المفاهيم الدينيّة للأطفال

من عمر 7 حتّى 11


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2022-01

النسخة:


الكاتب

معاهد سيدة نساء العالمين (ع)

معاهد سيدة نساء العالمين (ع)


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، مفيض الجود والوجود، وصلِّ اللهمّ على هادي سبيل النجاة والرشاد، المصطفى محمّدٍ وعلى آله الأطهار الميامين.

الكتاب البحثيّ لمعاهد سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) الثقافيّة، كتابٌ سنويٌّ تُصدره وحدة الدراسات والمتون الثقافيّة، يقوم بنشر النتاج العلميّ والمعرفيّ لطالبات المعاهد وفهرسته، اللواتي أعدَدْن أبحاث التخرّج هذه بعد إتمامهنّ دراسة مرحلة التخصّص؛ لتشجيع الباحثات من طالبات المعاهد وغيرهنّ وخدمتهنّ، وتوفير مرجعٍ علميٍّ جديدٍ للباحثين.

تتناول هذه الأبحاث عناوين متعدّدةٍ في مجالات العلوم الإسلاميّة كافّة التي تُدرّس في معاهد سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) الثقافيّة، وتشمل اختصاصات: الفقه، والتفسير وعلوم القرآن والعقيدة الإسلاميّة وسيرة المعصومين والخطابة الحسينيّة، والأخلاق الإسلاميّة، وقضايا المرأة والأسرة.

 

7


1

المقدّمة

نسأل الله أن نستطيع من خلال هذا المنبر العلميّ، أن نساهم في نشر العلم والمعرفة، وتكريس تبنّي الفكر السليم والمتوازن والمعتدل الذي جاء به الإسلام المحمّديّ الأصيل، بعيداً عن أيّ تحريفٍ أو تزويرٍ للحقائق، وأن نواكب العناوين المُلِحّة والمُستجِدّة في مجتمعاتنا على الأصعدة الثقافيّة والاجتماعيّة والأسريّة وغيرها، في المعالجة والطرح.

 

والله وليّ التوفيق

وحدة الدراسات والمتون الثقافيّة

 

8


2

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

مقدّمة البحث

التربية والتعليم حاجتان فطريّتان للإنسان، وضرورتان من ضرورات حياته، بهما يكسب مقوّماته النفسيّة والاجتماعيّة، ويحقّق تمايزه عن سائر المخلوقات، وهو منذ لحظة وجوده في هذا العالم وحتّى خروجه منه، يخضع لعمليّةٍ تربويّةٍ تستوعب كافّة أبعاده الوجوديّة، إضافةً إلى دورها في توجيه انفعالاته وأحاسيسه، وتحقيق نموّه وتكامله. وتُعَدّ التربية الدينيّة هدفاً للتربية بجوانبها كلّها، ويظهر ذلك من الأهميّة التي أولاها الإسلام -عبر القرآن والسيرة- لهذه التربية، وهي تشمل مفاهيم لكافّة الأعمار.

وبما أنّ كلّ نوعٍ من التربية يحتاج إلى أساليب، تظهر الحاجة لمعرفة وكشف الأساليب الخاصّة بالتربية، خاصّةً أنّ الأساليب المتعلّقة بكلِّ مجالات التربية هي متنوّعةٌ ومتجدّدةٌ دائماً، إلّا التربية الدينيّة التي اقتصرت وإلى زمنٍ قريبٍ على الأسلوب المباشر.

 

9


3

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

وبما أنّ كلّ تغيّرٍ اجتماعيٍّ يجب أن يرافقه تغييرٌ تربويٌّ يظهر من خلال تطوير الأساليب التربويّة لنقل المفاهيم، تبرز الحاجة إلى التجدّد في أساليب تعليم المفاهيم الدينيّة؛ لتنافس الأساليب المتّبعة في نقل المفاهيم الأخرى، خاصّةً وأنّ الأساليب المتّبعة في نقل المفاهيم الدينيّة لم يطرأ عليها منذ زمنٍ بعيدٍ أيّ تغيّر.

فما هي الأساليب المؤثّرة التي يجب اتّباعها في عمليّة التربية؟

انطلاقاً من السؤال المركزيّ المطروح، تبرز العديد من التساؤلات التي لا بدَّ من أن نتوقّف عندها؛ لارتباطها الوثيق بآليّة المعالجة في البحث منها:

- ما هي أهميّة التربية في حياة الطفل من عمر (7 - 11 سنة)؟

- ما هي المفاهيم الخاصّة بالتربية الدينيّة؟

- هل هناك مراحل للنموّ الدينيّ وفقاً للنظريّات الغربيّة؟

- هل هناك أُسسٌ ومناهج تربويّةٌ خاصّةٌ للتعاطي مع الأطفال؟

- ما هي وجهة نظر الإسلام في التعليم والتربية الدينيّة؟

- هل هناك عوامل مؤثّرة في التربية الدينيّة؟

- ما هو دور المربّي في هذه العملية التربويّة؟

 

10


4

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

أسئلةٌ عديدة لا بدَّ من الوقوف عندها في سياق التعرّض لهذا البحث.

وقد تمَّ تقسيم البحث إلى فصلين:

الفصل الأوّل: يبحث عن التربية الدينيّة والمفاهيم المرتبطة بها، كما وتعرّض للنموّ الدينيّ وفقاً للنظريّات الغربيّة ووجهة نظر الإسلام.

الفصل الثاني: يبحث عن مراحل التعليم الدينيّ (7 - 11 سنة) والعوامل المؤثّرة في التربية الدينيّة.

المنهج

استفاد البحث بشكلٍ أساس من المنهج التحليليّ الذي يساعد على فهم ومعرفة حقيقة التربية الدينيّة، وأهميّتها، والأساليب الخاصّة بها، بالإضافة إلى أخذ آخر الدراسات في هذا المجال بعين الاعتبار.

التقنيّات

عمد هذا البحث إلى الاستفادة من تقنيّة التوثيق بشكلٍ رئيسيّ؛ لاستجماع المادّة المرتبطة بخصوص كيفيّة إيصال المفاهيم

 

11


5

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

الدينيّة للأطفال من عمر (7 - 11 سنة)، كما وعمد إلى الاطّلاع على بعض النظريّات الغربيّة وعرضها؛ وذلك للخلوص إلى نتائج تكون موافقةً لوجهة نظر الإسلام.

ولا بدّ لنا من الالتفات لقول الإمام الخمينيّ (قدس سره) بهذا الصدد: «إنّ أشرف عملٍ في العالم هو تربية الطفل وتزويد المجتمع بإنسانٍ حقيقيّ»، فالتربية هي التي تصنع الإنسان.

 

12


6

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

المبحث الأوّل: التربية الدينيّة وأهميّتها
المبحث الثاني: المفاهيم الدينيّة وأهميّتها

أوّلاً: منشأ المفاهيم الدينيّة
ثانياً: المفاهيم التي يجب إيصالها

المبحث الثالث: النموّ الدينيّ وفقاً للنظريّات الغربيّة والتعليم الدينيّ من وجهة نظر الإسلام

أوّلاً: النموّ الدينيّ وفقاً للنظريّات الغربيّة
ثانياً: التعليم الدينيّ من وجهة نظر الإسلام

 

13


7

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

المبحث الأوّل: التربية الدينيّة وأهميّتها

إذا كانت العبوديّة ضرورة، والخالق الإله هو المربّي للإنسان، فإنّ طريق هذه التربية -التي هي طريق كمال الإنسان أيضاً- لا بدَّ من أنّ تُحدَّد وتُرسم من قِبَل الإله، وبما أنّ الإنسان موجودٌ يفكّر ويعمل، والفهم بدون العمل أو العمل بدون الفكر لا يحقّق له كماله، فلا بدَّ من أن يكون كمال الإنسان في ظلِّ العلم الذي يهدي إلى العمل، والإنسان في العلم والعمل يحتاج للهداية الإلهيّة، وهنا يقف العقل عاجزاً لوحده عن الهداية.

يقول تعالى: ﴿رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيما﴾[1]، فالعقل لا يغني عن بعثة الأنبياء ولا يستطيع التشريع[2]، فالأنبياء والرسل هم وسائط الفيض الإلهيّ والتعليم الربانّيّ الذي يهدي إلى الكمال،

 


[1] سورة النساء، الآية 165.

[2]  يراجع: الطباطبائي، محمّد حسين: الميزان في تفسير القرآن. ط1، دار الأضواء، بيروت، 1431ه/2010م، ج5، ص107.

 

15


8

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

وقد ذكر الله تعالى أنّ التربية والتعليم أحد الأدوار التي يقوم بها الأنبياء(عليهم السلام) وقرنها بالتزكية، ما يكشف عن الربط بين الأمرَين بشكلٍ وثيق، ومن الآيات التي تشير إلى هذا الدور للأنبياء(عليهم السلام) قوله تعالى: ﴿كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ﴾[1].

إنّ المهمّة التي يقوم بها المربّي والمعلّم تشبه فعلاً من أفعال الله تعالى، والدور الذي يؤدّيانه يشبه الدور الذي أُرسل الأنبياء (عليهم السلام) لأدائه والقيام به بين الناس[2]، لذلك كان لا بدّ من توضيح معنى التربية الدينيّة، التي يجب على الوالدين والمربّين الوفاء بمسؤوليّاتهم الشرعيّة فيها، والاهتمام بتنمية بذور الإيمان في نفوس أولادهم حتّى يشبّوا مؤمنين، ومخلصين، ومستقيمين في سلوكهم.

تعريف التربية الدينيّة

«إنّ التربية الدينيّة بمعناها الحقيقي هي رشد حركة كلّ شيءٍ ونموّها نحو الهدف والغاية التي تؤمّن حقيقة تكامله»[3].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 151.

[2]  بقيّة الله (مجلة شهريّة، ثقافيّة جامعة، تصدر عن جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافية، بيروت، العدد (222)، ربيع الأول/ ربيع الثاني 1431ه، ص39، مقال بعنوان: مكانة المعلم في القرآن والسنّة، الشيخ محمّد زراقط.

[3] الخامنئي، (2012) من هدي المربّي، العدد (2)، المؤسّسة الإسلاميّة للتربية والتعليم.

 

16


9

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

كما إنّ التربية هي عبارة عن: «حركةٍ تفاعليّةٍ تخلق أرضيّةً للتكوين والتسامي المستمرّ لهويّة الأفراد في المجتمع، وتشكّل وترقّي في المجتمع السليم على أساس النظام المعياريّ الإسلاميّ؛ لأجل هداية الفرد والمجتمع في سبيل تحقّق الحياة الطيّبة في الأبعاد والدرجات كافّة، حيث يصبح المتربّون مستعدّين بشكلٍ واعٍ واختياريّ للحركة في هذا السبيل»[1].

ونعني بالتربية الدينيّة الدخول في عمليّةٍ تربويّةٍ تتشكّل من خلالها الأنشطة الدينيّة المبنيّة على العقائد والمفاهيم واللغة الدينيّة، وتشمل أيضاً كسب المعرفة الإيمانيّة، والعقائد الدينيّة، والسنن والأعمال الدينيّة، مع الالتفات إلى المفاهيم الأخلاقيّة والسلوكيّة التي يتقبّلها الدين[2].

الهدف العامّ للتربية

كما يبدو من التعريف المنتخب للتربية، أنّ نتيجة التربية هي استعداد الفرد والمجتمع لتحقيق الحياة الطيّبة في الأبعاد والدرجات كافّة، لا تتحقّق إلّا بالتكوين والتسامي المستمرّ لهويّة

 


[1]  المباني النظريّة للوثيقة الوطنية للتربية والتعليم، 2009م، المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران.

[2] تأثير القصّة الدينية على تحول مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان و إيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

17


10

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

الأفراد في المجتمع على أساس النظام المعياريّ الإسلاميّ؛ لأجل تشكيل المجتمع السليم وارتقائه المستمرّ على هذا الأساس، بعبارةٍ أخرى إنّ الفرد والمجتمع يصبحان مستعدّين لتحقّق الحياة الطيّبة في الأبعاد والدرجات كافّة، إذا ما صار المتربّون على المستويَين الفرديّ والاجتماعيّ مستعدّين لتحقّق الحياة الطيّبة في الأبعاد والدرجات كافّة[1].

إنّ التربية الإسلاميّة الصحيحة تقوم على إعداد إنسانٍ كاملٍ يعرف ما له من حقوقٍ وما عليه من واجبات، هذا الإنسان يولَد كصفحةٍ بيضاء، ويكون شديد التأثّر بأنواع السلوك وأساليب العيش المحيطة به، بدءاً من مسلكيّات الوالدين مروراً بمحيطه الاجتماعيّ، وما يقوم عليه المجتمع من وسائل فكريّةٍ وإعلاميّة.

لذلك يُعَدّ الاهتمام بالطفولة في عصرنا الحاضر من أهمّ المعايير التي يقاس بها تقدّم المجتمع وتطويره وتحضره بغيره من المجتمعات (البُعد الاجتماعيّ/ الاقتصاديّ/ الحضاريّ). فرعاية الأطفال وإعدادهم للمستقبل يمثّلان حتميّةً حضاريّةً يفرضها التطوّر العلميّ والتكنولوجيّ المعاصر. فالهدف الأساس للإرشاد النفسيّ للأطفال هو مساعدة الأطفال في تحقيق نموٍّ سليمٍ

 

 


[1]  المباني النظريّة للوثيقة الوطنية للتربية والتعليم، 2009م، المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران.

 

18


11

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

متكامل، ولقد حاول علماء النفس الوقوف أمام ظاهرة النموّ الإنسانيّ والمتغيّرات التي ترتبط به ليفرز علماً قائماً بذاته؛ من أجل الإجابة عن كلّ التساؤلات التي يبحث القارئ عن إجاباتٍ محدّدة عنها، وينطلق الاهتمام بمراحل تطوّر الإنسان ونموّه خاصّة ما يرتبط منها بمراحل الطفولة[1].

فالتربية الدينيّة هي خدمةٌ للإنسان ليصبح موجوداً نافعاً يصل إلى حقيقة الإنسانية، وتُعدّ الأسرة الوعاء التربويّ الذي تشكّل داخله شخصيّة الطفل تشكّلاً فرديّاً جماعيّاً. «فمعظمنا يعلم أنّ للتربية الدينيّة بركاتٍ تشمل الأهل والأولاد معاً، فلا يجب الاستهانة بها؛ لأنّها ترافق الطفل وأهله في الحياة الدنيا وفي الآخرة أيضاً. فالطفل الذي تعَرّف إلى الله منذ الصغر لن يشعر أبداً في الكبر بالخواء والفراغ النفسيّ والعاطفيّ، وسيشعر دائماً أنّه متّكئٌ على عمادٍ قويّ، يستطيع به التغلّب على الصعاب التي قد تواجهه في الحياة، والتربية الدينيّة تصل بركاتها إلى الأهل، فالطفل المتديّن لن يسيء الأدب مع أهله فهو يعرف ما قاله القرآن[2]: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ﴾[3] ويتعرَّف إلى أحاديث المعصومين

 


[1]  يراجع: ملحم، سامي محمّد: مبادئ التوجيه والإرشاد النفسي. ط1، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، 1427ه/2007م، ص395.

[2]  تأثير القصّة الدينيّة على تحول مفهوم الله عند الأطفال (6-11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان و إيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

[3]  سورة الإسراء، الآية 23.

 

19


12

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

(عليهم السلام): «برُّ الوالدين واجبٌ وإن كانا مشركين»[1] فتصل نتيجة تربية الأهل إلى أبنائهم بشكلٍ يوميٍّ ومستمرّ.

لكن يأتي السؤال: متى نبدأ؟

قد يتساءل البعض عن العمر المناسب للتربية الدينيّة، والجواب نستلمه من أحاديث أئمّتنا العظام (عليهم السلام): «قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته»[2].

فالتربية الدينيّة تبدأ منذ الطفولة الأولى ومن بعد الولادة مباشرةً. فعندما نحمل الطفل بين أيدينا ونكبّر في أذنه اليمنى ونقيم في اليسرى، فإنّنا نلقي عليه أولى بذرات التربية الدينيّة (التوحيد، النبوّة والإمامة...)، بالطبع إنّ هذا التعليم هو غير مباشر، لكن له تأثيرٌ كبيرٌ في لا وعي الطفل[3].

 


[1]  المجلسي، محمّد باقر: بحار الأنوار. ط2 مصححة، مؤسسة الوفاء، بيروت-لبنان، 1403/ 1983م، ج71، ص72.

[2]  السيد الرضيّ، نهج البلاغة. لا.ط، دار المعرفة، بيروت - لبنان، لا.ت، ج3، ص40.

[3]  تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (11-6 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

20


13

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

المبحث الثاني: المفاهيم الدينيّة وأهميّتها

أوّلاً: المسؤولون عن إيصال المفاهيم الدينيّة

المربّون (الأهل، المدرسة، المجتمع...) مسؤولون مسؤوليّةً كاملةً عن النموّ الدينيّ للأطفال، ومن جهةٍ أخرى فإنّ الموجّه الدينيّ (المربّي) عليه الاطّلاع عن كثبٍ على هذه المفاهيم؛ ليعرف كيف يفكّر الطفل في كلّ مرحلة، وما هي قدرته على الاستيعاب، وليختار المربّي من ثمّ أساليب بسيطةً تتلاءم مع مستويات إدراك الطفل.

«الدين شعورٌ ينشأ بالتدريج مع نموّ الفرد، وقبل سنّ الرابعة لا يزيد الشعور الدينيّ عن عددٍ محدودٍ من الألفاظ يردّدها الطفل بدون إدراك معناها مثل: الله، الملائكة، الأنبياء، الجنّة، النار... وما يهمّنا هو الانفعالات والعواطف التي تتبلور بالتدريج حول موضوع الدين، مثل: حبّ الله والرسول، والخوف من الله، ويهمّنا أيضاً اكتساب الطفل للمعايير الدينيّة كالحلال والحرام

 

21


14

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

خلال عمليّة التنشئة الاجتماعيّة، فهو يسأل: من هو الله؟ وما شكله؟ وأين هو؟ ولماذا نصلّي؟ و...»[1].

ونحن نعلم أنّ الطفل يريد إجاباتٍ سليمةً واعيةً تتناسب مع عمره ومستوى فهمه، وتكون هذه الإجابات قادرةً على أن تشبع حاجاته الاستطلاعيّة والمعرفيّة. لكن سرعان ما يعرف الطفل الإجابات ويعرف أنّ هذه الأمور الدينيّة تحيطها هالةٌ من التقديس، لذلك علينا تنشئة الطفل تنشئةً دينيّةً منذ الطفولة المبكرة على أساسٍ متين؛ لتنفعه في دينه ودنياه.

«لذلك حثّ الإسلام -خاتم الرسالات- على أنّ نعلّم الأطفال تعاليم الدين منذ الطفولة المبكرة، وذلك حرصاً على أنّ يشق الفرد طريقه في الحياة، وسلوكه سوف يساعده على التغلّب على مشكلات الحياة وذلك بفضل توجيهه الوجهة الدينيّة السليمة»[2].

أكثر ما يشكو منه الأهل هو ملاحقة أبنائهم لهم بالأسئلة حول الله، وتردّدهم في توضيح المعلومات التي لا ترضي عادةً حبّ الاستطلاع عند أطفالهم، خاصّةً أنّنا نعلم أهميّة هذا الموضوع؛ إذ يعتبر «الله» من المفاهيم المهمّة جدّاً والأساسيّة في النموّ الدينيّ

 

 


[1] يراجع: عبد السلام زهران، حامد: علم نفس النحو «الطفولة والمراهقة»، ط5، دار عالم الكتب، القاهرة، 1994م، ص261.

[2]  عبد السلام زهران: (م. س)، ص262.

 

22


15

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

للإنسان بشكلٍ عامّ، وللطفل خاصّة. فإذا ما طلبنا من أحدهم التحدّث عن تجربته الدينيّة، فهو سينقل لنا دون تردّدٍ علاقته بالله ونظرته إلى خالقه؛ لأنّ هذه النظرة هي من الأسس المهمّة في نظرة الإنسان إلى نفسه، وإلى محيطه، وإلى عباداته وعلاقته بالآخرين.

لذلك يُعَدّ الحديث عن الله والغيب من الأمور المهمّة جدّاً، والتي تؤثّر في نظرة الطفل إلى الدين والمراسم الدينيّة مدى حياته، وقد أثبتت الدراسات أنّ هذا الموضوع يرتبط بتفاصيل متعدّدةٍ جدّاً وبسيطةٍ في الوقت نفسه، لكنّها حسّاسة. فإذا سمع الطفل مرّةً واحدةً أهله ينسبون المصائب إلى الله، فإنّ الله هو الذي سيصبح مسؤولاً عن كافّة المشاكل التي يتعرّض لها الطفل، وإذا تعاطى الأهل بقسوةٍ معه، فإنّ كلّ مصدر قدرةٍ إنسانيّةٍ أو غير إنسانيّة، سوف يصبح مخدوشاً في نظره. وإذا ما أجبنا الطفل إجاباتٍ خاطئةً سوف نشوّش ذهنه بمعلوماتٍ نعتقد أنّها تناسب عمره ويفهمها[1].

 


[1]  يراجع: تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة الدكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

23


16

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

لذلك، ولحلّ المشاكل التي نواجهها في التعليم الدينيّ للأطفال، وقبل الخوض في البحث حول أيّ مفهوم، علينا أنّ نعرض وجهة نظر الإسلام بشأنه؛ وذلك ليتحدّد لنا مدى ابتعاد الأطفال عن المفاهيم الحقيقيّة، وما هي المفاهيم التي يجب أن يتوصّلوا إليها تدريجيّاً.

ثانياً: المفاهيم التي يجب إيصالها

1. مفهوم الله

أ. من وجهة نظر الإسلام

يستند الإسلام إلى الرؤية الكونيّة الإلهيّة، فيرى أنّ الله سبحانه هو مصدر الوجود وهو منطلق وجود المخلوقات جميعاً، كما ينتهي وجودها إليه. والحديث في مجال معرفة الله يعني معرفةً متكاملةً وشاملة؛ لذلك لا بدّ لنا من أن نقرّ أنّ قدرة الإنسان لا ترتقي إلى مستوى التوصّل لمثل هذه المعرفة.

أمّا إحراز معرفةٍ أحاديّة النسبيّة يمكن الإنسان من تميّزه عمّن سواه، فإنّه يتعيّن عليه أنّ يحوز مثل هذا الوعي. فعند تدبّره في الآيات الإلهيّة يحرز ضرباً من المعرفة يختلف اختلافاً كبيراً عن «الانعدام المطلق للمعرفة»، وينبثق أقلُّها معرفة صفاته كونه عزَّ

 

24

 

 


17

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

وجلَّ: الربّ، والخالق، وواجب الوجود، و... كما أنّ الإسلام ينزّه الله عن أيّ نقص؛ لأنّه غنيٌّ ولا يشهد وجوده أيّاً من مؤشرات النقص، والتركيب، والمادّة، و... ولا يتحدّد وجود الله في مكانٍ خاصّ؛ لأنّ الوجود في مكانٍ خاصّ من سمات المخلوقات الماديّة، والمكان هو من مخلوقات وإبداعات قدرة الله، ولا يمكن رؤيته بعين البصر لا في الدنيا ولا في الآخرة[1]، يقول تعالى: ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ﴾[2] هذه إشارةٌ موجزةٌ إلى مفهوم الله من وجهة نظر الإسلام.

ب. إدراك الأطفال لمفهوم الله

إنّ هذا المفهوم يتّسم بخصائص تنشقّ عن التركيز على الذات، والتفكير الحسيّ والعينيّ لدى الأطفال، فإنّهم راغبون -بطبيعة حالهم- بالنظر إلى المخلوقات التجريديّة المنظار الدائم ذاته.

ولا بدّ من أنّ نضيف إلى ذلك افتقادهم للإدراك الدقيق للقضايا، ومن العوامل الفاعلة في تحديد مستوى إدراكهم الدينيّ، هو تشابه بعض الألفاظ المستخدمة في العلوم الدينيّة والتي تعرض عليهم الاتّجاه الماديّ، كما في «يد الله» وما إليها

 


[1] يراجع: باهنر، ناصر: تعليم المفاهيم الدينيّة في ضوء علم نفس النموّ، طبعة مترجمة، ط1، دار الهادي، بيروت، 2005م، ص118- 119- 120.

[2]  سورة الأنعام، الآية 103.

 

25


18

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

من التعابير التي تحمل الأطفال على اللجوء إلى التفاسير المرتكزة على الذات في إطار فكرهم العينيّ، ممّا يدفع الطفل نحو تكوين التشبيهات الإنسانيّة عن الله (التجسيم) وهذا لا يعني وجوب الاستغناء عن استخدامها في الكتب الدينيّة، بل تؤكّد على ضرورة شحذ الهمم إبّان تدريسها للتخفيف من سذاجة فكر الأطفال، وتوجيههم نحو الإدراك اللافيزيائيّ واللاماديّ.

ويذهب الأطفال من الفئة العمريّة (7 - 9) سنوات إلى أنّ الله إنسانٌ فائقٌ أكثر ممّا يكون موجوداً غيبيّاً له قدرةٌ سحريّة، إلّا أنّه يتحدّث بصوتٍ مثل صوتنا، ويمكن تحديد التحوّل الطارئ الذي يحدث في مفهوم الله لدى الأطفال من التاسعة وحتّى الثانية عشرة من العمر، بأنّه تحوّلٌ عن فكرة «موجودٍ فائقٍ على إنسان» إلى فكرة «موجودٍ عينيّ» وهذا لا يعني أنّه ترك مرحلة التفكير الأولى وراء ظهره، بل إنّه يجهد لنيل هذا الهدف[1].

2. مفهوم النبوّة وخصائصها

أ. من وجهة نظر الإسلام

بما أنّ الإنسان يحتاج إلى منهجٍ متكاملٍ لحياته للوصول إلى قمّة السعادة الدنيويّة والأخرويّة، اختار الله خيرة أعضاء المجتمع

 


[1] يراجع: باهنر: (م. س)، ص121 - 122.

 

26


19

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

الإنسانيّ وأبرّهم؛ ليبعثهم إلى الناس ويوجّهوهم نحو طريق الاستقامة والصلاح.

ب. إدراك الأطفال لمفهوم النبوّة

حتّى سنّ التاسعة من العمر: تتّسم فكرة الأطفال وتصوّرهم عن نبيّهم بالتشويش، ويتلخّص انطباعهم عنه بأنّه إنسانٌ طيّبٌ ومفيدٌ ومتَّق، وعددٌ منهم يرى أنّه شخصٌ عاديّ، وفريقٌ كبيرٌ يتطلّعون إليه من خلال هندامه ومظهره الفيزيائيّ.

الفئة العمرية (9 - 13): تظهر في هذه الفترة مرحلةٌ وسطيّة، يصبح للنبيّ فيها سماتٍ متباينةً وغير متشابهةٍ مع الآخرين؛ لأنّه يتمتّع بالقدرة على إتيان المعجزات، ويجهد بعض الأطفال في هذه المرحلة للتبصّر في مكانته وظروفه الخاصّة في مجالاتٍ أخرى، كما في «أنّ الله دوماً يمدّه بعونه ويزيد في معلوماته». إنّ تشديدهم على المعجزات ودورها الإلهيّ المفيد يفتح الأبواب أمام بيان وإثبات وجود قدرةٍ خارقةٍ لا تنشأ من قوّةٍ سحريّة[1].

3. مفهوم العصمة

يؤكّد أغلبيّة الأطفال في السنين المتقدّمة أنّ النبيّ معصومٌ من

 


[1]  يراجع: باهنر: (م. س)، ص134- 137- 138.

 

27


20

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

أيّ خطأ وذنب، بينما يرى الأطفال الصغار (حتّى سنّ التاسعة من العمر) أنّ احتمال ارتكاب الخطأ من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ضئيلٌ جدّاً، ويتبنّى الأطفال في السنين الأخيرة من الابتدائيّة أداءً أكثر واقعيّةً إزاء هذه المفاهيم، فالنبيّ من وجهة نظر أكثرهم معصومٌ وبعيدٌ عن وساوس الشيطان، وهو مطيعٌ للأوامر الإلهيّة، فهو ينبغي أنّ يكون أسوةً حسنةً للآخرين، والعدد القليل الذي يذعن بإمكانيّة وقوعه في الخطأ يعتبر أنّ هذه الأخطاء لا تفرز نتائج سيّئة، ولا تتضمّن إجراءاتٍ شرّيرة[1].

4. مفهوم المعجزة

في حوالي الحادية عشرة من السنّ العقليّة، تسود بين الأطفال هذه الفكرة وهي أنّ الله يتدخّل في الوقائع غير المألوفة بأسلوبٍ ماديّ، وبطرقٍ فيزيائيّة؛ لنيل أهدافه. مثل قضيّة انفلاق البحر في عهد النبيّ موسى(عليه السلام)، فسّرها بعضهم كما يلي: لقد أزاح الله المياه بيديه. وبشكلٍ عامّ، يسود التحليل الأسطوريّ بين الأطفال في هذه المرحلة[2].

 


[1]  (م. ن)، ص139 - 140.

[2] (م. ن)، ص145.

 

28


21

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

5. مفهوم الدعاء والتضرّع إلى الله

أ. من وجهة نظر الإسلام

يؤكّد الإسلام وبشدّة على موضوع الدعاء، ويدعو المسلمين لتكريس جزءٍ من أوقاتهم اليوميّة للعبادة والدعاء والتضرّع إلى الله، وفي أهميّة الدعاء قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والأرض»[1]. ويؤكّد القرآن الكريم على دعم الدعاء بالعمل وبذل الجهد، وأنّ الدعاء دون السعي لا يثمر.

ب. إدراك الأطفال لفكرة الدعاء

يلجأ الأطفال مروراً من سنّ السادسة وحتّى بلوغهم سنّ التاسعة إلى الدعاء والتضرّع؛ بغية تحقيق مطالبهم، وأغلبها لا تخلو من حالة التركيز على تحقيق مطالبهم الذاتيّة.

أمّا الأطفال في حوالي العاشرة وحتّى الثانية عشرة من العمر، فيتمتّعون بخبراتٍ أوسع وقدرةٍ أكبر على إدراك مفاهيم الألفاظ ومعانيها، ويكثر توجّههم إلى الأدعية الإنسانيّة، والأدعية التي تطالب بالوقاية من الأخطار وإشفاء النفس[2].

 


[1]  الكليني، محمّد بن يعقوب بن إسحاق: الكافي. ط3، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، لا.ت، ج2، ص468.

[2]  يراجع: باهنر: (م. س)، ص152- 156.

 

29


22

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

6. مفهوم العتبات المقدّسة والطقوس والمراسم العباديّة

أ. من وجهة نظر الإسلام

يُمثِّل المسجد مركزاً لاجتماع المسلمين بهدف عبادة الله، وكان مسجد «قبا» أوّل مسجدٍ شُيِّد في تاريخ الإسلام على يد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

فالدين الإسلاميّ هو دينٌ اجتماعيٌّ شامل؛ ولذلك يؤكّد على المسلمين بضرورة إقامة صلاة الجماعة في المساجد؛ لأنّها تُعدّ مظهراً من مظاهر التعاضد بين المسلمين، وتتجلّى بينهم ملامح المساواة والأخوّة والإيمان بالله، والانقياد للقائد.

ومن الجوانب المهمّة من المسجد جانبها العلميّ، حيث يقام في المسجد تدريس بعض الدروس، وإجراء المناقشات العلميّة.

ب. إدراك الأطفال لهذا المفهوم

الأطفال في السنين الأولى من المرحلة الابتدائيّة (حتّى سنّ العاشرة) أقلّ التذاذً من ارتياد مثل هذه الأماكن، ويعود عدم رغبتهم في ذلك إلى سرعة شعورهم بالإرهاق إثر الجلوس أو الوقوف لفترةٍ طويلة، أو شعورهم بالملل عند استماعهم للخطب والأدعية الطويلة؛ لذلك يجب علينا عدم إكراههم على المساهمة في مثل هذه المراسم الطويلة[1].

 


[1]  (م. ن)، ص165- 167.

 

30


23

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

7. مفهوم الموت، والجنّة والنار

أ. من وجهة نظر الإسلام

إنّ الإيمان بالحياة الخالدة الأخرويّة من المبادئ الأساسيّة في الإسلام، ومن شروط اعتناق الإسلام، ومن يفقد هذا الإيمان يعتبر خارجاً أو مرتدّاً عن الدين الإسلاميّ. وإنّ مسيرة الإنسان تنتهي -لا محالة- في الآخرة إلى أحد المستقرَّين الجنّة أو النار، وهما مظهران متبلوران عن أعمال بني الإنسان الطيّبة والخبيثة.

ب. إدراك الأطفال لهذا المفهوم

الطفل لا يستوعب نمط الجنّة والنار وحالتهما، وأفكاره تنشأ تماماً من المسموعات، كأن يقول: الجنّة حديقةٌ جميلةٌ فيها الأشجار و... ويتحدّد تصوّر الطفل عن جهنّم بأنّها قدرٌ من النيران تراكمت فوق بعض، ولا يتصوّر أنّه في يومٍ ما قد يُبتلى بها[1].

وعلى الرغم من ذلك، نجد أنّ الأطفال على أهبّة الاستعداد للانصياع لأوامر الأبوين؛ وذلك لنيل الجنّة، ويقلقهم إذا سمعوا أنّ تمرّدهم عليهما يلقيهم في النار، فإّنهم يخافون وأحياناً يبكون جرّاء ذلك، لكن هذه القضيّة لا تخوّلنا اللجوء إلى كِلا الطريقين

 


[1]  (م. ن)، ص173- 174- 175.

 

31


24

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

(الترغيب والترهيب) بشكلٍ متكافئٍ في تعليم الأطفال وتربيتهم، بل علينا التأكيد على التطرّق للجنّة ونعمها الجميلة.

كما إنّه علينا الأخذ بالاعتبار مدى الإدراك العقليّ لهذا الطفل، وقد تكون هناك عوامل أخرى محفّزةً تؤثّر إلى حدٍّ ما في نضج المفاهيم الدينيّة لدى الأطفال، كما في الطفل الناشئ في أسرةٍ تطبّق قضايا الدين بشكلٍ متواصل، وتقوم في ترسيخ الروح الإيمانيّة والأخلاق الحميدة في نفس الطفل.

 

32

 

 

 


25

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

المبحث الثالث: النموّ الدينيّ وفقاً للنظريّات الغربيّة والتعليم الدينيّ من وجهة نظر الإسلام

أوّلاً: النموّ الديني وفقاً للنظريّات الغربيّة

إنّ تطور المفاهيم الدينيّة من المواضيع التي تتطلب اهتماماً بالغاً من قبل المربّين، وهذا ما نتعرّض له في هذا الفصل، حيث سنعرض بعض نظريّات كبار الباحثين، ومراحل نضج مختلف المفاهيم الدينيّة لدى الأطفال، وهذا ممّا يمهّد السبيل لانتقاء المناهج والأساليب المناسبة للتوجيه والتعليم الدينيّ، والذي يساعدنا على ذلك بيانات تحقيقات الباحثين في مختلف العالم بنظر الاعتبار، على الرغم من تباين المفاهيم الإسلاميّة في مجتمعنا كما نجده في سائر الأديان والمجتمعات الأخرى. ولكن رغم ذلك نستفيد الكثير من هذه المعطيات في سباق التوجيه الدينيّ لأطفالنا.

 

33


26

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

نظريّة بياجه

أجرى بياجه في عام 1929م تحقيقاً حول «نمط تفكير الأطفال بعالم الطبيعة»[1]، ثمّ أعقبه في العام 1930م ببحثٍ تحقيقيّ حول فاعليّة قضيّة «الإحيائيّة» في نموّ المفاهيم لدى الأطفال[2]. فأجرى خلال بحثه الأوّل اختباراً لدور «الاصطناع» في حياة الأطفال، وعبّر عنه باسم «انطباع الأطفال عن الأشياء باعتبارها من صنع الإنسان». وكان بياجه يعني من لفظة «الإنسان» كلّاً من «الله» باعتباره «إنساناً قديراً» و«القدرة الإنسانيّة» التي ينسب إليها الطفل في الحالات الروحيّة. ويُصرّح بياجه بأنّ مفهوم الشمس والسحاب والسماء والرياح والأنهار لدى الأطفال يدلّ تقريباً على أنّها تمرّ بثلاث مراحل من النموّ هي:

1. الاصطناع الميثولوجيّ أو الأسطوريّ (4 - 7 سنوات)[3].

2. الاصطناع التقنيّ (7 - 10 سنوات)[4].

3. اللااصطناع (ما بعد العشرة من العمر)[5].

 

 


[1]  The child conception of the world

[2] The child conception of the causality.

[3]  Mythological Artificialism.

[4]  Technical Artificialism

[5]  Non-Artificialism.

 

34


27

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

في المرحلة الأولى ينسب أصل وجود الأشياء إلى الإنسان أو أيّ مصدرٍ روحيّ. فالطفل في السادسة من العمر، يجد أنّ أصل وجود الشمس هو الله الذي أشعل ناراً في السماء. ويلخّص بياجه على أنّ تبيين الظاهرات الطبيعيّة قبل سنّ السابعة أو الثامنة من العمر أمرٌ متعذّر، فالأدلّة التي يستند إليها الأطفال في هذه السنّ هي غالباً أسطوريّة؛ لأنّه ما زال يفتقد في هذه المرحلة من نضجه لأيّ تصوّرٍ أساسيّ عن العليّة، فيعمد إلى الاستدلال دون تعميم أو تكوين أيّ مفهومٍ منطقيّ.

ثمّ يشار إلى مرحلةٍ وسطى يصاحب الإيضاح الطبيعيّ فيها طريق حلّ اصطناعيّ، كأن يذهب الطفل إلى أنّ الشمس والقمر وجدا إثر امتزاج الغيوم، وأصل الغيوم بدورها تعود إلى الله الذي صنعها من الدخان المتصاعد من بيوت الناس. وتختتم هذه المسيرة بمرحلةٍ يلجأ فيها الأطفال إلى إيضاحات تنبثق من التفكير المنطقيّ الطبيعيّ - العلميّ، لا تمتّ فيها الأفعال البشريّة والإلهيّة بأيّة صلةٍ مع أصل وجود هذه المخلوقات، بل شأنٌ من الطبيعة نفسها.

وفي ختام هذا التحقيق، يشير بياجه -عند التطرّق إلى معنى ووجود الاصطناع لدى الأطفال- إلى دور التعليم الدينيّ باعتباره

 

35


28

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

مثيراً يحفّز رغبة الطفل في طريق الحلّ المصطنعة. ويرى أنّ الاصطناع هو دورةٌ طبيعيّةٌ تمرّ بها اتّجاهات الطفل إزاء الدنيا. ويؤكّد بياجه أنّ الطفل يتوجّه إلى الله بغية تحقيق مطالبه، وأنّه يغفل عنه متى ما عثر على شخصٍ آخر يحقّق له مأربه هذا. إنّ التعليمات الدينيّة الموجّهة للأطفال من ذوي الفئة العمريّة (4 - 7 سنوات) تكون عادةً غريبةً عن منحى تفكيرهم الطبيعيّ، ويخلص بياجه إلى أنّ الدين الواقعيّ للطفل على مرّ السنين الأولى من حياته يختلف تماماً عن دينه في السنين المتقدّمة[1].

نظرية هارفز

هارفز هو الباحث الذي حدّد مختلف مراحل النضج الدينيّ بوضوح قبل غولدمان. إنّه ولشعوره بضآلة دور المضامين العقليّة للدين في الخبرة الدينيّة، وضع مناهج عدّة غير لفظيّةٍ لدراسة الدين من وجهة نظر الأطفال، فانتقى فريقاً كبيراً من الأطفال من الفئة العمريّة (الثالثة وحتّى مرحلة البلوغ) وطلب إليهم رسم كلّ ما في مخيّلتهم، ثمّ تسجيل وشرح آرائهم حول هذا الموضوع في ظهر أوراق رسوماتهم. وكان لا بدّ للأطفال العاجزين عن الكتابة والقراءة من أن يعربوا عن آرائهم لمعلّميهم، فيتولّى 

 


[1]  باهنز: (م. س)، ص84 - 86.

 

36


29

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

المعلّمون مهمّة تدوين الآراء، ثمّ تمّ عرض 800 رسم من الفئتين العمريتين (3 - 6 سنوات) و(7 - 12 سنة) و4000 رسم من الفئة العمريّة ما بعد الثانية عشرة للتقييم والتمحيص.

توصّل هارفز بعد تحليل تلك الرسومات إلى أنّ النضج الدينيّ يمرّ بثلاث مراحل لدى الأطفال[1]، هي:

المرحلة الأولى: مرحلة الحكايات الخرافيّة[2] (3 - 6 سنوات).

المرحلة الثانية: المرحلة الواقعيّة[3] (7 - 12 سنوات).

المرحلة الثالثة: المرحلة الانفراديّة[4] (ما بعد الثانية عشرة).

يكون الأطفال في الأولى على شبهٍ كبيرٍ مع وضعهم في بقيّة المراحل، فإنّهم يفكرون بأنّ الله سلطان، وأنّه أبٌ لجميع الأطفال، وأنّه يعيش في بيتٍ فوق السحاب أو من الغيوم، أو في سحابةٍ على شكل حيوانٍ يسبح في السماء، وقد كُتِب عليها اسم الله. ويمكن تحليل هذه التصاوير بحسب لغة الحكايات الخرافيّة والخبرات الخياليّة. فإنّ الله بحسب آراء الأطفال في هذه المرحلة، ينتمي إلى زمرة المخلوقات الأسطوريّة الضخمة الجثمان، بفارق أنّه أكبر

 

 


[1]  Harms , E. (1944). The Development Of Religious Experience in Children

[2]  The Fairly Tale Stage Of Religion

[3]  The Realistic Stage

[4]  The Individualistic Stage

 

37


30

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

وأعظم منها. ولهذا يكنُّ الأطفال في وجودهم خوفاً أكبر إزاءه.

وفي المرحلة الواقعيّة، تدلّ الرسومات على تمتّع الأطفال في هذه المرحلة بمشاعر أكثر ثباتاً وبدرجةٍ أكثر واقعيّةً في وصفهم للأشياء. ويظهر في هذه المرحلة الترميز، فيتصوّر الطفل الله باعتباره أباً، وأنّ وجوده لا يتعرّض للاستتار حتّى إلى جانب الملائكة والمخلوقات المقدّسة، بل يتمّ تصوّره في شكل أيّ إنسانٍ في الحياة الواقعيّة. ينبذ الطفل في هذه المرحلة الأفكار البديلة، بل يعمد إلى شرح القضايا بحسب الظواهر الطبيعيّة.

أمّا في المرحلة الإنفراديّة، فإنّه يطرأ تحوّلٌ كبيرٌ في تحليلات الأطفال في سياق تفكيرهم بشأنّ هيئة الخالق وتصوّر الله، في الوقت ذاته، على نموٍّ خفيّ. إنّهم في هذه المرحلة يختارون من الدين مفاهيم تلبي احتياجاتهم ودوافعهم. وبناءً عليه، يقترح هارفز أنّ يكون التعليم الدينيّ للأطفال الصغار مصحوباً ببذل جهودٍ في غاية العقلائيّة من أجل توضيح مفهوم الله. يجب تأخير الإفادة من النظريّات العقلائيّة والتعليميّة؛ لأنّ النضج الدينيّ للأطفال يتّسم ببطئه إزاء نضجه في المجالات التجريبيّة»[1].

 


[1] يراجع: باهنز، (م. س)، ص88-89-90.

 

37


31

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

نظرية غولدمان

بدأ رونالد غولدمان منذ الستينيّات في القرن الماضي أبحاثاً واسعةً حول نموّ الفكر الدينيّ ونضجه لدى الأطفال، فأصدر كتابه «التفكير الدينيّ من الطفولة وحتّى البلوغ»[1] في عام 1964م، والآخر في عام 1965م تحت عنوان «الاستعداد للدين»[2]، يجهد فيها لتفسير وتحليل ثوابته للمعلّمين، ويقدّم الإيضاحات حول تبعات تطبيقها في التعليم الدينيّ؛ حيث تبيّن له أنّ هناك أخطاء يرتكبها الأطفال عند تحليل مسموعاتهم، ويحاولون دوماً تفسير ألفاظ النصوص الدينيّة بحسب خبراتهم الشخصيّة، وتتعمّق هذه المشكلة عندما يجهد الأطفال لتحليل حكايات كتبهم الدينيّة وفق خبراتهم الشخصيّة. وقد تفرز هذه الحالة آثاراً سلبيّة من القوّة، بحيث تثبت مردوداتها في نفس الإنسان حتّى سنين متمادية. ومن هذه النماذج طفلٌ استمع إلى حكاية ذبح إسماعيل (عليه السلام) من قِبَل أبيه النبيّ إبراهيم (عليه السلام)، فاستنتج أنّ «كلّاً من الله (العياذ بالله) والنبيّ إبراهيم من الكائنات المتوحّشة حقّاً، وأنّني مسرورٌ لأنّني لست مكان النبيّ إسماعيل (عليه السلام)». كان المعلّمون

 


[1]  Religious Thinking From Childhood to Adolescense - Routledge and Kegan Paul - London.

[2]  Reudiness For Religion. Routledge and KeganRaul - London

 

39


32

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

قد تنبّهوا لحالات سوء الفهم هذه منذ أمدٍ طويل، ولكنّهم كانوا يحسبونها عادةً كلاماً عابثاً في غفلةٍ منهم عن مدى سوء الفهم الحاصل، وهل إنّه سوف يتشبّث أم يزول في مرحلةٍ خاصّة.

وليتبيّن غولدمان هل إنّ المراحل الثلاث للتفكير بحسب نظريّة بياجه (المرحلة الحسيّة والمرحلة الإجرائيّة العينيّة والمرحلة الإجرائيّة الصوريّة) المتزامنة مع سنيّ الدراسة في المدرسة تصدق في مجال التفكير الدينيّ أم لا؟ اختار الطريقة التالية، لجأ أوّلاً إلى قصّ حكايات النبيّين موسى وعيسى (عليهما السلام) على الأطفال، ثمّ طرح أسئلة للأطفال عن مضمونها عليهم. وباتّباع هذه الطريقة أيّد صحة وجود هذه المراحل الثلاث -المستلهمة من نظرية بياجه- في نموّ الإدراك الدينيّ وتطوّره أيضاً، بفارقين أحدهما أنّ المرحلة الإجرائيّة العينيّة أطول أمداً وأنّها تستمرّ حتّى بين الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، والآخر هو ذهابه إلى وجود مرحلتين وسطيّتين، أولاهما بين المرحلة الحدسيّة والمرحلة الإجرائيّة العينيّة، والثانية بين المرحلة الإجرائيّة العينيّة والمرحلة الإجرائيّة الصوريّة، إلّا أنّه لا يمكن تعريف هذه «المراحل الوسطيّة»[1] بوضوح لتداخلها مع المراحل الأصليّة.

 


[1]  Intermediate Stage.

 

40


33

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

وتوصّل غولدمان إلى أنّ الإدراك الدينيّ لدى الأطفال ينمو من مرحلةٍ إلى أخرى وفق مسيرةٍ تدريجيّةٍ ومتواصلةٍ على مرّ هذه المراحل. ويأخذ ما يعانيه الأطفال من نقصٍ في استخدام اللغة وكذلك قلّة خبراتهم، فقسّم هذه المسيرة إلى خمس مراحل وهي:

1. مرحلة ما قبل التفكير الدينيّ[1] (تستمرّ حتى السابعة أو الثامنة من العمر).

2. المرحلة الأولى من التفكير الدينيّ البدائيّ[2] (7 - 9 سنوات).

3. المرحلة الثانية من التفكير الدينيّ البدائي[3] (9 - 11 سنة).

4. المرحلة الأولى من التفكير الدينيّ الشخصيّ[4] (11 - 13 سنة).

5. المرحلة الثانية من التفكير الدينيّ الشخصيّ[5] (ما بعد الثالثة عشرة من العمر وهذه السنون هي السنون العقليّة).

وبناءً على المصطلحات المستخدمة في نظريّة بياجه، قسّم غولدمان مسيرة التفكير الدينيّ لدى الطفل -بغضّ النظر عن المراحل الوسطيّة- إلى ثلاث مراحل:


[1]  Pre - religious thought stage.

[2] Sub - religious thought stage I.

[3]  Sub - religious thought stage II.

[4]  Personal religious thought stage I.

[5]  Personal religious thought stage II.

 

 

41

 


34

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

1. المرحلة ما قبل الإجرائيّة الحدسيّة: حتّى سنّ السابعة أو الثامنة من العمر، وسمّاها «مرحلة التفكير الدينيّ الحدسيّ»[1].

2. المرحلة الإجرائيّة العينيّة: وتستمرّ منذ السابعة أو الثامنة وحتّى الثالثة عشرة أو الرابعة العاشرة من العمر، وأطلق عليها «مرحلة التفكير الدينيّ الحدسيّ»[2].

3. المرحلة الإجرائيّة الصوريّة: ما بعد الثالثة عشر أو الرابعة عشر، وسمّاها مرحلة «التفكير الدينيّ التجريديّ»[3].

ثمّ قسّم المرحلتين الوسطيّتين اللتين ذهب إلى اجتيازهما من قبل الأطفال إلى:

1. مرحلة التفكير الدينيّ الوسطيّ بين الحدسيّ والعينيّ[4].

2. مرحلة التفكير الدينيّ الوسطيّ بين العينيّ والمجرّد[5].

إنّه يرى أنّ الحدود العمريّة المذكورة تقريبيّةٌ غير مؤكّدة، فقد يؤول تجنّب اعتماد المناهج التعليميّة في غير أوانها المناسب ووضع منهجٍ في سبيل تطوير تفكير الأطفال حول قضايا الدين إلى انخفاض هذه المستويات العمريّة.

 


[1]  Intuitive religious thinking

[2]  Concrete religious thinking

[3]  Abstract religious thinking

[4]  Intermediute between intuitive and religious thinking

[5]  Intermediate Concrete - abstract religious thinging.

 

42


35

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

ولتحديد هذه المراحل وخصائص كلٍّ منها، عرض غولدمان حكاياتٍ دينيّةً على الأطفال، ثمّ طرح أسئلةً عنها، ومن هذه القصص قصّة نزول الوحي على النبيّ موسى (عليه السلام) في الوادي المقدّس واندلاع النار في الشجرة وانفلاق نهر النيل.

هكذا اختبر صحّة وجود مراحل التفكير المنصوص عليها في نظريّة «بياجه» في مسيرة النضج الدينيّ أيضاً، وتمكّن كذلك من تبيين خصائص كلّ مرحلة.

نظرية فاولر (1994م)

- النمو الدينيّ عند الأطفال

قسّم العلماء التطوّر الإيمانيّ عند الأطفال إلى سبع مراحل:

1. الإيمان البدائيّ (تحت عمر السنتين): هذه المرحلة هي البنية الأساسيّة للتحوّل الإيمانيّ النهائيّ للإنسان عند الأطفال، ويبدأ من خلال الأمن العاطفيّ الذي تؤمّنه الأمّ من خلال الاهتمام الجسديّ، والألعاب، ومراقبة الطفل في كافّة نشاطاته.

2. الإيمان الشحوديّ (2 - 6 سنوات): في هذه المرحلة يجب الالتفات إلى القدرة التي يقدّمها الأهل في إيمانهم الثابت الذي يؤثّر في الإدراك والإحساس الإيمانيّ للطفل.

 

43


36

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

3. الإيمان اللفظيّ (6 - 11 سنة): إنّ التحول في القدرة المنطقيّة عند الطفل يساعده على فهم النظام والترتيب في الكون ويزيد في قدرته على فهم وتعقّل الإيمان.

4. الإيمان العقديّ التركيبيّ: (في بداية المراهقة): في هذه المرحلة يستقرّ التفكّر المجرّد عند الشباب، فيولّد ثقةً بالعقائد التي يستعملها الأطفال، والتي تؤدّي إلى إيجاد علاقةٍ قويّةٍ بالله، ولكن دون إلغاء القلق الوجوديّ حول مستقبل العلاقات الاجتماعيّة والقيم في حياة المراهق.

5. الإيمان التأمّليّ (نهاية المراهقة - بداية الشباب): في هذه المرحلة يبدأ الشباب بالتقييم والتعرّف من جديدٍ إلى القيم والعقائد التي تصبح بالتدرّج تنتقل من السلطة الخارجيّة إلى سلطةٍ داخليّةٍ تكون قد تكوّنت من خلال التربية.

6. الإيمان الرابط في منتصف العمر: في هذه المرحلة يكشف الإنسان الأضداد التي تتواجد حوله، فالإنسان قد يكون بنّاءً أحياناً ومخرّباً أحياناً، قد يكون حنوناً وقاسياً. هذا التضادّ، يدفع بالإنسان للسعي إلى إيجاد علاقةٍ بين هذه الأضداد ليخلق انسجاماً في حياته.

 

44


37

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

7. الإيمان العالميّ (الشامل): والذي لا يبدأ ولا ينتهي في عمرٍ معيّن وهو يوجد مع القدرة الإلهيّة، والذي يتجلّى من خلال الالتزام بالحبّ والعدالة ومحاربة الظلم والسعي لبناء المجتمع العادل[1].

يقسّم العلماء التطوّر الدينيّ عند الأطفال إلى خمس مراحل مختلفة:

أ. المرحلة الأولى (ما قبل السابعة وتعتبر المرحلة ما قبل الدينيّة)

وتتميَّز هذه المرحلة بميزتين: الأنويّة والنظرة الأحاديّة للأمور؛ أيّ يحكم الطفل على الأمور من وجهة نظره هو، ولا يستطيع أنّ يضع نفسه مكان الآخرين وينظر إلى أيّ موضوعٍ من ناحيةٍ معيّنةٍ واحدةٍ ليس بالضرورة الناحية الأهمّ. على سبيل المثال: عندما نسأل الطفل: لماذا لا نستطيع أن نرى الله؟ يجيب: لأنّ الله يختبئ في مكانٍ بعيد. جوابٌ بسيط، شخصيٌّ ومادّيٌّ بشكلٍ كامل.

 


[1]  Fowler, J.W (1996). Faithful change. The Personal and public challenges of postmodern life. Nashville, TN: Abingdon Press.

 

45


38

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

إنّ التفسير الدينيّ في هذه المرحلة هو تفسيرٌ ماديٌّ وخياليُّ عند الحاجة؛ لذلك ينظر الطفل في هذه المرحلة إلى الله على أنّه إنسانٌ قويّ، يقوم بأيّ عملٍ يريده، صوته كصوت الإنسان وهو يسكن في الجنّة. وأيضاً الأطفال في هذه المرحلة يردّدون الكثير من الكلمات الدينيّة دون أنّ يفهموا معانيها.

ب. المرحلة الثانية (بين الثماني والتسع سنوات)

وتعتبر المرحلة الأولى للتفسير الدينيّ الناقص: يحاول الأطفال أنّ يصلوا فيها إلى مرحلة التفسير المجرّد للمفاهيم الدينيّة، ولكنّهم لا ينجحون، ولكن في هذه الفترة يقلّ الخيال ويصبح أكثر واقعيّة. يستطيع في هذه المرحلة أن يربط بين الأحداث ويستفيد من التجارب التي مرَّ بها ويعمّم هذه التجارب. تخفّ الأنويّة عنده كثيراً، ويقلّ الخيال بالنسبة للأمور الدينيّة. مثلاً حين نسأل الطفل: عن سبب قداسة الأرض التي وقف عليها النبيّ موسى (عليه السلام)، يجيب: لأنّ الله خلقها. ثمّ نسأله: أوَلم يخلق الله كلّ الأراضي؟ يجيب: طبعاً، ولكنّ هذه الأرض خلقت بطريقةٍ مختلفة. وعندما نسأله: كيف يعرف الله كلّ ما نقوم به؟ يجيب: لأنّه قويٌّ وموجودٌ في كلّ مكان. إذا سألناه مرةً ثانية: هل هو موجودٌ هنا؟ يقول: نعم. إذاً لماذا لا نراه؟ لا أعرف. يحاول الطفل

 

 

46

 


39

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

التفكير بشكلٍ منطقيّ متسلسل، لكنّه لا ينجح، وهو ينظر إلى الله على أنّه كائنٌ أقوى من الإنسان، لكنّ علاقته بالإنسان غير واضحةٍ بالنسبة للطفل.

ج. المرحلة الثالثة (وهي المرحلة الثانية في التفسير الدينيّ الناقص بين التسعة والإحدى عشرة سنة)

في هذه المرحلة يغلب التفكير المنطقيّ الاستقرائيّ، لكنّه ما زال مرتبطاً بالأمور الماديّة. يستطيع الطفل أن يغيّر مسير تفكيره إذا فشل. يهتمّ الأطفال بالمفاهيم الدينيّة ويحكمون عليها من خلال تجاربهم الشخصيّة، فيجيبون: إنّ النبيّ موسى قد خاف لأنّ الشجرة كانت تحترق. ما زال تفكيرهم على الناحية المادّيّة للقصّة، ويقولون: إنّ الله قد شقّ البحر بيديه ولكن لم يرَ أحد يدي الله لأنّهما غير مرئيّتين. ويتصوّر الأطفال تصوّراً ما ورائيّاً. وأنّ علاقة الإنسان بالله هي غير مادّيّة.

د. المرحلة الرابعة (وهي من الإحدى عشرة إلى الثلاث عشرة سنة، وهي المرحلة الدينيّة الشخصيّة)

الطفل بدأ يقترب أكثر من التفكير المجرّد ولكنّه ليس مجرّداً بشكلٍ كامل. فيعتبرون أنّ كلّ ما هو موجودٌ على هذه الأرض هو تجلّي الله. في هذه المرحلة يتحدّث الأطفال عن صفات الله.

 

47


40

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

هـ. المرحلة الخامسة (وهي المرحلة الثانية للتفكير الدينيّ الشخصيّ من13 وما فوق)

يصبح التفكير هنا مرتكزاً على الفرضيّات والقياس دون أيّ تعلّقٍ بالأمور المادّيّة. يختبر فرضيّاته ويعمل بشكلٍ معكوس. فيقولون مثلاً: إنّ الله أرسل قدرةً خفيّةً استطاعت أن تشقّ البحر.

على الرغم من أنّ الطفل قد دخل هنا مرحلة التفكير المجرّد، فإنّنا نلاحظ أنّ إجاباته ما زالت غير مجرّدةٍ مئةً في المائة، يرجع هذا الأمر إلى سببين:

1. الأوّل هو أنّنا نُكسب الأطفال الكلمات والعلوم المتعلّقة بحياتهم اليوميّة المادّيّة قبل أنّ نكلّمهم عن المفاهيم الدينيّة.

2. السبب الثاني يرجع إلى كيفيّة الأسلوب الخاطئ الذي ننقل عبره هذه المفاهيم.

ثانياً: التعليم الدينيّ من وجهة نظر الإسلام

تعتبر مسؤولية التربية والتعليم الدينيّ واقعةً على المجتمع بشكلٍ عامّ، فالكبير مسؤولٌ عن الصغير، والمدرسة والتجمّعات الاجتماعيّة والدولة مسؤولةٌ عن الأفراد وعن المجتمع نفسه، كما إنّها تقع على عاتق الأبوين على مرّ الحياة. فالأب مسؤولٌ عن

 

48


41

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

أسرته، والأمّ مسؤولةٌ عن أسرتها؛ لذلك أعطاهما الإسلام منهجاً تربويّاً ينظّم الأسرة ويوزّع الأدوار بينهما، وذلك للمحافظة على تماسكها المؤثرة في انطلاقة الطفل التربويّة. فالإسلام يولي أدب الأبناء وتربيتهم قيمةً أكبر من تلبية احتياجاتهم الجسميّة.

قال الإمام عليّ (عليه السلام): «ما نحل والدٌ ولده نحلةً أفضل من أدب حسن»[1]، كما قال (عليه السلام): «لا ميراث كالأدب» [2].

وفي سياق هذا الواجب المهمّ، قال الإمام السجّاد (عليه السلام): «وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤولٌ عمّا وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزذَ وجلَّ والمعونة له على طاعته، فاعمل في مثاب أمره عمل من يعلم أنّه مثابٌ على الإحسان إليه، معاقبٌ على الإساءة إليه»[3].

بناءً على ذلك، يجب على الأبوين أو الذين يتولّون مهمّة التربية والتنشئة الروحيّة والإيمانيّة للأطفال، أن يستوعبوا مسؤوليّتهم الشرعيّة، ويكونوا جديّين في تنمية روح الإيمان والأخلاق لدى الأبناء.

 

 


[1]  الطبرسي، ميرزا حسين النوري: مستدرك الوسائل. ط1، مؤسسة أهل البيت hلإحياء التراث، بيروت، 1408هـ/ 1987م، ج15، ص165.

[2]  الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، لا.ط، لا.د، لا.م، لا.ت، ص831.

[3]  الصدوق، محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي: من لا يحضره الفقيه، لا.ط، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، لا.ت، ج20، ص622.

 

49


42

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

عمل الإسلام على رعاية الطفل منذ مرحلة ما قبل الولادة؛ حيث يرى أنّه ينبغي أخذ الجذور والعوامل المهمّة والمؤثّرة في التربية بالحسبان، حتّى في مرحلة اختيار الزوج إلى انعقاد النطفة والحمل. كما يتعيّن مواصلة هذه الرعاية بعد ولادة الطفل أيضاً.

والدليل على ذلك يتجلّى في طقوس ومراسم مثل: قراءة الأذان والإقامة في أذنَي الوليد، فعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من ولد له مولودٌ فليؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليقم في اليسرى فإنّها عصمةٌ من الشيطان الرجيم»[1]. وأيضاً إطعامه من تربة الإمام الحسين (عليه السلام) وغسله واختتانه وحلق شعره.

إنّ الشرط الأساس في نجاحنا على صعيد تربية الأطفال وتنمية شخصيّاتهم بأساليب يمثّل التوجيه الدينيّ أحدها، هو أن نعرفهم معرفًة تامّة، وأن لا نغفل عن قيمة هذا الذخر الإنسانيّ العظيم.

ولهذا كرَّس الإسلام أيضاً قسماً كبيراً من تعليماته لهذه المهمّة. وفي هذا المجال نشير إلى اليسير من عددٍ لا حصر له في الأحاديث المرويّة في هذا الخصوص. تصنّف مجموعةٌ من الروايات العشرين

 


[1]  الكلينيّ، محمّد بن يعقوب بن إسحاق: الكافي. ط3، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، لا.ت، ج6، ص24.

 

50


43

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

عاماً الأولى من حياة الإنسان إلى مراحل ثلاث، تطرّقت هذه الروايات إلى متطلّبات كلٍّ منها:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الولد سيّدٌ سبع سنين، وعبدٌ سبع سنين، ووزيرٌ سبع سنين»[1].

إذاً، لا بدَّ من أنّ نمنح الطفل حريّةً كاملة؛ ليلعب بإنطلاق في السنين السبع الأولى من حياته، وأنّ ننمّي عواطفه ومشاعره السويّة بشكلٍ صحيحٍ باعتماد السلوكيّات الحميدة والكلام الطيّب، دون توقّع طاعة منه، مستندين إلى العمل والكلام الصحيح في دعم حبّه ورغبته في التقليد.

وفي السنين السبع الثانية من حياة الطفل ينبغي تأديبه لترك القبائح وفعل المحاسن، وبذل الجهود لإرشاده نحو القيم وتجنّب الرذائل.

وفي السنين السبع الثالثة يتوجّب إضفاء طابع التشاور على سلوكنا معه، والكفّ عن الأسلوب الآخر في تعاملنا معه، واعتباره عضواً من أعضاء الأسرة الكبار، وإسهامه عند اتّخاذ القرارات كأيّ عضوٍ راشدٍ فيها[2].

 


[1]  الطبرسيّ، رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق. ط6، لا.د، لا.م، 1392ه/ 1972م، ص222.

[2]  نقلاً عن باهنر: (م. س)، ص183 - 184.

 

51


44

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «يرخى الطفل سبعاً، ويؤدَّب سبعاً، ويستخدم سبعاً»[1].

يستوحى من الروايات الإسلاميّة أنّها تحدّد بداية مرحلة التعليم والتعلّم المدرسيّ من حياة الطفل من سنّ السابعة، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين»[2].

ففي السنين السبع الثانية التي يتبلور فيها لدى الطفل الاستعداد لاكتساب المعلومات وتعلّم الآداب الإسلاميّة، لا بدَّ من شحذ الهمم للقيام بهذه المهمّة. وبالطبع تبدأ التنشئة الإسلاميّة منذ الطفولة المبكرة وتتطلّب اتّباع أساليب خاصّة.

وتنوِّه الروايات إلى رسوخ نتائج التعليم والتعلّم واستمرارها فيما لو تمّ في مرحلة الطفولة. وفي غير هذه الحالات، لا يمكن عقد الآمال على التعليم الجاري عند الكبر كما في الحديث «التعلّم في الصغر كالنقش في الحجر»[3].

 

 


[1] الطبرسي، رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق. ط6، لا.د، لا.م، 1392ه/ 1972 م، ص223.

[2]  الكليني، محمّد بن يعقوب بن إسحاق: الكافي. ط3، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، لا.ت، ج6، ص47.

[3] نقلاً عن باهنر: (م.س)، ص185.

 

52


45

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

إنّ تحديد هذا المستوى العمريّ لا يعني بالضرورة حدوث تحوّلٍ مفاجئٍ لدى الطفل، بل إنّها تغيّرات تدريجيّة، ينبغي أخذ تدريجاتها بعين الاعتبار في قضايا التدريس والتعليم، وعند وضع المناهج التعليميّة المتناسبة مع متطلّبات أيّة مرحلة، ولا سيّما في مرحلة الطفولة التي يتعيّن انسجام مناهجها وبرامجها مع الطابع الطفوليّ ومع ميول الأطفال، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كان عنده صبيّ فليتصابَ له»[1].

وكان صلَّى الله عليه وآله يترحَّم دوماً على الوالدين اللذين يهديان ابنهما إلى درب الإحسان والصلاح، ويحسنان له، ويعاملانه معاملة الصديق والرفيق، ويورثانه العلم والأدب[2].

والقضيّة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في جميع المراحل، هي ضرورة انسجام مضمون المنهج التعليميّ وارتباطه مع قضايا الساعة وما يحتاجه فيها المتعلّمون، وكذلك مع ظروفهم البيئيّة والاجتماعيّة؛ لتحظى بانجذابٍ وفعاليّةٍ أكبر[3].

يعتبر ترسيخ الروح الإيمانيّة والأخلاق الحميدة في نفس الطفل

 


[1]  العاملي، محمّد بن الحسن الحرّ: وسائل الشيعة. ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1414ه، ج21، ص486.

[2]  راجع: مستدرك الوسائل، المجلد 626، نقلاً عن باهنر: (م.ن)، ص185.

[3] باهنر: (م.ن)، ص 182 - 185.

 

53


46

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

أحد حقوق الأبناء المؤكّدة في الدين الإسلاميّ، فعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في تعريف الإيمان قال: «الإيمان عقدٌ بالقلب ولفظٌ باللسان وعملٌ بالجوارح»[1]. ينبِّه هذا التعريف للإيمان للعالمين في سلك التوجيه والتعليم الدينيّ إلى ضرورة التركيز في الجوانب الأساسيّة الثلاثة للإيمان، وعدم الغفلة عن أيٍّ منها ضمن مناهجههم، وهي:

أوّلاً: الجانب الباطنيّ في الإيمان والذي ينشأ عن العقل والإيمان القلبيّ، ومن أنماطه الإيمان القلبيّ بأصول الدين وحبّ الأنبياء جميعاً ونبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله) على وجه الخصوص، وكذلك الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) وأتباعهم.

ثانياً: الجانب الكلاميّ اللفظيّ، أي أنّ يعتاد الشخص المؤمن على استهلال كلامه بذكر بعض الألفاظ والعبادات التي حدّدتها الشريعة، أو أن يفصح عن إيمانه بوساطتها، مثل الإدلاء بالشهادتين وقراءة القرآن ونقل الأحاديث والأذان...

ثالثاً: الإذعان بوجوب أداء بعض الأعمال التي حدّدتها الشريعة. إنّ الإغفال عن أيٍّ من هذه الجوانب يعني نقصان

 

 


[1]  بن بابويه، محمّد بن علي بن الحسين، معاني الأخبار. لا.ط، إنتشارات إسلامي بجامعة مدرسيين حوزه علمية، قم، 1338ش، ص186.

 

54


47

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

 الإيمان وتعذّر تحقيق المآرب الدينيّة. ولا بدَّ للأطفال من الالتزام تدريجيّاً بجميع هذه الواجبات، وهذا ما يتيسّر عن طريق جميع المناهج التعليميّة الصحيحة[1].

بعد النظر إلى هذه الأحاديث الشريفة، لا بدّ من تعليم الأطفال منها ما يتناسب مع مستوى إدراكهم، ويمكننا على أساس ما جاء حول قيمة حفظ الآيات والأحاديث وأهمّيّتها في الإسلام، أن نطلب من الأطفال حفظ بعضها عن ظهر قلب، فذلك يمثل ذخراً ثميناً لمستقبلهم، ويضفي نوراً معنويّاً على قلوبهم.

وخلاصة القول، إنّ جميع ما في الإسلام من عقائد وتشريعات قد وُضعت من أجل بناء المحتوى الداخليّ للإنسان، ومن أجل بناء المجتمع بناءً تربويّاً قائماً على أساس إتمام مكارم الأخلاق. وبهذا المنهج التربويّ الإسلاميّ والإيمان والعمل به تتهيّأ الأجواء لجعل السلوك مطابقاً لسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وسيرة الأئمة والأنبياء (عليهم السلام).

 


[1]  يراجع: باهنر: (م.ن)، ص187 - 188.

 

55


48

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

خلاصة الفصل الأوّل

إنَّ الهدف من التربية الدينيّة هو تنمية الإيمان لدى الأفراد، ليصبح موجوداً نافعاً يصل إلى حقيقة الإنسانيّة؛ لذلك فمن المهمّ تنشئة الطفل تنشئةً دينيّةً منذ الطفولة المبكرة على أساسٍ تنفعه في دينه ودنياه.

لذا، لا بدَّ من الاطّلاع على المفاهيم الدينيّة من مصادرها الأساسيّة: القرآن الكريم ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؛ وذلك للوصول إلى الهدف وهو الكمال الإنسانيّ.

وقد تمَّ التعرّض إلى النظريّات من وجهتَي نظر: الإسلام والغرب؛ وذلك لانتقاء المناهج والأساليب المناسبة للتوجيه والتعليم الدينيّ.

 

56

 

 


49

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

(العوامل المؤثّرة في التربية، وأساليب نقل المفاهيم الدينيّة)

المبحث الأوّل: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

أوّلاً: مراحل التعليم الدينيّ
ثانياً: العوامل المؤثّرة في التربية الدينيّة
ثالثاً: دور المربّي وميزاته

المبحث الثاني: أساليب نقل المفاهيم الدينيّة للأطفال، والأسباب في عدم تأثير التربية الدينيّة

أوّلاً: أساليب نقل المفاهيم الدينيّة للأطفال
ثانياً: الأسباب في عدم تأثير التربية

 

 

57

 


50

الفصل الأوّل: التربية الدينيّة والمفاهيم

المبحث الأوّل: مراحل التعليم الدينيّ من (7-11) سنة

أوّلاً: مراحل التعليم الدينيّ

علينا عند دراسة الفكر الدينيّ لدى الأطفال، أنّ ننتبه للاختلافات الفرديّة بينهم، وأن نعلم بوجود مراحل للتعليم الدينيّ للأطفال، وقد مرَّ معنا في الفصل الأوّل، وذلك من خلال عرضنا لبعض النظريّات الغربيّة في نظريّة «غولدمان» حيث قام بعرض حكاياتٍ دينيّة على الأطفال، ثمّ طرح عليهم أسئلةً عنها، حيث تبيّن لديه صحّة وجود مراحل التفكير المنصوص عليها في نظرية «بياجه»، وبعدها قام «غولدمان» بتبيين خصائص مراحل تطوّر المفاهيم الدينيّة لدى الأطفال، وعمل على إيضاح التفاصيل الخاصّة بكلّ مرحلة.

أمّا المراحل فهي:

- مرحلة ما قبل التفكير الدينيّ (حتّى السابعة أو الثامنة من العمر).

 

59


51

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

- المرحلة الأولى من التفكير الدينيّ (7-9 سنوات).

- المرحلة الثانية من التفكير الدينيّ البدائيّ (9-11 سنة).

- المرحلة الأولى من التفكير الدينيّ الشخصيّ (11-13 سنة).

- المرحلة الثانية من التفكير الدينيّ الشخصيّ (ما بعد 13 سنة).

وبما أنّنا سنلقي الضوء في هذا البحث على كيفيّة إيصال المفاهيم الدينيّة للأطفال من عمر (7-11 سنة)، فإنّنا هنا سنتكلّم عن المرحلتين اللتين تتمحوران حول هذا العمر.

1. المرحلة الأولى من التفكير الدينيّ البدائيّ (7-9 سنوات)

قبل تخلّص الطفل من نقائص الحدس تظهر أعراض مرحلةٍ وسطيّة، يجهد فيها الأطفال للتخلّص من نقائص تفكيرهم، والدليل على ذلك هو تذمّرهم الواضح من هذه النقائص. يتّجه الطفل في هذه المرحلة نحو التفكير الإجرائيّ. وإن كان قد نال درجاتٍ من التفكير الحسّيّ العينيّ، ولكنّه يفشل في التوصّل إلى المستويات التي تتطلّبها احتياجاته فيقع في أخطاء جليّة. ولكنّه صار يتمكّن من ربط الحقائق ببعضها أفضل من قبل، وكذلك من تصنيف خبراته وتعميمها. تخفّ حدّة التركيز في التفكير وقلّما يعمّم خاصيّةً ثانويّةً واحدةً للحدث. إنّه، وإن كان ما يزال يركّز

 

60

 

 


52

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

على الذات، إلّا أنّه يلتزم ذلك في نطاقٍ أضيق. ومن سمات التفكير العينيّ للطفل، هو أنّ إدراكه للمفاهيم الدينيّة قلّما ينطبع بطابع الخيال. ومن سماته الأخرى أنّ الطفل يفسّر التصوّرات الدينيّة -وهي تجريديّة غالباً- بمعناها الظاهريّ المتجسّد.

تُبذل في هذه المرحلة جهودٌ للتوصّل إلى المنطق الاستقرائيّ والاستنباطيّ، ومع ذلك فمنطقه زاخرٌ بالأخطاء، ومساعيه لربط جانبٍ من أيّ حدثٍ بجانبه الآخر تواجه الفشل، كما أنّه مشوّشُ في أحكامه وإصداراته، رغم تقدّمه خطًى على طريق بلورة تفكيرٍ منتظمٍ، إلّا أنّ هذا التفكير ساذجٌ ومليءٌ بالهفوات. ويحاول الطفل التمحيص في نتائج تفكيره بتغيير نمط هذا التفكير، ولكنّه مع ذلك تعوزه -وبشدّة- الخبرة لإنجاز هذه المهمّة بدقّة. ومما يلفت الانتباه ويجدر بالاهتمام، هو أنّ الطفل متى ما احتاج إلى عمليّاتٍ فكريّةٍ جديدة، فإنّه يبذل جهداً لتحقيق ذلك رغم عدم توافر المهارات والبصائر الكافية لديه.

وقد تجلَّى عدم كفاءة الأطفال لتنظيم وتنسيق أفكارهم خلال ردود الأطفال على السؤال الأوّل لغولدمان، عندما قال أحدهم: «لأنّ موسى خاف أن يقتله الله جزاءً على إشعاله النار في الشجرة وهو نموذجٌ واضحٌ لفشله في الربط بين جانبين من القصة (إشعال النار في الشجرة، والخوف من النظر إلى الله).

 

 

61

 

 

 


53

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

ونموذجٌ آخر لفشل مسعى الطفل في اعتماد النظام في التفكير، هو ردّ أحد الأطفال على السؤال الثاني بالقول: لأنّ الله كان قد وضع تلك الأرض. لمّا قيل له: أوَلم يضع الله جميع الأراضي؟ أجاب: أجل، لكن لأنّ هذه الأرض خلقت بشكلٍ خاصّ، فاعتبرها الله مقدّسةً ولم يسمح للناس بالسير فيها. وأشار بقيّة الأطفال مراراً في ردودهم إلى قضايا ظاهريّة، مثل كون الأرض مسطّحة، أو غير مسطّحة، أو مليئةً بالأوحال. وهي توحي بمحاولة الأطفال للتوصّل إلى جوابٍ مستدلّ رغم فشلهم في تحقيق ذلك، ويتّضح من هذه الردود، أنّ الردود المنبثقة من التفكير الحدسيّ لا ترضي الأطفال ولكنّهم لا يعرفون طريق التخلّص منها.

2. المرحلة الثانية من التفكير الدينيّ البدائيّ (9 - 11 سنة)

يستخدم غولدمان اصطلاح التفكير الدينيّ العينيّ في هذه المرحلة، وهو بإيجازٍ يدلّ على التفكير الإجرائيّ العينيّ. صحيحٌ أنّ التفكير اتّسم في المرحلة السابقة بكونه حسيّاً عينيّاً، ولكنّه في هذه المرحلة يتطبّع بالطابع الإجرائيّ المشاطر بالمكوّنات العينيّة؛ ولهذا تواجه محاولاتهم لتحليل وإدراك المفاهيم الدينيّة صعاباً بسبب الطابع العينيّ في تفكيرهم.

إنّ هذه الأبحاث تدلّ في الواقع على سيادة التفكير في إدراك

 

62


54

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

المفاهيم حتّى الثالثة عشرة من السنّ العقليّة، ويستخدم المنطق الاستقرائيّ والاستنباطيّ ولكن على نطاقٍ محدودٍ قياساً إلى الظروف العينيّة والخبرات الملموسة والمعلومات المحسوسة. ويتفوّق معدّل النجاح في تصنيف القضايا على معدّل الوقوع في الخطأ. فالتفكير يتمتّع في هذه المرحلة بمستوًى من النظم، يمكنه من ربط موضوعين أو أكثر مع بعض، ويصبح استبدال القضايا ميسوراً ولكن دون إمكانيّة تعميم موضوع ٍعينيٍّ إلى موضوعٍ عينيٍّ آخر، ويتمكّن الطفل من تغيير منحى تفكيره إلى حدٍّ ما.

والملاحظة المثيرة للاهتمام في هذه المرحلة، هي أنّ إدراك الأطفال ومع كونهم على ارتباط مع الكثير من القضايا اللفظيّة في العلوم الدينيّة وقصصها، ولكنّهم يحكمون بشأنها بأسلوبٍ بسيطٍ يرضيهم؛ أيّ أنّه يتركّز على الذات غالباً، ويتمّ ذلك في إطار الاهتمام بخبراتهم الشخصيّة فقط.

ومن سمات هذه المرحلة البارزة، هي ارتباط الطفل منذ المراحل الأوّليّة بالتخيّل، فيتخلّص الطفل من التفكير البدائيّ والطفوليّ للغاية، ويتحدّد إطاره بمستوى جديد بحسب مقتضيات خصائص هذه الدورة.

ويلاحظ بوضوح أنّ النظام التفكيريّ المحدود بالأطر العينيّة

 

63


55

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

عند التعامل مع جوانب عدّةٍ مرتبطةٍ ببعض في الردود على السؤال الأوّل لغولدمان، حيث جاء في أحدها: «لأنّ موسى فكّر أنّ الله سيطرده من هذه الأرض لأنّه لم يخلع حذاءه». وكثيرٌ من الردود الأخرى حلّلت خوف موسى بنورٍ شديد، أو إشعال النيران في الشجرة. وكِلا النمطين من الإجابة يشيران إلى تركيز الطفل على جانبٍ محدّدٍ من القصص يتّسم بالعينية»[1].

ثانياً: العوامل المؤثّرة في التربية الدينيّة

1. الأسرة

هي الأساس في التأثير بشخصيّة الأولاد وبنائهم الروحيّ والجسديّ، وهي المسؤولة عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعيّة، ليكون عنصراً صالحاً، فعّالاً؛ لذلك فإنّ كلّ ما يكتسبه الفرد من نعومة أظافره إلى أنّ يشب كبيراً يترافق معه، وتتبلور على أساسه معالم شخصيّته ببعدَيها الماديّ والمعنويّ. وقد يتحدّد ذلك من خلال توجيهات الأهل وتطلّعاتهم واهتماماتهم داخل المجتمع الأسريّ وخارجه.

 


[1]  باهنر: (م. س)، ص 97 - 102.

 

64


56

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

لذلك، فإنّ التنشئة الأسريّة بما تتضمّن من أسسٍ ومبادئ هامّة للفرد، وما لها من دورٍ ووظيفةٍ أساسيّةٍ في المجتمع، تُعدّ أحد العوامل المؤثّرة في التربية الدينيّة.

يبرز دور الأسرة وأثرها من خلال ما تتركه أوضاعها التي تمرّ بها، وتنعكس سلباً أو إيجاباً على حياة ذلك الطفل سواءً أكانت تلك الأوضاع:

1. اقتصاديّة: مترفةً ورغيدةً أو فقيرةً ومعدمة، ففي الأولى تترك الأثر الإيجابيّ في إنماء حياة الفرد العقليّة والنفسيّة والاجتماعيّة داخل أسرته، وفي الثانية الأثر السلبيّ من حقدٍ وكراهيةٍ وعزلةٍ اجتماعيّة.

2. ثقافيّة وتعليميّة: تؤثّر في تنشئة أفراد الأسرة وتربيتهم تأثيراً قويّاً من خلال تنمية الوعي الثقافيّ لديهم وتعمل على نموّهم نمواً هادفاً يعينهم على سرعة التكيّف مع الحياة»[1]. «كما تعتبر البيئة الثقافيّة العامل الأساس في تكوين شخصيّة الإنسان وتحديد سلوكه وأسلوبه في الحياة، لذا تتّخذ الشخصيّة الصيغة التي تشكّلها المؤثّرات الثقافيّة. وهذا يعني أنّ شخصية الطفل بفضل ما يستدمجه في داخله من عناصر الثقافة وتنمو وتتبلور

 

[1] سرحان، منير: في اجتماعيّات التربية. ط4، دار النهضة العربيّة، بيروت، 2003 م، ص181 - 185.

 

65


57

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

لذلك، فإنّ التنشئة الأسريّة بما تتضمّن من أسسٍ ومبادئ هامّة للفرد، وما لها من دورٍ ووظيفةٍ أساسيّةٍ في المجتمع، تُعدّ أحد العوامل المؤثّرة في التربية الدينيّة.

يبرز دور الأسرة وأثرها من خلال ما تتركه أوضاعها التي تمرّ بها، وتنعكس سلباً أو إيجاباً على حياة ذلك الطفل سواءً أكانت تلك الأوضاع:

1. اقتصاديّة: مترفةً ورغيدةً أو فقيرةً ومعدمة، ففي الأولى تترك الأثر الإيجابيّ في إنماء حياة الفرد العقليّة والنفسيّة والاجتماعيّة داخل أسرته، وفي الثانية الأثر السلبيّ من حقدٍ وكراهيةٍ وعزلةٍ اجتماعيّة.

2. ثقافيّة وتعليميّة: تؤثّر في تنشئة أفراد الأسرة وتربيتهم تأثيراً قويّاً من خلال تنمية الوعي الثقافيّ لديهم وتعمل على نموّهم نمواً هادفاً يعينهم على سرعة التكيّف مع الحياة»[1]. «كما تعتبر البيئة الثقافيّة العامل الأساس في تكوين شخصيّة الإنسان وتحديد سلوكه وأسلوبه في الحياة، لذا تتّخذ الشخصيّة الصيغة التي تشكّلها المؤثّرات الثقافيّة. وهذا يعني أنّ شخصية الطفل بفضل ما يستدمجه في داخله من عناصر الثقافة وتنمو وتتبلور

 

[1] سرحان، منير: في اجتماعيّات التربية. ط4، دار النهضة العربيّة، بيروت، 2003 م، ص181 - 185.

 

65


57

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

في المناخ الثقافيّ للمجتمع. كما تؤثّر البيئة الثقافيّة تأثيراً كبيراً في النموّ العقليّ والانفعاليّ والاجتماعيّ للطفل. فإنّ للثقافة دورها البالغ الأهميّة في نموّ الطفل عقليّاً ومعرفيّاً من خلال تأثير النشاط العقليّ بما يتّخذه الطفل من البيئة الثقافيّة، وفي نموّه انفعاليّاً واجتماعيّاً من خلال تنمية استجابته للمواقف المختلفة واكتسابه الاتجاهات وطرق التعبير عن انفعالاته»[1].

3. اجتماعيّة: فهو كواحدٍ من تلك المنظومة الأسريّة وبحسب تراتبيّته فيها يحدّد علاقته معهم من خلال نظرتهم إليه، فهذه الوضعيّة له تؤثّر في إحساسه بقوّة عضويّته، وفي شعوره بروح الجماعة يظهر مدى اندماجه وتجاوبه أو عزلته وانطوائه[2].

تكون علاقة الولد بوالديه من عمر (7 - 11 سنة) استقلاليّة، حيث تزداد استقلاليّته، ممّا يفرض على الأهل أن يعدِّلوا في أساليبهم التربويّة فيعزّزوا الحوار المنطقيّ والمنفتح ويشجعوا الاستقلاليّة وتحمّل المسؤوليّات بفعالية[3].

4. دينيّة: فهذه تؤثر عميق الأثر في تنشئة الأفراد صغاراً

 


[1]  يراجع: سليم، مريم: أدب الطفل وثقافته. ط1، دار النهضة العربيّة، بيروت، 1422ه/ 2001م، ص18-19.

[2]  سرحان: (م.س)، ص181-185.

[3]  يراجع: برغل، أميرة. قطان، أمل: تربية الطفل في الإسلام على ضوء علم نفس النموّ. لا.ط، لا.دار، لا.م، 2011 م، ص49.

 

66


58

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

أو كباراً، وفي تربيتهم؛ لأنّ العلاقة بين أفراد الأسرة والقوّة الإلهيّة تنعكس في درجة الإيمان العقائديّ والقيام بالعبادات، والتمسّك بالشعائر، والتحلّي بالفضائل وترك الرذائل ومقاومة الظلم...[1].

إنّ المنهج التربوي الإسلاميّ له دورٌ كبيرٌ في بناء المحتوى الداخليّ للإنسان وفي تهذيب سلوكه، ومنعه من جميع ألوان الانحراف ويعمل على تنمية الإنسان للنجاح في حياته الدنيويّة والأخرويّة معاً. فيكون إيصال الأفراد إلى كمال نموّهم الأخلاقيّ هو الهدف الأساسيّ والرئيسيّ للتربية في الإسلام.

2. المحيط

مضافاً إلى ذلك، قد يتأثّر الأطفال في تربيتهم وبناء شخصيتهم وتفاعلها في المجتمع الكبير من حولهم بالمحيط الذي يعيشون فيه، وهذا عاملٌ من العوامل المؤثّرة في التربية الدينيّة، ويشتمل على المدرسة، الجيران، الأقارب، البيئة من حولهم...

يساهم المحيط إلى حدٍّ كبير في تبلور شخصيّة الفرد اجتماعيّاً. فنشأة الطفل اجتماعيّاً لا تعتمد فقط على علاقته بأمّه وأبيه وإخوته ضمن محيط أسرته، بل تتعدَّى إلى أبعد من ذلك ويتّفق

 

 


[1]  سرحان: (م.س)، ص181-185.

 

 

67


59

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الباحثون في هذا المجال بالتأكيد على أنّ تبلور شخصيّة الطفل لا يتمّ فقط ضمن محيطه الأسريّ، بل إنّ سلوكه يتأثّر ببقيّة أفراد الأسر الآخرين والمقصود بهم محيط الأقارب ويمتدّ إلى الجيران وأهل الحيّ ويتّسع بعد ذلك لحدّ دخول الطفل المدرسة فتّتسع علاقاته أكثر.

ويضيفون إلى ذلك المحيط، وجود تلك الوسائل الإعلاميّة على تنوّعها التي لها من الآثار المباشرة وغير المباشرة في تربية وتثقيف الأبناء سلباً وإيجاباً.

ويستوحى ممّا ذكرناه أنّ هناك ثلاث جهاتٍ بارزةُ تؤثّر في تكامل أو تناقص شخصيّة الفرد اجتماعيّاً:

1. المدرسة.

2. الإعلام.

3. محيط السكن (أو البيئة القريبة والتي قد تشمل الحيّ الذي يقطنه الفرد ومحيط الأقارب والجيران).

1. المدرسة

وبما أنّ الأطفال هم طلابٌ قد يتأثّرون بمن يحيط بهم من المعلّمين والرفاق سواء بالعادات وبالأخلاقيّات والسلوكيّات، فإنّه

 

 

68

 

 


60

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

على الوالدين أنّ يحرصا على إدخال أولادهما إلى أفضل المدارس تربيةً وعلماً وبيئة؛ كي تتأثّر أخلاقهم وعاداتهم بمن يخالطون ويعايشون.

إنّ المدرسة التي لم تصبّ تعاليمها وأخلاقها أيضاً بما يخدم مصلحة الفرد الناشئ، يدفع الأهل لحالة الارتياب، فتغيب روح الثقة بها لديهم فيفضّلون التفتيش عن البديل الذي يمنح أفرادهم المعايير الاجتماعيّة الصالحة والقيم الإنسانيّة العالية.

ومن هنا يأتي دور أهميّة المدرسة في التربية، وبقدر مهارة الأساتذة وخبرتهم في التربية ليرتسم عبرها مستوى التلاميذ الخلقيّ والعلميّ وتحدّد سماتهم وملامحهم[1]. لذلك يعتبر في غاية الأهميّة وجود الكفاءة بالمعلّمين لمساعدة الأطفال على بناء معالم شخصيّتهم الاجتماعيّة.

2. الإعلام

يعتبر الإعلام مصدراً مهمّاً في مجال المعرفة وتثقيف الفرد والمجتمع، إلّا أنّه يملك جانباً إيجابيّاً وجانباً سلبيّاً، وقد عبَّر الإمام الخمينيّg عن ذلك بقوله: «إنّ وسائل الإعلام قادرةٌ على

 

 


[1] يراجع: عيتاوي، عصام: الطفل في ضوء التربية الإسلاميّة. ط1، دار مؤسسة الوفاء، بيروت، 1982م، ص42.

 

 

69


61

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

أداء خدماتٍ كبيرةٍ للثقافة الإسلاميّة وتهذيب المجتمع. وإنّ أضرار وسائل الإعلام تعدّ أكثر وأسوأ من الأضرار التي تحدثها المدافع والدبابات والأسلحة المخرّبة، إلّا أنّ الأسلحة تزول، بينما الأضرار الإلهيّة تبقى وتنتقل إلى الأجيال القادمة»[1].

من هنا تبرز المسؤوليّة الواقعة على عاتق الأهل في توجيه سلوك أبنائهم إلى ما فيه فائدتهم التي يحصلون عليها من هذه الجهة التي تساهم بتربية الفرد سواء أكان الإعلام مرئيّاً أو مسموعاً. فيبرز لنا مثلاً: الإعلام المرئيّ بمختلف أنواع البرامج المفيدة منها والسيّئة خاصّة البرامج التي تخصّ الأطفال من الرسوم وغيرها أيضاً منها المفيد ومنها المؤذي. وقد يؤدّي هذا إلى سرعة تأثّر الفرد الصغير والناشئ، فإذا لم تتمّ مراقبة هذا الأمر وتوجيه الفرد نحو ما يفيد وينفع، قد يتحوّل سلوكه فيما بعد إلى سلوكٍ سلبيّ.

كما إنّه ينبغي لنا تسليط الضوء على الأجهزة المستخدمة كالكمبيوتر وشبكة الإنترنت؛ لما لها من الأثر المباشر على الفرد، وخصوصاً أنّ هذه الأجهزة أصبحت من وسائل الإعلام الأكثر رواجاً وحضوراً وتأثيراً في حياتنا، ومن خلالها يتواصلون مع العالم

 

 


[1] يراجع: التربية والمجتمع - مظاهر عينيّة من فكر الإمام الخمينيg. ط1، دار مركز الإمام الخمينيّ الثقافيّ، بيروت، ص88-89.

 

 

70


62

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الخارجيّ بكلّ سهولة. كما إنّ هذه الأجهزة إذا أحسن الفرد استخدامها فهي تؤثّر إيجابيّاً في توعيته وتجعله من المجاهدين والمفكّرين ومن الأحرار...[1].

وهذا هو المطلوب، الاستفادة من هذه الأجهزة إيجابيّاً لتساعدنا على التطوّر والتقدّم بجميع أبعاده، وليكون المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً واعياً ومتحضّراً وصالحاً ومتكاملاً.

3. محيط السكن (الحيّ الذي يقطنه الفرد ومحيط الأقارب والجيران)

الوالدان يشكّلان المحيط الأول المباشر للطفل، فيأخذ أساليب التربية والتنشئة منهما. ولكن بما أنّ الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه وله علاقاتٌ مع غيره في الأخذ والعطاء، وله أصدقاء ورفاق، وبالتالي لا يمكن أنّ يعيش منعزلاً ومنفرداً، ووجوده ضمن بيئته التي تشمل الحيّ والأقارب والجيران يدفع ليكون لكلّ واحدٍ منها آثاره عليه سواءً السلبيّة منها والإيجابيّة، «فمن تلك البيئة يلتقط لغته ومنه يكتسب هويته وانتماءاته وولاءاته نحو غيره من البشر والجماعات البشريّة»[2]. فالفرد يتأثّر في عمليّة الاحتكاك الدائم

 


[1] يراجع: الخمينيّ: (م.س)، ص82-83.

[2]  يراجع: عيتاوي: (م.س)، ص41.

 

71


63

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

المفروض عليه في المحيط الذي يعيش فيه. فعمليّة المشاركة تلك التي ستحكم علاقتهم ستكون نتيجةً واقعة؛ لأنّ «الطفل الفرد يتأثّر بظروف البيئة التي يعيش فيها وبمن يحيط به من أفراد المجتمع»[1].

وأنّ تجسيد المشاركة باللعب والزيارات و... والتواصل الدائم داخل تلك البيئة لا بدَّ من أنّ يترك الأثر في سلوك الفرد وفي شخصيّته، فإمّا أن تكون تلك سلوكيّات إيجابيّة، وإمّا أن تكون سلوكيّات سيّئة للآداب والقيم الإنسانيّة. وهنا يأتي دور الأهل في كيفية التعاطي مع هذا الوضع وهذا ما سنتكلم عنه لاحقاً.

ثالثاً: دور المربّي وميزاته

الوالدان هما ركن الأسرة، حيث تقع مسؤوليّة تربية الأطفال على الوالدين بالدرجة الأولى. والإسلام حدَّد للوالدين وظيفة القيام بالتربية الصحيحة والاعتناء السليم بأولادهم.

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك دورٌ للمربّي وميزاتٌ خاصّة تساعده على نقل المفاهيم الدينيّة للأطفال؟ وما هو هذا الدور وما هي هذه المميّزات الخاصّة به ليتمكّن من إعداد جيلٍ

 


[1]  (م.ن)، ص42.

 

 

72

 


64

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

قادرٍ على تحمّل المسؤوليّة الإلهيّة، ويكون خليفةً الله على الأرض، وتتجسّد فيه المنظومة الأخلاقيّة في جميع تحرّكاته؟

لا بدَّ للمربّي (أب وأمّ ومعلّم ومعلّمة...) من تعليم الأطفال القيم والفضائل بالشكل الذي يؤدّي إلى اقتناعهم بها، واعتبارهم إيّاها مبادئ ثابتة. ولا يليق بهم أن يتصرّفوا بشكلٍ يتنافى معها. كما لا بدَّ من ربط المبادئ الأخلاقيّة بالمنطلقات العقيديّة. ويلاحظ في كلّ هذه المراحل أنّ هناك عاملين يؤثران بقوّةٍ في تجاوب الطفل مع الراشدين الذين يوجهون (أمّ/ أب/ معلّم...) وهما:

1. مدى حبّه واحترامه لهم؛ إذ إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع.

2. مدى التزامهم هم بتطبيق ما يدعونه إليه[1].

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «من نصّب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومؤدِّبها أحقّ بالإجلال من معلِّم الناس ومؤدِّبهم»[2].

 

 


[1]  يراجع: بقيّة الله (مجلة شهرية، ثقافية جامعة، تصدر عن حمعية المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت) ع (237)، رجب 1432 ه/ حزيران 2011م، ص38، مقال بعنوان: كيف نربي أولادنا على العفة والحياء؟، أميرة برغل.

[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة. دار المعرفة، بيروت لبنان، لا.ت، ج4، ص16.

 

73


65

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

وهذا يعني أنّه على المربّي أن يعمل على تربية نفسه قبل القيام بتربية الفرد. ويستفاد من هذا الحديث الشريف:

«النقطة الأولى: أنّه لا يقع التأثير المناسب لتربية الآخرين وتهذيبهم إذا كان صادراً ممّن لم يهذّب نفسه، بل يؤدّي هذا الأمر إلى حدوث الأثر المعاكس تماماً. ويصبح التأديب عندها استهزاء، والمربّي فاقداً للهيبة والاحترام.

النقطة الثانية: إنّ عمليّة التربية تتطلّب قدوةً مميَّزةً خاصّةً من المربّي، وبتعبيرٍ آخر، تربية الأولاد وتأديبهم هي مسألةٌ عمليّةٌ أكثر من أنّها نظريّة، وفي معظمها تخرج عن إطار المحاضرة والتدريس، وهذا يتطلّب من المربّي أن يكون قد تخلَّق واتّصف بالصفات الحميدة»[1].

«فأسلوب القدوة هي أن يكون الأب والأمّ ومعلِّم والتربية الدينيّة مؤمنين بما ينقلونه للأطفال ويهتمّون بالقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، ويظهر ذلك في سلوكهم اليوميّ، يحترمون الآخرين، يقبلون على الصلاة، يراعون حقوق الآخرين، ويراعون الحلال والحرام»[2].

 

 


[1]  يراجع: بقيّة الله (مجلّة شهريّة، ثقافيّة جامعة، تصدر عن جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافية، بيروت)، ع (2)، جمادى الأول 1412ه، ص73 - 74، مقال بعنوان: مراحل تربية الطفل، د. قلم.

[2]  تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

74


66

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

«فالمثل الأعلى بهذا المفهوم ضروريّ جدّاً لكلّ إنسان وخصوصاً الطفل في هذه المرحلة، ولكنّ المثل الأعلى إن لم يتحوَّل من المفهوم إلى المصداق وإلى من تتجسَّد فيه قيم هذا المثل الأعلى يبقى محدوداً في حدود التصوّرات، فالطفل بحاجة إلى التشبّه والإقتداء بما هو ملموسٌ في الواقع الموضوعيّ، وخير من يتجسّد به المثل الأعلى هو النموذج الأعلى للشخصيّة الإنسانيّة»[1]. «والاقتداء بالأسلاف (أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا)»[2].

«إذا نظرنا مثلاً للإمام الخمينيّ العظيم فسنعرف أنّ أحد أسباب تأثيره على الآخرين هو أنّه لم يكن يوجّه الملاحظات كثيراً، بل كان يُعلِّم الآخرين من خلال تصرّفاته هو»[3].

«من هنا كانت الضرورة الحاكمة في الاقتداء بالسلف الصالح وهم الأنبياء والأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) والصالحين من الصحابة والتابعين والماضين من علماء الدين، فهم قممٌ من الفضائل والمكارم والمواقف النبيلة، وممّا يساعد على التشبّه والاقتداء بهم تأثيرهم الروحيّ على مختلف طبقات الناس الذين يكنّون لهم

 

 


[1] الحسيني، شهاب الدين: مقومات الصحة النفسيّة للأطفال. ط1، دار النبلاء، بيروت، 1999م، ص133.

[2]  نقلاً عن باهنر (م.س)، ص133.

[3] تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة، جامعة تربية، مدارس طهران.

 

75


67

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

التبجيل والتقديس، وحياة الصالحين مليئةٌ بجميع القيم والمكارم التي يريد الإنسان التمسّك بها. والاقتداء هو الذي يجعل الطفل إنساناً عظيماً تبعاً لمن يقتدي بهم»[1].

ينبغي للأهل أن يراعوا مشاعر أبنائهم وتوجيهاتهم الفكريّة واحترام خياراتهم بمعزل عن نمطنا في التفكير. كما إنّه ينبغي لنا الحفاظ على جسور الثقة بيننا وبين أبنائنا بالحوار الهادف والبنّاء وعدم فرض الرأي بشكلٍ تعسفيّ؛ لأنّ ذلك لن ينفع على المدى الطويل، ولا بدَّ من أن يأتي يوم يتمرّد فيه الشباب على قرارات أهله خاصّةً إن كانت جائرةً وغير متناغمةٍ مع آدابه الخاصّة[2]. ولقد خاطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»[3].

كما مرَّ معنا إنّ مسؤولية التربية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الوالدين، لكن هناك أيضاً من له موقعٌ مهمٌّ وأساسٌ في عمليّة التربية والتعليم. المعلِّم هو صاحب هذا الدور المؤثّر في إصلاح المجتمعات وتحسينها وتقدّمها، وإنقاذ البشريّة من قيد هوى النفس.

 


[1]  الحسيني: (م. س): ص133.

[2]  يراجع: بقيّة الله (مجلة شهرية، ثقافية جامعة، تصدر عن جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت) ع (221) صفر - ربيع الأول 1431ه، ص81، مقال بعنوان حوارات شبابية، ديمة جمعة.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة. ط2، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، 1404ه، ج20، ص267.

 

76


68

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

«فالمعلم إمّا أنّ يحيي الأنفس التي اؤتمن على تربيتها وتعليمها، وإمّا أن يميتها؛ فهو محور حركة المجتمع، وعليه أن يرفع مستوى المجتمع المحيط به، ومن هنا كانت حرمة المعلّم ومكانته في المجتمع وتكريم الناس لمقامه»[1]. فهو الذي يتعامل مع التلميذ بشكلٍ مباشر، ويرسم بيده معالم شخصيّته، فيكون بذلك مربّياً حقيقيّاً يمارس التربية والتعليم كرسالةٍ هادفةٍ ومؤثّرةٍ في إصلاح المجتمع، ولا يمارسها كوظيفة؛ لأنّها بذلك تكون تربيةً سلبيّةً وغير هادفةٍ وغير ممنهجة.

«عندما يتمّ إعداد المعلّم أو تأهيله، لا يكفي إكسابه المهارات والمعارف التي تتطلّبها الكفايات التربويّة. فنحن لا نريد منهم أن يستخدموا علمهم لاستغلال الناس وزرع العناد في الأرض، وإنّما نريد المعلّم عالماً يضع علمه رحمةً للناس وفي خدمتهم، ولأجل إعمار الأرض وليس نقمةً عليهم»[2].

أمّا عمليّاً، ماذا نقدّم للأطفال لمعرفةٍ أعمق؟

 


[1]  يراجع: بقيّة الله (مجلة شهرية، ثقافية جامعة، تصدر عن جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت) ع (222)، ربيع الأول - ربيع الثاني 1431ه/ آذار 2010م، ص44، مقال بعنوان: المعلّم اليوم بين الوظيفة والرسالة، الشيخ مصطفى قصير.

[2]  يراجع: (م. ن)، ص47.

 

77


69

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

(من عمر 7 - 8 سنوات):

أ. قصص تدور حول الله وترتبط بالأصول الأخلاقيّة.

ب. نُسمعه الآيات القرآنيّة المرتّلة بصوتٍ جميل.

من عمر (9 - 11 سنة):

أ. القصص التي تدور حول النماذج الإنسانيّة التي يجب أن يقتدي بها الطفل.

ب. شرح الآيات المرتبطة ببعض العقائد الدينيّة الأساسيّة.

ج. تخصيص وقت خاصّ للقيام بالعبادات وتعلّم الأحكام المتعلّقة بها.

د. بدء حفظ الآيات القرآنيّة.

كما إنّه من المهمّ أنّ يلتفت المربّي إلى أنّه:

1. قبل عمر العشر سنوات لا ينصح أبداً بالقصص التي تتكلّم عن جلال الله وعن جبروته وعن جهنّم والعقاب الإلهيّ، بل القصص التي تتحدّث عن جمال الله ورحمته ومغفرته.

2. لا يجب أنّ يحدّ التعليم الدينيّ بساعة التربية الدينيّة، بل

 

 

78

 

 


70

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

يجب أن ندخل المفاهيم الدينيّة إلى الدروس كافّة كالتاريخ والجغرافيا والعلوم والرياضيّات والقراءة. طبعاً بعد عمر التسع سنوات يجب تخصيص ساعاتٍ لتعليم الأحكام المتعلّقة بالعبادات المختلفة».

ومن الأمور المهمّة التي يجب على المربّي أنّ يتميَّز بها:

- الارتباط الكلاميّ الحسن: فمن المهمّ أن نتكلم مع أبنائنا بأسلوبٍ جميلٍ واضحٍ وبصوتٍ هادئٍ ومهذّب، وبأخلاقٍ حسنةٍ وبشاشة.

- الظاهر المرتَّب: من حقِّ أبنائنا أن يكون معلّمو الدين في المدارس من أكثر المعلّمين والمعلّمات اهتماماً بالترتيب والنظافة... فإنّ هذا الأمر يؤثّر إيجاباً على تقبُّل الدين وعلى الثقة بالمؤمنين.

- الصبر: كي نعلّم أبناءنا التعاليم الدينيّة نحن بحاجة للصبر وطول البال، فقد نحتاج للتكرار مراراً كي يرسخ أمرٌ ما في ذهن الأطفال. تنقل ابنة الإمام الخمينيّ g: أنّ الإمام قد بقي ربع ساعة يشرح لها مرّة أمراً بسيطاً لتوضيح خطئها في الصلاة[1].

 

 


[1]  تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

79


71

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

المبحث الثاني: أساليب نقل المفاهيم الدينيّة للأطفال والأسباب في عدم تأثير التربية

أوّلاً: أساليب نقل المفاهيم الدينيّة للأطفال

إنّ العمليّة التربويّة هي عمليّةٌ خاضعةٌ لقوانين ثابتةٍ ومحدّدة، ومجرّد الالتزام بهذه القوانين يحتّم الوصول إلى الهدف، ولكي نقوم بأداء التكليف الإلهيّ من تحمّل مسؤوليّة التربية؛ لأجل الوصول إلى تربيةٍ صحيحة، ينبغي أن نسلك مقدّمات هذه العمليّة، كما هو الحال بالنسبة إلى بقيّة الأوامر الإلهيّة. وللعمليّة التربويّة أساليب خاصّةٌ ينبغي التعرّف إليها؛ لنعبر فيها بنجاح وتتحقّق السعادة الفرديّة أو الإجتماعيّة أو الأخرويّة.

1. التربية المباشرة

التربية المباشرة يمكننا البدء بها من سنّ الثانية؛ لأنّ الإحساس

 

81


72

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الدينيّ يبدأ من هذا العمر، فيمكننا بالترتيب أن نلقّنه الصلاة على محمّد وآل محمّد، حبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)، حبّ أهل البيت (عليهم السلام)، الجيّد والسيّئ، الوضوء...

طبعاً لا بدَّ من الإشارة إلى الالتفات إلى الزمان والمكان المناسبَين للتعليم الدينيّ. إذ يجب أنّ نعلّم أبناءنا في أفضل الأزمنة والأمكنة، فأفضل الأوقات حين يكون الطفل فرحاً ومسروراً، فلا أنقل إليه المفاهيم وهو متعب، أو عندما يريد النوم، أو عندما يكون منزعجاً أو مضطرباً... فإلقاء المفاهيم الدينيّة في هذه الحالات يُولّد ردّة فعل عكسيّة عند ابننا...

ويمكننا معرفة عدم جهوزيّة الطفل أو الوقت غير المناسب من وجه الطفل وتصرّفاته وإقباله...

كما إنّ تعليم القيم يجب أن يتناسب مع الظروف المختلفة التي يمرّ بها الطفل. فعندما نعطي الطفل هديّة، أو عندما يشتري الأهل شيئاً جديداً يكون الوقت مناسباً لتعليم الطفل شكرَ الله.

وعندما نكون في الطبيعة أو أمام البحر يكون الوقت مناسباً لتعليم الطفل قدرة الله وعظمته... وعندما نزور الأماكن المقدّسة ومقابر العلماء الكبار، من المهمّ تعليم الأطفال، بجملٍ بسيطةٍ وواضحة، عن أهميّة هذه الأماكن.

 

82


73

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

أمّا السبب لاختيار هذه الأماكن أو هذه الأوقات، فهو أنّ الطفل يمرّ عندها بأجمل اللحظات ويكون خارج رتابة حياته اليوميّة، وسوف يتقبَّل ما نلقيه إليه دون أيّ مقاومة.

فعندما يُحضر ابنكم بطاقة علاماته ويكون فرحاً بنتائجه، تقدّمون له هديّةً جميلةً يكون الوقت مناسباً وهو مستعدٌّ كلّ الاستعداد لتقبّل قيمة احترام الأمّ والأب وهكذا...

أمّا الأسلوب المناسب لتثبيت هذه القيم والتعاليم الدينيّة فلا بدّ للأهل من اتّباع خطواتٍ متعدّدة:

أ. المداومة على هذه القيم عند الأهل أنفسهم وعدم التساهل في القيم الدينيّة (كالإقبال على الصلاة، والصيام... والتفاعل مع المناسبات الدينيّة) والأخلاقيّة، والحلال والحرام طبعاً، مع التشجيع الدائم وإظهار الدقّة في هذه المواضيع.

ب. تجهيز الوسائل الخاصّة بالأطفال أنفسهم: كسجّادة صلاةٍ خاصّة بهم، مسبحة، عطر، ثوب صلاة، مكان نظيف ومرتّب للوضوء، ماء ساخن في الشتاء للوضوء...

ج. التمرين: إنّ التمرين في أيّ عملٍ ومهنةٍ ومهارةٍ يدويّة هو أمرٌ أساسٌ للتطوّر والتقدّم في هذا المجال، وهكذا في الأمور

 

83


74

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الدينيّة، فمن المهمّ أن تقف الفتاة قرب أمّها للصلاة حتّى ولو كانت تقلِّدها فقط. الاستيقاظ للسحور في شهر رمضان حتّى ولو كان لن يصوم في اليوم التالي... إعطاء الصدقات ومساعدة المحتاجين في الشارع... هذا كلّه يعتبر تمريناً للأطفال على القيم الدينيّة.

د. الحضور في الأماكن الدينيّة والمناسبات: كدعاء كميل، ودعاء الندبة، ومجالس عاشوراء.

ه. تقوية العلاقات بالعائلات المتديّنة: وهذا سيساعد على تعلّم الطفل من أترابه، وانسجامه في مجتمعٍ يألفه.

و. تقديم نموذج: فمن المهمّ أن يظهر الأهل الاحترام والمحبّة لعلمائنا وعظمائنا وشهدائنا وتقديمهم على أنّهم النموذج الجيّد، ولا يجب أن يكون هناك تناقضٌ في أن نكون متديّنين ثمّ نُظهر الإعجاب بالممثّلين والمشهورين الغربيّين مثلاً.

ز. التشجيع: إنّ للتشجيع الأثر السحريّ في تقوية القيم والأحاسيس والعبادات الدينيّة، مع الالتفات إلى أن لا يأخذ التشجيع منحى الرشوة خاصّةً إذا ما كان تشجيعنا ماديّاً (هدايا، مال...)، فمن الجيّد أن نلجأ في أوقاتٍ كثيرةٍ إلى الهدايا المعنويّة: التقبيل، الابتسامة، الحضن والكلام المشجّع...

 

 

84

 

 


75

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

2. التربية غير المباشرة

إذا ما لاحظنا أنّ طفلنا لا يُظهر أيّ مقاومةٍ لأسلوبنا المباشر حتّى سنّ السادسة، فلا يجب أن نتوقّع أن يستمرّ تأثير أسلوبنا المباشر بعد هذا العمر. فبعد السادسة لا بدّ من أن نبحث أو نلجأ لأساليب غير مباشرةٍ يكون تأثيرها مستمرّ وأقوى من المباشر:

أ. القصّة: من أفضل الأساليب لنقل المفاهيم الدينيّة القصص. والقصص من الأساليب التي اتّبعها القرآن الكريم لتعليمنا: فقصّة النبيّ موسى والخضر(عليهما السلام) تُعلِّمنا الصبر والتواضع أمام المعلّم، وقصّة النبيّ لوط c تُعلِّمنا العفّة، وقصّة آدم وحواء (عليهما السلام) تُعلِّمنا البُعد عن الشيطان...

ب. حياة العلماء: تاريخنا الإسلاميّ وحاضرنا مليئان بالنماذج التي يمكن أن يقتدي بها أبناؤنا في حياتهم الدينيّة والعمليّة، حدّثوهم عن القائد الخامنئيّ a الذي ترك طلب العلم ليبقى بجانب أبيه عندما ضعف نظره، حدّثوهم عن الشريف الرضيّ الذي نزل عن جواده عندما مرَّ بالقرب من إحدى المقابر احتراماً لأستاذه (غير المسلم) الذي علّمه مرّة.

ج. الأفلام، الرسوم المتحرّكة والأنيميشن: وتعتبر الآن من الأساليب

 

85


76

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الأكثر جاذبيّةً بالنسبة للأطفال ويمكننا دمج أيّ مفهومٍ نريده من خلال فيلم رسومٍ متحرّكة، وسيساعد هذا الأسلوب على تثبيت المفاهيم الدينيّة أكثر من الأسلوب المباشر»[1].

كما إنّ هناك أساليب أخرى لنقل المفاهيم الدينيّة:

- عبر السؤال: أن نسأل الطفل وأن نجيبه إذا سألنا.

- عن طريق الطبيعة: إنّ الطبيعة هي الكتاب الكبير الذي نستطيع أن يتعلّم فيه الأطفال عن خالقهم وخالق هذه الطبيعة المتغيّرة والمتنوّعة، والتي تعكس حياة الإنسان وموت الإنسان (فصل الشتاء) وعودته إلى الحياة بعد الموت (فصل الربيع).

- عن طريق الناس: النظر إلى حياة الناس المعنويّة والتعليم فيها خاصّة حياة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) والشهداء والأشخاص الذين يحبّهم الطفل ويعيش معهم.

- عبر المتون الدينيّة وخاصّةً قصص القرآن الكريم: التي تعطي الطفل إحساساً بالأمان أنّ الله مع الإنسان عبر العصور المختلفة.

- عبر زيارة الأماكن المقدّسة: تعلّمه قداسة هذه الأماكن وأنّ كل ما فيها من جمالٍ هو بسبب جمال الله سبحانه وتعالى.

 

 


[1]  تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة -جامعة تربية- مدارس طهران.

 

 

86


77

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

- عبر القصص التي تدور حول المواضيع الدينيّة: والتي هي من أهمّ الأساليب في تقريب المفاهيم الدينيّة للأطفال[1]. والتي سنتكلّم عنها إن شاء الله في هذا المبحث.

القصص

إنّ عشق الأطفال للقصّة دفع بالمربّين المهتمّين بشؤون الأطفال إلى اعتمادها كوسيلةٍ تعليميّةٍ في مختلف النشاطات المنهجيّة التي تختصّ بالرياضيات والعلوم والدين والأخلاق وغيرها. ثمّ إنّ مفعول القصّة والفائدة منها لا ينتهيان فور الانتهاء من عرضها[2]. إذاً هل هي أداة ترفيهٍ وتسليةٍ لتمضية أوقات الفراغ فقط، أم إنّها وسيلة تعليمٍ وتربيةٍ تهدف إلى غاياتٍ نبيلة؟

الهدف من القصّة ليس لفت أنظار الأطفال إليها وتسليتهم، وإنّما لتوجيه اهتمامهم إلى الحكاية ومضمونها. «فمن خلال القصّة يفهم الأطفال المغزى دون الحاجة لأن يقول الراوي العبرة ودون الحاجة لمداخلته»[3].

 

 


[1]  Yob , I. (1996). Keys to teaching children about God. Barrons Educational Series Inc.

[2]  يراجع: بسام، سكيني: أدب الأطفال. ط1، دار المنشورات بشّار، د.م، 2005م، ص15 - 17.

[3]  يراجع: بسام: (م.ن)، ص12.

 

 

87


78

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

هل القصص مهمّةٌ في حياة أبنائنا؟ لماذا؟

«تبني القصص جسراً غير مرئيٍّ بين الطفل والعالم الذي سيدخله مستقبلاً، وتسعى من خلال العبر الأخلاقيّة والأحداث السياسيّة والتجارب الاجتماعيّة التي تحويها أن تجهّز الطفل للدور الذي ينتظره في العالم المتغيّر يوماً بعد يوم؛ لأنّ القصص قادرةٌ على خلق ارتباط مع الإنسان منذ ولادته حتّى آخر لحظات حياته، فهي تساعده على التعرّف إلى محيطه وإلى نفسه من خلال إغنائها لتجاربه المحدودة، وبالتالي لتغيير سلوكه وقيمه وأفكاره»[1].

«إنّ للقصص والحكايات تأثيراً كبيراً على الأطفال، ولا سيّما أنّ الطفل يبدأ بسماعها وتذوّقها من عمر مبكرٍ على لسان جدّته وأمه ووالده والمعلمة وأيٍّ من المحيطين به. فهناك ما يعرف بالحكايات الشفويّة بأنواعها المختلفة، وهي أعرق أنواع القصص وأقدمها عند الإنسان وأبرزها الأسطورة. كما هناك الحكايات الشعبيّة بأنواعها، والقصص الحديثة بأشكالها المختلفة و... وكلّ نوعٍ يغذّي جانباً من تفكيره ويقوّي نواحي الخيال فيه.


 


[1]  تأثير القصّة الدينيّة على تحول مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

88

 


79

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

وانطلاقاً من هذا لا تكون غاية (أدب الأطفال) هي إذكاء الخيال فقط، ولكنّها تتعدّاه إلى تزويدهم بالمعلومات العلميّة والتقاليد الاجتماعيّة، ووصلهم بركب الثقافة والحضارة من حولهم في إطارٍ مشوِّقٍ وممتعٍ وأسلوبٍ سهلٍ وجميل»[1].

أهمّيّة القصص في حياة الأطفال

تُعدُّ مرحلة الطفولة من أهمّ المراحل لبناء شخصيّة الفرد؛ إذ إنّ الفرد في هذه المرحلة يكون قابلاً للتأثير والتوجيه، واكتساب الخصائص الإيجابيّة التي تجعل منه فرداً صالحاً ونافعاً في مجتمع المستقبل؛ لأنّ طفل اليوم هو رجل الغد، لذلك فإنّ الاهتمام به هو اهتمامٌ بالمجتمع وتقدّمه وتطوّره.

ويأتي دور القصّة التي تعدّ من أقوى الأساليب المؤثّرة بالأطفال. «فعن طريقها تُقدَّم الأفكار والخبرات والتجارب في شكلٍ حيٍّ مُعبِّرٍ مُشوِّقٍ جذّابٍ مؤثّر. هي الفنّ الذي يتّصل الأطفال به منذ أن يتفتّح على العالم إدراكهم، والذي يربّي خيالهم، وينبت مشاعر الخير والنبل في نفوسهم، ويربّي قوة الإبداع عندهم»[2].

 

 


[1] يراجع: سليم، مريم: أدب الطفل وثقافته. ط1، دار النهضة العربيّة، بيروت، 1422ه/ 2001م، ص13 - 15.

[2]  يراجع: أحمد، عبد الوهاب سمير: قصص وحكايات الأطفال. ط1، دار المسيرة، عمان، 1425ه/ 2004م، ص64.

 

89


80

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

«أثّرت القصص على مرِّ الأيام على نموّ الطفل المعرفيّ والمعنويّ، وساعدت الطفل على تنمية القوّة الخياليّة عنده. كما ساهمت في تربيته الاجتماعيّة. وساهمت القصص الدينيّة في ارتقاء التفكير الدينيّ عند الأطفال، من خلال تقديمها لنماذج يمكن الاقتداء والتماهي بها»[1]. «وتُعدّ إحدى الوسائل الإيجابيّة لتكوين العقيدة الدينيّة في نفوس الأطفال؛ وذلك لما لها من قيمةٍ عظيمةٍ في تهذيبهم وتقديم القدوة والمثل الصالح التي ترسّخ فيهم مبادئ الإيمان»[2].

يعتقد القليل من العلماء أنّ القصص وخاصّة الخياليّة منها، لا تساعد الطفل لأنّها تقدّم له واقعاً خياليّاً لا يستطيع الارتباط به، وهي من خلال الأحداث العنيفة أحياناً تؤثّر سلباً على الفهم المنطقيّ للطفل، ولكن أكثريّة علماء النفس والتربية يؤكّدون على الآثار الإيجابيّة للقصص.

فالطفل بحاجة للتجارب التي يتعلَّم منها، وهو لن يستطيع الخوض في تجارب عديدةٍ في سنواته الأولى، عندها تأتي القصص لتقدّم هذه التجربة من خلال شخصيّاتها وأحداثها، وهي مصدر إلهامٍ ووحيٍ للطفل، ومنبعٌ للإبداع الذي يحتاجه الأطفال دائماً.

 


[1] تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الاطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

[2]  يراجع: أحمد: (م.س)، ص105.

 

90


81

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

كما أنّ القصص -لا سيّما الخياليّة منها- تُعلِّم الطفل أنّ المشاكل لا مفرّ منها في هذه الحياة، وأنّ النجاح والتقدّم هما في مواجهة هذه المشاكل وحلّها.

كما يساعد أبطال القصص على حلّ التضادّ النفسيّ والمعرفيّ عند الأطفال، من خلال مقارنة حياته بحياة هؤلاء الأبطال والتعرُّف على ما يشبهها وما لا يشبهها فيها ومحاولة التماهي بالجميل والقويّ والحسن فيها، وبالتالي إيجاد التوازن في حياته. ومن الأمور المهمّة في حياة الطفل والتي يستطيع الانسجام معها من خلال القصص، هي التعرّف إلى أنّ هناك الكثير من الأطفال لديهم المشاكل نفسها ويفكّرون بالطريقة نفسها التي يفكّر بها، فيستطيع عندها تحليل مشكلاته بطريقةٍ أعمق، كما تساعد القصص الأطفال على معرفة الطريقة الأفضل للتعبير عن المشاعر والعواطف والأحاسيس.

كما تعتبر القصص من أفضل الوسائل التعليميّة؛ لأنّه يتمّ بواسطة السمع والبصر، ويرفض الورق كوسيلة للتعلّم والتذوّق. فالأدب المكتوب من الوسائل التعليميّة المحدودة الأثر، وحينما يصبح الأدب مسموعاً أو مشاهَداً فإنّه -حينئذٍ- يؤدّي دوره كاملاً...

 

 

91


82

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

لذلك كانت القصص التي يسمعها الطفل من أمّه أو جدّته من أقوى الوسائل في نقل المعارف والحقائق، والنماذج الأدبيّة الراقية... وذلك للأسباب التالية:

1. إنّ أسلوب الحكايا والقصص يحقّق الألفة والعلاقة الحميمة، والمودّة المتبادلة بين الطفل وذلك الذي يحكي القصة.. وفي إطار هذا التبادل الدافئ في العلاقة تتسلّل المعلومات بخفّةٍ وسهولةٍ ويسر، ويُقبل عليها الأطفال بشوقٍ ولهفة.

2. إنّ اعتماد القصّة أمرٌ يحقّق عمقاً في الذاكرة... بحيث لا ينسى الطفل المعلومات بسرعة، بل تبقى محفورةً في ذهنه.

الطفل يولد بمشاعر رقيقةٍ ورهافة حسٍّ وسعة خيال، وحبّ وشوقٍ للمجهول، وحبّ المغامرة، والحلّ والتركيب والسؤال. ولا يوجد شيءٌ كالقصص يستطيع أنّ يخلق في عالم الطفل توجّهاتٍ نحو الجمال، ويبرّر القدرات الجمالية ويكشف عن القدرة الإبداعيّة.

كما يستطيع الطفل بكلّ مراحل نموّه أنّ يكتسب قدرات كشف الجمال حسب كلّ مرحلةٍ وخصائصها وقيمها والقصص المناسبة لها... بذلك نستطيع تربية الطفل جماليّاً حسب

 

 

92

 


83

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

استعداده وقدراته، وطبيعة مرحلته... فمرحلة الطفل خلال مراحل نموّه برفقة القصص، تخلق نوعاً من الصلة بين الجمال والإحساس به، ويمكن تلمّس أثر هذا على الطفل الذي تعوَّد الاستماع إلى القصص أو قراءتها... حيث الطفل يكون عادةً في أتمّ صحّته النفسيّة، وأكمل درجات نضجه وأفضل حالاته الوجدانيّة والذهنيّة... وهذا كلّه صدًى للحسّ الذوقيّ الذي نمّى لديه إثر ارتباطه الدائم بالقصص، ويمكن تلخيص العوامل التي تنمّي الذوق الأدبيّ لدى الأطفال وذلك فيما يلي:

1. تعمل القصص على تنشئة الشخصيّة وتكاملها، ودعم القيم الاجتماعيّة والدينيّة والثقافيّة... ومن ثمّ تتكوَّن عادات التذوّق السليمة والتوجّهات نحو الجمال في كلّ ما يتصل بالحياة اليوميّة والاجتماعيّة والحضاريّة.

2. تتكوَّن لديه قدراتٌ وخبراتٌ وتجاربُ وثقافةٌ تعمل على التأكيد على شخصيّة الطفل المتذوّقة للجمال، وإصدار أحكامٍ إيجابيّةٍ لصالح القيم الجماليّة كالنظام، والنظافة، والترتيب، وذلك في إطار الجمال العام.

3. كما أنّ تذوّقهم للغة وجماليّاتها يساعد على تنشيط ذهنهم، وإكسابهم القدرة على تذوّق اللغة واستعمالاتها وحسن

 

 

93

 

 


84

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

توظيفها، ومن ثمّ تتكوَّن عاداتٌ عقليّةٌ وفكريّةٌ تكون قادرةً على تهيئة أطفال اليوم، ليصبحوا مفكّري المستقبل.

4. إنّ الأطفال الذين ينشؤون نشأةً تذوّقيّةً أدبيّةً يحقّقون اكتساب المهارات التالية:

- التعبير باللغة والرسم عن أفكارهم وإحساساتهم لتنمية قدراتهم على الاستفادة من أنواع الثقافة والمعرفة، وإعدادهم للمواقف الحيويّة التي تتطلّب القيادة والانتماء والتمسّك بالجديّة.

- التذوّق اللغويّ والأدبيّ يحقّق للأطفال مجالاتٍ وآفاقاً أوسع في تعاملهم الاجتماعيّ والإنسانيّ، ويعالج سلبيّات الأطفال المتمثّلة في انطوائهم وعزلتهم، وتُخرجهم القصص وتذوّق الأدب من عيوبهم الشخصيّة والاجتماعيّة إلى إطارٍ أوسع من النشاط والحيويّة والتعاون، والإقبال على الحياة.

- القدرة على القراءة الواعية وعلى تقدير قيمة الكلمة المكتوبة وتجهيزهم لممارسة هذه الكتابة مستقبليّاً.

- القصص فنّ، والفنّ موطن الجمال وعلاقة الذوق بالفنّ قائمةٌ على تنمية الإحساس بالجمال لدى أطفالنا، فالأدب قادرٌ على تغذية هذا الجمال والإحساس به.

 

94


85

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

ولكي نساعد أبناءنا على الاستئناس بالقصص وبالمطالعة فيما بعد، من المهمّ القيام ببعض الخطوات العمليّة:

- لنقرأ الكتب أمام أطفالنا؛ لأنّ هذا الأمر سيشجّعهم كي يكونوا مثلنا.

- علينا أن نقتنع أنّ المطالعة مهارةٌ ككلّ المهارات تحتاج إلى تمرينٍ وإلى تشجيع؛ كي تصبح مَلَكةً عند طفلنا.

- لا يجب أن نجبر طفلنا على مطالعة القصص أو على اقتنائها إذا كنّا نحن لا نميل إلى القراءة.

- لا يجب أن نتعامل مع الكتب الموجودة في البيت على أنّها عبء، ولا يجب أن نرمي الكتب غير المهمّة في سلّة المهملات، فهذا التصرّف سيؤثّر على نظرة ابننا إلى الكتب.

- لتكن هديّة طفلنا حين يقوم بعملٍ ما قصةٌ جميلةٌ يضيفها إلى مكتبته.

- لنخصّص بعض المال شهريّاً لشراء القصص، ولنتأكد أنّ هذه القصص قد قرأها طفلنا قبل أن نشتري غيرها.

- لتكن هديّة طفلنا لأصدقائه يوم عيد ميلادهم قصصاً جميلة،

 

95

 

 


86

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

فهذا الأمر سيشجّع رفاقه أيضاً على إهداء القصص»[1].

- كما يتّضح بتقديم قصصٍ لأطفالنا في عمر (7 - 11 سنة) تدور حول الله وترتبط بالأصول الأخلاقيّة، والقصص التي تدور حول النماذج الإنسانيّة التي يجب أن يقتدي بها الطفل.

ثانياً: الأسباب في عدم تأثير التربية

بالرغم من اتّباع هذه الأساليب التي تمَّ التعرّض لها في هذا الفصل يبقى السؤال حول:

- ما هي الأسباب في عدم تأثير التربية الدينيّة؟

- ما الذي يؤدّي إلى عدم الوصول إلى أهدافنا فيها؟

1. السعي وراء المعلومات وحفظها وكميّتها، مكان السعي وراء المعرفة الباطنية: نلاحظ مثلاً أنّ أطفالنا يحفظون معلوماتٍ دينيّةً كثيرةً ويجيبون عن أسئلةٍ متعلّقةٍ بهذه المحفوظات، ولكن إذا تعمّقنا بالبحث عن خبايا إجاباتهم يصمتون، فهم لا يستطيعون تحليل أو تبرير إجاباتهم، وهذا يدلّ على أنّ المعرفة الباطنيّة ما زالت تحتاج إلى عملٍ وترسيخ.

 

 


[1]  تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11 سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران رسالة دكتوراه غير منتشرة - جامعة تربية - مدارس طهران.

 

 

96


87

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

2. الابتعاد عن الهويّة الدينيّة والهويّة الإلهيّة أدّى إلى الابتعاد عن الهويّة الشخصيّة: نرى أنّ مجتمعنا يتعرّض لهجماتٍ ثقافيّة، وصار الوقوف بوجهها يحتاج إلى الكثير من القوّة والقدرة. ونرى اندماج حتّى المسلمين المتديّنين بنمط الحياة المتعلّق بهذه الهجمة، ممّا أدّى إلى الابتعاد في الحياة اليوميّة عن تفاصيل الدين. فنحن نصلّي ونصوم ونرتدي الحجاب أو الشادور، ولكن نعيش الماديّة إلى أبعد الحدود، وهذا يرجع بشكلٍ أساس إلى عدم التأكيد على الهويّة الدينيّة في التربية.

3. التركيز على التربية العلميّة: التي يقول عنها الشهيد مطهّري: «التربية العلميّة المحضة تبني نصف إنسانٍ وليس إنساناً كاملاً (بشكل كامل)». وهذا يبدو واضحاً في المناهج الدراسيّة التي تخصّص العلامات العالية (60) للرياضيات والعلوم، بينما حصّة الدين من هذه العلامات (10) فهذه رسالةٌ غير مباشرةٍ لأولادنا أنّ العلوم والرياضيات هي المهمّة والمواد الدينيّة والقرآن هي على الهامش.

4. تقديم مثيراتٍ معروفةٍ لدى المتعلّم، ممّا يؤدّي إلى عدم تحريك الواقعيّة والحبّ والحماسة للتعلّم. فكلّ شيء تكراري ويتمّ تقديمه بالطريقة نفسها. بينما يجب أن نسعى في التربية

 

 

97


88

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الدينيّة وخاصّة في المدارس أن نترك الأطفال في حالة حاجةٍ للسؤال والتعطّش للمعرفة. فقد قال أحد علماء التربية: «الحمد لله أنّ المدارس لا تقدّم المعلومات كاملةً للأطفال وإلّا لماتت الدوافع لديهم».

5. عدم التعاطي مع المتربّين الصغار على أساس باطنهم -الذي هو في كلّ الأحوال مؤمنٌ طاهر، محبٌّ للجمال- بينما نرى أنّ العرفاء الكبار يتعاطون مع البشر على أساس باطنهم؛ لأنّه إذا عدنا إلى باطن الأطفال نرى أنّهم يدركون الإيمان بكلّ صفاء، والتربية الدينيّة هي عمليّة إعادتهم إلى هذا الصفاء إذا أعطيت من قبل أستاذٍ أو مربّيةٍ واعيةٍ لهذا الدور. ونرى من خلال حصّة الدين التأكيد على القشور أكثر من الباطن.

6. عدم ربط التربية الدينيّة أو المفاهيم الدينيّة بالفرح والنشاط والانطلاق. فما أجمل لو كان المصلَّى هو المكان الأنظف والأحلى في المدرسة، أو لو كانت الاحتفالات مصحوبةً بضحك وصراخ الأطفال ومحاولة التعبير عن كلّ ما يجول في داخلهم.

7. عدم إدخال الطبيعة -كـمصدرٍ للجمال- في المناهج الدينيّة؛ لأنّ النظر بدقّةٍ إلى الطبيعة، والإنصات بدقّة لها تزيد من الحسّ الدينيّ عند الطفل وميله إلى الجمال. فماذا لو شرحت

 

 

98

 


89

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الدروس الدينيّة في مكانٍ جميلٍ حيث العصافير والورود أو بالقرب من البحر...؟

8. مسح المعارف والمفاهيم الدينيّة: التقوى، الشفاعة، والتركيز على كميّة العبادة. فإذا ما نظرنا إلى الكتب الدينيّة، وأجرينا مسحاً للمفاهيم، نرى أنّ المفاهيم الأكثر انتشاراً هي العبادات الظاهريّة، بينما نعتبر أنّ التقوى والشفاعة هي أمورٌ صعبةٌ على الأطفال. ولكن بعد التجربة، يظهر لنا أنّ هناك أصعب من هذه المفاهيم إذا ما قُدِّمت بطريقةٍ جميلةٍ يستوعبها الطفل.

9. عدم السعي إلى التجديد في الأساليب والكتب كلّ مدّة، وكأنّ التغيّر يرتبط بالمواد الأخرى؛ فالكتب الدينيّة هي من أقلّ الكتب جماليّةً من حيث المظهر والألوان والتنظيم، فلا صور جذّابة ولا شيء يشبه الأطفال فيها.

10. عدم الاستفادة بشكلٍ كافٍ من الأشعار والأناشيد في نقل المفاهيم الدينيّة. فالأناشيد ترسخ في ذهن الأطفال بشكل أكبر، فإذا ما تخطّى الطفل الثاني ابتدائي انمحت الأناشيد الملحّنة التي يردّدها الطفل، مع العلم أنّها ترسخ في الذهن أكثر من المعلومات.

 

 

99


90

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

خلاصة الفصل الثاني

- يوجد للتعليم الدينيّ للأطفال خصائص لكلّ مرحلة، وهذا ما تبيَّن من بعض النظريّات الإسلاميّة والغربيّة، وتمَّ تسليط الضوء على مرحلتين فقط، مرحلة (7 - 9 سنوات)، ومرحلة (9 - 11 سنة).

- إنَّ للتربية الدينيّة عوامل مؤثّرة، منها: الأسرة، المحيط، المدرسة...

ولكي تكون العملية التربويّة ناجحة، لا بدَّ من العمل على عنصر أساس ومهمّ فيها، وهو المربّي، الذي يجب عليه القيام بتربية نفسه قبل القيام بتربية الفرد؛ ليكون فعّالاً ومؤثّراً.

- للعمليّة التربويّة أساليب خاصّة ينبغي التعرّف إليها لنعبر بها بنجاح، وتحقّق السعادة الفرديّة أو الاجتماعيّة أو الأخرويّة، وتكون إمّا عبر التربية المباشرة أو غير المباشرة.

- لكن العمليّة التربويّة لا تقتصر على هذا فقط، أيضاً هناك بعض العوامل والأسباب التي تمنع من التأثير التربويّ لا بدَّ من معرفتها والعمل عليها؛ لإنجاح العمليّة التربويّة.

 

100


91

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

الخاتمة

لقد كرّم الله تعالى بني آدم وفضّلهم على جميع المخلوقات، وخصَّهم بنِعَم جمَّة، وتعامل معهم تعامل المربّي والمعلّم والطبيب الرؤوف، الذي يحاول معالجة هذا الإنسان من جميع الأمراض الجسديّة والروحيّة.

ومن كرم الله على عباده أنْ وهبهم العقل، ومنحهم القدرة على تهذيب نفوسهم وتزكيتها، كذلك بعث لهم الأنبياء والأوصياء لهدايتهم وإصلاحهم؛ كي ينجوا من عذاب النار الأليم. وإنّ أسمى الأهداف التي أراد الله تعالى للإنسان تحصيلها في هذه الدنيا هو الوصول إلى مقام القرب الإلهيّ.

لكن كيف يمكن تحصيل هذا الهدف وبلوغ هذا المقام؟

لقد اهتمّ الإسلام ببناء الطفل قبل انعقاد نطفته، وبعد ولادته عبر التوجيهات النبويّة والتأديب القرآنيّ على مكارم الأخلاق الأسريّة، وعبر إعداد أهل متديّنين وهيئة تعليميّة تعمل على نشر

 

101


92

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

المبادئ الإسلاميّة؛ وذلك لينشأ أطفال يطبّقون الشريعة السمحاء ويؤسّسون لمجتمعٍ صالحٍ يعيش السعادة والقرب الإلهيّ في الدنيا والآخرة.

الأطفال أمانة في أعناقنا وهبنا الله تعالى إيّاها، لذلك علينا تأدية واجب حفظ هذه الأمانة عبر تربية الطفل تربيةً صالحةً وتربيةً سليمةً متوازنةً في جميع جوانب شخصيّته الفكريّة والعاطفيّة والسلوكيّة. لذلك تُعدّ الطفولة مرحلةً أساسيّةً ومهمّةً في حياة الإنسان، ففيها تتحدَّد معالم شخصيّة الطفل، ويتعلّم مختلف عاداته واتّجاهاته. فتربية الأطفال هي نقطة الانطلاق الأساسيّة في تكوين هذه الشخصيّة، ونظراً لما للتربية من الدور الأساس والفعّال، والأثر البارز في تبلور شخصيّة الطفل، كان اختياري لهذا البحث حول كيفيّة إيصال المفاهيم الدينيّة للأطفال من عمر (7 - 11 سنة).

رسم الإسلام لنا منهجاً تربويّاً متينا،ً يرتكز على أساس المحبّة التي أودعها الله في الإنسان، فهناك آياتٌ كثيرةٌ تدلّ على محبّة الله تعالى للإنسان، وهي من أعظم مظاهر الحبّ في الوجود؛ لأنَّ الإنسان أثرٌ من آثار الكمال الوجوديّ لذاته المقدّسة.

 

102


93

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

يقول تعالى: ﴿فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡم يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ﴾[1].

وإنّ حبّ الإنسان لربّه ليس إلّا فطرة الحبّ التي أودعها الله تعالى في قلبه. وقد برزت هذه الفطرة بأعلى مراتبها في قلب الأنبياء والأولياء (عليهم السلام).

فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «سيّدي أنا من حبّك جائعٌ لا أشبع، أنا من حبّك ظمآن لا أروى»[2].

وبما أنّ الله تعالى هو المربّي للإنسان، والتربية بالحبّ التي هي منهجٌ إلهيٌّ إسلاميّ، واحدةٌ من الأدوار التي يقوم بها الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، فقد كان الرسول(صلى الله عليه وآله) يتعامل مع الأطفال بمحبّةٍ ورأفةٍ ورحمة، ويوضّح لنا أهميّة الجانب الوجدانيّ والعاطفيّ، حيث «كان (صلى الله عليه وآله) يترحّم دوماً على الوالدين اللذين يهديان ابنهما إلى درب الإحسان والصلاح ويُحسنان له ويعاملانه معاملة الصديق والرفيق ويورثانه العلم والأدب»[3].

إنّ حب الله تعالى يُعدّ من أفضل العناصر التي تجعل علاقتنا به متوازنة، وأبلغها في جذب الإنسان إليه تعالى، لذلك أفلا يجدر

 


[1]  سورة المائدة، الآية 54.

[2]  ابن طاووس، علي بن موسى بن جعفر: إقبال الأعمال. ط1، مكتب الإعلام الإسلاميّ، قم، 1414ه، ج1، ص135.

[3]  يراجع: مستدرك الوسائل، ج12، ص201، نقلاً عن باهنر: (م. ن)، ص185.

 

103


94

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

بنا أن نحبّ الله حبّاً لا يعادله حبّ، ونخلص له ونشكره؟

لكن كيف نحبّه وكيف نشكره في هذا المسار؟

لا بدَّ من أن يكون شكرنا وعملنا في تربية أولادنا انعكاساً لمحبّة الله تعالى لعباده.

إذاً، التربية بالحبّ لها دور كبير في الحياة الإنسانيّة وفي تنمية الجانب الوجدانيّ والعاطفيّ في شخصيّة الطفل، وتبنّي شخصيّة نموذجيّة مفعمة بالحبّ والحنان والرحمة، فمن خلالها يشعر الأولاد بمحبّة أهلهم وانفتاحهم على شخصيّتهم بما ينسجم مع المنهج التربويّ الإسلاميّ الذي يدور حول العبوديّة والطاعة لله تعالى في جميع شؤون الحياة. وبما أنّ الأهل، المدرسة، المجتمع... كلّهم مسؤولون عن التربية بالحبّ ضمن وظيفتهم، وخصوصاً الوالدين بشكلٍ عامّ، والأمّ بشكلٍ خاصّ؛ لأنّ الأمومة ينبوع محبّةٍ وعطاءٍ وفيض يسري في حياتها، ويهدف إلى صناعة إنسان إلهيّ.

ومن المهمّ أن نعلم، أنّ التربية بالحبّ لا تنفصل عن الأخلاق أبداً. فلا يمكن أن أحصل على تربيةٍ دينيّةٍ بعيدةٍ عن الأخلاق، بل التربية الدينيّة مبنيّةٌ على الدين والأخلاق معاً، وهذا هو الشرط الأساس لأحصل على رضى الله تعالى.

 

 

104

 


95

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

يقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم﴾[1] والآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه(صلى الله عليه وآله) وتُعظّمه، غير أنّها بالنظر إلى خصوص السياق، ناظرةٌ إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعيّة المتعلّقة بالمعاشرة، وإنّ المراد بالخلق الدين، وهو الإسلام[2].

من هنا تكمن أهميّة إيصال المفاهيم الدينيّة بمختلف الأساليب عبر التربية بالحبّ منذ الصغر، وما لها من تأثيرٍ في بناء شخصيّة الطفل، والمحافظة على الفطرة التي أودعها الله تعالى فيه وهي الحبّ.

يقول الشاعر:

إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت       ولا يـلين إذا قـــــوّمـتــه الخشـب

قد ينفع الأدبُ الأحداثَ في مهل     وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب[3]

 


[1]  سورة القلم، الآية 4.

[2]  يراجع: الطباطبائي، (م.ن)، ص286.

[3] أحمد: (م.ن)، ص24.

 

 

105


96

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

فلو نظرنا للإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء، حيث تجسّدت منظومة الدين والأخلاق معاً فيه، حين بكى (عليه السلام) على الأعداء الذين خرجوا لقتاله، يقف العقل حائراً سائلاً عن ماهيّة هذه التربية التي أدَّت إلى ذلك!

نجد أنّ التربية بالحبّ التي تمثَّلت بأعظم مربٍّ محمّد(صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة (عليهما السلام) هي التي صنعت شخصاً كالحسين (عليه السلام).

اقتراحات

بما أنّ الحبّ أساس التربية الإسلاميّة، وله أهميّةٌ وضرورةٌ اجتماعيّة، وهو حاجةٌ فطريّةٌ ضروريّة، وهو أساس التأديب، ومصدر الأمن للطفل،... فإنَّني أقترح:

- إعداد بحثٍ حول أهميّة التربية بالحبّ ومدى تأثيرها على الطفل.

- إعداد بحثٍ في كيفيّة إيصال المفاهيم الدينيّة للأطفال للمراحل الأخرى.

 

 

106

 


97

الفصل الثاني: مراحل التعليم الدينيّ من (7 - 11 سنة)

محدوديّات

عدم وجود مصادر وافرة باللغة العربيّة.

«وما توفيقي إلّا من عند الله، عليه توكّلت وإليه أنيب».

 

 

107

 

 


98

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

المصادر العربيّة

- السيّد الرضيّ، نهج البلاغة. لا.ط، دار المعرفة، بيروت - لبنان، لا. ت.

- الحسيني، شهاب الدين: مقوّمات الصحّة النفسيّة للأطفال. ط1، دار البلاء، بيروت، 1999م.

- الخامنئي، (2012) من هدي المربّي، العدد (2)، المؤسّسة الإسلاميّة للتربية والتعليم.

- الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي: من لا يحضره الفقيه. لا.ط، جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة، قم، لا. ت.

- الطباطبائي، محمّد حسين: الميزان في تفسير القرآن. ط1، دار الأضواء، 1431ه/ 2010م، بيروت.

- الطبرسي، رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق. ط6، لا.د، لا.م، 1392ه/ 1972م.

- الطبرسي، ميرزا حسين النوري: مستدرك الوسائل. ط1، مؤسّسة أهل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، 1408ه/ 1987م.

- الكليني، محمّد بن يعقوب بن إسحاق: الكافي. ط3، دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

 

 

109

 

 


99

المصادر والمراجع

- المجلسي، محمّد باقر: بحار الأنوار. ط2 مصحّحة، مؤسّسة الوفاء، بيروت-لبنان، 1403ه/ 1983م.

- ابن طاووس، علي بن موسى بن جعفر: إقبال الأعمال. ط1، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، رجب 1414ه.

- الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم. لا.ط، لا.د، لا.م، لا.ت.

- أحمد، عبد الوهاب سمير: قصص وحكايات الأطفال. ط1، دار الميسرة، عمان، 1425ه/ 2004م.

- باهنر، ناصر: تعليم المفاهيم الدينيّة في ضوء علم نفس النموّ (طبعة مترجمة). ط1، دار الهادي، بيروت، 2005م.

- برغل، أميرة وقطان، أمل: تربية الطفل في الإسلام على ضؤ علم نفس النمو. لا.ط، لا.د، لا.م،2011م.

- بسام، سكيني: أدب الأطفال. ط1، دار المنشورات، لا.م، 2005م.

- بقيّة الله (مجلّة شهريّة، ثقافيّة جامعة، تصدر عن جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة)، بيروت- لبنان.

- بن بابويه، محمّد بن علي بن الحسين: معاني الأخبار. لا.ط، إنتشارات إسلامي بجامعة مدرّسين حوزة علميّة، قم، 1338ش.

- تأثير القصّة الدينيّة على تحوّل مفهوم الله عند الأطفال (6 - 11سنة)، ومقارنة النتائج بين لبنان وإيران، رسالة الدكتوراه غير منتشرة -جامعة تربية- مدارس طهران.

- سرحان، منير: في اجتماعيّات التربية. ط4، دار النهضة العربيّة، بيروت، 2003م.

- سليم، مريم: أدب الطفل وثقافته. ط1، دار النهضة العربيّة، بيروت، 1422ه/ 2001م.

 

 

110

 

 


100

المصادر والمراجع

- عبد السلام زهران، حامد:علم نفس النموّ «الطفولة والمراهقة». ط5، دار عالم الكتب، القاهرة، 1994م.

- عيتاوي، عصام: الطفل في ضوء التربية الإسلاميّة. ط1، دار مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1982م.

- كريمي، عبد العظيم (2005م). توجّه رمزي نحو التربية الدينيّة، مع التأكيد على الأسلوب الاكتشافي، انتشارات قدياني، طهران.

- المباني النظريّة للوثيقة الوطنيّة للتربية والتعليم، 2009م، المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة في إيران.

- ملحم، سامي محمّد: مبادئ التوجيه والإرشاد النفسي. ط1، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، 1427ه/ 2007م.

- من كلمات ومحاضرات الإمام الخمينيg: التربية والمجتمع.. مظاهر عينيّة من فكر الإمام الخمينيg. ط1، مركز الإمام الخميني الثقافي، بيروت-لبنان، 2000م/ 1421ه.

 

المصادر الأجنبيّة:

- Abstract religious thinking.

- Concrete religious thinking.

- Fowler, J.W (1996). Faithful change. The Personal and public challenges of postmodern life. Nashville, TN: Abingdon Press

- Harms, e.(1944).the development of religious experience in children.

- Intermediate Concrete - abstract religious thinging.

- Intermediate Stage.

- Intermediute between intuitive and religious thinking.

 

 

111


101

المصادر والمراجع

- Intuitive religious thinking.

- Mythological artificialism.

- Non-artificialism.

- Personal religious thought stage I.

- Personal religious thought stage II.

- Pre - religious thought stage.

- Religious Thinking From Childhood to Adolescense - Routledge and Kegan Paul - London.

- Reudiness For Religion. Routledge and KeganRaul - London.

- Sub - religious thought stage I.

- Sub - religious thought stage II.

- Technical-artificialism.

- The child conception of the causality.

- The child conception of the world.

- The fairly tale stage of religion.

- The individualistic stage.

- The realistic stage.

- Yob, I. (1996). Keys to teaching children about God. Barrons Educational Series Inc.

 

113


102
المفاهيم الدينيّة للأطفال