدة الإسلاميّة محفوظة دائمًا، ويكون جميع المسلمين إخوة فيما بينهم.
وقد طرحتُ هذه القضيّة من أجل أن تزيلوا -من خلال التحقيق في هذا الأمر- سوء التفاهم الحاصل، ويتحقّق تفاهم صحيح بين الحكومتَين والشعبَين، وتُحبِطوا دعايات الأجانب الذين يريدون إيقاع التفرقة بين الحكومات وبين الشعوب. لقد كان سعيي دائمًا أن يكون المسلمون يدًا واحدة على الأعداء، كما أمر الإسلام، وجماعة واحدة، كما يريد الإسلام، لكنّ مطلبنا المهمّ هو رفع سوء التفاهم هذا، وحفظ الأخوّة بين إيران وليبيا، وقطع
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص386.
[2] بعد استماع الإمام الخمينيّ لكلام ممثّل الوفد الليبيّ.
121
104
الفصل الثالث: أميركا والآخر
يد الأجانب الذين يريدون إيقاع الفرقة بين أخوَين، وحكومتَين، وشعبَين[1].
(42/4/9791م)
إنّنا الآن وقد تحرّرنا واسترجعنا بلدنا من الآخرين، فإنّهم لن يجلسوا ساكتين. إنّهم الآن بصدد التآمر علينا. لقد وظّفوا أفرادًا في مختلف أطراف البلاد، ليأتوا إليكم ويقولوا لكم: شيئًا، وفي طهران يقولون: شيئًا آخر، وفي خوزستان يتحدّثون بشيء آخر، وفي كردستان بأمر آخر، وفي بلوجستان، وفي خراسان، وفي كرمان. إنّ هؤلاء موظّفون عند الأجانب، ومنتشرون الآن، وهناك أيضًا من بقايا النظام المباد، وكذلك توجد جماعة من هؤلاء المنحرفين، وبأسماء مختلفة.
إنّ هؤلاء مكلّفون بأن لا يدعوا الهدوء يستتبّ في البلد، مكلّفون بإثارة الاختلافات في كلّ مكان بصور مختلفة؛ ففي المناطق الحدوديّة، حيث إخواننا هناك، يثيرون الاختلافات الطائفيّة. وكذلك يثيرون الاختلافات بين الجماعات الأخرى، بعناوين مختلفة، فيفرّقون بين مَن يتكلّمون التركيّة، والذين يتكلّمون الكرديّة، والآخرين الذين يتكلّمون الفارسيّة، باعتبار أنّ هذه جماعات ذات لغات وثقافات مختلفة، وعشائر مختلفة. وبهذا الطريق، يجعلون كردستان في طرف، آذربايجان في طرف،
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص93.
122
105
الفصل الثالث: أميركا والآخر
خراسان في طرف، وبهذه الأساليب والذرائع المختلفة، يوقعون التفرقة بين الإخوة.
وإذا نظرتم إلى طهران، تجدون أنّهم يَنْفذون بصور أخرى إلى داخل الجامعات، ولا يتركونها تفتح أبوابها. وبين حين وآخر، يفتعلون قضيّة ما؛ ليثيروا المظاهرات والتجمّعات. إنّهم يريدون إثارة الاختلافات[1].
(91/5/9791م)
د- بثّ الفرقة من خلال استخدام وعّاظ السلاطين
لقد قضوا على جميع المجالس. لقد قضوا على المساجد وأئمّة المساجد والمراجع، وعلى كلّ شيء؛ أي لم يتركوا لهذه القوّة الفعّالة أيّة قوّة بعد ذلك. وممّا يُؤسَف له، أنّهم استطاعوا، آنذاك، التأثير بفضل دعاياتهم، بحيث أصبح الكثير من أفراد الشعب، الكثير من فئات الشعب، يعارض العلماء. لقد أثّرَت دعايات أولئك، حيث روّجوا إلى أنّ العلماء عملاء لبريطانيا... إنّ بريطانيا نفسها هي التي قامَت ببثّ مثل هذه الدعايات! أي إنّ عملاء بريطانيا كانوا يبثّون الدعايات بين الناس، بأنّ هؤلاء العلماء عملاء لبريطانيا، هؤلاء العلماء كذا، هؤلاء العلماء وعّاظ السلاطين، إنهم بريطانيّون! كلّ ذلك من أجل إبعاد الناس عن العلماء. وعلى كلّ حال، فرَّقوا فئات
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص256.
123
106
الفصل الثالث: أميركا والآخر
الشعب بعضها عن بعض، بعناوين مختلفة: العشائر من الأشرار، ويجب القضاء عليهم، هؤلاء كذا، هؤلاء لصوص[1].
(02/5/9791م)
إنّ إحدى المسائل المهمّة لنا، وكانت مهمّة لهم أيضًا، هي أنّه إذا عرف المسلمون الإسلام، واطّلعوا عليه كما هو في واقعه وحقيقته، فإنّ مصالح الأجانب سوف تكون في خطر.
لقد عمل خبراؤهم عبر الدعايات المختلفة، على تشويه صورة الأديان في أعين الناس، وخصوصًا الإسلام. لقد روَّجوا الدعايات التي تقول: بأنّ الإسلام أفيون المجتمع، وأنّ الأديان قد جاءت لتخدير الناس وجَرِّهم إلى السبات والنوم؛ ليستطيع الأقوياء والحكّام نهب ثرواتهم. كذلك عمل الأجانب على إضعاف مكانة علماء الدين بين الناس، فروّجوا لدعايات تقول: إنّ العلماء رجعّيون ومتعصِّبون ومتخلِّفون، إنّهم وعّاظ السلاطين، يعملون من أجل الحكّام. لقد نشروا هذه الدعايات بشكل واسع. ومع الأسف، كانوا موفَّقين إلى حدٍّ ما، في كِلا هذَين النوعَين من الدعايات. إنّ فئة الشباب، وحيث إنّهم لا يملكون المعرفة الواسعة بالأمور، ولم يكونوا يدركون عمق القضايا، فقد تأثّروا ببعض هذه الدعايات التي تروّج أنّ الأديان أفيون المجتمعات؛ ولذلك قاموا هم أيضًا بترويج هذه الدعايات، تِبْعًا لأولئك، مع أنّ واقع الأديان حسب ما ينقله التاريخ، وحقيقة
[1] المصدر نفسه، ج7، ص261-262.
124
107
الفصل الثالث: أميركا والآخر
دين الإسلام الذي تاريخه قريب منّا، هو على النقيض من ذلك تمامًا. كانوا يقولون: بأنّ الحكّام هم الذين أوجدوا الأديان؛ لاستغفال الناس، ونهب ثروات بلدانهم دون أن يعترضوا على ذلك[1].
(12/5/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص282-283.
125
108
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
معيار حقوق الإنسان من وجهة نظر أميركا
جميع أنواع البؤس الذي عانيناه وما نعاني، هو بسبب زعماء هذه الدول، الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان. فإنّ الموقّعين على إعلان حقوق الإنسان هم أولئك الذين سلبوا حرّيّة الإنسان في جميع الأوقات التي أمكنتهم فيها الفرص.
وأهمّ ما في إعلان حقوق الإنسان، هو حرّيّة الأفراد، فكلّ فرد من أفراد البشر حرّ، ويجب أن يكون حرًّا، ويجب أن يكون الجميع متساوين إزاء القانون. الجميع يجب أن يكونوا أحرارًا في بلدانهم، وأحرارًا في عملهم، وأحرارًا في مشيهم. هذا هو إعلان حقوق الإنسان المتضمّن لهذه المسألة. والمسلمون، بل جميع البشر، كانوا يعانون من هؤلاء الذين وقّعوا وصادقوا على إعلان حقوق الإنسان، وأميركا هي إحدى الدول التي صادقَت على هذا الإعلان الذي يضمن حقوق الإنسان. وأحد حقوق الإنسان هو الحرّيّة.
انظروا ماذا ارتكب هؤلاء الأميركيّون، الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان، من جرائم على هذا الإنسان في السنوات الأخيرة، وأنا أتذكّرها أكثر منكم؛ لكبر سنّي. ماذا حصل للإنسان من مشكلات على يد أميركا، وهي من الدول التي وقّعت على إعلان حقوق
129
109
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
الإنسان؟ لقد نصّبَت أميركا في كلٍّ من بلدان المسلمين، مأمورًا لها، سَلَبَ حرّيّة الموجودين في ذلك المكان.
هؤلاء ينادون بحرّيّة الإنسان؛ لتخدير الجماهير. غير أنّ الجماهير حاليًّا لا يمكن تخديرها، فالأمور التي يقومون بها -بما في ذلك إعلان حقوق الإنسان- يُقصَد منه استغفال الجماهير. تلك الأمور ليست حقيقة. وهم يكتبون شيئًا جميلًا مزخرفًا، يكتبون ثلاثين مادّة، كلّها لمصلحة الإنسان، ولا يعملون بواحدة منها! لا تُطَبَّق واحدة منها عمليًّا، هذا هو الاستغفال، وهذا هو الأفيون للجماهير وللشعب.
ونحن نرى هذا المعنى ينطبق على أميركا التي وقّعت إعلان حقوق الإنسان، وعلى إنجلترا التي يبالغون في وصف حضارتها، ويُغالون في وصف ديمقراطيّتها، وهذا إعلام كاذب، وشيطنة منهم ليس إلّا، فقد دفعوا الناس بالإعلام الخادع، إلى التصديق بأنّ إنجلترا تقف على هرم الديمقراطيّة، وأنّ الملكيّة الدستوريّة مطبّقة بمعناها الحقيقيّ في إنجلترا، وأوهموا الناس بقبول هذا المعنى بإعلامهم، ونحن رأينا الجرائم التي ارتكبتها إنجلترا في الهند وباكستان ومستعمراتها الأخرى، وما فعلَت أميركا بالمسلمين، وما تُقدِّمه من الدعم حاليًّا، لربيبتها إسرائيل، التي أقاموا لها كيانًا هناك. نرى أيّة جرائم ارتكبوا على المسلمين، والشيعة خاصَّة[1].
(81/2/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص296.
130
110
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
[كارتر] خدع الناس مدّة، فوعد أنّه إذا جاء إلى الحكم، سيقوم بكذا وكذا. قال بصراحة -والكذّاب ينسى- قال: «يجب عدم الحديث بحقوق الإنسان في المناطق التي نمتلك فيها قواعد عسكريّة»! هذا الأميركيّ الذي وقّع على هذا المعنى، يقول بصراحة: «يجب عدم التحدُّث بحقوق الإنسان في إيران؛ لأنّ لدينا قاعدة فيها»!
احترام حقوق الإنسان هو في الأماكن التي ليس فيها قواعد. هذا الأميركيّ يتحدّث بهذا القدر بحقوق الإنسان، ماذا فعل من الأفاعيل بحقّ الشعوب؟ في أميركا نفسها، وفي أميركا اللاتينيّة، وضع له عملاء، وتصرّف في لبنان بالشكل الذي ترونه الآن.
وذلك الرجل [الشاه] يذهب إلى هناك، ويصدّق كلامه، يصدّق أنّ المسألة تكمن في المصالحة مع إسرائيل، واعترف بإسرائيل قبل عشرين سنة. حينما كنّا في قمّ، اعترف رسميًّا بإسرائيل، مقابل جميع المسلمين، مقابل القرآن. يعترف رسميًّا بدولة الكفر، وأيّ كفر؟! كفر اليهود! في البداية، لم يذكروا الاسم بشكل صريح، ثمّ ذكروا ذلك بوضوح؛ فهذا الرجل خادمٌ منذ البداية، وبعد حين، أعلن حقيقته! ومنذ البداية، كانت المسألة هكذا، اعترف رسميًّا بإسرائيل، متحدّيًا القرآن والإسلام والحكومات الإسلاميّة والمسلمين. وذلك القزم الذي سأل بصراحة: «ماذا تعني قضيّة حقوق الإنسان؟»، كان صادقًا، فماذا تعني قضيّة حقوق الإنسان؟
131
111
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
فالمسألة ليست مسألة حقوق الإنسان، وإنّما منطق الأقوياء! منطق الأقوياء هو القوّة، البندقيّة، والرشاش، وضرب علماء الدين بالرشّاش؛ هذا هو منطق هؤلاء، منطقهم هو تخريب المدرسة الفيضيّة، الأخذ وعدم الإعطاء[1].
(81/2/8791م)
إغفال الشعوب
وإذا ما احترق العالَم بنار القوّتَين العُظمَيَين، فهو نتيجة الأهواء النفسيّة المهيمنة على هاتَين القوّتَين وأياديهما. وإذا ما احترقَت الدول الإسلاميّة بنيران هذه المفاسد، فالسبب أنّ المتصدّين للأمور تسيطر عليهم الأهواء النفسيّة، ولا يرون غير أنفسهم، ويريدون أن يكون الجميع في خدمتهم. وقد ذكر الرئيس الأميركيّ مؤخّرًا، موضوعًا لا أدري إن كنتم استمعتم إليه. إذ دعا إلى الإعلان عن أسبوع لمناصرة الشعوب الرازحة تحت الأسر، وطلب من هذه الشعوب، طلب منكم أن تعملوا على تحرير أنفسكم من الذين وضعوكم في الأسر. وقال الرئيس الأميركيّ: إنّني سأقف إلى جانبكم!
لا أدري لِمَنْ يقول الرئيس الأميركيّ ذلك؟ هل يخاطب الشعوب الرازحة تحت الهيمنة الأميركيّة؟ مَن الذي يحاول إغفاله؟ هل يحاول تضليل الشعب الأميركيّ؟ ولكنّ الأميركيّين يعلمون مسبقًا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص303.
132
112
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
ما الذي فعلَتْهُ حكومتُهم بالعالم. هل يريد أن يلفت الأنظار إلى المعسكر الشرقيّ الذي يستعبد الناس؟ الجميع يعلم أنّ كِلَيْهما يفعلان ذلك. هل يريد أن يقول لهذه الشعوب الواقعة تحت الأسر، بأنّ الحكومة الأميركيّة غير مسؤولة عن ذلك؟ ما الذي يريده مِن دعوته للإعلان عن أسبوع لمناصرة الشعوب الرازحة تحت الأسر؟ حيث دعا الشعب الأميركيّ إلى الاهتمام بذلك، وطالب شعوب العالم التي تنشد الحرّيّة، بالعمل على تحرير نفسها. إذا كان حقًّا يدعو إلى تحرير الشعوب، فمتى سيتمّ تحرير الشعوب الرازحة تحت الهيمنة الأميركيّة؟ وهل سيتمّ تحريرهم بدعمٍ من الحكومة الأميركيّة ومساندتها؟[1].
(11/6/3891م)
حقوق الإنسان والمجاعة
إلى متى نقبع في سباتنا؟ وإلى متى نبقى سذّجًا؟! لماذا أنتم بسطاء هكذا أيّها السادة؟ أخبِروا الناس حيثما كنتم في بلادكم، وفي شتّى أنحاء العالم، بما أنزلَتْهُ هذه القوى الكبرى بالناس وبالضعفاء. إنّ بلدًا مثل أثيوبيا، يعاني أهله من الفقر ويموتون جوعًا، ولكنّهم يبخلون عليهم بما لديهم من غلال، فيلقونها في البحر، أو يشترون بها أسلحة للفتك بالشعوب؛ هؤلاء هم المنادون بحقوق الإنسان!
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص399.
133
113
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
إنّهم يريدون القضاء علينا كافّة بهذه الصور من حبّ الإنسان! وإنّهم يبغون انتهاك حقوق الإنسان بمثل هذه المنظّمات التي تنادي بحقوق الإنسان[1].
(3/2/5891م)
حقوق الإنسان والتمييز العنصريّ
بالأمس، أو ما قبل الأمس، حيث كان يوم حقوق الإنسان، تحدّثوا بالكثير. إنّ أولئك الذين يقضون على الإنسان، يتحدّثون عن حقوق الإنسان! أولئك الذين يجعلون من التفرقة العنصريّة مبدأ أمرهم، لم يسلم منهم حتّى الجنس الأبيض، سوى جنس واحد فقط، هو جنسهم هم. هؤلاء هم الذين يتحدّثون عن وحدة الأجناس، وأنّه لا فرق بينها! هذا هو وضع العالم، حيث يبدو الظالم الذي يقضي على الناس، وكأنّه أشدّ رفقًا بالمظلوم![2].
(11/21/4891م)
تبرير الجرائم تحت شعار حقوق الإنسان
جاء في إحدى الصحف: ما إنْ أمر الشاه بتشكيل حكومة عسكريّة في إيران، حتّى أعلنَت أميركا دعمها. وبما أنّ ذلك يعارض تأييد أميركا لـِ«حقوق الإنسان»، فقد قال الناطق الرسميّ باسم البيت الأبيض -لتبرير ذلك-: إنّ الحكم العسكريّ هو مقدّمة للديمقراطيّة؛ لأنّه سيٌعيد الأمور إلى نصابها، ويوطّد النظام، ثمّ
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج19، ص140.
[2] المصدر نفسه، ج19، ص117.
134
114
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
تُبَدَّل هذه الحكومة بحكومة جيّدة بعد إعادة النظام!
إنّ مسألة «إعلان حقوق الإنسان» هي لتبرير هؤلاء أعمالَهم، وابتلاع الحكومات الضعيفة. فلا يُظَنّ أنّ القوى العظمى تحترم حقوق الإنسان! نحن وأنتم موجودون في إيران، ونشاهد أميركا وإنجلترا وروسيا وإيران، الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان، إلى أيّ درجة راعوا أوّليّات حقوق الإنسان في إيران![1].
(8/11/8791م)
ومع هذا الوضع في إيران، وما فيها من اضطراب، فإنّ كلّ ما تقوله الدول الكبرى من حبٍّ للإنسان، ومن مناداة بحقوق الإنسان، هو شعر. كلّ هذا الكلام الذي تقوله هذه الدول الكبرى، والجمعيّات التي أقاموها لحقوق الإنسان وللأمن وللأمور الأخرى، لا ترمي إلى مصلحة الإنسان، فلا منظّمات أمنهم تقود إلى أمن الإنسان، ولا منظّمات حقوق إنسانهم تقود إلى حفظ حقوق الإنسان. كلّ ذلك من أجل أن ينهبوا هذه الشعوب الضعيفة. كلّ هذه المساعي التي ترونها في كلٍّ من هذه القوى الكبرى، هي صوتٌ واحد، ونظامٌ واحد، نظامٌ يبتلعون به بلدان الشرق الضعيفة[2].
(21/01/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص282.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص433.
135
115
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
انتهاك الحقوق بحجّة حقوق الإنسان
إنّ أصل هذه الجمعيّات التي أُسِّسَت في أميركا أو في أمكنة أخرى، تحت عنوان جمعيّة حقوق الإنسان، جمعية كذا وكذا، وُجِدَت أساسًا لتضييع حقوق الإنسان![1].
(51/5/9791م)
إنّ الأمر يقتضي دعوة التنظيمات المختلفة، من شتّى بقاع العالم، للوقوف على جرائم أميركا في هجومها العسكريّ على إيران[2]، وذلك حتّى يشاهدوا ما فعلته أميركا المتوحّشة -وما زالت- بشعبٍ مستقلٍّ، متحجِّجةً بادّعاءاتها في مساندة حقوق الإنسان، ومناصرة السلام، وحبّ الإنسان، وحتّى يروا ما خلّفته جرائم هذا النظام الوحشيّ الذي تسانده -وللأسف- الحكومات الغربيّة وجمعيّات حقوق الإنسان ومنظّمة الأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدوليّ. وهذا ما قلتُه مرارًا، من أنّ هذه المنظّمات والمؤسّسات كافّة، قد شُكِّلَت للدفاع عن المستكبرين، ومنحهم فرصة التسلُّط على المستضعَفين، ومصّ دماء المحرومين في العالم، ولكي ينظروا في ما فعلوه لشعبنا المظلوم بذريعة إنقاذ الجواسيس[3]، وحتّى يشاهدوا ويصدّقوا أنّ تلك المؤسّسات قد تجاهلَت حقوق المستضعفين لصالح المستكبِرين وأصحاب رؤوس المال الدوليّين، وأنّها لم تفعل شيئًا سوى تحقيق تسلُّط هؤلاء.
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص309.
[2] المقصود بالهجوم هو الإيعاز للنظام العراقيّ عام 1980 بالهجوم على إيران.
[3] الرهائن المحتجزون في السفارة الأميركيّة في طهران عام 1979.
136
116
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
إنّ النظام العراقيّ الغاصب ما زال يمارس اعتداءاته على إيران منذ مدّة طويلة، ولكنّنا لم نرَ هذه المنظّمات قد اعترضَت عليه، ولو لمرّة واحدة، غير أنّهم يرفعون أصواتهم كلّ يوم، مستكبِرين، على أنّ حقوق الإنسان قد انتُهِكَت، من أجل خمسين جاسوسًا يُعامَلون معاملة إنسانيّة تامّة! إنّنا لم نجد أنّ المنادين بحقوق الإنسان يدافعون عن حقّ حكومتنا المستضعَفة وشعبنا المظلوم[1].
(62/4/0891م)
إنّ المنظّمات الدوليّة ومنظّمات حقوق الإنسان، التي هي صنائع أميركا والقوى العظمى، تتجاهل جميع هذه الجرائم التي حلَّت بالبشريّة... وإنّ اصطلاح المنظّمات الدوليّة ما جِيءَ به أساسًا، إلّا لخدمة القوى العظمى، وليس لخدمة المظلومين والمحرومين الذين يتعيَّن عليهم أن يقفوا بأنفسهم في مواجهة الجرائم[2].
(11/8/3891م)
تسييس حقوق الإنسان
إذا كانت الشعوب جالسة تنتظر من الحكومات أن تمنع إسرائيل، وتمنع القوى الأخرى التي تريد إذلالها ونهب الثروات، فإنّ هذا تَوَقُّعٌ في غير محلّه. انظروا كيف سبَّبوا الخلافات بين العرب أنفسهم بهذه المشاريع، كما يريدون إيجاد الخلاف داخل
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص358.
[2] المصدر نفسه، ج18، ص48.
137
117
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
حكومتنا الإسلاميّة ببعض الدعايات القائلة بشراء الأسلحة من إسرائيل، ونسبة الإرهاب إليها، ونسبة ما يجري في البحرين إليها. إنّ هذه تخطيطات ضدّ المسلمين، ويفتحون طريق الخلافات كلّ يوم، ويزيدون من هوّة الخلافات بين الحكومات، وبدؤوا بعملهم للحصول على النتائج التي يريدونها.
إنّ قضيّة انضمام مرتفعات الجولان[1] إلى أراضي إسرائيل الغاصبة، هي بداية الطريق. وإنّ إسرائيل لن تعبأ بالمنظّمات الدوليّة العميلة لأميركا، وذلك بدعمٍ أميركيّ. فلتعارض هذه المنظّمات ما شاءت، فإنّ إسرائيل تقوم بأعمالها! على المسلمين ألّا يتقاعسوا عن العمل؛ لكي تعمل الحكومات لهم شيئًا، أو تنقذ الإسلام من الصهيونيّة. يجب ألّا يجلسوا على أمل قيام المنظّمات الدوليّة بعمل لهم. على الشعوب أن تثور ضدّ إسرائيل. عليها أن تثور وتجبر حكوماتها على الوقوف في وجه إسرائيل، وألّا تكتفي بشجبها وإدانتها. حتّى أولئك الذين تربطهم علاقات الأخوّة بإسرائيل، يقومون بإدانتها، ولكنّها إدانة تبدو جادّة، إلّا أنّها في الواقع نوعٌ من المزاح. إذا كان المسلمون جالسين ينتظرون مساعدة أميركا أو عملائها لهم، فإنّ هذه القافلة لن تبلغ غايتها إلى الأبد.[2]
(71/21/1891م)
[1] الجولان: هضبة واسعة المساحة، احتلّها الكيان الصهيونيّ من سوريا عام 1967، وضمّها رسميًّا إلى الأراضي المغتصبة في أوائل الثمانينات.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج15، ص378.
138
118
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
تغيُّر مفهوم حقوق الإنسان الدائم
لقد رأينا كيف أنّ الرئيس الأميركيّ كان يتعاطف مع ذلك الشاه السابق الظالم البائس ويسانده. لقد كان يدعم سفّاحًا أضاع كلّ ما لدينا هباءً منثورًا، فلم يُنكِر مدّعو حقوق الإنسان ذلك على الرئيس الأميركيّ، ولكن حين وقع هؤلاء السفّاحون في قبضة الشعب، وأراد الشعب الثأر منهم، تعالَت صرخة أولئك، قائلين: وا إنساناه! إنّني لا أستطيع أن أعرف سوى أنّ هؤلاء هم صنائع سفّاكي الدماء. إنّهم صنائع القوى الكبرى، لا أنّهم يعملون من أجل حقوق الإنسان. لقد كنتُ أتوقّع أن تستنكر جمعيّات حقوق الإنسان الإبقاء عليهم، هذا إذا كانوا صادقين حقًّا في الدفاع عن حقوق الإنسان. لقد كان ينبغي أن يُقتَل هؤلاء السفّاحون منذ اليوم الأوّل، ولم يكن لنا أن نبقي عليهم[1].
(1/4/9791م)
إنّ العالم اليوم يعاني من الناهبين الدوليّين، والسرّاق الذين يحرقون البلدان وينهبون ثرواتها، مثلما يعاني من عبيدهم وعملائهم الذين يضحّون بمصالح شعوبهم وبلدانهم من أجل مصالح الدول العظمى. كما أنّه يعاني من المنظّمات الدوليّة العميلة للقوى الكبرى، ولا سيّما أميركا، حيث تعمل تحت مسمّيات فارغة -كمجلس الأمن، ومنظّمة العفو الدوليّة، ومنظّمة حقوق الإنسان،
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص458-459.
139
119
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
إلى غير ذلك من العناوين الرنّانة- على خدمة القوى الكبرى، وهي في الحقيقة تمارس دور المنفِّذ لمواقف هؤلاء وأهدافهم، ومكلَّفة بإدانة المستضعَفين والمظلومين في العالم، لصالح القوى الكبرى ناهبة العالم[1].
(01/2/3891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص244.
140
120
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
النظام الإسلاميّ والعلاقات مع أميركا
1- الرغبة في قطع العلاقات والمصالحة
فخامة البابا يوحنّا بولس الثاني، تلقَّيْتُ رسالتكم حول القلق من الأزمة بين إيران الإسلاميّة والولايات المتّحدة الأميركيّة.
أُثَمِّن حُسنَ نواياكم. وألفتُ انتباهَكم إلى أنّ شعبنا المجاهد النبيل تفاءل خيرًا بقطع العلاقة، وأقام له احتفالًا عظيمًا، واستقبله بالزينة والفرح.
أشكركم لدعائكم الله -تعالى- لشعبنا المجاهد، وأذكّر بأن لا تقلقوا من دوافع الأزمات الأخرى والمشكلات الخطيرة الأكبر التي أشرتم إليها، فالشعب الإيرانيّ المسلم يرحّب بالمشكلات الناجمة عن قطع العلاقات هذه، ولا يخشى الأخطار الأكبر المذكورة. فاليوم الخطير لشعبنا، هو يوم إعادة علاقات شبيهة بعلاقات النظام الخائن السابق، وهي لن تعود، بعون الله -تعالى-[1].
(31/4/0891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص201.
143
121
الفصل الرابع: أميركا وحقوق الإنسان
2- الإدارة الأميركيّة خالية من الشرف الإنسانيّ
إذا استطاع الأجانب أن يفهموا الأمور ويدركوها، فسوف يوافقوننا، مثلما فعلَت الشعوب حينما فهمَتنا وتتفهّمنا. الحكومات أيضًا إذا أدركت ما نقوله، ستوافقنا. إذا كان المراد بالعلاقات تلك العلاقات التي كانت لحدّ الآن بين إيران وأميركا، في زمن الشاه السابق بين إيران وأميركا، فهذه لم تكن علاقات. كان هنالك سيّدٌ يعمل بخادمه كلّ ما يريد. إنّنا إذا أردنا تكريس الإسلام، فيجب أن لا نكون خدمًا؛ وإذا لم نكن خدمًا، قُطِعت علاقاتُها معنا. نحن نتمنّى من الله أن تُقطَع العلاقة. إنّنا لن نقبل الذلّة من أجل أن تكون لنا علاقة بقوّة عظمى! ليس في العلاقة مع أميركا شرف! ليس للحكومة الأميركيّة الآن، شرفٌ إنسانيٌّ -مع الأسف- حتّى نريد أن تكون لنا علاقة لشرفها الإنسانيّ![1] .
(61/21/9791م)
3- وقف عمليّات سلب خيرات البلاد
أيّها الشعب الإيرانيّ النبيل، تلقّيتُ خبر قطع العلاقة بين إيران وأميركا، وإذا كان كارتر طيلة عمره قد فعل شيئًا واحدًا فقط يمكن أن يُوصَف بأنّه كان لخير المظلوم وصلاحه، فهو قَطْعُ العلاقة هذا. إنّ العلاقة بين شعبٍ ثار للتحرُّر من قبضة الناهبين الدوليّين، وبين
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص248.
144
122
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
أحد الناهبين المفترِسين، هي دائمًا في ضرر الشعب المظلوم، ولصالح الناهب. إنّنا نتفاءل خيرًا بقطع العلاقات؛ لأنّه دليلٌ على انقطاع أمل أميركا من إيران. لو أنّ الشعب الإيرانيّ البطل احتفل بطليعة هذا النصر النهائيّ، حيث أَرغَمَ قوّةً كبرى سفّاحة على قطع العلاقة -أي إنهاء النهب- لكان مُحِقًّا في ذلك. نحن نأمل أن يتمّ القضاء على عملاء مثل السادات وصدّام حسين بسرعة، وأن تُنزِل الشعوب الإسلاميّة النبيلة بهذه الطفيليّات الخائنة، ما أنزله شعبُنا بمحمّد رضا الخائن، وأن يقطعوا بعد ذلك العلاقات مع القوى الكبرى، وخصوصًا أميركا، من أجل العيش بحرّيّة، وتحقيق الاستقلال التامّ. لقد ذكرتُ مرارًا أنّ علاقتنا مع أمثال أميركا، علاقة شعب مظلوم مع ناهبي العالَم ومفترِسيه[1].
(7/4/0891م)
إذا دار الأمر بين أن نعود إلى الوضع السابق للبشريّة، حيث نتنقّل بالحمير هنا وهناك، مقابل أن نحفظ حرّيّتنا، أو نكون عبيدًا للسيّد كارتر وأمثاله من القوى العظمى، مقابل أن يكون لنا كذا وكذا من الرفاه، فإنّنا نفضّل تلك الحالة. إنّ شعبنا يفضّلها الآن. شعبنا يرجّح الشهادة الآن، ويقول: إنّنا نريد الاستشهاد. منذ بداية النهضة تقريبًا -كنتُ حينها في النجف- وإلى الآن، يأتي النساء والرجال والشباب، ويطلبون منّي أن أدعو لهم بالشهادة، وأنا أدعو
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص198.
145
123
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
لهم أن ينالوا ثواب الشهداء. في مجلسِ عقدِ قرانٍ أُقِيمَ قبل مدّة في طهران، المرأة والرجل اللذان تزوّجا، أعطتني المرأة ورقة، قرأتُها، فوجدتُ أنّها تطلب منّي أن أدعو لها بالشهادة. المرأة التي تزوّجَت توًّا، تقول: اُدعُ لي أن أنال الشهادة! الشعب الذي يطلب الشهادة، ويدعو أن ينال الشهادة، هل يخاف من التدخُّل العسكريّ؟ هل يخشى الحظر الاقتصاديّ؟ حتّى لو أَغلَق العالمُ كلّه أبوابه بوجهنا، ونكون نحن، هذه المجموعة، الثلاثون والنيّف من الملايين الذين يعيشون في إيران، حتّى لو شيّدوا سورًا حول إيران، وحبسونا داخل إيران، فإنّنا نفضّل هذا على أن تكون الأبواب مفتوحة، ويهجم الناهبون على وطننا. ماذا عسانا أن نفعل بهذه الحضارة الأسوأ من الوحشيّة؟ هذه الحضارة التي تَفْضُلها حيوانات الصحراء سلوكًا! ما الذي نرجوه من هذه الحضارة؟ بوّابة الحضارة التي كان الشاه المخلوع يريد فتحها في وجوهنا؛ أي يسلّط القوى علينا لتنهب كلّ ممتلكاتنا، ويبعث لنا بضع دُمى، يأخذون نفطنا، ويقيمون لأنفسهم قواعد على أرضنا، ما الذي نريد أن نفعله بهذه الحضارة الكبرى؟ هل هذه حضارة؟! هذا الأب والابن، وخاصّة هذا الابن، أرجع بلادنا إلى الوراء، وأذهب كلّ ما نملكه أدراج الرياح، بحيث لو تعاضد الشعب كلّه الآن -وقد تعاضد فعلًا، والحمد لله- وأراد إصلاح ما جرى علينا طيلة هذه الخمسين عامًا تقريبًا، وما جرى على بلادنا مِن قِبَل أميركا منذ أكثر من عشرين عامًا، لتطلَّب ذلك
146
124
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
سنوات طويلة، حتّى نستطيع إصلاح الأمور. ما عسانا أن نفعل بالعلاقات مع الذين يريدون نَهْبَنَا؟ هل علاقتنا معهم إلّا علاقة الناهب بالمنهوب؟ لماذا نحرص على هذه العلاقة؟ ليُغلقوا كلَّ الأبواب، ويحاصرونا اقتصاديًّا. إنّنا ها هنا بلد واسع، لدينا مياهنا، وسيُنزِل اللهُ المطرَ علينا، نزرع بأنفسنا ونأكل، ولا نحتاج لهذه الأمور إطلاقًا. لا يخيفون الشعب الذي يرغب في الموت ليحفظ استقلاله. هذا الاستقلال الذي حصلنا عليه، وهذه الحرّيّة التي حصلنا عليها، هديّةٌ سماويّة، هديّةٌ إلهيّة مُنحناها، ونحن مكلَّفون بالحفاظ عليها. إن لم نحافظ عليها، فمعنى ذلك أنّنا لم نُثَمِّن نعمة الله، ونكون قد كفرنا بنعمة الله[1].
(3/6/0891م)
4- سلبيّات المصالحة
إنَّ العالم يواجِه اليوم مثل هذا الشعب الشجاع، الذي وقف مقابل المؤامرات كلّها، وسار نحو الأمام، وقام بواجباته على أحسن وجه. لو رأيتم طائرةً تُختَطَف هنا، فإنّ هذا الأمر يحدث في أميركا ومختلف أنحاء العالم كثيرًا. إنَّ اختطاف طائرة ليس أمرًا صعبًا، إذ يقوم شخص بيده سكّين، وأحيانًا بدونها، ثمّ يصرخ ويزعق، فيستجيب له الطيّار حفاظًا على أرواح المسافرين، ظنًّا منه أنّه صادق في تهديده. الدنيا اليوم دنيا الهرج والحرب والتفجيرات
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص308-309.
147
125
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
واختطاف الطائرات، وإيران أكثر استقرارًا وثباتًا من أيّ بلد في العالَم. من الممكن أنّ بعضهم لا يرون هذه الأشياء، ويقولون في أنفسهم: حسنًا، يجب أن نتعايش مع القوى العظمى. على هؤلاء أن يعلموا أنّ المساومة اليوم تعني الانهيار والتلاشي إلى الأبد... و دَفْنَ الإسلام إلى الأبد. يجب أن يقف الناس بقدم ثابتة وعزم راسخ أكيد، للدفاع عن الإسلام والوطن، وأن لا يخشوا المؤامرات. فلو تراجعنا قليلًا، لوجب علينا أن ننفض أيدينا من الإسلام، لكنَّ واجبنا عكس هذا.
الشعب ثار، وعليه حماية ثورته. عليهم أن يأخذوا بنظر الاعتبار الأنبياء والنبيّ الأكرمP وإبراهيم R، ويتأسّوا بهم، ويمنعوا النظر في المعارضات التي واجهوها، وليجدوا أنّهم لم يتخلّوا عن أهدافهم. فإنْ كنّا نحن المسلمين نسير على خطاهم، ونقتفي آثارهم، ليس فقط بإقامة الصلاة والعكوف في المساجد، بل بالجهاد والنضال من أجل حفظ أساس الإسلام، فعلينا الثبات إلى الأبد، والتقدُّم نحو الأمام[1].
(8/9/4891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج19، ص51.
148
126
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
5- إيجابيّات العزلة وقطع العلاقات
ليعلم هؤلاء السادة، بأنّنا نرحّب، وبصدر مفتوح، بأيّ نوع من أنواع العزلة التي يتخيّلونها؛ فلو لم تكن هناك عزلة، لن تتحرّك العقول وتبدع. فالدماغ الأميركيّ ليس أكبر من أدمغتكم، والعقل الأميركيّ ليس أكثر ذكاءً من عقولكم، ولكن هؤلاء استطاعوا أن يجعلوكم تعيشون التبعيّة لهم؛ ليقتلوا فيكم كلّ طموح، وليجمّدوا عقولكم وأدمغتكم من أن تفكّر وتبدع، وليقيّدوا أيديكم من أن تعمل وتصنع. فلو كانت أدمغتنا تعمل، ما كان وضع بلادنا هذا الوضع، ولكنّهم لم يسمحوا لها بأن تعمل، فقد جلبوا لنا، وأعدّوا لنا كلَّ ما نحتاجه، حتّى ثرواتنا المعدنيّة، استخرجوها لنا وأعطونا ثمنها! فقد أعطونا كلَّ شيء؛ لئلّا نجد في أنفسنا الحاجة لنفكّر في صناعة شيء، أو إقامة صناعة ما. فإذا لم تقطعوا علاقاتكم مع الدنيا بأسرها -تلك العلاقات التي تَحُولُ بينكم وبين العزلة الحقيقيّة- لن تستطيعوا أن تكونوا من أهل الصناعة، أو يكون بلدكم بلدًا صناعيًّا، أو تعيشوا الاستقلال والحرّيّة بمعناها الحقيقيّ، فهذه العزلة هي من نعم الله الكبيرة علينا[1].
(2/11/0891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص245-246.
149
127
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
شروط إقامة العلاقات بين النظام الإسلاميّ وأميركا
1- مرحل بدء الثورة
أ- ترك الدعم للنظام البهلويّ الفاسد
ولو أصرَّت الحكومات التي تدعم محمّد رضا خان حاليًّا، على مواصلة دعمها له، فإنّ جميع ما وقَّعَتْهُ معه سيُلغَى، حتّى لو كان مفيدًا للشعب، فعليها أن تعيد النظر في [مواقفها] بهذا الصدد. ولن يخضع الشعب الإيرانيّ لمحاولات القمع بالقوّة هذه.
بلى، من الممكن أن يُطلِقوا الأوباش -كما يحصل الآن فعلًا- أو الغجر أو العسكريّين الذين يتنكّرون بملابس مدنيّة، ليهاجموا الأهالي.
أمّا احتمال أن ترسل الحكومة السوفياتيّة والأميركيّة قوّاتهما لمهاجمة البلد، فهو احتمالٌ شعريٌّ لا يمكن وقوعه، وفق المعايير القائمة في عالَم اليوم، وهو يختلف عن عالم الأمس. فلا يمكن لأيّ طرف أن يفعل كلّ ما يريد من أعمال القمع بالقوّة؛ لأنّ القيام بذلك يجب أن يتمّ طبق تلك المعايير، وهذا الشعب يقف راسخًا، بكلّ فئاته، هاتِفًا: نريد الاستقلال! أي أن لا تتدخَّل أميركا في شؤون بلادنا، ولا يتدخَّل فيها الاتّحاد السوفياتيّ، ولا إنجلترا، بل نريد أن تكون بلادنا لنا.
150
128
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
نحن نعلن الآن: إذا أصرَّت هذه الدولة على موقفها المتعنِّت الداعم لمحمّد رضا خان، فإنّ الشعب الإيرانيّ سيأمر الحكومة المرتقبة، حينما يتمّ تشكيلها، بإلغاء الاتّفاقات التي وقَّعَتْها [مع إيران]، حتّى لو كانت لمصلحتنا، فنحن لا نريدها.
وإذا لجَّت أميركا في إصرارها على هذا الدعم، فلن تُعقَد معها مستقبلًا أيّة اتّفاقيّة، فعليها أن تضمن موقعها وتحدّده منذ الآن، وعلى جميع رؤساء هذه الجمهوريّات والحكومات أن يُصلّحوا من الآن حساباتهم ومواقفهم من إيران.
والمعيار في هذا المجال، هو الكفّ عن دعم هذا الرجل وأسرته، الذين قمعوا الشعب طوال خمسين عامًا، وارتكبوا هذه المجازر البشعة كلّها على أبنائه، في الأعوام الأخيرة، والعام الماضي خاصّة.
لقد قَتَلَ الأعداد الكبيرة في واقعة «15 خرداد»، فهو عدوٌّ للشعب، والشعب عدوٌّ له. وإذا واصلَت تلك الأطراف دَعمَها له، وأصرَّت عليه، فإنّ الشعب الإيرانيّ سيُلغي جميع الاتّفاقات المعقودة معها، ولن يعقد أيّة اتّفاقيّة معها بعد، فلا نفط نعطيهم[1].
(61/11/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص385-386.
151
129
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
ب- وقف التدخُّل في الشؤون الداخليّة
قلنا دائمًا: إنّ أوّل شرطٍ لحلِّ الأزمة الحاليّة في إيران، هو تنحية الشاه، والآخر هو أنّه يجب على أميركا والدول الأجنبيّة كافّة، الامتناع عن التدخُّل في شؤوننا الخاصّة.
وقلنا مرارًا: إنّه لا وجود لأيّ حلّ، مع وجود الشاه[1].
(5/21/8791م)
إنّ العلاقات ستكون حسنة، ما دامت علاقاتهم معنا حسنة؛ فلو كفَّت الإدارة الأميركيّة عن دعم الشاه والتدخُّل في شؤون بلادنا، وتركَتْنا في حالنا، فسوف تكون لنا معها علاقات حسنة[2].
(01/1/9791م)
2- شروط ما بعد الثورة
أ- تسليم الشاه والتوقُّف عن التجسُّس
في حال قيام أميركا بتسليم الشاه المخلوع -العدوّ الأوّل لشعبنا العزيز- إلى إيران، وتخلَّت عن التجسُّس والتآمر ضدّ ثورتنا، فإنّ باب التفاوض حول موضوع بعض العلاقات لصالح الشعب، يبقى مفتوحًا[3].
(7/11/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص118.
[2] المصدر نفسه، ج4، ص197.
[3] المصدر نفسه، ج10، ص369.
152
130
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
ب- تنحية الحكّام أو إصلاحهم
إنّ تلك السلطات التي تأخذ برقاب الشعوب، إذا ما تنَحَّت بعيدًا، أو إذا ما صلحت، فإنّ التفاهم سيتيسّر بين الشعوب. وما دامت باقية، فإنّه ليس من المعلوم أن يتحقّق هذا التفاهم[1].
ج- مبدأ الاحترام المتبادل
علاقتُنا مع المجتمع الغربيّ ينبغي أن تكون متكافِئة؛ فلا نرضخ لظلمهم، ولا نظلمهم. سنتعامل معهم باحترامٍ متبادَل، وإذا حرصوا على مبدأ الاحترام المتبادَل، وتخلّوا عن فرْضِ أنفسهم علينا، وأعادوا النظر في الإساءة إلينا وإلى الشرق عمومًا، فإنّنا سنُعاملهم باحترام، ونقيم معهم علاقات حسنة، وتعاونًا في مختلف المجالات، بالصورة التي تقتضيها مصالحنا، وليس حسبما يرغبون هم فيه، ويريدون فرضه علينا[2].
(11/01/8791م)
مع الانتفاضة الثوريّة لأبناء الشعب، سيرحل الشاه، وستُقامُ الحكومة الديمقراطيّة والجمهوريّة الإسلاميّة. وفي هذه الجمهوريّة، سيتولّى مجلس وطنيّ مؤلَّف من منتخبي الشعب
[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، الكوثر، مجموعة من خطابات الإمام الخمينيّ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ (قدس سره)، إيران-طهران، 1996م، ط1، ج5، ص205.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص430.
153
131
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
الحقيقيّين، إدارةَ البلد، وسوف يتمّ مراعاة حقوق الشعب -ولا سيّما الأقلّيّات الدينيّة- واحترامها، وسيتمّ العمل بسياسة الاحترام المتبادل حيال الدول الاخرى؛ لا نظلم أحدًا، ولا نرضخ للظلم. إنّ البلد يعاني من الانهيار في الوقت الحاضر، وقد تَمَّ تدمير كلّ شيء. ومع قيام الجمهوريّة الإسلاميّة، سيبدأ البناء الحقيقيّ والواقعيّ للبلد[1].
(13/01/8791م)
إنّ علاقاتنا مع الدول الأخرى ستكون على أساس مبدأ الاحترام المتبادَل. وفي هذا الصدد، لا نرضخ للظلم، ولا نظلم أحدًا. وفيما يتعلّق بالمعاهدات والاتّفاقيّات، فإنّنا سنعمل وفقًا لمصالح شعبنا السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة[2].
(11/01/8791م)
سياسة الحكومة الإسلاميّة تتلخّص في الحفاظ على استقلال الشعب والحكومة والبلد، وحرّيّتهم، والاحترام المتبادَل بعد تحقيق الاستقلال الكامل. ولا فرق في هذا المجال، بين الدول الكبرى وغيرها[3].
(8/11/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص159.
[2] المصدر نفسه، ج4، ص162.
[3] المصدر نفسه، ج4، ص290.
154
132
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
إنّ الخطر الذي يتهدّد المنطقة، نابعٌ من عدم أهليّة الشاه، وفساد جهازه والنظام الحاكم. نحن نعرف أنّ الدول الصناعيّة بحاجة إلى النفط وأشياء أخرى، لكنّنا نستند إلى الشعب. وإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تستند إلى الشعب الذي يجب أن يكون حرًّا ومستقلًّا وغير تابع لأحد. نحن سوف نعمل على توفير احتياجات هؤلاء في الوقت المناسب، وفقًا لمصالحنا، وبما يحقّق الاحترام المتبادَل بيننا وبين الدول المذكورة، إن شاء الله. وسوف نبيع النفط إلى الزبائن، مع مراعاة مصالحنا والحفاظ عليها. ولو كان ثمّة خطر، فإنّه من جانبهم، حيث يريدون التعامل معنا بصورة ظالمة، وليس من جانبنا، إذ نتطلَّع لتعاملٍ عادل واحترامٍ متبادَل. إنّ الدعم الأميركيّ العنيد للشاه، مِن الممكن أن يؤدّي إلى انفجار كبير، تصحبه مشاكل سياسيّة واجتماعيّة وماليّة. على أميركا أن تكفّ عن عنادها[1].
(41/11/8791م)
3- نزع ثوب الاستكبار
إذا نزل السيّد كارتر عن عرشه، وجاء وجلس على الأرض، وتفاهم معنا نحن الجالسين على الأرض، فإنّنا نتفاهم معه، باستثناء تلك المظالم التي مارسها علينا، والتي يجب عليه جبرانها. أمّا مع الشعب الأميركيّ، فليس لدينا أيّ اختلاف. ليس هنالك أيّ
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص361.
155
133
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
اختلاف بين الشعوب. لتتفاهم معنا الحكومة اللاحقة. لا يكون الحال أنّني أجلس في القصر الأبيض، وأنتم تجلسون في الأكواخ، فيكون سكّان القصور وسكّان الأكواخ أسيادًا ورعايا. إذا ألغوا هذه الكلمة، وأدركونا كما نحن، وتفهّمونا، فلماذا لا تكون لنا علاقات معهم؟ ستكون لنا علاقة حتّى مع الحكومة الأميركيّة، ومع كلّ مكان. أمّا إذا كان الوضع هكذا، فلماذا نبادر إلى أن نكون خدمًا؟! نبادر إلى أن نكون خدمًا، ونقدّم كلّ ما لدينا؟! في السابق، حينما كانوا يستخدمون خادمًا، كانوا يعطونه أجرًا، وهؤلاء يستخدمون الخادم، ويسلبونه كلّ شيء، فلماذا نريد أن تكون لنا علاقات معهم؟ لا نحتاج إطلاقًا لمثل هذه العلاقات[1].
(61/21/9791م)
4- الشروط الداخليّة
الاستقلال التامّ
لقد قلتُ مرارًا، وأعلن الآن أيضًا: على إيران أن تواصل كفاحها القاطع ضدّ هذا السفّاح القاسي، إلى حين قطع كلّ أنواع التبعيّة السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والثقافيّة لأميركا. وبعد ذلك، إذا وافق شعبنا الواعي النبيل، نقيم علاقاتنا مع أميركا، على غرار العلاقة مع سائر البلدان. قلت مرارًا، وأقولها في هذا اليوم العظيم:
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص249.
156
134
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
إنّ الكفاح الحاسم لشعبنا ضدّ المستكبرين، سيستمرّ حتّى إنهاء جميع ألوان التبعيّة لجميع القوى العظمى في الشرق والغرب[1].
(01/2/0891م)
مواقف الإمام من إقامة العلاقات مع أميركا
1- استمرار النضال ضدّ التدخُّلات الأميركيّة
أميركا هي التي صنعَت انقلاب عام 1953م[2] وعودة الشاه، وحرصَت على إبقائه في الحكم، ولم تغيّر سياستها. وما دام الوضع مستمرًّا على هذا المنوال، فإنّ مواقفي وقناعاتي إزاء أميركا باقية كما هي، لم تتغيّر[3].
(32/4/8791م)
2- قطع العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة مع حماة النظام البهلويّ
وعلى البرلمان الأميركيّ أن يحاسب كارتر، ويستجوبه بشأن مسوّغ دعمه لحكومة تفتقد القاعدة الشعبيّة، ولا يؤيّدها أحدٌ في إيران. عليه أن يستجوب حكومة كارتر، وكارتر شخصيًّا، ويقول له: إنّك تعمل على خلاف المصلحة الوطنيّة الأميركيّة؛ لأنّ دعمك للملك
[1] المصدر نفسه، ج12، ص125-126.
[2] في العام 1953، قامت أميركا بانقلاب أبيض، أطاحت فيه بحكومة رئيس الوزراء محمّد مصدّق، الذي أمَّمَتْ حكومتُه النفط، وقطعَت يد بريطانيا عن نفط إيران. وأعادت أميركا في هذا الانقلاب، محمّد رضا بهلويّ إلى السلطة، بعد أن فرَّ إلى الخارج طوال مدّة حكومة مصدّق.
[3] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص326.
157
135
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
المتسلِّط على إيران، خلافًا لدستورها، بعدما أسقطه الاستفتاء العامّ الذي شهدته أمس واليوم، إذا لم يكن ساقطًا من قبل هذا الدعم، يضرّ بالمصالح الأميركيّة؛ لأنّه سيؤدّي إلى قطع النفط [الإيرانيّ] عن أميركا، ما دمتَ أنتَ وإدارتك في الحكم، والأمر نفسه يصدق على سائر الدول الأخرى -لا فرق في ذلك بين أميركا أو إنجلترا أو الاتّحاد السوفياتيّ وغيرها- مِن التي ترغب في ابتياع النفط الإيرانيّ. فلن نقَدّم النفط -حتى كصفقات بيع عادلة- لهذه الدول، ما دامت الحكومات التي تدعم الملك اليوم، باقيةً في حكم بلدانها.
أجل، نحن لا نعادي الشعوب، وسنقدّم لها النفط، إذا ضغطت على حكومتها في البرلمان، وأجبرتها على قطع دعمها للملك، وإعلان عدم تأييدها له. أمّا إذا لم تقم الحكومات بذلك، فلن نقدمّ النفط للشعوب أيضًا، ما دامت تلك الحكومات باقية في سدّة الحكم. وفي ضوء ذلك، تعرف برلماناتُها واجبَها تجاه حكوماتها.
هذا نداءٌ للأجانب ولزعماء حكوماتهم، لكي يفتحوا أعينهم، ويسيروا في الطريق الصحيح! فعليهم أن يدعموا هذا الشعب الناهض، المطالِب بحقوقه في الحرّيّة وتقرير مصيره بنفسه، وهو يعلن رَفْضَه للملك. أمّا إذا أحجموا عن تأييده، ودعموا الملك، فلا نصيب لبلدانهم في النفط [الإيرانيّ]، ما داموا في حكمها[1].
(61/21/8791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج5، ص145-146.
158
136
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
3- رفع الحصانة الدبلوماسيّة والاستيلاء على أوكار التجسُّس
إنّ المركز الذي اقتحمه شبابنا واستولوا عليه، تبيَّن -كما أطلعونا- أنّه وكرٌ للتجسُّس والتآمر. أتتوقَّع أميركا أن تعطي الشاه لجوءًا لديها، ليحيك المؤامرات من هناك، وأن تُوجِدَ مقرًّا للتجسُّس والتآمر على أرضنا، وأن يقف شبابُنا يتفرّج عليها؟! ومرّة أخرى، تنشط جذور الفساد، وتطلب منّا أن نأمر الشباب بإخلاء السفارة التي احتلّوها. هؤلاء الشباب، إنّما فعلوا ذلك تعبيرًا عن انزعاجهم وغضبهم من تصرّفات أميركا وتدخّلها السافر في قضايا إيران، شعبٌ عانى على مدى خمسين سنة، من وطأة الظلم والاضطهاد والاستبداد على يد هذا الخبيث وأبيه، وقد نهبا ثروات البلاد، وقدّما ذخائرها رخيصةً لأسيادهم من الإنجليز والأميركيّين، وأفظع من ذلك، قتلهم آلاف الناس الأبرياء ظلمًا وعدوانًا، وارتكابهم المجازر[1].
(4/11/9791م)
في حال قيام أميركا بتسليم الشاه المخلوع -العدوّ الأوّل لشعبنا العزيز- إلى إيران، وتخلَّت عن التجسُّس والتآمر ضدّ ثورتنا، فإنّ باب التفاوض حول موضوع بعض العلاقات لصالح الشعب، يبقى مفتوحًا[2].
(6/11/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج10، ص360.
[2] المصدر نفسه، ج10، ص368.
159
137
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
4- مواجهة التهديدات العسكريّة
أ- التحلّي بالقوّة والشجاعة وحبّ الشهادة
لقد انتصرنا نحن بقوّة الإيمان هذه، حيث كان نداءُ جميع فئات شعبنا نداءَ الإسلام، ولم ننتصر بالعدد والعدَّة، إذ لم نكن نملك شيئًا، فيما كانوا يملكون كلّ شيء. لكنّنا كنّا مسلَّحين بسلاح الإيمان، وكان شعبُنا يتمنّى الشهادة، مثل أصحاب رسول الله في صدر الإسلام. فكما أنّهم قد غَلبوا إمبراطوريّات عظيمة بعِدَّةٍ قليلة، فقد تغلَّبْنا نحن أيضًا بعِدَّة قليلة، ودون أسلحة، على إمبراطوريّة جبّارة عمرها 2500 سنة، تدعمها القوى العظمى، وأزلنا هذا السدَّ الكبير من أمام شعبنا. وبطبيعة الحال، تركوا لنا مشاكل كثيرة، ونقائص كثيرة، وفسادًا كثيرًا، وقد ورثنا هذا الدمار كلّه، ولكنّنا سوف نحلّ هذه المشاكل بقوّة الإيمان ودعم الإسلام.
وإنّني آمل أن تعي الشعوب والحكومات المسلمة ذلك، وتلتفت إلى سرّ هذا النصر الذي تحقَّق لإيران، وتتمسَّك به، وتنشر الإسلام في كلّ مكان[1].
(42/4/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص97.
160
138
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
إن شاء الله، سنكمل طريقنا الذي بدأناه، وسنقوم بالقضاء على كافّة الجذور الفاسدة ممّن يعتقدون أنّهم بقيامهم بأعمال الاغتيالات تلك، سوف يحصلون على النتيجة المرجوّة، ولكن أنّى لهم غير ذلك! ولا بدّ أنّكم سمعتم اليوم عن محاولة اغتيال واحد من علماء الدين الكبار، فقد قاموا بمحاولة اغتيال السيّد رَضِيّ شيرازيّ، أطلقوا عليه ثلاث عيارات ناريّة، ولكن الحمد لله، لم يحصلوا على النتيجة المطلوبة، فقد نجا السيّد رَضيّ شيرازيّ. فهم يعتقدون أنّهم بمثل تلك الأعمال، قادرين على الوقوف في وجه الشعب، الشعب الذي يأتي شبابُه لعندي، ويطلبون منّي الدعاء لهم بالشهادة! فهذا الشعب لا يخشى من الاغتيالات، بل يحبّ الشهادة، ويسعى لها بصدر دافئ.
هذه هي تعاليم إسلامنا الحنيف، وهذه هي أسباب انتصارنا[1].
(41/7/9791م)
إنّ الشعب الذي يغلي حبُّ الشهادة في قلوب نسائه ورجاله، كباره وصغاره، ويتسابق أبناؤه في سبيل الشهادة، وتجرّد عن شهواته الحيوانيّة والدنيويّة -والله هو العالِم بالغيب- هذا الشعب لن يترك الساحة للآخرين، على الرغم من الخسائر التي يتحمّلها. ولقد شاهدنا أنّ كلَّ شهادةٍ تعني تقدُّمًا إلى الأمام، حتّى إنّها صانَت الجمهوريّة الإسلاميّة من المخاطر، كما أنّ شهادة كلّ شخص عزيز
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج9، ص77.
161
139
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
تُعتَبَر وثيقة لفضح الزمر الإلحاديّة والمنافقة، وتُقَرِّب من ساعة هزيمتهم، حتّى أصبحَت الجمهوريّة الإسلاميّة تتمتّع اليوم بقوّة لم يسبق لها مثيل![1].
(01/2/2891م)
ب- مواجهة الأميركيّين والقضاء عليهم
إنّهم إنّما يخوّفوننا من الموت؛ لأنّهم هم يخافون منه، ولأنّهم لا يعتقدون بما وراء الطبيعة. أمّا الذي يعتقد بالله -تعالى- وبيوم القيامة، فلا يخاف من شيء أبدًا. إنّ أميركا مخطئة، وإنّ كارتر مخطئ، حينما ظنّ أنه يستطيع ذلك.
فالعالم لا يسمح له بذلك. والشعب الأميركيّ أيضًا لا يجيز له ذلك، فهل قَتْلُ شعبِنا وإبادته كاملًا هو عملٌ يسير، حتّى تستطيع أميركا أن تقوم به؟ إنّه ليس عملًا هيّنًا يستطيع كارتر أن يقوم به.
ولو فرضنا أنّه قرّر القيام بذلك، لقضى عليه شعبُنا بمخالبه وأنيابه. ولقد أعلن شبّاننا أنّه إذا أرادت أميركا في وقت ما، أن تقوم بذلك، فإنّنا سنفجّر السفارة بمن فيها. وإذا حصل ذلك من أميركا، فإنّنا لا نستطيع السيطرة على شبّاننا المتحمِّسين الذين ذاقوا مرارة الظلم، ولا نستطيع منعهم ممّا قرّروا القيام به. فنحن لا نستطيع أن نمنع، وأن نقف بوجه الشعب الذي عانى الظلم خمسين عامًا؛
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص43.
162
140
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
فإنّه عانى ظلمًا استمرّ أكثر من نيّف وثلاثين سنة، على يد إنسان واحد، أمر فيها مرارًا بقتل الناس قتلًا عامًّا عشوائيًّا، فقتل الإخوة، وقتل الآباء، وقتل النساء، وقتل الأزواج!
ولذلك، لا نستطيع أن نسيطر على هذا الشعب، ونمنعه من الدفاع عن نفسه. فإذا أرادت أميركا أن تسوّل لها نفسُها ارتكاب الخطأ، فإنّ شعبنا لا يجلس يراقب الأحداث وهو مكتوف الأيدي. فليأتِ المظلّيّون الأميركيّون، وليجرّبوا وينظروا، هل يستطيعون ذلك؟ إنّنا سنُبِيدُهم جميعًا، وسنُقتَل نحن أيضًا، لكنّ المهمّ أنّنا سنقضي عليهم جميعًا[1].
(12/11/9791م)
ج- الازدراء بأميركا وتحقيرها
لقد تحقَّقَت للشعب مطالبه، فالحرّيّة هي التي جمعَتْنا وإيّاكم هنا. هل كان باستطاعتكم قبل خمس سنوات، أن تعبّروا عن آرائكم بحرّيّة، كتعبيركم اليوم؟ إنّها الحرّيّة التي جعلَتكم تعبّرون عن آرائكم أمام الجميع، وفي كلّ مكان، وهي التي جعلَتكم قادرين على انتقاد النظام. هذا كلّه يُعتَبَر مصداقًا للحرّيّة، ولا يوجد هناك مَن يمنعكم من ممارسة حقِّكم بالانتقاد. إذًا، فالحرّيّة محقَّقةٌ الآن؛ يعني الحرّيّة هي أحد الأشياء التي ناضل من أجلها شعبنا، وقد حصل عليها.
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص97-98.
163
141
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
كذلك الأمر فيما يخصّ الاستقلال، فإذا ما قالوا: «إنّ الأمور لا تزال في يد أميركا»، فإنّكم رأيتم كيف قام شبابُنا باقتحام السفارة الأميركيّة، مركز الفساد والتجسُّس والتآمر، واعتقلوا مَن فيها من الأميركيّين. فأميركا لا يمكنها ارتكاب أيّة حماقة، وليكن شبابنا على ثقة بأنّها لن ترتكب حماقة. ويخطىء مَن يظنّ أنّ أميركا ستتدخَّل عسكريًّا، أو يمكنها ذلك. إنّها لا تستطيع ذلك، فأنظار العالَم كلّها متوجّهة إلينا. فهل يمكنها الوقوف أمام العالَم بأسره، والتدخُّل عسكريًّا؟ تخطئ كثيرًا إن فعلَتْ ذلك! أصلًا، حتّى لفظ «إذا»، الذي يتصدَّر تعابير شبابنا الانفعاليّة -«إذا» قام الأميركان بأيّ عمل عسكريّ، فماذا علينا أن نفعل؟- يجب أن لا يردّدوه.
إنّ ما يعانيه الأميركيّون من مشاكل، وما ينتظرهم منها، يجعلهم عاجزين عن التدخُّل عسكريًّا. ولو كانوا يستطيعون ذلك، لقاموا بتأمين الحماية العسكريّة للشاه ونظامه، لكنّهم اقتصروا على الحماية الإعلاميّة والدعائيّة، وشعبُنا لم يكترث بذلك كلّه[1].
(6/11/9791م)
5- التخلّص من الخوف
أيّها السادة، لا تخافوا هذه القوى الكبرى، فنحن شعبٌ ثار من أجل مصالحه. لا نريد أن نقوم بحربٍ خارجيّة، حتّى يُقال: نحن لا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج10، ص381.
164
142
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
شيء بأيدينا، وأولئك لديهم كلّ شيء، ولا نستطيع مجابهتهم. إنّما نحن شعبٌ يكافح في وطنه، ولديه كلامٌ يقبله العالم أجمع، وهو أنّنا شعبٌ لا نريد الأجانب في بيتنا، ونريد إخراجهم من بيتنا، فإنّ أحدًا لا يمكنه أن يعارض ذلك، وإذا عارض، فإنّه يتمكّن من ذلك لأمد قصير جدًّا، وإلّا فإنّه سيواجه الرأي العامّ العالميّ، ولا يمكن لأيّة قوّة أن تواجه الرأي العامّ العالميّ[1].
(8/01/8791م)
استيقظوا الآن أيّها السادة! كونوا واعين، عدوُّكم قويٌّ الآن أيضًا، جاء إلى الساحة مسلَّحًا بالدبّابة وبالرشّاش. لكن لا تخافوا هذه الرشّاشات، الرشّاشات ليست شيئًا، فأنتم على حقّ، والحقّ معكم، والله -تعالى- معكم. نظِّموا هذه النهضة التي ظهرت الآن في إيران، نظِّموا علاقاتكم، وكونوا معًا، ليكن السادة العلماء مع جميع التيّارات، ولتكن جميع التيّارات مع السادة العلماء[2].
(12/5/8791م)
يا أعزّائي، تجنّبوا الخلافات التي هي من وساوس الشيطان، وواصِلوا ثورتكم متّحدين، للإطاحة بالنظام البهلويّ الفاسد، وقَطْعِ أيدي الأجانب عن ثروات البلاد ومقدّراتها، ولا تخافوا شيئًا في سبيل الوصول إلى أهدافكم الإسلاميّة، إذ لا تستطيع قوّةٌ إيقافَ
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج3، ص418.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص339.
165
143
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
هذه الحركة العظيمة. إنّكم على الحقّ، ويد الله معكم، وقد أراد الله أن يجعل المستضعَفين أئمّةً في الأرض، وأن يكون لديهم حقّ التحكُّم في ثرواتهم[1].
(11/01/8791م)
لقد تحرَّك هذا الشعب الآن، كالسيل الجارف، ليحطّم الأسرة البهلويّة، وسيتمّ ذلك. لا تخافوا من أميركا والسوفيات، كقوّتَين عُظمَيَين، وممّا سيعملانه؛ فلن يتحقّق خلاف مطالب الشعب المشروعة الصحيحة[2].
(12/01/8791م)
6- محاولة الخونة الإبقاء على الشاه
إنّ الشعب الإيرانيّ الغيور نهض لإنقاذ البلاد من هاوية الفناء، وقَطْعِ دابر الناهبين، وإحباطِ المخطّطات الخيانيّة. فالشعب الذي يقيم مأتمًا على فقدان أعزّته، ويرى أنّ مصدر الجرائم كلّها يكمن في الشاه، كيف يوافق على المساومة مع الشاه؟ إنّ عديمي الدين وخونة الشعب والإسلام هم الذين يسعون للإبقاء على الشاه، ومن ثمّ بلوغ سلطاته الشيطانيّة؛ ليحرقوا الأخضر واليابس بنار الثأر.
[1] المصدر نفسه، ج3، ص429.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص76.
166
144
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
اليوم، حيث يقف الشعب الإيرانيّ على مفترق طرق: الحياة أو الموت، الحرّيّة أو الأسر، الاستقلال أو الاستعمار، والعدالة الاقتصاديّة أو الاستغلال، وحيث إنّه مسؤولٌ أمام الله -تعالى- والجيل القادم، لا بدّ له من مواصلة النهضة الهادرة، حتّى تحقيق أهدافها، والتصدّي لأطماع الذين يعملون على مصادرة تضحيات شبابنا، عبر مخطّطاتهم الشيطانيّة، والردّ على النفعيّين من عملاء الشاه وأميركا بقبضاتٍ محكمة[1].
(4/11/8791م)
7- استمرار الثورة حتّى بلوغ النصر
على الشعب الإيرانيّ أن يقرأ تاريخ الثورات التحرّريّة للشعوب المظلومة، وما عانت من المجازر والتعذيبات، وما بذلَت من جهود مضنية، ليعرف أنّ نتيجة نضالاتهم الدينيّة والقوميّة لم تكن سريعة وفوريّة. والثورة الإيرانيّة ستستمرّ حتّى النصر، الذي سيكون حليف الشعب الشجاع[2].
(22/8/8791م)
حضرات السادة، حريٌّ بكم، وفي أيّ موقعٍ أنتم فيه، أن تعبِّئوا وتعدّوا الجماهير للحرب والجهاد ضدّ أميركا وأذنابها، من أمثال العراق. فالحرب حربٌ، وإنّ عزّة وطننا وديننا وكرامتهما مرهونة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص211.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص381.
167
145
الفصل الخامس: علاقة النظام الإسلاميّ مع أميركا
بهذا الجهاد والنضال، ووطننا الأعزّ علينا من أرواحنا، ينتظر نهوض أبنائه، ليذودوا عن حياضه، ويقطعوا أيدي الظالمين عنه. إنّنا سنجاهد ونناضل دفاعًا عن وطننا الغالي، ما دام الدم يجري في عروقنا، ولن نُلقي بأسلحتنا على الأرض، حتّى يتحقَّق النصر المؤكَّد[1].
(62/9/0891م)
[1] المصدر نفسه، ج13، ص189.
168
146
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
الوعد الإلهيّ بنصرة المستضعَفين
لقد وعد الله المستضعَفين في الأرض، أنْ ينصرهم على المستكبرين، بمنّه وفضله، ويجعلهم أئمّة، ووعدُ الله قريب. وإنّني آمل أن نشهد هذا الوعد، وأن ينتصر المستضعَفون على المستكبرين، مثلما تحقَّق حتّى الآن[1].
(13/3/9791م)
إنّ جميع الأديان السماويّة ظهرَت من بين عامّة الناس، وهاجمَت المستكبرين بمساعدة المستضعَفين. فالمستضعفون كانوا على مرّ التاريخ، عونًا للأنبياء في مواجهة المستكبرين، والتصدّي لهم.
وفي الإسلام، نهض الرسول الأكرم من بين المستضعَفين، وقام وبمساعدتهم، بإرشاد مستكبِري عصره، أو محاربتهم وهزيمتهم. إنّ للمستضعَفين حقًّا على جميع الأديان. إنّ للمستضعَفين حقًّا على الإسلام؛ فعلى مدى ألف وأربعمئة عام، وقف المستضعَفون إلى جانب الإسلام، وعملوا على ترويجه ونشره. إنّ الأنظمة الملكيّة والمستكبِرين المرتبِطين بهم، كان طريقُهم مخالفًا لطريق الإسلام
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص363.
171
147
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
دائمًا، وكانوا يحاربون الإسلام طوال تاريخ حياتهم المنحوسة. فالمستضعَفون كانوا أتباع الأنبياء، أتباع العلماء، أتباع الأولياء[1].
(51/5/9791م)
لا بدّ من العمل لاتّساع نطاق هذه النهضة إلى العالم أجمع؛ نهضة المستضعَف بوجه المستكبِر. إنّ إيران كانت البداية والقدوة لجميع الشعوب المستضعَفة، لتنظر الشعوب المستضعفة إلى إيران، كيف وقفَت بأيدٍ خالية، ولكن بقوّة الإيمان ووحدة الكلمة والتمسُّك بالإسلام، بوجه القوى الكبرى، وتغلَّبَت عليها... فلتَقْتَدِ بقيّةُ الشعوب بهذا السرّ الإسلاميّ، بهذا السرّ الإيمانيّ... لينهض المسلمون في جميع أقطار العالم، بل لينهض المستضعَفون، إنّ الوعد الإلهيّ قد شمل المستضعَفين، حيث يقول -عزّ مِن قائل-: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱستُضعِفُواْ فِي ٱلأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةٗ وَنَجعَلَهُمُ ٱلوَٰرِثِينَ﴾[2]. فالإمامة حقّ المستضعَفين، والوراثة للمستضعَفين. وأمّا المستكبرون، فإنّهم غاصبون. يجب إخراج المستكبرين من الساحة. لقد طردنا مستكبري إيران من الساحة، وجلس مكانهم المستضعَفون[3].
(31/5/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص243.
[2] سورة القصص، الآية 5.
[3] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص221.
172
148
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
انهضوا يا مسلمي العالم، ويا أيّها المستضعَفون تحت نير الظالمين! واتّحِدوا، وادفعوا عن الإسلام وعن مقدّراتكم، ولا تخشوا جلبة المتجبِّرين، فإنّ هذا القرن هو قرن غلبة المستضعَفين على المستكبرين، والحقّ على الباطل، بإذن الله القادر[1].
(6/9/1891م)
العمل لله والثورة لأجله
صحيحٌ أنّنا نعاني من مشكلات كثيرة، لكنّنا نملك -بالمقابل- طاقةً إنسانيّة عجيبة، تدعمها قدرةٌ إلهيّةٌ من خلفها. فإنّنا نعتقد أنّ الله -تعالى- حامينا، وأنّ هدفَنا هو التحرُّر من قبضة أعداء الإسلام، وتحقيق استقلال بلدنا الإسلاميّ بالشكل الذي لا تستطيع قوّة أن تسيء إليه، حيث قمنا بالثورة من أجل الله -تعالى-، ومن أجله نواصل الثورة[2].
(02/3/2891م)
وكانت هذه الثورة لله. فالصرخات التي انطلقَت من حناجركم في جميع أنحاء البلاد، كانت صرخاتٍ إلهيّة ونداء حقّ؛ فوعدَكم الله بالنصر. فيبقى عليكم الالتزام بعهدكم، والوفاء بعهد الله، حتّى يفي الله بوعده لكم. وانصروا دينَ الله، حتّى ينصركم الله[3].
(3/2/2891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج15، ص171.
[2] المصدر نفسه، ج16، ص104.
[3] المصدر نفسه، ص20.
173
149
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
وقفَت كلّها خلفه، وما كانت تريد لنا أن نعيش ونعمل، كلّهم وقفوا إلى جانبه. أيُّ شيءٍ نصرَ هذا الشعب الضعيف، الذي كان يفتقر للتجهيز والتدريب العسكريّ، على كلّ هذه القوى؟ هل هو إلّا الرعب الذي قذفه الله في قلوب هؤلاء الرؤساء، ونصرَنا بهذا الرعب الذي قذفَه في قلوبهم؟[1].
(3/6/0891م)
حبّ الشهادة والاستعداد للتضحية
فهم يعتقدون أنّهم بمثل تلك الأعمال، قادِرين على الوقوف في وجه الشعب، الشعب الذي يأتي شبابُه لعندي، ويطلبون منّي الدعاء لهم بالشهادة، فهذا الشعب لا يخشى من الاغتيالات، بل يحبّ الشهادة، ويسعى لها بصدرٍ دافئ.
هذه هي تعاليم إسلامنا الحنيف، وهذه هي أسباب انتصارنا. لم يكن شعبُنا ليخشى الموت، إذا ما نزل إلى الشارع، وكان الكثير منهم يُقتَل، ولكنّهم في النهاية، استطاعوا بتلك التضحيات والتعاليم ونداءات «الله أكبر!»، أن يحقِّقوا النصر[2].
(41/7/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص309.
[2] المصدر نفسه، ج9، ص77.
175
150
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
إنّ شبابنا لم ينتبهوا إلى أنّ هؤلاء يريدون القضاء على أساس العزاء الحسينيّ! فمجالس العزاء الحسينيّ تثير مشاعر الجماهير، لكي يتأهّبوا لكلّ شيء. فحين ترى الجماهير كيف قطّعوا أبناء سيّد الشهداء (عليه السلام) إربًا إربًا، وكيف ضحّى بشبابه بهذا الشكل، يسهل عليها تقديم أبنائها. إنّ شعبنا بشعوره هذا، وحبّه للشهادة، تقدَّم ووصل إلى الهدف، وكان السرّ هو أنّ حبّ الشهادة انعكس على كلّ شؤوننا، وعلى جميع أبناء شعبنا، وكان الجميع يتمنّون هذه الشهادة التي نالها سيّد الشهداء (عليه السلام)[1].
(52/9/9791م)
إنّ الشعب الذي يغلي حبُّ الشهادة في قلوب نسائه ورجاله، كباره وصغاره، ويتسابق أبناؤه في سبيل الشهادة، وتجرَّد عن شهواته الحيوانيّة والدنيويّة -والله هو العالِم بالغيب- هذا الشعب لن يترك الساحة للآخرين، على الرغم من الخسائر التي يتحمّلها. وقد شاهدنا أنّ كلّ شهادة تعني تقدُّمًا إلى الأمام، حتّى إنّها صانَت الجمهوريّة الإسلاميّة من المخاطر. كما أنّ شهادة كلّ شخص عزيز تُعتَبَر وثيقة لفضح الزمر الإلحاديّة والمنافقة، وتقرّب من ساعة هزيمتهم، حتّى أصبحت الجمهوريّة الإسلاميّة تتمتّع اليوم بقوّة لم يسبق لها مثيل![2].
(01/2/2891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج10، ص90.
[2] المصدر نفسه، ج16، ص43.
176
151
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
إنّ الشعب الإيرانيّ لم يكن يمتلك أيّ شيء، ولكنّه كان يمتلك الإيمان، وإيمانه نَصَرَهُ على جميع القوى. وحكومات مسلمي جميع البلدان تمتلك كلّ شي،ء ولكنّها تفتقر إلى الإيمان. إنّ ما نصرَ بلدنا وشعبنا، هو الإيمان بالله وحبّ الشهادة. حبّ الشهادة مقابل الكفر، مقابل النفاق، لحفظ الإسلام، وحفظ القرآن الكريم[1].
(21/6/2891م)
الإيمان بالنفس والثقة بها
على الشعوب أن لا تخشى أميركا، فهي لا تعدو أن تكون طبلًا فارغًا يقرع ولا يعمل شيئًا، وكلّ تهويلاتها مدحورة ولا أثر لها. فعلى الشعوب أن تترك الخوف جانبًا، وتواصل طريقها؛ فالإسلام معهم، والله في عونهم[2].
(5/7/5891م)
أيّها المسلمون في أنحاء العالم! ولأنّكم تعانون من الموت البطيء تحت الهيمنة الأجنبيّة، فلا بدّ لكم من التغلُّب على الخوف من الموت، والاعتماد على حيويّة الشباب المندفع للشهادة، الذين هم على أتمّ الاستعداد لتحطيم الخطوط الأماميّة لجبهة الكفر. فلا تفكِّروا بالإبقاء على ما أنتم فيه، وإنّما فكِّروا بالفرار من الأسر، والتحرُّر من العبوديّة، والتصدّي لأعداء الإسلام؛ إذ إنّ العزّة والحياة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج16، ص248.
[2] المصدر نفسه، ج19، ص320.
177
152
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
في ظلّ النضال. وإنّ الخطوة الأولى في النضال تتمثّل في الإرادة، ومن ثمّ تحريم سيادة الكفر والشرك العالميَّين، ولا سيّما أميركا[1].
(02/7/8891م)
لم يكن لدينا أيُّ شيء. قبل عدّة سنوات، لم نكن شيئًا يُذكَر. فالذي منَحَنا الوجود، ومنحنا كلَّ شيء، وفوَّضَ إلينا كلّ القدرات، ومنَحَنا هذه الأرض الشاسعة، ووضع السماء والأرض تحت تصرُّفِنا ولتأمين مصالحنا، هو الله -تعالى-. فنحن لم نكن شيئًا يُذكَر، لم نملك شيئًا، والآن أيضًا لسنا شيئًا يُذكَر. علينا أن نعيَ أنّنا لسنا شيئًا، وكلّ ما لدينا هو من عنده. فلا تقولوا: فلان عمل هذا العمل! كلّا، فهذا كلّه مجرّد كلام، ابحثوا عن مبدأ القضيّة. فمَن كان وراء هذه الأعمال، ومن مكَّنَ هذا الشعب الضعيف من الانتصار على القوى الكبرى، هو الله. وطالما كنتم متمسِّكين به، فلا تخشوا من أيِّ شيء، ومن أيِّ خطر. إنّ مَن يتمسَّك بالله لا يخشى شيئًا؛ لأنّ منتهى ما قد يحصل هو القتل، ونهاية المطاف هي الشهادة، فهو لا يخشى من ذلك[2].
(5/7/0891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج21، ص79.
[2] المصدر نفسه، ج12، ص407-408.
178
153
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
وفي ظلّ التوكُّل وألطاف الأرواح المقدَّسة، يجب أن لا ندع الخوف يدبّ في نفوسنا، فنحن لا نخشى أحدًا. لقد قلتُ مرارًا: بأنّ الذي ينتابه الخوف، هو من لا يؤمِن بالعالم الآخر[1].
(72/5/3891م)
الوحدة الإسلاميّة ووحدة الكلمة
إنّ العالَم الإسلاميّ اليوم، يقاسي العناء من أميركا. فانقلوا إلى المسلمين في قارّات العالَم المختلفة، رسالةً من الله، وهي رفض العبوديّة إلا لله -تعالى-.
فيا مسلمي العالَم! ويا أتباع دين التوحيد! إنّ اختلاف الكلمة وعدم التآلف هو السبب في كافّة مشاكل العالم الإسلاميّ. وإنّ سرّ النصر هو وحدة الكلمة وتحقيق التضامن. لقد قال الله -تعالى-: ﴿وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْ﴾[2] ؛ فالاعتصام بحبل الله هو بيانُ تكاتُفِ جميع المسلمين. على الجميع أن يعملوا من أجل الإسلام، وفي سبيل الإسلام، ومن أجل مصالح المسلمين، والابتعاد عن التفرقة والشقاق والتحزُّب، الذي هو أساس كافّة المصائب، وسبب التخلُّف. وأسأل الله -تعالى- أن يمنَّ على الإسلام والمسلمين بالعظمة، وعلى مسلمي العالَم بوحدة الكلمة[3].
(92/9/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج17، ص375.
[2] سورة آل عمران، الآية 103.
[3] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج19، ص224.
179
154
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
إنّنا اليوم مكلَّفون، أيًّا كان الزيّ الذي نرتديه أو العمل الذي نمارسه، بتجنُّب اختلاف الكلمة، والحرص على الوحدة الإسلاميّة، التي يوصي بها الكتاب والسنّة على الدوام، وأن نجعل كلمة الحقّ هي العُليا، وكلمة الباطل هي السفلى.
ففي هذا الظرف الحسّاس، حيث يتهدَّد بلدنا وإسلامنا العزيز خطرٌ عظيمٌ، تقع على عاتق جميع الفئات والأفراد مسؤوليّةٌ خطيرةٌ وجسيمةٌ. وإنّ أيَّ ضعف أو تراخٍ في الوقت الحاضر، وأيّ اختلاف وتشتُّت في الصفوف، هو بمثابة انتحار وإهدار لدماء أبناء الإسلام[1].
(4/11/8791م)
آمل أن تسود الدول الإسلاميّة أُخُوّة، هي الأخوّة الإسلاميّة التي تفضّل بها القرآن، فإنّها إذا سادت، كانت هذه الدولُ قوّةً عظيمةً لا تستطيع أيٌّ من القوى العظمى أن تبلغ قَدَمَها.
أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يتحقّق هذا الأمر لجميع الدول المسلمة، وتفوز بأن تكون للإسلام، وتحفظ أخوّتها الإسلاميّة، وتخدم شعوبها، وتحظى بتأييد هذه الشعوب[2].
(11/6/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج4، ص213.
[2] المصدر نفسه، ج8، ص77.
180
155
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
آمل أن يكون المسلمون والشعوب الإسلاميّة إخوة فيما بينهم، كما أمر الإسلام والقرآن المجيد، وأن يقفوا بقوّة في وجه أعداء الإنسانيّة والدول الإسلاميّة؛ وهذا لن يحصل إلّا إذا وُضِعَت الخلافات الجزئيّة والبسيطة بين الدول جانبًا، وكانوا إخوةً فيما بينهم. فهذه الخلافات تصبّ لصالح أعداء الإسلام والمسلمين، ولا بدّ من وضع حدٍّ لها، والسعي لتحقيق الوحدة الإسلاميّة، والانضواء تحت لواء الإسلام والقرآن المجيد، حيث قال -عزّ مِن قائل-: ﴿رُحَمَآءُ بَينَهُم﴾ و﴿أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلكُفَّارِ﴾[1]. فالإسلام خالٍ من التمييز العنصريّ، ولا فرق بين عربيّ وأعجميّ، وقد جاء لتربية الإنسان. فالبرنامج الإسلاميّ يتمحور حول الإنسان والتربية الإنسانيّة، والهدف هو التقوى والأخوّة بين المسلمين والصداقة وإنهاء الخلافات[2].
(41/8/9791م)
منع الأعداء من التغلغل في صفوف المسلمين
انتبِهوا إلى أنّ هؤلاء إنّما يبثّون وساوسهم ويثيرون الاختلاف والتثبيط عن العمل؛ ليصلوا إلى أهدافهم. فهم يعملون وفق مخطّط مرسوم يريدون تطبيقه في بلادنا. فهذه الأصوات التي تُسمَع هنا وهناك، إنّما تخرج من أفواه الأجانب، وهؤلاء الذين في الداخل هم عملاء أولئك. فيجب عليكم أن تطردوا هؤلاء الذين
[1] سورة الفتح، الآية 29.
[2] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج9، ص218.
181
156
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
يتغلغلون بينكم ويوسوسون لكم بهذه الأمور، ويريدون أن تتركوا أعمالكم. فلا تسمحوا لهم بالوصول إليكم، ولا تتركوهم يتغلغلوا بينكم. وإذا وُجِدَ مَن يعرقل سير العمل من المنتسِبين، فيجب إبلاغ المسؤولين لينحّوه عن العمل، وعليكم أن تساعدوا المسؤولين في هذه المَهَمَّة؛ إذ يجب على الشعب اليوم مساعدة الحكومة في جميع الأمور[1].
(1/1/0891م)
الدلائل تشير إلى وجود أشخاص متغلغلين بين أبناء الشعب، يتلقّون الأوامر من الخارج، وعددهم قليل طبعًا، لكنّهم يستطيعون أن يتكلموا مع الناس بكلّ الأساليب الشيطانيّة. فيجب على الشعب أن يكون على حذر من هذه المؤامرة المحتَمَلة، التي يُقصَد بها إيجاد التفرقة والتناحر بين أبناء الشعب. إنّهم يريدون أن يتغلغلوا في المدارس الثانويّة، وفي الجامعات، وفي كلّ مكانٍ؛ لأجل زرع الخلافات وإثارة التناحرات؛ لكي تستمرّ الاضطرابات والإضرابات والمظاهرات، فيتعرقل بذلك عمل الحكومة والشعب، وبذلك يعكسون للخارج أيضًا أنّ الشعب الإيرانيّ لا يستطيع أن يدير نفسه بنفسه؛ ولهذا السبب، يجب الإتيان بشخصٍ لإدارة شؤون هذا الشعب.
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص10.
182
157
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
لذلك، يجب على الشعب أن ينتبه إلى هذه المؤامرة، وأن يتجنّب الاختلافات. حقًّا، لأيّ شيء نختلف فيما بيننا؟ ولماذا نختلف؟ ولأيّ شيء نتنازع ونتناحر؟ ولماذا يحطّم بعضُنا بعضًا؟ يجب على الشعب أن يبتعد ابتعادًا كلّيًّا عن كلّ ما من شأنه أن يسبّب الاختلاف، ويجب عليه أن يعظ وينصح أولئك الذين يريدون إثارة الاختلاف. فإذا لم يصغوا إلى ذلك، فليطردوهم، وليَحُولوا دون حصول الاختلاف[1].
(6/1/0891م)
وليعلم الجميع أنّ أعداء الإسلام والدول الإسلاميّة، المتمثِّلين بالقوى الناهبة الدوليّة الكبرى، إنّما يتغلغلون في بلداننا والبلدان الإسلاميّة الأخرى بخفّة ومهارة، ليُوقِعوا تلك البلدان في شِبَاكِ الاستعمار، مستغلّين أبناء شعوب تلك البلدان نفسها.
كونوا يقظين، راقِبوا بحذر، وما إن تشعروا بأوّل خطوة تغلغل، هبّوا للمواجهة، ولا تُمهِلوهم! والله معينكم، وهو حافظكم[2].
(41/2/3891م)
أسلمة الجامعات والاستقلال العلميّ
الجامعات مركز سعادة الشعب أو شقاؤه، فمصيره يتحدّد فيها؛ فالجامعة الطيّبة تُسعدُه، والجامعة غير الإسلاميّة، الجامعة السيّئة
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص65-66.
[2] المصدر نفسه، ج21، ص375.
183
158
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
تُقَهقِرُه إلى الخلف. ولعلّ شرّ جنايات الحكم السابق، أنّهم لم يَدَعُوا الجامعة تسير سيرًا صحيحًا.
فليس المهمّ في الإسلام الأموال، ولا المادِّيّات، وإنّما هو أن تكون الجامعة مسرى المعنويّات إلى الشعب، سواء كانت جامعتكم أو جامعة علماء الدين. فهذان المعهدان هما ملتزما تربية هذا الشعب، فعملُهما أشرف مِنْ عَمَلِ كلّ الفئات الأخرى، ومسؤليّتُهما أكبر من مسؤوليّة الجميع، وشرفُ عملهما نابعٌ مِنْ صُنعِهِما للإنسان.
يجب أن تكون الجامعة مصنع الإنسان، سواء في ذلك جامعة علماء الدين وجامعتكم، وهذا ما أُمِرَ به الأنبياء R، وجاءت به الكتب السماويّة كلها. فإنّه إذا صُنِعَ الإنسان، كان كلّ شيء معنويًّا؛ أي إنّه حتّى المادِّيات تصير معنويّات.
وعلى العكس، إذا سادت الفئات الشيطانيّة، وتَخرَّجَ في جامعتنا وجامعتكم المنحرفون، غَدَت المعنويّاتُ مادِّياتٍ، وغرقَت فيها[1].
(6/6/9791م)
من الضروريّ أن أنبّهكم إلى نقطة معيّنة، حتّى تعلموا ما هو مرادنا من إصلاح الجامعات. تصوّر بعضُهم أنّ الذين يريدون إصلاح الجامعات ويبغون أن تكون الجامعات إسلاميّة، تصوّروا أنّ العلوم على قسمَين: علم هندسة إسلاميّ، وآخر غير إسلاميّ.
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج8، ص56.
184
159
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
وفريق توهّم أنّ دعاة أسلمة الجامعات يريدون أن لا يكون فيها غير علم الفقه والتفسير والأصول؛ أي على غرار ما كان في المدارس القديمة، ويجب أن يُدَرَّس الشيء نفسه في الجامعات. هذه أخطاء يقع فيها بعضهم، أو أنّهم يُوقِعون أنفسهم فيها. ما نريد أن نقوله، هو أنّ جامعاتنا جامعات محكومة بالتبعيّة. جامعاتنا جامعات استعماريّة. الذين تربّيهم جامعاتُنا وتعلّمهم، هم أشخاص متغرِّبون. الكثير من المعلِّمين متغرِّبون، ويُنشِؤون شبابنا على التغريب. نحن نقول: إنّ جامعاتنا ليست بالجامعات المفيدة للشعب. إنّ ما لدينا من جامعات، تُمَوَّل منذ أكثر من خمسين عامًا بنفقات هائلة من حصيلة أتعاب هذا الشعب، ولم نستطع خلال هذه الخمسين سنة، أن نحقِّق الاكتفاء الذاتيّ في العلوم التي تُدَرَّس في هذه الجامعات. إنّنا بعد خمسين سنة، إذا أردنا أن نعالج مريضًا، يقول أطبّاؤنا -بعضهم أو أكثرهم- إنّ هذا يجب أن يذهب إلى بريطانيا!
منذ خمسين عامًا، لنا جامعتنا، وليس لنا طبيب يستطيع أن يكفي الشعب ويسدّ حاجته، بحسب اعترافهم أنفسهم. لقد كانت، ولا تزال لدينا جامعات. ومع ذلك، نحتاج إلى الغرب في جميع الشؤون التي يحتاجها شعبٌ حيّ. حينما نقول: إنّ الجامعة يجب أن تتغيّر من الأساس، وتدخل عليها تغييرات جذريّة، وتكون إسلاميّة، لا بمعنى أن تُدَرَّس العلوم الإسلاميّة فقط، ولا نرمي إلى
185
160
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
أنّ العلوم على قسمَين: أحدهما إسلاميّ، والآخر غير إسلاميّ. نحن نقول: إنّنا خلال هذه الخمسين سنة أو أكثر، التي كان لدينا فيها جامعة، كانت جامعاتنا تصدّ أبناء هذا البلد عن التقدُّم.
نقول: إنّ جامعتنا تحوَّلَت إلى ساحة حرب دعائيّة. نقول: إنّ شبابنا حتّى لو كسبوا العلم، فإنّهم لم يكسبوا التربية، لم يتربّوا تربية إسلاميّة. الذين يدرسون، إنّما يفعلون ذلك ليحصلوا على ورقة، ويذهبوا ليكونوا عالة على الشعب! الجامعة لا تعمل بحسب احتياجات الشعب، وبحسب احتياجات البلد، ولا تَحُولُ دون أن تضيع هذه الأجيال وهؤلاء الشباب الأعزّاء، وتذهب طاقاتهم هدرًا. لقد أهدروا طاقاتنا خلال هذه الخمسين سنة، أو فرضوا عليها أن تكون في خدمة الأجانب. معلِّمو مدارسنا لم يكونوا معلِّمين إسلاميّين بحسب النوع، ولم تكن ثمّة تربية إلى جانب التعليم. ولذلك، لم تُخَرِّج جامعتنا إنسانًا ملتزِمًا، إنسانًا يكون حريصًا مخلصًا لبلاده، ولا يفكّر فقط في مصالحه الذاتيّة.
حينما نقول: إنّ أُسُس الجامعات يجب أن تتغيّر، نقصد أنّ على الجامعات أن تكون في خدمة الشعب في ما يحتاج إليه، وليس في خدمة الأجانب. المعلِّمون في مدارسنا، والأساتذة في جامعاتنا، الكثيرون منهم يقدّمون الخدمة للغرب، يغسلون أدمغة شبابنا ويرّبونهم تربية فاسدة. لا نريد أن نقول: إنّنا نرفض العلوم الحديثة. ولا نريد القول: إنّ العلوم على قسمَين، كما يُناقِش
186
161
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
بعضُهم، عامدين أو جاهلين. بل نريد القول: إنّ جامعاتنا غير متخلِّقة بالأخلاق الإسلاميّة. ليس لجامعاتنا تربية إسلاميّة. لو كان لجامعاتنا تربية إسلاميّة وأخلاق إسلاميّة، لَمَا باتَت ساحةً لصراع العقائد المضرّة بهذا البلد. لو كانت في الجامعات أخلاق إسلاميّة، لَمَا كانت هذه الاشتباكات الثقيلة جدًّا علينا. يعود سببُ هذا كلّه إلى أنّهم لا يعرفون الإسلام، وليسَت لهم تربية إسلاميّة[1].
(02/4/0891م)
ضرورة عدم الاعتماد على الغير اقتصاديًّا، والعمل على الاكتفاء الذاتيّ
أنتم تعرفون أنّهم يهدّدوننا حاليًّا بالحظر الاقتصاديّ؛ فيجب أن نُخطِّط لهذا الأمر، والعمل هو أن يقوم الفلّاحون بفلاحتهم، ويشتغلوا بالزراعة. والذين يثيرون الفوضى ولا يسمحون أن تأخذ الأمور مجراها في القطاع الزراعيّ، يجب أن يذهبوا، إذ يَحُولُون دون قيام المزارعين بأعمالهم، بأسماء وذرائع مختلفة. على الناس أن يقضوا على هؤلاء بأنفسهم، مساعدةً لقوى الشرطة. يجب على الناس أن يقوموا بزراعتهم براحة البال، حتّى إذا -لا سمح الله- وقفوا في وجوهنا، لا نحتاج إلى الخارج؛ لأنّه لو احتجنا إلى الخارج، لعادَت الأمور كما كانت سابقًا. يُقال: إنّ الجوع لا يعرف الإيمان، ولو فعل هؤلاء -لا سمح الله- أمرًا ما استدعى حاجتنا لشراء ا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج12، ص208-209.
187
162
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
لحنطة من الخارج، فإنّ هذه الحاجة ستكون أحد أسباب التبعيّة، التي ستؤدي من ثمّ إلى التبعيّة السياسيّة، وبعد ذلك التبعيّة الثقافيّة، ثمّ التبعيّة العسكريّة. وسوف نفقد كلّ ما نملك. في مثل هذه الظروف، لا يجب إثارة الخلافات، لا يجب أن يقول أحد: أنا من الحزب الفلانيّ، ويقول الآخر: أنا من الحزب الفلانيّ. لا يجب أن تنشأ مثل هذه الأحزاب. إنْ تَمَّ تشكيل مئتَي حزب، ووُجِدَت مثل هذه الجمعيّات، يجب أن تجتمع كلّها لإنقاذ هذا البلد الذي يريدون أن يعيشوا فيه. وسبيل النجاة من الناحية الاقتصاديّة، أن يقوم كلّ شخص بعملٍ كان يؤدّيه على أفضل وجه، لكي تتحسّن الجنبة الاقتصاديّة. يجب عليهم إعادة تأهيل المصانع، والشركات الخصوصيّة، الكبيرة والصغيرة. على العامِلين في الشركات أن يعلموا أنّ هؤلاء الذين يأتون لإثارة الشغب في المصانع، هم عقبة أمامهم في طريق التقدُّم، ولا يريدون أن تتحسّن الأوضاع في هذا البلد. فقِفُوا في وجوههم [تصدّوا لهم]. وعلى المزارعين أن يفعلوا هذا الفعل بمثير الشغب، وهذا واجب كلّ إنسان في كلّ موقع. ويجب أن يؤدّي عمله جيّدًا[1].
(32/21/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص319.
188
163
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
أنتم تعرفون أنّه إذا احتاج بلدٌ ما إلى الخارج اقتصاديًّا، خاصة هذا النوع من الاقتصاد الذي يتعلّق بمعيشة الناس، ووصل إلى مرحلة من الحاجة لا يستطيع إدارة شؤون نفسه، واحتاج إلى الآخرين في هذا المجال، فهذا يعني التبعيّة الاقتصاديّة. والتبعيّة في هذا الحقل تؤدّي إلى استسلام الشعب الإيرانيّ وبلاد إيران للآخرين، وإن استطاعت أميركا أن تنجح في هذا الأمر -الذي تنوي القيام به حاليًّا، وجنَّدَت جميع القوى إلى جانبها لفرض الحظر الاقتصاديّ على إيران، وإن شاء الله، لن تُوَفَّق في هذا الأمر، لكنّنا يجب أن نتّخذ جانب الحيطة والحذر- فلو -لا سمح الله- نجحَت وفرضَت على إيران الحظر الاقتصاديّ من جميع الجهات، ومنها قضيّة المؤونة التي نحن بحاجة إليها، طبعًا في هذه الحالة لن نستطيع الاستمرار في المقاومة، وهذه ضربة تُوَجَّه إلى ثورتنا، وهي بالأساس ضربة تُوَجَّه للإسلام. فالواجب الملقى على عاتقنا، هو قيامنا جميعًا بما نستطيع، وبما أوتينا من قوّة، في هذا المجال.
في مجال الزراعة وتربية المواشي، يجب أن تقدّم الحكومة مساعداتها، إلى جانب مساعدة الناس بعضهم بعضًا. وينبغي للناس تكريس جهودهم وبذل مساعيهم. على الناس أن يعملوا ويجدّوا. إنّ شعبنا يحتاج إلى أيدٍ عاملة، فإن استُثمِرَت هذه القوّة في مجال آخر، فإنّ هذا الأمر سيؤدّي إلى أن لا تستطيع تأمين احتياجات الشعب. فعدم الحاجة إلى الخارج في مجال الأرزاق والمؤونة، هي
189
164
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
رأس برامجنا. يجب أن لا يحتاج البلد إلى الخارج في تأمين لحمه وخبزه ونحوهما. وهذا الأمر يستدعي كثرة مراكز تربية الماشية، وكذلك الزراعة على نطاق واسع[1].
(42/21/9791م)
إنّنا اليوم إذا كنا نروم التصدّي لهذه القوى العظمى، دون أن نذوق طعم الهزيمة، فإنّنا بحاجة لعدّة أمور: أوّلًا، يجب أن نصل إلى الاكتفاء الذاتيّ في القطاع الاقتصاديّ، الذي يستدعي أوّلًا، الاهتمام بالزراعة؛ فالمزارع والحقول يجب أن تُزرَع بمشاركة جميع الشرائح ونشاطهم. مع الأسف، توجد مجموعات تَحُولُ دون القيام بهذا الأمر، إمّا عن جهالة، أو بتحريض من عناصر مناوِئة للثورة، أو عن علم؛ لأنّهم جزء من تلك المجموعات. يذهبون إلى المزارع في أنحاء البلاد -أينما تذهبون، توجد مثل هذه المسائل- بعناوين مختلفة، وذريعة أنّنا نريد مساعدة المستضعَفين ومساعدة الناس، ويَحُولُون دون القيام بالزراعة على النحو الصحيح. وهذا الأمر يشكّل خطرًا على بلادنا![2].
(42/21/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج11، ص328-329.
[2] المصدر نفسه، ج11، ص328.
190
165
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
تصدير الثورة ودعم النهضات الإسلاميّة
ونحن الآن، وفي هذه المرحلة، أمام أمرَين إمّا أن تنتصر الثورة، أو تندحر، لا سمح الله. فلا بدّ لكلّ شخص، ولكلّ فئة أن تدرك أنّ الموضوع المطروح هو كرامة الإسلام، وقضيّة المستضعفين، وقضيّة المبدأ الإسلاميّ. فإذا ما تمكّن هذا الشعب من حفظ هذه الكرامة، وأثبَتَ صحّة ادّعائه بأنّ هذه جمهوريّة إسلاميّة، فإنّه لمنتصر حتّى النهاية، إن شاء الله.
وكونوا على ثقة بأنّه لو تحقَّق الإسلام بكلّ معانيه في إيران، فإنّ الدول سوف تقتفي هذا النهج، الواحدة تلو الأخرى. إنّ كلّ فئة تأتي إلى هنا، تقول: بأنّ شعبها مهتمّ بإيران، ويسعى لتحقيق هذا الهدف هناك، في العراق والكويت ومصر، وفي كلّ مكان. فلو أدّينا هذا الدور بشكل جيّد، وطبَّقْنا الإسلام كما هو في إيران، فإنّه بالإضافة إلى انتصارنا حتّى النهاية، بإذن الله، سينتقل منّا إلى الشعوب الإسلاميّة. ونحن نطمح أن تُقامَ حكومة العدل الإسلاميّ في جميع البلاد الإسلاميّة[1].
(92/9/9791م)
إنّ الهدف من تصدير الثورة إلى الدول الإسلاميّة وكافّة الدول التي يناضل فيها المستضعَفون ضدّ المستكبرين، هو الوصول إلى حالة معيّنة، تكون فيها الحكومة غير مستبدّة وغير ظالمة، ولا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج10، ص131.
191
166
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
يكون الشعب فيها عدوًّا للحكومة. فهدفنا الأصليّ هو المصالحة بين الشعوب والحكومات[1].
(11/8/0891م)
إنّ ثورتنا تعتمد على المعنويّات وعلى الله، وإنّ مَن يوافقوننا هم الموافِقون للنهج التوحيديّ. يجب علينا ألّا ننسى النهج التوحيديّ الذي ثرنا لأجله؛ ذلك الخطّ المعنويّ الذي أبدَينا ضعفًا كبيرًا في التبليغ عنه. ولكنّ الناس في العالم عرفوا ثورتنا، وإنّ النهج المعنويّ يخالفه الظالمون. وانتبِهوا إلى أنّ الظالمين والحكومات حينما يخالفوننا، فإنّ الشعوب توافقنا. يجب أن يكون الأساسُ الشعبَ وفكرَ الشعب، ويجب أن نفكّر في الشعب، لا الحكومات؛ لأنّ الشعوب توافق الحقَّ؛ لأنّها كانت تحت سيطرة الظلم، ولا تريد أن تبقي تحت سيطرة أميركا والاتّحاد السوفياتيّ.
إنّنا كنّا فاشلين في أمر الدعاية. علينا أن نقوم بالإضافة إلى الرحلات الرسميّة، بالرحلات غير الرسميّة، حتّى نوقظ العالم. فإذا ما أردنا تصدير الثورة، يجب أن نعمل بشكل يأخذ الناس بزمام الحكومة، حتّى يأتي الناس من الطبقة المعروفة بالدرجة الثالثة إلى السلطة. إنّ طريق الاتّصال بالناس في الشارع والأسواق، هو الرحلات غير الرسميّة. يجب توعيتهم. إنّ حضوركم دون أيّة مراسم رسميّة، أفضل، كما أنّه أكثر جاذبيّة،
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص78.
192
167
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
وأحسن للدعاية. إنّ البلاد اليوم هي بأيديكم، وأرجو أن تُصان بتضافر هِمَمِكم[1].
(31/01/1891م)
إنّ هذا الانسجام الذي لدينا هنا، نريده لجميع البلاد، وأن يكون المسلمون يدًا واحدة على مَن سواهم. إنّ أيّ شخص يكون مستقلًّا في المكان الذي هو فيه، ومع الحكومة التي لديه، ومع أيِّ مذهب يعتنقه. ولكن إذا كان مسلمًا، يجب أن يتآخى مع سائر المسلمين، ويصادقهم، ويلتحم معهم، وأن تكون جيوش الدول الإسلاميّة كلّها يدعم بعضها بعضًا. فلولا هذه الفرقة بين المسلمين، هل كان بإمكان إسرائيل، بهذا العدد القليل من السكّان، أن تتجرّأ وتدوس سمعة المسلمين تحت أقدامها؟ ولولا هذه الخلافات بين المسلمين، هل كان بإمكان أميركا أن تحكم الدول كلّها، وتنهب خيرات البلاد؟ إنّنا عاقدون العزم على أن نصون بلادنا، وأن نعيش مستقلِّين أحرارًا، وأن نكون مع جميع مسلمي البلاد، بل مع جميع سكّان البلاد من أصحاب المذاهب الرسميّة، جنبًا إلى جنب، ونصون بلادنا، ولا تستطيع أيّة قوّة أن توجّه ضربة إلينا، إذا بقي هذا الانسجام في هذا المكان الصغير، وهذا العدد القليل من الناس[2].
(2/1/2891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج15، ص272.
[2] المصدر نفسه، ج15، ص407.
193
168
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
التحلّي بالوعي واليقظة
أيّها الإخوة، إنّ استنادنا إلى الإيمان والإسلام هو الذي حقَّق لنا النصر. إنّ إذعاننا إلى تعاليم الإسلام السامية، والإيمان بالمبادئ، هو الذي مكَّنَنا من التغلُّب على كافّة القوى الشيطانيّة، رغم الأيدي الخالية.
أحبّتي، انتبِهوا! إنّهم لم يكفّوا عن الكيد لنا. إنّهم يتربّصون بنا، ويسعون لبثّ الفرقة بيننا. فإذا وجدتم من يريد -لا سمح الله- بَثَّ الفرقة بيننا، تصدّوا له، وليعلم بأنّ بثَّ الفرقة سيعيدنا إلى عهد القمع والاستبداد، سيعيدنا إلى العهد الذي نُهِبَت فيه ثرواتنا. إنّها أيدي الأجانب التي تسعى إلى الفصل فيما بينكم، والفصل بيننا وبينكم.
علينا -نحن وإيّاكم- أن نكون يقظين. علينا أن نكون يقظين! أنتم إخوتي، ونحن إخوانكم، نحن وإيّاكم من هذا الشعب، كلّنا من شعب واحد، كلّنا من بلد واحد، كلّنا على دين واحد، وعلينا جميعًا أن نسعى لإعلاء كلمة الإسلام وعزّة بلدنا. وإذا ما أراد الأجانب بَثَّ الفرقة فيما بيننا -لا سمح الله- فإنّ علينا أن نُفشِل مخطّطاتهم بالوعي واليقظة[1].
(91/3/9791م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص303.
194
169
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
إنّ الشياطين يتربّصون بنا، ويريدون إعادة الوضع إلى سابق عهده. إنّهم يريدون أسرَنا، يريدون عودة المستبدّين والمتجبّرين، يريدون نهب ثرواتنا. كلّ ما في الأمر أنّ الوضعَ كان بالأسلوب الشاهنشاهيّ، وربّما يتطلّعون للعمل بأسلوب آخر في المستقبل.
عليكم جميعًا أن تتحلّوا بالوعي واليقظة، وأن تدافعوا عن بلدكم، وعن الإسلام العزيز. وإذا جاء بعض المنحرفين، وقالوا في تجمّعاتكم: بعض الأمور التي تؤدّي إلى الفرقة، إذا جاء بعض المنحرفين وبثّوا بينكم الدعايات المغرضة، فاعلموا أنّهم منحرفون، وأنّهم يعارضون الإسلام، وأنّهم عملاء لأولئك الذين وضعونا في الأسر خلال تلك المدّة، وعملوا على تخلُّف بلداننا[1].
(02/3/9791م)
كونوا يقظين! فإنّ كثيرًا من هؤلاء الأشخاص الذين اندسّوا بين الناس، ويروّجون الدعايات السيّئة، يتطلّعون لهزيمة هذه الثورة. أيّها الأحبّة، ويا إخواني، تحلّوا بالحذر واليقظة، ولا تَدَعُوا المخرِّبين يفرّقوا بينكم! إنّهم يريدون إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السنوات الماضية، إنّهم عملاء للأجانب، إنّهم -في تصوُّري- عملاء أميركا، ويريدون إعادة تلك الأوضاع، من النهب وسلب الحرّيّات ومصادر الاستقلال، ثانيةً إلى إيران. فإذا
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج6، ص310.
195
170
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
لم تتحلّوا بالوعي واليقظة، أيّها الأحبّة وجميع أفراد الشعب، فإنّني أخشى أن ننهزم![1].
(11/4/9791م)
الإيمان بقدرة الإسلام وإحياء مجده وعظمته
فمع أنّ ثورتنا الإسلاميّة كانت الوريث لبلدٍ تابِعٍ مئة بالمئة، ومنهَكٍ ومتخلّف على جميع الأصعدة، وعلى الرغم من كلّ ما فعله النظام البهلويّ البائد على مدى أكثر من خمسين عامًا -جرّه البلاد إلى حافة السقوط، وتبديده لثروات الأمّة ومواردها، من خلال تقديمها رخيصة للأجانب، وخصوصًا بريطانيا وأميركا، وتقسيمه بعض هذه الثروات لأقربائه وحاشيته وأزلامه- على الرغم من هذه العقبات كلّها التي خلَّفَها لنا هذا النظام البائد، استطعنا، وببركة الإسلام والشعب المسلم، وخلال أقلّ من سنتَين، أن نتخطّى الكثير من العقبات، وأن نقرّر وننفّذ الكثير من المسائل المتعلّقة بإدارة البلاد.
وعلى الرغم من جميع العقبات التي أوجدَتها أميركا والدائرون في فلكها، من حصار اقتصاديّ، وتدخّلات عسكريّة، ومحاولات التدبير لانقلابات داخل إيران، إلّا أنّ أمّتَنا المجاهدة استطاعَت، بالاعتماد على الذات، أن تؤمّن كافّة احتياجات البلاد، وتوصلها إلى حدّ الاكتفاء الذاتيّ. وقريبًا، ستحلّ الثقافة الإسلاميّة المستقلّة محلَّ الثقافة الاستعماريّة التي روّج لها الشاه المقبور. وإنّ الجيش والقوّات
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج7، ص21.
196
171
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
المسلّحة وقوّات حرس الثورة وقوى الأمن والشرطة، جميعها على أهبّة الاستعداد لإرساء الأمن والنظام، والذود عن حياض الوطن، والتضحية بالنفس في سبيل الإسلام والدين، مدعومةً بقوّات التعبئة والجيش المليونيّ المجهّز، ذاتيًّا وتطوّعيًّا، مِن قبل أبناء الشعب.
فعلى أعدائنا أن يعلموا أنّ ثورتنا الإسلاميّة لا تماثلها أيٌّ من الثورات العالَميّة، من حيث عظمة الإنجازات، وقلّة الخسائر.
فبماذا يهذي دعاة السوء هؤلاء؟ إسلامٌ استطاع أن يحكم، وعلى مدى عدّة قرون، نصف المعمورة، واستطاع لمدّة أقلّ من نصف قرن، أن يقهر الطغاة المستبدّين، كيف يكون الآن عاجزًا عن إدارة دولة؟
إنّ أمّتنا اليوم، تساهم بفئاتها وشرائحها كلّها، بشكلٍ فعّال في إعمار البلاد، وإدارتها، وتنظيمها. إنّ أعداء الإسلام غافلون، أو يتغافلون عن مدى قدرة الإسلام على هدم أُسُس الظلم، وتشكيل حكومة، وإدارتها على أساس العدالة. إنّ أعداء الإسلام، بل حتّى الكثير من أصدقائه، يجهلون الكثير من أحكامه السياسيّة والاجتماعيّة، وقدرته الإداريّة الحقيقيّة. إنّ الإسلام كان مهجورًا ومغيّبًا على مرّ القرون التي تلت صدر الإسلام. لذا، على جميع المسلمين والعلماء والمفكِّرين والمهتمّين بالشؤون الإسلاميّة، أن يساهموا في إحيائه من جديد، ليعيدوا له الآن بريقه وتألّقه[1].
(21/9/0891م)
[1] صحيفة الإمام (قدس سره)، ج13، ص159-160.
197
172
الفصل السادس: سُبُل مواجهة أميركا
ضرورة تعديل ميزان القوى في العالم
يا مسلِمي العالم المؤمنين بأحقّيّة الإسلام! انهضوا، واجتمعوا تحت راية التوحيد، وفي ظلّ تعاليم الإسلام، واقطعوا أيدي القوى العظمى الشيطانيّة عن بلدانكم ونهب ثرواتكم، وأعيدوا للإسلام مجده، وتجنّبوا الاختلاف والفرقة، ولا تتّبعوا أهواء النفس، فإنّكم تملكون كلّ عناصر القوّة، وتسلّحوا بالثقافة الإسلاميّة، وواجِهوا بها الغرب والمتغرِّبين، واعتمِدوا على أنفسكم، وواجِهوا أصحابَ الفكر الشرقيّ والغربيّ، والمروّجين لهما، واستعيدوا هويّتَكم الإسلاميّة، واعلموا أنّ المثقَّفين المأجورين كانوا بلاءً ومصيبةً على أممهم وشعوبهم، وما لم تتّحدوا وتعتمدوا على خطّ الإسلام المستقيم، فستبقون على ما أنتم عليه من الذلّ والهوان والضعف.
فعلى الشعوب في هذا الزمان، أن تكون مشاعل نور على درب مثقّفيها، وأن تُنقِذَهم من العمالة للشرق والغرب، والانسحاق أمامهما. فاليوم يوم الشعوب وتحرُّكِها، واليوم باتت فيه الشعوب هاديةً للمهتدين.
واعلموا أنّ قوّتَكم المعنويّة ستتغلّب على جميع القوى، وعددكم البالغ ما يقارب مليار مسلم، مع ما تملكونه من غنى كبير في الموارد والثروات، قادرٌ على أن يحطّم قوى الكفر. انصروا الله، ينصركم.
198