فقه المحاماة

التفقّه في الدين، وتعلّم الأحكام الشرعيّة الفقهيّة وفهمها، من الأمور التي حثّت الشريعة الإسلاميّة عليها؛ كونها تشكّل البناء المعرفيّ والفكريّ لشخصيّة الإنسان المسلم، وترسم معالم سلوكه على المستويين، الفرديّ والاجتماعيّ.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-09

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

التفقّه في الدين، وتعلّم الأحكام الشرعيّة الفقهيّة وفهمها، من الأمور التي حثّت الشريعة الإسلاميّة عليها؛ كونها تشكّل البناء المعرفيّ والفكريّ لشخصيّة الإنسان المسلم، وترسم معالم سلوكه على المستويين، الفرديّ والاجتماعيّ.

وقد أوجبت الشريعة على المكلَّف تعلّم الأحكام الشرعيّة التي يُبتلى بها، بلا فرق بين الأحكام الخاصّة بالعبادات التي يُبتلى بها كلّ المكلّفين، أو الأحكام الخاصّة بوظيفة كلّ مكلَّف أو مهنته، فمَن يعمل في مجال الهندسة أو القضاء أو المحاسبة أو غيرها من الوظائف والمِهن، يجب عليه أن يتعلّم الأحكام الشرعيّة الابتلائيّة في مجال عمله، وإلاّ عُدَّ مخالفاً فيما لو ابتلي بمورد أو حالة لا يعرف حكمها الشرعيّ.

إنّ أهمّ ما طرحه الإسلام -كعقيدة ونظام- هو تحقيق العدل والقضاء على الظلم، وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله):

 

 

7

 


1

المقدّمة

«العدل ميزان الله في الأرض»[1]. والتقاضي في الفقه الإسلاميّ يحكمه -من بدايته إلى نهايته في إصدار الحكم وتنفيذه- مبدأ عامّ، وهو تحقيق العدل بين المتخاصمين.

وقد أجازت الشريعة المقدّسة الوكالة بالخصومة في الترافع والدفاع (المحاماة)، ووضعت لها شروطاً وأحكاماً.

هذا الكتاب هو من ضمن سلسلة الفقه الموضوعيّ التي نصدرها دوريّاً، وقد أعددنا سلسلة تختصّ بفقه المِهن، وخصّصنا هذا الإصدار بمهنة المحاماة، ويبيّن هذا الكتيّب حكم مزاولة المهنة، وشروطها وآدابها، وجملة من أحكامها، آملين أن يلبّي الحاجة العمليّة لهذه الشريحة الأساسيّة في المجتمع.

والحمد للّه ربّ العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 


[1] النوريّ، ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، ج11، ص317، تحقيق: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، 1408هـ- 1988م، بيروت- لبنان، ح13146.

 

8


2

آداب المِهن والمعاملات

آداب المِهن والمعاملات

لا بدّ قبل الخوض في غمار الأدبيّات والأخلاقيّات التي ينبغي لكلّ صاحب مهنة أن يتحلّى بها، من التأكيد على أنّ كلَّ فرد من أفراد المجتمع له دور بارز وأساس في تكوين البنية الاجتماعيّة الراقية والملتزمة بالمبادئ الإسلاميّة والإنسانيّة. وإنّ أصحاب المهن -على أشكالها- مطالبون بالتحلّي بتلك الآداب والأخلاقيّات في تعاملهم مع النّاس؛ بغية ضمان الأمن والسلام في مزاولة مهنتهم، وبغية الوصول إلى الهدف المنشود منها، ألا وهو خدمة النّاس وقضاء حوائجهم والعمل على تطوير العمل فيها. علاوة على الالتزام بما يرضي الله -سبحانه وتعالى- الذي أرشدنا من خلال كتابه الكريم وسنّة نبيّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار(عليهم السلام) إلى أهمّيّة العمل وطلب الرزق وآداب ذلك. وسوف نورد عدداً من تلك الأخلاقيّات والأدبيّات ضمن العناوين الآتية:

أوّلاً: في طلب الرّزق والمال الحلال

1. طلب الرزق والتعفّف عن الناس

عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): «مَنْ طلب هذا الرزق من حلِّه ليعود به على نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل الله...»[1].

 


[1]  الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص93. الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج17، ص21.

 

9


3

آداب المِهن والمعاملات

4. العمل باليد

عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه: رأيت أبا الحسن [الإمام الكاظم] (عليه السلام) يعمل في أرضٍ له، قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت: جُعلت فداك! أين الرجال؟ فقال: «يا عليّ، قد عمل باليد مَنْ هو خيرٌ منّي في أرضه ومن أبي»، فقلت: ومن هو؟ فقال: «رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وآبائي كلّهم، كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء والصالحين»[1].

5. الإجمال في طلب الرزق

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في رَوعي أنّه لا تموت نفسٌ حتّى تستكمل رزقها؛ فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنَّكم استبطاء شيءٍ من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإنّ الله -تبارك وتعالى- قسّم الأرزاق بين خلقه حلالًا، ولم يقسّمها حرامًا، فمن اتّقى الله وصبر أتاه الله برزقه من حلِّه، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلهّ قصّ به من رزقه الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة»[2].

6. الاقتصاد في طلب الرزق

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيِّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه، المطمئنّ إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصِف المتعفِّف، ترع نفسك عن منزلة

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص76-75.

[2]  المصدر نفسه، ص80.

 

11


4

آداب المِهن والمعاملات

الواهن الضعيف، وتَكتسبْ ما لابدَّ منه، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم»[1].

7. الدعاء في طلب الرزق

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله -جلّ وعزّ- جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا؛ وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجهَ رزقه كَثُر دعاؤه»[2].

8. الاقتصاد وتقدير المعيشة

عن الإمام الصادق(عليه السلام): «يا عبيد، إنّ السرف يورث الفقر، وإنّ القصد يورث الغنى»[3].

عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر»[4].

9. الكدّ على العيال من الرزق الحلال وفضله

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»[5].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «الذي يطلب من فضل الله ما يكفّ به عياله أعظم أجرًا من المجاهد في سبيل الله -عزّ وجلّ-»[6].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا كان الرجل معسرًا، يعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله، لا يطلب حرامًا، فهو كالمجاهد في سبيل الله»[7].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص81.

[2] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج6، ص328.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص53.

[4] المصدر نفسه، ص53.

[5]  المصدر نفسه، ج5، ص88.

[6] المصدر نفسه.

[7]  المصدر نفسه.

 

12


5

آداب المِهن والمعاملات

10. الاقتصار على معاملة من نشأ في الخير

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تخالطوا ولا تعاملوا إلّا من نشأ في الخير»[1].

11. التبكير في طلب الرزق

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّي لأحبّ أن أرى الرجل متحرِّفًا في طلب الرزق، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: اللّهم بارك لأمّتي في بكورها»[2].

12. الذهاب في الحاجة على طهارة

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من ذهب في حاجةٍ على غير وضوءٍ فلم تُقضَ حاجته، فلا يلومنَّ إلّا نفسه»[3].

13. التكسّب بأنواع المحرّمات

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي من بعدي هذه المكاسب الحرام، والشهوة الخفيّة، والربا»[4].

وعنه (عليه السلام): «كسب الحرام يَبِين في الذريّة»[5].

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص158.

[2]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج3، ص157.

[3]  المصدر نفسه، ج3، ص157.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص124.

[5] المصدر نفسه، ص125.

 

13


6

آداب المِهن والمعاملات

14. معونة الظالمين وطلب ما في أيديهم من الظلم

عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام): «إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين!»[1].

وعنه (عليه السلام): «العامل بالظلم والمعين له والراضي به، شركاء ثلاثتهم»[2].

15. الغشّ في المعاملة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا ومن غشّ مسلمًا فليس منّا». قالها ثلاث مرّاتٍ، إلى أن قال: «ومن غشّ أخاه المسلم نزع الله منه بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته ووكّله إلى نفسه»[3].

16. الخيانة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «... وليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله»[4].

ثانياً: في الصفات الأخلاقيّة

1. الإخلاص

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إنّ لكلّ حقّ حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يُحمَد على شيء من عملٍ لله»[5].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص16.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص333.

[3]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم، 1368 ش، ط2، ص286. البروجردي، السيّد حسين الطباطبائي، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، إيران - قم، 1399هـ، لا.ط، ج17، ص359.

[4] المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق علي أكبر الغفاري والسيد محمود الزرندي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ص248. السيّد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج18، ص540.

[5]  المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج69، ص304.

 

14


7

فقه المحاماة

2. الصدق

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أوصيكم بستّ خصال: اصدقوا، فإنّ الصادق على شفا منجاة، وإلّا قولوا خيراً تُعرفوا به، واعملوا الخير، تكونوا من أهله، وأدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصِلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل على من جهِل عليكم»[1].

3. الوفاء بالوعد

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليفِ إذا وعد»[2].

وعنه أيضاً(صلى الله عليه وآله): «لا إيمانَ لمن لا أمانة له، ولا دينَ لمن لا عهد له، ولا صلاةَ لمن لا يتمّ ركوعها وسجودها»[3].

4. حسن الخُلُق

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طوبى لمن حَسُن مع الناس خُلُقه، وبذل لهم معونته، وعدل عنهم شرّه...»[4].

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً»[5].

 


[1] الكراجكي، العلّامة أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان، معدن الجواهر، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، لا.ن، لا.م، 1394، ط2، ص53.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص364.

[3]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص198.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص168.

[5]  المصدر نفسه، ج2، ص99.

 

15


8

آداب المِهن والمعاملات

ثالثاً: في التعامل مع الناس

1. مدارة الناس

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حقّ... »[1].

2. نفع المؤمنين

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الخلق عيال الله، فأحبُّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيتٍ سرورًا»[2].

وعنه أيضاً (عليه السلام): «سُئل رسول الله(صلى الله عليه وآله): مَنْ أَحبُّ الناس إلى الله؟ قال: أنفع الناس للناس»[3].

3. قضاء حاجة المؤمن والاهتمام بها

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ المؤمن لَترِدُ عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده، فيهتمُّ بها قلبُه، فيدخله الله -تبارك وتعالى- بهمّه الجنّة»[4].

رابعاً: في الإقراض والدين

1. إقراض المؤمن

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لأن أقرض قرضًا، أحبُّ إليَّ من أن أتصدّق بمثله». وكان يقول: «من أقرض قرضًا وضرب له أجلًا فلم

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج77، ص147.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص164.

[3]  المصدر نفسه، ص164.

[4] المصدر نفسه، ص196.

 

 

16


9

فقه المحاماة

يؤتَ به عند ذلك الأجل، كان له من الثواب في كلِّ يومٍ يتأخّر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينارٍ واحدٍ في كلّ يوم»[1].

وعنه (عليه السلام) أيضاً: «ما من مسلمٍ أقرض مسلمًا قرضًا حسنًا يريد به وجه الله، إلّا حسب له أجرها كحساب الصدقة حتّى يرجع إليه»[2].

2. حبس الحقوق عن أهلها

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من حبس حقّ امرئٍ مسلمٍ، وهو يقدر على أن يعطيه إيّاه، مخافة أنّه إن خرج ذلك الحقّ من يده أن يفتقر، كان الله -عزّ وجلّ- أقدر أن يفقره منه على أن يغني نفسه بحبس ذلك الحقّ»[3].

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج18، ص230.

[2]  المصدر نفسه، ص230.

[3]  المصدر نفسه، ص332.

 

17


10

فقه المحاماة

مدخل

إنّ أهمّ ما طرحه الإسلام، كعقيدة ونظام، هو تحقيق العدل والقضاء على الظلم، وهذا هدف إسلاميّ شامل، لا يقف عند أيّ حال من الأحوال ولا موقف من المواقف، ولا يقف البغض والحبّ والقرابة في وجه غايته مهما عظُمت، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ﴾[1]، وقال: ﴿وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ﴾[2].

وقد كان الظلم عبر التاريخ البشريّ سببًا في هلاك أقوام غابرة، كما يذكر القرآن في قوله -تعالى-: ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدا﴾[3].

وفي السُنّة الشريفة أحاديث عدّة تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم والجور، رُوي عن النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «العدل ميزان الله في الأرض، فمن أخذه قاده إلى الجنّة، ومن تركه ساقه إلى النار»[4].

وعنه (صلى الله عليه وآله) في تعظيم اجتناب الظلم: «ومن أصبح لا يهمّ بظلم أحد، غُفر له ما اجترم»[5].

 


[1] سورة النحل، الآية 90.

[2] سورة الشورى، الآية 15.

[3]  سورة الكهف، الآية 59.

[4]  الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج11، ص317.

[5]  العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص330، باب79، ح62.

 

21


11

فقه المحاماة

وسُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: «إنَّ اللَّه -عَزَّ وجَلَّ- جَعَلَ الإِيمَانَ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ، عَلَى الصَّبْرِ والْيَقِينِ والْعَدْلِ والْجِهَادِ»[1].

وإنّ التقاضي في الفقه الإسلاميّ يحكمه، من بدايته إلى نهايته، في إصدار الحكم وتنفيذه، مبدأ عامّ، وهو تحقيق العدل بين المتخاصمين.

ولذلك نجده يوجب على القاضي المساواة بين المتخاصمين في سماع أقوالهم، وأيًّا كان المدّعي أو المدّعى عليه، فهما سواء أمام القاضي، وعليه الاستماع إليهما بأدقّ التفاصيل، حتّى لو كان المدّعى عليه ذا سلطةٍ ومَقامٍ اجتماعيّ، فهو أمام القاضي مساوٍ للفقير الضعيف مهما بلغ به الضعف في نظر المجتمع.

بل إنّ ثمّة آدابًا كثيرة قد ذُكرت في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، تتعلّق بكيفيّة تعامل القاضي مع المتخاصمين، حتّى في النظرات والمجلس ورفع الصوت وخفضه وما شاكل، وأن لا يقبل هديّة، ولا يستجيب دعوة وليمة من أحد، حتّى لا يقع في الحرج وما شابه، وغير ذلك ممّا ذُكر في الكتب المعنيّة بآداب القاضي، فهناك ما هو حرام عليه فعله، وهناك ما هو مكروه كذلك.

وبالتّالي، فإنّ القاضي مأمور بإتاحة الفرصة لكلا طرفي الدعوى أو وكيليهما ليُقدّما ما لديهما من حجج.

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، مرآة العقول، دار الكتب الإسلاميّة، 1404هـ، طهران- إيران، ج7، ص313.

 

22


12

فقه المحاماة

والأصل في الدفاع أن يتولّى المتّهم الدفاعَ عن نفسه، وهذا حقّ شرعيّ له. وإن كان عاجزاً عن ذلك، فلا ينبغي اتّهامه أو إلصاق التهمة به ومحاكمته، ريثما تتّضح حاله، بل ربّما يكون في الحكم ظلم له فيما لو علم القاضي أنّ المتّهم لا قدرة له على الدفاع عن نفسه. ومن هذا المنطلق، صار في زماننا ما أصبح معروفًا بالمحاماة.

 

 

23


13

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها
تعريف الوكالة ومشروعيّتها

ينبغي عند تعريف الوكالة تقسيمها إلى قسمين؛ وهما الوكالة بوجه عامّ والوكالة بالخصومة. وإن كانت الوكالة بالخصومة تندرج في ضمن الوكالة عمومًا، إلّا أنّ ثمّة بعض الفروقات بين أنواع الوكالات، إن من ناحية الشكل أم من ناحية المضمون.

الوكالة بوجه عامّ

في اللّغة: هي اسم مصدر من التوكيل، وقد وردت بفتح الواو وكسرها[1]، ولها معانٍ عدّة في اللغة، فمن معانيها:

 

 


[1]  ابن منظور، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، ج11، ص736.

 

25


14

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

الفرق بين الوكالة والنيابة [1].[2].[3]

الفرق بين الوكالة والنيابة، أنّ الوكالة «من مراحل الإنشاء، والثانية من مراحل العمل؛ فإنّها عبارة عن القيام مَقام الغير في العمل، يُقال: ناب عن زيد في أمر، قام مقامه، فالوكالة إنشاء تنزيليّ، والنيابة عمل تنزيليّ»[4].

 

 


[1]  ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج11، ص736.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، ط2، 1426هـ، قم- إيران، ج2، ص541.

[4]  المشكينيّ، مصطلحات الفقه واصطلاحات الأصول، منشورات الرضا، ط1، 1431هـ- 2010م، بيروت- لبنان، ص571.

 

 

26


15

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

وبعبارة أخرى، إنّ العمل الذي يُنفّذ من قِبَل الوكيل يُمكن نسبته إلى الموكَّل، كبيع شيء ما مثلًا، فيصدق على الموكَّل أنّه قد باع هذا الشيء، أمّا النيابة، فلا؛ لأنّ العمل يُنسب إلى فاعله لا إلى المنوب عنه، كالحجّ النيابيّ، فهو يُنسب إلى فاعله خاصّة، فيُقال: حجّ فلان.

وبالتّالي، فإنّ الفرق يُمكن استيضاحه من خلال نسبة الفعل، وإن كان فيهما معاً توكيل بالعمل.

شروط الوكالة

1. التنجيز على الأحوط وجوبًا، فلو قال: «وكلّتك، إذا جاء فلان»، بجعل أصل الوكالة معلَّقًا على شيء، لم تصحّ. نعم، يصحّ التعليق فيما وكَّل فيه، كأن يقول: «أنت وكيلي في بيع كذا، إذا جاء فلان»، فيكون بيع هذا الشيء معلّقًا على مجيئه، لا الوكالة[1].

2. أن تكون واقعة على أمر جائزٍ شرعًا[2]، (كالمخاصمة بشكل عامّ).

 

 


[1]  الإمام الخمينيّ، تهذيب تحرير الوسيلة، معهد الرسول الأكرم العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة، ط1، 1430هـ- 2009م، بيروت- لبنان، ج2، ص242.

[2] المصدر نفسه.

 

27


16

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

شروط الموكِّل

1. البلوغ.

2. العقل.

3. القصد.

4. الاختيار.

5. أن يكون جائز التصرّف فيما وَكَّل فيه، فلا يصحّ للمحجور عليه، لسفه أو إفلاس، التوكيل في ماله.

6. أن يكون إيقاع الأمر جائزًا له، فلا يصحّ التوكيل في إجراء عقد نكاح عنه، حال كون الموكّل مُحرِمًا[1].

- لا يشترط في الوكيل الإسلام، فتصحّ وكالة الكافر، بل والمرتدّ، وإن كان عن فطرة، عن المسلم والكافر، إلّا فيما لا يصحّ وقوعه من الكافر، كابتياع المصحف لكافر، وكاستيفاء حقٍّ من المسلم، أو مخاصمةٍ معه، وإن كان ذلك لِمُسلم.

 


[1]  الإمام الخمينيّ، تهذيب تحرير الوسيلة، مصدر سابق، ج2، ص242.

 

28


17

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

1. الجدل[1].

2. المنازعة[2].

3. يُطلق الخصم على الوكيل والنائب[3].

أمّا اصطلاحًا، فهي: ادّعاءُ طرفٍ حقًّا وإنكارُ الطرفِ الآخر هذا الحقّ عليه.

تشريع الوكالة بالخصومة في الشرع الإسلاميّ

لا إشكال في مشروعيّة الوكالة بالخصومة في الفقه الإسلاميّ، وفي أنّها ممّا يصحّ التوكيل فيها، قال الشيخ الطوسيّ في المبسوط: «وأمّا الدعوى، فيصحّ التوكيل فيها؛ لأنّ كلّ أحد لا يكمل المخاصمة والمطالبة»[4].

والشرائط التي ذُكرت آنفًا في الوكالة عمومًا، هي نفسها، تُشترط في الوكالة بالخصومة.

هل المحاماة وكالة بالخصومة؟

حسب تعريف الوكالة بالخصومة من الناحية الشرعيّة وتعريف المحاماة، نجد أنّهما لا يفترقان، من حيث الواقع، بعضهما عن بعض، إلّا في الاصطلاح، كما هو واضح.

 

 


[1]  الزبيديّ، تاج العروس، تحقيق، علي شيري، دار الفكر، 1414هـ- 1994م، بيروت- لبنان، ج16، ص215.

[2]  ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مكتبة الإعلام الإسلاميّ، 1404هـ، ج2، ص187.

[3]  الزبيديّ، تاج العروس، مصدر سابق ج8، ص279.

[4] الطوسيّ، المبسوط، تحقيق، محمّد تقي الكشفيّ، المكتبة المرتضويّة لإحياء آثار الجعفريّة، ج2، ص363.

والمراد من «إكمال المخاصمة» أنّه ليس كلّ واحدٍ من الناس يملك الأهليّة والكفاءة للمرافعة والادّعاء على الخصم والردّ على دفوعه؛ فالمرافعة علمٌ وفنّ يحتاج إلى دراسة وتعلّم، لمعرفة القوانين ومبادئ المحاكم وأصول الدعاوى، ثمّ اكتساب الخبرة أمام المحاكم ليصير قادراً على الترافع والدفاع، كما هو حال المحامي.

 

30


18

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

وبالتّالي، فإنّ ما يُحكى عن الوكالة بالخصومة في الفقه الإسلاميّ ينطبق على مهنة المحاماة.

آداب مزاولة المهنة

من المناسب هنا، الإشارة إلى بعض الشروط والآداب التي ينبغي للمحامي أن يتحلّى بها، وهي شروط أخلاقيّة وشرعيّة، تُسهم في حفظ تديّن المحامي والتزامه بالأحكام الشرعيّة في كيفيّة التعامل مع الموكِّل والخصم وغير ذلك، وسنذكرها ضمن النقاط الآتية:

 

 

31


19

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

أحكام الوكالة

ما سوف نذكره هنا من مسائل شامل للوكالة عامّة، سواء أكانت بالخصومة (المحاماة) أم بغيرها، وذلك بحسب ما ورد في الرسالة العمليّة لسماحة الإمام الخمينيّ (قدس سره) من كتاب الوكالة في تحرير الوسيلة.

 

أ. أقسام الوكالة:

الوكالة إمّا خاصّة، وإمّا عامّة، وإمّا مطلقة.

ب. التوكيل بنحو التخيير:

وربّما يكون التوكيل بنحو التخيير بين أمور؛ إمّا في التصرّف دون المتعلّق، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها».

 

 

32


20

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

وإمّا في المتعلّق فقط، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع هذه الدار أو هذه الدابة أو هذه الفرش» مثلاً، والظاهر صحّة الجميع.

ج. قصر التصرّف بحسب العقد:

يجب أن يقتصر الوكيل في التصرّف في الموكَّل فيه على ما شمله عقد الوكالة صريحًا أو ظاهراً، ولو بمعونة قرائن حاليّة أو مقاليّة، ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر، كما لو سلّم إليه المبيع ووكّله في بيعه، أو سلّم إليه الثمن ووكّله في الشراء[1]. وبالجملة، لا بدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له.

هـ. الوكالة عقد جائز:

الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته، وكذا للموكِّل أن يعزله، لكنّ انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه؛ فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه ولو بإخبار ثقة، كان نافذاً.

و. بطلان الوكالة بموت الوكيل:

تبطل الوكالة بموت الوكيل، وكذا بموت الموكِّل وإنْ لم يعلم الوكيل بموته، وبعروض الجنون على كلٍّ منهما على الأقوى في الإطباقيّ[2]، وعلى الأحوط في غيره، وبإغماء كلٍّ منهما على الأحوط، وبتلف ما

 

 


[1]  فإنّه يشمل تسليم المبيع حال قبض الثمن في البيع، وتسليم الثمن حال قبض المثمن في الشراء (وهو المتعارف).

وقد لا يشمل تسليم المبيع دون قبض الثمن مثلاًَ (إذا لم يكن متعارفاً). وكذلك، لا يشمل إعمال الخيار بعيب أو غبن أو غيرها، إلّا إذا شهدت قرائن الأحوال على أنّه قد وكّله فيه أيضاً.

[2]  الجنون قسمان: الجنون الإطباقيّ، وهو الجنون المستمرّ، والجنون الأدواريّ، وهو الذي ينقطع ثمّ يعود.

 

 

34


21

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

تعلّقت به الوكالة، وبفعل الموكِّل -ولو بالتسبيب- ما تعلّقت به، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها، أو فعل ما يُنافيه، كما لو وكّله في بيع شيء ثمّ أوقفه.

ز. التوكيل في الخصومة والمرافعة:

يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلٍّ من المدّعي والمدّعى عليه، بل يُكره لذوي المروءات من أهل الشرف والمناصب الجليلة أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصاً إذا كان الطرف (الخصم) بذيَّ اللسان، ولا يُعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.

ح. وظيفة الوكيل في الخصومة:

1. وكيل المدّعي وظيفته بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم، وإقامة البيّنة وتعديلها، وتحليف المنكر، وطلب الحكم على الخصم، وبالجملة كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات. ووكيل المدّعى عليه وظيفته الإنكار، والطعن على الشهود، وإقامة بيّنة الجَرِح[1]، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها، وبالجملة عليه السعي في الدفع ما أمكن.

2. لو ادّعى منكر الدين مثلاً في أثناء مدافعة وكيله عنه الأداء أو الإبراء انقلب مدّعياً، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه.

 

 


[1]  يُقال: بيّنة الجرح وبيّنة التعديل؛ فبيّنة الجرح هي الشهادة على شخص بأنّه قد وقعت منه معصية يوم كذا، كأن شرب الخمر مثلاً؛ أمّا بيّنة التعديل، فهي الشهادة على أحدهم بخلاف بيّنة الجرح، بأنّه لا يصدر منه كبير، مثلاً، أو أنّه كان يوم كذا في مكان غير المكان الذي شوهد فيه مرتكب المعصية.

 

35


22

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

ط. إقرار الوكيل على موكِّله:

1. لا يُقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكِّله؛ فلو أقرّ وكيل المدّعي القبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ البيّنة (الشهود) فسقة، أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يُقبل، وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره، وينعزل بذلك وتبطل وكالته؛ لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

2. الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه، إلّا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً بالخصوص.

ي. التعدّد في التوكيل في الخصومة:

1. يجوز أن يوكِّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الأمور؛ فإنْ لم يُصرّح باستقلال كلٍّ منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كلٌّ منهما صاحبه ويُعينه على ما فوّض إليهما.

2. لو وكّل رجلٌ وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقًا أو في خصومة شخصيّة، ثمّ قدّم الوكيل خصمًا لموكّله وأقام الدعوى عليه، يسمع الحاكم دعواه عليه، وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيّنة عنده عليها؛ وأمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة؛ فإنْ لم يُحضِر خصماً عنده أو أحضر ولم يُصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه، ولو صدّقه فيها فالظاهر أنّه يسمع دعواه، لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله، بحيث تكون حجّة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى

 

36


23

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

عليه بالحقّ، ولو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة، ومع ثبوتها بها تثبت حقّية المدّعى عليه في ماهيّة الدعوى.

3. لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه، لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل.

4. لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده مَن عليه الحقّ، لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.

ك. حكم التوكيل بجعلٍ:

يجوز التوكيل بجعلٍ وبغيره، وإنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكَّل فيه، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جعلاً فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكِّل الثمن أو المثمن، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكِّل.

 

37


24

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

موارد بطلان الوكالة

تبطل الوكالة بحصول أحد أمور:

الحكمة من تشريع الوكالة بالخصومة (المحاماة)

إنّ الهدف من جميع التشريعات الإسلاميّة هو تحقيق مصالح العباد، والوصول بهم إلى أعلى مدارج الكمال الدنيويّ والأخرويّ

 

38


25

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

في آنٍ معًا. ولا يحصل الصعود في مدارج الكمال الدنيويّ إلّا بجلب المنافع ودرء المفاسد، ورفع كلّ حرج ومشقّة عن الإنسان.

ومن خلال الوكالة بالخصومة تُقضى حاجات مَن لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا قدرة له على بيان حقّه، فلا يضيع حقّه لمجرّد الضعف بالمطالبة به، أو بأن يكون رجلاً كبيراً في السنّ أو مريضاً، أو غير ذلك، ممّا يقف حائلًا أمام بعضهم فيمنعهم عن ذلك.

والمحاماة، في الواقع، تقوم بدور فعّال في إحقاق الحقّ وإبطال الباطل وبيانه، وتُقدّم المعونة للجهات القانونيّة والقضائيّة في كشف المفاسد والمفسدين وغير ذلك.

وربّما تكون مصداقًا من مصاديق الإعانة على البرّ والتقوى التي أمر بها الله -تعالى- في قوله: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ..﴾[1]؛ لما تُسبّبه في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل. وطبعًا، فإنّ هذا لا يتأتّى إلّا من خلال الالتزام التامّ بأحكام الدين عند مزاولة هذه المهنة، وإلّا فإنّ مفاسدها ستكون أكثر من منافعها.

مصطلحات هامّة

1. البيّنة الشرعيّة:

البيّنة دلالة واضحة، عقليّة كانت أو محسوسة، وسُمّيت شهادة الشاهدين بيّنة لقوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على المدّعي، واليمين على المدّعى عليه»[2]، والجمع بيّنات، وفي المحصول البيّنة الحجّة الواضحة.

اصطلاحًا: في القضاء والحدود، هي عدلين؛ أي رجلين يتّصفان

 

 


[1]  سورة المائدة، الآية 2.

[2]  الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج27، ص234، ح2و 3.

 

39


26

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

بالعدالة (في بعض الموارد تصحّ شهادة رجل وامرأتين أو شهادة أربع نساء).

2. شهادة الزور:

وهي تعمّد الكذب، وهي شهادة باطلة وضعًا ومحرّمة تكليفًا.

صفات الشهود

وهي أمور:

أ- البلوغ، فلا اعتبار بشهادة الصبيّ غير المميّز مطلقاً، ولا بشهادة المميّز في غير القتل والجرح، ولا بشهادته فيهما إذا لم يبلغ العشر؛ وأمّا لو بلغ عشراً وشهد بالجراح والقتل ففيه تردّد. نعم، لا إشكال في عدم اعتبار شهادة الصبيّة مطلقاً.

ب- العقل، فلا تُقبل شهادة المجنون حتّى الأدواريّ منه حال جنونه، وأمّا حال عقله وسلامته فتُقبل منه إذا علم الحاكم، بالابتلاء والامتحان، حضور ذهنه وكمال فطنته، وإلّا لم تُقبل، ويلحق به في عدم القبول من غلب عليه السهو أو النسيان أو الغفلة، أو كان به البله، وفي مثل ذلك يجب الاستظهار على الحاكم حتّى يستثبت ما يشهدون به، فاللازم الإعراض عن شهادتهم إلّا في الأمور الجليّة التي يُعلم بعدم سهوهم ونسيانهم وغلطهم في التحمّل والنقل.

 

 

40

 

 


27

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

ج- الإسلام، فلا تُقبل شهادة غير المسلم مطلقاً على مؤمن أو غيره أو لهما. نعم، تُقبل شهادة الذمّيّ العدل في دينه في الوصيّة بالمال إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها. ولا يُعتبر كون الموصي في غربة، فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تُقبل شهادة الذمّيّ فيها، ولا يلحق بالذمّيّ الفاسق من أهل الإيمان. وتقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع المِلَل، ولا تُقبل شهادة الحربيّ مطلقاً.

د- العدالة، وهي الملَكَة الرادعة عن معصية الله -تعالى-، فلا تُقبل شهادة الفاسق، وهو المرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إنْ لم يكن الأقوى، فلا تُقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلّا مع التوبة وظهور العدالة.

مسألة: لا تُقبل شهادة كلّ مخالف في شيء من أصول العقائد، بل لا تُقبل شهادة من أنكر ضروريّاً من الإسلام، كمن أنكر الصلاة أو الحجّ أو نحوهما، وإنْ قُلنا بعدم كفره إن كان لشبهة، وتُقبل شهادة المخالِف في الفروع، وإن خالف الإجماع لشبهة.

٣. الرشوة:

وهي «ما يبذل للقاضي، ليحكم للباذل بالباطل، أو ليحكم له حقّاً كان أو باطلاً»[1].

حكمها: أخذ الرشوة وإعطاؤها حرام إنْ توصّل بها إلى الحكم له بالباطل. نعم، لو توقّف التوصّل إلى حقّه عليها جاز للدافع وإن

 

 


[1]  راجع: فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفريّ، مطابع المدخول، ط1، 1415هـ- 1995م، الدمام، ص209.

 

41


28

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

حرم على الآخذ، وهل يجوز الدفع إذا كان محقًّا ولم يتوقّف التوصّل إليه عليها؟ قيل: نعم، والأحوط الترك، بل لا يخلو من قوّة، ويجب على المرتشي إعادتها إلى صاحبها، من غير فرق في جميع ذلك بين أن يكون الرشاء بعنوانه أو بعنوان الهبة أو الهديّة أو البيع المحاباتيّ، ونحو ذلك[1].

4. العقد اللّازم:

هو «ما لا يجوز الرجوع فيه، بإبطاله أو فسخه، إلّا وفق شروط وصفات محدّدة حسب نوع العقد. كعقد الصلح، البيع، الإجارة، والقرض وغير ذلك»[2].

5. العقد الجائز:

وهو ما «يُمكن الرجوع فيه، ويُمكن إبطاله أو فسخه من المتعاقدين، مثل عقد المضاربة، والوديعة، والعارية والوكالة»[3].

6. الضمان:

يُطلِق بعض الفقهاء الضمان، ويريدون به ضمّ ذمّة إلى ذمّة[4]، فيكون هو والكفالة بمعنى واحد. ويفرّق بعضهم بينه وبين الكفالة: بأنّ الكفالة تكون للأبدان، والضمان للأموال، ويُطلق بعضهم الآخر الضمان ويريدون به التعويض عن المتلفات والغصب والعيوب


[1] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلمية، مطبعة الآداب، النجف الأشرف- العراق، ج2، ص406.

[2]  فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، مصدر سابق، ص293.

[3] المصدر نفسه.

[4] أي ذمّة الضامن إلى ذمّة المضمون عنه، فيجوز للدائن مطالبة أيّهما شاء.

وقال أكثر الفقهاء: إنّ الضمان نقل المال من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، فليس للمضمون له مطالبة المضمون عنه.

 

 

42


29

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

والتغيّرات الطارئة، ويُطلق على ضمان المال والتزامه بعقد أو بغير عقد، ويُطلق على وضع اليد على المال على العموم، بحقٍّ وبغير حقٍّ[1].

7. اليمين الشرعيّة أو الحلف أو القسم:

يُطلق الحلف والقسم في بعض الأحيان ويُراد منهما اليمين، «وهو تعهّد الإنسان لله بصيغة معيّنة للقيام بعمل حسن أو ترك عمل قبيح»[2].

والحلف لا يصحّ «ولا يترتّب عليه أثر من إسقاط حقٍّ أو إثباته، إلّا أن يكون بالله تعالى أو بأسمائه الخاصّة به تعالى، كالرحمان والقديم والأوّل الذي ليس قبله شيء، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى، كالرازق والخالق، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضمّ إليها ما يجعلها مختصّة به، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة، ولا يصحّ بغيره تعالى، كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزّلة والأماكن المقدّسة، كالكعبة وغيرها»[3].

و«لا فرق في لزوم الحلف بالله بين أن يكون الحالف والمستحلف مسلمَين أو كَافرَين أو مختلفَين، ولا بين كون الكافر ممّن يعتقد بالله أو يجحده»[4].

و«لا يشترط أيضاً في الحلف العربيّة، بل يكفي بأيّ لغةٍ إذا كان باسم الله أوصفاته المختصّة به»[5].

 


[1]  عبد المنعم، محمود، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهيّة، دار الفضيلة، ج2، ص414.

[2] فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، مصدر سابق، ص300.

[3] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مصدر سابق، ج2، ص427.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه، ص428.

 

43


30

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

الأحكام الابتلائيّة للمحامي
مقدّمة

سوف نعرض في هذا القسم الأسئلة التي يُمكن طرحها لمعرفة الحكم الشرعيّ في مسائل يُبتلى بها المحامي عادةً عند مزاولته المهنة، وقد جاءت الإجابات طبقًا لرأي الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ (دام ظله)[1].

في أصل المهنة والعمل بها

1. هل يجوز العمل في مهنة المحاماة، إن كان ذلك طبقًا للقوانين الوضعيّة؟

 

 


[1] أجاب على الاستفتاءات، مكتب الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي(دام ظله) في بيروت.

 

 

45


31

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

الجواب: لا يجوز العمل بمهنة المحاماة إذا كانت قائمة على تغيير الوقائع والتلاعب بإفادات الشهود كما هو الغالب؛ لأنّه من نوع الكذب المحرَّم، كما لا يجوز الاحتكام إلى القوانين الوضعيّة لمخالفة الكثير منها أحكام الشرع الحنيف. وأخذ الأجرة في مثل هذه الحالة لا يجوز لأنّه أكل مال بالباطل. نعم، إذا التزم المحامي بأحكام الإسلام، فلا مانع من عمله، وتبقى إشكاليّة الاحتكام إلى القوانين الوضعية على حالها من عدم حجّيّتها والحكم بها على أيّ طرف من أطراف الدعوى.

2. هل يجب على المحامي تعلّم الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بمرافعاته القضائيّة؟

الجواب: نعم، يجب عليه تعلّم الأحكام المتعلّقة بعمله؛ لأنّها مورد ابتلائه، وإذا لم يتعلّمها وأخطأ فهو من يتحمَّل المسؤوليّة؛ لأنّه يكون مقصّراً بحق نفسه وهو غير معذور شرعاً.

في الوكالة والوكيل والموكّل والمرافعات

1. إنْ كُنتُ وكيلاً ومات الموكِّل قبل إنهاء القضيّة، فما حكم وكالتي هنا، هل تبقى سارية المفعول؟

الجواب: تبطل الوكالة بموت الموكّل، ولا يجوز للوكيل العمل على طبقها بعد ذلك.

2. ما هي مبطلات الوكالة؟

الجواب: تبطل الوكالة بموت الوكيل، أو موت الموكِّل، أو بعروض الجنون على كلٍّ منهما كما تقدّم، وبالإغماء على الأحوط، وبتلف متعلّقها، وبفعل متعلّقها.

 

45


32

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

3. هل تتحقّق الوكالة بالكتابة أم لا بدّ من إنشائها باللّفظ؟

الجواب: تتحقّق الوكالة بالكتابة أيضاً.

4. هل يصحّ للمحامي أن يكون وكيلًا في الطلاق؟

الجواب: يصحّ توكيله في الطلاق.

5. ما هو المقصود بالوكالة المطلقة شرعًا؟

الجواب: الوكالة المطلقة هي التي تكون عامّة وشاملة من جهة المتعلّق بها.

6. هل الوكالة لازمة أم جائزة؟ ومتى تُصبح لازمة؟

الجواب: الوكالة عقد جائز، وتصبح لازمة إذا اشترط ذلك ضمن العقد اللازم.

7. هل يجوز قبول الوكالة من جهات تجاريّة تبيع في المزاد العلنيّ بضائع وحاجيّات مجهولة المالك، كتلك التي تبيعها الدولة في حال عدم تسديد السندات الماليّة من قِبَل أصحابها؟

الجواب: يشترط في الوكالة أن تكون في أمور مباحة ومحلَّلة

 

 

46


33

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

شرعاً، وأن يكون للموكّل أو الوكيل السلطنة شرعاً فيها. وفي مجهول المالك لا بدّ من إجازة الحاكم الشرعيّ.

8. هل يجوز قَبول الوكالة من المسيحيّ؟

الجواب: لا مانع منه في الأمور المباحة والمحلّلة شرعاً.

9. هل يجوز للوكيل توكيل غيره؟

الجواب: لا يصحّ للوكيل توكيل غيره فيما وكّل به، إلّا إذا كان مجازاً في ذلك.

10. هل يجوز للوكيل أن يعتزل عن الوكالة في ظرف حسّاس من المرافعة، كأن يكون اعتزاله سببًا في تضييع الجهود التي بُذلت في إحقاق الحقّ؟

الجواب: يجوز للوكيل اعتزال الوكالة.

11. هل يجوز للوكيل (المحامي) المصالحة عن الحقّ أو الإبراء منه دون إذن الموكِّل؟

الجواب: ليس للوكيل المصالحة عن الحقّ أو الإبراء منه، إلّا إذا كان وكيلاً بذلك بالخصوص.

12. هل يجوز رفض قضيّة يعلم المحامي أنّه يستطيع من خلالها أن ينصر مظلوماً؟

الجواب: قبول الوكالة ليس بواجب حتّى في الفرض المذكور، إلّا إذا توقّف رفع الظلم عن الآخرين عليه بالخصوص.

13. هل يجب على المحامي التصدّي للدفاع عن شخصٍ يعلم أنّه مظلوم؟

الجواب: لا يجب عليه ذلك، إلّا إذا توقّف رفع الظلم عليه بالخصوص.

 

47

 

 


34

الوكالة بالخصومة (المحاماة) وأحكامها

14. أعمل في مكتب محاماة، وترِدُنا قضايا ومعاملات تابعة لشركات أجنبيّة، وأفراد أجانب غير مسلمين أيضاً، فهل يجوز الدفاع عنهم والمرافعة في مواجهة المسلمين؟ وهل في ذلك موالاة لهم؟

الجواب: لا مانع منه في نفسه إذا كان فعلاً مباحاً.

الدفاع عمّا يخالف الشرع

1. هل يجوز للمحامي الدفاع عن قانون من قوانين نظام الدولة غير الإسلاميّة، وهو يعلم أنّ هذا القانون لا ينسجم مع الشرع الإسلاميّ، أو يؤدّي إلى إضعاف بعض الأحكام الشرعيّة، كالحجاب مثلاً؟

الجواب: لا يجوز الدفاع عمّا يخالف الشرع الإسلاميّ المقدّس.

الظلم والدفاع عن الباطل

1. هل يجوز أن أقبل قضيّة يظهر لي في بادئ الأمر أنّ فيها ظلمًا؟

الجواب: لا يجوز الدفاع عن الباطل.

2. هل يجوز قبول قضيّة أعلم أنّها ظالمة؟

 

 

48


35

الأحكام الابتلائيّة للمحامي

الجواب: لا يجوز ذلك.

3. لو أنّ قضيّة ما قُدّمت لي كي أتبنّاها للدفاع فيها؟ وقد شككت في أنّ ثمّة أمورًا ملتبسة وغير واضحة، فهل يجوز تسلّمها منذ البداية؟

الجواب: لا مانع من قبول القضيّة في الفرض المذكور، ولكن إذا كان هناك ظلم وباطل، لا يجوز الاستمرار في الدفاع عنها.

4. تأتيني بعض الدعاوى التي أعلم أنّ ثمّة ظالماً ومظلوماً، فهل يجب في هذه الحال أن أتسلّم قضيّة كهذه، وأنا أعلم أنّ عدم تسلّمي لها سيؤدّي إلى ضياع حقّ المظلوم قطعًا؟

الجواب: لا يجب قبولها، إلّا إذا توقّف إحقاق الحقّ ودفع الظلم عليك بالخصوص.

5. هل يجوز للمحامي التنحّي عن القضيّة قبل إنهاء الدفاع كاملًا؟

الجواب: يجوز ذلك.

6. أحياناً يُضطرّ المحامي إلى المبالغة في بيان حقّ المدّعى عليه (الموكِّل)، فهل يُعتبر ذلك مخالفًا للشرع؟

الجواب: إذا لم يكن في المبالغة تحريف للواقع، ولا تضليل، ولا كذب، ولا تزوير للحقائق، فلا إشكال.

 

 

50

 

 


36

الأحكام الابتلائيّة للمحامي

7. من المعروف أنّ قانون الإيجارات يختلف في بعض جوانبه عن أحكام الإجارة الشرعيّة، فهل يجوز للمحامي الدفاع عن مستأجر -مثلاً- لا يترك المأجور؛ تبعًا لقانون الإيجارات المتّبع في القانون الوضعيّ؟

الجواب: إذا كان عقد الإجارة موافقاً للقانون السائد في البلد فهو بحكم الشرط، ولا مانع من المطالبة به.

الدفاع عن مرتكب الحرام

1. كثير من الأحيان يُطلب من المحامي الدفاع عن أشخاص يتعاطون المخدّرات أو يُتاجرون بها، فهل يجوز للمحامي تسلّم قضايا كهذه في الأصل؟

الجواب: لا يجوز الدفاع عن الأشخاص الذين يرتكبون الحرام فيما فعلوه من الحرام.

2. في بعض الأحيان تُكلّفنا بعض الجهات الرسميّة أو غير الرسميّة دعاوى تتعلّق ببناء مسجد على أرض تدّعي فيها أنّ هذا المسجد مبنيّ على أرض تابعة للدولة، فهل يجوز تسلّم دعوى كهذه؟

الجواب: إذا كان المسجد في ملك الغير فيجوز، وإلّا فلا.

3. هل يجوز للمحامي أن يكذب للوصول إلى استرداد حقّ المظلوم؟

الجواب: لا يجوز ذلك.

في موارد الكسب وأجرة الأتعاب والأمور الماليّة

1. هل يوجد حدّ معيّن لأجرة الأتعاب شرعًا في الدفاع عن مظلومٍ في قضيّةٍ ما؟

الجواب: لا يوجد لذلك حدّ معيّن، بل ما يتوافق عليه الطرفان.

 

 

50


37

الأحكام الابتلائيّة للمحامي

2. إذا دافع المحامي عن ظالمٍ وهو يعلم بذلك في بادئ الأمر، فما حكم المال الذي يكتسبه من هذه القضيّة؟

الجواب: لا يستحقّ المال في الفرض المذكور.

3. إذا دافع المحامي عن ظالم ولم يكن يعلم أنّه ظالم لإخفاء أمرٍ ما، فما حكم المال الذي اكتسبه من هذه القضيّة؟

الجواب: لا يستحقّ المال.

4. هل يجوز اشتراط قيمة البدل الماليّ في القضايا التي فيها دفاع عن شيء يتعلّق بحفظ صورة الإسلام؟

الجواب: يجوز ذلك.

حرمة الرشوة

1. ما هي الرشوة؟ ومتى تكون محرّمة؟

الجواب: الرشوة حرام شرعاً، وهي دفع مال أو غيره للغير من أجل استمالته لمصلحته في مقام التحاكم، ويلحق بها دفع المال للموظّف ونحوه من أجل استمالته إليه، كتقديمه على الآخرين، أو إنجاز معاملة على خلاف القانون أو الشرع.

2. ما الفرق بين الرشوة والإكراميّة؟

الجواب: الهديّة والإكراميّة هي المال الذي يُعطى لشخص من أجل أن يقوم له بفعلٍ، أو من أجل قيامه له بفعل، ولم يكن في هذا الفعل مخالفة شرعيّة أو قانونيّة، على عكس الرشوة، كما تقدّم.

التأخير في العمل

1. على فرض تحديد المحامي موعدًا للبتّ في قضيّة ما، ولكن طرأ ما

 

52


38

الأحكام الابتلائيّة للمحامي

يؤخّر ذلك، فهل يجب عليَّ ردُّ المال الذي أخذتُه من الموكِّل إزاء إنهاء القضيّة؟

الجواب: إذا كانت الوكالة مشروطة بوقت معيّن، ولم يُنجز العمل الموكَّل فيه في الوقت المحدّد، لم يستحقّ الوكيل الأجرة المسمّاة حينئذٍ.

2. هل يجوز للمحامي مطالبة المدين بالفوائد (الربا) في حال تأخّره عن تسديد الدين.

الجواب: لا يجوز ذلك.

في الشهادة

1. هل يُشترط أنّ يكون الشاهد في قضيّة ما عادلًا؟ وما المقصود بالعدالة من الناحية الشرعيّة؟

الجواب: يشترط في الشاهد أن يكون عادلاً، والعدالة هي بلوغ الشخص درجةً من التقوى تمنعه من ارتكاب الحرام عمداً.

2. من المعروف أنّ شروط الشهادة في القانون الوضعيّ تختلف عمّا هي في التشريع الإسلاميّ، فما الحكم الشرعيّ فيما لو اعتمد المحامي عليها في القضيّة التي وكِّل بها؟

الجواب: لا يجوز الاستناد إلى شهادة غير العدول.

في تخفيف العقوبة عن الجاني

1. هل يجوز للمحامي العمل على تخفيف العقوبة إن كان الموكِّل يستحقّها حسب القوانين الوضعيّة المتّبعة في بلدٍ ما؟

الجواب: إذا لم يكن ذلك مخالفاً للشرع فلا مانع منه.

 

53


39

الأحكام الابتلائيّة للمحامي

4. هل يجب على الوكيل إذا علم أنّ أحداً يعلم حقيقةً ما تُفيد في القضيّة أن يظهر ذلك؟

الجواب: إذا توقّف إظهار الحقّ على ذلك أو إثبات براءة المتّهم عليه، فيجب ذلك حينئذٍ.

5. هل يُعَدُّ السكوت عن حقٍّ ما للموكّل أو المدّعى عليه إخفاءً للحقيقة؟

الجواب: يختلف حكمه باختلاف الموارد.

6. هل يجوز للمحامي مخالفة القانون إن لم تكن المخالفة محرّمة شرعًا؟

الجواب: يختلف حكمه باختلاف الموارد.

مسائل مختلفة

1. في بعض الأحيان، يذكر المدّعي أمام المحامي مساوئ المدّعى عليه، ويُفشي بعض الأسرار عنه، فما حكم الاستماع إلى ذلك؟

الجواب: لا يجوز له ذلك، وإذا كان غيبةً، فلا يجوز للآخرين الاستماع إليه.

2. في بعض الأحيان، يتبنّى المحامي أكثر من قضيّة؛ ما يؤدّي إلى المماطلة في بعض القضايا وعدم إنجازها بسرعة، فما الحكم في ذلك؟

الجواب: يجب على الوكيل العمل طبقاً لوكالته في هذه الموارد.

3. ما المقصود بالوصيّة العهديّة والوصيّة التمليكيّة؟

الجواب: الوصيّة التمليكيّة هي أن يوصي شخصٌ لآخر بمال، والوصيّة العهديّة هي أن يوصي شخصٌ بفعل شيء بعد موته.

 

55


40

الأحكام الابتلائيّة للمحامي

4. إذا كانت عقوبة الجاني شرعًا أشدّ من العقوبة المقرّرة في القانون الوضعيّ، فهل يجوز للمحامي العمل حسب القانون الوضعيّ في هذه الحال؟

الجواب: لا يجوز مخالفة الشرع ولا المرافعة عمّا يخالفه.

 

 

56


41
فقه المحاماة