المقدمة
مقدّمة عامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة ومعلماً للعالمين سيدنا محمد وبعد في خضم تعقد وظيفة التبليغ في هذا العصر لناحية تطور التقنيات أم لناحية طبيعة المستهدفين التي اصبحت غاية في التداخل لجهة الميول والاتجاهات والدوافع المختلفة التي تتنازع انسان اليوم في ظل الثورة الرقمية والاعلامية الهائلة التي تجتاح علمنا، اصبح لزاماً على القيمين والمشتغلين بشؤون إعداد المبلغ التوجه أكثر فأكثر نحو التخصص في الاعداد والتأهيل وصولاً لانتاج كادر تبليغي كفوء ومتمرس.
في هذا الاطار يقوم معهد الامام الباقر بمسؤولية مساعدة المبلغين والاخذ بأيديهم في هذا الطريق عبر تقديم سلسلة من الدورات والمسارات التأهيلية المناسبة التي تخدم وظيفتهم ومنها الدروات المتعلقة بأختصاص التدريس والتعليم وعلمي نفس التعليم والنمو.
وقد حرص المعهد في السنوات الماضية على تقييم تجاربه ومراكمة جهدده للعمل على اصدار متون تدريسية لائقة وموثوقة لتكون بين يدي المبلغين خير معين على وصولهم إلى الاهداف المرجوة من عمليات التأهيل المعتمدة.
وفي هذا السبيل ولثقته بالعمق العلمي والخبرة المتراكمة والتجربة الرائدة طلب المعهد إلى احد رواد هذا العلم وقاماته الشامخة عنينا به الدكتور هاشم عواضة مسؤولية إعداد هذه المتون التدريسية وقد احسن جزاه الله خيراً في انجاز هذه المتون على الوجه الاحسن مبتغياً بذلك الاجر والقبول عند الله سبحانه وتعالى، ونحن اذ نثمن جهوده المباركة نسأل الله له المزيد من التوفيق في هذا السبيل.
ختاماً ونحن نضع بين يديكم هذه السلسلة المباركة من المتون التدريسية لدورات تأهيل المبلغين والمدرسين نسأل العلي القدير أن تسهم غاية الاسهام في تحقيق المأمول منها والوصول بهذه البرامج التأهيلية إلى افضل ما يكون بحيث تكون محلاً لرضا وقبول حضرة بقية الله الاعظم، ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ (سورة يوسف:88)
6
1
المقدمة
مقدّمة
الإدارة الصفّيّة مفهوم مليء بالغموض يشبه شيئًا لا يمكن الباحث الإمساك به لعدم استقراره زمانيًّا. فالصّفُّ بيئة مركبّة، صعبة الإدارة، تجمع أفرادًا يتميّزون بتنوّع جذورهم الاجتماعيّة وأعمارهم وأمزجتهم وخبراتهم ودوافعهم والأهداف التي يتابعونها.
ولأنّ مفهوم الإدارة الصفّيّة يغطّي سياقات مدرسيّة متنوّعة: خصائص المتعلّمين، نظام الحياة في الصّفّ، الحسّ الجماعيّ، تنظيم العمل، التفاعلات في الصّفّ، الانتقال من نشاط تعلّميّ إلى آخر، التّعليمات... كان من الصعب انتاج خلاصات نهائيّة عنه، وبالتالي لا وجود لحلّ معجزة بسبب التّعقيد المصاحب لتحديده.
لقد حُدّدت الإدارة الصفّيّة على أنّها نوع من الكفاية الأفقيّة والبنية الإجرائيّة، المتغيّرة باستمرار، والضروريّة للمعلّم، للنجاح في مهامّه، والتي نلمس عدم وجودها بسهولة، في الصّفّ من خلال القياس مع مستوى رفع الاستفادة التعليميّة من الوقت المحدّد، وتحقّق آثار توقّعات المعلّم من المتعلّمين، وزيادة التفاعل بينه وبينهم، واستعمال التحفيز الإيجابيّ، وبالتحديد كلّ هذه المظاهر مجتمعة.
تغطّي الإدارة الصفّيّة مجموعة من المهمّات المطلوبة من المعلّم على ثلاث مراحل:
- التخطيط لعمليّة التّعليم والتعلّم.
- تنظيم العناصر المصمَّمة في حقيقة زمانيّة ومكانيّة محدّدة قي سياق معيّن.
- التّحكّم بالعمل الدائر في الصّف في ضوء المرحلتين السابقتين.
إنها تستلزم وضع شروط أساسيّة
7
2
المقدمة
إنها تستلزم وضع شروط أساسيّة حيّز التّنفيذ مساعدة على التّعليم والتعلّم. وهي تحتوي على التّنظيم المادّيّ والاجتماعيّ والتّفاعليّ في الصّفّ.
عُرّفت إدارة الصّفّ على أنّها مجموعة أفعال عمليّة ولفظيّة (تفاعلات وردّات فعل) يتصوّرها وينظّمها ويحقّقها المعلّم مع متعلّمين ولأجلهم، من أجل تعهّدهم وإرشادهم وتطويرهم في تعلّمهم ونموّهم.
يعتمد المعلّم، من أجل التمكّن من هذه الكفاية المعقّدة والمتغيّرة والصّعبة التحديد، على تطويره الشّخصيّ لكفايات تتقاطع معها. وكذلك الأمر، على امتلاكه صفات مثل الحزم والدّقة والثّبات والعدل والاتّساق والحركيّة.
8
3
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
يؤثّر في إدارة المعلّم للصّف عوامل عديدة نذكر منها: جنس المعلّم وجنس المتعلّمين وشخصيّة، المعلّم والمادّة المعرفيّة، والمتعلّمين وطريقة جلوسهم في الصّف، وعديدهم ومساحة الصّف والمدرسة...
1- عامل جنس المعلّمين والمتعلّمين
بيّنت نتائج دراسة عن أثر الانتماء الجنسي للمعلّمين والمتعلّمين على الإدارة الصفّيّة ما يأتي:
- ملاحظة فوارق في سلوك ومواقف المتعلّمين الذّكور والإناث في مجالات: النشاطات الصفّيّة، طريقة التّواصل، العلاقات بالآخرين، التّصرّفات، النظرة إلى الذّات، الدّافعيّة المدرسيّة.
- ملاحظة فوارق في سلوك المعلّمين حسب الجنس: فروقات نسبيّة قليلة في مجال التّواصل، وخاصّة في مجال حفظ النّظام والانضباط في الصّفّ.
- ملاحظة فوارق في سلوك ومواقف المعلّمين، حسب جنس المتعلّمين في عدّة مجالات: تنظيم النشاطات وتوزيع الانتباه والدّعم وحفظ النظّام والانضباط ومستوى التّوقّعات من المتعلّمين.
9
4
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
2- عامل المعلّم
تتغيّر طريقة إدارة الصّف من معلّم إلى آخر. فبالإضافة إلى السّمات الشّخصيّة للمعلّم وشهاداته العلميّة وفعاليّة إعداده المهنيّ وسنوات الخبرة والأقدميّة والطّريقة المعتمدة، تأتي مهارة المعلّم في تشغيل مجموع المتعلّمين على اختلاف مستوياتهم المعرفيّة ونتائجهم المدرسيّة لتؤثّر في الإدارة الصفّيّة وتميّز معلّمًا من آخر. إنّ فعاليّة المعلّم هي نتاج وصفة سحريّة معقّدة لا تلخّص بهامش تصرّف قابل للكشف بالتّجربة.
إنّ مهارة التّعليم تتطلّب وجود صفات إنسانيّة ومعنويّة واضحة لدى المعلّم إضافة إلى التزام حقيقيّ بالمهنة وقبولها والشّعور فيها بالاطمئنان والاستقرار الوظيفيّ. فالتّعليم هو عبارة عن خليط من العمل الفنّيّ والارتجال. وكأنّ المعلّم يقوم في صفّه بدور المهندس المعماريّ والفنّان وأحيانًا البهلوان.
3- عامل المادّة المعرفيّة
تقوم طبيعة المادّة العلميّة أو الأدبيّة بدورٍ في طريقة تعليمها وتعلّمها، وبالتّالي تؤثّر في إدارة الصّف. فالعلوم، على سبيل المثال، نتاج جماعيّ يقوم فيه المعلّم والمتعلّم بدورٍ ناشط، بحيث تضع نشاطات المختبر والمشاريع المعلّم في دور المنشّط، والمتعلّم في دور المتمرّن.
وهكذا تسمح هذه المادّة (المختبر) بمقاربة المواقع والوظائف لكلّ من المعلّم والمتعلّم بشكل مختلف يشجّع على إشاعة جوّ من التّعاون والبحث الجماعيّ المهمّ جدًّا في إيجاد ظروف ملائمة للتعلّم وحسن إدارة الصّف. كما وأنّ صورة المادّة التي يولّدها النّظام التربويّ والمدرسة في أعين المتعلّمين تؤثّر في الإدارة الصفّيّة. فالموادّ مصنّفة، في لبنان على أرض الواقع العمليّ في كثير من المدارس، أساسيّة وغير أساسيّة على الرغم من كون جميع الموادّ أساسيّة لجهة مساهمة كلّ منها في تنمية جانب أو أكثر من شخصيّة الإنسان من خلال تعليم وتعلّم معارفها ومفاهيمها.
10
5
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
من أسباب هذا التّصنيف اللاتربويّ وضع نسب متفاوتة من العلامات لكل مادّة في التّقييم. فالمادّة المعطاة كمّاً قليلاً من العلامات تصنّف غير أساسيّة، ممّا ينتج النّظر إليها بدونيّة من قبل المتعلّمين ومعلّمي الموادّ الأخرى "الأساسيّة" والإدارة وحتّى الأهل. هذه النّظرة الدّونيّة تصعّب الإدارة الصفّيّة في هذه الموادّ.
لقد لاحظنا أيضًا على أرض الواقع ممارسات لا تربويّة متأثّرة بهذا التّصنيف تجعل بالنتيجة الإدارة الصفّيّة في الموادّ غير "الأساسيّة" أمرًا صعبًا، وخاصّة في صفوف الشّهادات الرّسميّة وما قبلها وبعدها. من هذه الممارسات إلغاء موادّ لا امتحان فيها، في الشّهادة الرّسميّة من صفوف الشّهادات وقبلها بسنة أحيانًا. فموادّ الرياضة البدنيّة والفنون واللّغة الأجنبيّة الثّانية والشّفهي في اللغات الأولى، تتعرّض للإلغاء من المناهج أو تصادر حصصها التّعليميّة لتعطى للموادّ الأخرى بحجج مختلفة، ممّا يجعل متابعة المتعلّمين لمعارف هذه الموادّ مقطوعة.
فالمتعلّم الذي يتوقّف عن دراسة اللّغة الأجنبيّة الثّانية في الصّف التاسع لا يتمكّن بسهولة من متابعة هذه المادّة في الصّف العاشر. وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الإجراء المعتمد في بعض المدارس والقاضي بمعاقبة المتعلّم المقصّر في الرّياضيّات مثلًا، بحرمانه من مادّة الرّياضة البدنيّة بدون علم معلّم هذه المادّة أحيانًا، وبموافقته مرغمًا أحيانًا أخرى.
كيف تصبح الإدارة الصفّيّة في موادّ صنّفت زورًا غير أساسيّة لا امتحانات فيها ولا متابعة متواصلة لنشاطات تعليمها وتعلّمها؟!
نضيف أخيرًا إلى الممارسات المؤثّرة في الإدارة الصفّيّة والنّاتجة من النّظرة الدّونيّة إلى بعض الموادّ المعرفيّة، والتي ينتج منها عدم الاهتمام بنوعية المعلّمين المعتمدين لتعليم هذه المواد وعدم تأهيلهم كغيرهم من معلّمي الموادّ "الأساسيّة"، وعدم تعيين إشراف عليهم، وكذلك الأمر، عدم تأمين الوسائل الضّروريّة المعينة لهم في عمليّة التّعليم.
11
6
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
4- عامل المتعلّمين وتوزيعهم
يوضع المتعلّمون عادة في الصّفوف الدّراسيّة بالرّجوع إلى أعمارهم ومكتسباتهم التعلّميّة، وذلك على أساس التّفاوت في الأعمار والتّجانس النّسبيّ بالمكتسبات والقدرات. تكمّل أنظمة تقييم المكتسبات وترفيع المتعلّمين النّاجحين وقبول الجدد منهم لتعزّز هذا التّوزيع، على أساس التّقارب في العمر والمكتسبات.
يؤثّر عدم التقارب الزائد في العمر والمكتسبات لدى المتعلّمين في الإدارة الصفّيّة ويربك المعلّم. كما وييسّر هذه الإدارة، مبدئيًّا، وجود بعض التّفاوت في المكتسبات، الذي يشجّع التّفاعل بين المتعلّمين أنفسهم وبينهم وبين المعلّم.
نودّ هنا، أن نشير إلى بعض الممارسات التي تعرقل التّفاعل في الصّفّ، وتربك بالتّالي الإدارة الصفّيّة، حين تلجأ بعض المدارس إلى فصل متعلّمي الصّف الواحد ووضع الأقوياء منهم في شعبة واحدة والضّعاف في الشّعبة الأخرى، وفي ظنّها أنّ هذا الإجراء يسمح لمتعلّمي كل شعبة بالتّقدّم في التعلّم بدون معوّقات. لقد بيّنت العديد من الدّراسات عقم هذا الإجراء لأنّه يظهر الفوارق بين المتعلّمين ويفاقمها.
فالأقوياء يزدادون قوّة والضّعاف ضعفًا. كما وتتدنّى، في هذا الخيار، توقعات المعلّمين من المتعلّمين الضّعاف، ويزيد هذا الإجراء من عقد التّفوّق والضّعف ويخفّف من التّنافس وآثاره الإيجابيّة.
لقد أثبتت التجارب عن عزل المتعلّمين الضعاف عن الأقوياء، أنّ المجموعات المتجانسة بتطرّف (متعلّمين أقوياء وضعافًا) لا تتطوّر كثيرًا. فالمتعلّمون الضّعاف يحتاجون إلى متعلّم قويّ أو أكثر يستثير تطوّرهم ويقوده من خلال التّفاعل الإيجابيّ والنّقاش.
نودّ أن نشير إلى سلبيّات أخرى لفرز المتعلّمين ضعافًا وأقوياء، فالمتعلّمون لا يلبثون أن يكتشفوا أساس توزيعهم على الشّعب فينعتون شعبة الضّعاف بالكسل. والمعلّمون من جهتهم لا يتحمّسون لتعليم هذه الصّفوف، بسبب وجود حالات صعبة فيها. فصفوف الأقوياء سهلة الفرز
12
7
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
بينما من يبقى من المتعلّمين يُجمع في شعبة واحدة، بغض النّظر عن خلفيّات وأسباب الضّعف.
وإذا ما قلّ عدد المتعلّمين في نهاية العام الدّراسي، تضطّر المدرسة في العام الدراسيّ التّالي إلى جمع المتعلّمين الضّعاف والأقوياء في صف واحد، ممّا يصعّب أكثر الإدارة الصفّيّة للمجموعة الجديدة! إن الحلّ الأفضل، الميسّر للإدارة الصفّيّة، يكمن في توزيع المتعلّمين بشكل طبيعيّ على أساس العمر والنّجاح في المكتسبات بدون اللجوء إلى التّصفيات والغربلة. فالمتعلّمون الأقوياء يعطون نتائج أفضل في صفوف فيها عدم تجانس نسبيّ وينمّي لديهم الأداء المدرسيّ ومفهوم تقدير الذّات، بينما جمعهم في صف أقوياء ينمّي بينهم أجواء التّنافس على حساب التّكامل والتّعاون ويتحوّل إلى مشكلة وتهديد للكفاءة الشّخصيّة. بينما يقلّل جعل الضّعاف في صف واحد، من فرص تطوّرهم واستفادتهم، عبر التّفاعل مع الأقوياء، ويساهم في زيادة ضعفهم وشعورهم بالدّونيّة.
المطلوب من المدرسة اعتماد توزيع طبيعيّ للمتعلّمين على الصّفوف كما تقدّم، توزيع ينتج منه ظروفٌ ميسّرة للإدارة الصفّيّة، ولتكوين مجموعة صفّ يتعاون أفراده ولا يتنافسون بشكل سلبيّ وليس تجمّع متعلّمين! وإذا أرادت المدرسة الاهتمام أكثر بالضّعاف فمن خلال نشاطات خاصّة وبشكل فرديّ أو مجموعات، حاجات محدّدة الموضوع، محدودة العدد والزّمن، فلها ذلك من دون اللجوء إلى إجراءات أثبتت التّجارب والدّراسات ضررها على الإدارة الصفّيّة وعلى المسار التعلّميّ السليم للمتعلّمين.
5- عامل الصّف وعديد المتعلّمين
تؤثّر خصائص جماعة المتعلّمين في الصّف الواحد، وعديدهم ومساحة الصّف على الإدارة الصفّيّة. فالخصائص الجمعيّة لجماعة المتعلّمين (المستوى الوسطيّ، مدى التباين
13
8
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
بين الأفراد، نوع العلاقات بين المتعلّمين...) تؤثّر في الإدارة الصفّيّة والنتائج المدرسيّة أكثر من تأثير الخصائص الفرديّة. يظهر هذا التأثير بشكل خاصّ في المرحلة الابتدائيّة حيث تتغيّر مكتسبات المتعلّمين حسب خصائص جماعة الصّفّ ( ما بين 10-20 %).
يقترح أحد التربويّين تفكيك مجموعة الصّف الثابتة المتمثّلة بتركيبة واحدة للعمل والسّعي إلى تكوين مجموعات في بعض النّشاطات على أساس الحاجات والمشاريع والمستوى، أي تجاوز سلبيّات محتملة للخصائص الجمعيّة والتّعامل مع الخصائص الفرديّة.
أما عديد المتعلّمين في الصّف الواحد فيختلف، لاعتبارات مختلفة، حسب الدّول والمدارس. إنّ الرّأي الشّائع والصحيح، بشكل عامّ، هو العلاقة الإيجابيّة بين قلّة عديد المتعلّمين وتشجيع الظّروف المناسبة للتّعليم والتعلّم. لقد أثبتت الأبحاث زيادة في مكتسبات المتعلّمين عندما يقلّ عددهم عن عشرة، وخاصّة عند الفتيان حتّى عمر خمس عشرة سنة.
أمّا أسباب تأثير قلّة عدد المتعلّمين على الإدارة الصفّيّة، وبالتّالي زيادة المكتسبات التعليميّة، فيعود إلى توزيع جهود المعلّم على عدد أقلّ من المتعلّمين، ممّا يساعد على زيادة الإنتاجيّة وتفريد التّعليم.لم تتطرّق الدّراسات في هذا الجانب إلى عامل مساحة الصّف التي لها برأينا دور في الإدارة الصفّيّة. فالمتعلّم يحتاج إلى ما مساحته حوالي متر مربّع ونصف المتر، في الصّف، أو أكثر، ممّا يعني، أنّنا، عندما نزيد عدد المتعلّمين في صفّ مساحته غير مناسبة، نعرقل تجوّل المعلّم بين المتعلّمين وبالتّالي الإدارة الصفّيّة التي تستلزم سهولة في الحركة عند المعلّم بين المتعلّمين، وبين المتعلّمين أنفسهم.
6- عامل المدرسة
لا يمكن فصل عمليّة تحليل آثار أشكال إدارة الصّف عن التّشغيل العامّ للمدرسة، من خلال وضع الموضوع في سياق أوسع من إدارة العمل التّعليميّ داخل الصّفّ.
إنّ بنية المدرسة والأنظمة التي تعتمدها: تشجيعها للتنافس وانفتاحها أو عدمه على المجتمع، تجهيزاتها، والثواب والعقاب، ومجالس المتعلّمين والأهل والمعلّمين، والعلاقات
14
9
1- العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ
بالمحيط (اللقاءات والنّشاطات...) كلّها تؤثّر سلبًا أو إيجابًا في سلوك المتعلّمين، وبالتّالي في الإدارة الصفّيّة.
كما وأنّ انفتاح مشروع المدرسة التربويّ على الثقافة المحلّيّة يساهم، ليس فقط في تطوير هذه الثقافة، وإنما يشجّع المتعلّمين على فهم أفضل لمشاكلهم ويسمح بتحسين أدائهم، كون النشاطات مرتبطة مباشرة بتجاربهم وتنمّي لديهم الشّعور بالثّقة والطّمأنينة، لأن المدرسة تتقبّل بيئتهم ومشاكلهم وتزيد بالتالي من شعورهم بالأمان وتنمّي الأجواء الصفّيّة الإيجابيّة.
إنّ المدرسة غير المضبوطة سلوكيّاً والتي تعاني من مشاكل إداريّة وسلوكيّة، لا توفّر أجواءً ملائمة للتعليم والتعلّم. ولا يمكن هنا الرّكون إلى مهارات بعض المعلّمين داخل صفوفهم، أو الاعتماد على وعي بعض المتعلّمين الجِدّيّين، إذ ما تلبث عدوى الفوضى واللامبالاة والمشاكسة أن تنتشر، فتفلت زمام الأمور حتّى من الغيارى من المعلّمين والمتعلّمين!
7- عوامل أخرى
إضافة إلى ما تقدّم، هنالك عوامل أخرى أقلّ أهميّة تؤثّر في الإدارة الصفّيّة نذكر منها:
- عامل توقيت تنفيذ الحصّة
ونقصد بذلك وقت تنفيذ الحصّة التّعليميّة والتعلّميّة خلال اليوم المدرسيّ. فمن الملاحظ أنّ الحصّة الواقعة في نهاية الأسبوع عشيّة العطلة الأسبوعيّة أو الفصليّة تصعب إدارتها بشكل طبيعي. كما وأنّ وضع عدّة حصص متتالية للمادةّ الواحدة في نفس اليوم قد يبعث الملل في نفوس المتعلّمين. كما وأنّ وضع مادّة معتبرة غير أساسيّة في آخر اليوم دائمًا تخفّف من احتمالات المشاركة الفعّالة من قبل المتعلّمين.
- عامل الضجّة
يتطلّب التّعليم والتعلّم هدوءًا يساعد على التركيز والمتابعة والتفكير. ولهذا كان السّعي لبناء المدارس في أماكن بعيدة عن الصّخب، أو عزل النوافذ تأمينًا لأجواء مساعدة على التخفيف من التّلوّث الصّوتيّ المشتّت للانتباه والتركيز.
15
10
2- إدارة الجوانب المادّيّة والتّنظيميّة
وتشتمل هذه الإدارة على التنظيم المادّيّ للصّفّ، وعلى القوانين والإجراءات، ومن ثَمَّ على الأنظمة المساعدة على حسن إدارة عمل المتعلّمين والحركات والنّظرات والأعمال الرّوتينيّة وأخيرًا على سبل المحافظة على السّلوك الإيجابيّ، والتّعامل مع السّلوك المشكل.
1- التّنظيم المادّيّ للصّفّ
إنّ التّوزيع المكانيّ للمتعلّمين في الصّفّ ليس أكثر من وسيلة متاحة للمعلّم من أجل تأمين ظروف تعلّم مناسبة. يمكن للمعلّم توزيع المتعلّمين على المقاعد بشكل تقليديّ أي في صفوف مستقيمة أو على شكل نصف دائرة أو مجموعات. ويمكنه أيضًا تقسيمهم إلى مجموعات على أساس المستوى أو الجنس أو القبول المتبادل في بعض النّشاطات. وأيّا يكن شكل التّوزيع المعتمد من قبل المعلّم، يجب أن يخدم تسهيل المشاركة والتّواصل والاستقلاليّة في العمل، وأن يخدم توليد التّفاعل وخفض العدوانية وزيادة التعاون والإنتاجيّة في صفوف المتعلّمين.
لا يمكن، بالرّجوع إلى ما تقدّم، اعتماد شكل واحد من التنظيم يلبّي كلّ الحاجات. ولهذا كان تنظيم المقاعد في الصّف بأشكال متنوّعة، حسب النّشاطات، يسمح لكلّ متعلّم بأن يجد حاجته في الجلوس المريح الميسّر للتعلّم. إنّ من متطلّبات اعتماد التنّوع في أشكال توزيع المتعلّمين في الصّفّ سعة مساحته وتوفّر مقاعد إفراديّة للمتعلّمين تسمح بحريّة الحركة، على أن يكون الكرسيّ مستقلّاً ومريحًا وصحّيًّا لا يقوّس الظهر.
16
11
2- إدارة الجوانب المادّيّة والتّنظيميّة
فكما أنّ المتعلّم يكتسب عادات وقيمًا في المدرسة فهو قد يرث تشوّهات جسديّة بسبب طريقة الجلوس في المدرسة، وبصريّة أحيانًا بسبب زاوية مكان وجوده بالنّسبة إلى اللّوح.
توجد قواعد صحيّة وتربويّة في اختيار تحهيزات الصّف، لا بدّ للمدرسة من مراعاتها حين شراء التّجهيزات المدرسيّة. إنّ عدم مراعاتها يمكن أن يشكّل سببًا غير مباشر على الإدارة الصفّيّة. فالمتعلّم غير المرتاح، على سبيل المثال في جلسته، لا يستطيع التركيز والمتابعة بشكل طبيعيّ مع المعلّم.
2- تنظيم موجودات الصّفّ
ونعني بذلك حسن توزيع واستثمار موجودات الصّف، ( الطّاولات، الكراسي، مكتب المعلّم، تعليقة الثياب، الأجهزة السّمعيّة والبصريّة، اللوحات، المجسّمات، المكتبة، الوسائل...) إذ يحتاج تنظيم محتويات الصّف إلى اتخاذ قرارات مناسبة أساسها خدمة الوظائف المعدّة لها وتوفير ظروف تعليم وتعلّم فعّالة ومريحة.
على المعلّم الاهتمام بترتيب الجدران واللّوحات والسّقوف وتزيينها من دون إفراط تجنّبًا لتشتيت انتباه المتعلّمين. والانتباه إلى نوعيّة اللّوح وسعته وحسن استثماره والمحافظة على نظافته، والاهتمام بالتهوئة والإنارة. كما ويمكنه، بمساعدة المتعلّمين، إضافة لمسات شخصيّة إلى موجودات الصّف: نباتات، حوض أسماك، أقفاص، طيور أو حيوانات أليفة (سلاحف، أرانب...) متحجّرات، ساعة حائط... من المفيد إذًا، إشراك المتعلّمين في تنظيم موجودات الصّف وإعادة توزيعها من وقت إلى آخر تجنّبًا للملل.
إنّ تنظيم موجودات الصّف، وقبل ذلك المواصفات المعتمدة في شرائها، تعكس فلسفة المدرسة والمعلّم التربويّة. يجب الالتفات إلى خمسة أسس للترتيب الجيّد لموجودات الصّف:
- ترتيب موجودات الصّف بشكل منسجم مع الأهداف والأنشطة التّعليميّة.
17
12
2- إدارة الجوانب المادّيّة والتّنظيميّة
- جعل أماكن المرور والحركة الرئيسيّة خالية من الاكتظاظ.
- التّأكد من مشاهدة المعلّم لجميع المتعلّمين بسهولة.
- وضع الموادّ التّعليميّة ولوازم المتعلّمين أو الصّفّ، التي تُستخدم باستمرار، في أماكن يسهل الوصول إليها (زاوية المصادر والمراجع، سلّة المهملات، تعليقة الثياب، المغسلة...).
- التأكد من أن جميع المتعلّمين يتمكّنون من مشاهدة الوسائل واللوح واللوحات والعروض التّعليميّة.
3- القوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة
يحدّد القانون المدرسيّ والصّفيّ توقّعات أو معايير عامّة للسّلوك المرغوب في المدرسة والصّفّ (اللطف مع الآخرين، احترام ملكيّة الغير، منع الركض في الممرّات الدّاخليّة وعلى الأدراج، حرمة كسر أغصان أشجار المدرسة، المحافظة على نظافة المدرسة، المحافظة على ممتلكات المدرسة...). بينما يمثّل الإجراء التوقّعات الخاصّة بالسّلوك مطبقة على نشاط محدّد (تقديم الفروض والواجبات، التّعامل مع التّأخير، مغادرة الصّف، إنهاء الحصّة، العناية بموجودات الصّفّ، طلب الإذن لاستعارة غرض من زميل...).
من الإجراءات ما هو خاصّ بالمدرسة، ومنها ما هو خاص بالمعلّم، ومنها ما هو خاصّ بالمتعلّمين. وهنا لا بدّ من المحافظة على التّوافق الدّاخلي والتّكامل بين القوانين المدرسيّة والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة، فالتكامل والاتساق في ما بينها يسهّل موضوع تطبيقها.
يخدم حسن تطبيق القوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة فهم المتعلّمين للسّلوك المتوقّع منهم فيها، وتعريفها وتوضيحها وتقديم أمثلة عنها وخاصّة في الصّفوف الدنيا (التزام الدّور، عدم المقاطعة في الكلام، تجنّب الشّجار، طلب الإذن عند استعارة غرض ما من الزّميل وشكره عند ردّه...).
18
13
2- إدارة الجوانب المادّيّة والتّنظيميّة
ومن المفيد أيضًا مشاركة المتعلّمين في وضع هذه القوانين والإجراءات إذا أمكن ذلك، أو نقاش أسبابها وفوائدها من أجل تحمّل المسؤوليّة وتعزيز الالتزام بها، ومن ثَمَّ التّدرب عليها والتّأكد من فهمها وتشجيع المتعلّمين والثناء عليهم ومكافأتهم عند احترامها، والتذكير بها عند عدم الالتزام بها.
يُنصح المعلّم بأخذ الوقت في بداية العام الدّراسيّ من أجل تقديم وصف محدّد وملموس لتوقّعات السّلوك ومتطلّبات المادّة ومعايير العمل. والالتفات إلى تقديم القوانين والإجراءات بنبرة إيجابيّة، كأن يقول للمتعلّم: "يمكنك الكلام بعد أخذ الإذن"، عوض القول: "ممنوع عليك الكلام". كما وعلى المعلّم أن يكون حازمًا ومنصفًا في تطبيق القوانين والإجراءات، وأن يبرهن عن اتساق في التّعامل معها، بمعنى الاحتفاظ بنفس التّوقعات للسّلوك المقبول وغير المقبول في نشاطات معيّنة، ممّا يعني تطبيق التّوقعات على الجميع بدون تمييز في جميع الظّروف ومن قبل جميع المتعلّمين. من مسبّبات عدم الاتساق:
- كون القوانين أو الإجراءات غير معقولة .
- إخفاق المعلّم في التّأكد من التزام المتعلّمين بالقوانين والإجراءات.
- الشّعور بعدم الحاجة لتطبيق القانون أو الإجراء.
يُطلب من المعلّم عندما يستنتج عدم الاتساق:
- إعادة تعليم الإجراء وتوضيحه والتّأكيد على الالتزام به.
- تعديل الإجراء ثمّ إعادة تقديمه.
- ترك الإجراء أو عواقبه أو استبداله بآخر.
يزيد من فرص الالتزام بالقوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة الإعلان عنها خطّيًّا من خلال كتابة المناسب منها على لوحة في الصّف وفي الممرّات والملاعب وفي مفكرة المتعلّم والحصول على نوع من الالتزام الخطّيّ بها من قبل المتعلّم والأهل، واللجوء إليها في كلّ مرّة لا يلتزم بها أو التّذكير بها.
19
14
2- إدارة الجوانب المادّيّة والتّنظيميّة
إنّ التّوقيع عليها بعد نقاشها وأخذ العلم بها على مفكّرة المتعلّم أو عند التّسجيل في بداية العام الدراسي يشكّل نوعًا من العقد بين المتعلّم وأهله من جهة، والمعلّم والمدرسة من جهة أخرى. وقد يكون من المناسب والمفيد الذهاب أبعد من ذلك في العقد، حين ترد فيه حقوق المتعلّم وليس فقط واجباته!
نشير أخيرًا، إلى أهميّة الاتّساق في فهم القوانين والإجراءات وتطبيقها بين المعلّمين أيضًا، من أجل زيادة فرص الالتزام بها من قبل المتعلّمين.
4- الكلام والحركات والنّظرات
يُطلب من المعلّم التّكلّم بوضوح وببطء نسبيّ، وعدم الإكثار من الكلام، فالسّكوت أحيانًا يكون مفيدًا، وخاصّة من أجل حثّ المتعلّمين على التّعبير وإبداء الرأي والعمل والاكتشاف.
يساعد عدم الإكثار من الكلام، المعلّم، في المحافظة على الاستمرار فيه لمدّة أطول، والالتزام بقواعد التّخاطب والتّواصل الأساسيّة: عدم مقاطعة المتعلّمين، الإصغاء إليهم. ومن المناسب أيضًا، لجوء المعلّم إلى اعتماد حركات مصاحبة للكلام، ولكن بدون إفراط.
أما حركة المعلّم في الصّفّ، فيجب أن لا يقف أمامها أيّ رادع. يختار المعلّم مكانه في الصّف بالرّجوع إلى معيار غير واضح، ويشغل المتعلّمون مساحة الصّف تقليديًّا حسب تسلسل معيّن: مكتب المعلّم، الأقوياء في الصّفوف الأولى والضّعاف في الصّفوف الأخيرة، والمشاغبون في زوايا الصّف.
وهناك حواجز غير مرئيّة تقسّم المتعلّمين حسب الدّور والمكانة، فإذا كان من الصّعب على المعلّم إجبار المتعلّمين، خاصّة في الصّفوف العليا، على الجلوس في أماكن يختارها هو، لهذا عليه تيسير تنقّله في الصّف والتّوقّف في أيّ مكان من أجل إثبات عدم وجود خصوصيّة لأي مكان يجلس فيه المتعلّم، وعدم عزله عن التّواصل مع المعلّم.
أمّا نظرات المعلّم فيجب أن يكون هدفها إشعار المتعلّمين بالاهتمام بهم والتّواصل معهم واستقبالهم بالابتسامة وعدم مراقبتهم باستمرار وتجنّب النّظر الدّائم إلى متعلّم معيّن أو مجموعة متعلّمين وإنّما توزيع النّظرات على الجميع.
20
15
2- إدارة الجوانب المادّيّة والتّنظيميّة
5- إدارة الأعمال الرّوتينيّة
يوجد في بداية ونهاية كلّ نشاط تعليميّ وتعلّمي أعمالٌ وإجراءات روتينيّة تشكّل حلقة وصل بين التّخطيط والتّنفيذ.
تصنّف هذه الأعمال إلى ثلاثة أنواع:
أ- روتين اجتماعيّ: ويمتاز بكونه يؤمّن بُنية تحتيّة تحدّد عمل المعلّم مع المتعلّمين: طريقة تنظيم المحفظة المدرسيّة، العناية بغرفة الصّف، وقف الثرثرة والهمسات... يدلّ النقص فيها على إحساس بالفوضى وعدم التقيّد بالنّظام.
ب- روتين دعم وإسناد تعليميّ ومادّيّ: ينظّم هذا الرّوتين الجوانب المادّيّة في العمليّة التعليميّة والتعلّميّة: توزيع الفروض المصحّحة، استعمال الأدوات (الكتب، المعاجم...)، اللوح، القدوم إلى مكتب المعلّم... يدلّ حصول مشكلة في هذا الجانب على غياب المعلّم عن مسرح العمل.
ج- روتين تواصل: وينظّم التّفاعلات والسّلوك اللفظيّ وغير اللفظيّ بين المعلّم والمتعلّمين: رفع الأيدي للكلام، الإصغاء، الإجابة... ويوحي النّقص في هذا المجال بأنّ المعلّم يحكي وحده أو أنّ المتعلّمين لا يتابعونه.
إنّ الصّف مكان غير مستقرّ وغير متحكّم به بالكامل، والتّمكّن من الأعمال الرّوتينيّة يحرّر المعلّم ويمكّنه من الانطلاق لإيجاد حلول للمشاكل غير المتوقّعة، ويساعده على تطوير مستوى الترابط في عمله، ويضمن له مستوى أعلى من الاستقرار في العلاقات مع المتعلّمين، والحصول على إدارة صفّ فعّالة وعلى تعليم نوعيّ لا إضاعة للوقت فيه.
يهمّنا التّأكيد على أهميّة وضرورة تطبيق هذه القواعد السّلوكيّة الطّقسيّة، من أجل الحصول على النّظام والانضباط، وتنميّة مشاركة المتعلّمين، ورفع مستوى التبادلات بين المعلّم والمتعلّمين، وبالتّالي تحسين فعاليّة العمليّة التّعليمية والتعلّميّة.
ولهذا كان من الضّروريّ توضيح هذه الأعمال الرّوتينيّة للمتعلّمين والاتفاق بشأنها معهم، وليس فقط قولها لهم، وإنّما تبيان فوائدها، من أجل الحصول على ثقافة متّفق عليها في النّظام الصّفّيّ. وكذلك الأمر، توحيد ما أمكن منها، بين المعلّمين تيسيرًا للحصول على تعليم انسيابيّ وتعلّم نوعيّ ونظام نسبيّ، وتجنّب كلّ استطراد أو انحراف أو مقاطعة.
21
16
3- إدارة سلوك المتعلّمين
نقصد بسلوك المتعلّمين، هنا، تعاون هؤلاء مع القوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة ومدى تجاوبهم مع متطلّبات الأنشطة التّعليميّة والتعلّميّة. نميّز في هذا بين السّلوك الإيجابيّ المتوافق مع التّوقعات، والسّلوك السلبيّ المعرقل لعمليّة التّعليم والتعلّم على مستوى المتعلّم وأكثر منه على مستوى مجموع الصّفّ.
1- المحافظة على السّلوك الإيجابيّ
تعكس المحافظة على السّلوك الإيجابيّ، لدى المتعلّمين، انخراطهم في الأنشطة التّعليميّة والتعلّميّة، واحترامهم للقوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة.
من المفيد للمعلّم السّعي لبناء جوّ إيجابيّ بينه وبين المتعلّمين، وتجنّب الإفراط في التّركيز على السلبيّات، واللجوء إلى الثناء الخاصّ، من خلال تدوين مديح على مفكّرة المتعلّم أو مسابقته، أو عبر حديث خاصّ، أو خلال اجتماع مع الأهل، أو توجيه رسالة إليهم. أمّا الثناء العام فيلجأ إليه المعلّم أحيانًا، من خلال التّركيز على إنجازات المتعلّم، والتنويه الشّفهي وتبنّي مقولته وذكره كمثال...
على المعلّم عدم الإيحاء أو القول للمتعلّمين بأنّهم لا يملكون قدرات ولا ينفعون بشيء، بل يُطلب منه دائمًا إعطاؤهم الأمل والتشجيع، والإصغاء إليهم والحوار معهم والسّعي للحصول على إطاعتهم للقوانين وليس له بالرّجوع إلى سلطته، مع شرح فوائد القوانين في حمايتهم من الانحرافات وحفظ حقوقهم.
22
17
3- إدارة سلوك المتعلّمين
يساهم في بناء السّلوك الإيجابيّ في الصّف والمحافظة عليه تشكيل مجموعة صفّ وليس جمعًا من المتعلّمين. ويُنصح للوصول إليه: استقبال المتعلّمين وتنظيم العمل منذ اللقاء الأوّل، وتنظيم العلاقات في الصّفّ، وإدماج القادة المؤثّرين من المتعلّمين في العمل، والسّماح بالنّجاح والعمل له والتّشجيع عليه، وشخصنة العلاقات مع المتعلّمين والتقرّب منهم بدون إفراط، وتنميّة الاستقلاليّة وضمان التّوافق في المداخلات، وتقوية الرّبط بين أفراد فريق الصّفّ.
الأصل إذًا في سلوك المتعلّمين أن يكون إيجابيًّا، من خلال احترام المعلّم لشخصيّاتهم، وتشجيع جهودهم، وعدم الاستهزاء بقدراتهم، والعمل على تجنيدهم في المشروع التعلّمي كفريق، وليس كجمع من المتعلّمين.
2- التّعامل مع السّلوك المشكل
فالمعلّم يواجه، خلال عمله في الصّفّ، مشاكل انضباطيّة، ونزاعات مع المتعلّمين، وبين بعضهم البعض، وعدم التزام بالقوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة بشكل خاصّ، ولا نعني هنا حالات التّأخر في التّحصيل الدّراسيّ. كيف يتعامل المعلّم معها؟ ما هو شكل التّعامل المرغوب وما هي حدوده؟ إنّ طريقة تعامل المعلّم مع السّلوك المشكل محكوم بالقوانين التربويّة والمدرسيّة، وهو يشكّل بالنّسبة إلى المتعلّم جزءًا من تعلّم العيش في المجتمع، والتّربية على المواطنيّة والعلاقة بالقانون.
يملك المعلّم في الصّفّ، إضافة إلى سلطته الإداريّة والمعرفيّة، سلطة معنويّة يستعملها في التّعامل مع السّلوك المشكل بالتّدرّج الزّمني وبالمستوى. فعندما يشهد المعلّم سلوكًا مشكلّاً يقدّر بأنّه يستحقّ إتخاذ موقف منه يلجأ إلى:
عدم التّدخّل: وخاصّة في بداية حصول هذا السّلوك، أو لإتاحة الفرصة أمام صاحبه لوقفه أو لتقدير المعلّم أنّه غير مناسب الرّد عليه، أي إن المعلّم يتّخذ موقف الانتظار والملاحظة.
التّدخل من دون إزعاج النّشاط الصّفّيّ: وهنا يعتمد المعلّم عدّة استراتيجيّات تبدأ بتحديق
23
18
3- إدارة سلوك المتعلّمين
النّظر من غير تهديد ولكن بجدّيّة مع وقف الكلام، إلى صاحب أو أصحاب السّلوك غير المنضبط، يليها الاقتراب الجسديّ واللّمس الخفيف إذا رأى ذلك مناسبًا، وأخيرًا سؤال المتعلّم شخصيًّا عن دوافع سلوكه... يُمكن المعلّم التّعبير للمتعلّم عن الانزعاج من السّلوك مع تبيان أثره والشّعور تجاهه.
التّدخل أمام الصّف: وخاصّة عندما يكون السلوك مزعجًا بدرجة أعلى، وعندما يدوم بعد اللجوء إلى المراحل السابقة. يطلب المعلّم، بنبرة مختلفة، من المتعلّم وقف السّلوك المزعج أمام كلّ الصّفّ (كأن يقول للمتعلم: عندما تتابع الحديث بدون إذن فإنّ ذلك يعطّل الدرس ويجعلني أشعر بالانزعاج، ولهذا أطلب منك التوقّف). يعزل المتعلّم في الصّف مع وعده بالرّجوع إلى مكانه حالما يتوقّف عن السلوك السلبيّ. يأخذ مفكّرته.
- التّدخل بعد الصّف: يستبقي المعلّم المتعلّم بعد الحصّة لنقاش الموضوع معه وحده ومحاولة فهم الأسباب لأهميّة هذا الجانب في علاج المشكل. وإذا لم يكف لقاء واحد، متابعة النّقاش في لقاءات أخرى دوريّة للعلاج. إنّ المعلّم خصم وحكم في الوقت نفسه ولهذا من المفيد في بعض الحالات اللّجوء إلى وسيط (النّاظر، الإرشاد التربويّ، الأهل، معلّم الصّف...).
- العقاب الفوريّ: بعد تكرار السّلوك السلبيّ وإصرار المتعلّم عليه، يلجأ المعلّم إلى العقاب الذي يجب أن يكون طابعه تربويًّا. فالعقاب الجسدي ممنوع بالمطلق لعدم فائدته ولأنّه، حسب ابن سينا، يعلّم الولد النّفاق. يجب أن لا يكون العقاب جماعيًّا، خاصّة عندما لا يستطيع المعلّم حصر المتعلّم صاحب السّلوك السلبيّ لأنّه يطال بهذه الطّريقة أبرياء. وأن لا يكون تحت تأثير الغضب والانتقام. وهنا يستحسن بُعد المعلّم الجسدي عن المتعلّم المخطئ. على المعلّم أيضًا توضيح سبب العقاب وتحميل المتعلّم المسؤوليّة. تلجأ بعض المدارس إلى عقاب المتعلّم بحرمانه من المشاركة في نشاط تعليمي في مادّة أو نشاط يحبّه (الرّياضة أو الرّسم أو الرحلة التربويّة). إنّنا نرى في اعتماد هكذا عقاب خطأ تربويًّا فادحًا. كما وأنّ بعض المعلّمين يلغون، للمتعلّم غير المنضبط، بعض علامات المادّة، وفي هكذا تصرّف خطأ آخر. يمكن للمدرسة اعتماد نظام خاصّ بعلامات السلوك يسمح للمعلّم بإنقاص علامات
24
19
3- إدارة سلوك المتعلّمين
من تلك المخصّصة للسّلوك المشكل وبالرّجوع إلى النّظام المعلن والموضّح للمتعلّم، مع توثيق الحالة والإجراء المتّخذ. يأخذ العقاب هنا، بعد تحديد وظيفته وإطاره، شكل نسخ قاعدة للحفظ عدداً غير مبالغ فيه من المرّات، فالمهمّ هنا، هو عنوان الإجراء وليس كمّه حتّى لا يؤثّر تنفيذه في أداء المتعلّم لواجباته المدرسيّة، فنغرقه بدل إعطائه الفرصة للتّغيير. كما ويمكن أن يُطلب منه نسخ جملة تبدأ بضمير المتكلّم (ذكر المشكلة)، ثمّ إضافة وذلك (وصف الأثر السلبيّ) يجعلني (ذكر الشّعور والسّعي لعدم العودة إلى السّلوك). أو أن يُحجز على الفرصة ولكن مع مراقبته. وإذا وجد المعلّم مناسباً إبلاغ الأهل خطّيًّا عبر مفكرة المتعلّم أو عبر رسالة خطّيّة أو شفهيّة خاصّة بسلوك ولدهم، مع اعتماد آليّة للتّأكّد من وصولها، يمكنه ذلك، لخير المتعلّم وعمليّة التّعليم والتعلّم. كما ويمكنه استدعاء الأهل لنقاش الأمر معهم بحضور المتعلّم.
- الفصل من الصّف: ويكون هذا الإجراء آخر الدّواء. لهذا يجب أن يكون استثنائيًّا وبعد استنفاد السّبل الأخرى في تقويم سلوك المتعلّم. لا يُسمح للمعلّم إخراج المتعلّم من الصّفّ عند أدنى سلوك مُشكل. إنّنا نرى عدم جواز إرسال المتعلّم خلال الحصّة لجلب الطّبشور أو أي وسيلة معينة أخرى للمعلّم؛ لأنّ في ذلك تعدِّيًا على حقّه بحضور كامل الحصّة. وإذا رأى المعلّم أخيراً، الحلّ في إرسال المتعلّم إلى النّاظر، فمن المستحسن أن يكون ذلك بعد انتهاء الحصّة إلاّ إذا كان الموضوع مُلحًّا ولا يتحمّل التأجيل. أمّا الفصل من الحصّة للوقوف أمام باب الصّف فإجراء غير مستحسن؛ لأنّ المتعلّم المعاقب لا يخضع للرّقابة وقد يكون ذلك مطلبه!
أخيراً، وإذا كان السّلوك المشكل يستحقّ الفصل ليوم أو أكثر من المدرسة، فهذا الإجراء هو من صلاحيّات المجلس التّأديبيّ في المدرسة الذي يجتمع ويستمع إلى الحالة ويحقّق مع المتعلّم ويوثّق الحالة ويعلم الأهل خطّيًّا بالعقاب المتّخذ.
وهنا لا بدّ أيضًا من إيجاد قانون خاصّ بالحالات والعقوبات للرجوع إليه. إنّ وجود هكذا قانون يُرجع العقاب إلى الأفعال وليس إلى الأشخاص، مع أنّه لا وجود لقانون جامع شامل لكلّ الحالات. من هنا ضرورة وجود مجلس يناقش الحالات ويتّخذ القرارات.
25
20
3- إدارة سلوك المتعلّمين
نلخّص مراحل التّعامل مع المشاكل السّلوكيّة في الجدول الآتي:
شكل التدخّل
|
نوع التدخّل
|
مستوى إشكالية السّلوك
|
الانتظار
|
عدم التّدخّل
|
بسيط / صغير
|
الملاحظة
|
|
تثبيت النّظر
|
التّدخّل من دون تعكير
النّشاط التّعليمي-
التعلّمي في الصّف
|
الاقتراب من المتعلّم
|
سؤال المتعلّم على حدة
|
طلب تعديل السّلوك
|
التّدخّل بعد الصّفّ
(الدّرس)
|
عقد جلسة مع المتعلّم
|
معالجة مشكلة عدم تكيّف مدرسيّ
|
العقاب المسوَّغ والموضّح
|
العقاب
|
العقاب العاجل
|
الفصل المحدود من الصفّ
|
الفصل
|
كبير
|
26
21
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
يؤثّر في الإدارة الصفّيّة، التّخطيط لعمليّة التّعليم والتعلّم والطّرائق المعتمدة فيها ووضعيّات العمل المطلوبة من المتعلّمين، ومستوى المحافظة على استمرار التّواصل مع المتعلّمين والحرص على عدم حصول قطيعة في التّواصل معهم.
1- التّخطيط لعمليّة التّعليم والتعلّم
من شروط نجاح أيّ عمل، التّخطيط والتّحضير الجيّد له قبل البدء فيه، والاستفادة من التّنفيذ في التّطوير. لا تخرج عمليّة التّعليم والتعلّم عن هذه القاعدة، بل تتأكّد أكثر هذه القاعدة في التّعليم والتعلّم، بسبب كثرة متغيّراته, فالمعلّم قد يجري حوالي مئتي تبادل مع متعلّميه خلال حصّة واحدة،وهو يأخذ عددًا كبيرًا من القرارت الصّغيرة كل حصّة: كتابة جملة أو عدم كتابتها، سؤال متعلّم أو عدم سؤاله، تصحيح إجابة أو عدم تصحيحها...
بعض هذه القرارات متوقّع ويدخل تحت دائرة التّخطيط والتّحضير، وبعضها الآخر غير متوقّع ويفلت من دائرة التّخطيط المسبَّق. إنّ التّخطيط المسبَّق والتّحضير الجيّد لكلّ خطوات ومستلزمات عمليّة التّعليم والتعلّم يخفّفان من احتمالات الإشكالات في الإدارة الصفّيّة.
يبدأ التخطيط بإعداد التّوزيع السّنويّ للأهداف والكفايات والنّشاطات على السّنة الدراسيّة. وهو يساعد على إنهاء نشاطات تعليم وتعلّم المادّة في الوقت المتاح بدون إبطاء أو تسرّع. وكذلك فإنّه يسهّل تحديد مواعيد عمليّات التّقويم والنّشاطات اللاّصفّيّة وتنسيقها بين
27
22
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
الموادّ حين الإمكان. يضمن هذا التوزيع الوضوح في الرؤيا الكلّيّة لعمليّة التّعليم والتعلّم.
ويأتي التحضير الذّهنيّ والخطّيّ لمجريات الحصّة أو النّشاط ليضمن حسن سير مجريات خطوات الدّرس أو النّشاط لجهة التّمهيد له، والرّبط بين مراحله ومكوّناته، وإثارة الدّافعيّة لدى المتعلّمين والانتباه إلى حسن توزيع الوقت على الخطوات تجنّبًا للوقوع في حالة الوقت الميت المسبّب لإشكالات في الإدارة الصفّيّة. إنّ تحضير وتوقّع مجريات الحصّة التّعليميّة والتعلّميّة وتحضير مستلزماتها قبل الدخول فيها، يقلّل من فرص الوقوع في الإشكالات، ويساهم من خلال وضوح الرّؤيا الجزئيّة المتوافقة والمتكاملة مع الرؤيا الكلّيّة في الحصول على نسبة عالية من الإدارة الصفّيّة الجيّدة.
2- طرائق التّعليم والتعلّم
تقوم الطرائق بدورٍ مركزيٍّ في إدارة نشاط المتعلّمين. على المعلّم أن يحسن اختيار الطّرائق التّعليميّة والتعلّميّة وتنفيذها، آخذًا بعين الاعتبار خدمتها للأهداف التعلّميّة وملاءمتها لميول المتعلّمين واهتماماتهم. سنكتفي هنا، بالإشارة إلى بعض الأسس والإرشادات المساعدة للمعلّم في مجال إدارة التّعليم والتعلّم الجماعيّ:
- التّخفيف من إلقاء المعلومات وحثّ المتعلّمين على التّعبير والنّقاش، وتشجيع المبادلات فيما بينهم، وعدم التّسرّع في إلقاء المعلومات أو الشّرح، أي تعلّم ضبط النّفس والسّكوت للاستماع إلى المتعلّمين القيام بدور المحرّك لأفكارهم والمنظّم لها. إنّ إدارة الصّف ليست فقط إدارة عمليّات نقل المعارف، وإنّما هي أيضًا إدارة للتّفاعلات اللّفظيّة بين المعلّم والمتعلّمين وبين المتعلّمين أنفسهم.
إنّ التّفاعل اللّفظيّ بين المعلّم والمتعلّمين يؤدّي وظائف عديدة منها:
- التّعرّف إلى أفكار المتعلّمين والمساعدة على تجنّب قطع التّواصل معهم.
28
23
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
- مواكبة التّغيّرات الفكريّة للمتعلّمين والسّعي إلى علاج الاختلالات الملاحَظَة بين أفكار المتعلّمين والمفاهيم العلميّة.
- إعطاء الصّدقيّة للمعارف المكتسبة.
- إدارة العنف وإحلال العلاقات الودّيّة مكانه.
- تعديل لغة المعلّم وتكييفها مع مستوى مدارك المتعلّمين.
- السّعي إلى تنمية التعلّم وخاصّة منه التعلّم الذاتيّ على حساب التّعليم.
على المعلّم، قدر الإمكان، أن:
لا يقول أو يفعل شيئًا بإمكان المتعلّمين قَوله أو فعله بأنفسهم. كأن يرسم دائرة مكان المتعلّم بدل مساعدته على تبيان الخطوات الموصلة إلى التّمكّن من هذه المهارة، وتصحيح الأخطاء بدل الإشارة إليها وتشجيع المتعلّم على تصويبها بنفسه، وإعطاء معنى كلمة بدل مساعدة المتعلّم على التّمكن من استعمال المعجم والتّوصّل إلى المعنى المطلوب, والإعلان عن نتيجة تجربة بدل حثّ المتعلّم على التقصّي والاكتشاف الذّاتي لها إفراديًّا أو ضمن فريق...
- التّجوال في الصّف وملاحظة سير عمل المتعلّمين وسلوكهم.
- تجنّب إدارة الظهر لهم بالانشغال مع أحدهم أو مع مجموعة منهم، أو حتّى بالكتابة على اللوح لفترة طويلة.
- حسن اختيار مكان الوقوف عند الشّرح أو توجيه الملاحظات والتّعليمات بحيث تكون الرؤيا المتبادلة (التّواصل البصريّ) بين المعلّم والمتعلّمين مؤكّدة.
- تخفيف الوقت المستغرق في بعض النّشاطات الرّوتينيّة، مثل التّفقّد وصفّ المتعلّمين عند الدّخول والانصراف، وتجنّب المقاطعات أثناء عرض الدّرس (التّوقيع على أوراق مرسلة من الإدارة، دخول النّاظر إلى الصّف خلال النّشاط من أجل نقل تبليغات معيّنة، معاقبة المتعلّمين المتأخرين...)، وكذلك الأمر، تجنّب الاستطراد والتّشعّبات والمحافظة على سرعة الدّرس.
29
24
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
- حسن استخدام السّلطة وعدم استهلاكها بإعادة الأوامر مرّات عدّة، ولا حتّى في فرض قبول المتعلّمين للمواقف والقيم، تجنّب المجابهة العلنيّة مع متعلّم مشاكس، خلال الحصّة، والعمل على إيجاد حلّ بديل سريع لدى مصادفة عائق ما خلال النّشاط. والقدرة على علاج السّلوك المشكل قبل تفاقمه، والقدرة على تحديد المتعلّم المشاكس. واعتماد السّلطة المبنيّة على الكفاءة وتقاسم المعرفة والوثوق بالمعلّم والاطمئنان إلى معرفته وجهوزيّته الدّائمة للمساعدة. السّعي إلى الحصول على "طاعة" إراديّة للمتعلّمين قائمة على الاحترام والخضوع للقوانين، وليس على صراخ المعلّم وتهديده والعنف الجسدي والّلفظي الّذي قد يلجأ إليه.
3- وضعيّات العمل المطلوب من المتعلّمين (فرديّ، ثنائيّ، فريقيّ، جماعيّ)
يطلب المعلّم، خلال عمليّة التعليم والتعلّم، من المتعلّمين القيام بأعمال ونشاطات معيّنة يأخذ تنفيذها من قبلهم وضعيات عمل متنوّعة: فرديّ، ثنائيّ، فريقيّ، جماعيّ. إنّ اعتماد المعلّم للتنوّع في وضعيّات العمل، يساهم في كسر الرتابة وتلبية تنوّع حاجات المتعلّمين وحسن إدارة النشاطات والتفاعلات، ورفع مستوى إنتاجية التعليم والتعلّم وحسن استثمار الوقت.
أ- العمل الفرديّ: وضعيّة يكون فيها المعلّم وحيدًا أمام مهمّة أو نشاط تعلّميّ، يقوم بتنفيذه بمفرده معتمدًا على موارده الخاصّة: كتابة نصّ، قراءة نصّ، حلّ مسألة، الإجابة عن سؤال...
ب. العمل الثنائيّ: وضعيّة يكون فيها المتعلّم مع زميل له أمام مهمّة أو نشاط تعلّميّ، يقومان بتنفيذه بالتعاون فيما بينهما وبالاعتماد على تكامل مواردهما: الإجابة عن سؤال، حلّ
30
25
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
تمرين، جمع معلومات، إنجاز مشروع...
ج. العمل الفريقيّ التعاونيّ: وضعيّة يكون فيها مجموعة أو فريق صغير من المتعلّمين أمام عمل أو نشاط تعلّميّ مشترك، يؤكّد فيه على التعلّم التعاونيّ وعلى رفع مستوى تعلّم كلّ فرد.
من فوائد العمل الفريقيّ التعاونيّ أنّه:
- ينمّي فرص نجاح المتعلّمين، ويوسّع دائرة إنتاجيّة العمليّة التعليميّة والتعلّميّة لتشمل أكبر عدد من المتعلّمين، ويرفع مستوى أداء كل فرد في الفريق.
- يساهم في أنسنة العلاقات البينشخصيّة ويجدّد معنى الحسّ بالمسؤوليّة لدى كلّ فرد تجاه الفريق والمجتمع بشكل عامّ.
- يلبّي حاجة الانتماء إلى جماعة، الحاجة التي تأتي في المستوى الثالث في سلّم ماسلو، وبالخصوص لدى المتعلّمين الخجولين المتردّدين.
- يلطّف أجواء التنافس السلبيّ في الصّف ويوجّه نظر المتعلّم إلى التنافس مع الذات والنجاح الشخصي في تطوير الأداء من خلال مقابلته مع ما يجب أن يكون، بدل التصويب على أداء الآخرين.
- يساعد المتعلّمين على معالجة المعلومات وهيكلتها من خلال التفاعلات والتبادل والمقابلة.
توجيهات تساعد على إنجاح العمل الفريقيّ التعاونيّ
- على المعلّم أن يختار مهمّة أو نشاطاً يُلائم العمل الفريقيّ التعاونيّ: فإذا كانت المهمة تقتصر على إيجاد كلمة أو الإجابة الصحيحة عن مسألة ما، فالعمل الفريقيّ التعاونيّ لا يناسب إطلاقًا وإنّما العمل الفرديّ، لأنّ مجال التعاون والتبادل يكون محدودًا جدًّا. كذلك الأمر في مثال تحرير نصّ، فالمهمّة تناسب أكثر العمل الفردي.
- تجنّب تقاسم المهامّ في أداء نفس العمل أو النشاط لأنّ العمل يصبح في مثل هكذا حالة، تجميعيًّا لأعمال فرديّة وليس عملاً فريقيًّا تعاونيًّا.
31
26
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
- استبعاد التمايز الكبير في المعلومات، بين أعضاء الفريق الواحد, لأنّ الأقوياء يميلون إلى التصرّف كخبراء وليس كشركاء ممّا يولّد تبعيّة وسيطرة، وبالتالي تتولّد بنية تعلّم غير إيجابيّة.
- عدم اعتماد الصداقة الحميمة كمعيار في تشكيل الفريق, لأنّ هكذا أعضاء قد يميلون نحو نقاشات بعيدة عن المهمّة.
- استبعاد التنافس بين الفرق واستبداله بمكافأة الفريق عند النجاح في المهمّة, لأنّ التنافس يشجّع إعطاء دور أكبر للقويّ في الفريق، وبالتالي الاتكاليّة لدى الآخرين. بينما المطلوب السّعي لتنمية التوازي في المشاركة وإشراك الجميع في الاكتشاف الجماعيّ, ولأنّ التنافس ينمّي أيضاً التركيز، في العمل الفريقيّ التعاونيّ، على النتيجة على حساب عملية الوصول إليها.
- تخصيص وقت لمعالجة بعض الانحرافات والصراعات داخل الفريق.
- توزيع الأدوار، حسب طبيعة النشاط، مداورة على المتعلّمين، لتدريبهم على القيام بها جميعها (منظّم، كاتب، ناطق، مجهّز...)
د. وضعيّة العمل الجماعيّ: وضعيّــة بكون فيها جميع المتعلّميــن أمام مهمّة أو نشاط مطلوب تنفيذه من كل منهم بمفرده: قراءة نصّ، حلّ تمرين، الإجابة عن سؤال، حلّ مسألة...
توجيهات خاصّة بجميع وضعيّات العمل
لكلّ وضعيّة عمل يطلبه المعلّم من المتعلّمين (فرديّ، ثنائيّ، فريقيّ، جماعيّ) ظروف ترجّح اللجوء إليها بدون غيرها، ولكلّ وضعيّة قواعد وضوابط تساعد على النجاح فيها. يهمّنا أن نلفت النظر إلى الأمور التالية الخاصّة بها منفردة أو مجتمعة:
- توضيح تعليمات والتأكّد من فهمها من قبل المتعلّمين في جميع الوضعيّات.
32
27
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
- لفت نظر جميع المتعلّمين، عندما يضطر المعلّم إلى توضيح شيء ما لهم في العمل الجماعيّ أو الفريقيّ.
- الابتعاد عن المتعلّمين في العمل الفرديّ والفريقيّ حين الإجابة أو القيام بمهمّة.
- الحرص على إبقاء جميع المتعلّمين تحت النظر في كل وضعيات العمل.
- إشغال المتعلّم السريع الإنجاز بعمل آخر، حال إنهائه النشاط: قراءة كتاب، كتابة فرض...
- استحسان إدراج عمل فرديّ يسبق العمل الفريقيّ في بعض النشاطات (نقاش فكرة، اقتراح حلول...).
- الانتقال بسهولة وسرعة، حين تدعو الحاجة، من وضعيّة إلى أخرى:
- توجيه سؤال للجميع (تحضير الإجابة عمل جماعيّ)، ثمّ تعيين المتعلّم الراغب بالإجابة (عمل فردّي).
- الطلب من جميع المتعلّمين حلّ تمرين (عمل جماعيّ)، بينما يحلّ زميل نفس التمرين على اللوح (عمل فرديّ).
- عند تعيين متعلّم لقراءة النصّ (عمل فرديّ)، الطلب من الآخرين المتابعة في الكتب استعداداً لتصحيح أيّ خطأ محتمل (عمل جماعيّ).
- عندما يقدّم متعلّم إجابة عن سؤال (عمل فرديّ)، تحويل الإجابة أو التعليق عليها إلى الزملاء (عمل جماعيّ).
- وعندما يعرض متعلّم نتائج عمل ثنائيّ أو فريقيّ (عمل فرديّ)، الطلب من الآخرين الاستعداد للتعليق وإبداء الرأي (عمل جماعيّ).
33
28
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
4- العقد التعليميّ
ظهر هذا المفهوم أوّلاً في أعمال تعليمييّ الرياضيّات الذين قالوا بعدم وجود تعليم من دون بناء مساحة مشتركة من المعاني بين المعلّم والمتعلّمين، تساعد على حسن إدارة التفاعلات بين المعلّم والمتعلّمين والمعرفة.
يشكّل الصّفّ مجتمعًا صغيرًا يُدار بوساطة قواعد اجتماعيّة وتواصليّة تنظّم العلاقات بين أفراده، وتوضح الأدوار المتبادلة والتّوقّعات والتصوّرات العائدة لها، وتضع التطبيقات المعتمدة في الصّف في سياق معيّن. لقد عُرّفت هذه القواعد المسمّاة بالعقد التّعليمي على أنّها مجموع سلوك المتعلّم المتوقّع من قبل المعلّم، وسلوك المعلّم المتوقّع من قبل المتعلّم خلال وضعيّة تعليم وتعلّم اعتياديّة.
بيّن أحد التربويّين دور العقد التّعليميّ في التعلّم، في مسألة عرضها على متعلّمي الصّفّ الرّابع الأساسي (9-10 سنوات) عن عمر القبطان، حيث سأل المتعلّمين عن عمر قبطان سفينة عليها ثمانيةٌ وعشرون خروفًا وعشر عنزات. قدّم ثمانيةٌ وسبعون بالمئة من المتعلّمين إجابة خاطئة بجمعهم الخراف والعنزات!
أعاد تربويّ آخر تجريب مسألة مشابهة، في دراسة أجراها حول استراتيجيّة المتعلّم في إيجاد حلول للمسائل. لقد سأل متعلّمي الرّابع الأساسي، عن عمر المعلّمة إذا كان يوجد في الصّف ثمانية صفوف طاولات وفي كلّ صفّ أربعة مقاعد، فكانت إجابة غالبيّة المتعلّمين اثنتين وثلاثين سنة. استخلص هذا التربوي بعد مقابلة المتعلّمين الأمور الآتية:
- إنّ الهدف الأوّل عند المتعلّمين في حلّ المسائل، في مثل هذا العمر، هو الإجابة عن سؤال المعلّم.
- يقدّم المتعلّمون، كحلّ لمسألة معروضة عليهم، الإجابة الّتي تبدو لهم مقبولة مستعملين الطّريقة الحسابيّة الأكثر ملاءمة بنظرهم (لا يكون عمر المعلّمة اثنتي عشرة سنة: نتيجة جمع الأرقام، ولهذا لجأوا إلى ضربها ببعضها).
34
29
4- إدارة عمليّة التّعليم والتعلّم
- الأهمّ بالنّسبة إليهم هو القيام بمتطلّبات "مهنة المتعلّم".
- يُحصّل المتعلّم المعرفة من المعلّم الخبير الذّي لا يطرح مسألة لا حلّ لها.
- الإجابة عن السّؤال أهمّ من الفهم.
من أمثلة العقد التّعليمي فهم المتعلّم لتوقّعات الباحث في تجارب بياجيه، إذ إنّ مجرّد إعادة طرح السؤال يُوجّه المتعلّم بإتّجاه تقديم إجابة مغايرة للإجابة الأولى لافتراض المتعلّم أنّه أخطأ في الإجابة الأولى. وكذلك الأمر في مثال اعتماد عنوان درس يؤثّر أو يوجّه الإجابة باتّجاه معيّن. فإذا كان عنوان الدّرس حلّ مسائل عن الضّرب وتضمّنت التّمارين مسألة عن القسمة يخطئ المتعلّمون في حلّها. وهكذا أيضًا في تضمين نصّ السّؤال عبارات توحي بإجابات غير تلك المنشودة، كأن نسأل عن فارق الحرارة في عمليّة جمع معطيات.
ومن أمثلة العقد التّعليميّ أيضًا أن لا يجري المعلّم اختبارًا من دون إعلام المتعلّمين به مسبَّقاً. فإذا طلب منهم فجأة ودون سابق إنذار إجراء اختبار توضع عليه علامات تؤخذ بعين الاعتبار، تقوم قيامة المتعلّمين ولا تقعد, لأنّ المعلّم ينقض بذلك العقد التّعليمي غير المعلن ولكن المعتاد.
يساعد العقد التعليميّ المتعلّمَ على سلوك طريق يقوده من التبعيّة للمعلّم إلى الاستقلال تجاهه، وعلى خلق وتوسيع مساحات حوار بين المعلّم والمتعلّمين، وعلى حسن إدارة منظومات قواعد صفّيّة وإقامة علاقات تحترم خصوصيّات الأفراد.
إنّ حسن إدارة الصّف يستلزم استمرار التّواصل بين المعلّم والمتعلّمين، وتجنّب حصول قطيعة في العقد التّعليميّ. ويكون ذلك من خلال نقاش وفهم وتوضيح ما أمكن من عناوين هذا العقد والتّفاوض بشأنها مع المتعلّمين، والالتزام بها من قبل المعلّم والمتعلّمين على السّواء.
35
30
خاتمة
نستنتج ممّا تقدّم مدى صعوبة الإحاطة بمفهوم الإدارة الصفّيّة لكثرة العوامل المؤثّرة فيه. لقد تبيّن لنا كيف أنّ ملاحظة وجود مشكلة في الإدارة الصفّيّة متمثّلة في انقطاع التّواصل بين المعلّم والمتعلّمين، وبين المتعلّمين أنفسهم، أسهل بكثير من تحديد أسبابها.
هذه الخصوصيّة تصعّب موضوع إعداد المعلّمين وتأهيلهم على اكتساب هذه الكفاية والّتي كما لاحظنا، فيما تقدّم، قد ترجع، في بعض أسبابها، إلى المدرسة والتّجهيزات المادّيّة والقوانين... أي أنّها تتخطّى المعلّم كفرد.
لقد سمعت من إحدى المعلّمات الجديدات أنّ أوّل حصّة تعليم لها في المدرسة كانت بإدخالها إلى صفّ لتحلّ مكان معلّمة غائبة، إنّها لا تعرف المتعلّمين ولم تُتَحْ لها الفرصة حتّى تحضّر ما تُشغلّهم به. كذلك الحال بالمعلّم الجديد الذي يملأ أوّل حصّة مع صفّه بسؤال المتعلّمين عن كيفيّة قضاء عطلتهم الصيفيّة وعن هواياتهم... تبدأ المشاكل في الإدارة الصفّيّة من هنا! فإمّا أن يُشغِل المعلّم المتعلّمين بما هو مفيد، وإمّا يشتغلون به بما هو غير مفيد، ولا حلّ وسط برأينا المتواضع!
36
31