خطاب الولي (2012)

توثيق تفصيلي لخطب الإمام الخامنئي (دام ظله) وكلماته وبياناته.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2012-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


PDF

خطاب الولي 2012

المقدّمة

 

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبه المنتجبين، وبعد...

 

لقد التقت مجموعة هامّة من الخصال القيادية النفيسة في شخصية الإمام الخميني قدس سره، يصوّرها تلميذه الإمام الخامنئي دام ظله بقوله: "... ذلك العظيم الذي جمع قوّة الإيمان مع العمل الصالح، والإرادة الفولاذية مع الهمّة العالية، والشجاعة الأخلاقية مع الحزم والحكمة، وصراحة اللهجة والبيان مع الصدق والمتانة، والصفاء المعنوي والروحي مع الذكاء والكياسة، والتقوى والورع مع السرعة والقاطعية، وهيبة القيادة وصلابتها مع الرقّة والعطف"[1].

 

وهذه الخصال نفسها بتمامها وكمالها نقرؤها في شخصية الإمام الخامنئي دام ظله ومسيرته القيادية، فهو الذي يذوب في شخصية أستاذه، ويتبّع فكره ونهجه، كما يصرّح قائلاً: "إنّني أعتبر نفسي تلميذاً متواضعاً، وابناً مطيعاً، ومحبّاً عاشقاً لروح الله..."[2].

 

وهذا ما نلمسه بوضوح عندما ننظر في الثوابث والأصول التي حرص الإمام الخامنئي دام ظله على ترسيخها في وجدان الأمّة، والتزمها سلوكاً عملياً في قيادته وإدارته لمختلف المراحل الصعبة والمعقّدة التي واجهت الأمّة الإسلامية بشكل عام، والجمهورية الإسلامية بشكل خاص، ومن هذه الأصول:


 


[1]  من خطبة له دام ظله، ألقاها بتاريخ: 18/3/1969 هـ.ش.

[2] المصدر نفسه.

 

9


1

خطاب الولي 2012

روح التوحيد نفي العبودية لغير الله: يرى الإمام الخامنئي دام ظله أنّ دائرة التوحيد ونهجه في الحياة وفي النظام الاجتماعي لا تعني عدم عبادة غير الله فقط ليكون الإنسان موحّداً، بل لا بدّ من شروط أخرى، أهمّها عدم إطاعة أعداء الله والطواغيت، وبهذا البيان يمكن التعبير عن عبادة الله -التي هي روح التوحيد- بالعبودية والطاعة المنحصرة بالله، وأنّ عبودية وطاعة غير الله تعدّ شركاً... سواء أكانت في الأوامر الشخصية، أم في القوانين العامّة، أم في شكل النظام الاجتماعي وكيانه.

 

تجلّي نفي العبودية لغير الله بالولاية: يعتبر الإمام الخامنئي أنّ الولاية نسيج من الترابط والاتّحاد الفكري والعملي الذي ينتج انصهار المجتمع والأمّة في بوتقة الإسلام، ما يحفظ قوّة الأمّة ووحدتها، ويمنع من الذوبان أو الانخراط في التيّارات الفكرية والعملية المنحرفة والمخالفة، ويشكّل جبهة محكمة وقويّة لا يمكن اختراقها.

 

ويعتبر حفظه الله "أنّ المجتمع يكون صاحب "ولاية" عندما يكون "الولي" مصدراً لجميع النشاطات والفعاليات الإنسانية. أمّا الفرد فإنّه يكون صاحب "ولاية" عندما يمتلك معرفة صحيحة بـِ "الولي"، ويسعى دائماً لأجل تحقيق المزيد من الارتباط به، لكونه مظهر الولاية الإلهية، فـ"الولي" هو خليفة الله، ومظهر القدرة الإلهية العادلة على الأرض، وهو بدوره يستفيد من جميع القدرات والقابليات المودعة في وجود البشر لتحقيق تكاملهم وتعاليهم، ويقف سدّاً منيعاً في وجه كلّ ما يمكن أن يؤدّي إلى ضررهم"[1].

 

نهج الإسلام يجب أن يبقى محمديّاً أصيلاً: لقد أولى الإمام الخامنئي دام ظله فكرة "الإسلام المحمّدي الأصيل" اهتماماً وتركيزاً بالغين، واعتبره محوراً رئيساً في فهم الأمّة للدين والتزامها بتعاليمه وسعيها للاقتدار والتقدّم. وفي هذا دعوة واضحة للأمّة كي تذوب في الإسلام الذي دعا إليه وعمل به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يقرن الإيمان بالعمل الصالح الدؤوب، حيث يعتبر دام ظله أنّ الإسلام المحمّدي الأصيل إسلام العدل والقسط، إسلام العزّة، إسلام حماية الضعفاء والحفاة والمحرومين... إسلام الدفاع عن

 

 


[1] الإمام الخامنئي، الخطوط العامّة للفكر الإسلامي في القرآن، جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة.

 

10


2

خطاب الولي 2012

حقوق المظلومين والمستضعفين، إسلام الجهاد ضدّ الأعداء وعدم مداهنة المتغطرسين والمتفرعنيين... إسلام الأخلاق والفضيلة والسموّ المعنوي.

 

الروح الحسينية ثورة مستمرّة على الظلم: ينطلق الإمام الخامنئي دام ظله في حديثه عن الثورة الحسينية من أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت لتأدية واجب عظيم، ألا وهو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى الخطّ الصحيح، والثورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلامي، وذلك بصرف النظر عن النتيجة، الحكومة أو الشهادة، وقد كان الإمام الحسين عليه السلام مستعدّاً لكلتا النتيجتين. ويُفهم من هذا أنّ الإمام الخامنئي دام ظله يرى أن مواجهة الظلم تكون باستمرار الاندفاع المعنوي، والعرفان، والابتهال إلى الله والفناء فيه، وعدم رؤية الذات أمام إرادته المقدَّسة، الذي أضفى على واقعة كربلاء هذا الجلال والعظمة والخلود.

 

وهذا الكتاب (خطاب الولي2012) يُشكِّل مادّة علمية موثّقة لخطب وبيانات ومحاضرات الإمام الخامنئي دام ظله، والتي تتميّز بغناها المنهجي والمعرفي والفكري والسياسي المتقدّم، كلّ ذلك في إطار خطاب موضوعي واعٍ وحكيم، يعتمد الإسلام منطَلَقاً، ومصالح الأمّة الإسلامية والمستضعفين في العالم غايةً وهدفاً.

 

نسأل الله تعالى أن ينير قلوبنا بنور الولاية المشرق في عصر غيبة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بنائبه الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله.

 

والحمد للَّه ربّ العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

 

11

 

 

 

 

 

 


3

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء حشدٍ من أهالي قم المقدّسة وعلماء الحوزة

 

 

 

 

المناسبة:   ذكرى "19 دي"

الحضور:  حشدٌ من أهالي قمّ المقدّسة، وعلماء الحوزة وفضلائها

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/10/1390هـ.ش.

15/02/1433هـ.ق.

09/01/2012م.

         

 

 

13

 


4

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نشكر الله تعالى أن عطّر أجواء هذه الحسينية مرّةً أخرى بالأنفاس الدافئة والقلوب المفعمة بالنشاط لشباب قم، وذلك بمناسبة التاسع عشر من دي. فإنّ وعي ويقظة وبصيرة أهالي قم الأعزّاء ودفاعهم المستميت عن الحوزة العلمية ومراجع تقليدهم تُعدّ حادثةً خالدةً على مرّ الزمان، وسوف تبقى.

 

لو اعتبرنا أنّ حادثة التاسع عشر من دي[1] هي مبدأ تأريخ التحوّلات الجديدة في العالم فلا عجب في ذلك، ولا جزاف في الكلام. إنّ أحداث المجتمع البشري وهذا العالم الكبير تخضع لقانون التأثّر المتبادل، فكل حادثة تترك أثراً على غيرها من الحوادث، وبدورها تنتج سلسلة الأحداث التاريخية الوقائع الكبرى. فلو أنّنا عرضنا المسألة بهذه الصورة، وهي أنّ حركة أهالي قم في التاسع عشر من دي لعام 1356 هـ.ش. 9/1/8791م كانت بمثابة شرارةٍ وسط ظلمة القمع الحالكة في ذلك الزمان، حيث إنّ الحديث التفصيلي عن ذلك القمع في بلدنا الذي كان آنذاك مدعوماً من العالم كلّه الذي يُقال عنه إنّه مناصرٌ للحرية، ويدافع ويحمي الحكّام والمتسلّطين المستبدّين والدكتاتوريين بكلّ وجوده، يستلزم كتباً كثيرة ـ ففي مثل تلك الأجواء، كانت الدماء الطاهرة التي أُريقت في شارع "چهار مردان"[2] في قم وأوجدت تلك الحركة العظيمة لأهالي تلك المدينة هي الشرارة التي أصابت المستودع الإيماني العظيم لهذا الشعب وقلبت الأجواء بشكل مفاجئ.


 


[1] يوم انتفاضة أهالي مدينة قمّ تنديداً بمقال نشرته السلطات الإيرانيّة في صحيفة اطلاعات وأهانت فيه الإمام الخميني قدس سره.

[2] اسم شارع وحيّ كبير في مدينة قم المقدسة.

 

 

15


5

خطاب الولي 2012

لو لم تحصل تلك الحادثة ذاك اليوم في مدينة قم، لما حصلت تلك الحوادث المختلفة في المحافظات وسلسلة الأربعينيات التي جرّت الناس إلى ميدان المواجهة. ولو لم تجرِ تلك التحوّلات والأحداث لما تحقّق الثاني والعشرون من شهر بهمن، (1979/2/11يوم انتصار الثورة الإسلامية) ولما وصلت الثورة الإسلامية إلى هذا النصر. الثورة الإسلامية وصلت إلى النصر وبدأ التحدّي مع الاستكبار، تحطّمت هيبة الاستكبار وهيبة أمريكا والصهيونية. فلو لم يتمّ تحطيم هذه الهيبة المزيّفة للقوى العظمى ـ حيث تهيمن على عالم البشرية بهالة زائدة عن واقعيتها (هيبتها اللاواقعية) ـ لما فكّر المسلمون في الدول المختلفة واستيقظوا. ثبات شعب إيران ومظلوميته في الأحداث المختلفة وفي الحرب المفروضة وفي مرحلة الدفاع المقدّس الشديدة المترافقة مع الحظر الصعب (الحصار الاقتصادي) - وصموده بمثل هذا الإحكام وتقدّمه بهذا الثبات - قد هزّ الشعوب. لو أنّ هذا الثبات لم يكن، ولو أنّ هذا الصمود لم يتحقّق، ولولا جرّ هيبة القوى العظمى الكاذبة إلى التحدي، لما نزلت الشعوب إلى الميدان ولما تحقّقت الصحوة الإسلامية، حتى أنّ هذه الأحداث التي تقوم الآن بتغيير المنطقة وتصنع عهداً جديداً ما كانت لتتحقّق. فالأحداث تبدأ من نقطةٍ وتتحرّك وفق سلسلة متصلة. ففي ظل الاستقامة والصبر والاستمرار على الطريق والمداومة على العمل، تترتّب جميع الخيرات وكلّ البركات.

 

الصبر والبصيرة شرطا الانتصار

إنّ الصمود هو الشرط الأول. فعلى الشعوب التي تبدأ السير أن تستقيم، ﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ﴾[1]. نجد في القرآن الكريم أنّ الأمر المتوجّه إلى نبيّ الإسلام المكرّم بالاستقامة قد ورد في أماكن متعدّدة، وسرّه هو هذا الأمر: يجب الثبات، والعمل عليه، وعدم إضاعة الطريق، والتوجّه دوماً نحو الهدف، والمواظبة على التقدّم. فلو حصلت هذه الأمور، ستتوالى الانتصارات، كما حدث لشعب إيران.

 


[1] سورة الشورى، الآية 15.

 

16


6

خطاب الولي 2012

شعب إيران يُقدّم اليوم تجربته العظيمة هذه للشعوب الأخرى. تجربة النجاح الناشئة من عامليّ البصيرة والصبر. البصيرة تعني عدم فقدان الطريق وعدم الاشتباه في تحديده، وعدم الابتلاء بالانحرافات والاعوجاجات، وعدم التأثر بوساوس الخنّاسين، وعدم الخلط بين العمل والهدف. والصبر يعني الصمود. وكل جيل ينقل إلى الجيل اللاحق. واليوم بحول الله وقوّته، فإنّ لجيل الشباب في بلدنا حضوراً وتواجداً مع أنّه لم يشهد مرحلة الثورة، ولم يدرك مرحلة الحرب جيداً، إلا أنّه في الوقت نفسه يتمتّع بتلك الروحية والأحاسيس والدافعية، وبذاك العزم القاطع يصمد في الميدان، فهذا مهمٌّ جداً. هذا هو فنّ الثورة الإسلامية، ويجب علينا أن نقوّي عوامل هذا الصمود وهذه البصيرة في أنفسنا.

 

عاملا اقتدار الشعب (اقتدار النظام وثبات الشعب)

هناك عاملان مترابطان يشكّلان سلسلة اقتدار الشعب:

العامل الأول، هو الموقف الحازم لنظام الجمهورية الإسلامية المقدّس بعدم الانحراف وعدم الخضوع، الصمود مقابل التجاوز والتسلّط الذي تمارسه القوى العظمى والاستكبار. إنّ النظام الإسلامي بمجموعه، وبهويّته الجمعية، يُدرك تماماً ماذا يفعل، وقد اختار الطريق وثبت عليه. هذا هو العامل الأول.

 

والعامل الثاني، هو الحضور الواعي الفائض بالعزم للشعب الوفي. فلو أنّ هذين الشيئين انفصلا عن بعضهما بعضا، ولو أنّ مسؤولي النظام ومدراء البلاد كانوا متواجدين والشعب لم يكن متواجداً، فلا شكّ في أنّ العمل لن يتقدّم. لو أنّ مديري النظام ابتُلوا بزيغ النوايا ووهن القدرة على التشخيص والفهم واتّخاذ القرارات أمام حشود الكفر والضلالة التي اصطّفت مقابلهم، فمن المؤكّد أنّه سيكون لذلك أثره في اختلال النظام، وسيُخرج الناس من الساحة. فهذان العاملان موجودان معاً، وهما اليوم كذلك، وسيبقيان في المستقبل إن شاء الله. فمع هذين العاملين لن تؤثّر أيّ من الضربات والمؤامرات والمكائد والحبائل التي يمارسها العدوّ مع هذا الشعب.

 

إنّ الجبهة التي تواجهنا اليوم -والتي تتزعمها أمريكا والصهيونية - تتوسّل بجميع

 

 

17


7

خطاب الولي 2012

 الطرق التي يمكن استخدامها وتتشبّث بها، وتستعمل كل الوسائل التي يمكن استخدامها في مواجهة شعب إيران، علّهم يتمكّنون بذلك من إضعاف هذين العاملين والقضاء عليهما، وهما عامل اقتدار النظام، وعامل ثبات الشعب وصموده في الساحة. وهم بأنفسهم يُصرّحون بهذا الأمر ويقولون إنّ كل هذا الحظر الذي نُقرّه ونفرضه على إيران ـ ويتابعونه بمنتهى العناد ـ من أجل أن نُنهك هذا الشعب فيخرج من الساحة ويُعرض الناس عن النظام الإسلامي. فإمّا أن يحدث هذا الأمر، أو أن يتسلّل الوهن إلى إرادة المسؤولين فيعيدون النظر في حساباتهم. وبحسب تعبيرهم: إنّنا نريد أن يشعر مسؤولو الجمهورية الإسلامية أنّهم سيدفعون ثمناً باهظاً مقابل قراراتهم، وذلك من أجل إيجاد ثلمة وصدع في إرادة مسؤولي البلاد. فهم يلاحقون هذين الأمرين بكل ما أوتوا من قوّة وبجميع الوسائل التي يعرفونها. فإمّا أن يوجدوا الترديد والشكّ في قلوب الشعب ويبعدوه عن النظام، وإمّا أن يوجدوا التزلزل في المسؤولين ويحملوهم على إعادة النظر في قراراتهم وخياراتهم. لقد أخطؤوا، فإنّهم لن يتمكّنوا من تحقيق أيٍّ منهما. ذات يوم، في صدر الإسلام، ظنّ الأعداء أنّه بإمكانهم أن يخضعوا المسلمين في شِعب أبي طالب بالحصار الاقتصادي، ولكنّهم لم يتمكّنوا. وهؤلاء أصحاب الوجوه المُظلمة والحسابات الخاطئة، يتصوّرون أنّنا اليوم نعيش في أوضاعٍ مشابهة لشِعب أبي طالب. الأمر ليس كذلك، نحن الآن لسنا في ظروف تشبه ظروف شِعب أبي طالب، فنحن الآن في أوضاع بدرية وخيبرية. إنّنا نعيش في ظروفٍ شاهد شعبنا فيها علائم الانتصار بعينيه، وقد اقترب منها، وقد أنجز العديد من مقدّمات الانتصار بشموخ. فهل يخاف شعبنا اليوم من الحصار الاقتصادي؟! أفبهذه الكلمات وهذه الأحابيل يريدون أن يُخرجوا الشعب من الساحة؟! وهل يمكن هذا الشيء؟! أم يريدون اليوم أن يُلقوا الوهن في إرادة المسؤولين  ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ﴾[1]، هذا هو الطريق الذي اختير ببصيرة، وقد افتُتح بالجهاد، وقد تم تعبيده بدماء أعزّائنا. لقد سلكنا هذا الطريق، وقد تسنّمنا القِمم،

 

 


[1] سورة يوسف، الآية 108.

 

18


8

خطاب الولي 2012

ولن نتوقّف، وإن شاء الله سنتقدّم أكثر وإن كنّا قد بلغنا إلى اليوم الكثير من القِمم. أين هي الجمهورية الإسلامية اليوم؟ وأين كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة؟ أين كانت هيمنة أعداء الجمهورية الإسلامية، وصخبهم وضجيجهم في ذاك الزمان؟ وأين هو ضعفهم وانكسارهم اليوم؟ إنّ هذه دلائل تشجّع شعب إيران. إنّ إرادة المسؤولين ستبقى مُحكمة في الاستمرار على طريق الإسلام الذي هو طريق الله، وطريق الدين، وطريق سعادة الدنيا والآخرة. والشعب اليوم وفي الغد سيبقى ثابتاً في هذه الحركة العظيمة.

 

الانتخابات

1. أهمّيّة الحضور في الانتخابات (المشاركة)

إنّ من المجالات التي يمكن للشعب أن يُظهر حضوره فيها هي الانتخابات. أمّا هم (الأعداء) فلم يبدؤوا بذلك (أن يوجدوا الترديد في قلوب الشعب) من اليوم، لقد شرعوا به منذ مدّة، علّهم يتمكّنون من تقليل حضور الناس في هذه الانتخابات. تسمعون ثم ترون، والآن كذلك بالمقدار الذي يصل إلى أسماع الناس وإلى أعينهم من خلال المطبوعات والوسائل الإعلامية المختلفة، فإنّ أعداءنا ومن أعلى المستويات حيث مراكز القيادة لجبهة الكفر والاستكبار، وحتى تلك الدمى والأيادي الصغيرة، وعملاء نظامهم الذين نشروهم في كل مكان، فهنا يوجد منهم وفي الخارج أيضاً، استنفذوا سعيهم علّهم يستطيعون أن يقوموا بعملٍ لكي لا يشارك الناس في هذه الانتخابات. وإنّني من خلال تجربتي مع سلوك هذا الشعب وبالثقة بلطف الله تعالى، أتوقّع بلطف الله وفضله وبحوله وقوّته أن يكون حضور الناس في هذه الانتخابات حضوراً يكبت العدوّ ويهب بهذه الانتخابات دماً جديداً لكيان الثورة والبلد ونظام الجمهورية الإسلامية، حيث سيمنحه ذلك حركة جديدة ويجلب المزيد من النشاط، مثلما كانت جميع الانتخابات. إنّ الانتخابات هي مظهر حضور الشعب ومظهر تدخلّه في رسم مصيره.

 

بالطبع، يوجد آفات وعلينا أن نسعى لكي لا تحصل. فشعبنا وبلدنا يحمل من

 

 

19


9

خطاب الولي 2012

انتخابات العام 2009م أجمل الذكريات وأسوأها. فأجملها نتج عن الحضور العظيم لأربعين مليون نسمة أمام صناديق الانتخابات ممّا أدهش العالم، وأسوأ الذكريات ما يتعلّق بتلك المناكفات السياسية لمجموعة من الجهلة عديمي اللياقة وبعض المعاندين. في كلّ قضية وحادثة قد يكون هناك من لا يقبل ويعترض، فكيف يجب أن يُظهر اعتراضه؟ لقد عيّن القانون طريق هذا الأمر، فلماذا يُخالفون القانون؟ ولماذا يُرهقون الناس؟ ولماذا يجعلون البلد سبباً لإدخال السرور على قلوب الأعداء؟ ولماذا يُنفّذون البرامج التي تفوح منها الروائح العفنة للخطط والبرامج التي أعدّها العدوّ؟ لقد عيّن القانون السبيل. هناك قلنا للجميع: كلّ الأطراف ملزمون بالعمل وفق القانون -  محض القانون -  فلماذا لم يعملوا؟!

 

هؤلاء لم يتمكّنوا من فعل شيء. وما دام هذا الشعب في الساحة، وما دام هذا الترابط موجوداً فلا يمكن لأي أحد في هذا البلد أن يُحقّق شيئاً من خلال المخالفات. إنّهم لم يتمكّنوا من فعل شيء ولن يتمكّنوا، ولكنّهم جلبوا خسائر للبلد والشعب. فهل لبلد أن لا يدفع ثمناً مع تلك الانتخابات العظيمة والمجيدة؟

 

هناك عوامل مختلفة. ويجب أن تكون بالنسبة لنا تجربةً، ويجب أن تكون صحيحة، ويجب أن نكون جميعاً حذرين، فالانتخابات مظهر حضور الشعب ونتاجه، وهي مظهر الرأي العام ومطالب الأُمّة، ويجب احترامها.

 

2. نزاهة الانتخابات

يجب أن تكون الانتخابات نزيهة وتنافسية. والتنافس هو غير الخصام، التنافس يختلف عن الطعن المتبادل ويجب على الجميع أن يكونوا ملتفِّين، فالتنافس لا يعني توقّف إثبات الذات على نفي الغير. التنافس لا يعني أن يقوم الأشخاص ومن أجل جذب أنظار الناس بإطلاق الوعود المخالفة للدستور وللقوانين العادية، فهذا لا ينبغي أن يكون. أولئك الذين يريدون أن يدخلوا في ميدان الانتخابات سواء أكانوا من العاملين فيها والمسؤولين عنها، أم من المرشحين، يجب عليهم أن يلتزموا بالآداب والشروط المتعلّقة بالحركة العامة النزيهة، وأن يكونوا ملتزمين. فهذا أمر ضروري.

 

يجب على جميع المشرفين على الانتخابات أن يبذلوا كل ما في وسعهم ليكونوا أمناء.

 

 

20


10

خطاب الولي 2012

ولحسن الحظّ، إنّ انتخاباتنا وطوال هذه السنوات المتمادية، كلّ هذه الانتخابات التي كانت من نصيبنا ـ قد حصلت أكثر من ثلاثين عملية انتخابية طوال هذه السنوات الـ 32 ـ كانت انتخابات نزيهة. وبعض الأوقات ادُّعي أنّ الانتخابات لم تكن نزيهة، فأرسلنا من يُحقّق ويُدقّق ـ سواء أكان في حياة الإمام المباركة أم فيما بعد ـ ووجدوا أنّ الأمر ليس كذلك. فمن الممكن أن يكون هناك بعض الأعمال المخالفة هنا وهناك، لكن ما يجعل الانتخابات غير نزيهة ويمكن أن يُغيّر نتائجها لم يحصل بتاتاً، فما انتخبه الناس قد تحقّق في الخارج. يجب أن يسعوا لجعل الانتخابات سالمةً ونزيهة، وهذا الأمر يقع على عاتق المشرفين، سواء أكان يعمل في الدولة ووزارة الداخلية أم في جهاز مجلس صيانة الدستور المحترم.

 

3. أهمّيّة القانون

على الجميع أن يكونوا متيقّظين فلا يوجد شيء أعلى وأعزّ من القانون. وفي العالم هناك أمر رائج حيث يُقال إنّ القانون السيّئ هو أفضل من عدم القانون. وليس ببعيد أن يقبل المرء بمثل هذا. لأنّه بدون القانون يحصل الهرج والمرج، فالقانون السيّئ على الأقل هو ضابطة وعلى الإنسان أن يقوم بإصلاحه. ولحسن الحظّ إنّ قوانين انتخاباتنا هي قوانين جيدة ومن الممكن تكميلها فيما بعد لتصبح أفضل.

 

4. سلوكيّات المرشّحين للانتخابات

أولئك الذين ينزلون في الحملات الانتخابية يجب عليهم التقيّد بمجموعة من الأمور والالتزام بها. فهذا الخطاب موجّه لكلّ الذين يُشاركون في الانتخابات كمرشّحين وكذلك لغيرهم من الناس. شعبنا العزيز عليه أن يتحرّى هذه السلوكات في المرشّحين ويُدقّق فيها. فعلى المرشّح أن يُشارك في الانتخابات بقصد الخدمة. أمّا إذا كان بقصد تحصيل القدرة وجمع المال وأمثالها، وانطلاقاً من دوافع غير سليمة فإنّه لن يُقدّم أية خدمة للبلاد. إنّ مرشّح الانتخابات يجب أن يشارك بنيّة الخدمة. وهذا الأمر ينبغي تشخيصه وفهمه والتحرّي عنه، فلو إنّ المرشّحين كانوا متّصلين بمراكز الثروة والسلطة، فإنّ الأمر سيصبح خراباً، كما هو حال ما يسمّى بديمقراطيات العالم في أمريكا وغيرها، فالشركات وأصحاب الثروة يدعمون مرشّحي الانتخابات في رئاسة الجمهورية أو في انتخابات

 

 

21


11

خطاب الولي 2012

الكونغرس بالمال، فيكون المرشّح في المقابل ملزماً تجاههم. إنّ رئيساً للجمهورية يفوز بفضل أموال الأجهزة المختلفة ومراكز الثروة سيكون ملزماً تجاههم. ذاك النائب في المجلس الذي يفوز بفضل أموال الشركة الفلانية أو الشخصية الفلانية أو الرأسمالي الفلاني سيكون مضطراً أن يُقرّ قانوناً أو يُلغيه إذا اعتبر أولئك ذلك ضرورياً، ويكون عندها مستعداً لتوسعة القانون أو تضييقه. فوجود مثل هذا النائب لن يكون لصالح الشعب. فلا ينبغي أن يكون مرتبطاً بمراكز الثروات الشخصية وبطريقٍ أولى بالثروات العامّة. فالذي يأتي ويُنفق من بيت المال من أجل أن يصل إلى نيابة المجلس قد وقع في إشكالين، أي إن الإشكال مضاعفٌ. فهذه الأمور ينبغي أن يُراقبها الناس. وبالطبع، لا يجوز توجيه الاتهام لأي شخصٍ، ونقول إنّ هذا السيد مرتبطٌ بذاك المكان أو بهذا الشخص أو بتلك الأموال، فيجب استكشاف هذه الأمور وإثباتها.

 

يجب على الناس أن يفتحوا أعينهم ويلتفتوا. ولحسن الحظّ فإنّ الناس متيقظين. والذين يمكن أن يشكلوا للإنسان حجّة بينه وبين ربه، فليتم الاعتماد عليهم والثقة بهم، وحيث يمكن للمرء أن يُحقّق، فليُحقّق. هذه أمورٌ ضرورية، يجب التدقيق. وأسأل الله أن تجري الانتخابات بشكل جيد، وتكون مليئةً بالحيوية والحضور الشعبي ويُشخّص الناس فيها جيداً وينتخبون بشكل صحيح، وأسأل الله أن يتم تشكيل مجلسٍ لائق بالنظام الإسلامي. وبلطف الله - إن شاء الله - سيتحقّق هذا الأمر في المستقبل.

 

لو أردنا العون من الله، وشاركنا، وانطلق كل واحد منّا بدافع المسؤولية وكان هدفنا رفعة النظام الإسلامي والإسلام وشعب إيران، وأردنا أن نسعد وأن نؤمّن سعادة دنيانا وآخرتنا فطريق الله ليس مسدوداً. ولو تقدّمنا على هذه الأُسس فإنّ الله سيفتح لنا الطريق. المهمّ أن نبذل الهمّة ونعزم وننطلق.

 

إنّني مطمئن أنّ هذه الانتخابات ستكون معلماً للشعوب الأخرى. وبسبب هذا فإنّ الأجهزة الاستكبارية الخبيثة من إنكلترا وأمريكا والصهيونية وغيرها، سينشطون لتخريب هذه الانتخابات بأي شكلٍ وللطعن بها. الدول الأخرى تتطلع إلى هذه الريادة الانتخابية والثورية: أي إلى شعب إيران وما سيفعله. إنّ شعب إيران هو من السبّاقين في هذا المجال، فالشعوب الأخرى تنظر لترى إلى أين ستصل الانتخابات في إيران.

 

 

22


12

خطاب الولي 2012

الاستكبار يريد أن تجري الانتخابات في بلدنا بطريقة تجعل الشعوب يائسة...[1]. حسناً، لقد نطقتم بآخر الكلام! الموت لأمريكا هو آخر الكلام.

 

اللّهم، بمحمّد وآل محمّد اشمل بفضلك وهدايتك ورحمتك وعنايتك حال هذا الشعب العزيز.

 

اللّهم، اشمل شبابنا بنظرة عناية حضرة بقية الله أرواحنا فداه ودعاء هذا العظيم. وزد يوماً بعد يوم من انتصارات شعب إيران.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] هنا يهتف "الموت لأمريكا".

 

23


13

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة

 

 

 

المناسبة:   الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة

الحضور:  جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب

المكان:   طهران

 

الزمان:    24/10/1390هـ.ش.

20/02/1433هـ.ق.

14/01/2012م.

 

25


14

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اللّهم، سدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة.

 

أُرحِّب بجميع الإخوة والأخوات وأشكر الحاضرين المحترمين على مشاركتهم في هذا العمل الجماعي البالغ الأهمية. كذلك أوجّه شكراً خاصاً للمتكلّمين والخطباء، سواء أكانوا الذين قدّموا مطالب أو الذين أبدوا حججاً وانتقادات على ما طُرح. كذلك أشكر من كل قلبي رئيس ومدير البرنامج جناب الدكتور واعظ زاده على الإدارة الحسنة لهذا اللقاء، وبشكل أكثر على تمهيده وتنظيمه لشكل هذا اللقاء ومضمونه، هو وثلّة من العاملين على مدى عدّة شهور.

 

هدف اللقاءات الاستراتيجيّة

إنّ الهدف من هذا اللقاء ومن هذه الاجتماعات هو تبادل وجهات النظر بشكل علمي مع مجموعات النخب حول المسائل الأساسية للبلاد. إذا قيل إنّها أفكار استراتيجية فهذا صحيح، في الحقيقة إنّ السعي هو وصولنا للفكر، بيد أنّه يمكن إجراء تقسيم وتنويع، الفكر في مجال العدالة، الفكر في مجال المرأة والأسرة، ثم إنّ لدينا لائحة طويلة تصل إلى أكثر من عشرين موضوعاً، كلّ منها يحمل صفة الفكر، الأفكار (وتنوّعها) هي بهذا اللحاظ، وإلاّ فإنّ المرجو بأن نصل إلى رؤية واحدة وفكر واحد في كلّ مجال من خلال التلاقي والمخاض الفكري والمعنوي لهذا الجمع من النُخب والمساعدة التي سيقدّمونها للإسلام ولنظام الجمهورية الإسلامية. وبالطبع فليس المقصود بأن نقوم في هذه اللقاءات ببحث موضوع ما من الصفر إلى المئة، فهذا الأمر ليس عملياً أيضاً، وإنّما الهدف شقّ طريق التعامل مع المسائل الهامّة والمطروحة والمستقبل. نريد - وخاصة في البعد النظري - أن يُفتَح طريق كي تتولى نُخب البلاد وعقولها الفعالة وأهل الخبرة في كل اختصاص جزءاً من المسؤولية لإنضاج فكر سليم، يتحول بدوره إلى قاعدة

 

 

27


15

خطاب الولي 2012

للتنفيذ والعمل والبرمجة، ما أقصده هو أنّ هناك نقاط ضعف وكذلك نقاط قوّة في المجال النظري وكذلك في المجال التطبيقي، وفي هذه اللقاءات يتم كشف هذه النقاط من خلال البحث الذي يتمّ مع المفكّرين وأهل الخبرة في كل اختصاص وبالاستناد إلى معلوماتهم وإنجازاتهم العلمية، ويمكننا أن نشخّص نقاط قوّتنا وكذلك نقاط ضعفنا وأن ننهض لمعالجتها، وأن نُرمّم النقاط المتزعزعة أو المتصدعة، وأن نُصلحها ونُزيل مواطن الضعف.

 

ينبغي لنا أن نعرف موقعيتنا في عالم التنظير، أين نحن متقدّمون وأين نحن متأخرون، في الواقع هناك أماكن نحن فيها في المقدمة وفي مجالات أخرى نحن في الخلف، وفي مجال مسألة المرأة وما نبحثه الآن. كل المصادر والتعاليم الإسلامية في متناول أيدينا، والآيات القرآنية الكريمة، سواء ما يتعلّق بهذه المسألة بشكل مباشر أو ما يشملها في كلياته من خلال عمومه وإطلاقه، ينبغي لنا أن نضعها في قالب نظري، أن نُخرجها بشكل نظريات ومجموعات لديها قابلية الاشتقاق والاستخدام والاستنتاج، ومن ثم نضعها بين أيدي الجميع - بين أيدينا لكي نحوّلها إلى برامج، وكذلك بين أيدي المخالفين والمستفسرين - حيث أشار بعضهم لهذا - والحقّ معهم، لقد ازداد اليوم في الدنيا عدد المستفسرين والمتسائلين حول رؤى الجمهورية الإسلامية التي تحمل في طياتها تجربة ثلاثين عاماً، وأنتم تُدركون هذا بالطبع ونحن على اطلاع بشكل كلّي، هناك كثر يراجعون ويسألون، يريدون أن يعرفوا المواضيع المختلفة حول ما هو موجود في الجمهورية الإسلامية، حسناً، ينبغي أن توفّر الإجابات لهؤلاء.

 

في السابق كان لنا لقاءان، أحدهما حول الأطروحة الإسلامية - الإيرانية للتقدّم، والآخر حول العدالة. مع أنّ هذين الموضوعين منفصلان الواحد عن الآخر، إلاّ أنّهما في طول بعضيهما بعضا. لقد أُنجزت أعمال جيدة، وأرغب أن يعرف الإخوة والأخوات بهذا، لأنّه - من الآن فصاعداً- يؤثّر على ما سأذكره بالنسبة لموضوع الليلة، اعلموا أنّ العمل يتقدّم بشكل جدي. لقد أشار السيد واعظ زاده لهذا، إلا أنّ تفاصيل الأعمال التي جرت هي أكثر مما ذكره في حديثه كتقرير، لأنّه كان على سبيل الاختصار. لقد أُنجزت أعمال جيّدة وجدّيّة، وخاصّة في هذا المركز الذي تأسّس للأطروحة الإسلامية

 

28


16

خطاب الولي 2012

الإيرانية للتقدّم، فهو بهمّة الباحثين يقوم بأعمال جيدة جداً. في الحقيقة، إنّ كل من هذه اللقاءات ينثر بذرة في أرض خصبة. مهمة ري وسقي هذه الأرض تقع على عاتق مجموعة من العاملين الذين تم تعيين بعضهم حتى الآن، وبعضهم الآخر نقوم بالتفكير بتحديدهم إن شاء الله، وبالطبع فإنّ الجو العام للبلاد يساعد على الازدهار.

 

ونحن كذلك لسنا مستعجلين. بالطبع، نرغب في أن تتقدّم الأعمال بسرعة، أي إنّنا لا نقبل بالكسل والتخلّف وما شابه، ولكن لا يوجد تسرّع في العمل، لا نريد أن نعمل بتسرّع، نريد للعمل أن يخرج متيناً وعميقاً وخالداً ويملك قابلية العرض والدفاع عنه. إن شاء الله، فإنّ هذه الجلسات - هذه الجلسة وما سبقها - ستؤدي هذا الدور، وأنا متأكد من هذا الأمر.

 

المرأة والأسرة

1. دور المرأة في الثورة

إنّ مسألة المرأة والأسرة هي من مسائل الدرجة الأولى بالنسبة للبلاد. ولقد أثبت الأصدقاء والسيدات والسادة الذين حضروا وتحدّثوا هنا هذا المعنى، لا ضرورة لأن نضيف شيئاً على ما قلتم وبيّنتم بشكل واسع وجيد، لقد دلّ الكلام هذا على أنّ المسألة مهمة جداً. إنّ دور وحصة السيدات في النظام دور استثنائي وممتاز، مثلما كان دور السيدات في أصل الثورة ممتازاً. ربما لا يعرف الشباب الأعزاء الحاضرون في هذا اللقاء - ممن لم يكونوا في زمان الكفاح أو الثورة - ما الذي حدث حينها، ومعلوماتهم هي عن طريق التقارير التي يشوبها النقص جميعاً، وللأسف، التقارير والأخبار كلّها التي خرجت من قلب الكفاح والثورة ناقصة وذات بُعد واحد ومختصرة. لدينا عمل كبير ينبغي إنجازه في هذا المجال - وإن لم يكن هذا من الأفكار الاستراتيجيّة إلا أنّه من الأعمال الاستراتيجيّة - وينبغي أن تتم متابعته إن شاء الله، أولئك الذين شاركوا وكان لهم حضور فعال منذ بداية الثورة يعلمون بأنّ النساء كان لهنّ دور (مميّز) سواء أكان في بدايات النهضة أم في زمن الثورة؛ أي في تلك السنة والنصف من التحركات الجماهيرية الثورية، كان للنساء دور مؤثّر ولا بديل له حتى أنّهن لو

 

 

29


17

خطاب الولي 2012

التي يسهل ذكرها على اللسان. إذا تعرّض طفل للزكام وسعل عدّة مرات، كم نقلق عليه؟ فماذا لو ذهب الولد فقُتل، ثم قُتل الثاني، ثمّ الثالث، هل هذه طرفة؟ وهذه الأمّ بكل عواطفها الأمومية المرهفة والملتهبة تؤدّي دورها بشكل تتشجّع معه مئة أمّ أخرى لإرسال أولادهن إلى ساحة الحرب، لو أنّ تلك الأمهات - حين وصلتهن جثامين أبنائهن أو لم تصل - صدرت منهنّ آهات وأنين، عتاب وشقّ للجيوب أو اعتراض على الإمام (الخميني) وعلى الحرب، فلا شكّ أنّ الحرب كانت ستُشلّ في تلك السنوات والمراحل الأولى للحرب، وهذا هو دور أمهات الشهداء، والزوجات الصابرات للشهداء. نساء شابات يفقدن أزواجهن في بداية الحياة الجميلة التي كنّ يتمنينها، أن يرضين أولاً بأن يذهب أزواجهن الشباب إلى حيث من الممكن أن لا يرجعوا، ومن ثمّ يتحملن شهادتهم، ثم يفتخرن بهذا ويرفعن رؤوسهن شموخاً، هذه أدوار لا بديل لها ولا مثيل. ثمّ المعاناة المستمرة حتى الآن لزوجات المعوّقين من جرحى الحرب. سيدات تزوّجن بمعوّق جسده ناقص، وفي بعض الأحيان يكون سيء الخُلُق بسبب وضعه الجسدي أو العوارض الناشئة من حالات الصرع والتشنّج العصبي، أن تقوم سيدة بملء إرادتها وبشكل ملتزم ومسؤول وتتحمّل هذا بشكل تطوّعي وبدون أي إجبارتكون قد قامت بعمل فدائي كبير. أحياناً قد تَقُلنَ (أيتها السيدات) إنّنا نجيء في اليوم لزيارة أحد الجرحى لمدة ساعتين، حسناً في كل مرة تذهبن تُشكرن على تعبكن، ولكن أحياناً يكون العكس، أنتن تخترن أن تكنّ زوجات لهؤلاء الجرحى، تصبحن دائنات! أي إنّ طبيعة الحال أن تقمن أنتنّ بهذا العمل، لكن أولئك النسوة قمن بتلك التضحية. وفي الحقيقة إنّ دور النساء لا يمكن أن يُحدّ ويُحسب.

 

2. دور الشعب في فكر الإمام الخميني

وإنّني أقرّ وأعترف بأنّ إمامنا العظيم كان أول من أدرك هذا الدور، كالكثير من الأمور الأخرى التي كان أول من أدركها ولم يكن أحد منّا يعرفها، ولذلك فقد أدرك الإمام دور الشعب، أدرك الامام تأثير حضور الشعب، في الوقت الذي لم يكن أحد يُدرك ذلك. بعض كبار الشخصيات كانوا بتعابير قبيحة يقولون لنا: هل تظنّون أنّه يمكن القيام بأعمال كبيرة مع هذا الشعب؟! كانوا يتكلّمون بشكل يحتقر هؤلاء الناس

 

 

31


18

خطاب الولي 2012

 وكأنّهم لا يتحدّثون عن بشر! أمّا الإمام - فعلى العكس من ذلك - عرف قدر الشعب، وعرف الشعب، أدرك قدراته وكشفها واستنهضها، لأنّ الإمام كان صادقاً، لأنّ كلامه كان يخرج من ذلك القلب النوراني الكبير، فإنّه كان يؤثّر في الناس، لذلك فإنّ الجميع قد نزل إلى الساحة.

 

في ذلك اليوم الذي تشكّلت فيه اللجان، جميع الفئات جاءت إليها، من الطالب الجامعي إلى الأستاذ وطالب العلم، عالم الصف الأول، الناس العاديين، كلّهم جاؤوا وانتسبوا للجان. حين بدأت الحرب توجّه الجميع إلى جبهات الحرب بأمر الإمام. وحين قال الإمام في أواخر عمره: يجب أن تذهبوا وتبنوا وتصنعوا للوصول إلى الاكتفاء تحرّك الجميع نحو إعادة البناء، لكن الفتوحات لا تزال مستمرة حتى اليوم.

 

أعتقد أنّنا حيثما تقدّمنا اليوم إلى الأمام فإنّ ذلك بفضل الإمام، لقد أطلق عنان هذه الحركة بشكل متين بحيث إنّ أمثالي ينبغي أن يركضوا اليوم وراءه. لقد تحرّك هذا الشعب، ولا تزال الراية تنتقل من جيل إلى جيل ومن يد إلى يد.

 

3. دور المرأة في الثورة عند الإمام الخميني

وهكذا كان الإمام أيضاً في مجال المرأة، لقد أدرك الإمام دور النساء، وإلّا فقد كان هناك علماء كبار حيث كنّا نتجادل معهم حول مسألة مشاركة النساء في التظاهرات أو عدم المشاركة، وكانوا يقولون بعدم مشاركة النساء في التظاهرات.

 

فكر الإمام حصن منيع

ذلك الحصن المنيع الذي كان الإنسان يعتمد عليه ويطمئنّ ليقدر على الوقوف في مواجهة هكذا آراء صادرة من مراكز هامّة، كان حصن رأي الإمام وفكر الإمام وعزمه. رحمة الله تعالى على هذا الرجل العظيم إلى أبد الآبدين.

 

أسباب البحث في دور المرأة

على أي حال، فإنّ دور النساء لا بديل له، لذا فإنّ هذا الدور ضروري لأنّ له مستقبلاً، لقد مضى على عمر الثورة 32 عاماً، وهو عمر شباب حتى عند الإنسان، فما بالك بمدة كهذه في التاريخ. ينبغي أن يُعمّر هذا النظام الإلهي لمئات السنين، نحن

 

 

32


19

خطاب الولي 2012

لا نزال في ريعان شبابه، المستقبل محتاج لهذا الحضور النسائي في حشود الحضور الوطني، لذا فإنّ علينا أن نبذل الجهد في مسألة المرأة والحفاظ على هذه السّعة الموجودة في مجتمعنا، وهذا هو السبب الأول لكي نتصدى لبحث مسألة المرأة.

 

السبب الثاني هو مسألة الأسرة، لقد كان للمتكلّمين المحترمين بالأمس أبحاث جيدة، إن أردت أن أحكم، فسأقول إنّ متوسط الأبحاث كان فوق مستوى "الجيد"، كلام صحيح، إحصاءات جيّدة، استنباطات واستنتاجات جيدة من زوايا مختلفة. فقضية متعدّدة الأبعاد قام كلّ مفكر بدراستها من أحد أبعادها، سلّطوا الأضواء على تفاصيل هيكل هذا الموضوع المهمّ والحساس. يمكن للإنسان أن يشاهد هذه الزوايا، في الواقع، كانت محل إفادة لنا.

 

أهمّيّة الأسرة في المجتمع

بناءً على هذا، إنّ مسألة الأسرة هي مسألة مهمّة جداً، القاعدة الأساس للمجتمع، الخلية الأساس في المجتمع، وليس بمعنى أنّه إذا كانت هذه الخلية سليمة، فإنّ السلامة ستُرى في بقية الأجزاء أو أنّها إذا فسدت فإن باقي الأجزاء ستفسد بتبعيتها، بل إنّها إذا كانت سليمة فإنّ الجسم سالم، لأنّ الجسم ليس شيئا آخر غير الخلايا، كل جهاز هو عبارة عن مجموعة من الخلايا. إذا استطعنا أن نحفظ هذه الخلايا سالمة، فسيكون الجهاز سليماً. المسألة مهمّة إلى هذا الحدّ.

 

في الأساس، لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يتقدّم ما لم ينعم البلد بمؤسسة أسرية سليمة وحيوية ونشيطة. لا إمكان للتقدّم في المجالات المختلفة والمجالات الثقافية خاصة بدون أُسر جيدة، فالأسرة ضرورة، ولا يتناقض ذلك مع القول بأنّه لا يوجد أسرة في الغرب ولكن يوجد تقدّم. إنّ ما تظهر مؤشراته بشكل أكبر يوماً بعد يوم في خراب مؤسسة الأسرة في الغرب، سوف يلقي بظلاله وآثاره (على الغرب)، لا داعي للاستعجال، فالأحداث العالمية والتاريخية ليست بالأمر الذي تظهر آثاره فوراً وبسرعة، بل تظهر بشكل تدريجي، مع أنّه لا تزال تؤثّر حتى الآن. في الزمن الذي أنتج الغرب هذا التطوّر كانت الأسرة هناك لا تزال محافظة على بنيانها، حتى مسألة العلاقة بين الجنسين

 

33


20

خطاب الولي 2012

 كانت لا تزال مضبوطة من خلال رعاية الأخلاق الجنسية - بالطبع ليس بشكلها الإسلامي، وإنّما بأسلوبها الخاص. من لديه اطّلاع على المعارف الغربية سواء في أوروبا أو في أمريكا يرى ويشاهد هذا الأمر، حيث كان هناك رعاية للأخلاق بين الجنسين وكان هناك حياء واجتناب للتهم وما شابه. لقد نشأ هذا الفلتان وهذه الإباحية بشكل تدريجي، وقد مهّدوا الأرضية لهذا في ذلك الزمن، واليوم وصلوا إلى هذا المستوى. لذلك فإنّ أوضاعهم اليوم ستنتج غداً[1] مرّاً وصعباً جداً لهم. هذا هو السبب الثاني.

 

والسبب الثالث هو أنّه في هذه الاثنتين والثلاثين عاماً، لطالما كانت مسألة المرأة على رأس لائحة الاعتراض علينا من قبل الأعداء، منذ بداية الثورة، اعترضوا علينا وجعلوها في مستوى الإرهاب ونقض حقوق البشر، يومها لم يكن معلوماً (بالنسبة لهم) كيف سيتعامل المجتمع الإسلامي مع جنس النساء، بدأوا بحملتهم: الإسلام ضد المرأة، الإسلام هو هكذا وهكذا. وبالطبع فإنّهم لا يزالون مستمرين في هذا حتى اليوم.

 

حسناً، كان علينا أن نواجه وندافع. في المقابل، لا يمكن الاستخفاف بالرأي العام العالمي، فلا يمكن اعتبار الجميع مُغرضين وليس الكلّ خبيث، الخباثة خاصة بمجموعة معيّنة، من السياسيين وصنّاع السياسة والمخططين وأمثالهم، ينبغي لنا أن لا نسمح بأن يصبح عامّة الناس عرضة لهذا التضليل الكبير، لذا ينبغي أن نتصدّى.

 

علينا أن نذكر أيضاً، أنّ الغرب يتهرّب عمداً من طرح مسألة الأسرة، في جميع الأبحاث التي يجرونها، هناك بحث للمرأة ولكن لا يوجد أثر لبحث الأسرة، إنّ الأسرة هي نقطة ضعف الغرب، إنّهم يطرحون مسألة المرأة ولكن لا يذكرون حتى اسم الأسرة، مع أنّ المرأة ليست منفصلة عن الأسرة، وبناءً على هذا، فإنّ التصدّي لهذه المسألة أمر ضروري.

 

مسؤوليّة المؤسّسات والنُخب في مجالي المرأة والأسرة

1. مجال التنظير

حسناً، لقد كان هذا اللقاء أيضاً جيداً جداً، ما أدركناه في هذا اللقاء، بالإضافة إلى

 

 


[1] مستقبلاً.

 

 

34


21

خطاب الولي 2012

ما كسبناه من مضمون أبحاث الأصدقاء - وهو مهمّ - أنّنا عرفنا أنّه في مجال المرأة والأسرة لدينا على المستوى العلمي التخصّصي من الأعمال التي تنتظر الإنجاز إلى ما شاء الله تعالى، هناك من الأعمال المطلوب إنجازها والتي قد اقترحها بعض الأصدقاء - بتشكيل المركز الفلاني أو مركز كذا - وكل هذا صحيح، ينبغي أن يُنجز في الواقع. ولقد تكلّمنا سابقاً مع الإخوة في المكتب، مع (السيد واعظ زاده) وآخرين حول متابعة عمل هذا الملتقى في مسائل المرأة والأسرة، في أذهانهم العديد من الأعمال. في مجال التنظير سيتم إنجاز أعمال مهمّة إن شاء الله.

 

2. إنتاج الخطاب

كذلك في مجال إنتاج الخطاب وأيضاً في مجال تقريب هذا الخطاب من مرحلة التنفيذ، والذي - بطبيعة الحال - إن تمّت صياغته بشكل خطاب فلن يكون من الصعب إجراؤه عملياً؛ أي إنّ تلك الإشكالات الموجودة مع مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور وغيره، يتم حلها وإزالتها. إنّ الخطاب في المجتمع هو مثل الهواء يتنفسه الجميع - سواء أعرفوا بهذا أم لم يعرفوا، سواء أرادوا أم لم يريدوا - ينبغي صياغة هذا الخطاب الذي يقع دور بارز ومهم فيه على عاتق وسائل الإعلام، وكذلك بشكل خاصّ على علماء الدين وكبار الشخصيات وأساتذة الجامعات. حسناً، علينا أن نملأ الفراغ النظري في هذا المجال. وستكون النتيجة بأنّ الاستثمار في مجال الأبحاث أمر ضروري بأكبر قدر ممكن، ونحن نؤيّد هذا. لقد وصلتُ إلى هذه النتيجة من خلال مراجعتي لمقالات الأصدقاء - التي وصلتني خلاصاتها ونصوصها سابقاً - وكذلك قمتُ بتصنيفها بأنّه على مؤسسات النظام بمجموعها أن تُخصّص استثماراً وتمويلاً بقدر المستطاع بقدر طاقاتها وإمكاناتها في البحث والدراسات في هذا المجال.

 

3. دراسة النظريّات الرائجة ونقدها

يجب دراسة النظريات الرائجة في العالم ونقدها بدون انفعال، والتأكيد على عدم الانفعال هو أمر مهمّ جداً. ولقد شاهدتُ الليلة هذه الروح من الكلمة الأولى للمشاركين وحتى الكلمة الاخيرة، حيث رأيتُ أنّ النظرة هي نظرة انتقادية للوضع الموجود في الغرب فيما يتعلّق بالمرأة وخاصة في مسألة الأسرة.

 

35


22

خطاب الولي 2012

نظرة الغرب للمرأة

والملاحظ أنّ أغلب الانتقادات التي وجهتموها للغرب كانت في مجال الأسرة، ولكنني أعتقد أنّ الجريمة الأكبر التي اقترفها الغرب في مسألة المرأة والأسرة كانت في نظرته للمرأة، وهذا لا يمكن وصفه بجملة أو اثنتين. إنّ السياسة الغربية توجِّه أكبر ضربة وإهانة لكرامة المرأة، حتى هؤلاء النسويون (الفمينيزم)[1] والمتشدّدون - ولديهم مستويات وطبقات مختلفة - يوجّهون ضربة للمرأة من حيث لا يشعرون، فهم يتصرّفون من باب حسن الظنّ - أي إنّ العاملين في هذا المجال حسب الظاهر لا يفهمون ماذا يفعلون - ويحتمل أن يكون صنّاع السياسات والمخططون للبرامج خلف الكواليس على علم كامل بما يفعلون.

 

كما أنّ هذا الاحتمال قد ورد في بروتوكولات بني صهيون بشكلٍ كامل، حيث إنّ تضييع جنس النساء وجعلهن مظهراً للاستغلال الشهواني للرجال قد ذُكِر في مواد ذلك الكتاب. وهنا قد يأتي شخص ويُشكّك في سند واعتبار هذه البروتوكولات، لكن عندما يشاهد الإنسان المؤسّسات الصهيونية والشبكات الإعلانية الصهيونية يُدرك أنّ هذا الأمر يتمّ تنفيذه بشكل عملي، فهو وإن لم يصبح واجباً بالنسبة لهم، لكنّهم يقومون به بشكل مستحب، لقد التزموا بهذا العمل وهم ينفّذونه، يهملون المرأة ويحقّرونها، أي إنّهم قاموا بتثبيت رسوم وأعراف وعادات لا تقبل المخالفة ولا التجرؤ عليها. (فعندهم مثلاً) ينبغي للرجل في أي مجلس عام (لقاء رسمي)، أن يرتدي بزّة رسمية، وأن يضع "بابيون" ويقفل ياقة البزّة ويسدل أكمامه حتى المعصم، وليس له أن يرتدي بنطلوناً قصيراً ولا قميصاً قصير الأكمام، ولكن على السيدة في ذلك اللقاء الرسمي نفسه أن تُظهر أقساماً من جسدها بشكل عار، وإذا حضرت بلباس كامل فهذا محل إشكال! إن لم تكن متبرجة ومتزينة فهذا محل إشكال! لقد أصبح هذا عرفاً، ويفتخرون به أيضاً.

 

 


[1] النسوية: هي مجموعة مختلفة من النظريات الاجتماعية، والحركات السياسية، والفلسفات الأخلاقية، التي تحرّكها دوافع متعلّقة بقضايا المرأة.

 

36


23

خطاب الولي 2012

يوجد في الغرب وخاصة في أمريكا وفي شمال أوروبا - البلدان الإسكندنافية - مراكز مهمّة، عملها الأصلي هو عرض النساء للرجال، ويتم الإعلان عن هذا في الصحف والمجلات، ولا أحد يعترض! أصبح هذا عرفاً وعادة. أيُّ ضربة أشدّ على النساء من هذا؟ بأن يتم صناعة نموذج للنساء على تلك الشاكلة - لنسائهم هم وللبلدان التي تتبعهم وليس لنسائنا - فهذه من أشدّ الضربات التي يوجّهونها حالياً. وعليه ينبغي ألا يتملّكنا الانفعال في مواجهة هذه الثقافة الخاطئة. إنّ الغرب في مسألة المرأة والأسرة يعيش في ضياع وضلالٍ عميق، لا الأسرة فقط، بل الأمر يتعلّق بشخصية المرأة وهوية المرأة، والغرب واقع في ضلالٍ عجيب.

 

إنّ علينا أن نستفيد في هذه الدراسات من مخزوننا العلمي - وهو ليس بقليل - حيث يمكن استخراج عشرات النظريات والنماذج الراقية في مجال المرأة والأسرة. ينبغي صياغتها بشكل نظريات، وتدوينها وعرضها بتفاصيلها وأجزائها. هذه أعمال متوسطة المدى وطويلة المدى وينبغي أن تُنجز. ينبغي الاستفادة من التعاليم الأصيلة والراقية للإسلام في القرآن والحديث.

 

المرأة والأسرة في المنظور الإسلامي

ولقد دوّنتُ هنا عدّة ملاحظات، ولكن بما أنّ الوقت ضيّق، وكذلك فإنّ الكثير من الأفكار قد تمّ طرحها، فعليه لا حاجة لأن أكرّرها، ومن مجموع الأمور التي كتبتُها، ما أرغب أن أطرحه هنا، هو أنّ نظرة الإسلام بشكل إجمالي للمرأة - كجنس - هي نظرة مميّزة ومتعالية جداً، وكذلك نظرته للمرأة في العائلة، باعتقادي أنّ الكثير من هذه المشكلات المتعلّقة بالمرأة ناشئة من مشكلات الحياة الجمعية للأسرة، حيث إنّ المرأة هي محورها. لدينا فراغات قانونية وعرفية وتقليدية عجيبة ومتعدّدة، أحياناً حين تتصل بنا السيدات - من مجلس الشورى أو من الحوزة أو من المراجعات المتنوّعة للناس أو من مراكز أخرى - وتطرحن مشكلاتهن، نلاحظ أنّ هذه المشكلات تتعلّق بشكل أساسي بالمشكلات داخل الأسرة، إذا كان للمرأة داخل الأسرة أمان نفسي وأمان أخلاقي وراحة وسكن، وكان الزوج لباساً لها بشكل حقيقي - كما أنّها هي لباس للزوج

 

37


24

خطاب الولي 2012

أيضاً- وكما أراد القرآن أن يكون بينهما مودة ورحمة، وإذا تمّ رعاية ﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ﴾[1] في الأسرة - هذه الأمور التي هي أصول كلية وأساسية، حينها ستكون مشكلات المرأة خارج الأسرة قابلة للتحمّل، وستتمكّن المرأة من التغلب على هذه المشكلات. إذا تمكّنت المرأة أن تُخفِّف من هذه المشكلات في مركز استراحتها وفي متراسها الأساسي، فستتمكّن بلا شكّ، من أن تفعل ذلك في ساحة المجتمع.

 

في كلتا المسألتين، في قضيّة المرأة نفسها وكذلك في قضيّة الأسرة، لدى الإسلام أفكار جذّابة وبارزة ومهمّة.

أولاً: إنّ نظرة الإسلام إلى الجنس، هي نظرة من الدرجة الثانية. النظرة الأولى وذات الدرجة الأولى، هي البعد الإنساني، والتي لا دور فيها للجنس. الخطاب للإنسان، وهناك ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾[2] ولا يوجد "يا أيتها اللواتي آمنّ" أي إنّ الصيغة آمنوا هي صيغة ذكورية وليست صيغة أنثوية، ولكن هذا لا يعني أبداً بأنّ هناك أفضلية للرجل على المرأة في هذا الخطاب، وإنّما هذا ناشئ من عوامل أخرى، وتلك العوامل واضحة بالنسبة لنا. ولا أريد هنا أن أدخل في بحث، مثلاً لماذا نقول في اللغة الفارسية للشعب "مردم" (كلمة فارسية تعني رجل) وهي مشتقّة من الرجل "مرد" ولا نقول "زنّم" مثلاً (زن = امرأة)، وكذلك في الإنكليزية هناك human لماذا man؟، فليست هذه علامة على أنّها موجودة بسبب غلبة الثقافة الذكورية وقد تصرّفوا في اللغة على أساسها، لا، ليس كذلك بل هناك عوامل أخرى.

 

في نهاية الأمر، الرجل هو الواجهة الخارجية داخل الأسرة، والمرأة هي الواجهة الداخلية، وإن شئتم أن تُعبّروا بلطفٍ أكثر، فإنّ الرجل هو غلاف (قشرة) حبة اللوز بينما المرأة هي لبها. ويمكن استخدام مثل هذه التعابير، الرجل هو اكثر ظهوراً، بنيته هي هكذا، لقد خلقه الله وجعله لهذا العمل، وخلق المرأة لعمل آخر. بناءً على هذا فإن البروز والظهور والعرض والإطلالة هي أكثر عند الرجل لهذه الخصوصيات وليس بمعنى الأفضلية. في

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 228.

[2] سورة الأنفال، الآية 15.

 

38


25

خطاب الولي 2012

القضايا الأساسية للإنسان - والتي تتعلق بالإنسان - فلا فرق بين الرجل والمرأة.

 

حسناً انظروا إلى مسألة التقرّب من الله، هناك نساء - كالزهراء وكزينب وكمريم - مقامهنّ فوق قدرة أمثالنا على الوصف والتصوّر. ففي الآية الشريفة من سورة الأحزاب، لا فرق بين المرأة والرجل، ولعلّ المقصود ضرب التصوّرات الجاهلية حول المرأة  ﴿إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ﴾[1] فهناك فاصلة بين الإسلام (المسلمون والمسلمات) والذكر (الذاكرون والذاكرات) في الآية، إذ توجد سلسلة أوصاف لو دقّق المتأمل فيها يجد هذا: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[2]. فحيثما وجد الرجل هناك امرأة، رجل خاشع، امرأة خاشعة، رجل متصدّق، امرأة متصدّقة، لا فرق بينهما أبداً، ففي سورة آل عمران المباركة، يقول بعد تكرار "ربّنا":  ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعْضٍ﴾[3] لا فرق بين الرجل والمرأة، حتى أنّه في مورد - ولأجل ضرب تلك الأفكار الجاهلية التي ذكرتها - رَفع من شأن المرأة أكثر من الرجل، حيث إنّ حالة كهذه لا يجدها المرء في القرآن سوى في أشخاص ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾[4]، كمثالٍ للكفار، هاتان الامرأتان ليستا مثالاً للنساء، بل إنّهما مثالٌ للمرأة والرجل معاً، ﴿كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾[5] إلى آخر الآية.  ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ﴾[6] هنا أيضاً سمّى الله للمؤمنين امرأتين. لاحظوا أنتم، على مرّ التاريخ وإلى نهاية العالم، كم عدد المؤمنين، من الكبار الصلحاء الأولياء والأنبياء جاؤوا وذهبوا. عندما يريد الله أن يعرفهم على معيار،

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 35.

[2] سورة الأحزاب، الآية 35.

[3] سورة آل عمران، الآية 195.

[4] سورة التحريم، الآية 10.

[5] سورة التحريم، الآية 10.

[6] سورة التحريم، الآية 11.

 

 

39


26

خطاب الولي 2012

نموذج، رمز، يعرّفهم على امرأتين: "الأولى امرأة فرعون ﴿إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ﴾[1] إلى آخر الآية، والثانية مريم بنت عمران ﴿ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا﴾[2] إنّه أمر عجيب.

 

إنّ الجنس هو أمر ثانوي، هو أمر عارض يتجلّى عملياً في الحياة. في السير الأساسي للبشر ليس له أي تأثير ولا معنى. حتى إنّ أعمالهم تختلف فيما بينها، "جهاد المرأة حسن التبعل"[3] لكنّه جهاد؛ أي إنّ ثواب ذلك الشاب المجاهد الذي وضع دمه على كفّه وذهب إلى ميدان الحرب يُعطى لهذه المرأة، لأنّ هذا العمل لا يقّل تعباً عن الجهاد. بالتأكيد إنّ التبعّلَ أمرٌ صعبٌ جداً، مع توقّعاتهم، انتظاراتهم، مع سوء أخلاقهم، وصوتهم المرتفع وطولهم الفارع (بعض صفات الرجال)، فأن تستطيع امرأة مع هذه الظروف أن تحافظ على محيط المنزل دافئاً وهانئاً، وحنوناً وفيه سكينة وهدوء، ذلك فنّ كبير. هذا حقاً جهاد. هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلّموا عنه، الجهادٌ مع النفس.

 

دور المرأة في الحياة الزوجيّة

بالنسبة لموضوع العائلة، يوجد كلام كثير، مسألة الزوجية، مسألة الأمومة، كلّها مسائل ينبغي التفصيل فيها. لدى المرأة في الأسرة دور الزوجية، دور الزوجية هذا هو دور استثنائي، حتى لو لم يكن هناك دور أمومة. افرضوا أنّ هناك امرأة، إمّا أنّها لم ترغب في الإنجاب، أو أنّها ولأي سبب آخر لم تنجب، ولكنّها زوجة، لا ينبغي الاستخفاف بدور الزوجية. إذا أردنا أن يكون الرجل شخصاً مفيداً في المجتمع، ينبغي لهذه المرأة أن تكون امرأة جيّدة في المنزل، وإلا فلن يحصل هذا. نحن اختبرنا (هذا الأمر) في زمن المقاومة وما بعدها في زمن انتصار الثورة، الرجال الذين كانت ترافقهم زوجاتهم في حركتهم استطاعوا أن يصمدوا في نضالهم، وكذلك استطاعوا

 


[1] سورة التحريم، الآية 11.

[2] سورة التحريم، الآية 12.

[3] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص9.

 

40


27

خطاب الولي 2012

أن يتابعوا استقامتهم على الطريق الصحيح. وبالطبع، كان هناك حالات معاكسة. أحياناً عندما كنتُ أقوم بعقد قران لأولئك الشابات والشباب الذين كانوا يأتون - فيما مضى كنتُ أقوم بهذا ولكن حالياً لا أحظى بهذا التوفيق - كنتُ أقول لهم: إنّ الكثير من السيّدات يجعلن أزواجهن من أهل الجنة، والكثير من السيّدات أيضاً يجعلن أزواجهن من أهل النار، هذا رهنٌ بهنّ. وبالتأكيد فإنّ للرجال هذا الدور أيضاً. في مجال الأسرة لا ينبغي تجاهل دور الرجال كذلك. بناءً على هذا، إنّ دور الزوجية هو دور بالغ الأهمية. ثم هناك دور الأمومة. وحسناً، لقد أُلقيت كلمات مفصلة وجرى بحث وافر حوله.

 

عمل المرأة

من جملة المسائل التي تُطرح، مسألة عمل السيدات. إنّ عمل السيدات هو من جملة الأشياء التي نوافق عليها. إنّني موافق على أنواع المشاركة سواء كان من نوع العمل الاقتصادي أو من نوع العمل السياسي والاجتماعي والأنشطة الخيرية وأمثالها، فهي جيدة أيضاً. النساء نصف المجتمع، وأمر جيد جداً أن نتمكّن من الاستفادة من نصف المجتمع هذا في المجالات المتنوّعة. ولكن خلاصة القول: إنّ هناك أصلين أو ثلاثة ينبغي رعايتها وعدم تجاهلها.

 

1. الأول: أن لا يلقي هذا العمل بظلاله على العمل الأساسي - والذي هو عمل الأسرة والزوجية والأمومة والتدبير المنزلي - وهذا أمر ممكن. أعتقد أن لدينا نماذجَ من سيدات كنّ يقمن بهذا ولا شكّ في أنهنّ واجهن بعض الصعوبات، درسن وكذلك درَّسن، أنجزن أعمال البيت، أنجبن أطفالاً، قمنَ بتربيتهم والاهتمام بهم. فإذن نحن موافقون على العمل والمشاركة، على ألا تؤثّر وتضرّ بهذه المسألة الأصلية، لأنّه لا بديل عنهنّ فيها. فإن لم تقمن بأنفسكن بتربية أبنائكن في المنزل أو لم تقمن بفكّ عقد خيوط عواطف الطفل الظريفة جداً - والتي هي أنعم من خيوط الحرير - حتى لا يتعقّد عاطفياً، فلا يمكن لأي أحد آخر أن يقوم بهذا العمل، لا أبوه، ولا غيره

 

41


28

خطاب الولي 2012

بطريق أولى، إنّه عمل الأم فقط. أمّا ذلك العمل الذي لديكن في الخارج، فإن لم تقمن به أنتن فإنّ هناك عشرة أشخاص آخرين سيقومون بهذا العمل. بناءً على هذا، فإنّ الأولوية هي للعمل الذي لا بديل عنكن فيه، هذا هو المطلوب والمتعيّن.

 

وهنا تقع مسؤولية على عاتق الحكومة، ينبغي القيام بمساعدة تلك النساء اللواتي -ولأي سببٍ أو أي حيثية أو ضرورة- يقمن بعمل بدوامٍ كاملٍ أو جزئي، كي يتمكنّ من الاهتمام بشؤون الأمومة وأمور المنزل، من خلال الإجازات وسنّ التقاعد وساعات الدوام اليومي، ينبغي على الحكومة أن تساعد بشكلٍ ما كي تتمكّن هذه السيدة التي تقوم بالعمل لأي سبب من الأسباب من متابعة تلك الشؤون.

 

2. الثاني: هي مسألة المحرَّم وغير المحرَّم (الاختلاط). إنّ هذه المسألة جدية في الإسلام، ولا شكّ في أنّ الجزء الأكبر من هذه القضية يرجع إلى الأسرة، أي إنّ العين الطاهرة والقلب الخالي من الوسوسة والشك لكل من الزوجين يؤدّي إلى تمتين أواصر الأسرة وبثّ الحنان فيها، مثل مدفأة للحرارة تبعث الدفء في محيطها. إذا كان الطرف المقابل طاهر العين والقلب، فإنّ هذا سيصبح من كلا الطرفين، وستكون أجواء الأسرة مفعمة بالحنان والمحبة.

 

إن لم يكن الأمر كذلك، فكانت العين خائنة واليد خائنة واللسان ذا وجهين والقلب خالياً من المحبة، ولم يكن هناك اعتقاد بالزواج والزوجية، فإنّ أجواء الأسرة ستكون باردة حتى إن كان هناك تظاهر وتمويه.

 

قرأتُ في مقالات الأصدقاء أنّ الخروج والعمل يؤدي أحياناً إلى نشوء سوء ظنّ في غير محله. ولكن لا يوجد فرق، فحينما ينشأ سوء الظنّ فإنّه سيترك أثره، سواء أكانت الأسباب وجيهة أم لا، مثل الرصاصة التي تخرج من فوهة السلاح، حين تصطدم بصدر أحدهم فإنّها تقتله، سواء أكان الرامي قاصداً أم أنّ يده ضغطت خطأ على الزناد، الرصاصة لا تُميّز، ولن تقول: "لأنّ الذي أطلقني لم يكن يقصد ذلك، فلن أؤذي الطرف المقابل"، كلا فالرصاصة تقتل.

 

سوء الظن هذا يفعل فعله، سواء أكان منشؤه صحيحاً،

 

42


29

خطاب الولي 2012

أم كان ناتجاً عن الوسواس، أم الأوهام الباطلة مثلاً.

 

ضرورة المحافظة على قداسة الزواج

هناك نقطة أيضاً في مسألة الزواج، إنّ للزواج قداسةً من وجهة نظر الأديان التي أعرفها. وأنا لم أدقّق كثيراً في هذا الخصوص، لا بأس كذلك بأن يقوم بعض الأصدقاء المستعدّين للعمل في التدقيق في هذا المجال. في الغالب، مراسم الزواج هي مراسم دينية يجريها المسيحيون في الكنيسة، واليهود في معابدهم، المسلمون وإن لم يجروا مراسم الزواج في المساجد، إلا أنّهم يجرونها حين يقدرون في المشاهد المشرّفة أو في الأيام المباركة وبواسطة علماء الدين، حين يقوم عالم الدين بعقد القران فإنّه يُبيّن بعض التعاليم الدينية. بناءً على هذا، فإنّ الصبغة صبغة دينية. إنّ للزواج بُعداً مقدّساً، ولا ينبغي نزع هذا البُعد المقدّس عن الزواج. سلب القداسة يتم عبر هذه الأعمال القبيحة والتي للأسف أصبحت رائجة في مجتمعاتنا. هذه المهور الباهظة التي يتمّ وضعها، ويتخيّلون أنّها تستطيع أن تدعم الزوجيّة وتحفظ الأسرة، والحال أنّها ليست كذلك. فالحدّ الأقصى أن يقوم الزوج بالامتناع عن دفع المهر، فيؤخذ إلى السجن، ليبقى هناك سنة أو سنتين. وفي هذه الحال لا تستفيد المرأة شيئاً، لا تحظى بشيء سوى أنّ بنيان الأسرة سيتهدّم.

 

في الإسلام حين يُنقل عن الإمام الحسين عليه السلام قوله: "إنّنا لم نزوّج بناتنا وأخواتنا ونساءنا إلاّ على مهر السُنّة"، فلأجل هذا الأمر، وإلّا فإنّه كان يستطيع. لو شاء الإمام أن يُزوّج بألف دينار لفعل ولم يكن من الضروري مثلاً أن يُلزم نفسه بخمسمئة درهم - المعادل لاثنتي عشر أوقية ونصف - لقد كانوا يستطيعون ذلك لكنّهم قلّلوا المهور. هذا التقليل للمهور كان مدروساً ومحسوباً بدقّة، هذا جيد جداً. وهناك أيضاً المبالغات الزائدة في الزواج ـ صرف المبالغ الطائلة وإقامة الحفلات المتعدّدة ـ والتي يغتمّ قلب الإنسان في الحقيقة عندما يسمع بها. هذه من النقاط التي ينبغي صياغة خطاب لها والترويج لثقافة حولها. حيث إنّ السيدات مؤثّرات والسادة مؤثّرون، وكذلك أساتذة الجامعات وعلماء الدين، وبشكل خاص الإذاعة والتلفاز ووسائل الإعلام، إنّ عليهم

 

43


30

خطاب الولي 2012

جميعاً أن يعملوا في هذا المجال، وأن يُخلّصوا الأجواء من هذه الحالة.

 

تقدير دور المرأة

كذلك نطرح هنا أمراً حول دور الرجال، حيث دائماً يُقال دور المرأة في الأسرة والسبب واضح، وهو أنّ المرأة هي عنصر محوري في الأسرة. ولكن هذا لا يعني أن لا دور ولا واجب ولا مسؤولية للرجل في الأسرة. الرجال اللامبالون، والرجال غير العاطفيين، والرجال اللاهون، والرجال الذين لا يُقدّرون أتعاب النساء في البيت، هؤلاء يوجّهون ضربة إلى أجواء الأسرة. على الرجل أن يكون معترفاً بالجميل. على المجتمع أن يكون عارفاً بهذا الفضل معترفاً بالجميل. ينبغي أن يتم تقدير عمل النساء في المنازل بشكلٍ خاص. بعضهن يستطعن أن يذهبن إلى العمل، بعضهن يستطعن الحصول على الشهادات العليا، وبعضهن لديهن شهادات عليا، أنا شاهدتُ نساءً من هذا النوع وقد قُلنَ نحن نريد أن نهتم بهذا الطفل ونربّيه تربيةً جيدة، لذا لم نذهب للعمل خارج المنزل. لم تذهب تلك المرأة للعمل، وبدوره فإنّ العمل هذا لم يبقَ معطّلاً، أولئك العشرة أشخاص الآخرون ذهبوا وقاموا به.

 

ينبغي تقدير امرأة كهذه في الكلمات التي أُلقيت ذُكرت مسائل كالضمان والتأمين لتلك النساء، أجل ينبغي تخصيص هذه المسائل الضرورية لهنّ، كالتأمين الاقتصادي والضمان وباقي الأمور اللازمة. كذلك فإنّ الأبناءَ لهم دور، فهم من أهمّ أجزاء الأسرة، دورهم هو احترام الوالدين. وهذا الأمر له حكاية مفصلة.

 

على كل حال فإنّني أشكركم إنني راضٍ عن هذا اللقاء. الحمد لله كان لقاءً جيداً. نسأل الله أن يكون راضياً عنّا وعنكم، وأن تكون جهودكم مشمولة بنظر بقية الله أرواحنا فداه، وأن تجري متابعة هذا العمل وإكماله إن شاء الله.

 

التمهيد لمشروعٍ دوليٍّ حول المرأة

طرح هناك مشروع جيد لعمل دولي حول المرأة حيث لم تسنح الفرصة للحديث حوله، لقد رأيتُ هذا المشروع وأؤيّده. يمكن الاستفادة من وجهات نظر السيدة التي

 

 

44


31

خطاب الولي 2012

تكلمت حول المسائل الدولية. أمر جيد أن يتم القيام بعمل دولي في مجال النساء. جزاكم الله خيراً.

 

اللّهم، أنزل رحمتك وفضلك وهدايتك على هذا الجمع.

 

اللّهم، اجعل ما قلناه وسمعناه وفعلناه وما سنفعله لك وفي سبيلك واجعله خالصاً ومُخلصاً.

 

اللّهم، أنزل توفيقاتك على هذا الجمع وعلى الشعب الإيراني وخاصّة على المسؤولين الذين يحملون على عاتقهم مسؤوليات جسام في هذا المجال.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

45


32

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المشاركين في المؤتمر العالمي للشباب والصحوة الإسلاميّة

 

 

 

         

المناسبة:   مؤتمر شباب الصحوة

الحضور:  شباب الصحوة الإسلاميّة (73 بلداً)

المكان:   طهران

 

الزمان:    10/11/1390هـ.ش.

06/03/1433هـ.ق.

30/01/2012م.

 

 

47

          


33

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وسيد الخلق أجمعين، سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

ملامح العصر الجديد للعالم

أُرحّب بكم جميعاً أيّها الضيوف والشباب الأعزاء، حملة البشائر الكبرى لمستقبل الأمّة الإسلاميّة. كلّ واحد منكم يحمل بشارة كبيرة، حينما يستيقظ الشباب في بلد من البلدان يتضاعف الأمل بالصحوة العامّة في ذلك البلد. واليوم إنّ شبابنا في أرجاء العالم الإسلامي كلّه قد استيقظوا. الشراك كلّها منصوبة أمام شبابنا، لكن الشباب المسلم الغيور ذو الهمّة العالية خلّص نفسه من هذه القيود. لاحظوا ما الذي حدث في تونس، وفي مصر، في ليبيا وفي اليمن، وفي البحرين، وأية حركة انطلقت في بقية البلدان الإسلامية، كل هذه بشائر.

 

ما أقوله لكم أيّها الشباب الأعزاء ويا أبنائي، هو أن تعلموا أنّ تاريخ العالم وتاريخ البشرية اليوم يسير في منعطف تاريخي كبير، عصٌر جديد بدأت تلوح معالمه في العالم كلّه. والعلامة الكبرى والواضحة لهذا العصر عبارة عن التوجّه إلى الله تعالى، والاستمداد من القدرة الإلهية التي لا تزول، والاعتماد على الوحي. لقد تجاوزت البشرية المدارس والإيديولوجيات الماديّة. فاليوم لا الماركسية لها جاذبية تُذكر، ولا الليبرالية الديمقراطية في الغرب لها مثل هذه الجاذبية ـ وتُلاحظون ما الذي يحدث في مهد الليبرالية الديمقراطية الغربية، في أمريكا وأوروبا، حيث يعترفون بالهزيمة ـ، ولا القومية العلمانية لها جاذبية، الجاذبية الأشدّ بين الأُمّة الإسلامية في الوقت الراهن هي للإسلام وللقرآن ولمدرسة الوحي، وقد وعد الله تعالى أنّ بوسع المدرسة الإلهية والوحي

 

 

49


34

خطاب الولي 2012

الإلهي والإسلام العزيز أن يُوفّر السعادة للبشر. هذه ظاهرة جدّ مباركة وعلى جانب كبير من الأهمية، وذات معنىً ومغزىً عميق.

 

لقد قامت اليوم ثورات في البلدان الإسلامية ضد الدكتاتوريات العميلة، وهذه مقدمة للثورة على الدكتاتورية العالمية والدكتاتورية الدولية، وهي دكتاتورية الشبكة الفاسدة الخبيثة للصهيونية والقوى الاستكبارية - الاستبداد الدولي - والدكتاتورية الدولية في الوقت الحاضر متجسدة في دكتاتورية أمريكا وأتباع أمريكا والشبكة الصهيونية الشيطانية الخطيرة. هؤلاء اليوم يمارسون الدكتاتورية بأساليب مختلفة وبأدوات متنوعة في كل أنحاء العالم. ما قمتم به في مصر، وفي تونس، وفي ليبيا، وتقومون به في اليمن، وتقومون به في البحرين، وظهرت دوافعه بقوة في بلدان أخرى، هو جزء من الكفاح ضد هذه الدكتاتورية الخطيرة المضرّة التي تمارس ضغوطها على البشرية منذ قرنين من الزمان. هذا المنعطف التاريخي الذي ذكرتُه عبارة عن التحوّل من سيطرة هكذا دكتاتورية إلى حرية الشعوب وسيادة القيم المعنوية والإلهية. هذا ما سوف يحدث، لا تستبعدوا ذلك.

 

الوعد الإلهي بالنصر

في الوعد الإلهي: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[1] يؤكّد الله تعالى على أنكم إذا نصرتموه فسوف ينصركم. قد يبدو الأمر بعيداً في النظرة العادية القائمة على الحسابات الماديّة، لكن كثيراً من الأشياء كانت تبدو بعيدة وقد حدثت. هل كنتم تتصورون قبل سنة وشهرين أو ثلاثة أشهر أن يُذَلّ طاغوت مصر ويقضى عليه؟ لو قيل يومذاك لبعضهم إن نظام مبارك العميل الفاسد سوف يسقط لاستبعد الكثيرون ذلك، لكنه حدث. لو ادعى أحد قبل سنتين أن هذه الأحداث العجيبة سوف تقع في شمال أفريقيا لما صدّق الناس ذلك في الغالب. لو قال قائل إنّه في بلد مثل لبنان ستتمكن جماعة شابة مؤمنة من هزيمة الكيان الصهيوني والجيش الصهيوني المدجّج بالسلاح، لما صدّق ذلك أحد. لكن هذه الأحداث وقعت. لو قال قائل إنّ نظام الجمهورية الإسلامية

 


[1] سورة الحج، الآية 40.

 

50


35

خطاب الولي 2012

بكل هذا العداء الذي ينصب له من الشرق والغرب، سيستطيع المقاومة 32 عاماً ويقوى يوماً بعد يوم، ويتقدم إلى الأمام، لما صدّق ذلك أحد. لكنه حدث،  ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾[1] هذه الانتصارات آية إلهية. إنها علامات قدرة الله الفائقة التي يظهرها الله تعالى لنا. عندما تنزل الجماهير إلى الساحة، وحينما نأخذ ما نملكه إلى الساحة، ستكون النصرة الإلهية قطعية أكيدة. وقد دلّنا الله تعالى على الطريق. ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ﴾[2]، فالله يهدي ويعين ويأخذ بالأيدي إلى الأهداف العليا، بشرط أن نكون متواجدين في الساحة.

 

ما حدث حتى اليوم كان كبيراً جداً، حكم الغربيون الأمّة الإسلامية مئتي عام بفضل تقدّمهم العلمي، واحتلوا البلدان الإسلامية. احتلوا بعضها مباشرة واحتلوا بعضها الآخر بشكل غير مباشر وبمعونة دكتاتوريين محليين. فهيمنت بريطانيا وفرنسا ومن بعدهم أمريكا ـ وهي الشيطان الأكبر ـ على الأمّة الإسلامية، وأذلّوا الأمة الإسلامية ما استطاعوا، وزرعوا الغدّة السرطانية الصهيونية في قلب الشرق الأوسط في هذه المنطقة الحساسة، وعملوا على تقويتها في كل المجالات، وكانوا واثقين من أن مقاصدهم وسياساتهم في هذه المنطقة المهمة جداً من العالم قد تأمّنت، لكن الهمّة الإيمانية والهمّة الإسلامية والتواجد والمشاركة الشعبية بدّدت كل هذه الأحلام الباطلة، وأوقفت كل هذه الأهداف.

 

يشعر الاستكبار العالمي اليوم بالعجز أمام الصحوة الاسلامية. أنتم غالبون، منتصرون، المستقبل لكم. ما تمّ إنجازه عملٌ عظيمٌ جداً. ولكن ذلك ليس ختام العمل، هذا هو المهم، هذه البداية والانطلاق. على الشعوب الإسلامية أن تكمل جهادها حتى إزالة العدو من مختلف الميادين.

 


[1] سورة الفتح، الآية 20.

[2] سورة العنكبوت، الآية 69.

 

 

51


36

خطاب الولي 2012

كفاح الشعوب المسلمة

الكفاح، كفاح الهمم والعزائم والإرادات. أي جانب تكون إرادته أقوى يكون هو الغالب. الشخص الذي يعتمد قلبه على الله تعالى هو الغالب. ﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ﴾[1] إذا ظفرتم بالنصرة الإلهية فلن يتغلب عليكم أحد، وسوف تتقدّمون وتظفرون. إنّنا نريد أن تكون الشعوب المسلمة التي تشكل الأمة الإسلامية الكبرى حرّة، مستقلة، عزيزة، أبية الذل، تنظم حياتها وفقاً لأحكام الإسلام الراقية والمتقدمة، والإسلام قادر على ذلك. لقد أبقونا لسنين متمادية متخلفين من الناحية العلمية، وقد سحقوا ثقافتنا، وقضوا على استقلالنا، لقد استيقظنا اليوم، وسوف نقتحم ميادين العلم الواحد تلو الآخر.

 

حينما تأسّست الجمهورية الإسلامية قبل 30 عاماً كان الأعداء يقولون إن الثورة الإسلامية قد انتصرت لكنها لا تستطيع إدارة ميادين الحياة الواحد تلو الآخر، وسوف تتراجع إلى الوراء. واليوم فإن شبابنا استطاعوا ببركة الإسلام إنجاز أعمال كبيرة في المضمار العلمي، إنجازات لم تكن في الماضي لتخطر حتى ببالهم أنفسهم. واليوم بفضل التوكل على الله تعالى ينجز الشباب الايراني أعمالاً علمية كبيرة، فهم يخصّبون اليورانيوم، وينتجون الخلايا الجذعية ويطوّرونها، وقد قطعوا خطوات واسعة في تقنيات الأحياء، واقتحموا الفضاء، وهذا كله بفضل التوكل على الله تعالى وبشعار "الله أكبر"[2]. يجب أن لا نستهين بقدراتنا. من أكبر الآفات التي أدخلتها الثقافة الغربية إلى بلداننا الإسلامية تصوران خاطئان ومنحرفان، أحدهما بث فكرة عجز الشعوب المسلمة، حيث يقولون إنكم لا تستطيعون فعل شيء، لا في ميدان السياسة، ولا في مضمار الاقتصاد، ولا على مستوى العلم. وقالوا: إنكم ضعفاء. ولقد بقينا نحن البلدان الإسلامية على هذه القناعة الخاطئة عشرات السنين وبقينا متخلفين. التصوّر الآخر الذي بثوه فينا هو لانهائيّة قوة أعدائنا وعدم قابليتها للهزيمة. أفهمونا أن أمريكا لا يمكن أن تهزم، ولا يمكن فرض التراجع على الغرب، ولا سبيل لنا سوى أن نتحمّلهم.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 160.

[2] ارتفاع نداءات التكبير من قبل حشود الحاضرين.

 

52


37

خطاب الولي 2012

وقد بَانَ للشّعوب المسلمة اليوم عياناً أن هذين التصوّرين خطأ في خطأ. بإمكان الشعوب المسلمة أن تتقدم وبمقدورها إحياء المجد والعظمة الإسلامية التي كانت ذات يوم في ذروة الفخر وعلى قمة التألق العلمي والسياسي والاجتماعي، والعدو مضطر للتراجع في ميادين عديدة.

 

هذا القرن هو قرن الإسلام. هذا القرن قرن المعنوية. الإسلام يقدّم العقلانية والمعنوية والعدالة مجتمعة هديةً للشعوب. إسلام العقلانية، إسلام التدبّر والتفكر، إسلام المعنوية، إسلام التوجّه إلى الله تعالى والتوكل عليه، إسلام الجهاد، إسلام العمل، إسلام الإقدام والمبادرة. هذه هي تعاليم الله تعالى وتعاليم الإسلام لنا.

 

التنبّه لمؤامرات العدو

المسألة المهمة اليوم هي أن العدو يعمل على التخطيط والتآمر مقابل الضربة التي تلقاها بدرجات مختلفة في مصر وتونس وليبيا وبقية بلدان المنطقة. يجب التنبّه لمؤامرات الأعداء، يجب الحذر من أن يختطفوا ثورات الشعوب منهم أو أن يحرفوا مساراتها. استفيدوا من تجارب الآخرين. يمارس العدو الكثير من الأعمال لأجل حرف الثورات ولأجل أن يحبط التحركات، ولكي يجهض الجهاد والدماء المبذولة... يجب الحذر واليقظة. أنتم الشباب أساس هذه الحركات، فكونوا يقظين واعين.

 

لدينا الكثير من التجارب على مدى 32 عاماً. واجهنا ألوانَ العداء طوال 32 عاماً، وقد صمدنا وتغلّبنا على العدوان[1]. ما من مؤامرة كان بوسع الغرب وأمريكا أن يقوموا بها ضدّ الجمهورية الإسلامية ولم يفعلوها. وأي عمل لم يقوموا به ولم يكن بوسعهم القيام به. وكل ما استطاعوا أن يفعلوه فعلوه، وقد تلقوا الضربات والصفعات وهزموا فيالمراحل والأطوار كافّة[2]. وكذلك سيكون الحال بعد الآن أيضاً، سوف يهزمون بعد الآن أيضاً في كل مؤامراتهم ضدّ الجمهورية الإسلامية، هذا هو الوعد الإلهي لنا ولا نرتاب فيه.

 


[1] ارتفاع نداءات التكبير، وشعارات "لبيك يا خامنئي" من الحضور.

[2] شعارات "الموت لأمريكا".

 

52


38

خطاب الولي 2012

وقد بَانَ للشّعوب المسلمة اليوم عياناً أن هذين التصوّرين خطأ في خطأ. بإمكان الشعوب المسلمة أن تتقدم وبمقدورها إحياء المجد والعظمة الإسلامية التي كانت ذات يوم في ذروة الفخر وعلى قمة التألق العلمي والسياسي والاجتماعي، والعدو مضطر للتراجع في ميادين عديدة.

 

هذا القرن هو قرن الإسلام. هذا القرن قرن المعنوية. الإسلام يقدّم العقلانية والمعنوية والعدالة مجتمعة هديةً للشعوب. إسلام العقلانية، إسلام التدبّر والتفكر، إسلام المعنوية، إسلام التوجّه إلى الله تعالى والتوكل عليه، إسلام الجهاد، إسلام العمل، إسلام الإقدام والمبادرة. هذه هي تعاليم الله تعالى وتعاليم الإسلام لنا.

 

التنبّه لمؤامرات العدو

المسألة المهمة اليوم هي أن العدو يعمل على التخطيط والتآمر مقابل الضربة التي تلقاها بدرجات مختلفة في مصر وتونس وليبيا وبقية بلدان المنطقة. يجب التنبّه لمؤامرات الأعداء، يجب الحذر من أن يختطفوا ثورات الشعوب منهم أو أن يحرفوا مساراتها. استفيدوا من تجارب الآخرين. يمارس العدو الكثير من الأعمال لأجل حرف الثورات ولأجل أن يحبط التحركات، ولكي يجهض الجهاد والدماء المبذولة... يجب الحذر واليقظة. أنتم الشباب أساس هذه الحركات، فكونوا يقظين واعين.

 

لدينا الكثير من التجارب على مدى 32 عاماً. واجهنا ألوانَ العداء طوال 32 عاماً، وقد صمدنا وتغلّبنا على العدوان[1]. ما من مؤامرة كان بوسع الغرب وأمريكا أن يقوموا بها ضدّ الجمهورية الإسلامية ولم يفعلوها. وأي عمل لم يقوموا به ولم يكن بوسعهم القيام به. وكل ما استطاعوا أن يفعلوه فعلوه، وقد تلقوا الضربات والصفعات وهزموا فيالمراحل والأطوار كافّة[2]. وكذلك سيكون الحال بعد الآن أيضاً، سوف يهزمون بعد الآن أيضاً في كل مؤامراتهم ضدّ الجمهورية الإسلامية، هذا هو الوعد الإلهي لنا ولا نرتاب فيه.

 


[1] ارتفاع نداءات التكبير، وشعارات "لبيك يا خامنئي" من الحضور.

[2] شعارات "الموت لأمريكا".

 

53


39

خطاب الولي 2012

إنّنا لا نشك في صدق الوعود الإلهية، إننا لا نسيء الظن بالله تعالى، الله سبحانه يلوم الذين يسيؤون الظن به: ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾[1].

 

وعدُ الله تعالى وعدٌ صادق، لأنّنا في داخل الساحة وفي ميدان الكفاح ـ والشعب الإيراني أخذ إمكاناته وقدراته و طاقاته كلّها إلى الساحة ـ فالنصرة الإلهية أكيدة قاطعة، وكذا الحال في البلدان الأخرى كلّها. ولكن يجب أن نكون يقظين، كلنا يجب أن نكون يقظين، كلنا يجب أن نتنبّه لمكائد الأعداء، يحاول العدو إحباط الحركات والأنشطة وإجهاضها، وزرع الخلافات.

 

هدفنا هو الإسلام

النهضة الإسلامية في العالم الإسلامي اليوم لا تعرف شيعةً وسنّةً، ولا تعرف شافعياً وحنفياً وجعفرياً ومالكياً وحنبلياً، ولا تعرف عرباً وفرساً، وقوميّات أخرى. فالجميع هم في هذه الساحة العظيمة. فلنسع كي لا يبث العدو التفرقة بيننا. لنشعُر كلنا بالأخوة ولنحدد الهدف. الهدف هو الإسلام. الهدف هو الحكومة القرآنية والإسلامية. طبعاً ثمة مشتركات بين البلدان الإسلامية وثمة فوارق. ما من نموذجٍ واحدٍ لكل البلدان الإسلامية. الظّروف الجغرافية والتاريخية والاجتماعية مختلفة في البلدان المختلفة. ولكن ثمّة أصولٌ مشتركة أيضاً، فكلّنا أعداءٌ للاستكبار، وكلنا نعارض الهيمنة والسيطرة الغربية الخبيثة، وكلنا نعارض وجود الغدة السرطانية الإسرائيلية[2].

 

أينما كان ثمة شعور لدينا بأن عملاً ما يُقام به لصالح إسرائيل ولصالح أمريكا، حينها علينا أن نكون يقظين ونعلم أن هذا التحرك تحرك أجنبي وغريب، وليس تحركاً ذاتياً أصيلاً. وحينما يكون التحرك تحركاً إسلامياً ومناهضاً للصهيونية والاستكبار والاستبداد والفساد فهو تحرك صحيح. هناك سيكون الجميع مع بعضهم ومن بعضهم ولا فرق

 


[1] سورة الفتح، الآية 6.

[2] شعارات "الموت لإسرائيل".

 

54


40

خطاب الولي 2012

 في أن نكون شيعة أو سنّة أو من هذا البلد أو ذاك. علينا جميعاً أن نفكر بطريقة واحدة. لاحظوا، إنّ جميع الأجهزة الإعلامية في العالم اليوم ـ وهذا مثال بسيط وماثل أمامنا ـ تُحاول عزل الشعب البحريني والحركة في البحرين. فما سبب هذا الذي يقومون به؟ لأنّ القضية قضية شيعة وسنة. يريدون زرع الخلافات ورسم الخطوط والفواصل والفوارق. لا فرق بين المسلمين والمؤمنين من هذا المذهب الإسلامي وذاك المذهب الإسلامي، فالوجه المشترك بينهم جميعاً هو الإسلام. الوجه المشترك بين الجميع هو الأمة الإسلامية. وحدة الأمة الإسلامية[1]. سر الانتصار واستمرار التحرك هو التوكل على الله، وحسن الظن بالله، والاعتماد عليه تعالى، وحفظ الوحدة والتلاحم.

 

ضرورة الاستقامة والسير إلى الأمام

يا أعزائي ويا أبنائي، احذروا من أن يوقف العدو حركتكم. يخاطب الله تعالى رسوله في موضعين من القرآن الكريم فيقول:  ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ﴾[2]، ﴿وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ﴾[3]، والاستقامة هي الصمود والمواصلة، ومتابعة الطريق وعدم التوقف. هذا هو سرّ العمل.

 

يجب أن نسير إلى الأمام. هذه الحركة حركة ناجحة، لأنّ لها آفاقاً مشرقة، الآفاق مشرقة وجليّة، المستقبل مستقبل مشرق جداً. سيأتي اليوم الذي تصل فيه الأمّة الإسلامية بحول الله وقوته إلى ذروة الاقتدار والاستقلال[4]، وتنضوي الشعوب المسلمة - مع حفظ خصوصياتها وتمايزاتها - تحت مظلة واحدة هي مظلة الدعوة إلى الله وإلى الإسلام، ويكون الجميع متآزرين. وعندئذ سوف تكتسب الأمة الإسلامية عزّتها.

 

لدينا في بلداننا مصادر جوفية ومناطق استراتيجية وثروات وخيرات طبيعية جمّة ولدينا شخصيات ممتازة وطاقات بشرية متقدمة وموهوبة. يجب أن نعقد الهمم، وسوف يبارك الله تعالى في هذه الهمم.

 

 


[1] هنا علت نداءات التكبير وشعارات: "وحدة وحدة إسلامية".

[2] سورة هود، الآية 112.

[3] سورة الشورى، الآية 15.

[4] شعارات "هيهات منّا الذلة".

 

55


41

خطاب الولي 2012

أقول لكم أيها الشباب إن المستقبل لكم، وسترون أيها الشباب بحول الله وقوته وبإذنه ذلك اليوم، وسوف تسلمون إن شاء الله مفاخركم وأمجادكم للأجيال التي تليكم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

56


42

خطاب الولي 2012

خطبتا الإمام الخامنئي دام ظله

في صلاة الجمعة – طهران

الخطبة الأولى

 

 

         

 

         

المناسبة:   صلاة الجمعة

الحضور:  حشد من المصلين

المكان:   طهران

 

الزمان:    14/11/1390هـ.ش.

10/03/1433هـ.ق.

03/02/2012م.

 

 

57


43

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وسيد الخلق أجمعين، سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

مقدّمة الخطبة

 

الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوكّل عليه، وأصلي وأسلم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه حافظ سرّه ومبلغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين، وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وصلّ اللهم على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين، وصلّ على بقية الله في الأرضيين.

 

الوصيّة بتقوى الله

أوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم أمركم، أوصي جميع الإخوة والأخوات المصلين ونفسي بتقوى الله، فهو أساس مسيرة الإنسان نحو الكمال والتعالي. إذا استطعنا بتوفيق من الله أن نراعي تقوى الله في أعمالنا الفردية والجماعية والسياسية والاجتماعية فسوف تشملنا كل الخيرات وكل الألطاف الإلهية.

 

59


44

خطاب الولي 2012

والمكتسبات التي حقّقناها والمستقبل الذي ينتظرنا. والموضوع الثاني إطلالة على قضايا المنطقة والعالم. والموضوع الثالث بعض النقاط المختصرة حول الانتخابات المقبلة.

 

حول الموضوع الأول هناك من الكلام ما يعادل كتباً. لكن ما سأذكره كخطوط أساسية لثورتنا جملتان أو ثلاث من هذا الكلام وشرحه طويل ومفصّل جداً.

 

خصوصيّات الثورة الإسلاميّة

كانت لثورتنا هذه الخصوصيّات:

1. لقد قضت على نظام مناهض للإسلام وجاءت بنظام إسلامي إلى الحكم.

 

2. محقت نظاماً دكتاتورياً مستبدّاً، وأقامت نظام حكم شعبي بدلاً عنه.

 

3. محت التبعية التي كانت بلادنا تعاني منها طوال سنين متمادية - حيث وصلت إلى أفجع وأفظع أحوالها في العهد البهلوي- ومنحت الشعب استقلالاً شاملاً.

 

4. قضت على القمع والتعسّف الرهيبين اللذين كانا مسلّطين على شعبنا، ومنحته الحرية ومكّنت أبناء الشعب من طرح آرائهم وكلامهم بحرية، وأضحت الأجواء أجواء حرية. وأزالت حالة الذلة والمهانة التاريخية التي عانى منها الشعب الإيراني، ومنحته العزّة الوطنية. لقد أُذلّ شعبنا لعشرات الأعوام. أُذلّ هذا الشعب الكبير- مع ما له من السوابق التاريخية وهذه الموروثات الثقافية والعلمية والتاريخية العظيمة - مقابل الحكام المتغطرسين الفاسدين، ومن وراءهم المستعمرين والمهيمنين الدوليين. لقد أزالت ثورتنا هذا الوضع وبدّلته إلى عزّة وطنية. والشعب الإيراني اليوم يشعر بعزته وشخصيته.

 

5. قضت الثورة على الضعف النفسي وعقدة الدونية لدى شعبنا، وأحلت محلها الثقة بالنفس الوطنية. لقد كان لدينا عقدة دونية، وكنا نتصور أننا لا نستطيع القيام بعمل علمي أو سياسي أو عسكري عظيم. كنا نعتقد أننا شعب ضعيف.

 

 

61


45

خطاب الولي 2012

هذا ما لقّنونا إياه وبثّوه فينا. وقد أخرجت الثورة هذه الحالة من الشعب وبدّلتها إلى ثقة بالذات الوطنية. لدينا حالياً ثقتنا بأنفسنا في كل الميادين، ونعلم أنّنا قادرون ونسير وراء هذه القدرة ونتابعها، ونصل والحمد لله إلى مقاصدنا في كل المجالات.

 

6. كان شعبنا معزولاً ومُعرِضاً عن الشؤون السياسية ولا يهتم لأحداث البلاد. وقد انتزعت الثورة هذه الحالة من شعبنا وجعلتنا شعباً واعياً وسياسياً. فشبابنا وناشئتنا - أينما كانوا في أقاصي البلاد - لديهم في الوقت الحاضر تحليلاتهم السياسية، وهم يدركون الأحداث السياسية، ويُحلّلون كل مسألة من المسائل. ولم يكن الحال كذلك قبل الثورة. كانت الاتجاهات السياسية ووعي القضايا السياسية حالة مقتصرة على عدد قليل جداً في البلاد. كان الناس - عموماً - بعيدون عن أحداث البلاد، تأتي الحكومات وتذهب، وتبرم المعاهدات الدولية، وتُنجِز أموراً وأعمالاً كبيرة في العالم، والشعب غير مطّلع عليها. هذه هي الخطوط الأصلية لهذه الثورة التي أوجدت هذه الأحداث في هذا البلد. لقد تمأسست هذه الأصول وتكرّست مؤسساتياً وترسّخت. هذه ليست تحوّلات سطحية ومقطعية. شعارات الثورة اليوم هي نفسها شعارات اليوم الأول، وهذا مؤشّر على سلامة الثورة. فالشعارات بمثابة الإصبع الذي يشير إلى الأهداف ويرسمها. حينما تبقى الشعارات في نظام معيّن وثورة معينة وتترسّخ فمعنى ذلك أنّ الأهداف في ذلك النظام لا تزال نفسها الأهداف الأولى ولم تتغير، والمسؤولون والجماهير لم ينحرفوا عن الصراط المستقيم والأهداف الأصلية. إنّ شعارات الشعب الإيراني في الوقت الحاضر هي نفسها شعارات بدايات الثورة.

 

معرفة نقاط القوّة ونقاط الضعف

لقد كانت حياتنا خلال هذه المرحلة - الممتدة لنيّف وثلاثين سنة - متأثّرة بهذه

 

 

62


46

خطاب الولي 2012

الخطوط الأساسية. لقد حقّقنا تقدّماً وكانت لدينا نقاط ضعف ونواقص. يجب أن نعرف حالات التقدّم التي حققناها و كذلك علينا تشخيص مواطن ضعفنا، إذا تكتّمنا على نقاط ضعفنا ولم نعرفها وتجاهلناها فسوف تبقى وتتكرّس وتتجذّر ولن ترتفع. علينا معرفة كلّ نقاط القوة ونقاط الضعف.

 

توجد نقاط إيجابية ونقاط سلبية كذلك، وهناك صعود وهبوط، لكن المسيرة والحركة كانت مستمرة وهذا هو المهمّ. ليعلم شبابنا الأعزّاء أنّه طوال هذه الأعوام الاثنتي والثلاثين أو الثلاثة والثلاثين كانت هناك محطّات أبدينا فيها ضعفاً، وكان لهذه الحركة صعود وهبوط، ولم تكن دوماً على وتيرة واحدة، فقد كانت أحياناً سريعة وفي أحيان أخرى كانت أقلّ سرعة لكنّها لم تتوقّف أبداً، وقد تقدّمنا في الاتجاه الرئيس للمسيرة نفسه، ونشاهد اليوم ثمار ذلك.

 

نقاط القوة في الثورة

أذكر بعض نقاط القوة التي لدينا طوال هذه المدّة، وسأذكر أيضاً بعض نقاط الضعف:

1. الانتصار على التحديّات

نقطة القوّة الأهمّ في هذه السنوات الاثنتي والثلاثين هي الانتصار على التحدّيات، وهذا الشيء على جانب كبير من الأهمية. لم نكن شعباً ننكّس رؤوسنا ونسير في طريقنا ولا أحد يهتم بنا، لا، فمنذ البداية كانت القوى العالمية المهيمنة تتربّص بنا، وعمدت إلى إيذائنا وعرقلة مسيرتنا، وقد فرضوا الحرب علينا، وأطلقوا صدّاماً علينا، وشغلونا لمدة ثمانية أعوام، وبعثوا لنا الإرهابيين، وفرضوا الحظر الاقتصادي. وقد تغلّبنا إلى الآن على كل هذه التحديات، فلم يُخضعنا أيّ تهديد، ولم يبعث شعبنا وثورتنا على الندم والاستسلام. لقد واصلنا طريقنا والحمد لله بهامات مرفوعة. هذه هي نقطة القوّة الأهمّ لدينا.

 

2. تنامي الخدمات

ونقطة القوّة التالية التي توفّرت خلال هذه الفترة هي تنامي واتساع الخدمات

 

 

63


47

خطاب الولي 2012

المقدمة للشعب كمّاً وكيفاً. هذه الخدمات لا تقارن بالماضي القريب قبل الثورة ولا حتى بالماضي البعيد. الخدمات الهائلة التي انتشرت وتنامت في أنحاء البلاد كلّها كانت ذات نوعية وجودة عالية ومن الدرجة الأولى - الخدمات المادية والمعنوية - وكانت كمّيتها وسعتها أيضاً كبيرة جداً. هذه نقطة قوّة مهمّة.

 

3. التقدّم العلمي

ونقطة القوّة الأخرى: التقدّم العلمي. يا أعزائي، لا تستهينوا بهذا التقدّم العلمي، هذا التقدم على جانب كبير من الأهمية. العلم هو أساس التقدم الشامل لأيّ بلد. سبق أن قرأت الحديث القائل: "العلم سلطان"(35).. أي العلم اقتدار. كل من يتوفر لديه هذا الاقتدار يستطيع أن يبلغ كل مقاصده. وقد استطاع مستكبرو العالم - بفضل العلم الذي حازوا عليه - فرض قوتهم على كل العالم. ونحن طبعاً لن نميل إلى منطق القوّة أبداً، لكن العلم ضروري لنا بالتأكيد من أجل التقدّم.

 

تقدّمنا العلمي الذي أحرزناه طوال هذه الأعوام الثلاثين ونيف كان مذهلاً حقاً. والتقنية النووية بالمناسبة هي معروفة وقد جعلتنا محط أنظار الجميع في داخل البلاد وخارجها، لكن الأمر لا يقتصر عليها فقط، فهناك تقنية نووية، وهناك أيضاً علوم الفضاء والطيران، والعلوم الطبية - ولحسن الحظ إنّ بلادنا اليوم تحتل في الطبّ مراتب مهمة جداً وصعبة المنال، وقد أُنجزت أعمالٌ طبية كبيرة في هذا البلد - وهناك تقنيات الأحياء، وتقنيات النانو وهي من العلوم الحديثة في العالم، وهناك تقنيات الخلايا الجذعية وهي من أعظم الأعمال والإنجازات في ميدان العلم، وهناك الاستنساخ، وصناعة الحواسيب العملاقة، وتقنيات الأشكال الجديدة من الطاقة، والأدوية الراديوية والأدوية المضادة للسرطان، والقائمة متواصلة.

 

ما أذكره ليس من باب الارتجال، إنّما هي شهادات المراكز العلمية المعتبرة في العالم. هم يقولون إنّ أسرع نمو علمي في العالم كله حصل خلال هذه الأعوام كان في إيران. فتقرير عام 2011م يقول "إنّ أسرع نمو علمي في العالم كله حصل في إيران". وحسب

 

64


48

خطاب الولي 2012

 التقارير التي أطلقتها المراكز العلمية المعتبرة في العالم، فإنّ إيران تحتل المرتبة العلمية الأولى في المنطقة.

 

وكنّا قد حددنا لأنفسنا سنة 1404 هـ . ش. (2025 م)، كي نصل إلى هذه المرتبة العلمية الأولى، أي لا يزال أمامنا 14 عاماً. في العام الميلادي الماضي قالوا إنّ إيران هي الأولى في المنطقة من حيث المرتبة العلمية، والـ17 في العالم؛ أي إنّ المرتبة العلمية لبلادنا على مستوى العالم هي السابعة عشرة، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية، فتقدّمنا العلمي إذاً هو من نقاط قوتنا.

 

4. تأسيس البنى التحتية

من نقاط قوتنا الأخرى، تقدّم البلاد في تأسيس البنى التحتية، الفنية والمعمارية والصناعية، فكلما زارتنا وفود من خارج البلاد وشاهدت هذه الإنجازات، أثنت عليها. أمّا الأعمال العظيمة التي أُنجزت على مستوى الاتصالات والطرق والمواصلات والبنى التحتية المختلفة الفنية والصناعية والمعمارية وأمثال ذلك، فهذه لها قصة أخرى مستقلة. وأنا في واقع الأمر آسف كثيراً، عندما أرى هذه التقارير الواضحة والوافية، وما ينبغي وما لا ينبغي، ولا يعرض ذلك على الشعب ليسرّ ويفرح، ويعلم أي حدث يجري في البلاد.

 

5. نقل قيم الثورة للأجيال

ومن نقاط قوتنا خلال هذه المدة نقل قيم الثورة للجيلين الثاني والثالث. عندما تنظرون إلى الشباب ترون أنّهم تلقّوا هذه القيم وأدركوها. شهيدنا العزيز الأخير مصطفى أحمدي روشن - الشهيد الذي تركت شهادته لوعة وحرقة في قلوبنا - أو الشهيد الشاب الذي سبقه الشهيد رضائي نجاد الذي استشهد مطلع هذه السنة. كان هذان الشهيدان شابين عالمين في 32 من العمر، لم يدركا زمن الإمام الخميني، ولم يدركا زمن الحرب، ولم يدركا زمن الثورة، لكنّهما كانا يدرسان ويكسبان العلم ويقطعان المراحل والمراتب العلمية تباعاً بكل شجاعة وشهامة، وكانا على علم ووعي بأنّهما مُعرّضان للخطر والتهديد. هذا شيء مهم جداً وهو قيمة من القيم.. هذه هي قيم الثورة في الجيل الثالث. أحمدي روشن ورضائي نجاد وأمثالهما من الجيل الثالث للثورة. الخطوة العظيمة التي قام بها الشباب بعد استشهاد أحمدي روشن حيث أعلنوا عن استعدادهم للعمل خطوة مهمة جداً، ويجب عدم الاستهانة بهذا. من

 

65


49

خطاب الولي 2012

نقاط قوتنا ومن نقاطنا الإيجابية انتقال هذه القيم للجيلين الثاني والثالث. طبعاً كانت هناك بعض حالات التساقط، وكان هناك بعض التائبين من الثورة والنادمين عليها، لكن النماء عندنا كان أكثر من التساقط. القوى المهترئة تتساقط لكن القوى الشابة الطريّة تتصاعد وتنمو.

 

6. التأثير في القضايا الأساسية

نقطة أخرى من نقاطنا الإيجابية خلال هذه المدة القفزات الواسعة في التأثير في القضايا الأساسية في المنطقة والعالم. فنظام الجمهورية الإسلامية اليوم هو نظام بلد مؤثّر. "النعم" أو "اللا" التي يقولها في قضايا المنطقة وحتى في القضايا العالمية مؤثّرة. وهذا شيء مهم جداً للبلد.

 

7. البنية القوية للنظام

من نقاط القوة الأخرى لدينا البنية القوية والمتينة للبلد والنظام في مواجهة الأعداء. نحن لا نضطرب مقابل العداء ولا نقلق ولا تتملّكنا الهموم. وإنّ بنية النظام والبلاد بنية متينة.

 

8. ارتقاء مراكزنا العلمية

من نقاط القوّة الأخرى عندنا الارتقاء الكمّي والكيفي لمراكزنا العلمية، أي جامعاتنا وحوزاتنا العلمية. لقد ارتفع مستوى حوزاتنا العلمية من الناحية الكمّية ومن الناحية النوعية، وكذا الحال بالنسبة لجامعاتنا. هذه من نقاط قوتنا، وكل واحدة من هذه النقاط تتطلب شرحاً مطوّلاً، وثمة إحصاءات تدلّ عليها، وتوجد غيرها الكثير من نقاط القوّة.

 

تتمة لنقاط القوّة أُذكّر أنّه على الشعب الإيراني أن يتنبّه إلى أنّ كل هذا التقدم العلمي والاجتماعي والتقني تحقّق في ظروف الحظر والمقاطعة، وهذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. لقد أغلقوا أبواب العلم وأبواب التقنية بوجهنا، وسدّوا الطرق، ولم يبيعونا المنتجات اللازمة، ومع ذلك تقدّمنا على هذا النحو. لقد حصلت هذه الأمور والتطورات في ظروف الحظر، وهذا ما يضاعف الآمال.

 

66


50

خطاب الولي 2012

نقاط الضعف

ولدينا طبعاً نقاط ضعف، ويجب التغلّب على نقاط الضعف هذه وإزالتها. وسأعود لقضية الحظر والظروف التي فُرضت وأتطرّق لها بعض الشيء.

 

أمّا نقاط ضعفنا فهي الأخطار التي تعترض طريقنا، وكانت موجودة خلال هذه المدة وينبغي لنا بعد ذلك أن نتغلّب عليها:

1. النزوع إلى الدنيا

نقطة ضعفنا الأولى هي النزوع إلى طلب الدنيا، حيث تتمكّن من بعضنا وتسيطر عليه. فطلب الدنيا والماديات أصاب بعضنا - نحن المسؤولين - وشيئاً فشيئاً سقط من قاموسنا قبح الميل للثروة والبذخ والتشريفات والعيش برفاهية والنزعة الارستقراطية. وحينما نصبح هكذا فإنّ هذه الحالة تتسرّب إلى الناس، فالميل للارستقراطية والبذخ وجمع الثروات، والتمتّع بها بشكل غير مشروع وغير مستساغ موجود لدى كثير من الناس بشكل طبيعي. لكن عندما نطلق العنان لأنفسنا ونصاب بهذه الآفات، فسوف تتطرق هذه الأحوال إلى الناس، وتظهر فيهم.

 

نحن نعاني اليوم، مع الأسف، من الإسراف والنزعة الاستهلاكية. لقد قلتُ هذا مراراً وأقوله مرّة أخرى، هذا خطر يعترض طريقنا. يجب التقليل من النزعة الاستهلاكية والحرص على الدنيا ومتاع الدنيا. ما إن تنتشر إشاعة بأنّ الشيء الفلاني قد ندر وشحّ حتى يهجم الناس لجمعه وامتلاكه خوفاً من أن يفقدوه، والحال أنّ ذلك الشيء قد لا يكون من الأشياء الضرورية في الحياة. وحتى لو لم تكن تلك البضاعة شحيحة فإنّ هجوم الناس عليها سيجعلها شحيحة، ونحن لا نتنبّه لهذه النقطة. هذه من مواضع ضعفنا، ويجب علينا رفع هذا النقص والضعف.

 

2. الضعف على مستوى التزكية والأخلاق

من نقاط ضعفنا الأخرى أننا لم نحقق تقدماً أخلاقياً وتزكية أخلاقية ونفسية بموازاة العلم والتقدم العلمي، وهذا نوع من التخلف. طبعاً، الوضع اليوم أفضل بكثير مما كان عليه قبل الثورة -ولا ريب في هذا أبداً- لكن كان يجب علينا أن نتقدم. لقد تقدمنا في العلم وتقدّمنا في السياسة، وكان ينبغي لنا أن نتقدم

 

 

67


51

خطاب الولي 2012

في المعنوية وتزكية النفس. في القرآن الكريم أين ما ورد ذكر التزكية والتعليم عن لسان الخالق قدّم سبحانه التزكية على التعليم، والتعليم هنا هو تعليم الكتاب والحكمة، ﴿وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾[1] في موضع واحد فقط جرى تقديم التعليم على لسان إبراهيم. وهكذا فقد غفلنا عن التزكية الأخلاقية والنفسية.

 

3. العدالة الاجتماعية

وعلى صعيد العدالة الاجتماعية لم نصل بعد إلى المستوى الذي يريده الإسلام وهو ما نطمح إليه بدورنا. هذه أيضاً من نقاط ضعفنا.

 

واجبات ومسؤوليّات في التغلّب على الضعف

يجب علينا تلافي نقاط الضعف هذه. إنّها مواطن نقص وضعف لا يمكن تخطيها وعدم الاكتراث بها. على المسؤولين وكذلك على أبناء الشعب أن يشعروا أنّ من واجبهم تلافي هذه النواقص والسلبيات. يجب أن نطلب العون من الله تعالى ونتغلّب على هذه النواقص ونرفعها. ورفعها أمر ممكن طبعاً، إنّها سلبيات يمكن التغلّب عليها ومعالجتها.

 

1. النظر للمستقبل وتحمّل المسؤولية

أعتقد أنّ الأعمال التي يجب أن نقوم بها للتغلّب على هذه السلبيات والنواقص هي بالدرجة الأولى النظر للمستقبل وتحمّل المسؤولية. علينا جميعاً أن نشعر بالمسؤولية، خصوصاً مسؤولي البلاد وخدمة الشعب يجب أن يشعروا بالمسؤولية، ويجب أن لا نلقي النواقص والتقصيرات على عاتق بعضنا. إذا ظهر نقص في موضع من المواضع يجب أن لا يقول مجلس الشورى إنّ الحكومة مقصّرة وتقول الحكومة إنّ مجلس الشورى مقصّر، ويقول ذاك إنّ السلطة القضائية مقصّرة، لا، الحدود واضحة. الدستور عيّن الخطوط والحدود. وواجبات الجميع معلومة. للقيادة مسؤولياتها، وللحكومة مسؤولياتها، ولمجلس الشورى مسؤولياته، وللسلطة

 


[1] سورة الجمعة، الآية 2.

 

 

68


52

خطاب الولي 2012

القضائية مسؤولياتها، ولقوات الشرطة مسؤولياتها، والأجهزة التنفيذية كل واحد منها له مسؤولياته، فلا نلقي اللوم على بعضنا. إذا ظهر إشكال يختصّ بالقيادة فعلى القيادة أن تتقبل الأمر بتواضع لأنّه يختص بها وتحاول رفعه. هذا من الأعمال والأمور الأساسية.

 

2. عدم الغفلة عن القيم الأصولية

المهمّة الأصلية الأخرى هي أننا يجب أن لا نغفل عن القيم الأصولية (الأساسية)، ولا ننشغل بالقضايا الفرعية والهامشية، ونغفل عن الأصول. وهذه النقطة بدورها لها شرحها المفصّل.

 

3. الحفاظ على الاتّحاد والتعاطف

ومن واجباتنا أيضاً الحفاظ على الاتحاد والتعاطف. قلنا مراراً إنّه لا بد من توفّر الاتحاد والتعاطف بين المسؤولين. السلطات الثلاث والآخرون يجب أن يكونوا متعاطفين ومتواكبين ومتعاضدين، حتى لو كان بينهم اختلاف في وجهات النظر في بعض المواطن. لا ضير في الاختلاف في وجهات النظر، ولكن يجب أن لا يقفوا ضد بعضهم في توجّهات النظام والبلاد والثورة، بل يشدّوا على أيدي بعضهم بقوة ويتقدّموا إلى الأمام، هذا ما يجب عليهم وعلى أبناء الشعب فيما بينهم وعلى أبناء الشعب في علاقتهم بالمسؤولين. هذا الاتحاد والتعاطف علاج حاسم لكثير من المشكلات الموجودة في البلاد.

 

4. عدم الانخداع بوعود العدو

من المهام الأصلية التي يجب أن ننهض بها وعلى الجميع التنبّه لها هو أن لا ننخدع بابتسامات العدو والوعود الكاذبة لجبهة الأعداء، ولدينا تجارب خلال هذه الأعوام الثلاثين، فقد ابتسموا لنا أحياناً، وفي البداية صدّقهم بعضنا، وشيئاً فشيئاً أدركنا ما الذي يجري وراء الستار. يجب أن لا ننخدع بابتسامات العدو ووعوده الكاذبة. بسهولة تامة تنكث جبهة القوى المادية المهيمنة على العالم اليوم عهودها. تنكث عهودها وأقوالها دون خجل أو همّ. لا يخجلون من الله، ولا من خلق الله، ولا من الجانب الذي يفاوضونه.. يكذبون بكل سهولة! لدي نماذج حية ليس هنا موضع

 

69


53

خطاب الولي 2012

مناقشتها، وربما أذكرها إذا اقتضت الضرورة ونفس هذه التصريحات التي أطلقها الأمريكيون ورئيس جمهورية أمريكا، والرسالة التي كتبها لنا، والجواب الذي بعثناه، ثم رد الفعل والخطوة التي قاموا بها مع مضمون هذه الرسائل. هذه أمور سوف تعرض يوماً ما على الرأي العام في العالم - يوم تستدعي الضرورة - وسيرى العالم ما هو حال هؤلاء وواقعهم، وكم هي أهمية كلامهم وقيمته، وكم هي قيمة وعودهم. إذاً، من مهماتنا الأساسية أن لا ننخدع بابتساماتهم ووعودهم الكاذبة.

 

5. اجتناب الكسل

ومن النقاط أيضاً اجتناب الكسل وقلّة العمل. الكسل والخمول وقلّة العمل تدمّر الإنسان، والعائلة، والبلد، والشعب. على الجميع أن يعملوا... يجب أن يعملوا عملاً جهادياً. حينما أعلنا هذا العام عاماً للجهاد الاقتصادي، فمعنى ذلك أن الحركة الاقتصادية يجب أن تكون حركة جهادية. هذا ما يتعلّق بقضايا الثورة والكلام كثير والوقت قليل، ويجب أن نطرح القضايا الأخرى.

 

نهضة الشعوب وثورات المنطقة

أمّا قضايا المنطقة والعالم. في غضون العام الذي انقضى من عشرة الفجر في السنة الماضية إلى عشرة الفجر في هذه السنة، نجحت شعوب المنطقة في إسقاط أربعة طواغيت، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لا بد من جهود كبيرة من أجل أن يُسقط شعبٌ أحد هؤلاء الطواغيت. خلال هذا العام الفاصل بين عشرة الفجر من السنة المنصرمة وعشرة الفجر الآن جرى إسقاط أربعة طواغيت خطيرة وخبيثة في هذه المنطقة. هذا حدث على جانب كبير من الأهمية.

 

حدث مهم آخر هو أنّ الجماهير في تونس ومصر منحت أصواتها للإسلام. في مصر ذهب إلى صناديق الاقتراع نحو 75% من الشعب وصوّتوا لصالح الجماعات والفئات الإسلامية. والوضع في تونس يشبه ذلك. هذا شيء له أهمية بالغة. فمعناه أنّ كل الجهود والمساعي التي بذلها الأمريكان والغربيون والأجهزة الإعلامية وهوليوود وغيرها وغيرها لمخاصمة الجمهورية الإسلامية طوال هذه الأعوام للتخويف من الإسلام

 

 

70


54

خطاب الولي 2012

ومن الحكومة الإسلامية ذهبت أدراج الرياح، و الناس منحازون للإسلام.

 

من آثار هذه التحرّكات ضعف الكيان الصهيوني وعزلته، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. فالكيان الصهيوني هو بحقّ غدّة سرطانية في هذه المنطقة ويجب استئصالها وسوف تستأصل، وبالتالي فقد أصيب بمزيد من الضعف والعزلة نتيجة هذه التحركات. لقد تضاعفت حيوية الشباب الفلسطينيين وآمالهم بكفاحهم ومستقبلهم. والشعوب أيضاً تُضاعف أملها.

 

مظلوميّة شعب البحرين

طبعاً، الشعب البحريني هو الأكثر مظلومية بين هذه الشعوب، لأنّه يواجه للأسف صمت الإعلام العالمي ومقاطعته. دعواتهم ليست مرفوضة في أي منطق إنساني وعالمي، إنّما هي مطالب مُحقّة لكنّها تعرّضت للظلم، وقد أخرجوهم تماماً من دائرة الإعلام والضوء، بل راحوا يوجّهون الإعلام ضدهم باستمرار، وهذا لن يؤثر طبعاً، وسينتصر الشعب البحريني أيضاً بتوفيق من الله.

 

وأقول هنا بهذه المناسبة إنّ حكام البحرين ادّعوا أنّ إيران تتدخل في قضايا البحرين، وهذا كذب. لا، نحن لا نتدخّل، إنّنا نعلن بصراحة عن المواطن التي نتدخّل فيها. فقد تدخّلنا في الشؤون المناهضة لإسرائيل وكانت النتيجة انتصاراً في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، وحرب الإثنين والعشرين يوماً. وبعد الآن أيضاً إذا كان ثمة شعب أو جماعة تكافح ضد الكيان الصهيوني وتجابهه فسوف نساندها ونساعدها، ولا نتحرّج أبداً من قول ذلك، هذه حقيقة وواقع. أمّا أن يأتي حاكم جزيرة البحرين ويقول إنّ إيران تتدخل في أحداث البحرين، فلا، هذا الكلام غير صحيح وهو خلاف الواقع، لو تدخّلنا في البحرين لأصبحت الأوضاع في البحرين مختلفة.

 

الغرب في ضعف متزايد

والأوضاع في العالم أيضاً غريبة. أمريكا أصيبت بالضعف - الضعف الاقتصادي والمالي، والضعف السياسي - وهذه بدورها حقيقة واقعة. لقد هُزمت أمريكا في سياستها للشرق الأوسط، فقد فشلت في قضية فلسطين وفي قضية العراق. أراد الأمريكان أن

 

 

71


55

خطاب الولي 2012

يديروا العراق بأنفسهم مباشرة فلم يستطيعوا، ووقف الشعب العراقي ولم يسمح بذلك. وأرادوا أن يوجدوا حكومة عميلة فلم يستطيعوا. أرادوا البقاء مع وجود حصانة قضائية لهم، فلم تسمح الحكومة والشعب العراقي بذلك. الحكومة في العراق اليوم حكومة شعبية والشعب العراقي شعب حيّ يقظ، وهذا ما جعل الأمريكان يخرجون من العراق بلا أية مكاسب ومن دون أن يتحقّق ما أرادوا. طبعاً لديهم تدخلاتهم النفطية والأمنية هناك، وهذا ما سيعالجه الشعب والحكومة في العراق إن شاء الله في المستقبل.

 

وأُصيبت أمريكا بالضعف أيضاً في قضاياها الداخلية وهذا ما يحاول الأمريكان إخفاءه والتكتّم عليه. لا يريدون الاعتراف بضعفهم. لم يشر أوباما في كلمته قبل أيام في الكونغرس أدنى إشارة إلى أنّ الشعب الأمريكي يتظاهر في الشوارع منذ أكثر من أربعة أشهر. في هذا الجو البارد وفي كل أنحاء أمريكا، في الولايات المختلفة، يخرج كل هؤلاء الناس إلى الشوارع ويصمدون مقابل ضغوط الشرطة وضرباتهم الشديدة، ألم يكن هذا جديراً بالإشارة؟! لكنّه لم يشر له إطلاقاً. يريدون التكتّم على الأمر. فهذه هي حقوق الإنسان لديهم. وكذا الحال بالنسبة لأوروبا. أوروبا أيضاً مصابة بالضعف، إضافة إلى القضايا الاقتصادية والمالية والنقدية - وهي نقاط ضعف عجيبة قد أغضبت الناس - فقد أصيبت أوروبا بالضعف من الناحية السياسية أيضاً.

 

أضرب لكم مثالاً: الحكومة الفرنسية في عهد رئيس جمهورية فرنسا الجنرال ديغول لم تسمح لبريطانيا بالدخول في الاتحاد الأوروبي. لماذا؟ قالوا إنّ بريطانيا مرتبطة بأمريكا، ونوع العلاقات والارتباط بين بريطانيا وأمريكا يُسقط استقلال الاتحاد الأوربي. لم يسمح ديغول لبريطانيا بالدخول في الاتحاد الأوروبي بسبب الارتباط والاتصال والتبعية لأمريكا. هذا ما يتعلّق بفرنسا ذلك الحين. بينما الرجل الذي يتولى الأمور في فرنسا اليوم يردّد الكلام الأمريكي ويعيد ما يقوله الأمريكان وما يصطنع في داخلهم، فصار تابعاً محضاً لهم! وهذا بالطبع ضعف. وصل الأمر بأوروبا إلى هذا الحد. هذا عن فرنسا، وباقي البلدان الأوروبية هي هكذا أيضاً من باب أولى. هذا ضعف في الأجهزة والمؤسسات.

 

72


56

خطاب الولي 2012

يعاني الغربيون في الوقت الراهن من ضعف في الشؤون الاقتصادية وفي الشؤون السياسية وفي القرارات الدولية، ومن ذلك قرار الحظر علينا.

 

الحظر الاقتصادي وتنامي القدرات الداخليّة

لقد أرادوا في الواقع معاقبة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني بسبب الإسلام. وهدّدوا بأنّ الحظر سيكون باعثاً على الشلل وموجعاً! قالوا وقالوا، وكان الحظر لصالحنا من ناحيتين:

أولاً: حينما نقاطَع سوف نتوجّه للمواهب والإمكانيات الداخلية وننمو من الداخل، وهذا ما حدث طوال هذه الأعوام الثلاثين. لو لم نُقاطَع في المجال التسليحي لما كنّا حقّقنا اليوم هذا التقدّم العجيب. وفي القضية النووية لو كانوا هم الذين بنوا لنا محطة بوشهر للطاقة لما تقدّمنا في مجال التخصيب. ولو لم يغلقوا أبواب العلم بوجهنا لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه في الخلايا الجذعية والفضاء والطيران وإطلاق الأقمار الصناعية للسماء. إذاً كلما فرضوا علينا مزيداً من الحظر نميل إلي إمكانياتنا وقدراتنا الذاتية، فتزدهر هذه المواهب والإمكانيات يوماً بعد يوم كينبوع متدفق. إذاً، هذه المقاطعة والحظر كانا لصالحنا.

 

الناحية الثانية: التي يتحول فيها الحظر لصالحنا هي أنّهم يُكرّرون في إعلامهم باستمرار إننا سنفرض هذا الحظر وذاك الحظر على إيران لنرغمها على التراجع في القضية النووية مثلاً. وعندها سيدرك العالم كله أن هذه العقوبات والمقاطعة من أجل الضغط على إيران للتراجع عن ملفها النووي وقضايا أخرى. وحينما لا نتراجع فماذا سيحدث؟ فهذا الحظر من أجل فرض التراجع على إيران وإيران لن تتراجع، فستكون النتيجة انهيار هيبة الغرب وهيبة التهديدات الغربية في أعين شعوب المنطقة الثائرة، وتزايد عزة الشعب الإيراني واقتداره في أعينهم، وهذا لصالحنا. إذن، هذا الحظر لصالحنا ويعدّ بمثابة خدمة لنا، ولكن من هاتين الناحيتين اللتين ذكرتهما.

 

هذا هو وضع أوروبا. أوروبا تعاني من مشكلات اقتصادية مستعصية. الشعوب الأوروبية غاضبة ومعترضة على الوضع الاقتصادي. وسبق أن قلت إنّ الشعوب الأوروبية

 

 

73


57

خطاب الولي 2012

 

 يوم تعلم أن هذا الواقع الضعيف الذي تعاني منه إنّما هو بسبب تدخلات أمريكا والشبكة الصهيونية العالمية، سوف تتحول هذه الاعتراضات على الأوضاع الاقتصادية إلى نهضة اجتماعية عظيمة، وعندها يجب توقع ظهور عالم جديد ودنيا جديدة.

 

التهديد بالحرب مضرّ بأمريكا

وأقول كلمة بخصوص هذه التهديدات الأمريكية. هم يهدّدون باستمرار، يُهدّدون بلغة: أنّ كل الخيارات موجودة على الطاولة! أي حتى خيار الحرب. هذا التهديد بالحرب بهذه اللغة مضرّ لأمريكا. الحرب ذاتها تضرّ أمريكا عشرات الأضعاف. لماذا هذه التهديدات مضرة لأمريكا؟ لأن هذه التهديدات نفسها دليل على عجز أمريكا في المواجهة المنطقية والكلامية. ليس لديهم خطاب مقابل خطاب الجمهورية الإسلامية، ولا يستطيعون تحقيق انتصار في ساحة المواجهة الفكرية والمنطقية، لذلك يضطرون للاستعانة والتشبّث بالقوة. معنى ذلك أن أمريكا ليس لديها من منطق سوى منطق القوة، ولا سبيل عندها للتقدم سوى سفك الدماء، وهذا سوف يبدّد اعتبار أمريكا في أعين شعبها والشعوب الأخرى أكثر مما تبدد إلى الآن. هذا هو الشيء الذي يحدّد مصير الأنظمة. فالنظام الذي يسقط اعتباره في أعين شعبه مصيره معروف، كالنظام السوفيتي السابق. ومن اللافت أنّ بعض أهل الرأي والخبراء الغربيين قالوا قبل أيام إنّ وضع أمريكا والغرب اليوم شبيه بوضع الاتحاد السوفيتي في أواخر عقد الثمانينات الميلادي والذي أدى إلى سقوطه. فأي نظام يسقط في أعين شعبه من حيث الخطاب والمنطق لن يعود هناك أمل في بقائه. لذا كلما هدّدوا رجع ذلك بالضرر عليهم. طبعاً ليعلموا وليعلم غيرهم وهم يعلمون أن لنا مقابل التهديد بالحرب والتهديد بالحظر النفطي تهديداتنا التي سوف تطلق إن شاء الله في الوقت اللازم.

 

أهمّيّة المشاركة في الانتخابات النيابيّة

وأشير إلى بعض النقاط بخصوص الانتخابات. أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أيها الشعب الإيراني العزيز، الانتخابات تصون البلاد. الشيء الذي يحفظ هيبة هذا الشعب ويبسط قدراته المعنوية بوجه الأعداء ويخيفهم ويصدّهم عن التطاول عليه هو

 

74


58

خطاب الولي 2012

التواجد والمشاركة الشعبية، ومن مظاهرها المشاركة في الانتخابات، ومن مظاهرها المشاركة في 22 بهمن الذي هو على الأعتاب أمامكم. كلما تكثّف الحضور وتنوّع كلما قوي اعتبار البلد وقيمته الوطنية. وكذا الحال بالنسبة للانتخابات. كلما كان الزحام على صناديق الاقتراع أشد ومشاركة الشعب أوسع كلما قويت الثقة بالبلاد وتضاعفت مناعته وحصانته. يمكن لمشاركة الجماهير تأمين مستقبل البلاد وضمانه. مجلس الشورى الصالح والنزيه والقوي يستطيع التأثير على أداء كل الأجهزة والمؤسسات في البلاد، فهو يؤثّر على أداء الحكومة وعلى أداء السلطة القضائية، وحتى على أداء القوات المسلحة. والمجلس القوي والصالح والنزيه والسليم له مثل هذا الوضع والدور. فمتى يمكن تشكيل مثل هذا المجلس من دون الشعب؟ هذا ما لا يريده الأعداء. منذ شهرين أو ثلاثة والأبواق الإعلامية للعدو تعمل على بثّ اليأس والقنوط في نفوس الناس كي لا يشاركوا في الانتخابات. وبعض الناس في الداخل دون أن يتفطنوا إلى ما يقومون به يتناغمون معهم للأسف! أولئك مغرضون، وهؤلاء غافلون.

 

يتوّجب عدم تضخيم القضايا الصغيرة، وعدم الإيحاء بأن هناك أزمة. يحاولون بألف وسيلة إثبات وجود أزمة في إيران. أية أزمة؟ ما هي الأزمة؟ البلد هادئ، والشعب قوي ونشيط وفعّال، كل هذه الأعمال يجري إنجازها من قبل الأجهزة المختلفة ومن قبل أبناء الشعب في هذا البلد. والأمن مستتب تماماً بتوفيق من الله. لتتعاون الأجهزة مع بعضها، فإذا تعاونت فسوف تسير الأمور ووالأعمال بنحو أفضل. وهذا ما لا يريده الأعداء.

 

التنافس السليم والإجراء النزيه

ما هو ضروري في الانتخابات هو التنافس السليم، التنافس من دون تراشق بالاتهامات والإساءات. يجب أن تكون أجواء الانتخابات سليمة ونزيهة. إذا كان الناس أنفسهم يعرفون المرشحين للانتخابات فليعملوا طبقاً لتشخيصهم، وإذا لم يكونوا يعرفونهم فليستشيروا ذوي البصيرة والمتدينين في من يختارونه. وليعمل من عليهم إدارة العملية الانتخابية بمنتهى الدقة لإجراء انتخابات سليمة. هذه

 

 

75


59

خطاب الولي 2012

أمور يمكنها أن تحقق للبلاد انتخابات جيدة. كانت الانتخابات الاثنتان والثلاثون أو الثلاثة والثلاثون جميعها التي أقيمت منذ بدء الثورة وإلى اليوم ولحسن الحظ نزيهة. طبعاً كان في كل منها من اعترض، وقد توبعت اعتراضاتهم، وكانت هناك مخالفات أحياناً، إلا أنّه لم يكن هناك عدم نزاهة في الانتخابات أبداً. ويجب أن يكون الحال كذلك بعد الآن أيضاً.

 

أهليّة المرشّحين

وأذكر نقطة أو نقطتين حول مسألة أهلية المرشحين. مجلس صيانة الدستور المحترم يحرز أهلية بعض الأفراد ولا يحرز أهلية بعضهم الآخر. أذكر هنا ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: هي أن من وظائف مجلس صيانة الدستور من الناحية القانونية إحراز الأهليات، فيجب عليه التشخيص والوصول إلى نتيجة أن هذه الأهلية متوفرة. طبعاً كانت توصيتنا الدائمة بعدم رفع سقف الأهلية بحيث لا يشمل إلا عدداً محدوداً من الأفراد. لينظروا بمزيد من المسامحة لسقف الأمور التي تسبّب الأهلية.

 

النقطة الثانية: هي أنّ هناك من يعترض على إشراف مجلس صيانة الدستور والعاملين على الإشراف. وقد يكون اعتراضه في محله وصحيحاً فعلاً، ولكن ينبغي التنبّه إلى أنّنا يجب أن نسلّم للقرار الذي تتخذه مؤسسة قانونية مسؤولة هي محل ثقة، كلنا يجب أن نتبع ما تقرره، فعلى سبيل المثال يشرع مجلس الشورى الإسلامي قانوناً، وقد أكون معترضاً على هذا القانون وأقول: إنّ هذا القانون فيه عيب وخلل، لكنّه قانون ويجب أن أعمل وفقاً له، حينما تتخذ جهة مسؤولة هي محل ثقة - كمجلس صيانة الدستور - قراراً فيجب التسليم له واتباعه.

 

النقطة الثالثة: وأعلنها وليعلم الجميع أن الذين تُرفض أهليتهم ليسوا بالضرورة أفراداً غير مؤهّلين. لا يُظن لأن فلاناً رفضت أهليته فهو إذن لا أهلية له إطلاقاً، لا. طبقاً للقانون لا يستطيع المشاركة في الانتخابات كمرشح، ولكن قد يكون أخطأ الموقع الذي رفض أهليته. وقد يكون غير مؤهّل لهذا العمل لكن له أهليات متعددة أخرى.

 

76


60

خطاب الولي 2012

يجب أن لا يكون معنى رفض أهلية شخص أنه فاقد لكل أهلية ولكلّ شيء، لا، هناك أهليات كثيرة أخرى.

 

النقطة الأخيرة: بشأن الانتخابات هي أنّ المسؤولين يجب أن لا يغفلوا عن مؤامرات الأعداء بخصوص قضية الانتخابات. والذين لا يحصلون على الأصوات اللازمة في الانتخابات ليحذروا من أن يقعوا في الخديعة التي وقع فيها الذين لم يحصلوا على الأصوات في سنة ثمان وثمانين. ليعتبر كل المرشحين وكل أنصارهم أنفسهم مسؤولين عن الأمن مقابل مؤامرة الأعداء المحتملة، ولا يتهموا الانتخابات، ولا يسندوا العدو ويعضدوه، ولا يكون هناك في الإعلام إيحاء وترويج لأجواء الخلافات واليأس، حتى تكون لنا انتخابات جيدة إن شاء الله.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[1].

 

الخطبة الثانية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين، وصلّ على علي أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وصلّ على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعلى علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف القائم المهدي، حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك، وصلّ على أئمّة المسلمين، وحماة المستضعفين، وهداة المؤمنين.

 


[1] سورة العصر، الآيات 1-3.

 

 

77


61

خطاب الولي 2012

أدعو كل الإخوة والأخوات المصلين مرّة أخرى لتقوى الله. ما نقوله في الخطبة الثانية عادة ذكرته لكم أيّها الإخوة والأخوات في الخطبة الأولى. وفي هذه الخطبة أعتذر لكلّ المصلين الأعزّاء وأخاطب إخوتنا العرب الذين يمرّون بفترة حساسة، وألقي الخطبة بالعربية.

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

يا أبناء أمتنا الإسلامية في كل مكان، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله.

 

أغتنم فرصة شهر ربيع الأول، واقتراب أسبوع المولد النبوي، والذكرى الأولى لربيع الصحوة الإسلامية، ونهضة إخوتنا العرب رجالاً ونساءً من مصر وتونس وليبيا حتى البحرين واليمن، وبعض البقاع الإسلامية الأخري، لأتقدم باسم الشعب الإيراني وجميع المسلمين في العالم بأحرّ التهاني وأطيب التبريك.

 

إرادة الشعوب العربيّة

مرّ عام مفعم بالحوادث، فلأول مرّة في تونس ومصر روعيت حرمة رأي الشعب، وأدلت الجماهير بصوتها للتيار الإسلامي. وسيكون الأمر في ليبيا على هذا النحو أيضاً. وهذا التوجه الإسلامي المتصف برفض الصهيونية والدكتاتورية، وبطلب الاستقلال والحرية والتقدم تحت راية القرآن، سيكون المسير الحتمي والإرادة الحاسمة لجميع الشعوب الإسلامية. هذه الموجة التي فتحت صفحة جديدة في تاريخ إيران الإسلام أيضاً قبل ثلاثة عقود في مثل هذه الأيام (الثاني والعشرين من شهر بهمن المصادف للحادي عشر من شباط) وأنزلت أول ضربة بجبهة أمريكا والناتو والصهيونية، وأطاحت بأكبر دكتاتور علماني عميل في المنطقة.. أصبحت في الأيام نفسها وبالطريقة ذاتها وبالمطاليب عينها تعمّ الشرق الأوسط الإسلامي والعربي بأجمعه و الحمد لله.

 

إنّ إرادة الله سبحانه شاءت لهذه الشعوب أن تستيقظ. فقد حلّ قرن الإسلام

 

78


62

خطاب الولي 2012

وعصر الشعوب، وسيكون له التأثير على مصير كل البشرية. أما كان تدفّق الشباب والمثقفين في واشنطن ولندن ومدريد وروما وأثِنا بإلهام من ميدان التحرير؟!

 

لقد عمّت نهضة العودة إلى الإسلام واستعادة العزّة والهويّة والانعتاق أكثر مناطق العالم الإسلامي حساسيّة، وفي كل مكان يرتفع شعار "الله أكبر". الشعوب العربية لم تعد تتحمل الحاكم الدكتاتور وسيطرة العملاء والطواغيت. لقد ضاقت ذرعًا بما تعانيه من فقر وتخلّف وتحقير وعمالة. وجرّبت العلمانية في ظل الاشتراكية والليبرالية والقومية، ورأت أنها جميعاً وصلت إلى طريق مسدود. الشعوب العربية طبعاً ترفض أيضاً التطرف والعنف الطائفي والعودة إلى الوراء، والنعرات المذهبية والسطحية الساذجة المغلَّفة بالإسلام.

 

انتخابات تونس ومصر، وشعارات وتوجّهات الشعوب في اليمن والبحرين وسائر البلدان العربية تدلّ بوضوح أنهم يريدون أن يكونوا مسلمين معاصرين دونما إفراط متعجرف أو تفريط متغرّب، وبشعار "الله أكبر" يريدون ضمن مشروع إسلامي وبالتأليف بين المعنوية والعدالة والتعقّل وبأسلوب السيادة الشعبية الدينية، أن يتحرّروا من قرن من التحقير والاستبداد والتخلّف والاستعمار والفساد والفقر والتمييز. وهذا هو الطريق الصحيح.

 

ما هي خصائص الأنظمة العربية التي تعرّضت لغضب شعوبها؟

إنها معارضة التوجه الديني، والخضوع، والاستسلام والعمالة للغرب، أي أمريكا وبريطانيا ونظائرهما، والتعاون مع الصهاينة وخيانة القضية الفلسطينية، والتسلط الدكتاتوري الأسَري والوراثي، وفقر العباد وتخلّف البلاد، إلى جانب الثروات الطائلة للعوائل الحاكمة، والتمييز وانعدام العدالة، وفقدان الحرية القانونية والمسائلة القانونية، كل هذه من الخصائص المشتركة لتلك الأنظمة.

 

حتى التظاهر بالإسلام أو الجمهورية في بعض المواضع لم يستطع أن يخدع الجماهير. هذه أوضح العلامات لمعرفة طبيعة نهضة الشعوب العربية، سواء تلك التي حققت انتصارات كبيرة، أو التي ستحقق ذلك بإذن الله تعالى.

 

 

79


63

خطاب الولي 2012

كل ادعاء آخر بشأن طبيعة هذه الثورات التي انطلقت بشعار "الله اكبر" إنما هو تجاهلٌ للواقع من أجل أهداف مبطَّنة وبالتالي لدفع هذه الثورات نحو الانحراف.

 

هذه الأصول ستكون معياراً لمستقبل هذه الثورات وميزانًا لمدى أصالتها أو انحرافها، فإن الأشياء تُعرف بأضدادها، وتعرف الثورات بضدّيتها للأنظمة التي تزلزلت بفعلها. الثوريون يجب أن يواصلوا حذرهم من افتعال الأهداف الموهومة ومن محاولات تغيير الشعارات.

 

إنّ الغرب يسعى دون شك إلى أن يبدّل الثورات إلى ثورات مضادّة، ويحاول في النهاية أن يرمّم النظم القديمة بأسلوب جديد، ليُبقي سيطرته على العالم العربي لعشرات أخرى من السنين، وذلك بتفريغ مشاعر الجماهير وبالتقديم والتأخير بين الأصول والفروع، وتغيير صنائعه وإجراء إصلاحات شكلية متصنّعة، والتظاهر بالديمقراطية.

 

إرادة الغرب وأهدافه

إنّ الغرب خلال عقود اليقظة الإسلامية وخاصة في السنوات الأخيرة، بعد أن مُني بهزائم متلاحقة من إيران وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطين، والآن من مصر وتونس وغيرها، سعى بعد فشله في نهج محاربة الإسلام واللجوء إلى العنف العلني، إلى نهج آخر وهو اصطناع البديل الكاذب والنموذج المزيّف، كي يجعل الإرهاب المعادي للإنسانية بدل العمليات الاستشهادية، و يجعل التعصب والتحجّر والعنف بدل التوجه الإسلامي والجهاد، والتعصب القومي والقبلي بدل الشعور بالانتماء الإسلامي والانتماء إلى الأمة الإسلامية، و يجعل التغرّب والتبعية الاقتصادية والثقافية بدل التطور القائم على أساس الاستقلال، والعلمانية بدل العِلميّة، والمداهنة بدل العقلانية، والفساد والفوضى بدل الحرية، والدكتاتورية باسم حفظ الأمن والنظام، والروح الاستهلاكية والالتصاق بالأهداف الدنيوية التافهة والبذخ باسم التنمية والرقي، والفقر والتخلف باسم الزهد والمعنوية.

 

إن ما كان عليه العالم من انقسام إلى قطبين متصارعين حول القوة والثروة وهما الرأسمالية والشيوعية قد انتهى، واليوم فإن الاستقطاب بين مستضعفي العالم بقيادة

 

 

80


64

خطاب الولي 2012

النهضة الإسلامية وبين المستبكرين بقيادة أمريكا والناتو والصهيونية.

 

لقد برز إلى الساحة معسكران ولا معسكر ثالثاً لهما.

لا أريد في هذه الفرصة القصيرة أن استغرق في استعراض الماضي وفي تثمين يقظة الشعوب العربية. إننا والعالم بأجمعه دون شك نرنو إلى المنطقة، وننظر بعين التقدير لشعوبها الناهضة من الجزيرة العربية وحتى شمال أفريقيا. لكني أريد أن أتحدث عن الحاضر والمستقبل.

 

الأطراف الحاضرة في الثورات

إنّني في العام الماضي ومن هذا المنبر في صلاة الجمعة تحدثت إلى الشعب المصري النبيل حين كان ظلّ اللامبارك حسني يثقل على رؤوسهم، واليوم قد بدأت مرحلة جديدة والدكتاتور يمثل أمام المحكمة، وكلنا يحدونا الأمل بمستقبل نهضة مصر العزيزة وسائر العرب النشامى.

 

أطرح أولاً هذا السؤال: ماهي الأطراف المختلفة الحاضرة في ساحة الثورات؟إنها طبعاً أولاً: أمريكا والناتو والنظام الصهيوني ومن لفّ لفهم وانخرط معهم في بعض الأنظمة العربية.

 

وثانياً: الجماهير عامة والشباب.

وثالثاً: الأحزاب والناشطون السياسيون الإسلاميون وغير الإسلاميين.

 

ما هي مكانة كل من هذين الطرفين وما هي أهدافه؟

 

الفريق الأول: هم الخاسرون الأصليون في مصر وتونس وفي سائر البلدان الناهضة.

 

إنّ مشروعية - وها هي اليوم موجوديّة - القطب الرأسمالي والنموذج الليبرالي الديمقراطي الغربي يتعرض في داخل أوروبا وأمريكا أيضاً لخطر الاضمحلال. وأصبحت بلدان هذا المعسكر في وضع يشبه وضع المعسكر الشرقي في الثمانينات من القرن الماضي. فالانهيارات الأخلاقية والاجتماعية، والأزمات الفريدة الاقتصادية، والهزائم العسكرية الكبرى في العراق وأفغانستان ولبنان وغزّة، وسقوط أو تزلزل أكثر النظم الدكتاتورية العميلة التابعة لهم في البلدان المسلمة والعربية، وخاصة فقدانهم مصر،

 

 

81


65

خطاب الولي 2012

وتعرض الكيان الصهيوني للخطر من الشمال والغرب ومن داخله بشكل لم يسبق له نظير، وانفضاح طبيعة التبعية والذيلية للمنظمات الدولية، والتعامل السياسي والمزدوج مع مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووقوعهم في المواقف المتناقضة والمضطربة والمزدوجة تجاه مسائل ليبيا ومصر والبحرين واليمن. كل ذلك قد عرّض هذه المجموعة الأولى إلى أزمة ثقة عالمية، وأزمة عميقة في قدرة اتخاذ القرار.

 

إنّ هدفهم الأكبر اليوم بعد عجزهم عن قمع الشعوب والسيطرة عليها هو السعي للسيطرة على غرفة قيادة الثورات واختراق الأحزاب الفاعلة، وحفظ ما أمكن من هيكل الأنظمة الفاسدة الساقطة والاكتفاء بالإصلاحات السطحية والمسرحية، وإعادة بناء عملائهم في داخل البلدان الثائرة، ثم اللجوء إلى عمليات تطميع وتهديد. وقد يلجأون في المستقبل إلى الاغتيالات أو شراء ذمم بعض الأفراد والجماعات من أجل وقف عجلة الثورات أو دفعها إلى الخلف، وبثّ اليأس في قلوب الجماهير أو إشغالها بصراعات داخلية بإثارة مسائل فرعية، وإضرام نيران العصبيات القومية والقبلية أو الدينية أو الحزبية، واختلاق الشعارات المنحرفة لتغيير الثورات، والتأثير المباشر أو غير المباشر على أذهان الثوريين وألسنتهم، ودفعهم إلى ألاعيب سياسية أو إثارة الفُرقة بينهم ثم توسيع نطاق هذه التفرقة لتشمل فئات الناس، والسعي للمساومة خلف الكواليس مع بعض الخواص بالوعود الكاذبة كالمساعدات المالية وغيرها وغيرها من عشرات الحيل الأخرى مما أشرت إلى نماذج منها من قبل في المؤتمر العالمي للصحوة الإسلامية بطهران.

 

إنّ بعض الأنظمة التابعة والمحافظة العربية أيضاً تقف إلى جانب أمريكا والناتو، ولو من أجل حفظ كراسيها، وتسعى بكل قواها لإيقاف عجلة الزمن ودفع ثورات المنطقة إلى الوراء أو سوقها نحو طريق مجهول، ورأسمالهم الوحيد في هذه المساعي دولارات النفط، وهدفهم الأساس هزيمة الشعوب في مصر وتونس واليمن والبحرين. وحفظ ثبات الكيان الصهيوني وضمان بقائه وإنزال الضربة بجبهة المقاومة في المنطقة.

 

 

82


66

خطاب الولي 2012

وجهة الشعوب الإسلاميّة

أمّا الطرف الثاني والأصلية فهي الشعوب، أرقام الإحصاءات الأمريكية المكررة في مصر وأكثر البلدان الإسلامية تكشف عن الواقع وتقول لهم: إن ميزان التوجه نحو المساجد والالتزام بالمظاهر الإسلامية ومنها الحجاب والزيّ الإسلامي للمرأة قد ازداد - خلال السنوات الخمس من 2003 إلى 2008م - بنسبة 40% إلى 75% بين الشعوب من مصر والأردن حتى تركيا وماليزيا وغيرها من البلدان الإسلامية.

 

كما ازداد ميزان السخط والنفور من أمريكا بمعدل خمس وثمانين بالمئة في البلدان العربية والإسلامية، وقد تضاعف الأمل بالنصر والمستقبل بين الشباب خاصة بعد مشاهدة انتصارات شباب حزب الله وحماس في حربي الثلاثة والثلاثين يوماً والاثنتين والعشرين يوماً وبعد اندحار وهزيمة أمريكا دونما مكاسب من العراق.

 

الشخصيات المحبوبة بين شباب مصر، وفق تلك الإحصائيات، هم المجاهدون المسلمون ضد الكيان الصهيوني.

 

النفرة من الصهيونية، والاهتمامُ بالقضية الفلسطينية والتمسكُ بالعزّة الإسلامية من الخصائص الأصلية للشعوب. 75% من الشعب المصري أدلى بصوته لصالح الشعارات الإسلامية. في تونس أيضاً رفعت الأكثرية هذا اللواء، وفي ليبيا فإن النسبة إن لم تكن أكثر فليست بأقل. والشعوبُ تطلب من مندوبيها ومن الحكومات الجديدة تحقيقَ هذه الأهداف نفسِها أيضاً في المستقبل. الشعب يريد مصرَ عزيزةً كريمة ومحترمة وحرّة، لا يريد مصر كمب ديفيد. لا يريد مصرَ الفقيرةَ والتابعة، لا يريد مصرَ الخاضعةَ لأوامر أمريكا والحليفة لإسرائيل، لا يريد مصرَ متحجرةً ومتطرفةً ولا مصر متغرّبةً وعلمانيةً وتابعة. مصرُ الحرةُ العزيزة والإسلامية والمتطورةُ هي المطلبُ الأساس للشعب والشباب ولا يبغون اصطداماً. جيشُ مصر مع الشعب، وهناك في داخل مصر وخارجها من يريد الوقيعةَ بين الجيش والشعب في المستقبل، على الجميع أن يكونوا على حذر شديد. الجيش المصري سوف لا يتحمّل نفوذ أمريكا وحلفاء إسرائيل.

 

كذلك فإن الحديث حين يدور حول التوجه الإسلامي في مصر أو تونس أو ليبيا فإنه إسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الإسلام الذي شمل في المدينة المسيحيين واليهود بالرحمة

 

 

83


67

خطاب الولي 2012

والأمن، وليس الإسلام بمعنى إثارة الحروب الدينية بين عباد الله، ولا بمعنى الحرب المذهبية والطائفية بين المسلمين. مصر هي مصر دار التقريب بين المذاهب الإسلامية والشيخ شلتوت.

 

مسؤوليّات الجميع تجاه الثورات

على أهلنا في مصر وتونس وليبيا أن يعلموا أن ما حقّقوه هو ثورة لم تكتمل، فهم وإن قطعوا خطوات رحبة، فإنهم في بداية طريق ذات الشوكة. العقبات التي أوجدوها أمامنا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ولا تزال مستمرة، وقد فشلت بفضل الله ورحمته الواحدة تلو الأخرى، هذه العقبات فاقت مئات المرات ما كان أمامنا قبل سقوط نظام الشاه. لا بدّ من التحلّي باليقظة وبدفع عجلة الثورة خطوة فخطوة حتى آخر المراحل ضمن برنامجٍ متوسطِ الأمد وطويلِ الأمد.

 

نظام طواغيت مصر كان أول حكومة عربية خانت القضية الفلسطينية وفتح الطريق أمام التراجع العربي، حتى أن الأنظمة العربية إلا واحداً -هو سوريا- باعوا فلسطين، واتجهوا إلى مصالحة الصهيونية. إن النظام المصري البائد كان أحد نظامين عربيين هما موضع ثقة أمريكا وإسرائيل. والرئيس الأمريكي المرائي الحالي اختار مصر حسني مبارك ليوجّه رسالة الخداع والنفاق إلى المسلمين، لكن الشعب المصري في ثورته أعلن موقفه بوضوح، وأزال الأوهام من أذهان الجميع.

 

إنّ مصر اليوم يجب أن تستعيد دورها في الخط المقدم للدفاع عن القضية الفلسطينية، وأن تسحق بأقدامها معاهدة كمب ديفيد الخيانية وتحرقها. مصر الثورة لم تعد تستطيع أن تغدق بالطاقة والغاز على الكيان المتدهور الإسرائيلي على حساب قوت الشعب المصري ومعاناته.

 

أمّا مخاطبنا الثالث فهم الأحزاب والنُخب السياسية في مصر وسائر البلدان الناهضة.

 

إنّ المفكرين والمناضلين الإسلاميين في شمال أفريقيا من مصر وتونس وحتى الجزائر والمغرب، وخاصة مصر، كانوا يحتلون مكانة الأبوّة الفكرية للصحوة الإسلامية، ولدعاة وحدة الأمة وعزّتها، ثم لتحرير القدس. أنتم اليوم ترثون دماء آلاف الشهداء

 

84


68

خطاب الولي 2012

وعشرات الآلاف ممن عانوا زنزانات السجون والنفي والتعذيب، وما بذله المجاهدون والمناضلون ممن قدموا التضحيات خلال عقود متوالية في انتظار بزوغ فجر مثل هذه الأيام وهذه الانتصارات.

 

أيها الإخوة والأخوات. حافظوا على هذه الأمانة الكبرى. الغرور والسذاجة آفتان كبيرتان لمرحلة ما بعد الانتصار الأول. أنتم تتحملون المسؤولية الأكبر في ساحة إقامة النظام وصيانة مكتسبات الشعب وحلّ مشاكل النهضة. القوى العالمية والإقليمية التي نزلت بها الضربة تخامر ذهنَها دون شك أفكار شيطانية من التفكير بالحذف والانتقام إلى مشروع ممارسة المكر والتزلزل والإخافة والتطميع بحقكم، وبالنهاية، تفكر في الإطاحة بالثورات وخلق أوضاع أسوأ مما كانت عليه و العياذ بالله.

 

إن قراراتكم ومواقفكم وإقداماتكم ستكون لها أبعاد تاريخية، وهذه المرحلة هي "ليلة القدر" في تاريخ بلدانكم.

 

لا تثقوا بأمريكا والناتو. هؤلاء لا يفكرون بمصالحكم ومصالح شعبكم. وكذلك لا ترهبوهم. فهؤلاء واهون ويزدادون ضعفًا بسرعة. حاكميتهم على العالم الإسلامي كانت فقط نتيجة خوفنا وجهلنا خلال مئة وخمسين عاماً. فلا تعقدوا عليهم الآمال، ولا تخافوهم. اعتمدوا فقط على الله سبحانه و ثقوا فقط بشعبكم. هؤلاء انهزموا في العراق وخرجوا بخفّي حنين. وفي أفغانستان لم يكسبوا شيئاً، وفي لبنان انهزموا أمام حزب الله، وفي غزّة أمام حماس. وها هم الآن ينزلون من صياصيهم في مصر وتونس بيد الشعب. لم يتحقق أي تقدم في برنامجهم. الصنم الغربي قد انهزم مثل الصنم الشيوعي وانهار جدار خوف الشعوب، فاحذروا أن يعيدوا إليكم الشعور بالخوف في المستقبل.

 

احذروا ألاعيبهم، وكذلك احذروا ألاعيب الدولارات النفطية لعملاء الغرب وحلفائه من العرب، إذ سوف لا تخرجون بسلام في المستقبل من هذه الألاعيب. إسرائيل زائلة لا محالة ولا ينبغي أن تبقى وسوف لا تبقى بإذن الله تعالى. بدء الانحراف في الثورات الراهنة هو الرضوخ لبقاء الكيان الصهيوني، ومواصلة محادثات الاستسلام التي وضعت أساسها الأنظمة الساقطة.

 

المطلب الأساس لشعوبكم العودة إلى الإسلام، وهو لا يعني طبعاً العودة إلى الماضي.

 

85


69

خطاب الولي 2012

لو أن الثورات حافظت بإذن الله على طابعها الحقيقي واستمرت ولم تتعرض للتآمر أو الاستحالة، فإنّ المسألة الأساس لكم هي كيفية إقامة النظام وتدوين الدستور وإدارة شؤون البلاد والثورات. وهذه هي نفسها مسألة إعادة بناء الحضارة الإسلامية في العصر الحديث.

 

في هذا الجهاد الكبير، مهمتكم الأصلية ستكون جبران ما عاناه بلدكم في حقب التخلف، والاستبداد، والابتعاد عن الدين، والفقر، والتبعية، في أقصر مدّة بإذن الله، وستكون كيفية بناء مجتمعكم بتوجّه إسلامي وبأسلوب حاكمية الشعب مع مراعاة العقلانية والعلم، وتتجاوزوا التهديدات الخارجية واحدة بعد أخرى، وكيف تؤسسون "الحرية والحقوق الاجتماعية" بدون الليبرالية، و"المساواة" بدون "الماركسية"، و"النَّظم والانضباط" بدون "الفاشية الغربية". حافظوا على التزامكم بالشريعة الإسلامية التقدمية دون أن تقعوا في جمود وتحجّر، واعرفوا كيف تكونون مستقلين دون أن تنزووا، وكيف تتطورون دون أن تكونوا تابعين، وكيف تمارسون الإدارة العلمية دون أن تكونوا علمانيين ومحافظين.

 

تجب إعادة قراءة التعاريف وإصلاحها. الغرب يقترح عليكم نموذجين: "الإسلام التكفيري" و"الإسلام العلماني"، وسوف يواصل التلويح بذلك كي لا يستقوي الإسلام الأصولي المعتدل والعقلاني بين ثورات المنطقة. استعيدوا تعريف الكلمات مرة أخرى وبدقّة.

 

إذا كانت "الديمقراطية" بمعنى الشعبية والانتخابات الحرة في إطار أصول الثورات فلتكونوا جميعاً ديمقراطيين. وإذا كانت بمعنى السقوط في شراك الليبرالية الديمقراطية التقليدية ومن الدرجة الثانية فلا يكن أحد ديمقراطياً.

 

و"السلفية" إذا كانت تعني العودة إلى أصول القرآن والسنة، والتمسك بالقيم الأصيلة، ومكافحة الخرافات والانحرافات، وإحياء الشريعة، ورفض التغرّب فلتكونوا جميعاً سلفيين، وإذا كانت بمعنى التعصّب والتحجّر، والعنف في العلاقة بين الأديان أو المذاهب الإسلامية، فإنّها لا تنسجم مع روح التجديد والسماحة والعقلانية التي هي من أركان الفكر والحضارة الإسلامية، بل ستكون داعية لرواج العلمانية، والتخلّي عن الدين.

 

 

86


70

خطاب الولي 2012

كونوا متشائمين من الإسلام الذي تطلبه واشنطن ولندن وباريس، سواء من النوع العلماني المتغرّب، أو من نوعه المتحجّر والعنيف. لا تثقوا بإسلام يتحمّل الكيان الصهيوني لكنه يواجه المذاهب الإسلامية الأخرى دونما رحمة، ويمدّ يد الصلح تجاه أمريكا والناتو، لكنه يعمد في الداخل إلى إشعال الحروب القبلية والمذهبية. وراء هذا الإسلام من هم أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين.

 

كونوا متشائمين من الإسلام الأمريكي والبريطاني إذ إنّه يدفعكم إلى شَرَك الرأسمالية الغربية والروح الاستهلاكية والانحطاط الأخلاقي.

 

في العقود الماضية كانت النخب وكذلك الحكام يفخرون بمقدار قوة تبعيتهم لفرنسا وبريطانيا وأمريكا أو الاتحاد السوفيتي السابق، وكانوا يفرون من النموذج الإسلامي، والأمر اليوم على عكس ذلك.

 

اعلموا أن الغرب سيكون في صدد الانتقام، الانتقام الاقتصادي والعسكري والسياسي والإعلامي.

 

لو أن شعوب مصر وتونس وليبيا وغيرها من الشعوب واصلت طريقها نحو الله بإذن الله فمن الممكن أن تتعرض لهذه التهديدات.

 

الاستفادة من تجربة الثورة الإسلاميّة

وأما الكلام الأخير، فهو إعلان استعداد الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني الكبير لخدمتكم والتعاون معكم و خدمة بعضنا بعضا.

 

الثورة الإسلامية الإيرانية هي التجربة الإسلامية الأكثر نجاحاً في العصر الحديث على صعيد إعادة الثقة بالنفس إلى الجماهير، وإعادة الثقة إلى النخب بالجماهير، وعلى صعيد رفض أسطورة القوة التي لا تقهر للأنظمة الطاغوتية وأربابها، وفي ساحة كسر غرور الشيوعية والرأسمالية، وتقديم نماذج فاعلة للتطورات الكبرى في البلاد، مع حفظ سيادة الشعب والدفاع عن القيم الأساسية.

 

أيها الإخوة والأخوات، لسنوات يوجهون إليكم أكاذيب بشأن إخوتهم الإيرانيين، والحقيقة بشأن إيران الإسلام هي هذه التي أبينها لكم:

 

87


71

خطاب الولي 2012

 

ثورتنا حقّقت انتصارات في العقود الثلاثة الأخيرة، وكانت لها نقاط ضعف أيضًا. لكن أية نهضة إسلامية في العالم بعد سيطرة الغرب والشرق على المسلمين في القرن الماضي لم تتقدم إلى هذا الحد ولم تتجاوز كل هذه الموانع.

 

لنا معكم أيها الإخوة حديث طويل في المستقبل إن شاء الله. في الإعلام الرأسمالي وأبواق الصهيونية العالمية "إيران" متهمة بالإرهاب، وما ذلك إلا لأنها رفضت أن تترك الإخوة العرب في فلسطين ولبنان والعراق لوحدهم وأن تعترف بالمحتلين، والحال أننا أكبر ضحية للإرهاب في العالم، وهذا الإرهاب لا يزال مستمرًا بحقنا.

 

لو أن الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية قد تركت الإخوة المظلومين في أفغانستان والبوسنة ولبنان والعراق وفلسطين لشأنهم كما فعلت سائر الحكومات المتظاهرة بالإسلام، ولو كنا مثل أكثر الأنظمة العربية التي خانت القضية الفلسطينية، قد آثرنا السكوت وطعنّا من الخلف، لما وصمونا بمساندة الإرهاب والتدخل. نحن نفكر بتحرير القدس الشريف وكل الأرض الفلسطينية، هذه هي الجريمة الكبرى التي يرتكبها الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية!!

 

إنهم يتحدّثون عن التمدد الإيراني والشيعي، بينما لم نعتبر الثورة الإسلامية إطلاقًا شيعية صرفة أو قومية وإيرانية، ولن نعتبرها كذلك أبدًا. خلال العقود الثلاثة ما دفعنا ثمنه وتعرضنا من أجله للتهديد إنما هو توجهنا الإسلامي وانتماؤنا إلى الأمة الإسلامية وشعار الوحدة والتقريب المذهبي والحرية والعزّة للمسلمين جميعًا من شرق آسيا حتى عمق أفريقيا وأوروبا.

 

إيران الإسلام قطعت خطوات رحبة فريدة في ساحة العلم والتقانة والحقوق الاجتماعية والعدالة الاجتماعية والتنمية والصحة وتأمين كرامة المرأة وحقوق الأقليات الدينية وغيرها من الساحات. ونحن نعرف أيضاً مواضع ضعفنا وبعون الله وقوته نعمل على علاجها إن شاء الله.

 

معادلة المقاومة في المنطقة قد تغيرت بمساعدة الجمهورية الإسلامية، وارتقاء الحجر في يد الفلسطينيين إلى "صاروخ في جواب الصاروخ" في غزة وسائر فصائل المقاومة الإسلامية أمام المحتلين.

 

 

88


72

خطاب الولي 2012

إيران لا تستهدف نشر التوجّه الإيراني أو الشيعي بين المسلمين. إيران تنهج طريق الدفاع عن القرآن والسنة وإحياء الأمة الإسلامية. الثورة الإسلامية تعتقد أن مساعدة المجاهدين من أهل السنّة في منظمات حماس والجهاد، والمجاهدين الشيعة في حزب الله وأمل واجبًا شرعيًا وتكليفًا إلهيًا دونما تمييز بين هذا وذاك. وحكومة إيران تعلن بصوت مرتفع قاطع أنها تؤمن بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمين (لا بالغلبة والتناحر المذهبي)، وبالاخوّة الإسلامية (لا بالتعالي القومي والعنصري)، وبالجهاد الإسلامي (لا بالعنف تجاه الآخر، وهي ملتزمة بذلك إن شاء الله).

 

أسأل الله سبحانه أن يمنَّ على كل الشعوب المسلمة بالسعادة والسؤدد، وأن يوفقنا لفهم مسؤولياتنا الثقيلة والنهوض بها، وأن نعلم بيقين أنّ الله غالب على أمره.

 

عباد الله اتقوا الله وكونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ * وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾[1].

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1]سورة البقرة، الآية 228.

 

89

 


73

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء قادة القوّة الجويّة للجيش

 

المناسبة:   ذكرى التاسع عشر من شهر بهمن (شباط)

الحضور:  قادة القوّة الجويّة للجيش

المكان:   طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    19/11/1390هـ.ش.

15/03/1433هـ.ق.

08/02/2012م.

 

 

91


74

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بكم أيّها الأعزّاء والإخوة والشباب، وأهنّئكم بهذه الأيام المباركة المليئة بالذكريات، سواء العيد الشريـف لمولد النبيّ المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام، والثاني والعشرين من شهر بهمن، وكذلك التاسع عشر منه، الذي سجّل ذكرى لا تُنسى، ونقطةً ساطعةً على صفحات أيّام الثورة النورانيّة.

 

إحياء ذكرى التاسع عشر من شهر بهمن (شباط)

إنّ إحياء ذكرى التاسع عشر من شهر بهمن، الذي نصرّ أن يُقام كلّ سنةٍ، وقد كانت لنا لقاءاتٌ وأحاديث متبادلةٌ طيلة هذه السنوات المتمادية، في مثل هذا اليوم مع أعزّائنا في القوّة الجوية، ليس لأجل إحياء ذكرى فحسب ـ وإن كان إحياء الذكريات العزيزة والجليلة يُعدّ قيمةً بحدّ ذاته ـ ولكن ما هو مهمٌّ بالنسبة لنا، مسألتان أخريان:

الأولى: أخذ الدروس والعبر من الماضي

عندما نمرّ على ذكرى التاسع عشر من بهمن، فإنّنا نستلهم درساً من هذه الحادثة، وهو درس الإقدام والابتكار والصمود والعمل في الوقت المناسب وتأثيره في حركة المجتمع والدولة، فقد أضحى ذلك عبرةً. صحيحٌ أنّ بنية وجسم الجيش قبل الثورة لم يكن جسماً طاغوتياً، لكنّ رؤساءه وقادته كانوا طاغوتيين، فالجسم كان للشعب، وهو أمرٌ واضح، وكان الأمر بالنسبة لنا منذ البداية واضحاً، وقد اتّضح لشعبنا على مرّ السنوات المتمادية، ولكن ظهور هذا الجانب الشعبيّ، وبروز مثل هذا الدور في ساحة الحركة الشعبية يُعدّ شيئاً آخر. وما كان هذا ليحدث إلا عندما برزت من داخل الجيش حركةٌ اتّسمت بالعظمة ولفت الأنظار، وقد كان يوم التاسع عشر من بهمن شاهداً على هذاالإنجاز.

 

اليوم عندما تنظرون إلى حادثة التاسع عشر من بهمن، من المحتمل أن لا تبرز

 

 

93


75

خطاب الولي 2012

أهمية هذه الحادثة. لكن نحن الذين كنّا في تلك الأيّام، وأنا العبد الذي شهدت تلك الحادثة، وقد كنت في المدرسة العلوية مع جمع الإخوة في القوّة الجوّية، وشاهدت حركتهم الشجاعة، فإنّ شعورَ وإحساسِ من كان مثلي، ممّن عاش تلك الأوضاع كان شعوراً مختلفاً. لقد كانت حادثة التاسع عشر من بهمن تمثّل اقتحاماً عظيماً، واختراقاً كبيراً. أن يأتي ضباط ورتباء ويعلنون بصراحة انضمامهم للثورة، ويُوجّهون أعينهم صوب أعين حرّاس النظام الطاغوتي ويقولون لهم، كلا، فإنّه لعمل عظيم جداً. وقد كان لمثل هذا الإقدام أثره. إقدام في محلّه، وفي وقته، لأنّ المشاعر المكبُوتة وغير المعلنة لا يمكن أن تؤدّي مثل هذا الدور. وإنّ للإقدام والابتكار في جميع الميادين والمجالات مثل هذا الأثر. لقد كان ميدان ذلك اليوم وساحته هو هذا الميدان، وكان لمرحلة الحرب ساحاتٌ أخرى. وفي يومنا هذا، تختلف مثل هذه الساحة، وفي كلّ زمانٍ، وفي كل ميدانٍ وساحةٍ، يمكن أن يكون للتواجد في الوقت، والعمل في الوقت، والإقدام في الوقت المناسب، مثل هذا الأثر الكبير، هذا درسٌ.

 

الثانية: استلهام الدروس للمستقبل

أن نستلهم من هذه الحادثة درساً للمستقبل ولا نتوقّف عند الماضي. فإنّ من آفات المجتمعات والتجمّعات والشعوب والجماعات، التوقّف والجمود عند أمجاد الماضي. فنستحضر تلك الأمجاد السابقة ونتفاخر بها، لكنّنا لا نتحرّك في زماننا الحالي بما يتناسب معها. وبالطبع، إنّ القوّة الجوّية، وجيشنا اليوم لا يمكن مقارنتهما بما كانا عليه تلك الأيّام، فقد اختلف الأمر بينهما كالفارق بين الأرض والسماء.

 

وتمّ إنجاز الأعمال الكبرى، وتحققت إنجازات خالدة، فلا شك في ذلك. لكن انظروا إلى المستقبل، فإنّ المستقبل مستقبلٌ مهم وخطر. ولو أنّ بلداً أراد أن يحصل على عزّته وهويّته ومصالحه وأمنه، فإنّه يحتاج إلى الابتكار والعمل والسعي. فبالقعود والنوم والغفلة عما يجري حوله، لا يمكن الوصول إلى الأهداف العليا. ما ترونه من ابتلاء المجتمع الإسلامي، والدول الإسلامية طيلة القرون الماضية ـ المئتي أو الثلاث مئة سنة ـ بالتخلّف، حيث نعاني اليوم جميعاً من ضربات ذلك التخلّف، فإنّ ذلك كان بسبب كل أنواع الغفلة. وهنا وفي الجهة الغربية لبلدنا، وفي غيرها من المناطق

 

 

94


76

خطاب الولي 2012

الإسلامية، كان هناك أعمال ظاهرية للحكومات، لكن لم يكن من تحرّكٍ مناسبٍ مع الزمان والمستقبل. فالآخرون، يتعلّمون ويجرّبون ويحصلون على التقنيّات، وقد بدأوا حركتهم لأجل احتلال العالم، ونحن وقعنا في شباك صيدهم، وأضعنا كلّ ما نملك. ولا أقصد بقول "نحن" إيران فقط، بل إيران ودول المنطقة ودول شمال أفريقيا، والبلاد الواقعة شرقنا، فكلّ المنطقة الإسلامية ابتُليت بالغفلة. فمثل هذه الغفلة والانشغال بالأعمال الظاهرية وعدم التفكير بالتحرّك وبناء المستقبل، سيكون لها مثل هذه الأضرار والخسائر.

 

وبالطبع، عندما استيقظت الشعوب، فإنّ يقظتهم سيتبعها تحرّكات تلقائية، لكن مثل هذه التحرّكات قد تتّسم بالسّرعة أوالبطء. فمن الممكن أن تكون حركاتٍ سريعة وفعّالة وجيّدة، تتجاوز المعدّل العام لسرعة العالم، ومن الممكن أن تكون حركات بطيئة لا تصل إلى مستوى الآخرين، لأنّ الآخرين ليسوا عاطلين عن العمل. إنّنا نعمل ونسعى ونبذل الجهد، ونبني. لكن، ألا يفعل الآخرون مثل هذا؟ فالآخرون في الجبهة المواجهة لنا، في طور العمل والهمّة والبناء والسعي.

 

ويجب علينا أن نعمل، بحيث يفوق مجموع مساعينا من حيث السرعة سرعة الجبهة التي تواجهنا، عندها يمكننا أن نأمل بالمستقبل.

 

لقد كانت هذه وصيّتي الدائمة لكلّ الشباب في هذا البلد، وهي تشملكم اليوم أيّها الأعزّاء في القوّة الجوية، وفي كلّ الجيش، وكلّ القوّات المسلّحة. سواء في التنظيم، أو في صناعة القطع والأجهزة، أو في التعليم والتدريب، أو في التربية الأخلاقية وتقوية ذلك العامل المعنوي الأساسي، فيجب أن تبذلوا جهداً مضاعفاً. يجب على الجميع أن يضاعفوا جهودهم: الحكومة والمسؤولون والقطاعات المختلفة في البلاد، ومنهم القوّات المسلّحة التي تمثّل جسماً كبيراً من أعضاء الدولة المؤثّرة. يجب أن تكون هذه المساعي هادفة ومليئة بالمضمون والمحتوى.

 

حقّانيّة حركة الجمهوريّة الإسلاميّة

لحسن الحظ، اتّضحت اليوم سلامة حركة الجمهورية الإسلامية وحقانيتها. فأنتم

 

 

95


77

خطاب الولي 2012

ترون تلك الشعارات التي كان شعب إيران يلهج بها حتى الأمس، فإنّها ذاعت وانتشرت في كلّ هذه المنطقة. فالدول التي كانت من جملة الأذناب، والمحطّات العسكرية المحقّرة لجبهة الاستكبار، أضحت اليوم بفضل شعوبها، من القوى الطالبة للرقيّ إلى جانب شعب إيران، وها هم اليوم يسلكون تلك الأهداف نفسها، ويطلقون الشعارات نفسها، فهذا هو تقدّمكم. ومعنى ذلك أنّ شعب إيران استطاع وعلى مرّ هذه العقود الثلاثة أن يكسب أنصاراً وأصدقاءً ورفقاءً. نحن لا نقول إنّنا قد أوجدنا هذه الحركات، فهذا ليس كلاماً منطقياً.

 

لكنّه من غير المنطقيّ أن نقول أنّ نهضة أي شعب بكلّ هذا الصخب العجيب، الذي أوجد هذه الصحوة طيلة هذه العقود الثلاثة، لم يكن له أيّ تأثيرٍ في صحوة الآخرين، فهذا ليس أمراً منطقياً أيضاً، وهو من الأمور المسلّمة بالكامل. فجميع التحليلات والتفسيرات الموجودة في العالم اليوم، هي هكذا، حيث يُقال إنّ أمّ الصحوة والحركة الإسلامية هي هنا (أي الجمهورية الاسلامية). في تلك الأيام، وفي تحليلات المحلّلين الأجانب التي ظهرت في المنشورات والوسائل الإعلامية والمواقع المختلفة، تنطق بهذا المعنى. فمثل هذا يُظهر أن حركتنا على حق.

 

إنّ حركة النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية والثورة التي أوجدت هذه الحركة، هي حركةٌ باتّجاه الهوية الواقعية والخالدة والمحكمة والقابلة للاستمرار والمواجهة لكل أنواع الغزو، وهي الهوية الإسلامية، وباتجاه الاعتماد على الله تعالى، والشعور بالعزّة كونك مسلماً، والاعتماد على الطاقات والقوى التي منحنا الله إيّاهاـ سواء تلك القدرات الشخصية لكلّ واحدٍ منّا، أو الطاقات العظيمة الوطنية المجتمعة، أو تلك الطاقات الإنسانية، أو الثروات الطبيعية ـ ودعوة العالم إلى القيم المعنوية.

 

لم ينل العالم من الاستغراق في المادية أيّة فائدة. ولم تحصل أيّة فائدةٍ من ترويج التحرّر الجنسي. هذه البشرية لم تنتفع بتلك التحرّكات المادية التي وُجدت في أوروبا، سواء الفرار من المعنويات، أو التحرّر من الضوابط الإلهية، فلا العدالة تحقّقت، ولا الرفاه العام، ولا الأمن، ولا تماسك الأسرة، ولم تتمكّن من تربية الأجيال اللاحقة بشكل صحيح، فقد أضرّت بكل هذه الأمور. نعم، لقد جنى بعض أصحاب الشركات والبنوك

 

 

96


78

خطاب الولي 2012

وصنّاع الأسلحة على الآلاف والألوف، ولكن الحضارة الغربية والمادية لم يكن لها ثمار إنسانية، ولم يتمكّنوا من إسعاد أنفسهم، ولم يسعدوا تلك المجتمعات التي كانت تنهج طريقهم وتعيش تحت ظلّهم وتقلّدهم.

 

إنّ رسالة الثورة الإسلامية هي رسالة الانعتاق من هذه الحركة المشؤومة والمهلكة. وإن التوجّه إلى المعنويات والأخلاق الإلهية - هذا في الوقت الذي- ننهض فيه بأعباء الحاجات البشرية- هو ما يدعو إليه الإسلام، وهو الحدّ الوسط بين إفراط الكنائس الكاثوليكية والأرثوذوكسية، وكل أنواع التشدّد المغلوط، والتفلّت والتحلّل الذي يُعدّ في مقابل ذلك الإفراط في المجتمعات الغربية، والذي حصل نتيجة حركتهم المادّية. فلا هذا صحيحٌ ولا ذاك. كلاهما خطأٌ بخطأ. إنّ خط الإسلام هو خطّ الاعتدال، وخط العدالة. وللعدالة معنىً واسعٌ وشامل. والعدالة يجب أن تكون ملحوظةً في جميع المجالات، وهي تعني وضع الشيء في موضعه، وهي الخط الوسطي للإنسانية، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾[1].

 

واليوم إنّ شعب إيران يُعدّ من روّاد هذه الحركة. إنّنا نبني مجتمعاً ونظاماً، ولدينا حركة واسعة وشعبية. لقد مرّ ثلاث وثلاثون سنة على الثورة، ولا يوجد أيّ مكانٍ في العالم يتمّ فيه إحياء ذكرى الثورة بهذه الحالة الشعبية. إنّها ثورتنا، هي الوحيدة التي يحتفل الشعب كل سنة في ذكراها. ففي كلّ أنحاء البلاد، يتدفّق الملايين ويتظاهرون ويطلقون الشعارات، فمثل هذا لا يوجد في أيّة ثورة. لقد كان هناك ثوراتٌ كبرى، وقد شهدنا بعضها في زماننا، وبعضها اطلعنا عليه في التاريخ: عندما تأتي الذكرى السنوية لتلك الثورات، يأتي بعض الأشخاص ويقفون لاستعراض العسكر وإلقاء التحية العسكرية. هكذا تُقام احتفالات ذكرى الثورات. يتمّ إقامة احتفال، ويُدعى بعضهم، فيأكلون ويشربون. أمّا إحياء ذكرى الثورة من خلال الشعب، فهو من اختصاص الثورة الإسلامية. في ذكرى 22 بهمن من كل سنة، يأتي الناس إلى الميدان، مع قساوة الطقس وهطول الأمطار أو تساقط الثلوج والبرد القارس. وفي عامنا هذا، سترون كيف أنّ

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 143.

 

97

 


79

خطاب الولي 2012

الشعب سيأتي مرّة أخرى إلى الميدان، بتوفيق الله وهدايته، وبيد القدرة الإلهية. فهذه الحركة، حركةٌ شعبية، وسوف تستمرّ وبتوفيقٍ من الله. إنّها حركة عامّة شاملة في البلاد، والقوى المسلّحة تمثّل جزءاً أساسياً، من هذه الحركة الشعبية.

 

وصيّة للقوى المسلّحة والقوّة الجوّية

إنّني أوصي جميع الشباب الأعزّاء في القوى المسلحّة وفي القوّة الجوّية، أن ينهضوا لبناء أنفسهم، وتربيتها معنوياً، فيرفعون من مستوى التدريبات، والتنظيم، والانضباط، والوعي، والأخوّة والتراحم بين الرّتب المختلفة مهما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. فمثل هذه مؤشّرات وعلائم الجيش الإسلامي والديني. فمع وجود الانضباط، توجد الأخوّة بين مختلف الرتب، ومع وجود الانضباط والتنافس الإيجابي بين الفروع المختلفة، والأقسام المتعدّدة ـ في العمل التقني وفي الدعم وفي القتال ـ توجد روح الأخوّة والتعاون والتكامل والمحبّة، فهذه هي الخصائص التي تتّصف بها أيّة مجموعة عسكرية إسلامية.

 

والأعلى من ذلك روحية الجهوزية والتضحية، الشيء المفقود في مختلف جبهات أعدائكم. وقد أظهر شبابنا هذا الأمر عملياً في أيام الحرب، وبعد الحرب، وأينما تطلّب الأمر، فقد ظهر هذا الشيء وبان. فهم مستعدّون لحمل أرواحهم على أكفّهم والنزول إلى الميادين، فمثل هذا الشيء يتمتّع بأهمية فائقة. فاحفظوا روحية الفداء والصمود والمعاملة مع الله، وزيدوا من الطهارة والتقوى المعنوية يوماً بعد يوم، وإن شاء الله، إنّ الله تعالى سيعينكم من جميع الجهات.

 

نسأل الله تعالى بمشيئته، أن يشمل مسؤولي القوّة الجوّية والعاملين فيها، وعوائلهم المحترمين، وأبناءهم وأزواجهم، بأنواع فضله، ويوفّق العناصر في كلّ قطاعٍ من قطاعات هذه المؤسّسة المهمّة والعظيمة والمحورية، للقيام بوظائفهم على أفضل وأكمل وجه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

98


80

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى المولد النبوي

 

 

 

 

         

المناسبة:   ذكرى المولد النبوي الشريف

الحضور:  شخصيّات عربيّة وإسلاميّة، وحشدٌ من مختلف شرائح الشعب

المكان:   طهران

 

الزمان:    21/11/1390هـ.ش.

17/03/1433هـ.ق.

10/02/2012م.

 

 

99


81

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نبارك الميلاد السعيد للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومولد الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام، لجميع الحضور المحترمين، والإخوة والأخوات الأعزّاء، وخصوصاً الضيوف المحترمين والأعزّاء الذين يتواجدون ويشاركون في هذا اللقاء من الدول الأخرى. وكذلك نبارك هذه الظاهرة التاريخية الميمونة والعظيمة، لكلّ الأمّة الإسلامية ولكلّ البشرية، وخصوصاً شعب إيران العزيز المتواجد في ساحات البلاد.

 

مصادفة انتصار الثورة الإسلاميّة مع المولد النبوي الشريف

هذا العام بحمد الله، يشهد اقتران هاتين الحادثتين الكبيرتين ـ المولد السعيد الذي هو أساس الخير ومفتاح الحركة التاريخية الإسلامية العظيمة، وحادثة انتصار الثورة الإسلامية، التي تُعدّ من آثار وثمار تلك الحركة الإسلامية العظيمة في التاريخ. يحتفل شعب إيران اليوم بهذين العيدين، عيد المولد وعيد ولادة الثورة الإسلامية. فإنّ ولادة هذه الثورة في الواقع، تُعدّ ولادةً جديدة للإسلام، في ذلك اليوم، الذي كان العالم المادّي، والقوى المادية المتسلّطة، بمساعيها لعشرات السنين، تتصوّر أنّه قد طُوي بساط الدين والمعنويات - وخصوصاً الإسلام - من ساحات الحياة البشرية، في مثل تلك الظروف، صدح هذا النداء العظيم التاريخيّ والخالد في هذه الدولة، فحيّر الأعداء، أعداء الإسلام، وأعداء استقلال الشعوب، وأعداء البشرية، وبعث الأمل في الأصدقاء الواعين ومن هم أهل البصيرة، في كلّ العالم. في ذاك اليوم الذي تحقّقت الثورة الإسلامية في إيران، لم يكن هناك مَن يتصوّر في هذا العالم الكبير، أن تتمكّن راية الإسلام - وبهذه الطريقة، وفي مثل هذه المنطقة، وفي مثل هذا البلد الذي كان حكراً على المتسلّطين - من الخفقان، وأن تستطيع هذه الحركة الإسلامية البقاء والنموّ والمقاومة بوجه الأعداء. ما كان لأحدٍ أن يتصوّر ذلك في كلّ العالم.

 

 

101


82

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نبارك الميلاد السعيد للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومولد الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام، لجميع الحضور المحترمين، والإخوة والأخوات الأعزّاء، وخصوصاً الضيوف المحترمين والأعزّاء الذين يتواجدون ويشاركون في هذا اللقاء من الدول الأخرى. وكذلك نبارك هذه الظاهرة التاريخية الميمونة والعظيمة، لكلّ الأمّة الإسلامية ولكلّ البشرية، وخصوصاً شعب إيران العزيز المتواجد في ساحات البلاد.

 

مصادفة انتصار الثورة الإسلاميّة مع المولد النبوي الشريف

هذا العام بحمد الله، يشهد اقتران هاتين الحادثتين الكبيرتين ـ المولد السعيد الذي هو أساس الخير ومفتاح الحركة التاريخية الإسلامية العظيمة، وحادثة انتصار الثورة الإسلامية، التي تُعدّ من آثار وثمار تلك الحركة الإسلامية العظيمة في التاريخ. يحتفل شعب إيران اليوم بهذين العيدين، عيد المولد وعيد ولادة الثورة الإسلامية. فإنّ ولادة هذه الثورة في الواقع، تُعدّ ولادةً جديدة للإسلام، في ذلك اليوم، الذي كان العالم المادّي، والقوى المادية المتسلّطة، بمساعيها لعشرات السنين، تتصوّر أنّه قد طُوي بساط الدين والمعنويات - وخصوصاً الإسلام - من ساحات الحياة البشرية، في مثل تلك الظروف، صدح هذا النداء العظيم التاريخيّ والخالد في هذه الدولة، فحيّر الأعداء، أعداء الإسلام، وأعداء استقلال الشعوب، وأعداء البشرية، وبعث الأمل في الأصدقاء الواعين ومن هم أهل البصيرة، في كلّ العالم. في ذاك اليوم الذي تحقّقت الثورة الإسلامية في إيران، لم يكن هناك مَن يتصوّر في هذا العالم الكبير، أن تتمكّن راية الإسلام - وبهذه الطريقة، وفي مثل هذه المنطقة، وفي مثل هذا البلد الذي كان حكراً على المتسلّطين - من الخفقان، وأن تستطيع هذه الحركة الإسلامية البقاء والنموّ والمقاومة بوجه الأعداء. ما كان لأحدٍ أن يتصوّر ذلك في كلّ العالم.

 

 

101


83

خطاب الولي 2012

كان أعداء نظام الجمهورية الإسلامية يعِدون أنفسهم أنّهم خلال شهرٍ أو شهرين، أو سنةٍ كحدٍّ أقصى، سيتمكّنون من القضاء على الجمهورية الإسلامية، وقد بذلوا كلّ الجهود من أجل هذا الهدف. وفي الواقع، إنّ يوميّات تاريخ ثورتنا هي عبرة. فيوماً بيوم، يمكن أن تكون تلك السنوات المليئة بالنشاط والسعي منذ انطلاقة الثورة الإسلامية في إيران، معلماً ورايةً أمام أعين الشعوب، وتكون منطلقاً للعبرة.

 

فمع كل تلك المؤامرات، وجميع أنواع الضغوط التي مورست، بمختلف الأشكال، وصمود شعب إيران بقيادة ذلك الرجل العظيم، الذي هو بلا شك لُمعة ولمحة من الأنوار الطيبة للنبوّات، جعلها الله تعالى فيه. فإمامنا الجليل، هذا الرجل الكبير، مضى على هذا الطريق، وبتلك الكيفية والتحرّك، وقد أظهر شعب إيران الوفاء والصدق والصمود في الساحات، وتحمّل الضغوط، وتغلّب بعزمه وإرادته على مؤامرة الأعداء. لهذا، بقيت هذه الشجرة الطيبة، وتجذّرت ونمت، وبمشيئة الله ستزداد يوماً بعد يوم تكاملاً وثباتاً وقوّةً واقتداراً. كلّ هذه من بركة الإسلام، وجميعها من بركة المولد.

 

ضرورة التعرّف على شخصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

نحن المسلمون، ولأجل أن نكتشف طريق الهداية، يكفي أن نتعرّف على شخصية النبيّ. فباعتقادنا أنّ على كلّ البشرية الاستفادة من وجود النبيّ، وهم يستفيدون. ولكن من هو أولى بالاستفادة، نحن الأمّة الإسلامية. فهذا الموجود العظيم صاحب الخلق العظيم والشخصية التي أعدّها الله تعالى لأجل أعظم رسالة عبر تاريخ البشرية، حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه، فأحسن أدبه، فلمّا أكمل له الأدب، قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[1]، ثمّ فوّض إليه أمر الدين والأُمّة ليسوس عباده"[2]، فقد ربّى الله تعالى هذه الشخصية العظيمة وأعدّها ومنحها كل ما يلزم لهذا العمل التاريخيّ العظيم، وأودع ذلك في وجوده المطهّر والمقدّس، ثمّ وضع على عاتقه هذا الحمل الثقيل للرسالة التاريخية. لهذا، فإنّ هذا اليوم، الذي هو يوم

 

 


[1] سورة القلم، الآية 4.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص266، ح4.

 

 

102


84

خطاب الولي 2012

 17 ربيع الأوّل، يوم ولادة النبيّ المكرّم، لعلّه يمكن القول إنّه أعظم عيدٍ للبشرية طوال تاريخها، حيث أهدى الله تعالى مثل هذا الإنسان العظيم لها، ولتاريخ البشر، وقام هذا العظيم بمستلزمات هذا العمل.

 

اليوم، نحن المسلمين، لو ركّزنا على شخصية النبيّ الأكرم، ودقّقنا وأردنا أن نستخلص الدروس، لكان الأمر كافياً لديننا ودنيانا. لأجل استعادة عزّتنا، فإنّ النظر إليه والتعلّم وأخذ الدروس منه يكفينا. فقد كان مظهر العلم، ومظهر الأمانة، والأخلاق، والعدالة، فماذا يحتاج البشر؟ هذه هي احتياجات البشرية. هذه الاحتياجات لم تتغيّر على مرّ تاريخ البشرية. فجميع هذه التحوّلات والتطوّرات في حياة البشر، منذ بداية الخلقة وإلى اليوم ـ حين تغيّرت الأوضاع والأحوال الحياتية، وتعرّضت أنماطها إلى العديد من التغييرات ـ فإنّ مطالب البشر الأساسية لم تتغيّر. فمنذ البداية وإلى يومنا هذا، كان البشر يبحثون عن الأمن، والاستقرار والعدالة والأخلاق الحسنة، والارتباط الوثيق بمبدأ الخلقة. هذه هي الحاجات الأساسية للبشر التي تنبع من فطرتهم. ومظهر جميع هذه الأشياء هو النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. نحن الأمّة الإسلامية اليوم، بحاجة إلى كل هذه الخصائص. فالأمّة الإسلامية اليوم بحاجة إلى التقدّم العلمي، وإلى الثقة، والطمأنينة بالله وإلى العلاقات السليمة والأخلاق الحسنة فيما بيننا، حيث ينبغي أن نتعاطى مع بعضنا بعضا بأخوّة وبالصفح والحلم، والتجاوز. والنبيّ الأكرم هو مظهر جميع هذه الخصائص. فعلمه وحلمه وتجاوزه ورحمته وتودّده للضعفاء، وعدالته بالنسبة لكلّ أفراد المجتمع، كل هذه ظهرت فيه، فلنتعلّم من النبيّ، ونحن بحاجة إليها. إنّنا اليوم بحاجة إلى الاطمئنان بالله تعالى، والثقة به وبمواعيده. فقد وعدنا الله تعالى وقال إنّكم إذا جاهدتم وسعيتم، فإنّه تعالى سيوصلكم إلى الأهداف والمقاصد، في ظلّ الصمود والثبات. ففي مقابل الشهوات الدنيوية، لا ينبغي أن نضعف ونتراجع، وفي مقابل المال والمنصب والوساوس النفسانية المختلفة لا ينبغي أن نشعر بالضعف، بل نصمد. هذه هي الأشياء التي توصل البشر إلى أوج الكمال، وتمنح أي شعب عزّته وأي مجتمعٍ سعادته الواقعية. فنحن بحاجة إلى هذه الأمور، ومظهر هذه الأشياء كلّها هو نبيّنا.

 

هذه هي حياة النبيّ المكرّم، وتلك هي طفولته وشبابه قبل البعثة. لقد كانت

 

 

103


85

خطاب الولي 2012

 أمانته بحيث إنّ كلّ قريش وكلّ عربيّ كان يعرفه، لقّبه بالأمين. فإنصافه بالنسبة للأشخاص، ونظرته العادلة بالنسبة للأفراد، كانتا بحيث إنّهم إذا أرادوا وضع الحجر الأسود في مكانه، حين تنازعوا فيما بينهم (قبائل العرب وطوائفها)، اختاروه ليحكم بينهم، في حين أنّه كان ما زال شابّاً. فهذا ما يشير إلى إنصافه بالنسبة للجميع، وكان الجميع يعلم ذلك. كانوا يعتبرونه صادقاً وأميناً. هذه هي مرحلة شبابه، ثم جاءت مرحلة البعثة فكانت مرحلة التجاوز والجهاد والصمود، فكلّ الناس في ذلك الزمان واجهوه ووقفوا في مقابله وتحرّكوا ضدّه. كلّ هذا الضغط، طيلة السنوات الثلاثة عشرة في مكّة، أيّ سنواتٍ صعبة كانت؟! وقف النبيّ وكان صموده الذي أوجد المسلمين المقاومين والصامدين ممن لم تؤثّر فيهم كل الضغوط. هذه دروس لنا. ثمّ تمّ تشكيل المجتمع المدنيّ، ولم يحكم أكثر من عشر سنوات. لكنه شيّد بناءً شكّل طوال القرون المتمادية قمّة البشرية في العلم، وفي التمدّن، وفي التقدّم المعنوي، وفي التقدّم الاخلاقي، وفي الثروة، وقد كان هذا المجتمع نفسه، مجتمعا أسّسه الرسول وأرسا دعائمه.

 

حسناً، المسلمون من بعده تراخوا، ووهنوا، نحن المسلمون قد تراجعنا بأيدينا. والآن نحن بأيدينا نسعى خلفه من جديد، ونتقدّم. الأمّة الإسلامية اليوم محتاجة إلى الاتحاد، محتاجة إلى التراحم، محتاجة إلى التعارف. اليوم من خلال هذه النهضات التي قامت في دنيا الإسلام وفي العالم العربي، صحوة الشعوب هذه، هذا الحضور للشعوب في الميادين، هذا التقهقر المتتالي لأمريكا والأجهزة الاستكبارية، هذا الضعف المتزايد يوماً بعد يوم للنظام الصهيوني، هذه جميعاً تُشكّل فرصة لنا نحن المسلمين، إنّها فرصة للأمّة الإسلامية. لنرجع إلى أنفسنا ونتعلّم الدرس، ولا ريب أنّ هذه الحركة بهمّة الأمّة الإسلامية والشخصيات والمثقّفين والنخب العلمية والسياسية والدينية، سوف تستمر، وستبصر دنيا الإسلام يوم عزّتها من جديد إن شاء الله.

 

أسأل الله المتعالي أن يعجّل هذا الحدث، وهذا اليوم، وأن يوفّقنا لأن نكون شركاء ومساهمين في هذه الحركة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

104


86

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي إقليم آذربيجان

 

 

 

المناسبة:   ذكرى انتفاضة أهالي تبريز في 19 بهمن

الحضور:  جمعٌ من علماء وأهالي إقليم آذربيجان

المكان:   طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    26/11/1390هـ.ش.

22/03/1433هـ.ق.

15/02/2012م.

         

 

105


87

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء، وقد تجشّمتم عناء السفر وقطعتم هذا الطريق الطويل في هذا الجوّ البارد من تبريز وبعض المدن الأخرى من إقليم آذربيجان، وعطّرتم حسينيتنا بحضوركم اليوم بأجواء معنوية ملكوتية عاطفية، وأشكركم شكراً جزيلاً.

 

ذكرى التاسع والعشرين من شهر بهمن

يذكّرني الـ 29 من شهر بهمن[1] كل سنة بذكرى طيبة ومحبّبة هي أنني ألتقي في هذا المكان المحدود بحشد من الشباب الأعزاء والرجال الأبطال الغيارى من إقليم آذربيجان، فهذا اللقاء طيب ومرغوب عندي كثيراً. أسأل الله تعالى أن يضاعف يوماً بعد يوم من فضله وهدايته ومعوناته عليكم أيها الأهالي الأعزاء، وسترون إن شاء الله مستقبلاً أكثر إشراقاً وحلاوة وازدهاراً في أرض إيران العزيزة.

 

عزيمة الشعب الإيراني وبصيرته

ما تعلمنا إياه الدروس والعبر المتنوعة للثورة ونظام الجمهورية الإسلامية من مسائل وقضايا خالدة لا تُنسى، تُرشد شعبنا ومسؤولينا وترشدكم أنتم أيها الأعزّاء وخصوصاً الشباب خطوة خطوة نحو القمم السامقة. هذا ما تقوله العبر التي مررنا بها، وتجاربنا ومشاهداتنا، وليس معلوماتنا فقط، بل ما نشاهده بأعيننا يدلنا على هذه الحقيقة. من نماذج ذلك، نموذج، أرى من الضروري أن أذكره هو المظاهرات العارمة للشعب الإيراني في الثاني والعشرين من بهمن هذه السنة. الكل قالوا إنّ

 

 

 


[1] بهمن 29(هجري شمسي) موافق لـ 19 شباط 1978م: مناسبة تاريخية في الجمهورية الإسلامية، يوم قيام أهالي آذربيجان ضد نظام الشاه، عندما قاموا بإحياء أربعينية شهداء مدينة قم إثر انتفاضة الأهالي 9ك2 1978م.

 

 

107


88

خطاب الولي 2012

هذا الشعب - فيدرك كم هو شعب عظيم - هو بصيرة الشعب الإيراني ومعرفته بأوضاع عصره وظروفه[1].

 

هذه البصيرة المنقطعة النظير، وهذه المعرفة بالظروف تثير إعجاب الإنسان. وهذا هو الذي يصون الشعب ويحفظه. لقد أدرك الشعب الإيراني أن العدو يحمل اليوم هذا الهدف، فوجه صفعة للعدو من خلال ما قام به عملياً، أي أحبط إعلام العدو بمشاركته وحضوره. الناشئة والشباب والشيوخ والمقعدون والنساء والرجال حضروا في الساحة في كل أنحاء البلاد. حسب التقرير الذي زودوني به - وهو تقرير موثق - فقد خرجت المظاهرات بهذا الشكل الواسع في ما لا يقل عن 850 مدينة في البلاد، والتلفزة غير قادرة على عرض كل هذا. هذا هو الشعب الإيراني وهذه هي بصيرته، وهذه هي معرفته بمكانته ومشاركته وحضوره. لن يهزم هذا الشعب. ومن عليهم أن يتلقوا الرسالة، فها قد وصلتهم. أولئك الذين ينسجون في أدمغتهم المخمورة خيالات واهمة حول الشعب الإيراني أدركوا ما الذي يجري في إيران. طبعاً حاولوا منع انعكاس هذه الحقيقة في الإعلام، لكن من يجب أن يفهم الأمر فقد فهمه. الأجهزة المخابراتية لأعدائنا وواضعو السياسات في البلدان المعارضة للجمهورية الإسلامية قد فهموا أن الشعب الإيراني البطل متواجد في الساحة هكذا. طبعاً حاولوا أن يمنعوا الرأي العام العالمي من الاطلاع على هذه الحقيقة. وهذا بحد ذاته يفضحهم. هؤلاء هم أنفسهم المتشدّقون بحرية الاتصالات والأخبار والمعلومات، ويزعمون أنهم لا يُعتّمون على الخبر ولا يتكتمون عليه ولا يحذفون منه. ولو كانوا لا يحذفون منه لما قالوا عن هذه الحشود التي بلغت عشرات الملايين في المظاهرات في كل أنحاء البلاد بأنها في طهران آلاف الأشخاص! هل هؤلاء آلاف الأشخاص؟! الحشود المليونية المتواجدة في الساحة في الثاني والعشرين من بهمن في طهران هل كانوا آلاف الأشخاص؟! قالوا إن المتظاهرين في كل أنحاء إيران هم مئات الألوف! هل كان هؤلاء مئات الألوف؟! في كل واحدة من المدن الكبرى في البلاد اجتمع مئات الألوف، وحضر عشرات الملايين من الناس في

 


[1] شعارات الحضور باللغة الآذربيجانية: "آذربيجان يقظة، تحامي عن الثورة".

 

 

109


89

خطاب الولي 2012

الساحة. هكذا هو الإعلام. ولم تكن قليلة حالات الكذب والغشّ والخداع والتزوير الحقيرة التي شهدناها من الأعداء. كان الوضع هكذا منذ بداية الثورة وإلى اليوم. وسيبقى هكذا، لكن أهدافهم لن تتحقق.

 

مستقبل العالم

حينما تخرج الرسالة الصادقة لشعب من أعماق قلبه فسوف تفعل فعلها. قلنا مراراً إنّ حسّ الحضور والمشاركة والمشاعر الثورية والإحساس بالمسؤولية والحركة بعزيمة راسخة أشبه بنسيم ربيعي طيب سوف يسري في كل مكان، وسوف ينتفع منه الجميع رويداً رويداً. ونشاهد نموذج ذلك في شمال أفريقيا وفي كل البلدان العربية وفي كل العالم الإسلامي، وفي قلب كل مسلم صاحب فكر ووعي لدى الأقليات - في البلدان التي يُشكّل فيها المسلمون الأقلية - وفي البلدان الإسلامية، حيث تشعر كل القلوب طوال هذه الأعوام المتمادية تدريجياً بالهوية والشخصية. لقد وصل الإسلام في مسيرته العظيمة إلى نقطة حساسة. والأجيال القادمة سوف تشهد الكثير من الأشياء الكبرى والمهمّة، وسوف يتغيّر العالم تغيراً جذرياً. وتضمحلّ تدريجياً السياسات المادية الاستكبارية المهيمنة التي قيدت الشعوب وكبّلتها، وتذوب وتنتهي. هذا هو مستقبل العالم. هذه هي النقطة المركزية، بداية التحرك من هنا، فهذه الأمّة صمدت والأمر المهم هو هذا الثبات وهذه الاستقامة.

 

فائدة إحياء المناسبات

أعزائي، أيها الشباب، أيها الرجال والنساء الغيارى من تبريز وآذربيجان، النقطة الرئيسة تكمن في هذا الصمود. لماذا نحيي التاسع والعشرين من بهمن كل عام؟ ليست المسألة أننا نريد البقاء على الماضي. الكثير من الحشد الموجود هنا والكثير من شباب آذربيجان ومدينة تبريز لم يشهدوا ذلك اليوم، ولم يكونوا قد ولدوا حينذاك، لكنهم يحيونه. هذا ليس مراوحةً في الماضي، إنّما هو تدليلٌ على المسار الصّحيح للحركة نحو المستقبل.

 

110


90

خطاب الولي 2012

الدور البارز لأهالي آذربيجان في قضايا البلاد

وأما تبريز وآذربيجان. قلنا مراراً إنّ أهالي آذربيجان وخصوصاً أهالي تبريز والكثير من المدن الأخرى في آذربيجان كانوا منذ أكثر من مئة عام في الخطوط الأمامية لأهم الأحداث والتطورات الإيجابية في البلاد، وقد مارسوا دورهم فيها. من قضية تحريم التنباك حيث نزل إلى الساحة المرحوم الحاج ميرزا جواد مجتهد التبريزي، وإلى الحركة الدستوريّة - سواء نهضة الدستور الأولى، أو الذي حدث بعد الاستبداد الصغير - كانت آذربيجان ومدينة تبريز بؤرة تفجّر المواجهات. وكان الرجال الأبطال المشاهير من تبريز يحملون في جيوبهم رسائل وأحكام كبار العلماء، ويستشهدون بها ويستندون عليها، ويصرحون بها، وهم من أمثال ستار خان وباقر خان. هذا ما عدا العلماء الكبار الذين شاركوا في هذه النهضة. حتى أمثال هؤلاء الأبطال والجنود البسلاء من آذربيجان كانوا يصرّحون أنهم تابعون لعلماء الدين ولأحكام مراجع التقليد. هذا ما تقوله لنا الوثائق والمستندات الموثوقة المتبقية من ذلك العهد. لم تكن تلك الحركة تلقائية دون وجهة محدّدة، بل كانت حركة دينية منبعثة من مشاعر الغيرة والحمية الدينية. الجميع كانوا متدينين في كل أرجاء البلاد، لكن في بعض المناطق برزت هذه الحركة الدينية بشكل أوضح بسبب الخصال المحلية - من غيرة وحمية وشجاعة ورجولة - وهكذا كانت تبريز وآذربيجان.

 

وهكذا كان الوضع بعد أن انطلقت النهضة الإسلامية في الخامس عشر من خرداد سنة 1342هـ .ش. (5 حزيران 1963م.)، فقد سُجن علماء الدين آنذاك ونُفوا ونقلوا إلى سجون طهران. كان الوضع على هذه الشاكلة طوال تلك الأعوام. وفي بداية الثورة كان يوم التاسع والعشرون من بهمن يوماً مشهوداً وعلامة في هذا الطريق العظيم لمسيرة الشعب الإيراني. لقد قلت دوماً ولا أريد التكرار بأنه لولا الـ29 بهمن لم يكن من المعلوم أن يكون للـ19 من شهر دي[1] في قم كل هذا التأثير. إنما انتفاضة 29 بهمن لأهالي تبريز هي التي جعلت دماء الشهداء المظلومين في 19 دي في قم تغلي، وهي

 


[1] 19 دي (هجري شمسي) موافق لـ 9 ك2 من السنة الميلادية.

 

 

111


91

خطاب الولي 2012

والقوة. سوف نتقدم في العلم إن شاء الله، وسوف نتقدم في الاقتصاد، ونتقدم أيضاً في البناء والعمران. هذا الشعب وهؤلاء الشباب وهذه الهمم وهذا الصمود سوف تبني البلاد وتجعلها كباقة ورود، وستكون إن شاء الله نموذجاً للعالم الإسلامي. ما يجب علينا أن نتابعه هو الخط الصواب والصراط المستقيم صراط الله وسبيل الله ودرب الإسلام وجادة الدين وطريق الشريعة. يجب أن نكون واعين يقظين ونعمل بواجباتنا.

 

الانتخابات صفعة على وجه العدو

تقام الانتخابات بعد أسبوعين تقريباً (انتخابات مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية). وقد بدأت دمى المسرحيات المعهودة في وسائل الإعلام العالمية تعمل لتقلل من أهمية هذه الانتخابات ورونقها. وأنا أقول، وقد قلت سابقاً وأكرر: مشاركة الشعب في الانتخابات يمكنها أن تتقدم بالبلاد إلى الأمام، وتحفظها وتصونها من شرور الأعداء، وتبثّ الشكوك والتزلزل في مؤامرات العدو، وتفرض عليه التراجع.

 

الانتخابات الحماسية الملحمية صفعة على وجه العدو.

الله معكم... الله معكم. "من كان لله كان الله له". حينما يسير الشعب في سبيل الله فإن الله سوف يعينه وسوف تعينه السنن الإلهية. قلوب الناس بيد الله. هذه العزائم والإرادات الراسخة صنيعة يد القدرة الإلهية، وسوف يعين الله تعالى بإذنه هذا الشعب في هذه الانتخابات أيضاً. ستقام انتخابات المجلس التاسع إن شاء الله بحماس ومحبة وبصيرة ومشاركة غفيرة من قبل الشعب ليتشكل بتوفيق من الله مجلس جيد للشعب، ويصعد نواب جيدون إن شاء الله بانتخابكم أيها الشعب، فيدخلون ساحة العمل والخدمة. شكراً جزيلاً[1].

 

أسأل الله تعالى لكم التوفيق. وحفظكم الله تعالى وأبقى حيويتكم ونشاطكم وأيّدكم إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


[1] شعارات الحضور باللغة الآذربيجانية: "آذربيجان الفدائية لا تنفصل عن الخامنئي".

 

 

113


92

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي المنظّمة الوطنيّة للطاقة النوويّة وعلماء الذرّة في البلاد

 

         

المناسبة:   لقاء مسؤولي المنظّمة الوطنيّة للطاقة النوويّة وعلماء الذرّة

الحضور:  مسؤولو المنظّمة الوطنيّة للطاقة النوويّة وعلماء الذرّة

المكان:   طهر ان

 

الزمان:    03/12/1390هـ.ش.

29/03/1433هـ.ق.

22/02/2012م.

 

 

114        


93

خطاب الولي 2012

أذكر جملة واحدة فقط، بالطبع فإنّ لعملكم الكثير من الأبعاد المتنوعة، ومن أبعاده أنّه منح الشعور بالعزّة الوطنية لهذا الشعب ولهذا البلد، و هذا أمر على جانب كبير من الأهمية.

 

تُبتلى الشعوب حينما تفقد عزّتها، عندما تنسى قيمتها الذاتية سوف تقبل أن تُستعبد من الآخرين وبالمجان. هذه هي عزّة النفس. والشعب المظلوم ينهض ويثور - كما فعلت شعوب شمال أفريقيا وبعض البلدان الأخرى - حينما تشعر أنّ لها عزّة سُحقت على مرّ الزمن. عندئذ ستثور، ولن تتمكن أيّ قوة من إسكاتها، وهذا ما تشاهدونه، وقد حدث بالفعل. هذه هي عزّة النفس. الثورة منحت شعبنا وبلادنا عزّة النفس.

 

حاوَلوا مراراً وتكراراً أن يغرسوا في أفكار هذا الشعب ومعنوياته ويقولوا له "إنّك شعب عاجز وغير قادر، أجل، قمتَ بثورة، لكنك لا تستطيع إدارة نفسك والتقّدم إلى الأمام، ومواكبة العالم". إنّ كل تقدم علمي هو حركة كبيرة وبشارة كبيرة لهذا الشعب بأنّه قادر، وعملكم هذا - في المجال النووي - استطاع أن يمنح الشعب عزّة النفس. هذا أحد أبعاد أهمية العمل الذي تقومون به.

 

لا يمكن قياس هذه القِيم وفق المعادلات المادية. أجل، إنّ العالم المادي يقيس كل هذه الأشياء بالمال، وكل القيم الإنسانية تنتهي عنده إلى المال. وهذه هي مشكلة العالم المادي، وهذا ما سوف يسقطه ويصرعه أرضاً. لكنّ حقيقة الأمر أنّ هناك أشياء لا يمكن قياسها بالمال أصلاً. وقد يأتي الإنسان في مقام المقارنة ومن باب التسامح على ذكر المال. كنتُ في زيارة لإحدى محافظات البلاد، ومن اللقاءات التي كانت لي هناك لقائي بالجامعيين والطلبة والأساتذة الجامعيين، وكان لقاءً جميلاً وحميماً جداً. أحد الأساتذة ـ وكان عالماً أعرفه ولا يزال هناك ـ ألقى كلمة. تحدث عدة أشخاص، ومنهم هذا الرجل العالم.

 

ومن أجل أن يسترعي انتباهي أنا العبد، وانتباه باقي الأجهزة والمسؤولين بدأ يعدد امتيازات تلك المحافظة، ويقول إنّ فيها مثلاً هذه الميزة وتلك الميزة، وإن هذا يعادل مثلاً كذا مليار، ومن المناسب أن يُنفَق له كذا وكذا من المبالغ. وكان مضمون

أذكر جملة واحدة فقط، بالطبع فإنّ لعملكم الكثير من الأبعاد المتنوعة، ومن أبعاده أنّه منح الشعور بالعزّة الوطنية لهذا الشعب ولهذا البلد، و هذا أمر على جانب كبير من الأهمية.

 

تُبتلى الشعوب حينما تفقد عزّتها، عندما تنسى قيمتها الذاتية سوف تقبل أن تُستعبد من الآخرين وبالمجان. هذه هي عزّة النفس. والشعب المظلوم ينهض ويثور - كما فعلت شعوب شمال أفريقيا وبعض البلدان الأخرى - حينما تشعر أنّ لها عزّة سُحقت على مرّ الزمن. عندئذ ستثور، ولن تتمكن أيّ قوة من إسكاتها، وهذا ما تشاهدونه، وقد حدث بالفعل. هذه هي عزّة النفس. الثورة منحت شعبنا وبلادنا عزّة النفس.

 

حاوَلوا مراراً وتكراراً أن يغرسوا في أفكار هذا الشعب ومعنوياته ويقولوا له "إنّك شعب عاجز وغير قادر، أجل، قمتَ بثورة، لكنك لا تستطيع إدارة نفسك والتقّدم إلى الأمام، ومواكبة العالم". إنّ كل تقدم علمي هو حركة كبيرة وبشارة كبيرة لهذا الشعب بأنّه قادر، وعملكم هذا - في المجال النووي - استطاع أن يمنح الشعب عزّة النفس. هذا أحد أبعاد أهمية العمل الذي تقومون به.

 

لا يمكن قياس هذه القِيم وفق المعادلات المادية. أجل، إنّ العالم المادي يقيس كل هذه الأشياء بالمال، وكل القيم الإنسانية تنتهي عنده إلى المال. وهذه هي مشكلة العالم المادي، وهذا ما سوف يسقطه ويصرعه أرضاً. لكنّ حقيقة الأمر أنّ هناك أشياء لا يمكن قياسها بالمال أصلاً. وقد يأتي الإنسان في مقام المقارنة ومن باب التسامح على ذكر المال. كنتُ في زيارة لإحدى محافظات البلاد، ومن اللقاءات التي كانت لي هناك لقائي بالجامعيين والطلبة والأساتذة الجامعيين، وكان لقاءً جميلاً وحميماً جداً. أحد الأساتذة ـ وكان عالماً أعرفه ولا يزال هناك ـ ألقى كلمة. تحدث عدة أشخاص، ومنهم هذا الرجل العالم.

 

ومن أجل أن يسترعي انتباهي أنا العبد، وانتباه باقي الأجهزة والمسؤولين بدأ يعدد امتيازات تلك المحافظة، ويقول إنّ فيها مثلاً هذه الميزة وتلك الميزة، وإن هذا يعادل مثلاً كذا مليار، ومن المناسب أن يُنفَق له كذا وكذا من المبالغ. وكان مضمون

 

 

118


94

خطاب الولي 2012

كلامي الذي قلته حينها - ولا أستطيع تذكر الألفاظ بدقّة - هو أنّ هذه الأشياء التي ذكرتموها أمور مادية، وأنت نفسك تساوي من المليارات ما هو أكثر من هذا، فهل يمكن أن يُقاس العالِم والأستاذ في مدينة أو في مركز محافظة بالامتيازات المادية لأية محافظة؟! هذا هو الفكر، وهذا هو الإنسان، وهذه هي الشخصية. يجب أن تعلموا أن ما تقومون به مهمّ.

 

وبالطبع، إنّ أبعاد المسألة ـ كما ذكرتُ ـ متعددة جداً. حاوَلوا ويحاولون في الإعلام أن يُصوّروا أنّ هذا العمل أيديولوجي صرف، أي لا صلة له بمصالح الشعب والبلد، والحال أنّ عملكم متصل مباشرة بالمصالح الوطنية. هكذا هو العمل في الطاقة النووية. له صلة مباشرة بالمصالح الوطنية. في التقرير الذي قدمه الآن الدكتور عباسي ذكر بعض جوانب ارتباط هذا الأمر بالمصالح الوطنية. الطاقة النووية مشروع للشعب والبلاد والمستقبل.

 

استغلال العلم لاستعباد الشعوب

مستكبرو العالم وأولئك الذين يرون أنّ من حقهم حكم العالم ـ هذه البلدان المستكبرة - يسمّون أنفسهم المجتمع الدولي، والأمر ليس كذلك، المجتمع الدولي هو الشعوب وحكوماتهم. عدد من البلدان تُطلق على نفسها اسم المجتمع الدولي وتُصدر الأحكام وتتحدث وترد وتُعلن التوقّعات! تُبرّر هذه البلدان هيمنتها على العالم باحتكارها للعلم والتقنية. جزء من هذا الضجيج الذي يُثيرونه هو من أجل أن لا يُكسَر هذا الاحتكار. إذا استطاعت الشعوب التقدّم في القضية النووية وفي مجالات الفضاء والالكترونيات ومختلف القضايا الصناعية والتقنية والعلمية، فلن يبقى مجال لتسلّطهم التعسفي المتغطرس على العالم.

 

من أكبر الجرائم التي ارتكبت ضد البشرية هي أن العلم أصبح في الثورة الصناعية خلال القرنين أو الثلاثة الماضية وسيلة للتسلّط. البريطانيون وهم من روّاد الثورة الصناعية استخدموا إمكانياتهم هذه للانطلاق إلى أنحاء العالم وأسر الشعوب وتقييدها بالأغلال. تعلمون ما الذي جرى خلال فترة حكم البريطانيين في شبه القارة (الهندية)،

 

 

119


95

خطاب الولي 2012

 في تلك الساحة الكبيرة والثرية؟ ولم يكن الأمر محصوراً بشبه القارة، وإنّما عمّ منطقة شرق آسيا كلها.. كانت لسنوات طويلة - لأكثر من قرن - تحت نعالهم، حيث تسلّطوا على الناس بأدوات العلم التي امتلكوها، وعانى الناس منهم الويلات، فكم من البشر أبيدوا، وكم من الآمال سحقت، وكم من الشعوب تخلّفت، وكم من البلدان خُرّبت. هكذا استخدموا أدوات العلم، وهذه أكبر خيانة للعلم، كما أنّها أكبر خيانة للبشرية. ويُريدون لهذا الاحتكار أن لا يُكسر. أيّ شعب يستطيع الوقوف على أقدامه باستقلاله - لا بفضل بطاقاتهم، وتراخيصهم، وتحت هيمنتهم، وفي قبضتهم - يكون قد وجّه ضربة لهذا الاحتكار، وهذا ما يحصل اليوم لحسن الحظ في إيران.

 

يجب أن تتابعوا هذا الحقل المهم وهذا العمل الأساسي الكبير بكل جدّية. توكلوا على الله وسوف يُعينكم الله تعالى. ثمّة مواهب وطاقات بشرية وطاقات طبيعية، ولحسن الحظ فإنّ الإمكانيات السياسية أيضاً متوفرة اليوم بشكل كامل. أحياناً تكون هناك إمكانيات طبيعية وبشرية من دون أن تتوفر الإمكانيات السياسية، فلا تسمح هيمنة العدو لهذا الشعب بأن يتنفس، ولا تسمح لهذه الإمكانيات البشرية والطبيعية بالظهور. جاءت الثورة فأوجدت ووفرت هذه الإمكانيات والفرص السياسية. تستطيعون أن تتقدّموا وعليكم أن تتقدّموا.

 

امتلاك السلاح النووي لا يُوفّر الاقتدار

الضجيج الذي يثيرونه هدفه إيقافنا وصدّنا عن هذا الطريق. يعلمون أننا لا نسعى للحصول على السلاح النووي، فهذا ما أدركوه وعلموه. أنني لا أشكّ في أنّ أجهزة اتخاذ القرار وصناعة القرار في هذه البلدان التي تقف بوجهنا تعلم وعلى اطلاع بأننا لا نسعى للحصول على سلاح نووي. في الواقع إنّ السلاح النووي لا ينفعنا وغير مجد بالنسبة لنا، مضافاً إلى أنّنا نعتبر هذا الشيء مرفوضاً من الناحية الفكرية والنظرية والفقهية، ونعتبر التحرك في هذا الاتجاه تحركاً مرفوضاً. إننا نعتبر استخدام هذه الأسلحة ذنباً كبيراً، والاحتفاظ بها عملاً عبثياً كثير الأضرار والمخاطر ولا نسعى له أبداً. وهم يعلمون ذلك لكنهم يضغطون على هذه المسألة ليوقفوا هذه المسيرة.

 

 

120


96

خطاب الولي 2012

نريد أن نثبت للعالم أن امتلاك السلاح النووي لا يؤمّن الاقتدار، والدليل على ذلك أنّ القوى التي تمتلك السلاح النووي تعاني اليوم أصعب المشاكل. لقد تسلّطوا على العالم بالتهديد النووي، لكن هذا التهديد لم يعد فعّالاً اليوم. نريد أن نقول إننا لا نسعى لامتلاك السلاح النووي ولا نرى الاقتدار في هذه الأسلحة، ونستطيع كسر الاقتدار القائم على السلاح النووي. وسوف يفعل شعبنا هذا الشيء إن شاء الله.

 

الضغوط علامة ضعف الأعداء

وطبعاً، أقولها لكم، إنكم تعلمون أنّ هذه الضغوط التي يمارسونها - ضغوط الحظر والتهديد والاغتيالات وما إلى ذلك - هي علامات على ضعفهم، وهي دليل على أنّ كل ما يفعلونه يزيد من قوة شعبنا وصموده ومتانته، وبذلك يعلم الشعب أنه أصاب كبد الحقيقة، ويعلم أنه اختار هدفه بشكل صحيح، ويسير على الدرب بنحو جيد. ولذلك فقد أغضب العدو وأغاظه.

 

وهذه الحركة ليست مجرد حركة نووية. ذريعتهم اليوم هي الذريعة النووية، يفرضون الحظر بذريعة النشاط النووي. فهل كانت القضية النووية مطروحة في بلادنا قبل سنوات؟ الحظر موجود منذ ثلاثين سنة. لماذا كانوا يفرضون الحظر حينما لم يكن للقضية النووية أي ذكر؟ القضية قضية مواجهة شعب أراد أن يكون مستقلاً وأن لا يخضع للظلم، وأراد أن يفضح الظالم ويقف مقابل ظلمه، وأن يوصل هذه الرسالة لكل العالم، وقد أوصلناها، وسوف نوصلها أكثر إن شاء الله. والحظر والضغوط السياسية وما إلى ذلك لن تؤثر شيئاً. حينما يقرّر الشعب أن يقف، وحينما يؤمن بحماية الله له وبقدراته ومواهبه الذاتية، فلن يستطيع شيء الوقوف بوجهه وصدّه.

 

وصيتي هي: شدّوا هممكم، وضاعفوا حوافزكم ودوافعكم لمواصلة هذا الطريق في منظمتكم وعلى صعيد جميع الأفراد الذين يتولون هذه المهمة. عملكم عمل كبير ومهم وهو صانع مستقبل لهذا البلد إن شاء الله. ليست القضية هي أننا سنستطيع استخدام الصناعة النووية للمواد الاستهلاكية التي تنفع مصالح الشعب، إنما القضية هي أن هذا التحرك يمنح شباب البلد وعلماء البلد وكل أبناء البلد العزم والتصميم

 

 

121


97

خطاب الولي 2012

الراسخين ويثبت أقدامهم في هذا الطريق. هذا هو المهم. الحفاظ على الشعب وعلي أبناء الشعب واقفين مندفعين أهم من المصالح والاستفادات المتاحة لهذه الصناعة. وهذا ما تقومون به، وسوف يعينكم الله تعالى بإذنه وبمشيئته.

 

ونحن ندعو لكم، وأين ما اقتضت الحال أن نقدم الدعم وأن أقدم أنا المساعدة فسنقوم بذلك بالتأكيد. ونعتقد أنكم سوف تزيلون من طريقكم العقبات والموانع الواحدة تلو الأخرى - إن شاء الله - وتتقدمون إلى الأمام. وسيكون غدكم أفضل من يومكم بمرات إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

122


98

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء فئات من الشعب

وعوائل الشهداء والمضحّين

 

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء عوائل الشهداء والمضحّين

الحضور:  عوائل الشهداء والمضحّون

المكان:   طهران

 

الزمان:    10/12/1390هـ.ش.

07/04/1433هـ.ق.

29/02/2012م.

         

 

 

123


99

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أهلاً وسهلاً بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء. بحمد الله، إنّ لقاءنا اليوم في الحسينية[1] فائضٌ بعطر الشهادة والذكر المبارك للشهداء الأعزّاء، وحضور الجرحى الأعزّاء، وعوائل الشهداء والجرحى.

 

قيمة مثل هذا المجلس وقدره معروفٌ لدى هذا العبد الحقير. فعند ذكر الشهادة والشهداء وتمجيد عظمة الشهداء، فإنّ كلّ إنسانٍ وكل قلبٍ يشعر بالعظمة، ويشعر بالغنى عن ما سوى الله. ونسأل الله تعالى أن يجعل كلّ أنواع فضله ورحمته وعطاءاته من نصيبكم أيّها الأعزّاء. وأن يحشر الأرواح الطيبة لشهدائنا الأعزّاء، وكذلك إمام الشهداء مع أوليائهم.

 

ذكرى الإمام العسكري عليه السلام

هذه الأيّام تعود إلى الإمام العسكري عليه السلام الذي يمكن أن يكون قدوةً لجميع المؤمنين، وخصوصاً الشباب. هذا الإمام، الذي اعترف الموالي والشيعي والمخالف وغير المؤمن، اعترفوا جميعاً، وشهدوا بفضله وعلمه وتقواه وطهارته وعصمته، وشجاعته مقابل الأعداء، وبصبره واستقامته في الشدائد. هذا الإنسان العظيم، بشخصيته الفذّة، عندما استُشهد لم يكن قد تجاوز الثامنة والعشرين سنة من العمر. في تاريخ الشيعة المليء بالمفاخر، هذه النماذج ليست قليلة، فإنّ والد إمام الزمان الذي نعزّه جميعاً، وله من الفضائل والمقامات والكرامات، عندما ارتحل مسموماً بجناية الأعداء، لم يكن قد تجاوز هذا السنّ (الثامنة والعشرون). وهذا ما يصحّ أن يكون قدوةً، فيشعر الشاب بوجود نموذجٍ رفيع المستوى أمام ناظريه. وإمامنا الجليل، جواد الأئمة عليهم السلام

 

 


[1] حسينية الإمام الخميني دام ظله- طهران.

 

 

125


100

خطاب الولي 2012

قد استُشهد في سنّ الـ الخامسة والعشرين، وإمامنا العسكري عليه السلام استُشهد في سن الثامنة والعشرين من العمر، وكلّ هذه الفضائل والمكارم والعظمة والتي لا نقول بها ونترنّم بها نحن فقط، بل إنّ أعداءهم ومخالفيهم، وأولئك الذين لم يعتقدوا بإماماتهم، اعترفوا بذلك جميعاً.

 

الشهداء قدوة للشعب

وفي زماننا أيضاً، والذي يُعدّ زماناً استثنائياً حقاً وإنصافاً ـ هذه المرحلة التي مرّ بها نظام الجمهورية الإسلامية وإلى اليوم، هو عصرٌ استثنائي في تاريخنا، ومقطعٌ ذهبي ـ فكل هؤلاء الشهداء الذين تعرفونهم، هؤلاء أعزّاؤكم وشبابكم هم جميعهم قدوة. إنّ كلّ شاب، اندفع بالإيمان المقدّس والطهارة، وخرج من بيته، وتخلّى عن راحته وحضن الأب والأم، وآثر تلك الأحداث الدموية المليئة بالاضطراب والأهوال على النسائم الباردة في حرّ الصيف، والأجواء الدافئة في عزّ الشتاء، ووضع جسمه وروحه على كفّه ليجعلها فداءً للتكليف والمسؤولية، هذا يُعدّ نموذجاً وقدوةً. هذه عظمةٌ تجسّمت مقابل أعيننا.

 

أمثالنا ممّن أصبحوا مسنّين وشيوخاً، يلتذّون لرؤية هؤلاء، التذاذاً قلبياً، لكنّ الشباب بالإضافة إلى هذه الحظوة الروحية والقلبية، يستلهمون الدروس ويتّخذون الأسوة والقدوة. وشهداؤنا أحياء، كما أخبر الله تعالى عنهم، ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ﴾[1]، فهم عند الله أحياء، ومشرفون على هذا العالم، ويشاهدون الأحداث، ويرون المصائر، ويطّلعون على أعمالي وأعمالكم. هنالك عندما تعيق الحواجز أقدامنا وعندما نعجز عن توجيه أنفسنا توجيهاً صحيحاً على طريق الهداية والإدارة، أو عندما نسقط أرضاً فإنّهم يقلقون. حينما نفهم ونرى ونخطو بإحكام، ونتحرّك على الطريق المستقيم، ونقترب من الهدف، فإنّهم يشعرون بالسرور. عندما ينتصر شعب إيران في أي ميدان، فإنّ تلك الأرواح الطيّبة تستبشر. وعندما يتأخّر الشعب لا سمح الله، بسبب غفلتنا وتقصيرنا، ويعاني من مشاكل

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 169.

 

126


101

خطاب الولي 2012

أساسية وعامّة فإنّهم يضطربون. وإنّني أقول لكم، إنّ العدوّ في هذا المقطع الزماني الذي نعيش فيه، قد أنشأ جبهةً واسعةً في مقابلنا، وهو ينهزم يوماً بعد يوم، فإنّ المرء لا يحدس بأنّ شهداءنا الأعزّاء يعيشون السرور والحبور والرضا. فشعبٌ بهذا الانسجام وهذه العظمة، ومع كل هذه المصاعب على الطريق وأثناء التحرّك، ومع كل هذه العداوات الخبيثة واللدودة، عندما يتحرّك بمثل هذا الثبات، ويخطو بمثل هذا الإحكام، ويتّجه نحو الهدف، فإنّهم يستبشرون، وإنّ روح إمامنا المطهّر والأرواح الطيبة للشهداء، تُسرّ وتفرح. لا نريد هنا أن نصوّر الساحة والقضية خلافاً للواقع، بل إنّ ما ذكرناه هو الواقع بعينه.

 

تآمر الأعداء لم يضعف الشعب

إنّ عالم القوّة والقهر والاستكبار اليوم، وكل هذه الغطرسة والخباثات، وكل أولئك الذين تلوّثت أيديهم بدماء الشعوب إلى المرافق، كلّ هؤلاء الذين يكذبون على شعوبهم، أولئك الذين هم على استعداد أن يُفرغوا جيوب الشعوب من أجل ملء جيوبهم، كلّ هؤلاء قد اصطفّوا مقابل الجمهورية الإسلامية وشكّلوا جبهةً واحدة. لأجل أيّ شيءٍ يفعلون ذلك؟ لأجل أن يهزموا هذا الشعب، ويمنعوا شعب إيران من سلوك هذا الطريق والاستمرار في هذه الحركة التي بدأها، والتي قد انتهت بصحوة عامّة في عالم الإسلام ـ وهذا أوّل الغيث، وهناك إن شاء الله مستقبلٌ أكثر وضوحاً وسطوعاً. لو أنّ أمريكا والغرب والصهيونية والرأسماليين، وكذا اليهود المتسولين المرتبطين بمنظّمة الصهيونية، استطاعوا أن يمنعوا شعب إيران، أو يركعوه أو يجبروه على التراجع، لأمكنهم أن يقولوا للعالم: انظروا إنّ هؤلاء الذين كانوا شعباً رائداً قد حللنا مكانهم. هذا هو الهدف، وكلّ تلك المساعي من أجل هذا. وفي السابق ما كانوا ليعلنوا ذلك، بل كانوا يخفونه، واليوم يعلنونه ويصرّحون به. إنّهم يقولون إنّنا نريد أن نفرض الحظر، الحظر النفطي، والحظر على البنك المركزي، وكذا وكذا ـ وتصدر القرارات بواسطة مجلس الأمن في الأمم المتّحدة، وهكذا قراراً بعد قرار. فمن أجل أي شيءٍ؟ من أجل إرهاق

 

 

127


102

خطاب الولي 2012

شعب إيران. هذا عجيبٌ، فإنّ شعب إيران كلّما مرّ الزمان، يصبح أكثر سروراً وحياةً واستقامةً وتصميماً.

 

هذا العام كانت مشاركتكم في الـ22 من شهر بهمن (شباط) (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية) - بهذا التحرّك الشعبي العظيم دعماً للنظام - صفعةً على وجه الاستكبار. لقد كانت أمانيهم أن يتمكّنوا من إنزال الجماعات إلى الشوارع ضدّ النظام. فالحادثة التي أرادوا أن تحدث لإيران حتى يقوم الشعب ضدّ إيران، وقعت عليهم! انظروا إلى الدول الأوروبية، فالذين ينزلون إلى الشوارع ويرفعون قبضاتهم ويكسرون الزجاج، هم شعوب تلك الأنظمة، فما حلموا به تجاهكم، انقلب وكان تفسيره عليهم، والسهم الذي أطلقوه على شعب إيران والجمهورية الإسلامية في إيران، ارتدّ إلى نحورهم، فهذا هو انتصار شعب إيران.

 

إنّنا اليوم في جميع الأبعاد، نتحرّك وفق نقطة استراتيجية. ومن الممكن أن يكون هناك تقصيرٌ هنا، أو تقصيرٌ هناك، لكنّ الحركة العظيمة تتقدّم بشكلٍ عام نحو الأمام، وإنّ الشعب لن يسمح للعدوّ المتآمر أن يصبح مسروراً، فالجميع قد شاركوا في العمل: شبابنا استشهدوا في الشوراع، وعلماؤنا استُشهدوا على يد عملائهم القتلة وإرهابييهم، وها هم يمارسون كلّ أنواع الأعمال السياسية والإعلامية والاقتصادية والأمنية ـ يبعثون الجواسيس ـ بشكلٍ دائمٍ، وينفقون ما ينفقون من أجل أن يرهقوا شعب إيران. انظروا سترون أنّ شعب إيران اليوم أكثر نشاطاً وحيويّةً وعزماً من السابق. إنّ الشاب اليوم، إذا لم يكن أكثر حيويةً ونشاطاً واندفاعاً من الشاب الذي كان قبل عشر سنوات أو عشرين سنة فهو ليس بأقل. وهذا دليلٌ على الحركة التقدّمية لشعب إيران، ودليلٌ على تراجع هؤلاء (الأعداء).

 

الانتخابات الحماسيّة مظهر الحياة

وقد دبّر الله تعالى أمراً لهذا الشعب. فهذه الانتخابات والاندفاع نحو صناديق الاقتراع، كل هذا مظهر حضور الشعب واقتداره. لعلّهم شرعوا قبل ستّة أشهر أو أكثر بالهجمات الإعلامية على انتخابات يوم الجمعة ـ بكلّ أنواعها وأقسامها - من أجل أن

 

 

128


103

خطاب الولي 2012

يجعلوا هذا الشعب غير مبالٍ، ومن أجل أن تخلو صناديق الاقتراع.

 

في كلّ العالم تكون الانتخابات الحماسية مظهر الحياة والتواجد والمشاركة الحرّة ذات العزم الراسخ لأيّ شعبٍ في الساحات. فأينما جرت انتخابات بمشاركةٍ شعبيةٍ واسعة، دلّ ذلك على أنّ شعب هذه الدولة حيٌّ ويقظٌ وواعٍ ومؤيدٌ للنظام، وهذا ما يريدون سحبه من يد شعب إيران. فكلّ هذه الوسائل الإعلامية التي تبلغ المئات والآلاف ـ وإذا حسبنا تلك الوسائل الجديدة المبتكرة في الإنترنت، لوصلت إلى الملايين ـ كل ذلك من أجل ان يجعلوا شعب إيران شعباً غير مبال وغير مكترثٍ. فأحياناً، يقولون إنّ شعب إيران لن يشارك، وأحياناً يقولون بأنهم سيفرضون الحظر، وأحياناً يقولون هناك تزوير، وكلّ مرّةٍ يقولون كذا وكذا، من أجل التقليل من إقبال الجماهير على صناديق الاقتراع، ولكي تُصاب بالفتور. وما أشعر به من اللطف الإلهي وأحتمله بقوة أنّ شعب إيران سيسدّد يوم الجمعة الآتي صفعةً قوية جداً لوجه الاستكبار.

 

إنّ يد الله معكم. إنّ هداية قلوبنا وأرواحنا بيد الله. أزمّة الأمور كلّها بيده. عندما يكون قلب الشعب، وقلوب المسؤولين، وقلوب المتحرّقين مع الله، فإنّ الله ييسّر الطريق ويسهّله ويفتحه ويوفّق، وبمشيئته سينال شعب إيران هذا التوفيق.

 

في الحقيقة إنّ الانتخابات هي صفعة على وجه أعداء هذا الشعب. والمهم هو أن يشارك الناس. وبالطبع، ما هو مهم هو أن ينتخبوا المرشّحين الصالحين، فكلاهما مهم. لكنّ التواجد والمشاركة تقع في الدرجة الأولى. فكلّما زاد حضور الناس، تصبح دعامة مجلس الشورى الإسلامي أقوى، ويتشكّل مجلسٌ أقوى وأشجع وأثبت، فنداء عموم الشعب يمكن أن يصل إلى أسماع العالم بكلّ قوّة واقتدار. من هنا كان هذا الحضور حضوراً فائق الأهمية، حضوراً فائق العظمة. وإنّني أتصوّر هذه المرّة أنّ هذه الانتخابات ستكون حساسيتها أكثر من الانتخابات السابقة، وذلك لأن السهام الموجودة في جعبة الاستكبار ضدّكم أيها الشعب قد انتهت، فكل ما كانوا يقدرون عليه قد فعلوه وأطلقوه، وكل ما كان بأيديهم ووصلت إليه عقولهم قد استخدموه، فهذه هي آخر سهامهم. ويجب عليكم أن تصمدوا وأن تظهروا للعدوّ إرادتكم وعزمكم بتوفيقٍ من الله وفضله، حتى يفهم أنّه لا يستطيع مقاومة هذا الشعب.

 

 

 

129


104

خطاب الولي 2012

نسأل الله أن ينزل عليكم الخير. والله تعالى سينزل بمشيئته بركاته على شعب إيران العزيز، وعليكم أيها الشباب الأعزاء.

 

إنّني مرّةً أخرى أرحّب بكم جميعاً، وأعتزّ بقدومكم وخصوصاً عوائل الشهداء الأعزّاء، وخصوصاً الجرحى الأعزّاء وعوائلهم، نسأل الله بمشيئته أن يشملكم بألطافه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

130


105

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة

 

 

         

المناسبة:   لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة الدوري

الحضور:  أعضاء مجلس خبراء القيادة

المكان:   طهران

 

الزمان:    18/12/1390هـ.ش.

15/04/1433هـ.ق.

08/03/2012م.

 

131

 

         


106

خطاب الولي 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أُرحّب بالسادة المحترمين، الخبراء الكرام والأجلّاء لنظام الجمهورية الإسلامية، وأشكرهم على ما أبدوه من مسائل في هذا الملتقى، والتي تدلّ على حساسيّتهم تجاه قضايا البلاد وأحداثها، وعلى شعورهم بالمسؤولية تجاه مستقبل هذا البلد، ونسأل الله أن يمدّنا جميعاً بالعون لكي نقوم بمسؤولياتنا الملقاة على عاتقنا بنيّةٍ خالصة. إنّ تأثير ذلك هو من الله، كما إنّ قبوله مرتبطٌ بكرمه ولطفه تعالى، لكن على كلّ منّا أينما كان أن يسعى ويبذل الهمّة للتقدّم في العمل.

 

الشكر للشعب على مشاركته في الانتخابات

من الضروري أن نتوجّه ـ قبل ذكر المسألة التي دوّنتها ـ إلى شعبنا العزيز بالشكر والتقدير والإجلال، لأجل مشاركته وحضوره في الوقت المناسب والفائق التأثير في هذه الانتخابات. إنّه لحقّ أنّ شعبنا العزيز قد أدّى ما عليه، واستجلب القدرة، الناشئة من الإيمان والبصيرة، إلى الميدان في مواجهة جبهة المعارضين وأعداء البلد والشعب. إنّ كل من علم بما جرى في الأشهر الماضية من مساعٍ من قبل الأعداء، من أجل أن يُفقدوا يوم الثاني عشر من شهر إسفند[1] بريقه وتألّقه، وكم أنفقوا واستعملوا وخطّطوا واختلقوا من أمورٍ في غرف التفكير من أجل أن ينقلوها إلى أذهان الشعب لتؤثّر في أدائه، سيدرك كم كانت حركة هذا الشعب عظيمةً وجبّارة وعمله كذلك.

 

على المرء أوّلاً أن يتوجّه بالشكر إلى الله، لأنّه هو الذي أعطى، ولأنّ كلّ شيءٍ متعلّقٌ به وناشئٌ من إرادته ورحمته وفضله، عندها يجب على الإنسان أن يشكر هذا

 

 


[1] إسفند: هو الشهر الأخير في السنة الهجرية الشمسيّة الإيرانية، ويوافق شهر آذار في السنة الميلادية الشمسيّة، وفي 12 اسفند أقيمت الانتخابات البرلمانية الإيرانية للعام 2012م.

 

 

 

133


107

خطاب الولي 2012

الشعب من أعماق وجوده، لأنّ هذه الرحمة الإلهية لا تتنزّل على أيّ شعبٍ أو إنسانٍ أو أمّةٍ أو بلدٍ من دون سببٍ أو وجه. نحن نقرأ في الدعاء: "اللهمّ إنّي أسألك موجبات رحمتك"[1]، فعلينا أن نؤمّن موجبات الرحمة، وعندها ستهطل على رؤوسنا أمطار رحمة الله وفضله الفيّاضة والهادرة. لقد وفّر شعبنا موجبات رحمة الله. فحضوره في الساحة، وصموده مقابل هجمات الأعداء، وبصيرته، كلّ هذه تُعدّ موجبات للرحمة الإلهية. كما أنّ توفيق نيل هذه الموجبات متعلّق بالله تعالى أيضاً. فنحن شاكرون لله، وله نعفّر جباه الشكر بالتراب، وكذلك نشكر شعبنا العزيز بكلّ وجودنا، ونسأل الله أن يفيض عليه بالثواب الكافي والوافي.

 

الانتخابات ركن النظام المهمّ

ما أريد أن أبيّنه هنا، يدور حول قضية الانتخابات. فالانتخابات ليست حادثةً عابرة، بل هي حادثة تترك بصمات تأثيرها، لهذا يجب أن نتأمّل فيها. فالانتخابات أوّلاً، هي ركن النظام المهم. فنظام السيادة الشعبية الدينية يعتمد على الانتخابات، وبدون الانتخابات لن يكون لنا مثل هذا النظام.

 

ومعيار الاعتماد على الشعب هو معيارٌ مشهودٌ وملموسٌ، ويمكن قياسه، وهو هذه الانتخابات. لهذا، إنّ كلّ من يعتقد بهذا النظام الإسلامي، ويكون صادقاً في اعتقاده هذا، سيعدّ المشاركة في الانتخابات مسؤوليةً ملقاة على عاتقه، ولو أنّه يحتمل أن يكون لديه اعتراضٌ على شيءٍ في هذه الانتخابات أو شكلٍ من أشكالها، لكنّه في الوقت الذي يعترض ينزل إلى ميدان الانتخابات، فهذه وظيفةٌ وتكليف. لهذا، فإنّ كلّ من نزل إلى هذا الميدان، وفي جميع أنحاءالبلد، يكون قد أدّى تكليفه، وقد عبّر عن فهمه الصحيح. وهذا الفهم الصحيح يدلّ على أنّ قضية الانتخابات هي قضية أساسية في النظام. ونحن لا يمكننا أن نغضّ النظر عن هذه القضية لمجرّد أنّنا نعترض على زيد أو عمرو أو على هذا الشيء أو ذاك. فمثل هذه الاعتراضات لا تحول دون هذا الأمر، وهذه قضية أساسية وأصلية.

 

 


[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد‏، نشر مؤسسة فقه الشيعة، لبنان - بيروت، 1411ه‏، ط1‏، ج1، ص61.

 

 

134


108

خطاب الولي 2012

الانتخابات صفعة موقظة ومنبِّهة

وأحد الآثار الناجمة عن هذه الانتخابات ـ وللانتخابات في الأغلب مثل هذا الأثر ـ هو القضاء على الأوهام. فالانتخابات تشبه صفعة موقظة ومنبهة لأولئك الذين غاصوا في أوهامهم ويدورون في فلك خيالاتهم، سواء أكان فيما يتعلّق بمستقبل النظام أم أصله، أم فيما يتعلّق بالشعب والبلد والأعداء. فالانتخابات تخرجهم من هذه الأوهام وتظهر الحقيقة جليّةً أمامهم. لقد سمعنا قبل يومين رئيس أمريكا وهو يقول: "إنّنا لا نفكّر بمحاربة إيران". حسناً جداً، هذا جيّد، هذا كلامٌ عقلائي وخروجٌ من الوهم، لكنّه بالإضافة قد قال: "إنّنا سنُركِع شعب إيران" -بحسب النقل بالمضمون- وهذا وهمٌ. فالخروج من ذلك الوهم في القسم الأوّل جيّد، والبقاء في مثل هذا التوهّم في القسم الثاني سيؤدّي إلى أن يتلقّوا ضربة. فعندما تكون حسابات المرء مبنيّةً على الأوهام، وبعيدةً عن الوقائع، من الواضح أنّه سيخطّط بناءً على هذه الحسابات وسيفشل، وهذا هو بالتأكيد.

 

حسناً، ها قد مرّت سنةٌ على أنواع الحظر التي بحسب قولهم ستشلّ وتفعل ما تفعل - وبالطبع إنّنا تحت حصارٍ وحظرٍ منذ 33 سنة - وقيل إنّ الهدف هو فصل الشعب عن النظام الإسلامي، لكنّهم رأوا أنّ الشعب قد جاء وأيّد النظام الإسلامي. إنّ انتخاب أيّ مرشّحٍ والمجيء إلى صناديق الاقتراع هو تأييدٌ وانتخابٌ للنظام الإسلامي، وهذا ما أظهره الشعب. لقد قلنا إنّ الانتخابات صفعةٌ، ولهذه الصفعة أنواعٌ وأقسام، وأحد هذه الأنواع هو الصفعة الموقظة والمنبّهة. لهذا، فقد كان لانتخاباتنا هذه خاصّيّة توجيه الصفعة أيضاً.

 

الانتخابات مظهر ثقة الشعب بالنظام

النقطة الثانية التي ذُكرت بالإشارة، هي أنّ الانتخابات مظهر ثقة الشعب بالنظام. فبعد انتخابات عام 2008م المليئة بالصخب والضجيج، كان بعض الأشخاص يتوقّع أنّ ثقة الشعب بالنظام قد سُلبت، وأنّ الناس لن يأتوا مرّةً أخرى إلى صناديق الاقتراع. وقد كانت هذه الانتخابات رداً حاسماً وقاطعاً على هذا التصوّر والاستنتاج المغلوط،

 

 

135


109

خطاب الولي 2012

الذي يثيره العدوّ، وبمجيء الناس إلى هذا الميدان، فإنّ المجلس الذي سيتشكّل من جرائها هو مجلسٌ يتحمّل مسؤوليات جمّة. ونحن من هنا سنقول للإخوة والأخوات الذين سيأتون إلى هذا المجلس إن شاء الله ـ أولئك الذين انتُخبوا، وأولئك الذين سيُنتخبون في المرحلة الثانية ـ أنّ عليهم أن يعلموا حجم المسؤولية وثقلها الملقى على عاتقهم، فليأتوا ويؤدّوا ما عليهم بحكمةٍ وتدبير.

 

تنظيم القوانين

أهميّة البلد بتنظيم قوانينه (التشريعات)، فنحن نحتاج إلى التشريعات التي تشقّ السبل في كلّ القضايا. وعلى نوّاب المجلس أن يتطلّعوا إلى هذه الحقيقة ويتعرّفوا على الاحتياجات، ويقدّموا للمسؤولين ذاك العلاج المناسب لكلّ داء أو شكايةٍ.

 

فالقانون يجب أن يكون نافذاً، وحلّالاً للمشاكل. إنّ القانون الذي يسدّ الطرق ويزيد المشاكل، أو لا يمكن تنفيذه، أو يؤدي إلى مشاكل كثيرة، أو يكتنف تناقضاً،لا فائدة منه.

 

نعلم أن القانون هو الذي يكون حلّالاً للمشاكل، وقائماً على التدبير. فلا يكفي أن نجلس ونعدّ القوانين.

 

تشكيل الحكومة

إنّ تشكيل الحكومات يقع على عاتق المجالس. وعليهم أن يعرفوا في تعييناتهم كيف ينتخبون الشخص، وفق أيّة حاجة، وأيّ مقصد، وأيّة مزايا وخصائص. فليُدقّقوا وليُنصفوا. نحن لا نوصي بالتدقيق حتى لو لم يكن في الأمر إنصاف، حيث قد يحصل هذا الأمر أحياناً، بل ليُدقّقوا بما يتلازم مع الإنصاف، وليتحرّكوا بوعيٍ مقرون بالإخلاص. فالإخلاص هو أساس كل قضية. وقد أشار السيد مهدوي في كلمته أنّ نفوذ كلمة الإمام وتحقّق ما كان قد خطّط له يعود بالدرجة الأولى إلى إخلاصه. فالواقع هو هذا الأمر. لقد كان رجلاً مخلصاً امتزج وجوده بالإخلاص. لو كنّا نحن مُخلصين فإنّ أعمالنا ستتقدّم. وسواء كنّا مسؤولين في السلطة التشريعية أو القضائية أو كنّا في المقامات الروحانية (العلمية) أو العسكرية أو في أيّ منصبٍ آخر، فإنّ ما

 

 

137


110

خطاب الولي 2012

هو ضروريّ هو أن نتعرّف على التكليف ونعمل من أجل تكليفنا، وأن لا نُدخل فيه أيّ شيءٍ آخر.

 

الشكر للعاملين على الانتخابات

وبالطبع، إنّني أشكّر العاملين على الانتخابات. وقد أشار الشيخ اليزدي إلى أنّ الشكر قد توجّه إلى مجلس الصيانة. والواقع هو هذا الأمر. فعندما يتعرّف الإنسان عن قرب على حجم العمل ودقّته وصعوبته، فإنّ تكريم هؤلاء الأفراد يستقرّ في قلبه. إنّني أقول لجناب الشيخ جنّتي، وبعض السادة، أنّني عندما أتذكّر ما قمتم به من عمل، فإنّ تكريمكم يقع في قلبي. مراراً وتكراراً دَعَوْنا أن يهبهم الله القوّة والقدرة: سواء أكانوا هم أو الحكومة أو وزارة الداخلية أو مسؤولي الحماية والأمن، الذين استطاعوا توفير أمن الانتخابات، وكذلك مسؤولي الإعلام والتلفزيون والإذاعة وغيرهم. لقد قام هؤلاء في الواقع بأعمالٍ عظيمة ومميّزة، لقد تمكّنوا من أداء ما عليهم من مسؤوليةٍ كبرى وعملٍ عظيم ومشروعٍ ثقيلٍ جداً ومهم وحيوي على أفضل وجهٍ. حسنٌ، هذا هو أنموذجنا: أنموذج السيادة الشعبية الإسلامية.

 

السيادة الشعبيّة بين النظرة الإسلاميّة والنظرة الغربيّة

في السيادة الشعبية الإسلامية[1]، إنّ الروح واللب والمادّة الأساسية عبارة عن الإسلام، ولا ينبغي تخطّي هذا الأمر أبداً، وهذا غير موجود، وإن شاء الله لن يكون موجوداً. ففي إعداد التشريعات واختيار الأفراد يكون الإسلام معيارنا. إنّ شكل العمل وقالبه ونهج الإدارة هو السيادة الشعبية. فالناس الذين يدخلون إلى ساحات العمل يحملون عقيدةً راسخةً بالإسلام، ولو كان من الممكن أن يبدو لبعضهم بحسب الظواهر أنّهم ليسوا ملتصقين بالإسلام والنظام الإسلامي، ولكنّهم في الواقع كذلك، وهم يحبّون الإسلام.

 

 


[1] السيادة الشعبية الإسلامية: (بالفارسية مردم سالاري ديني) مصطلح جديد أطلقته القيادة الإيرانية على هوية نظام الحكم والجمهورية الإسلامية الحالية، وهو منبثق من تعاليم الدين الإسلامي ورؤيته في الحكم والدولة، ويقوم على مبدأ ولاية الفقيه ودور الشعب في اختيار مسؤولية وممثليه باستثناء الولي الفقيه.

 

 

138


111

خطاب الولي 2012

إنّ تجربة هذه السنوات الـ 33 تدلّ على أنّ الإسلام يمكنه أن يمنح العزّة لأيّ بلد، ويمكن أن يرفع رأس أي شعب، ويمكن أن يرسم أهدافاً جيدّة، ويمكن أن يُعبِّد الطرق نحو هذه الأهداف، ويمكن أن يوجد حركةً علميّة، ويمكن أن يُحقّق حركةً تقنية وصناعية، ويمكن أن يوجد حركةً تقوائية وأخلاقية، ويُمكِن أن يُبيِّض وجوههم في مقابل الشعوب الأخرى، هذه أحداثٌ جرت في بلدنا، وهذه أعمالٌ كبرى أُنجزت ببركة الإسلام في هذا البلد، فالإسلام دوماً هو لبّ حركة نظامنا ومحتواه ومادّته الأساسية، أمّا الشكل فهو شكل السيادة الشعبية، وهما أمران لا تفكيك بينهما؛ أي إنّ هذه السيادة الشعبية هي أيضاً نابعة من الإسلام. إنّ ما يُقال بأننا اقتبسنا السيادة الشعبية من الغرب هو خطأٌ، إنّ الصورة بحسب الظاهر واحدة. أمّا سيادتنا الشعبية فلها أصولٌ وجذورٌ تمتدّ في معرفةٍ دينية ورؤية كونية مختلفة، فماذا يقول هؤلاء؟ إنّنا نؤمن بكرامة الإنسان ونعتقد بأهمية صوته، ونعتقد بأنّ مشاركته أمرٌ ضروري لتحقّق الأهداف الإلهية، ولا يمكن ذلك بدونها.

 

أمّا الغربيون فإنّهم يعملون بطريقةٍ أخرى - وبالطبع، لدينا أُطر ولديهم أُطرٌ كذلك - إنّ الأُطر التي يتحرّكون وفقها هي أُطرٌ ظالمة، إذا اعترض أحدٌ في بلدٍ على أسطورة الهولوكوست (المَحْرَقَة) وقال إنّني لا أقبل بذلك، يرمونه في السجن، ويُدينونه على إنكاره لحادثةٍ خياليةٍ تاريخية! وحتى لو قلنا بأنّها ليست خيالية بل واقعية، فلماذا يُعدّ إنكار حادثةٍ تاريخيةٍ واقعيةٍ جُرماً؟! فلو لم يثبت لشخصٍ ما مثل هذا، وأنكره أو شكّك فيه، فإنّهم يرمونه في السجن. الآن، في الدول التي تدّعي الحضارة في أوروبا، هكذا هي القضية: لو اعترض أحدٌ أو شكّك ولم يقبل (بقضية الهولوكوست)، فإنّ المحاكم تحكم عليه، أمّا عندما تتمّ إهانة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بصلافة - هذا الإنسان العظيم على مرّ التاريخ - ويتم إهانة مقدّسات أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، لا يحقّ لأحد أن يعترض ويقول لماذا قمتم بهذا العمل؟ فانظروا هذه هي الأُطر الخاطئة والمشينة، هذه هي أُطرهم. لو أنّ واحدةً ظهرت بحجابها ـ سواء أكان في الجامعة أم في مكان العمل ـ تكون مجرمة! هذه أُطرٌ في النهاية، لكنّها أُطرٌ خاطئة ومعوجّة، ومخالفة لفطرة الإنسان ولفهمه الصحيح.

 

أمّا أُطرنا فهي أُطرٌ إلهية، فنحن نعارض

 

139


112

خطاب الولي 2012

الفساد والفحشاء وجميع أنواع وأقسام الانحرافات البشرية، وذلك وفق ما نتعلّمه من الشريعة والدين. نحن نعتقد بضرورة الوقوف بوجه هذه الانحرافات، وبوجوب استلهام طرق الحياة من الإسلام والقرآن والوحي الإلهي. هذا هو إطارنا، وبهذا تكون السيادة الشعبية الدينية، وهذا هو أنموذجنا.

 

لو أنّ الشعوب المسلمة أرادت أن تعرف ما هو خطاب الجمهورية الإسلامية وادّعاؤها فلتعلم أنّ هذا هو: أنّنا لا نتخلّى عن الإسلام، ونرى وجوب اتباعّ الأحكام الإلهية والشريعة الإلهية التي هي الشريعة الإسلامية في جميع أمور حياتنا، وإنّ سعينا هو لأجل أن نصل إلى هذا الهدف، وإنّ إطارنا وقالبنا من أجل الدخول في هذا الميدان هو السيادة الشعبية الدينية. وعلى الشعب أن يحضر للانتخاب، وعلى المُشرِّع الذي يريد أن يضع تشريعاً أن يتوجّه إلى الناس. فعلى الناس أن يُحدّدوا المنفّذ، فكلّ شيءٍ هو بانتخاب الشعب وحضوره وبعزّته وكرامته.

 

نأمل أن يُوفّقنا الله تعالى لكي نستمرّ على هذا الطريق بشكلٍ صحيح، وأن نصون أنفسنا من الانحرافات ونتمكّن بمشيئة الله من الوصول إلى الأهداف العليا، وتشملنا الأدعية الزاكية لبقية الله أرواحنا فداه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

140


113

خطاب الولي 2012

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي مشهد المقدّسة

وزوّار الإمام الرضا عليه السلام

 

 

 

المناسبة:   يوم النوروز، وحلول العام الإيراني الجديد 1391 هـ .ش.

المكان:   مشهد

 

الزمان:    01/01/1391هـ.ش.

27/04/1433هـ.ق.

20/03/2012م.

 

 

141


114

خطاب الولي 2012

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة حلول رأس السنة الإيرانية

 

 

 

 

 

 

المناسبة:   يوم النوروز، وحلول العام الإيراني الجديد 1391 هـ .ش.

المكان:   مشهد

 

الزمان:    01/01/1391هـ.ش.

27/04/1433هـ.ق.

20/03/2012م.

 

 

141

         


115
خطاب الولي (2012)