دروس من فكر الإمام الخامنئي (دام ظله) - 2

للإمام الخامنئيّ (دام ظله) إسهامات علميّة في العديد من المجالات المعرفيّة الّتي تركت بصماتها المؤثّرة في النفوس والعقول والمجتمع الإسلاميّ بشكل عامّ


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمّد وآله الطاهرين.

يشكّل الإسلامُ منظومةً متكاملةً للحياة في مختلف أبعادها ومتطلّباتها، سعياً في بناء المجتمع الإنسانيّ النموذجيّ والكامل، الذي يصل إلى أرقى درجات الإنسانيّة. لذا، كانت الدعوة للإنسان إلى معرفة ذاته ومعرفة العالم؛ لما في ذلك من أثر في جوانب حياته كافّة، وبالتالي بناء نظامٍ معرفيّ سليم على ضوء تعاليم الإسلام، يستند إلى القرآن والسنّة النبويّة الشريفة؛ إذ إنّ النظام الفكريّ للإنسان هو الأساس والمستند الذي ترجع إليه أفعاله ومواقفه.

وإنّ الإنسان السليم، عندما يدرك نقصَه، فإنّه يتحرّك للبحث عمّا يسدّه ويرفعه، وإنّ شعورَه بالجهل والقصور يولّد لديه دافعاً نحو المعرفة؛ لما لها من دور أساس في تحديد شخصيّته وسلوكه، ومن هنا كان الإنسانُ باحثاً عن الحقيقة في كافّة شؤونه.

بناءً عليه، كانت هذه السلسلة «سلسلة متون الفكر الإسلاميّ»، الّتي تسلّط الضوء على المواضيع الفكريّة المهمّة الداخلة في بناء النظام المعرفيّ للإنسان وتطويره.

وللإمام الخامنئيّ(دام ظله) إسهامات علميّة في العديد من المجالات المعرفيّة الّتي تركت بصماتها المؤثّرة في النفوس والعقول والمجتمع

 

9


1

المقدّمة

الإسلاميّ بشكل عامّ؛ لذا، كان هذا الإصدار أحدَ كتب هذه السلسلة الذي يحكي هذا المبتغى، وهو الإصدار الثاني من سلسلةٍ بعنوان: «دروس من فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)».

هذا الكتاب، يبيّن رؤية الإمام الخامنئيّ (دام ظله) حول عناوين حياتيّة مهمّة، كالأسرة، الشباب، البيئة، الفضاء الافتراضيّ، البصيرة، الحرّيّة، وغيرها... آملين من الله التوفيق لإصدارات أخرى ضمن هذا المضمار تخدم الهدف المنشود.

 

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

10


2

الأسرة

الأُسْرة
تمهيد

بناء الحضارة الإسلاميَّة وفق رؤية الإمام الخامنئيّ(دام ظله)، لا يكون من دون الالتفات إلى ترسيخ قيمة الأسرة في نفوس أبناء الأمّة الإسلاميَّة؛ وذلك، لأنّها تشكّل النواة الأساسيّة للتشكّل الاجتماعيّ للحضارة حيث يقول سماحته: «إنّ مسألة الأسرة هي مسألة مهمّة جدًّا، القاعدة الأساس للمجتمع، الخليّة الأساس في المجتمع، وليس بمعنى أنّه إذا كانت هذه الخليّة سليمة، فإنّ السلامة ستُرى في بقيّة الأجزاء، أو أنّها إذا فسدَت، فإنّ باقي الأجزاء ستفسد بتبعيّتها، بل إنّها إذا كانت سليمة، فإن الجسم سالم؛ لأنّ الجسم ليس شيئا آخر غير الخلايا، كلّ جهاز هو عبارة عن مجموعة من الخلايا. إذا استطعنا أن نحفظ هذه الخلايا سالمة، فسيكون الجهاز سليمًا. المسألة مهمّة لهذه الدرجة»[1].

من هنا، فإنّه لا بدّ من امتلاك الرؤية الثقافيّة للأسرة، التي تشكّل البنية التحتيّة لكافّة النشاطات والسياسات التي ينبغي اتّخاذها في سبيل ترسيخ هذه القيمة. وعليه، فإنّ بناء الأسرة يدخل في أساسيّات البناء الثقافيّة، حيث يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «بناء الأسرة والزواج ثقافة، عدد الأطفال ثقافة، فإذا كانت التوجُّهات والرؤى سليمة لدى الناس في هذه الأمور، فإنّ الحياة في المجتمع ستأخذ شكلًا محدّدًا،

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله) في اللقاء الثالث للأفكار الاستراتيجيّة حول موضوع المرأة والأسرة.

 

11


3

الأسرة

وإذا كانت خاطئة -لا سمح الله - فإنّ الحياة سيكون لها شكلٌ آخر مختلف»[1].

رؤية الإسلام لإنسانيّة الرجل والمرأة في التكوين الأُسْرِيّ

تتألّف الأسرة في أساسها من الرجل والمرأة، وبناء الأسرة ينبغي أن يكون من خلال إعطاء كلٍّ من الزوج والزوجة الموقع الملائم له، وفق مقتضيات الخلقة الأساسيّة. ومن هنا، فإنّ الرجل والمرأة يفترقان في جنسهما، ولكن يشتركان في عنصر الإنسانيّة، «في مسألة المرأة نفسها، وكذلك في مسألة الأسرة، والإسلام لديه أفكار جذّابة وبارزة ومهمّة. أوّلًا: إنّ نظرة الإسلام إلى الجنس، هي نظرة من الدرجة الثانية. النظرة الأولى وذات الدرجة الأولى هي البُعد الإنسانيّ، والتي لا دَور فيها للجنس»[2].

وبتعبير آخر، إنّ الأسرة لا يمكن أن تصل إلى غايتها التي أرادها الله تعالى، من دون دور كلٍّ من الرجل والمرأة، فالمسؤوليّة مسؤوليّة مشتركة. «لكلٍّ من المرأة والرجل خصائص وطباع وغرائز خاصّة به. ولو استُثمِرَت تلك الطباع الخاصّة بالرجل والمرأة بشكل سليم، فإنّهما يشكّلان في الأسرة ثنائيًّا متكاملًا ومتجانسًا ومنسجمًا. ولكنّ التوازن يختلّ إذا تمادى الرجل، وكذا الحال إذا تمادت المرأة.

الإسلام جَعَل في الأسرة جزءَيْن شبيهَين بمصراعَي الباب، أو كالعينَين في وجه الإنسان، أو كرفيقَي السلاح في خندق صراع الحياة، أو كشريكَين في دكّان واحد. لكلّ واحد منهما خصائصه، وطباعه، وخصاله، ولكلٍّ منهما جسمه، وروحه، وفكره، وغرائزه، وعواطفه الخاصّة به. للمرأة خصائصها، وللرجل خصائصه. ولو عاش هذان

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/01/1393هـ.ش.

[2] من كلامٍ له (دام ظله) في اللقاء الثالث للأفكار الاستراتيجيّة حول موضوع المرأة والأسرة.

 

12


4

الأسرة

الجزآن بتلك الحدود والموازين نفسها التي عيّنها الإسلام، فسيشكّلان أسرة خالدة وعطوفة ومباركة ونافعة»[1].

اختلاف وظيفة كلٍّ من الرجل والمرأة داخل الأسرة

اختلاف الوظائف بين الرجل والمرأة في الأسرة نابعٌ من قدراتهما الجنسيّة الخاصّة، ولا أفضليّة بينهما على المستوى الروحيّ أو المعنويّ، لمجرّد اختلافها في الوظائف. ومن هنا، يركّز الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على هذه المسألة، قائلًا: «وهذه عوامل أخرى في نهاية الأمر داخل الأسرة. الرجل هو الواجهة الخارجيّة، والمرأة هي الواجهة الداخليّة. وإن شئتم أن تعبّروا بلطفٍ أكثر، فإنّ الرجل هو غلاف اللوز، بينما المرأة هي لبّ اللوز. ويمكن استخدام مثل هذه التعابير، الرجل هو أكثر ظهورًا، بُنْيَتُه هي هكذا، لقد خلقه الله وجعله لهذا العمل، وخلق المرأة لعمل آخر. بناءً على هذا، فإنّ البروز والظهور والعرض والإطلالة عند الرجل أكثر لأجل هذه الخصوصيّات، وليس بمعنى الأفضليّة في المسائل الأساسيّة للإنسان، والتي تتعلّق بالإنسان، فلا فرق بين الرجل والمرأة. حسنًا، انظروا إلى مسألة التقرُّب من الله، هناك نساء فوق قدرة أمثالنا على التصوُّر. في الآية الشريفة من سورة الأحزاب، لا فرق بين المرأة والرجل، ولعلّ المقصود ضرب التصوُّرات الجاهليّة حول المرأة: ﴿إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَة وَأَجۡرًا عَظِيما﴾[2].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 4 جمادى الأولى 1417هـ.ق.

[2] سورة الأحزاب، الآية 35.

 

13


5

الأسرة

حيثما وُجِد الرجل، هناك امرأة؛ رجل خاشع، امرأة خاشعة، رجل متصدِّق، امرأة متصدِّقة، لا فرق بينهما أبدًا»[1].

الأسرة تتطلّب دور الزوجيّة للمرأة قبل الأموميّة

لا ينبغي النظر إلى الأسرة فقط من حيث وجود الأبناء، بل إنّ أدوار الرجل والمرأة داخل الأسرة تنشأ أوّلًا من وصف الزوجيّة، قبل الأبوّة والأمومة «لدى المرأة في الأسرة دور الزوجيّة؛ دور الزوجيّة هذا هو دور استثنائيّ، حتّى لو لم يكن هناك دور أمومة. افرضوا أنّ هناك امرأة، إمّا أنّها لم ترغب في الإنجاب، أو أنّها ولأيّ سبب آخر لم تنجب، ولكنّها زوجة. لا ينبغي الاستخفاف بدور الزوجيّة. إذا أردنا أن يكون الرجل شخصًا مفيدًا في المجتمع، ينبغي لهذه المرأة أن تكون امرأة جيّدة في المنزل، وإلّا فلن يحصل هذا... وبالتأكيد، فإنّ للرجال هذا الدور أيضًا. في مجال الأسرة، لا ينبغي تجاهل دور الرجال كذلك. بناءً على هذا، إنّ دور الزوجيّة هو دور بالغ الأهمِّيَّة»[2].

محوريّة دور المرأة في الأسرة

لقد أَوْلَى الإسلام للمرأة الدور الأساسيّ في الأسرة، بحيث جعلها محور المنزل، «إنّ نظرة الإسلام إلى ما يختصّ بالأسرة وموقعيّة المرأة فيها، هي رؤية واضحة جدًّا. «الْمَرأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا»[3]، وهذا مرويٌّ عن النبيّ الأكرم f. إنّ موقعيّة المرأة في الأسرة هي ما ورد في العديد من الروايات عن الأئمّة (عليهم السلام): «المَرْأَةُ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرمَانَة»[4]، وفي تعبير اللغة العربيّة، القهرمان هو العامل،

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 4 جمادى الأولى 1417ه.ق.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 4 جمادى الأولى 1417ه.ق.

[3] إبراهيم، أبو القاسم پاينده، نهج الفصاحة (الكلمات القصار للنبيّ f)، دنياى دانش‏، إيران - طهران‏، 1424هـ‏، ط4، ص614.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص510.

 

14


6

الأسرة

الخادم المحترم، يقولون: إنّ المرأة داخل البيت ليست قهرمانة، بل هي ريحانة، هي وردة البيت. والخطاب للرجال: خيرُكم مَن يكون صاحب أفضل سلوك مع زوجته. هذه هي رؤى الإسلام، ويوجد من هذا القبيل إلى ما شاء الله»[1].

ومن هنا، فإنّ قضيّة المرأة والأسرة متداخلتان، لا يمكن فصل إحداهُما عن الأخرى، فالإسلام يرى أنّ ركن الأسرة الأساسيّ هو المرأة؛ وعليه، لا يمكن امتلاك رؤية حول الأسرة بدون المرأة، «مسألة المرأة ومسألة الأسرة، وبالطبع، فإنّ مسألة المرأة لا يمكن فصلها ولا تفكيكها عن مسألة الأسرة. وهذا ما سنشير إليه، إن أراد أحدٌ أن يبحث في قضيّة المرأة منفصلة عن قضيّة الأسرة، فإنّه سيتعرّض لاختلالٍ في فهمها، وكذلك في تشخيص العلاج والحلول المناسبة لها؛ يجب النظر في هاتَين المسألتَين جنبًا إلى جنب، على أنّهما مسألتان»[2].

من آثار الثقافة الغربيّة تهميش قضيّة الأسرة

إنّ الثقافة الإسلاميَّة كرَّمَت المرأة، وجعلَت من قضيّة الأسرة قضيّة مركزيّة لا يمكن التخلّي عنها. ولكنّ الثقافة الغربيّة المعتمدة على أصالة الحسّ واللذّة مقابل القضايا القيميّة الأخرى، أدّى بها الأمر إلى عدم الانسجام مع قيمة الأسرة.

«أولئك الذين يطرحون «الأسرة» كمؤسّسة لا قيمة لها، ويروّجون أنّ الزواج بلا معنى -هؤلاء موجودون في مجتمعنا ويقومون بهذه الأعمال- أولئك الذين يعدّون «اللذّة» هدفًا مطلوبًا وقيمة. اللذّة و«أصالة اللذّة» هي تلك الهويّة المستوردة من الثقافة الغربيّة، حيث إنّ كلّ ما يؤدّي إلى اللذّة هو أمرٌ جيّد؛ واحدٌ يلتذّ بالإدمان،

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/05/2011م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/04/2014م.

 

15


7

الأسرة

وآخر بالشهوات الجنسيّة، وثالث يحقّق لذّته بضرب الآخرين، كلّ ما يؤدّي إلى اللذّة يعدّونه أمرًا مباحًا! لا يمكن التساهل واللامبالاة تجاه الأشخاص الذين يروّجون لهذه الأفكار»[1].

قيمة الحرّيّة لا تتعارض مع قيمة تشكُّل الأسرة

إنّ قيمة الحرّيّة في الإسلام تعني وجود المجال الحيويّ لبروز القابليّات العظيمة المودَعة في فطرة كلّ كائن بشريّ. وعليه، فلا معنى للحرّيّة المطلقة، بمعنى التفلُّت من الفضاء الذي تنمو فيه القابليّات. ومن هنا، فإنّ وظيفة المرأة في الأسرة لا تتعارض مع حرّيّتها. وعليه، فما نجده في الغرب من وجود حركات تحرُّر المرأة بما يطال تكوين الأسرة، هو أبعد ما يكون عن حقيقة الحرّيّة، فحرّيّة المرأة تتلازم مع تشكيل الأسرة.

«من المؤسف أنّ أكثر ما يُفهَم من الحرّيّة في العالم الغربيّ هو معناها المغلوط والضارّ؛ أي التحرُّر من القيود العائليّة، ومن الهيمنة المطلقة للزوج، والتحرُّر حتّى من التزامات الزواج وتشكيل الأسرة وتربية الأولاد في الموارد التي تحصل فيها حالات الشهوة العابرة؛ وليس هذا معناها السليم. ولهذا، يُلاحَظ أنّ من جملة ما يُثار في العالم الغربيّ، مسألة الإجهاض، وهي مسألة خطيرة، رغم ما تتّسم به ظاهريًّا من بساطة أو عدم أهمِّيَّة. هذه هي الشعارات والمطاليب التي غالبًا ما تُثار في الغرب»[2].

السكينة غاية الأسرة

إنّ نموّ الطاقات الروحيّة والإيمانيّة من الأمور المركزيّة التي ركَّز عليها الإسلام؛ والأسرة، بحسب تكوينها وفق رؤية الإسلام، تحقِّق

 

 


[1]   من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/03/2014م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19جمادى الثانية 1418هـ.ق.

 

16


8

الأسرة

هذا الأمر. ويشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ذلك، قائلًا: «انظروا إلى هذه الآية الشريفة وما فيها عن المرأة والرجل، في أجواء الأسرة على وجه الخصوص، تقول الآية: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا﴾[1]؛ أي جعل لكم أيّها الرجال نساءً، وجعل لكُنَّ أيّتها النسوة رجالًا، ﴿مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ﴾؛ أي ليس من جنس آخر، ولا من مرتبتَين متفاوتتَين، بل من حقيقة واحدة، ومن جوهر واحد، ومن ذات واحدة. ومن الطبيعيّ أنّهما يختلفان في بعض الخصائص، بسبب تفاوت وظائفهما.

ثمّ يقول تعالى: ﴿لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا﴾ أي جعلت الزوجيّة في الطبيعة البشريَّة لهدف أكبر، وذلك هو الاستقرار والسكينة إلى جانب الزوج، ذكرًا كان أو أنثى. فالرجل حينما يأوي إلى داره، يجد جوًّا آمنًا وزوجة عطوفًا وأمينة إلى جانبه، وكذا يمثّل الرجل للمرأة ملاذًا تعشقه، فتركن إليه وتحتمي به؛ لأنّه أقوى منها بدنيًّا، والأسرة تضمَّن هذه الأجواء لكِلَا الجنسَين. الرجل يحتاج إلى المرأة ضمن إطار الأسرة من أجل توفير السكينة والاستقرار لنفسه، والمرأة بحاجة إلى الرجل ضمن إطار الأسرة من أجل الحصول على الاستقرار والأمن، وكِلاهما بحاجة إلى بعضهما من أجل تحقيق السكينة والاستقرار.

إنّ أهمّ ما يحتاج إليه الإنسان في حياته هو الاستقرار، وسعادته تكمن في أن يكون بمأمن من الاضطراب والقلق، وهذه الأجواء الأمنيّة تتوفّر له في ظلّ محيط الأسرة، رجلًا كان أو امرأة. المقطع الآخر من الآية له معنى جميل أيضًا، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ﴾، وهذه المودّة لا يكتمل معناها بدون المحبّة، ولا الرحمة تَصدُق في ما إذا رافقها العنف»[2].

 

 


[1]  سورة الروم، الآية 21.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19جمادى الثانية 1418هـ.ق.

 

17


9

الأسرة

ملحق

الإمام الخامنئيّ(دام ظله) يبلّغ «السياسات العامّة للأسرة»
بتاريخ 03/09/2016م

أبلغ قائد الثورة الإسلاميَّة سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله)، وفق البند الأوّل للمادّة 110 من الدستور، وبعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، «السياسات العامّة للأسرة» لرؤساء السلطات الثلاث في الجمهوريّة الإسلاميَّة، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام. وهذا هو نصّ هذه السياسات:

بسم الله الرحمن الرحیم

السياسات العامّة للأسرة

إنّ الأسرة هي الوحدة البنيويّة والحجر الأساس للمجتمع الإسلاميِّ، ومركز رشد الإنسان وتعاليه، وهي دعامة السلامة والاقتدار والتسامي المعنويّ للبلاد والنظام. وعلى حركة النظام ومسيرته الاتّجاه نحو:

1. إيجاد مجتمع بمحوريّة الأسرة، وتقوية الأسرة ووظائفها الأساسيّة وتمتينها وفق النموذج الإسلاميِّ للأسرة، بوصفها مركزًا للنشوء والنموّ والتربية الإسلاميَّة للأبناء، ومكانًا لمنح الهدوء والسكينة.

2. وضع الأسرة كمحور في سنّ القوانين والقرارات والبرامج والسياسات التنفيذيّة وجميع الأنظمة التعليميّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وخاصّةً نظام السكن والتخطيط العمرانيّ.

3. إظهار الأدوار العمليّة للعلاقة بين الأسرة والمسجد، في سبيل المحافظة على الهويّة الإسلاميَّة والوطنيّة وتساميها، وصيانة الأسرة والمجتمع.

 

 

18

 


10

الأسرة

4. القيام بنهضة وطنيّة شاملة لترويج الزواج الناجح والبسيط وتسهيله، لجميع الفتيات والفتيان في السنّ المناسبة للزواج وتشكيل الأسرة، ورفض العزوبيّة في المجتمع، عبر وضع السياسات التنفيذيّة والقوانين والقرارات المشجّعة والداعمة، وبناء الثقافة وصياغة القيم لتشكيل الأسرة على أساس السنن الإلهيّة.

5. تمتين الأسرة ورفع رصيدها الاجتماعيّ على أساس الرضا والإنصاف والخدمة والاحترام والمودّة والرحمة، عبر التأكيد على:

أ. التوظيف المتكامل للطاقات التعليميّة والتربويّة والإعلاميّة في البلد، لتمتين بُنيان الأسرة والعلاقات العائليّة.

ب. البناء الثقافيّ وتقوية العلاقات الخُلُقيَّة.

ج. المواجهة المؤثِّرة لحرب الأعداء الناعمة، الهادفة إلى انهيار العلاقات الأسريّة وانحرافها، وإزالة الآفات والتحدّيات أمام تمتين الأسرة.

د. منع نشر البرامج المخلّة بالقِيَم الأسريّة.

هـ. توفير الفرصة للاجتماع المفيد والمؤثِّر لأفراد العائلة معًا، والاستثمار النافع لأوقات الفراغ بصورة جماعيّة.

6. عرض النموذج الإسلاميِّ للأسرة وتحديده، وتقوية نمط الحياة الإسلاميَّة الإيرانيّة وترويجها، عبر:

أ. الترويج للقيم السامية والسنن الحسنة في الزواج والأسرة.

ب. إبراز القِيَم الخُلُقيَّة بوضوح، وإزالة زخارف الزينة الباطلة عنها.

ج. مكافحة النزعة الأرستقراطيّة والكماليّات ومظاهر الثقافة الغربيّة.

د. إصلاح سلوك الجهات المرجعيّة (الموجّهة والأسوة للآخرين)، وإبراز سلوكيّاتها اللائقة، والحيلولة دون بروز جهات مرجعيّة فاسدة.

 

19


11

الأسرة

7. إعادة النظر في النظام الحقوقيّ والمسارات القضائيّة في مجال الأسرة والإصلاح والتكميل، بما يتناسب مع الحاجات والمقتضيات الجديدة، وتسوية النزاعات في المراحل الأولى بوساطة التحكيم، وتوفير العدالة والأمن في جميع المراحل الأمنيّة والقضائيّة والتنفيذيّة للأحكام في الدعاوي العائليّة، بهدف تمتين الأسرة وتثبيتها.

8. تهيئة أجواء سليمة، ورعاية العلاقات الإسلاميَّة بين المرأة والرجل في المجتمع.

9. رفع المستوى المعيشيّ والاقتصاديّ للأُسَر، عبر تعزيز قدراتهم وتقويتها، للتخفيف من هواجسهم المستقبليّة بشأن العمل والزواج والسكن.

10. تفعيل نظام استشاريّ وتعليميّ (إرشاد وتوجيه) قبل تأسيس الأسرة وأثناءها وبعدها، وتسهيل الوصول إليه، بالاستناد إلى المباني الإسلاميَّة-الإيرانيّة، في سبيل تمتين الأسرة وتقويتها.

11. تقوية الأُسَر وتشجيعها على المشاركة في تحقيق أهداف البلاد وبرامجها وخططها، في جميع المجالات الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والدفاعيّة.

12. الدفاع عن عزّة الزواج وكرامته، وعن دور الأمّ وربّة المنزل للنساء، والدور الأبويّ والاقتصاديّ للرجال، والمسؤوليّة التربويّة والمعنويّة للنساء والرجال، وتقوية أفراد الأسرة ودعمهم في تحمُّل المسؤوليّة وعلاقاتهم الأسريّة وأداء دورهم ورسالتهم.

13. الوقاية من الآفات الاجتماعيّة وعوامل تَزَلْزُل الأسرة، وخاصّةً موضوع الطلاق وجبران الأضرار الناجمة عنه، عبر البحث المستمرّ وتَعَرُّف أسباب الطلاق وانهيار الأسرة، والتثقيف على كراهة الطلاق.

 

20


12

الأسرة

14. الدعم الحقوقيّ والاقتصاديّ والثقافيّ للأُسَر التي تُعِيلها النساء، وتشجيعهنّ على الزواج، وتسهيله لهنّ.

15. استخدام الأساليب الداعمة والمشجِّعة المناسبة لتكريم كبار السنّ في الأسرة، وتعزيز العناية الصحّيّة والروحيّة والعاطفيّة بهم.

16. إيجاد الآليّات المطلوبة لرفع المستوى الصحّيّ للأسرة في كلّ الأبعاد، ولا سيّما صحّة الحمل وزيادة الإنجاب، في سبيل التمتُّع بمجتمعٍ شابٍّ وسليم وحيويّ وحركيّ نشيط.

 

 

21


13

الأسرة

الشباب الأمل والمستقبل
أهمِّيَّة الشباب

يمثِّل الشباب العنصر الفعّال في كافَّة المجتمعات الإنسانيّة؛ ولذا، لا حياة لأيّ مجتمع من دون عنصر الشباب، وإلّا تحوّل المجتمع إلى حالة الكسل والخمول، والاعتماد على الآخرين. وهذه الحقيقة يؤكّدها الإمام الخامنئيّ(دام ظله) بقوله: «إنّ طبيعة الشباب مفعمةٌ بالأمل، والمبادرة، والجرأة، والمخاطرة، والإصرار... هذه العناصر ذات قيمة لإدارة المجتمع؛ بعض مشكلاتنا ناتج من غياب المخاطرة، أو من الكلل، أو الافتقار إلى المبادرة، أو فقدان الجرأة، أو من الإحباط... هذه [الخصال] ليست موجودة عند الشباب»[1].

ومن جهة أخرى، أشار سماحته(دام ظله) إلى أنّ الأمل لكلِّ شعب هو الشباب، يقول: «الأمل معقودٌ على الشباب، لا أنّ غير الشباب لا واجب عليهم في هذا الدرب؛ بلى، غير الشباب أيضًا تقع على عاتقهم واجبات، والشيوخ أيضًا لديهم واجباتهم. لقد لاحظتم أنّ إمامنا الخمينيّ الجليل تحرَّك في كهولته وشيخوخته، كالشباب، وتكلَّم كما يتكلّم الشباب، وفكَّر مثل الشباب، لكنّ «الدينامو» المحرِّك في كلّ مجتمع، هو الشباب»[2].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/10/2019م.

 

23


14

الأسرة

وفي كلام آخر له(دام ظله) يؤكّد على الطاقة الموهوبة التي يمتازُ بها الشباب: «إنّ الطاقة الأهمّ والباعثة على الأمل هي الطاقات الإنسانيّة الموهوبة والكفوءة، التي تتحلّى ببُنية تحتيّة إيمانيّة ودينيّة عميقة وأصيلة»[1].

بعض التوصيات للشباب

وضع الإمام الخامنئيّ(دام ظله) العديد من التوصيات السلوكيّة والخُلُقيّة والعمليَّة للشباب تساعدهم على بناء شخصيَّتهم الإنسانيّة والإسلاميَّة، وهذه التوصيات، هي:

1. نواحي بناء شخصيَّة الشباب

إنَّ بناء شخصيَّة الشباب يجب أن تتكامل من نواح ثلاثٍ أكّد عليها سماحته، وهذه النواحي، هي:

الناحية الروحيّة.
والناحية الجسمانيّة.
والناحية العلميّة.
والناحية الإدارية والعملية.

قال الإمام الخامنئيّ(دام ظله): وليعدّوا أنفسهم من الناحية الروحيّة، ومن الناحية الجسمانيّة، ومن الناحية العلميّة، ومن حيث القدرات الإداريّة»[2].

2. بناء الذات، على المستويَين الفرديّ والجماعيّ

يقول سماحته (دام ظله): «بناء الذات مهمّ للغاية، سواء في الأبعاد الفرديّة أو الجماعيّة، فيجب عليكم بناء أنفسكم بصفتكم أفرادًا، وكذلك بناء أنفسكم بوصفكم جماعة. فالأنس بالقرآن، والعلاقة بالقرآن، والصلاة بحضور قلب، والصلاة في أوّل الوقت، والاهتمام بالأدعية هي أمور أعتقد أنّها ضروريّة لبناء الذات. هذا سيساعدكم على عبور المنزلقات بسهولة وسلامة. فهناك منزلقات؛ فالخوف منزلق، والتردّد منزلق، والشعور بالضعف منزلق، والدوافع غير السليمة منزلق... يوجد العديد من المنزلقات في طريقنا، خاصّة للناشطين في القضايا الاجتماعيّة. لذلك، هؤلاء يحتاجون إلى المزيد من بناء الذات وإلى تقوية بُنيتهم الروحيّة والمعنويّة. باعتقادي، عندما تكون بُنيتكم الروحيّة والمعنويّة قويّة،

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/02/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2019م.

 

24


15

الأسرة

ستجدون المزيد من القدرات، سواء في مجال الفكر، أو اتخاذ القرارات، أو العمل، ونحن بحاجة إلى ذلك في جيل الشباب»[1].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

 

25


16

الأسرة

3. تقوية الأسس المعرفيّة وتجنّب الانفعال والانحراف

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ البيئات الشبابيّة مثل الجامعات أصيبت بأضرار منذ القِدم، ومن جملة تلك الأضرار المتركِّزة على البيئات الشبابيّة ضرران رئيسان: أحدهما الارتباك والآخر الانحراف. الارتباك يعني الشعور بأنّك مكتّف الأيدي، عديم الفائدة، واليأس أمام الأحداث الصعبة، والذي كان من الممكن التغلُّب عليه عندما يتمّ رفع مستوى المعنويّات، لن يكون هناك ارتباك على الإطلاق. والانحراف -الانحراف الفكريّ، الانحراف في الأسس المعرفيّة - تجري معالجته عبر هذه التوصية.

 

26


17

الأسرة

انظروا، لدينا شباب في الأيّام الأولى للثورة، كانوا أناسًا مسلمين، ودخلوا إلى الميدان من أجل الإسلام، ولكن لأنّ أسسهم المعرفيّة كانت ضعيفة، فقد انجذبوا إلى مجموعات لقيطة، وتحوّلوا من شباب مؤمنين سليمين وإسلاميّين؛ ليصيروا من أولئك الذين حملوا السلاح ضدّ إخوانهم من المواطنين، واستهدفوا بهجماتهم الشابّ، والرجل العجوز، والتاجر في السوق، وارتكبوا تلك الفجائع، وتلك الجرائم. بسبب ضعف الأسس المعرفيّة، انجذبوا نحو هذه الجماعات المنحرفة، وانجرّوا إلى هذه الطرق، وفي نهاية المطاف انطووا تحت لواء صدّام. منشأ هذا كلّه، كان غياب الأساس الفكريّ. كان هناك أشخاص آخرون في ذلك الوقت -كنّا نعرف أناسًا، كنت أعرف الكثير من هؤلاء الناس قبل الثورة في التنظيمات الجماعيّة نفسها وما شابه ذلك - وقفوا بحزم؛ لأنّ أسسهم الفكريّة كانت صحيحة، فقد ارتبطوا بكتب الشهيد مطهَّريّ، وكانوا على دراية بأفكار العلّامة الطباطبائيّ، وكلام الشهيد الصدر، وكانت أسسهم الفكريّة والمعرفيّة قويّة، فوقفوا بحزم، بينما كان لدى بعضهم أسس معرفيّة ضعيفة فانجرفوا، مع الأسف»[1].

4. الاستمرار في طلب القيم المثاليَّة، والمُساءلة

وأشار سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ضرورة التحلِّي بالقيم المثاليَّة، حيث يقول: «لا تتركوا لواء السعي للقيم المثاليّة والمُساءلة؛ فهذا شيء قيّم للغاية. بعض الأشياء التي تطالبون بها قد لا تكون عملانيّة وهذا واقع القضيّة؛ أي عندما يبدأ الشخص في العمل، تصير مشكلات العمل الميدانيّ أكثر وضوحًا بالنسبة إليه، ويصير من الواضح أنّ كلّ ما أردناه، إمّا لا يمكن القيام به، وإمّا لا

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

 

27


18

الأسرة

يمكن القيام به في أمدٍ قريب، لكنَّ طلب القيم والغايات المثاليّة هذا في حدّ ذاته قيّم للغاية؛ لأنّه إن لم يكن هناك طلبٌ للقيم والغايات المثاليّة، فسوف نضيّع الطريق، فطلب القيم والغايات المثاليّة يجعلنا لا نضيّع الطريق، ولا ننعطف يسارًا ويمينًا في منتصف الطريق، وألَّا نسير يسارًا ويمينًا. تمسّكوا بطلب القيم والغايات المثاليّة هذا. هذه القيم المثاليّة: العدالة، الاستقلال، القضاء على الفساد، والحضارة الإسلاميَّة في نهاية المطاف... الهدف الرئيس والحقيقيّ والنهائيّ منها هو بناء حضارة إسلاميّة. لا تضيّعوها وطالبوا بها، وطالبوا بالتفكير فيها»[1].

وفي كلمة أخرى له يشير فيها سماحته(دام ظله) إلى ضرورة الاستمرار في التكامل وعدم الخوف واليأس: «أيّها الشباب، نَمُّوا في نفوسكم، وفي نفوس الآخرين، غرسات الأمل بالمستقبل، وانبِذوا من نفوسكم ونفوس الآخرين الخوف واليأس. هذا جهادكم الأوّل والأهمّ»[2].

5. الانتقاد إلى جانب الاقتراح، واجتناب التهكّم

وفي وصيَّة أخرى له(دام ظله) شدّد على ضرورة النقد والاقتراح، وليس فقط النقد غير البنّاء الذي يهدم الشخصيَّة والعمل، حيث يقول: «إنّ المُساءلة ليست مجرّد الانتقاد، وليست مجرّد الاعتراض، على الرغم من وجود اعتراض فيها، بل هي الانتقاد إلى جانب الاقتراح. ثمّة مجموعة الشباب الذين يسمعون هذا الحديث، وينشطون في هذه المجالات يجب أن ينتبهوا إلى [حقيقة] أنّنا ننتقد فقط، ونعترض فقط، فإنّ هذا لن يجدي نفعًا، وعلى هذا النحو، لن تكون [الاعتراضات] مجدية على الإطلاق، ولن يكون لها أثر ثابت. حسنًا، قد توجد بعض

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/02/2019م.

 

28


19

الأسرة

الفوائد الصغيرة في البداية، لكن ما هو مفيدٌ هو الاقتراح. انظروا، في الإسلام أيضًا، إنّ النهي عن المنكر مصحوب بالأمر بالمعروف، النهي عن المنكر هو ذلك الاعتراض نفسه، والأمر بالمعروف يعني الاقتراح، وتقديم الحلّ، وعرض العمل الذي يجب فعله، ويمكن تطبيقه؛ هذان الأمران يأتيان معًا. بناءً على ذلك، قوموا بالمُساءلة مصحوبةً بتقديم الحلّ حتمًا، واعرضوا حلولًا جيّدة ومقبولة. وللتذكير أيضًا، لا تصحبوا المُساءلة بالتهكّم والشتائم. هذا رجائي لكم»[1].

6. الاستفادة من أصحاب التجربة

أكّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) للشباب على ضرورة الاستفادة من أصحاب التجربة السابقة، والذين يمتلكون الخبرات الواسعة، فينبغي على الشباب أن يعملوا مع هذه الفئة من أبناء المجتمع؛ لتقديم الخدمات للناس، وتطوير البلاد، حيث قال: «أنا أعتمد دومًا على الشباب، لكنَّ هذا لا يعني أن يغضّ المرء الطرف عن الأفراد أصحاب التجربة والخبرة والعلم والمتمرّسين. الشباب في الواقع هم الروّاد الأساسيّون، والمندفعون والمحرّكون إلى الأمام. وبالتالي، فوجودهم ضروريّ، سواء في الأجهزة الحكوميّة أو في الأجهزة التشريعيّة، أو في القطاعات المختلفة الأخرى. هذه النزعة الشبابيّة التي تحدّثنا عنها ضرورة أكيدة للبلد، لكنّها لا تعني استبعاد الأشخاص أصحاب التجربة والمتمرّسين والخبراء. كلّا. التركيب بين هاتين الفئتَين تركيبة مطلوبة»[2].

7. السيطرة على المشاعر

أشار الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى ضرورة التفطُّن إلى المشاعر والتحكّم بها وتسييرها وفق المنظومة التشريعيَّة والخُلُقيَّة الإسلاميَّة، قال:

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2020م.

 

29


20

الأسرة

«التفطُّن إلى أنّنا نعتمد على الشباب، ونثق بهم، لكن لا ينبغي لمشاعر الشباب أن تسُود المجتمع بصورة مطلقة، وبنحو غير مسيطَر عليه. فالمشاعر يجب السيطرة عليها. يمكن التصرُّف بطريقتَين: الأولى، التعامل مع العواطف والمشاعر من دون سيطرة؛ والثانية، التعامل مع المشاعر بحيث تبرز بالمقدار اللازم؛ وهذه ليست بالعمليّة السهلة»[1].

8. أهمِّيَّة صناعة الخطاب

يقول سماحته (دام ظله): «إنّ مجرّد أن يقول الشباب شيئًا، ويُبَثّ، وتسمعه مجموعة من الشباب وغير الشباب، هذا يبني ذهنيّة جديدة تدريجيًا. هذه الذهنيّات هي صناعة الخطاب تلك. وهذا يصنع ما يسمّى التوجيه الفكريّ المحدّد في المجتمع، وهو أمر ذو قيمة. رجائي لكم هو أن تهتمّ الحركات الطالبيَّة بصناعة الحوار. استخرجوا قضايا النظام، فكّروا فيها، قدّموا حلولًا مدروسة وقويّة، واطرحوا هذه القضايا.

ثمّ إنّه يجب أن تؤخذ آراء الشباب وما يقدّمونه بعين الاعتبار، وأن يُعتنى بها، وأن يصنع الخطاب في المجتمع. بمجرّد صنع الخطاب، سيحدث إقبالٌ لدى العموم نحو المجموعات الشابّة»[2].

9. الانتباه والحذر من تجنيد العدوّ لكم

نبّه الإمام الخامنئي (دام ظله) على أنَّ العدوّ يولي اهتمامًا خاصًّا للشباب من أجل تدمير الشباب ومستقبلهم، وتدمير الطاقات الشبابيَّة، وبالتالي تدمير البلاد ودورها وتأثيرها في العالم، حيث قال: «إنّ الشباب أنفسهم، والذين يتعاطون مع قضايا الشباب، يجب أن يعرفوا أنّه تمامًا كما نهتمّ بقضيّة الشباب من أجل مستقبل البلد وتقدّم البلد،

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/03/2019م.

[2]  من كلامٍ له(دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

 

30


21

الأسرة

إنّ عدوّنا أيضًا يولي أهمِّيَّة لقضيّة الشباب من أجل تدمير البلاد وإركاع الثورة، وهو يعرف دور الشباب.

يجب على الجميع الانتباه إلى أنّ الأعداء يعملون أيضًا على شبابنا، ويسعون أيضًا إلى الاستغلال السيّئ لشبابنا، وهم جميعًا يتابعون هذا ويخطّطون له أيضًا. في بعض الحالات، قد يحتاجون إلى عناصر داخل البلد، فيعملون على الشباب داخل البلد، وفي بعض الحالات، يحتاجون إلى عناصر دعائيّة، ومحلّل سياسيّ، وعنصر سياسيّ، وما شابه، فيعملون عليه، وفي بعض الحالات، يحتاجون مثلًا إلى إجبار شابّ على أن يدير ظهره إلى وطنه، وأن يغادر، ولقد رأيت ذلك يحدث. فيجبرون الفنّان، والرياضيّ، وطالب الحوزة الذي لم يكمل علمه، والطالب الجامعيّ... يجبرونه بطريقة ما وبضجّة [إعلاميّة] على مغادرة البلاد؛ مثل هذه الأشياء يفعلها العدوّ الآن مع الشباب. يجب على الجميع الانتباه إلى ذلك، والحذر من المساعدة في تجنيد العدوّ مجتمعَ الشباب.

الهدف الأوّل الذي يستهدفه العدوّ، هو فكركم وذهنكم وما يسود تفكيركم. هذا هو الهدف الأوّل. يحاول الأعداء بشتّى صنوف الحيل والألاعيب، تغييرَ هذه الأفكار؛ وحين تتغيَّر الأفكار، فسوف تتغيَّر الأعمال بشكل طبيعيّ. لا تسمحوا بتغيير الأفكار، ولا تسمحوا بأن يُضعِفوا الدوافع والمحفِّزات، ولا تسمحوا للعدوّ أن يقضي على القوّة الداخليّة لإيمانكم، وهممِكم العالية. قِفُوا بقوّة وثبات، وتوكّلوا على الله، وسيكون الله تعالى معكم، إن شاء الله»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

 

31


22

الأسرة

10. العمل بإخلاص

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «نريد لشبابنا أن يعملوا بإخلاص مثل مرحلة «الدّفاع المقدّس» حين كانوا كذلك بالفعل، وأولئك الذين شاركوا في تلك المرحلة وضحّوا وعملوا بكلّ إخلاص وتفانٍ، واستطاعوا بفضل ذلك أن يتقدّموا، ثمّ تابعوا من بعدها على النهج نفسه في مختلف الساحات. إنّ الرّكض خلف النجاحات الدنيويّة يُعرقل العمل، وإنّ وجود أشخاص يُنجزون أعمالهم لأهداف دنيويّة، وللوصول إلى المال والجاه والمقام وأمثال ذلك، من شأنه أن يعوق التقدّم، فالعمل يتقدّم بالمجاهدة والإخلاص»[1].

توصيات للمسؤولين تخصّ الشباب

أشار الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في الكثير من خطاباته إلى العديد من التوصيات التي ينبغي على المسؤولين والقيادات في الجمهوريّة الإسلاميَّة العمل عليها اتجاه الشباب، وهي:

1. التوجّه نحو الشباب ونصحهم

يدعو الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ضرورة الالتفات إلى جيل الشباب، والاهتمام به، وجذبهم نحو المعنويّات، فإنَّ الشباب يمتلكون فطرة إلهيَّة صافية ونقيَّة، يقول: «إنّ طريق استقطاب الشباب هو جذب قلوبهم؛ قلوب الشباب عجيبة، وأوضاعهم مدهشة جدًّا؛ إنّ توجّه الشباب وانجذابهم نحو المعنويّات هو من الأسرار الإلهيّة الكبرى. إذا ذُكر كلام روحيّ معنويّ لأمثالي أنا العبد، أستمع له، وفي أحسن الأحوال أتأثّر قليلًا، لكنّ الكلام نفسه إذا قيل لشابّ، فإنّ ذلك الشابِّ سينقلب ويتحوّل من حال إلى حال؛ قلب الشابِّ متقبّل للحقيقة،

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/10/2020م.

 

32


23

الأسرة

قلب الشابِّ قريب إلى الفطرة الإلهيّة؛ ﴿فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ﴾[1]. قلب الشابِّ يأنس بالنصائح والأمور المعنويّة والسلوكيّة والعرفانيّة، يستأنس بسرعة، يعشق ويتعلّق بسرعة؛ هذا ما يجذب الشباب. امزجوا كلامكم وأعمالكم بالمعنويّات والعرفان الحقيقيّ، وليس بأنواع العرفان الخياليّة والوهميّة والشكليّة، سترون كيف ينجذب الشباب ويأتون بهذه المسائل»[2].

2. الاهتمام بالنخب الشابّة

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «على جميع المسؤولين الاهتمام بالنخب كفريضة وكواجب لا يمكن اجتنابه. يوجد هنا هدف كبير، وهذا الهدف يستدعي أن تكون النظرة إلى النخب نظرة جدّيّة وعمليّة، ونظرة رحمة وحنان ومتابعة دؤوبة. ما هو ذلك الهدف؟ إنّه عبارة عن تبديل إيران إلى بلد متقدّم وشريف- شريف في مقابل [بلد] لئيم وخبيث، وهي صفات بعض الدول والقوى حاليًّا-، وإلى بلد يحمل الأفكار الجديدة في القضايا الإنسانيّة والمسائل العالميَّة»[3].

3. التحوّل في النظرة إلى جيل الشباب والثقة به

يقول سماحته(دام ظله): «كونوا كالإمام؛ لقد وثِق الإمام بفكر الشباب وعمله؛ كان هذا تحوّلًا بكلّ ما للكلمة من معنى. خذوا على سبيل المثال، «حرس الثورة الإسلاميَّة» الذي تمّ تشكيله: لقد تقبّل الإمام للشباب في سنّ العشرين ونيّف أن يكونوا على رأس الحرس، ومعظم هؤلاء كانوا من الشباب الذين تصل أعمارهم إلى الثلاثين كحدّ أقصى مثلًا. كانوا بقيادة «حرس الثورة الإسلاميَّة»، وقادة فرق وفيالق. هؤلاء

 

 


[1]  سورة الروم، الآية 30.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/08/21م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/10/2016م.

 

33


24

الأسرة

جميعهم من الشباب الذين أُوكلت إليهم مهمّات كبرى. وهكذا الحال في مجالات أخرى أيضًا. في المسائل القضائيّة، وفي مجالات أخرى أيضًا، كانت لدى الإمام ثقة عجيبة بالشباب الذين كانوا موضع رضاه واعتماده. كان يُوكِلُ الأعمال إلى الشباب، وكان يثق بتفكير الشباب وعملهم»[1].

4. إفشال مخطّطات العدوّ في إضعاف معنويّات الناس

أشار سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ضرورة الالتفات إلى مخطَّطات العدوّ، وأساليبه، ووسائله التي يستخدمها في تدمير معنويَّات الناس عمومًا، والشباب خصوصًا، حيث يقول: «إنّ سياسة إضعاف معنويّات الناس والحركة والنشاط والأمل لديهم، كانت موجودة منذ بداية الثورة. كانت هذه هي المنهجيّة الثابتة التي تبنّاها العدوّ، أن يحاول التأثير في الشعب بالتلفزيونات والإذاعات الموجّهة التي يديرها، وبأن يُفهمهم أنّكم تعيسون، وأوضاعكم سيّئة، وأموركم قد انتهت، ولن يستطيع أحد أن يمدّ يد العون إليكم، وغيرها من الترّهات... لماذا يفعلون ذلك؟ كي يضعفوا معنويّات الناس، ويسلبوا الأمل منهم، ولا سيّما فئة الشباب؛ لأنّ الشابّ عندما يكون مفعمًا بالأمل، يصير تحركه استثنائيًّا. فالشباب هم السبّاقون والروّاد دائمًا، وإذا سُلب الأمل منهم، يتوقّفون عن الحركة»[2].

5. الاهتمام بمسائل التّربية الأخلاقيّة، والجمال المعنويّ للشّباب

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «يجب علينا أن نصقل نفوس شبابنا الأعزّاء؛ هؤلاء الشّباب الموجودون هنا هم أبناؤنا الأعزاء، هم الأرواح الطيّبة والنّفوس السّليمة في مجتمعنا. هؤلاء الشّباب هم الفئة الأفضل

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/06/2020م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 31/07/2020م.

 

34


25

الأسرة

من شعبنا وفي مجتمعنا. لذا، علينا قدر الإمكان أن نعمل على تهيئة الوسائل اللازمة لصقل نفوسهم. إنّ جمالهم المعنويّ يكون بتحلّيهم بالتّقوى والإخلاص والشَجاعة والتّواضع، والوفاء بالعهد، والعمل بالقول الذي قطعوه على أنفسهم تجاه النّظام والإسلام والثّورة، فهذه من أهم الخصال المعنويّة التي يجب أن يتحلّوا بها.

يجب عليهم جميعًا الاهتمام بهذه الجوانب؛ لئلّا تغُرّ الدّنيا شبابنا، وينشدّوا إلى جمع المال والجاه والمقام، إذا ما تسلّموا مسؤوليّة ما»[1].

وهنا يؤكّد الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على أنّ أهمَّ الأعمال هو بناء الإنسان خصوصًا الشباب منهم، قال: «إنّ فتح الفتوح الذي قامت به هذه الثورة هو تربية الشباب، وإعداد هذه الغرسات المتوثّبة». هذا ما قاله الإمام الخمينيّ ذات مرّة، وكان الحقّ معه. فقوله هذا صائب تمامًا. هذه حكمة الإمام. فكلّ هذه الفتوح والأعمال والإنجازات المهمّة صغيرة مقابل هذا الإنجاز؛ تربية أفراد مميَّزين. ولحسن الحظّ، لدينا اليوم الكثير من هؤلاء الأفراد»[2].

6. تقدير طاقات الشباب واستثمارها

يجب على المسؤولين في الجمهورية الإسلاميَّة الالتفات إلى إمكانات الشباب وتثمينها، وهذا ما يحصل من خلال معرفة هذه الإمكانات والطاقات الكبيرة التي يمتاز بها الشباب، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «ومن جملة هذه الإمكانات والطاقات، هؤلاء الشباب الصالحون. ثمّة عُقد تعترض أعمال بعض المسؤولين في بعض أقسام المؤسّسات الحكوميّة والرسميّة الكبيرة، يمكن لهؤلاء الشباب أن

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/10/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/01/2020م.

 

35


26

الأسرة

يحلّوها ويفكّوها، سواء بأنامل أفكارهم الشابّة النيّرة، أو بأنامل عملهم وجهودهم. فليعرفوا قدر الشباب، وليرجعوا إليهم، وليستفيدوا من آرائهم. وغالبًا ما كان التوفيق حليفنا في المواطن التي استفدنا فيها من آرائهم وانتفعنا بها. ليعرفوا قدر الشباب، وقدر طموحاتهم العالية. الشباب طموحون؛ لا إشكال في ذلك. هذه الطموحات هي التي تتقدّم بالشعب إلى الأمام، وتَحُول دون مراوحته مكانه وتوقُّفه. ولا يهابون ضجيج الغربيّين وضوضاءهم»[1].

وأكّد سماحته(دام ظله) على أنّ الغد المشرق هو للشباب: «لأنّ الغد لكم أنتم الشباب، وهذا البلد لكم، لِيَبْنِ الشباب أنفسهم»[2].

دعائي للشباب

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنَّني أدعو للشباب دائمًا من دون انقطاع. إنّني أدعو لكم، أيّها الشباب، مرّة واحدة على الأقلّ في اليوم، وأدعو لكم أن يساعدكم الله، ويهديكم الله، ويسعدكم الله، أن يحلّ مشكلاتكم؛ مشكلات العمل، والزواج، ومشكلاتكم المختلفة. أرجو أن يستجيب الله لهذه الدعوات، وسوف يستجيبها. بالتأكيد، غدًا سيكون وضع مجتمع شبابنا أفضل ممّا هو اليوم، بفضل التوفيق الإلهيّ وبركات فضائل بقيّة الله (أرواحنا فداه)»[3].

وفي خطاب آخر يقول(دام ظله): «أنتم كأبنائي بكلّ معنى الكلمة، وأنا أحبّ لكم ما أحبّ لأبنائي. إنّني [أدعو] لكم دائمًا؛ فلا تمرّ ليلةٌ ويومٌ لا أدعو فيه لكم، أيّها الشباب، بأن أسأل الله جلّ وعلا أن يثبّت أقدامكم على هذا النهج، ولتعلموا أنّكم لو كنتم ثابتي الأقدام على هذا النهج، فسوف يصلح البلد، وتصلح الدنيا، وتصلح البشريَّة»[4].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/01/2019م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2019م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2020م.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/10/2019م.

 

36


27

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

التعبئة ظاهرةٌ إبداعيّة
تمهيد

يؤكّد الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على أهمِّيَّة التعرّف إلى قيمة التعبئة وتعريف الشباب وخصوصًا شباب التعبئة إلى ذلك، حيث يقول: «التعبئة جماعة مضحّية من الناس، ولأجل الناس. إنّها تشكيل جماعة في مسيرة عظيمة لشعب مجاهد. المشاركة في ميدان الدفاع، وفي ميدان العلم، وفي ساحة الفنّ، وفي البناء، وفي السياسة، وفي الثقافة، وفي مساعدة المستضعفين والمحتاجين، وفي الإنتاج، وفي التقنيَّة، وفي معالجة مختلف قضايا البلاد، وفي الرياضة، وفي النجاح والتألّق بين الأُمم، وفي أيّ عمل خير. هذه هي حركة التعبئة، حركة جماهيريّة شعبيّة لأجل الناس، ومن صميم الناس، ومن الناس ومن والشرائح كلّها، من النساء، ومن الرجال، ومن الشباب، ومن الشيوخ، ومن الناشئة، ومن الطبقات والقطاعات المختلفة، إنّها تشكيل منظومة حزب إلهيَّة حقيقيّة.

التعبئة سياسيّة، لكنّها ليست مصابة بالسياسة والألاعيب السياسيّة، وليست فئويّة. التعبئة مجاهدة، لكنّها ليست متطرّفة وعديمة الانضباط. التعبئة متديّنة ومتعبّدة بعمق، لكنّها ليست متحجّرة، ولا تؤمن بالخرافات. التعبئة ذات بصيرة، لكنّها ليست معجبة بنفسها. التعبئة ذات جاذبيّة واستقطاب، لكنّها ليست من أهل التسامح في الأصول. التعبئة غيورة وحارسة للخطوط الفاصلة.

 

38

 

 


28

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

التعبئة منحازة إلى العلم، لكنّها ليست منبهرة بالعلم سطحيًّا. التعبئة متخلّقة بالأخلاق الإسلاميَّة، لكنّها ليست مُرائية. التعبئة تعمل لعمارة الدنيا، لكنّها نفسها ليست من أهل الدنيا»[1].

خصائص التعبئة ومميِّزاتها

يشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في العديد من خطاباته إلى خصائص التعبئة ووميِّزاتها، ويدعو أفراد التعبئة إلى التحلّي بهذه الخصائص والمميِّزات، وهذه الخصائص، هي:

1. ظاهرة إبداعيّة

يقول سماحته(دام ظله): «إنّ ظاهرة التعبئة ظاهرةٌ إبداعيّة، ولا يعني ذلك أنّ قوى المقاومة الشعبيَّة لم يكن لها وجود في البلدان والبقاع الأخرى، فلقد كان لها وجود، وهذا ما نعلمه، غير أنّ قوَّات المقاومة في شتّى بلدان العالم، شرقًا وغربًا، غالبًا ما تختصّ بفترات القمع والكبت والكفاح، وبعد انقضاء فترة الكفاح -سواء عبر إمساك فصائل المقاومة نفسها بزمام السلطة أو إمساك غيرها بمساعدتهم- تنتهي قوى المقاومة، وينقضي أمد هذا التنظيم الشعبيّ»[2].

2. من صلب الشعب

التعبئة ليست حركة على هامش، المجتمع ولا هي من الأمور الكماليّة، ولا هي مجرّد مادّة دعائيّة أو إعلاميّة. التعبئة هي قلب المجتمع النابض الّذي يجب أنْ نفعّله ونعتمد عليه في إطار إمكانيّاته، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «التعبئة هي من صلب الشعب، وليست مؤسّسة مفصولة عن الناس، وإنّما هي متكوّنة من مختلف شرائح

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2011م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

39


29

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

الشعب الذين ينتمون إلى هذه المنظومة في الجامعات والمزارع والأسواق والأجهزة المختلفة الحكوميّة وغير الحكوميّة. والتعبئة، في الحقيقة، تعدّ اصطفاءً خاصًّا من بين أبناء الشعب لتكون ممثّلة عنه»[1].

[وإذا سألتَ:] كيف استطاع الإمام إيجاد هذه الظاهرة منقطعة النظير في تلك المرحلة؟ أنتم لم تشهدوا الإمام. أمّا نحن، فعشنا معه سنوات. كان إبداع الإمام العظيم هو استحداث هذه الظاهرة، التي لا نظير لها، من قلب أزقّة مدن البلد، وتشكيلها. فقد انبثقَت هذه الحقيقة الجميلة المتجلّية من صلب الناس؛ من قلب الناس. انبثقَت من بين منازل الناس. هذا ما فعله الإمام»[2].

ويعطي سماحته(دام ظله) نموذجًا للتعبئة القدوة التي ينبغي للتعبويِّين الاقتداء بها، يقول: «إنّ الكثير من قادة الحرس الثوريّ الذين تسمعون، أو تقرأون عنهم ما يثير الدهشة سواء من الشهداء أو الأحياء، هم من التعبويّين الذين نزلوا إلى ساحات الدفاع المقدّس في بادئ الأمر بهذه السمة، من دون أن يكونوا متفرّغين أو موظّفين، فتفتّحت مواهبهم، وتبدّلوا إلى قادةٍ كبارٍ أمثال: الشهيد «باقري» والشهيد «كاظمي» والشهيد «بروجردي» وغيرهم الكثير»[3].

3. أكبر شبكة ثقافيّة، اجتماعيّة، وعسكريّة في العالم

يشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى أنّ التعبئة تشكِّل شبكة ثقافيَّة واجتماعيَّة وعسكريَّة على مستوى الوطن، حيث يقول: «إنّ التعبئة هي أكبر شبكة ثقافيّة، اجتماعيّة، وعسكريّة في العالم؛ إذ لم أجد في أيّ مكان آخر، شبكةً شعبيّةً عظيمةً بهذا الاتّساع، وهذا العديد.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

40


30

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

هذا الأمر منحصر بمنظّمة «تعبئة المستضعفين» في بلدنا فقط، وهي الشبكة الكُبْرَى»[1].

 

4. فكر وثقافة

وفي خطاب آخر له يؤكّد على أنَّ التعبئة تشكل نهجًا ثقافيًّا وإنسانيًّا يُقتدَى به، قال(دام ظله): «الثقافة التعبويّة هي مجموعة المعارف والأساليب والسلوكيَّات التي بوسعها إيجاد مجاميع عظيمة في الشعب تضمن الحركة الإسلاميَّة المستقيمة والمستمرّة لذلك الشعب. هذا فكر وثقافة... وهو ليس مجرّد فكر في الذهن، إنّما يوجد في الخارج وفي الواقع العينيّ»[2].

 

5. مصدر إلهام للشعوب المستضعفة

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «لقد غيّرت الحركة التعبويّة مصير إيران، بل مصير ما هو خارج حدود إيران. منذ اليوم الأوّل، تحرّك تعبويّو إمامنا في شتّى ساحات الثورة، وإلى انتصار الثورة، وإلى ما بعد الثورة بقيت التحرّكات، وصارت نموذجًا وقدوة وذكرى للشعب الإيرانيّ في ساحات التاريخ. الشباب في نيويورك وكاليفورنيا اليوم يكرّرون شعارات الجماهير في مصر وتونس ويستلهمون منهم، ولا ينكرون ذلك. وشباب مصر وتونس استلهموا، وتعلّموا من حزب الله وحماس والجهاد الإسلاميِّ ولم يُخفوا ذلك. وقد كان المعلّم الأوَّلَ في العصر الحديث تعبويّو إمامنا الجليل، والكلُّ تعلّموا من تعبويّي إمامنا الجليل ومن المعوّقين والجنود والمضحّين في هذه الثورة... تعلّموا كيف يمكن تحطيم أساطير القوّة المادِّيَّة، وكيف يمكن تحطيم الأصنام على اسم الله، وكيف يمكن الصمود والمقاومة»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2011م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2011م.

 

41


31

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

6. مصداق تحويل التهديد إلى فرصة

التعبئة تشكِّل مسارًا في تحويل التهديد الذي يأتي على المجتمع من قبل الأعداء وغيرهم، إلى فرصة حقيقيَّةٍ للنموّ والتطوُّر والازدهار، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «كان تأسيس التعبئة مصداقًا تامًّا جليًّا لتحويل التهديد إلى فرصة. التفِتوا جيّدًا، في الثالث عشر من آبان سنة 1358هـ.ش. [4 نوفمبر 1979م]، وقعَت حادثة وكر التجسُّس[1]؛ تعرّض الأميركيّون للإذلال جرّاء هذه الحادثة؛ فشرعوا في التهديد وإبراز ردود الأفعال. ومضافًا إلى تهديداتهم اللفظيّة، تحرّكَت بارجاتُهم باتّجاه الخليج؛ أي أقدموا على تهديدٍ عمليّ.

حسنًا، شعبٌ كالشعب الإيرانيّ في تلك المرحلة، الذي لم يكن لديه لا قدرة عسكريّة، ولا إمكانات دفاعيّة مُعتبَرة، ولا صواريخ، ولا طائرات تعمل بالشكل المناسب، وتأتي أميركا فجأة، بكلّ قوّتها، لتواجهه، مهدّدةً إيّاه. هذا تهديد واضح! أليس كذلك؟

ولم يكن قد مضى شهرٌ على حادثة الثالث عشر من آبان، حيث أصدر الإمام الخمينيّ، بتاريخ الخامس من آذر 1358هـ.ش. [26 نوفمبر 1979م]، أمرًا بتأسيس التعبئة. هذا يعني بأنّ التعبئة، في الحقيقة، حوّلَت التهديد إلى فرصة. هذه هي حقيقة التعبئة. بينما لو أنّ أحدًا خاف من ذلك التهديد؛ مثلًا، تخيّلوا لو أنّ الإمام تردّد أو احتمل أنّ بمقدور أميركا أن تقوم بضربة ما، ولم تُخلَق حركة التعبئة العظيمة هذه، ليس معلومًا إلامَ كان سيؤول إليه مصير البلد. لقد أدّى وجود التعبئة إلى تحوُّل ذلك التهديد إلى هذه الفرصة العظيمة.

إذًا، منطق التعبئة الأساسيّ هو إزالة التهديدات، وتحويلها إلى فرص. نواجه تهديدات كثيرة، ويجب تحويل كلّ واحدة من هذه

 

 


[1]  السيطرة على السفارة الأميركيّة في طهران، مِن قِبَل الطلّاب السائرين على خطّ الإمام.

 

42


32

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

التهديدات إلى فرص، بمبادرات تعبويّة. كلّما زادت التّهديدات، زادت الفرص. من هنا، لم يعد التهديد يشكّل تهديدًا لنا. إنّما صار التهديد يُوجِد لنا الفرص، ببركة التعبئة»[1].

السمات العمليَّة للتعبئة والتعبويّين

أشار الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في الكثير من خطاباته إلى أهمِّ السمات العمليَّة التي ينبغي أن تتحلّى بها التعبئة خلال عملها في المجتمع، وهذه السمات، هي:

1. حضور بأهداف إلهيّة سامية

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «التعبئة هم أبناء الشعب الذين يوجدون في وسط الساحة بأهداف إلهيّة سامية، وبروح مثابرة، لا تعرف الكلل والملل، وفي كلّ مكان يتطلّب الأمر، وينزلون بكلّ قدراتهم وطاقاتهم إلى الميدان، ولا يهابون المخاطر التي تعترض الطريق؛ أي إنّهم حملوا أرواحهم على أكفّهم.

والتعبويّ هو ذلك الشخص الذي أعدّ نفسه لهذه المهمَّة الشاقة؛ ألا وهي بذل النفس، بل وحتّى بذل تلك الأمور التي قد تكون أعزّ من النفس. هذا هو معنى التعبئة. وهذا من مميِّزات بلدنا ومن مختصَّات الثورة الإسلاميَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة»[2].

2. حضور في جميع الجبهات

يحثُّ الإمام الخامنئيّ(دام ظله) التعبئة على ضرورة الحضور في الساحات والجبهات كُلِّها، فهي ميدان عَمَلِهِم ونشاطهم، يقول: «إنّ من سمات التعبئة وخصائصها الوجود (الحضور) الواسع الذي يجب

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

43


33

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

الحفاظ عليه، في مختلف الساحات العسكريّة والعلميّة والفنِّيَّة من أمثال الشهيد السيّد «مرتضى آويني» الذي كان تعبويًّا، إلى غيره من الفنّانين الملتزمين والموالين، سواء في عالم الفنون التشكيليّة أو الشعر أو الأدب، وفي الساحة التقنيّة، وأخيرًا في المسائل الاقتصاديّة التي أَوْصَيْتُ رجال الحكومة في شأنها، وقلت لهم إنّ قوَّات التعبئة مستعدّة للحضور والمساهمة في ساحة الاقتصاد المقاوم.

ثمّ إنّ الحضور التعبويّ يعني حضور الناس، وأينما وُجدت قوَّات التعبئة، فذلك يعني أنّ الشعب الإيرانيّ حاضر وموجود في تلك الساحة، وكما ذكرت فإنّ التعبئة تعدّ نموذجًا ومثالًا ومعلَمًا من معالم الشعب الإيرانيّ. ومن الواضح أنّ الوجود هذا هو في سبيل الدفاع عن المبادئ والقيم والهويَّة الثوريّة والوطنيّة ومساعدة هذا الشعب وهذا البلد لبلوغ تلك المراحل التي تليق به، والتي قد رسمها ببركة الثورة الإسلاميَّة، وراح يحثّ الخطى باتّجاهها. فإنّ هذا هو المراد من وجود قوّات التعبئة، حيث يتعيّن عليهم الدفاع»[1].

آفات التعبئة

1. حذارِ من الغرور

يُعتبَر الغرور من الأمراض الخُلُقيَّة الخطيرة التي تصيب النفس الإنسانيّة، وتؤدّي بها إلى الهلاك والخسران يوم القيامة. وقد حذّر الإمام الخامنئيّ(دام ظله) من هذه الآفة التي تدخل إلى نفوس التعبويِّين وقُلوبِهِم، حيث قال: «إنّ واحدة من آفات التعبئة هي الغرور. فإنّنا ما دمنا تعبويّين -ونُعدّ من الصفوة والنخبة، ونتلقّى هذا الثناء والإطراء كلّه-، [علينا الحذر من] أن ننظر إلى الآخرين بعين الاستصغار. فإنّكم

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

44


34

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

كلّما تعاظمتم وتساميتم، لا بدّ وأن يزداد تواضعكم، ويتضاعف خشوعكم بين يدي الله تعالى.

فلننظر إلى مسؤوليّاتنا، وإلى تقصيرنا، وإلى نقاط ضعفنا ونقصنا، وهي ليست بالقليلة.

إذًا، الغرور هو إحدى الآفات. وعليكم أن تراقبوا أنفسكم لئلّا تصابوا بالغرور، لكونكم تعبويّين ومضحّين ومستعدّين لبذل الـمُهج»[1].

2. الغفلة والغرق في ملذّات الدنيا

يشدّد سماحته(دام ظله) على التعبويِّين لضرورة الانتباه إلى الغفلة والغرق في ملذَّات الدنيا؛ لأنَّ هذا المرض الخُلُقيّ يؤدّي إلى الوقوع في الذنوب والمعاصي، ونسيان الآخرة، حيث يقول: «الغفلة هي من الأمور التي تترتّب على الغرور؛ لأنّ المرء إذا ما اغترّ كثيرًا بقوّته وقدراته وقِيَمه، سيرضى ويطمئنّ إلى نفسه، وبالتالي سيصاب بالغفلة. فلا تغفلوا، ولتنظروا دومًا بأعين مفتوحة وأبصار ثاقبة»[2].

3. الدخول في منافسات ومسابقات الإمكانات الدنيويّة وزخارفها

يقول سماحته(دام ظله): «إنّ المسارعة والجري بحثًا عن زخارف الدنيا وبهارجها، وعن المزيد من الأمور الكماليّة، وعن الرفاه والعيش الأفضل، والربح الأكثر [من سمات] أهل الدنيا وعبيد الدنيا. فلا تخوضوا هذه الساحة التنافسيّة، ولا تقولوا إنّ فلانًا قد حصل على شيء، وأنا صفر اليدين، ولا بدّ لي من أن أكون مثله. كلّا، فإنّ هذه ليست من آفات التعبئة فحسب، بل هي آفة كلّ مؤمن. ولقد شاهدنا الكثير ممَّن كانوا موسومين بالخير والصلاح وكانوا من الموالين، ولكنّهم عندما غرقوا

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

45


35

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

في بحر ملذّات الدنيا، شيئًا فشيئًا، وهنوا واستكانوا، وصارت قدراتهم ضئيلة، ودوافعهم ضعيفة. فإذا ضعفت الدوافع ضعفت العزائم، وإذا ضعفت العزائم ظهرت آثارها في العمل، وأخيرًا ضاعوا وتاهوا»[1].

وصايا للتعبئة

يوصي الإمام الخامنئيّ(دام ظله) أفراد التعبئة ببعض الوصايا في الجوانب الخُلُقيَّة والسلوكيَّة والعمليَّة وغيرها، هذه الوصايا تعتبر دستورًا فكريًّا تسير وفقه التعبئة حتَّى تحقيق أهدافها، وهذه الوصايا هي:

1. التقوى

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ وصيّة جميع العظماء من أرباب المعنى -الذين قد تشرّفنا بخدمة بعضٍ منهم- هي الإعراض عن الذنوب. بعضهم يطالب بأذكار مطلوبة تأخذ بيد الإنسان إلى المقامات الرفيعة، وهم يقولون: الذكر هديّة لكم، ولكن لا تُذنبوا. وهذه هي الخطوة الأولى التي ما إن يخطوها الإنسان حتّى يُعالِجَ الكثير من مشاكله الروحيّة والمعنويّة والمادّيّة.

إنّنا جميعًا مُعرَّضون لاقتراف الذنوب، والوقوع في المزالق والزلّات، ويجب علينا المراقبة كما ذكرت. ولو كنتم تراقبون أنفسكم -وهي التي يُعبَّر عنها بالتقوى؛ فإن المراد من التقوى التي تكرَّرت هذا التكرار كلّه في القرآن الكريم هو مراقبة النفس من عدم الوقوع في الذنوب والفساد- سوف ينصركم الله سبحانه وتعالى، ويثبّت أقدامكم. والمراقبة -في حدّ ذاتها- تستنزل الرحمة الإلهيّة، والتقوى تبارك في حياة الإنسان وفي عمره وفي لحظاته وفي ساعاته. وهذه هي أولى توصياتي»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

46


36

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

2. البصيرة

يؤكّد سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على ضرورة امتلاك التعبئة البصيرة النافذة والثاقبة، حيث يقول: «لطالما كرّرتُ هذه الجملة الصادرة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) خلال كلماتي، حيث يقول: «ألا... وَلا يحمِلُ هَذَا العَلَم إلّا أَهلُ البَصَرِ والصَّبر»[1]. وقد ذكر أوّلًا أهل البصر، وهم أصحاب الرؤى الصحيحة، وأهل البصائر الذين يُدركون المشهد، ويفهمون وضع الساحة. فلا بدّ من تعزيز البصيرة يومًا بعد يوم، ومعرفة المشهد الداخليّ، والوقوف على مجريات الأحداث في الداخل، ففي أيِّ المواطن يتلمّس الإنسان وجود العدوّ؟ وفي أيّ المواطن يستطيع المضيّ قُدمًا باطمئنان قلب وراحة بال؟ هذه هي البصيرة المتمثّلة بمعرفة مكانتنا في العالم المعاصر»[2].

3. كونوا على أُهْبَةِ الاستعداد

يشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى هذه الوصيّة بقوله: «الاستعداد والجهوزيَّة والتأهّب من الشرائط اللازمة والتوصيات الواجبة التي لا بدّ من أن نوصي بها إخواننا وأخواتنا في قوّات التعبئة؛ إذ يجب أن يكون المرء على أُهْبَةِ الاستعداد للعمل في المجالات كافّة: الدفاع في الساحة الصلبة، في الساحة نصف الصلبة، والدفاع في الساحة الناعمة. يجب أن يكون لدى التعبئة الاستراتيجيّات والتكتيكات الجاهزة للتعامل مع مختلف الحوادث، أو في المجالات الأخرى كافّة. لا تتفاجؤوا بأيَّة قضيّة.

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص248، الخطبة 173.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

47


37

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

4. لا تتصرّفوا بانفعال

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «في الحرب الناعمة، لا تتصرّفوا عن ردّ فعل [بانفعال] أبدًا. طبعًا، يجب الردّ على العدوّ، ولكنّ الأفضل من العمل عن ردّ فعل، هو العمل عن إقدام وابتكار. كونوا متقدِّمين بخطوة عن عدوّكم دائمًا. توقَّعوا ماذا يريد أن يفعل [العدوّ]، ما الحركة التي يريد أن يُقدِم عليها، وأقدِمُوا على حركة مضادّة استباقيّة قبله؛ تمامًا مثل لاعب الشطرنج المحترف الذي يتوقَّع خطوة خصمه التالية، فيُقدِم على حركة يُقفِل عبرها الطريق أمامه، حتّى لا يتسنّى له القيام بها»[1].

5. كونوا دعاة للثورة

يرى سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) أنَّ التعبئة يمكن لها أن تقوم بدور الداعي إلى الثورة الإسلاميَّة ومبادئها وأصولها: «بمقدور التعبئة أن تبيّن للآخرين أنّ مواقف الجمهوريّة الإسلاميَّة في إيران هي أكثر المواقف منطقيّة، يتأتّى لأيّ إنسان منصف وعاقل اتّخاذها»[2].

6. استفيدوا من الطاقات

يؤكّد سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على ضرورة الاستفادة من قدرات التعبئة وطاقاتها، حيث يقول: «إنّ التعبئة طاقة جبّارة، وليست بالشيء القليل الضئيل، وإنّما هي منظومة عظيمة متأهّبة للعمل. إنّ الاستعانة بقوّات التعبئة والمتطوّعين من الناس سوف يساهم بشكل كبير في إنقاذ البلد.

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2015/11/25م.

 

48


38

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

التعبئة إرث كبير ومتألِّق للإمام الخمينيّ الراحل g، ومظهر من مظاهر الصّفاء والإخلاص والبصيرة والنّضال. ففي الدفاع عن الوطن واستقلاله واستقراره، وفي الخدمات الحيويَّة على المستوى الوطنيِّ الواسع، وفي الأنشطة العلميَّة المتقدِّمة والتقنيّات الجديدة، وفي المناهج القِيميّة وفي خلق الأجواء الروحانيّة، يُذكر اسم التعبئة في كلِّ مكان، ويتجلّى حضورها»[1].

7. وحّدوا كلمتكم في سبيل الله

كان المرحوم الميرزا جواد الطهرانيّ عالِمًا يأتي في المراتب اللَّاحقة للجماعة المعارِضة للفلسفة والعرفان، وقد درسنا عنده. وقد كان في الموقف والموضع المقابل [لموقف الإمام g]. فكان قبل الثورة، يُبدي مودّته وتأييده للإمام الخمينيّ، وقد سمعتُ منه ذلك شخصيًّا، قبل انتصار الثورة، وبعد انتصار الثورة، قام هذا الرجل وذهب إلى الحرب وشارك فيها، وهو شيخٌ مسنّ في السبعين أو الثمانين من عمره، ذهب وارتدى زيّ التعبئة، ووقف وراء المدفع، وراح يقاتل. لقد كان لدينا أشخاصٌ من هذا القبيل؛ أي على الرغم من وجود الاختلافات الفكريّة، توجد في الوقت عينه، وحدةُ الكلمة، في الله، وفي سبيل الله، وبالمعنى الحقيقيّ للكلمة»[2].

8. لا تسيئوا إلى التعبئة

يوصي الإمام الخامنئيّ(دام ظله) المجتمع والمسؤولين في الجمهوريَّة الإسلاميَّة بضرورة الالتفات إلى الاهتمام بالتعبئة وعدم الإساءة إليها، حيث يقول: «إنّني أعتبر التعبئة في غاية الأهمِّيَّة، وأراها ظاهرة تتّسم ببالغ الأهمِّيَّة والتأثير والبركة والمستقبل المشرق، وأعتقد أنّ ما يُبذَل

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/11/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/05/2019م.

 

49


39

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

من جهود وأعمال، وما يُوجّه إليها من إساءة وتشويه، لن يزلزل قوّات التعبئة، وسوف تزداد تأصّلًا وتجذّرًا، إن شاء الله، يومًا بعد آخر. فلقد كانت التعبئة ذات يوم غرسة دقيقة رقيقة، وأصبحت اليوم شجرة باسقة عظيمة، وسوف تكون بعد اليوم أصلب عودًا بفضل الله. ولكن يجب عليكم أن تراقبوا هذه الشجرة القويّة لئلّا تتسرّب إليها الآفات. وإنّني هنا، أخاطبكم بأن تتحلّوا بالدقَّة والحذر. تارة يهجمون على الشجرة بالمنشار لقطعها، وهذا ما يمكن صدّه، وتارة أخرى تتسرّب الآفة إلى داخل الشجرة، وهنا يَصْعُبُ علاجها»[1].

9. لا تَدَعوا علاقتَكم بالمسجد تضعف

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «التعبئة وليدة المساجد؛ فلقد [تمّ إرسال التعبويّين] إلى الجبهات من المساجد، وإلى المساجد عادت أجساد الشهداء المطهّرة، وغالبًا ما جرى توجيهُهم في المساجد. لا تنقطِعوا عن المسجد. وطبعًا، تصرّفوا في المساجد وفق الأخلاق الإسلاميَّة. لا تجعلوا الحضور فيه سببًا للانقسام والاختلاف والشجار وما إلى ذلك»[2].

10. التعاون مع مَن يحملون أهدافكم

يشير سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ضرورة التعاون مع التعبئة، وعلى التعبئة أيضًا أن يتعاملوا مع الذين يحملون همومهم وأفكارهم وأهدافهم، حيث يقول: «تعاونوا، وتآزروا مع المجموعات التي تتحرّك في جهة أهداف التعبئة، وليست جزءًا من قوّات المقاومة. هناك مجموعات تحظى بحضور على مستوى البلد ككلّ، إن كان في الجامعة، أو خارجها، أو في أيّ مكان آخر؛ حركتُها في جهة أهداف

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/11/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

 

50


40

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

تعبئة المستضعَفين، لكنّها ليست جزءًا من قوّات المقاومة في التعبئة. تعاوَنوا مع هؤلاء، وآزِروهم وواكِبوهم»[1].

11. أَطلِعوا الناس على خدمات التعبئة

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «التعبئة تقدِّم الكثير من الخدمات العظيمة، لكنّ أغلب الناس لا يعلمونها. فحين تقدّم التعبئة خدماتٍ في منطقة ما، لا يعرف سوى أبناء المنطقة بهذا الأمر. لقد أرسلوا إليَّ بعضَ الإحصاءات عن نشاطات التعبئة، وليست التعبئة هي من أرسلتها، بل طرف آخر؛ وهي إحصاءات مثيرة للاهتمام»[2].

12. كونوا الأسرع مبادرةً

يوصي سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) التعبئة بضرورة الإسراع والمبادرة إلى القيام بالأعمال على المستويات كافَّةً، حيث يقول: «تكون التعبئة سريعة المبادرة، إلى جانب انتشارها الكبير. لا تَدَعوا التعبئة أسيرةً للقيود الإداريّة الشائعة؛ لأنّ الكثير من الأعمال والبيروقراطيّة الإداريّة، تشلّ حركة القوى البشريَّة. لا تَدَعوا التعبئة تُشَلّ»[3].

13. التفتوا: إنّكم معرّضون للمؤامرات

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «اعلموا أنّ التعبئة معرَّضة، وبشدَّةٍ، لمؤامرات العدوّ واختراقاته. لا تنسوا هذا الأمر! لهذا، قلنا في ذكر أهمِّيَّة التعبئة: إنّ العدوّ يسعى، بقوّته كلّها، للتآمر عليها، واختراق صفوفها؛ كي يشغلها بمشاكل داخليّة. وطبعًا، [تشكّل هذه] الحركة العظيمة [حركة] مبارزةً ومواجهةً. واعلموا أنّكم، بحول الله وقوّته، ستنتصرون على الجميع.

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

 

 

51


41

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

رحمة الله على الإمام [الخمينيّ] العظيم، الذي زرع هذه الشجرة الطيّبة والغرسة المباركة. رحمة الله على شهداء هذا النهج، وعلى المديرين الذين بذلوا الجهود لأجل التعبئة، طوال هذه السنوات، وعلى جميع التعبويّين. وفّقكم الله جميعًا»[1].

14. أَحْيُوا فيكم القُدُوات

يشير سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على التعبويِّين إلى ضرورة الانتباه إلى إيجاد القدوة الخيِّرة والنموذجيّة بين أفراد التعبئة، حيث يقول: «تنتمي هذه الوجوه كلّها إلى التعبئة، بدءًا من حسين فهميده، وبهنام محمّدي، ومحسن حججي، وإبراهيم هادي، مرورًا بشهداء البرنامج النوويّ. انظروا في هذه الوجوه! كم أنّ الاختلاف في المكانة الاجتماعيّة بين هؤلاء شاسع! لكنّهم معًا في التعبئة. كذلك شهداء البرنامج النوويّ تعبويّون أيضًا، وكلّ مَن ذكرتُهم تعبويّون. كان باكري وزين الدين وحسين خرّازي وأمثالهم، ضمن الحرس، لكنّهم كانوا تعبويّين أيضًا. الشهيد صيّاد كان في الجيش، لكنّه كان تعبويًّا أيضًا. وكذلك الشهيد بابائي، كان التحرُّك تحرُّكًا تعبويًّا، والتوجُّه توجُّهًا تعبويًّا، والنزعة نزعةً تعبويّة؛ وصولًا إلى شمران وآويني وكاظمي وأمثالهم، كانوا تعبويّين أيضًا. كان «كاظمي أشتياني»، الذي أهدانا الخلايا الجذعيّة، تعبويًّا بقدر ما كان حسين خرّازي وحسين فهميده. هؤلاء جميعهم تعبويّون. هذه هي التعبئة. هذا العرض العريض، هذه الساحة الوسيعة، جميعها من مظاهر التعبئة. ومئات أخرى من الوجوه المعروفة.

أعزّائي، أريد القول: إنّ هؤلاء قدوة، ويحتاج الشباب في أيّ مكانٍ، إلى القدوة؛ وهؤلاء قدوات للشباب. أَحيُوا هذه القدوات، وضَعوها نصب أعينِكم. طبعًا، تتمّ كتابة الكتب، وتحرير السير الذاتيّة؛ هذا لا

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

 

52


42

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

يكفي. اجعلوا هؤلاء أمام أنظاركم، بمختلف الأساليب الحديثة في الدنيا. هؤلاء هم أفضل القدوات. يمكنكم أن تجدوا أفضل القدوات في التعبئة. فلتُعيدوا إحياءَها! يجب أن تظهر نماذج مشابهة في التعبئة كلّ يوم. قال الإمام [الخمينيّ] بأنّ التعبئة شجرة طيّبة[1]، والشجرة الطيّبة هي تلك التي: ﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ﴾[2]؛ أي إنّها تثمر في المراحل كلّها»[3].

لقد استيقظت الشعوب

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ الشعوب تستيقظ الواحد تلو الآخر، وعملاء الاستكبار سيخرجون من الساحة الواحد تلو الآخر، وسوف تتضاعف شوكة الإسلام واقتداره، إن شاء الله، يومًا بعد يوم.

ربَّنا، اجعلنا جديرين بهذه النعم الكبرى وشاكرين لها. اللّهمَّ نوّر قلوبنا بنور محبَّتك ومعرفتك وأوليائك، واشملنا بأدعية الإمام المهديِّ المنتظَر b أرواحنا فداه»[4].

 


[1] الإمام الخمينيّ، صحيفة الإمام، مصدر سابق، ج 21، ص 94.

[2]  سورة آل عمران، الآية 160.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2019م.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/11/2011م.

 

53


43

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

إدارة الوقت
تمهيد

بالنظر إلى غاية الإنسان القصوى، وهي الوصول إلى الكمال اللائق بإنسانيّته، نجد أنّها، وفق المنظومة الإسلاميَّة، لا تتحقّق إلّا في ظلّ العبوديّة لله تعالى، فالاتّصال بنبع الكمال اللّامتناهي هو السرّ في تحلّي الإنسان بصفات الجمال والكمال، وهذا الاتّصال هو التعبير الآخر عن العبوديّة لله تعالى والتي لها مظاهر متعدّدة في حياة الإنسان، ومن هذه المظاهر تقدير الإنسان لقيمة العمر، والذي هو رأسمال الحياة التي بها يسخّر الإنسان طاقاته من أجل الوصول إلى مبتغاه.

قيمة إدارة الوقت والعمر، يقابلها الكسل والبطالة، وهي أمور ذمّها الإسلام ورفضها؛ لأنّها تؤدّي إلى مفاسد كثيرة، كتضييع الفرص وعدم اغتنامها، ومن أجمل التعابير التي تلحظ هذه الأمور تسمية يوم القيامة بيوم الحسرة، حيث يتحسّر الإنسان على كلّ لحظة فاتته، في أثناء حياته الدنيا، كان باستطاعته استثمارها من أجل الوصول إلى مقامات لم يبلغها.

من هنا، كان لزامًا على كلّ مفكّر ومبلّغ يهتمّ بشؤون مجتمعه، أن يصوّب مسار الناس بالتنبيه على أهمِّيَّة هذه القيمة، وهذا ما نجده واضحًا في كلمات الإمام الخامنئيّ(دام ظله)، على ما سيتّضح.

 

54


44

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

تنظيم الوقت من مصاديق الجهاد

لا ينبغي حصر مصاديق الجهاد في أمور الحرب والقتال؛ ذلك لأنّ معناه بذلُ الوسع والجهد بغية الوصول إلى هدف سامٍ، فعندئذٍ يتّسع مدى الجهاد باتّساع مصاديق الجهد التي تُبذل من أجل غاية إلهيّة. ومن مصاديقها -بلا شكّ- بذل الوقت والجهد في سبيل الأهداف العالية، وعندئذٍ يتّضح أنّ عدم تنظيم الوقت، والبطالة والكسل هي أمور ترادف التخلّف عن الجهاد والبذل.

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «الجهاد يعني الحضور في ميدان المجاهدة مع السعي الهادف والإيمان، هذا ما يصحّ أن نقول عنه جهادًا. لهذا، فإن قال تعالى: ﴿وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ﴾[1]، الجهاد بالنفس والجهاد بالمال، فأين يكون الجهاد بالنفس؟ هل ينحصر بالذهاب إلى الحرب وحمل الأنفس على الأكفّ لتقديمها؟ كلاّ، إنّ أحد أنواع الجهاد بالنفس هو أن تقضوا وقتكم من المساء وحتّى الصباح على مشروع تحقيقيّ أو بحثيّ من دون أن تلتفتوا إلى مرور الوقت.

الجهاد بالنفس هو أن تضحّوا بأوقات ترفيهكم وراحة أجسامكم وتُعرِضوا عن ذاك العمل الذي يدرّ الكثير من المال والمدخول، وتقضوا وقتكم في هذا المحيط العلميّ والبحثيّ، حتّى تستنبطوا حقيقة علميّة حيّة وتقدّموها كباقة ورد إلى مجتمعكم، هذا هو الجهاد بالنفس. وقسم صغير منه هو الجهاد بالمال.

إنّ ميدان التعبئة إذًا، هو ميدان عامّ لا يختصّ بفئة أو قطاع أو منطقة من البلاد، ولا يختصّ بزمان من دون آخر، ولا ينحصر بميدان من دون غيره، بل هو موجود في الأمكنة والأزمنة والميادين والشرائح كلّها. هذا هو معنى التعبئة»[2].

 


[1]  سورة التوبة، الآية 41.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/06/2010م.

 

55


45

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

إدارة الوقت في مقابل الإفراط في الراحة واللذائذ

ذكرنا، في ما سبق، أنّ قيمة العمر تتجلّى في أنّه يمثّل الرأسمال الحقيقيّ للإنسان بغية الوصول إلى كماله. من هنا، يتّضح أنّ كلّ ما يقع عائقًا في سبيل الوصول إلى الأهداف هو من مضيّعات العمر، ومن الأمور التي تتلف الوقت فيذهب سدًى.

والتعلّق بالدنيا والإفراط في حبّ الشهوات واللذائذ وسفاسف الأمور هي التي تقع على طرف نقيض من استثمار العمر والوقت في سبيل الأهداف؛ وذلك، لأنّ الإنسان الذي يميل إلى طلب الراحة والدعة، سيجد من الصعوبة إذا اعتادها أن يتخلّى عنها، وهنا تظهر خطورة الغرق في ظلمات الشهوات، وهي أنّها تولّد في الإنسان ملكات راسخة في نفسه تحول دون نهوضه مجدّدًا.

وقد نبّه الإمام الخامنئيّ(دام ظله) كثيرًا على هذه المعادلة قائلًا في بعض كلماته: «من الخطأ أن نتصوّر أنّ الاستفادة من الشباب تعني الالتذاذ بالشهوات المادّيّة للشباب وتسليات الشباب وصرف الوقت باللّهو في هذه المرحلة من العمر، ليس هذا بالاستفادة من الشباب. قال الرسول الأكرم f: «ما منْ شابّ يَدَعُ للّه الدنيا ولهوها، وأهرمَ شبابه في طاعةِ الله، إلّا أعطاهُ اللهُ أجرَ اثنين وسبعين صدّيقًا»[1]، أي إنّ الشابّ الذي يحافظ على طهارته وعفّته ويختار عدم الانغماس في الشهوات المادّيّة، له عند الله تعالى أجر اثنين وسبعين صِدِّيقًا. «الطهارة في الشباب منهج نبويّ»[2]. المثال الذي وضعه الله كأسوة للشباب هو النبيّ يوسف (عليه السلام). ليس هذا التمتّع من الشباب، بل هو

 

 


[1]  الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميَّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قُمّ، 1414هـ، ط1، ص535.

[2] حكمة.

 

56


46

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

عند من «أهرم شبابه في طاعة الله»[1]، كما ورد في الحديث، يقضي الشباب في طاعة الله.

إطاعة الله ليست فقط في الصلاة، بالطّبع إنّ الصلاة مهمّة وبنّاءة وذات فضيلة عالية، ولكن ليس في هذا فقط، توجد في أفق الحياة الواسع مصاديق كثيرة لإطاعة الله، ومن أهمّها ترك الذنب وحفظ العفّة والطهارة. الدرس الذي تدرسونه هو أيضًا إطاعة لله، الابتكار الذي تبدعونه هو إطاعة لله»[2].

وقال(دام ظله) في كلمة أخرى ما لفظه: «نحن نستطيع أن نربّي هذا الشابّ الصبور القانع الراغب بالعمل والبحث والعمل الجماعيّ، والذي يتجاوز السفاسف ويغلّب عقله على أحاسيسه ويكون منصفًا وعارفًا بالوقت وصاحب وجدان في العمل، ويمكن أن نكون ممّن يضخّ فيه عكس هذه الصفات. ففي الواقع، إنّ هذا الشابَّ الذي يكون بعمر الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة والذي يصبح بيد الجامعة، مستعدُّ لهذه التربية. ففي ما يتعلّق بالمراحل الدراسيّة وخصوصًا الإجازة (الليسانس)، وهي المرحلة الأولى، يمكن التفكير في هذه القضيّة في الواقع والتخطيط لها. ويمكنكم أن توجدوا جيلًا يمتلك هذه الخصائص الخُلُقيَّة»[3].

متطلّبات تنظيم الوقت وإدارته

1. الروح الجهاديّة

الروح الجهاديّة دافع نفسيّ يشعر معه الإنسان دومًا بأنّ الهدفَ واضح جليّ، ويستحقّ بذل النفس والعمر له، فكلّما كان الهدف إلهيًّا كانت الروح مليئة ومفعمة بالعزم والثوريّة. من هنا، كانت إحدى

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص535.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/10/2011م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/02/2010م.

 

57


47

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

مستلزمات إدارة الوقت الالتفات دومًا إلى الهدف واستذكاره ممّا يولّد روحًا جهاديّة كما يسمّيها الإمام الخامنئيّ(دام ظله).

«التوجّه الجهاديّ، الهمّة الجهاديّة، الإرادة الجهاديّة. لا يمكن التقدّم بوساطة الحركة العاديّة، لا يمكن أن تُنجَز الأعمال الكبرى بوساطة الحركة العاديّة والرتابة والغفلة والتثاقل أحيانًا وغياب الحساسيّة. المطلوب همّة جهاديّة وتحرّك جهاديّ وإدارة جهاديّة، هذا ضروريّ لهذه الأعمال. على الحركة أن تكون علميّة وفي الوقت نفسه مفعَمَة بالقوّة، وأن تتحلّى بالتخطيط الجيّد وكذلك بالروح الجهاديّة»[1].

2. الالتفات إلى حاجات الناس

في الإسلام، لا يكون الهدف فرديًّا، بل الهدف الشخصيّ لكلّ إنسان هو بعينه هدف للبشريّة جمعاء، إذ لا يمكن للإنسان المسلم والعبد الواقعيّ لله تعالى أن يغفل عن الاهتمام بالناس ورعايتهم. لذا، فإنّ مسألة تنظيم الوقت تستلزم النظر دائمًا إلى حاجات الناس. ومن هنا، وصّى الإسلام كثيرًا بنشاطات متعلّقة بغايات اجتماعيّة. ولعلّ أبرز من ينبغي له أن يلتفت إلى هذه القضيّة هم المسؤولون الذين تتلازم وظيفتهم مع الاهتمام بشؤون الناس؛ لهذا نجد أنّ الإمام الخامنئيّ(دام ظله) دائمًا ما يربط مسألة النشاط وإدارة الوقت بوظيفة المسؤولين الأساسيّة: «وظيفة المسؤولين هي العمل واغتنام الوقت لخدمة الشعب، واغتنام كلّ لحظة وكلّ ساعة للعمل، وحلّ العقد ومعالجة المشكلات. والواجب العامّ حيال المسؤولين هو الثقة بهم ومواكبتهم ودعمهم ومساعدتهم. إذا كان لدى أحد وجهة نظر للمساعدة فليذكرها»[2].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/03/2014م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/01/2010م.

 

58


48

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

3. الوعي والبصيرة

كثيرةٌ هي الأوقات التي تُبذَل من أجل أمور قد لا تكون ذات أهمِّيَّة، لكنّ الإنسان الذي ينشد العبوديّة ويسخّر طاقاته لخدمة الأهداف الإلهيَّة، لا يلتفت إلَّا إلى عظم الدور الذي يقوم به، فيجهد نفسه ووقته من أجل الوصول إلى النتائج المرجوّة منه، ومن مستلزمات هذا الأمر الوعي بالمصلحة العامّة، فإنّ الإنسان، أحيانًا لا ينظر في تنظيم وقته إلّا إلى ما يعود بالنفع إليه شخصيًّا، ولكن من يرى أنّ العملَ إلهيّ وله صبغة إلهيّة، يسعى جاهدًا من أجل أن يقدّم المصالح العامّة على مصلحته الفرديّة. من هنا، فإنّ الوقت الذي يُبذل في سبيل العمل هو حتمًا وقت ذو بركة لأنّه يحمل هذا الدافع.

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «ما لم يكن ثمّة دافعٌ قلبيّ لا يمكن لأيّ أحد أن يعمل هكذا لمجرّد صدور القرار، ومن أجل أنّه مأمور فحسب. وأحيانًا، لا يمكن لأحد أن يفهم حجم العمل. وقد ذكرت مرارًا في التشكيلات الإداريّة التي تأتينا: يكون في يد أحدكم ملفٌّ أو مشروعٌ أو عملٌ فيقول في نفسه: فَلْأنهِه. فينتهي الوقت الإداريّ وتكونون متعبين، لكن تقولون في أنفسكم: عليّ أن أنهي هذا العمل وأذهب. فتبقون بعد نهاية الدوام بساعة أو ساعتين ولا تطلعون رئيسكم ولا تسجّلون وقتًا إضافيًّا ولا يطّلع أحدٌ على ذلك، ولكنّكم تكونون قد أدّيتم العمل وأنجزتموه، فمثل هذا الأمر له قيمة عظيمة، وهذا يُحفظ في دفتر الكرام الكاتبين. فكتّاب أعمالنا المأمورون من جانب الربّ تعالى يعظّمون مثل هذه الأعمال خصوصًا. إنّ هذا العمل يمثّل عملًا عظيمًا. ونوعٌ آخر من الأعمال المميّزة وهو الذي يتعلّق بالكيفيّة، أداء العمل بكيفيّة جيّدة وبشكل أعلى. فالإنسان يمكنه أن ينجز عملًا على شاكلتين: ثمّة طريقة أسهل لكنّه يختار الطريقة الأصعب من أجل أن يرفع من كيفيّة العمل، ومثل هذا يتطلّب

 

59


49

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

دافعًا يجعل هذا العمل مميّزًا. وثمّة نوع من الأعمال يرتبط بالابتكار والخلَّاقيّة، إيجاد الطرق والأساليب الجديدة والأكثر فاعليّة، سواء في الأعمال المحدودة أو العامّة، حيث يلزم الفكر والسعي. فيقول بعضهم هنا: دعه، ولننجز العمل كما يقوم به الآخرون. وبعضهم يقول: كلَّا. فهم يريدون أن يقدّموا عملًا إبداعيًّا وخلّاقًا. وهذا ما يتطلّب دافعًا. فبدون الدافع لا يمكن أن تتحقّق مثل هذه الأعمال سواء من الناحية الكمّيّة أو الكيفيّة. فما هو هذا الدافع؟ إنّ هذا الدافع مركّبٌ من الإيمان والوعي، فهذان الأمران يعطيان الإنسان الدافع: أن يكون مؤمنًا وأن يكون واعيًا»[1].

4. معرفة الوقت المناسب للأعمال

لا ينبغي صرف النظر عن أنّ لكلّ عمل وقتًا مناسبًا له، وأنّ القيام ببعض الأعمال في غير وقتها يعني أنّه قد تمّ تقديم الأقلّ أهمِّيَّة عليها، وبعبارة أخرى: إنّ معيار التزاحم بين المهمّ والأهمّ هو بالنسبة إلى أيِّ إنسان معيار أساسيّ يتمّ بوساطته تخطيط الأعمال وإدارة الوقت. والتاريخ الإسلاميِّ يشهد لنا بحوادث كثيرة كانت تتطلّب من نخب معيّنة القيام بأفعال في وقتها، لكنّهم لقلّة حساباتهم أو لأسباب أخرى لم يقوموا بها في وقتها المناسب. خلاصة الأمر أنّ إدارة الوقت لا تستلزم فقط الجدّ والاجتهاد وروح العزم، بل تحتاج إلى حسابات فكريّة دقيقة لتوزيع الأعمال وفق أوقاتها الخاصّة.

ومن هنا، أشار الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى هذه القضيّة الدقيقة في بعض كلماته قائلًا: «ينبغي معرفة الوقت المناسب. إذا لم يعرف المرء الوقت ولم يدرِ أيّ شيء يقوم به في أيّ وقت، فقد تصدر عنه أخطاء كبيرة. وشبابنا التعبويّ -سواء البنين أو البنات- يعملون في مجالات

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/07/2010م.

 

60


50

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

شتّى... المجالات الفكريّة والعلميّة والسياسيّة والاجتماعيّة. هذه الأعمال كلّها إذا كانت لله ومن أجل أداء الواجب، كانت جهادًا في سبيل الله. التعبويّ هو الذي يقوم بهذه الأعمال، وينبغي في جميعها الحفاظ على ذلك الخطّ الواضح المشرق الصحيح»[1].

السعي لا يعرف الوقت

من جميع ما تقدّم، يمكن القول بأنّ شخصيّة الإنسان المؤمن بالله تعالى والذي تصبغ حياته وسلوكه بنمط حياة مناسب للعبوديّة، لا يمكن أن نراه باطلًا أو كسولًا أو غير منظّم في إدارته لعمره ووقته وحياته، بل إنّ إدارة الوقت بكلّ المستلزمات التي تشتمل عليها هي مظهر من مظاهر الإيمان، وإنّ الله تعالى قد وعد أولياءه والسائرين على درب الأنبياء (عليهم السلام) أنّ الهدف حتميّ التحقّق، وأنّه وعد الله تعالى الذي لا يخيب. فالمطلوب هو تمهيد الأرض لتحقيق هذا الوعد، وهذا ما يتطلّب عزمًا راسخًا وهمّة عالية تتجلّى بمظاهر عديدة منها معرفة قيمة الوقت وإدارته، وبعبارة الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «المستقبل مستقبلٌ واضحٌ والأفق جيّدٌ. غاية الأمر أنّ هذا لا يعني أن نضع رؤوسنا على وسادة من حرير وننام، بل يجب العمل ويجب السعي، والسعي لا يعرف الوقت ولا يعترف بحدّ، ولا يعرف التقاعد. ففي جميع مراحل حياة الإنسان يبقى المجال للسعي، ويجب علينا أن نتعرّف هذا المجال فنتحرّك بعزمٍ وهمّةٍ وجدّيَّة: «قوِّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي»، هذا ما يطلبه أمير المؤمنين (عليه السلام) من الله تعالى في دعاء كميل ويعلّمنا إيّاه، ثمّ يتبعه قائلًا: «وهَبْ لي الجِدّ في خشيتك». فلنعلم أنّ الله حاضرٌ وناظر، وليكن مثل

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/07/2010م.

 

61


51

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

هذا الشعور جدّيًّا وليس مجرّد لقلقة لسان، «والدوام في الاتّصال بخدمتك»، فلا نقطّع أوقات الخدمة، بل نوصلها ببعضها بعضًا. وإن شاء الله سيمنحنا شبابُنا، نحن الشيوخ، القوّة والنشاط، ويعلّموننا كيف نتحرّك»[1].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/09/2012م.

 

62


52

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

البيئة في الإسلام
قضيّة البيئة من قضايا الدين الأساسيّة

يعبّر الدين عن الإرادة الإلهيّة في مختلف مجالات الحياة. فربوبيّة الله تعالى الشاملة والمطلقة تتجلّى في الدين الإلهيّ، عبر إيجاد الأحكام والتشريعات التي تنظّم حياة البشر في نواحيها كلّها. وإذا أردنا أن نحصي هذه الجوانب التي تحيط بالإنسان، أمكننا أن نجعلها أربعة جوانب:

1. علاقة الإنسان بربّه: وهذه الجنبة تشمل العبادات وغيرها من القيم التي لها علاقة بالجانب الروحيّ والمعنويّ بشكل خاصّ، وإن كانت الجوانب الأخرى كلّها تصبّ، في الحقيقة، في هذا الجانب أيضًا.

2. علاقة الإنسان بنفسه: وتشمل هذه الجنبة الأمور التي لها علاقة بالنظافة الشخصيّة مثلًا، واكتساب مكارم الأخلاق، كالصبر والزهد وغيرهما.

3. علاقة الإنسان بغيره من البشر: وتتعلّق هذه الجنبة بالمعاملات التي تجري بين البشر، كالبيع والعلاقة بين الجنسَين وغيرهما.

4. علاقة الإنسان بالطبيعة: وهذا الجانب هو الذي يتعلَّق بحفظ النظام الطبيعيّ، وعدم إخراجه عن الاتّزان عبر تلويث البيئة.

ومن هنا، تندرج قضيّة الاهتمام بالبيئة تحت عنوان التدبير الإلهيّ، الذي يجعل الإنسان مكلَّفًا بتنظيم علاقته بالطبيعة. فمن «غير اللائق

 

64


53

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

حصر ما جاء به الرسل، في إطار الممارسات الفرديّة للإنسان، وعلاقته الروحيّة بالخالق تعالى، وتضييق دائرة هذه الرسالة العظيمة إلى الحدّ الذي لا تشمل علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الفرد بالمجتمع وبالبيئة، وبناء نظام اجتماعيّ وسياسيّ»[1].

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ الهدف الأسمى للإنسان الذي خلقه الله تعالى لأجله -ألا وهو العبوديّة والقرب من الله- لا يتمّ إلّا من خلال قيام الإنسان بتحسين علاقته بالطبيعة والبيئة؛ وذلك لأنّ الإنسان يتأثّر بالطبيعة المحيطة به إيجابًا وسلبًا، فإنّ «سلامة البيئة التربويّة للإنسان تعني أن يتعاطى الإنسان مع ربّه وذاته وابن جلدته والطبيعة من حوله، بسلامٍ ووئامٍ»[2].

الطغيان سبب تلويث الطبيعة

ومن هنا، يمكن عدّ السعي في تلويث الطبيعة والبيئة من معارضات الإيمان بالله تعالى. يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنَّ التمرّد والتكبّر على الله تعالى يؤدّي إلى تنمية حالة الطغيان عند الإنسان؛ فإنْ كان هذا التكبُّر على الناس، فسيؤدّي إلى الاعتداء على حقوق الآخرين، والتجاوز والتطاول على حقوق هذا وذاك؛ وإذا كان على الطبيعة، فسوف يؤدّي الى التفريط بالبيئة الطبيعيّة؛ أي إنَّ ما نراه اليوم من اهتمام بمسألة البيئة في العالم، يجعلنا نعدّ عدم الاهتمام بالمناخ الطبيعيّ للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، من مصاديق الطغيان والتكبُّر والأنانيّة التي نقوم بها إزاء الطبيعة»[3].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ جمادى الأولى 1421هـ.ق.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ جمادى الأولى 1421هـ.ق.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/09/1427هـ.ق.

 

65


54

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

الرؤية الإسلاميَّة للأرض والطبيعة

1. البيئة وتربية الإنسان

يهتمّ الإسلام بقضيّة البيئة، لِما لها من دخالة في تهذيب النفس الإنسانيّة وتربيتها. فالتلوُّث وتخريب الطبيعة والبيئة من مظاهر إخراج الأرض عن توازنها، ولا يكون إلّا بسبب تكبُّر الإنسان وأنانيّته، وهذا الخروج عن التوازن بدوره سينعكس بطريقة عفويّة على نفس الإنسان الذي يعيش على الأرض. لذا، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ الإسلام والأديان الإلهيّة تريد أن تحفظ التوازن بين الإنسان والطبيعة، وهذا هو الهدف الأساسيّ والأهمّ. حين يختلّ هذا التوازن، نتيجةً لبعض العوامل، كأنانيّة الإنسان، وحبّ السلطة، وتَجَبّر بعضنا نحن البشر وعنجهيّته، فلا يُحفَظ هذا التوازن، حينها، ستحدث الأزمة البيئيّة؛ الأزمة التي ستُلحِق الضرر بجميع البشر، وستطال جميع الأجيال»[1].

2. الأرض للناس جميعًا

إنّ نظام الحقوق والواجبات في الإسلام قائم على أساس القيم الإلهيّة. فإذا جعل الله تعالى أمرًا ما حقًّا للإنسان، انطلاقًا من قيمة ما، لا يمكن للإنسان، حينها، أن يتخلّى عن هذا الحقّ، إذا أدّى إلى التهاون في أمر القيمة. فمثلًا، لا يمكن للإنسان أن يقبل لنفسه الظلم، وإن كان العدل من حقّه، لكنّه حقّ مستند إلى قيمة لا يمكن التهاون فيها، والطبيعة والأرض والبيئة من هذا القبيل. «تقول إحدى الآيات: ﴿وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ﴾[2]؛ لقد خلقنا هذه الأرض، هذه الكرة الأرضيّة للبشر؛ فهي لهم جميعًا، ليست خاصّة ببعضهم، وليس لبعضٍ فيها حقّ أكثر من غيره، وليست لجيل دون جيل، هي اليوم لكم، وغدًا

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

[2]  سورة الرحمن، الآية 10.

 

66

 


55

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

لأبنائكم ولأحفادكم ولنسلِكم عن آخره، وهذا يصحّ في ما يتعلّق بسطح الكرة الأرضيّة بأكمله. لقد خلقت الأرض من أجل البشر، وهي لهم.

ولدينا آية تقول: ﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا﴾[1]. فإذًا، كلّ ما في الأرض وما يلحق بها، مخلوقٌ أيّها البشر من أجلكم؛ وبما أنّها لكم ولصالحكم ولأجلكم، لا يحقّ لكم أن تفسدوها. كلّ ما فيها قَيِّم، قد تكون بعض الأشياء بنظر الإنسان السطحيّ ذات قيمة دون غيرها، لكنّ هذه كلّها قيّمة»[2].

3. الناس مكلّفون بعمارة الأرض

إنَّ الله سبحانه كلّف الإنسان ليخرج له مكامن فطرته وكنوزها، فأمره بما يرفع من شأنه، ونهاه عمّا يحطّ منه. ومن الأوامر التي كلّف الله بها الإنسان، «إعمار الأرض». هذا الإعمار الذي يُخرِج الإنسان به كنوز الأرض، يسير في الوقت نفسه على طريق حفظ النوع وتكامل المجتمعات في طريق تحقيق العدل الإلهيّ التامّ. يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «لدينا آية أخرى تقول: ﴿وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا﴾[3]؛ إنّ الله الذي خلق الأرض وخلقكم، كلّفكم إعمار هذه الأرض؛ وهذا يتطلّب تفعيل الإمكانات الكامنة في منظومة الكرة الأرضيّة. هناك الكثير من الإمكانات غير المكتشفة، والتي ستُكتَشف وتُعرَف أهمّيّتها وقيمتها في ما بعد. وهذا عمل يقع على عاتقكم، أنتم المكلَّفين بهذا العمل. نحن اليوم نخال أنّنا نستفيد من جميع إمكانات الأرض، لكنّ واقع الأمر مختلف. لعلّنا بنحوٍ ما، نستطيع أن نستفيد ملايين أضعاف ما نستفيده اليوم من الماء والتراب والهواء، ومن الموادّ الدفينة وما


 


[1]  سورة البقرة، الآية 29.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

[3]  سورة هود، الآية 61.

 

 

67


56

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

ينتجه سطح الأرض، ولكنّنا نجهل ذلك. يجب أن يستكشف البشر الإمكانات الجديدة دائمًا، وأن يستخدموها لصالح حياة البشريَّة»[1].

4. المفسد للطبيعة ألدّ الخصام

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «لدينا آية أخرى تتحدّث عن ألدّ الخصام؛ أي إنّها تذكر خصائص أَعْنَد الأعداء وأخبثِهِم وأصعبِهِم، وهذه إحداها: ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ﴾[2]؛ يقضي على الحرث والنسل، يفسدهما، يقضي على الزرع -أي منتوجات النبات والإنسان- يقضي عليهما ويفنيهما.

إذا دقّقتُم اليوم في السياسات المتَّبَعة في العالم، ستجدون أطرافًا ترتكب هذه الأفعال بحقّ جميع الشعوب، أو أغلبها، في عصرنا هذا -إهلاك الحرث وإهلاك النسل- وهذا ما يعدّه اللهُ عزّ وجلّ فسادًا، فيقول: ﴿وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ﴾[3]»[4].

ارتباط مسألة البيئة بالتربية والتعليم

لا يمكن إصلاح البيئة إلّا بتطوير ثقافة الناس، عبر توعيتهم لأهمِّيَّة اهتمامهم بالطبيعة ومواردها. لذا، يعدّ الإمامُ الخامنئيّ(دام ظله) الحفاظَ على البيئة أحدَ أهداف عمليّة التربية والتعليم، قائلًا: «إذا ما ارتقى مجال التربية والتعليم وأُولِيَ اهتمامًا، فسوف يؤدّي إلى تحسين الأوضاع في مجال الاقتصاد والسلامة والصحّة والبيئة ومصير الإنسان والثقة والجمال والفنّ والسلوك العامّ، وعلاوة على ذلك كلّه، يكون مؤثّرًا في الدين والفلسفة والأخلاق»[5].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

[2]  سورة البقرة، الآية 205.

[3]  سورة البقرة، الآية 205.

[4] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

[5]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/04/1427هـ.ق.

 

68


57

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

قضايا بيئيّة متنوّعة

1. الغطاء النباتيّ

«قضايا النباتات والمتنزّهات والأشجار وما إلى ذلك، من القضايا الأصليّة، ويجب عدم عدّها من القضايا الفرعيّة. صحيح أنّه حينما تُرصَد القضايا الرئيسة في البلاد، تَتَّجِهُ الأنظار نحو الاقتصاد والثقافة والقضايا الماليّة والسياسيّة. هكذا هو الحال عادةً. لكن، لو نظرنا بدقّة، لوجدنا أنّ قضايا الحياة البشريَّة والبيئة أهمّ من تلك القضايا. لماذا السياسة؟ ولماذا الاقتصاد؟ ولماذا الخدمات المدنيّة المتنوّعة في البلاد؟ ولماذا أصلًا تقدُّم البلاد؟ التقدُّم هو من أجل أن يعيش الناس حياة سليمة صالحة. إذا خُرِّبَت البيئة، فسوف تُبطل كلّ تلك الأمور؛ هنا تكمن أهمِّيَّة البيئة»[1].

يُعَدّ الغطاء النباتيّ والمساحات الخضراء رئة الأرض. لذا، لا بدّ من الحفاظ عليه، بل وتطويره، عبر إيجاد مساحات خضراء، مضافًا إلى الحرص على رفع العشوائيّة العمرانيّة التي تؤدّي، رويدًا رويدًا، إلى الحدّ من النبات والمساحات الخضراء. «قضيّة النبات والأشجار والخضرة والحفاظ على أجواء الطبيعة الحيّة، هي قضيّة بالغة الأهمِّيَّة للبلاد. الكثير من هذه الأعراض التي نعاني في مجال الجوّ والهواء والغبار، وعدم سلامة الأجواء في المدن وما إلى ذلك، ناجمة عن قلّة النباتات والمساحات الخضراء؛ الغطاء النباتيّ يمكنه أن يساعد البلاد كثيرًا»[2].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2011م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/12/1395هـ.ش.

 

69


58

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

2. الاحتباس الحراريّ

إنّ مسألة الاحتباس الحراريّ من المسائل التي أُثِيرَت حولها النقاشات مؤخَّرًا، وتعني ازدياد متوسّط حرارة الأرض، بما يؤدّي إلى العديد من الآثار الوخيمة، كتبدُّل المناخ، وازدياد التصحُّر، وغيرها من الآثار. ومن المسبِّبات لهذا الاحتباس، الغازات التي تزيد حرارة الأرض، وتُدعى بالغازات الدفيئة، التي ازدادت بعد تطوُّر الصناعة في العالم، فإنّ «مشكلة الغازات الدفيئة[1] ليست بالمشكلة التي يقتصر ضررها على بلدٍ واحد أو جماعة ما؛ لا، بل تمسّ جميع البشر. لكنّ المشكلة الأساسيّة في قضايا البيئة هي أنّ علائم الأضرار لا تنكشف بسهولة وبسرعة؛ وحين تظهر لنا، نجد أنّ علاج بعض هذه الأضرار والمشاكل طويل الأمد، وعلاج بعضها الآخر مستحيل»[2].

ومن هنا، لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الصناعات التي لها دور في تسهيل حياة البشر، لها آثار جانبيّة قد ترجِّح جانب الضرر على جانب النفع. وهذه من المسائل التي ابتُلِيَت بها الأرض والبيئة، بعد الثورات الصناعيّة والتكنولوجيّة. «صحيح أنّ البشر في وقتنا الراهن ينتفعون بشيء، لكنّهم في المقابل يُلحِقون الضرر بشيء آخر؛ فقد اخترعوا الطاقة النوويّة، لكنّهم استخدموها لقتل الإنسان، واستخرجوا النفط من أعماق الأرض، لكنّه يُستَخدَم لتدمير البيئة وتلويثها، وهو ما حصل خلال القرن الأخير، حيث اخترع الإنسان الآلات المحرّكة والطاقات الكامنة، من قبيل قوّة البخار وغيرها، لكنّهم جرّعوا الإنسانيّة شتّى الابتلاءات البدنيّة، عن طريق المشاكل التي تخلّفها الحياة المادّيّة لبني البشر. إنّها توفّر السرعة والسهولة للإنسان، لكنّها تسلب منه الكثير»[3].

 

 


[1] مجموعة من الغازات التي تقومُ بدورٍ في حصول ظاهرة الاحتباس الحراريّ. وهذه الغازات هي: كلور، فلِيور، كاربون، وتُختَصر بـ(c.f.c.s).

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/12/1421هـ.ق.

 

70


59

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

لذلك، يجب وضع رقابة بيئيّة على المصانع، وإرفاق ملحق بيئيّ مع كلّ مؤسّسة صناعيّة؛ لأجل أن تكون النتائج والآثار واضحة لأيّ إنتاج صناعيّ، فإنّ «من المؤشّرات الأساس التي يجب أخذها بنظر الاعتبار في صناعة المحرّكات وجميع الأجهزة والصناعات، قضيّة البيئة. تخريب البيئة من الأمور التي يشعر الشعب أو المنطقة الجغرافيّة أو العالم كُلُّه أحيانًا بضررها، حينما لا تكون ممكنة التفادي والتعويض. قضيّة البيئة قضيّة هامّة جدًّا. وقد شدّد الإسلام بدوره على البيئة ورعايتها. الحفاظ على البيئة ورعايتها، قضيّة توصَّل إليها العالم مؤخَّرًا، وقد كانت من ضمن التعاليم الإسلاميَّة. هذه أيضًا نقطة هامّة جدًّا يجب التنبُّه لها»[1].

3. ذوبان الجليد القطبيّ

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «مسألة ذوبان الجليد القطبيّ مثلًا... وهي مشكلة تؤدّي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، وتؤثّر في الكثير من المسائل البيئيّة المتنوّعة. هذه أمور لا يمكن التعويض عنها خلال عشر سنوات، أو عشرين سنة، أو مئة سنة! هذه تبعات دائمة على البشر؛ وهذا يعني أنّه حين تظهر مجموعة من الناس لا تشعر بالمسؤوليّة، وتسعى إلى تحويل ثروات العالم العامّة إلى ثروة شخصيّة، وتستغلّ أيّ شيء لتحقيق ثراء أكبر، علينا أن ننتظر نتيجة من هذا النوع»[2].

خطوات الإصلاح البيئيّ

إنّ مسألة البيئة ليست من المسائل الفرديّة التي يقتصر الاهتمام بها على التوعية الفرديّة فقط، بل لا بدّ من إيجاد خطوات وطنيّة

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 29/03/2010م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

 

72


60

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

واجتماعيّة لأجل ذلك. ومن الخطوات المقتَرَحة من قِبَل الإمام الخامنئيّ(دام ظله):

1. وضع ميثاق وطنيّ وتعاوُن

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «وضع ميثاق وطنيّ للقضايا البيئيّة. ثمّ لدينا تعاون الأجهزة، يجب أن تتعاون جميع الأجهزة جدّيًّا... ثمّ هناك الملحَق البيئيّ لجميع برامج الإعمار. يجب أن يكون هناك ملحق بيئيّ حتمًا، لجميع برامج الإعمار، من مدنيّ وصحراويّ وصناعيّ وسائر المشاريع. إذا أردتم فتح طريق، يجب أن يكون نوع التأثير البيئيّ واضحًا؛ أو كان من المقرّر بناء مصنع، يجب أن تُعلَم ماهيّة تأثيره في البيئة؛ كذلك بعض المسائل التجاريّة، بعض أنواع التبادل التجاريّ والأنشطة التجاريّة، هذه يجب أن تُرفَق بملحق بيئّي»[1].

2. تجريم إتلاف البيئة

يقول سماحته (دام ظله): «يجب أن يركّز القضاء والأجهزة المعنيّة، وقبلهما قوانين المجلس على هذا الموضوع. طبعًا، لدينا الآن قوانين، وهي قوانين جيّدة، لكنّها تحتاج إلى مراجعة؛ يجب التعامل مع إتلاف البيئة كجريمة، وتجب ملاحقته كجريمة»[2].

3. تنقيح القوانين الحاليّة ومراجعتها، تعزيز الرقابة المتشدّدة

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «يجب تفعيل الرقابة، من دون أيّ تساهل، وليُشرِف رؤساء الأجهزة بصورة مباشرة على العمل. ولعلّ بناء الثقافة هو الأهمّ، بمعنى من المعاني. وبناء الثقافة يعني أن يعرف الناس مدى أهمِّيَّة الحفاظ على البيئة، وهو ما يجب أن يبدأ

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

 

72


61

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

من المرحلة الابتدائيّة، وأن يُدرَج في الكتب الدراسيّة. يجب أن يتعرّف أطفالنا على أهمِّيَّة المرعى والغابة والهواء والماء والتراب والبحر وأمثال ذلك. يجب أن يعرف طفلنا هذه الأمور منذ الصغر، وأن يكون حسّاسًا تجاهها. يجب أن يصبح الحفاظ على البيئة جزءًا من ثقافة الناس. طبعًا، يجب أن لا نغفل عن دور الإعلام الوطنيّ، إذ على الإعلام الوطنيّ أن يؤدّي دوره حتمًا، ولكنّ الناس يستطيعون أن يعملوا على هذا الموضوع أيضًا»[1].


 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2015م.

 

73


62

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

الفضاء الافتراضيّ


موقعيَّة الفضاء الافتراضيّ

يرى سماحة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّ الفضاء الافتراضيّ أصبح لديه موقعيّة لا ينبغي التغافل عنها، قائلًا: «إنّ الفضاء الافتراضيّ بات اليوم جزءًا أساسيًّا من حياة الناس[1]، بل لقد أصبح أكبر من فضاء حياتنا الحقيقيّ بأضعاف، بل إنّ بعض الناس أساسًا أضحى يتنفّس في هذا الفضاء، وتتحرّك حياته فيه. للشباب تواصلهم مع هذا الفضاء وارتباطهم بشتّى أقسامه وأنواعه، وببرامجه العلميّة، وبشبكته العنكبوتيّة، وبشبكات تواصله الاجتماعيّ، وبتبادله للمعلومات وأمثال ذلك»[2].

ويشير أيضًا إلى كون الفضاء الافتراضيّ أصبح ذا فاعليّة ومؤثّريّة في قوله: «إنّ هذا الفضاء اسمه فضاءٌ افتراضيّ، لكنّه في الواقع فضاءٌ حقيقيٌّ؛ بمعنى أنّه حاضرٌ داخل حياة الكثير من الناس»[3].

الفضاء الافتراضيّ ساحةٌ لا حدّ لها

لسهولة وصول كلّ ما يدور في فلك الفضاء الافتراضيّ، فقد أصبح سهل المنال والتشعّب، وقد توسّعت دائرة مؤثّريّته بشكل كبير، وإلى هذا يشير الإمام(دام ظله) بقوله: «إنّ الفضاء الافتراضيّ اليوم هو صحراء

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/08/2020م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/02م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/08/2017م.

 

74


63

المقدّمة

لا نهاية لها، ويمكن التحرُّك فيها من جميع الجهات. لم يعد الأمر كالسابق، حيث كنتم إذا أردتم بيان مطلب ما تضطرّون إلى كتابته على الأوراق ثمّ تستنسخونه أو تطبعونه وتصوّرونه عشر نسخ أو مئة أو مئتي نسخة؛ الوضع الآن ليس هكذا. كلّ شخص يمكنه استخدام الحاسوب كوسيلة إعلاميّة»[1].

وفي موضع آخر، يلفت إلى كون الفضاء الافتراضيّ في حالة استمراريّة ونموّ، قال: «إنّ الفضاء الافتراضيّ هو عالم دائم النموّ، ولا يتوقّف؛ أي أنّه لا آخِر له حقًّا؛ كيفما نظر الإنسان فسيجد أنّ الشيء الذي له أوّل وليس له آخر، هو الفضاء الافتراضيّ. كلّما تقدّم الإنسان في هذا الفضاء، يجده مستمرًّا هكذا بلا نهاية»[2].

ساحةٌ لكلّ أحد

ويبيّن سماحته(دام ظله) شموليّة الفضاء الافتراضيّ، وسهولة إبداء الرأي فيه لأيّ شخص، قائلًا: «في الفضاء الافتراضيّ -حيث أصبح هذا أمرًا رائجًا- الكثير من الناس يطرحون آراءهم ونظراتهم، بل يحاكمون ويصدرون الأحكام القضائيّة، ويجلسون مكان القاضي من خلال كلامهم وكتاباتهم، ويستنتجون ويعملون وفق هذه النتيجة؛ أحيانًا يكيلون السباب والشتائم، أو يوجّهون التهم ويقومون بمثل هذه الأفعال»[3].

ويلفت إلى بعض المساوئ التي تنتج عن ذلك، قائلًا: «يفعل الفضاء الافتراضيّ، حيث يقولون فيه: كلّ ما يحلو لهم، بدون مبالاة- فيتكلّم هؤلاء أيضًا على هذا النحو، فينشرون شيئًا صغيرًا غير معلوم

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/06م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/08/24م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/06/2020م.

 

75


64

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

وغير موثوق، ويكون فيه إضعاف وزعزعة للسلطة القضائيّة. يجب ألّا يكون الأمر على هذا النحو»[1].

الفضاء الافتراضيّ معركةٌ بسلاحٍ آخر

يوضح سماحة الإمام إلى أنّ الأعداء يستثمرون الفضاء الافتراضيَّ في ما يصبّ في مَصَالِحِهم، وأولاها إضعاف الإيمان لدى الناس، قائلًا: «إن كنتم من متابعي شبكات التواصل الاجتماعيّ والفضاء الافتراضيّ، ستعرفون وتُدركون جيّدًا ما أقول وأعني، حيث بات [الأعداء] يستخدمون الطرق كُلَّها لإضعاف إيماننا الإسلاميِّ، وضربه. من نحن؟ هل المقصود أنا الشيخ السبعينيّ أو الثمانينيّ؟ كلّا. فإنّهم غير قلقين كثيرًا بالنسبة إلينا، وإنّما يستهدفون إيمان الجيل الذي يأتي بعدنا وجيل ما بعد جيلنا، وها هم يبذلون جهودهم في هذا المجال. إذًا، فإنّ أحد مجالات اقتدارنا وقوّتنا هو إيماننا الإسلاميِّ. هذا من أهداف عداوتهم لنا.

إنّ هذا الفضاء الافتراضيّ بات يُدار من الخارج بعيدًا من سيطرتنا. فالفضاء الافتراضيّ ليس كالماء الزلال الذي يمكن للإنسان أن يستعمله كيفما شاء، وإنّما هناك من يدير هذا الفضاء إلى الوجهة التي يريدها»[2].

العالم الافتراضيّ: منافعُ ومضارّ لا تُحصَى!

كما أنّ للفضاء الافتراضيّ بعض السلبيّات والمساوئ، إلّا أنّه أيضًا يمكن استخدامه واستغلاله في ما هو إيجابيّ، يقول سماحته: «إنّ مجال [العالم الافتراضيّ] يوجد فيه منافع لا تُحصى ومضارّ لا تُحصى؛ ويمكن اكتساب الحدّ الأكثر من المنافع؛ وهذا هو العمل الذي يقوم به العدوّ.

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/06/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/06/14م.

 

76


65

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

أنتم أيضًا يمكنكم الاستفادة بالحدّ الأكثر في الجهة المعاكسة؛ انشروا المفاهيم الإسلاميَّة والمعارف الإسلاميَّة من دون أيّ مانع أو رادع، كما يقوم حاليًّا بعضٌ من هؤلاء الناس المؤمنين، من الشباب المؤمن، من المعمّمين وغير المعمّمين، العلماء وغير العلماء -بعض هؤلاء الشباب من غير العلماء الذين هم أكثر نشاطًا وفعاليّة في هذا المجال- بإنجاز أعمال جيّدة جدًّا. فجأة، ينشرون على مستوى العالم مطلبًا ما، مفهومًا ما، فكرة معيَّنة، ويروّجونها، ما يربك الطرف المقابل فيحار ماذا يفعل»[1].

أخطار العالم الافتراضيّ

يشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى أبرز المخاطر التي تنتج من الفضاء الافتراضيّ، واستغلاله من قبل الأعداء قائلًا:

«يهدف العدوّ، من خلال حربه المستعرة في الفضاء الافتراضيّ، إلى إنزال أقسى الضربات بشعوبنا وشبابنا، من خلال:

1. السيطرة على الأجواء الفكريّة

إنّ هدف حرب العدوّ الناعمة وحربه الخفيّة، هو أن يبعد الناس عن ساحة الجهاد والمقاومة، وجعلهم غير مبالين بالمثل العليا؛ هذا هو هدفهم. وهم يديرون هذه الحملات الإعلامية الواسعة، التي ينفقون عليها المليارات، لتحقيق هذا الهدف، وهو تيئيس الشعب الإيرانيّ الذي استطاع، بمقاومته وصموده، إفشال الكثير من مخطَّطات القوى العالميَّة والأنظمة الكبرى، وإخراج هذا الشعب من الميدان؛ هذا هو الهدف. حتّى حين يقوم الأعداء بالضغوط الاقتصاديّة، أو يمارسون الضغوط السياسيّة، أو الضغوط الأمنيّة، فهذا هو الهدف. أمَّا أن

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/06م.

 

77


66

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

نتصوّر أنّ العدوّ يريد شنّ حربٍ واحتلال جزء من أراضي البلد، فهذه أساليب قديمة؛ وهي غير مطروحة اليوم، والعدوّ لا يريد هذا. وحتّى لو قام العدوّ اليوم بعمل عسكريّ -على سبيل الفرض-، فسيسعى لتحقيق ذلك الهدف؛ أي السيطرة على الأجواء الفكريّة والروحيّة للبلاد. وعندما يقوم بأعمال اقتصاديّة أو أمنيّة أو نفسيّة، أو يستخدم الفضاء الافتراضيّ والفضائيّات وشبكات الإذاعة والتلفاز، أو يشغّل المبلّغين العملاء المرتزقة في جميع أنحاء العالم، فهو يسعى، في جميع تلك الأعمال، وراء هذا الهدف»[1].

ويلفت الإمام الخامنئيّ إلى خطوة خطيرة، أقدم عليها العدوّ ترتبط بالفضاء الافتراضيّ، قائلًا: «على سبيل المثال، لقد شكّل أعداؤنا مقرَّين للقيادة في إحدى الدول المجاورة. وهذا ما اعترفوا به أنفسهم، لا ادّعاؤنا نحن، بل هم مَن كشفوا عن ذلك في وسائل الإعلام، فكانوا يُقِرُّون بذلك في المقابلات والحوارات، ويقولون: إنّ مقرَّين لقيادة العمليّات قد شُكِّلا في دولٍ مجاورةٍ لإيران؛ من أجل الفضاء الافتراضيّ، وإدارة الاضطرابات من قبل الأمريكيّين وعملاء النظام الصهيونيّ. هذا ما اعترفوا به أنفسهم؛ أي إنّهم خطّطوا لكلّ شيء مسبّقًا، وقد تصوّروا مسبّقًا أنّ النصر سيكون حليفَهم قطعًا»[2].

2. بثُّ اليأس ونشر التشاؤم

يحذّر سماحة الإمام من عدوانيّة العدوّ، في الفضاء الافتراضيّ قائلًا: «احذروا من قصف مدافع العدوّ في هذا الفضاء! احذروا من أن يستخدم العدوّ هذا الفضاء ضدَّ هويّتكم، وضدَّ وجودكم، وضدَّ نظامكم، وضدَّ ثورتكم! يطلقون وينشرون إحصاءاتٍ لا أساس لها


 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/26م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/01/2018م.

 

78


67

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

من الصحّة، ويكذبون وينسبون الأقوال كذبًا، ويشوّهون الوجوه والشخصيّات التي يحترمها الناس، والتي ينبغي أن يؤمن بها الشعب، ويكتمون نجاحات الثورة، ويبثّون الأوهام والأكاذيب، ويُشيعون عدم النجاح ونقاط الضعف والنواقص، ويضاعفونها ألف ضعفٍ إذا كانت واحدة، وإذا كانت في مكانٍ واحد، يعمِّمونها ويقولون: إنّها في كلّ مكان.

هذه هي أفعال العدوّ. هذه هي أعمال العدوّ. لماذا؟ لأنّ العدوّ أدرك سرَّ انتصار الثورة الإسلاميَّة؛ سرُّها هو عقيدة الشعب وإيمانه، ويريدون القضاء على هذا الإيمان، وإذا لم يستطيعوا ذلك بين كبار السنّ، فهم يريدون القضاء على هذه العقيدة بين الشباب والناشئة والجيل الصاعد، حتّى لا يصمد الناس، ولا يبقوا سندًا داعمًا لهذه الثورة وهذا النظام. هذا هو هدفهم. ما يقوم به العدوّ في الوقت الحاضر هو بثُّ اليأس بين الناس، ونشر التشاؤم، وسلبهم ثقتهم بأنفسهم، وتصوير المستقبل حالكًا في أنظارهم»[1].

3. القضاء على الأرواح السليمة

ويوضّح(دام ظله) مدى خطورة الفضاء الافتراضيّ على الأمن الاجتماعيّ والنفسيّ والإيمانيّ لأبناء المجتمع خاصّة الشباب منهم قائلًا: «بات للفضاء الافتراضيّ اليوم حضورٌ كبيرٌ في حياة الناس، وعلى الرغم من انطوائه على منافع وإمكانات، إلّا أنّه يتضمّن أيضًا، أخطارًا كبيرة»[2].

ويقول في موضع آخر: «لاحِظوا ما الذي يجري الآن في الفضاء الافتراضيّ! كم يوجد من «مُضِلَّاتِ الفِتَنِ»[3] في هذا الفضاء الافتراضيّ،

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/12/2017م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/04/2019م.

[3] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 484، الحكمة رقم 93.

 

79


68

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

وفي القنوات الفضائيّة، وفي هذه التشكيلات والأمور! والشابّ معرَّضٌ لهذه العوامل كلّها»[1].

«إنّ الكفاح كان موجودًا دائمًا في غضون الأعوام السبعة والثلاثين الماضية. طبعًا أصبح هذا الكفاح اليوم أصعب وأكثر حساسيّة بسبب أساليب العدوّ الجديدة والمعقّدة، وكذلك قضيّة الفضاء الافتراضيّ، والتأثيرات الثقافيّة والعقيديّة والاجتماعيّة والمعادية للأمن»[2].

ويبيّن سماحته كيف يتمّ هدم القيم والآداب الحسنة، من خلال الفضاء الافتراضيّ، حيث يقول: «من المفترض أن يكون الكثير منكم مطّلعًا على الفضاء الافتراضيّ، فهل تتمّ حقًّا مراعاة الأدب في هذا الفضاء؟ وهل هناك التزام بالحياء؟ لا يوجد التزام بذلك، أو لا تراعى هذه الأمور في جزء كبير منه. فلا بدّ من تنمية رشد هذه المسائل في الفتيان والشباب.

إنّ الحرب الناعمة ساحة واسعة جدًّا، وتتوسّع وتكبر يومًا بعد يوم بوساطة هذا الفضاء الافتراضيّ، وهي أخطر بكثير من الحرب الصلبة؛ ففي الحرب الصلبة تضرّج الأجسام بالدماء، ولكنَّ الأرواح تحلّق وتدخل إلى الجنّة، أمّا في الحرب الناعمة، إذا ما انتصر العدوّ -لا سمح الله-، فإنّ الأجسام ستنمو وتبقى سليمة، ولكنَّ الأرواح تسقط إلى قعر جهنّم.

يوجد الكثير من مواقع الإنترنت التي تهدف إلى القضاء على عفّة الشباب وحياء الشباب المسلم -سواء الفتيان أو الفتيات-، يريدون أن يمزّقوا ستارة الحياء؛ بالأصل، فإنّ همّهم وهمّتهم على هذا، ويخطّطون البرامج لهذا الهدف»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/09/2018م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/02/2016م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/02م.

 

80


69

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

لا تخافوا من المواجهة

لطالما يرتدع البعض من الخوض في غمار الفضاء الافتراضيّ، ولا يقدمون أساسًا عليه، أو أنّهم يستخدمونه، لكنّهم يشعرون بالتردّد أحيانًا كثيرة نتيجة المواجهات الشرسة التي يقوم بها أعداء الحقّ والقيم الطيّبة، فيفضّل البعض عدم مواجهة هؤلاء، لاعتبارات كثيرة. من هنا، يحذّر الإمام من الخوف والتردّد، يقول: «مع ظهور الفضاء الافتراضيّ، غالبًا ما يكون نوع المعارضة صِداميًّا وحادًّا ومؤذيًا. إذا كانت هناك حركة مهمّة وصحيحة ومتقنة ومحسوبة ستنطلق، يجب على أصحابها أن يتجاهلوا هؤلاء، ولا يلتفتوا إليهم. يجب أن يتجاهلوا العدوّ الخارجيّ كذلك؛ أيّ نوع من الحركات التي تحدث في البلاد نحو الصلاح، سيقابلها جبهة واسعة للعدوّ؛ إذ إنّ الأعداء يجلسون ويفكّرون باستمرار في توجيه الضربات.

يجب ألَّا تخافوا من هؤلاء. يجب التحرّك. وأعتقد أنّ السبيل إلى ذلك هو حضور طاقات الشباب؛ فمن لا يكترث ولا يخاف من العدوّ ويتحرّك من دون اعتبارات ومسايرة، هم الشباب. بالطبع حضور القوى الشابَّة والاستفادة من فكرهم وروحيّتهم، ومن حالة المبادرة والشجاعة والحركة لديهم، لا بمعنى نفي حضور الذخائر [الطاقات] وذوي التجارب من غير الشباب. الشرط هو عدم الخوف»[1].

ويقول في موضع آخر: «من برامجهم التي يصرّحون عنها، تدريب العناصر المحلّيّة التي يختارونها وتسليحها؛ فهم يقولون: نحن نختار في هذه البلدان، ومن جملتها إيران، أفرادًا ومجموعات، ثمّ ندرّبها ونجهّزها -التجهيز والإعداد حاليًّا يتمّ بسهولة، حيث يوجد إنترنت وفضاء افتراضيّ واتّصالات متنوّعة- ندرّب هؤلاء للقتال في بلدانهم ومواجهة الآخرين، مواجهة النظام الإسلاميِّ والشعب؛ هذا ما

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/06/2020م.

 

 

81


70

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

يقولونه هم بأنفسهم؛ حسنًا، هذا عدوٌ. الشباب اليوم نشطون في الفضاء الافتراضيّ، والفضاء الافتراضيّ يمكنه أن يكون وسيلة لصفع الأعداء على أفواههم.

كذلك، فإنّ إيمانَ الشباب وحياءَه وأخلاقَه مصدرٌ للاقتدار؛ لذلك، يعادون هذه القيم. كم ينشطون ويتحرّكون في الفضاء الافتراضيّ. ينفقون المليارات؛ علّهم يتمكّنون من سلب الأخلاق والإيمان والالتزام بالشريعة والحياء من الشباب»[1].

مسؤوليّات يجب تحمُّلها

يذكر سماحة الإمام عددًا من الخطوات والإجراءات التي ينبغي للعاملين في مجال الفضاء الافتراضي العمل عليها والاهتمام بها، حيث يقول:

«إنّ الفضاء الافتراضيّ أداة عمليّة فعّالة جدًّا، تستطيعون، من خلالها، إيصال رسالتكم إلى أقصى أنحاء العالَم، وإلى الأسماع كلّها. هذه الإمكانيّة لم تكن متوفّرة في الماضي، وهي موجودة في الوقت الحاضر»[2]. وفي هذا السبيل يمكننا:

1. تدريب المبلِّغين وتأهيلُهم، أصحاب القلم، والخطباء في الفضاء الافتراضيّ»[3].

2. تنمية المحتوى والمضامين في الفضاء الإلكترونيّ.

3. مضاعفة القدرات الناعمة ودفاعات الفضاء الإلكترونيّ، وتأمين المضادّات والدفاعات والأمن في الفضاء الإلكترونيّ للبنى التحتيّة للبلاد في إطار السياسات العامّة المصادق عليها.

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/01/2017م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/08/2017م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/10/02م.

 

82


71

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

4. المشاركة المؤثّرة للمؤسّسات الثقافيّة الحكوميّة والشَّعبيَّة في الفضاء الإلكترونيّ بهدف تنمية الثقافة والمفاهيم والهويّة الإسلاميَّة وإشاعتها، ومواجهة التهديدات.

5. على الأشخاص من أهل الفكر أن يجلسوا ويسعوا إلى التّنبؤ بهذه التّهديدات، بالحكمة والعقل الجماعيّ والبحوث في الكلِّيّات والأكاديميّات»[1].

6. «نشر الخُلُقيَّات والقيم ونمط الحياة الإسلاميِّ وترويجها، ومنع حالات النفوذ والتسلّل والآفات الثقافيّة والاجتماعيّة في هذا المجال والمواجهة المؤثّرة للغزو الثقافيّ الشامل، ورفع مستوى ثقافة الاستخدام والعلم اللازم للمجتمع بالفضاء الافتراضيّ»[2].

7. «الاستفادة من القدرات والمواهب الشابّة في البلاد، وبالتخطيط الصحيح والخطوات المدروسة والمتناسقة ومن دون إهدار للوقت، السير نحو الخروج من حالة الانفعال في مضمار الفضاء الافتراضيّ، والمشاركة الفاعلة والمؤثّرة فیه، وإنتاج المضامين الإسلاميَّة المتقنة والجذّابة له.

8. التأثير الواسع للفضاء الافتراضيّ باعتباره قوّة رقائقيّة استثنائيّة في المجالات المختلفة، بما في ذلك الثقافة والسياسة والاقتصاد وأسلوب الحياة والإيمان والمعتقدات الدينيَّة والأخلاق، مع التأكيد على ضرورة التخطيط المناسب والدقيق لصيانة الأمن الفكريّ والخُلُقيّ للمجتمع في هذا المجال.

9. تستلزم المشاركة الفاعلة والمؤثّرة في الفضاء الافتراضيّ، التركيز في اتّخاذ القرارات والجدّ في التنفيذ ومن دون إهدار للوقت،

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 30/06/2015م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/09/2015م.

 

83


72

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

والتنسيق بين الأجهزة والمؤسّسات، واجتناب الأعمال المتوازية التكراريَّة أو المتعارضة»[1].

على طريق المواجهة

خطوات لا بدّ من السير على أساسها في خوض غمار الفضاء الافتراضيّ، وذلك بهدف مواجهة العدوّ وكلّ من يحاول خرق المجتمع الإسلاميِّ فكريًّا وثقافيًّا وغير ذلك، أشار إليها الإمام(دام ظله) في عدد من كلماته، ومنها:

1. ضبط العالم الافتراضيّ

يقول سماحته: «إنّ مسألة إدارة الفضاء الافتراضيّ وضبطه من المسائل الملحّة التي يجب أن نوليها أهمِّيَّة»[2]، «فالفضاء الافتراضيّ اليوم ليس شيئًا خاصًّا بنا، والعالَم كلّه مرتبط به، والبلدان التي أوجدت شبكة معلومات وطنيّة، وسيطرت على الفضاء الافتراضيّ لصالحها ولصالح قيمها ليست بلدًا أو بلدَين.

إنّ أقوى البلدان لديها في هذه المجالات خطوطها الحمراء، ولا تسمح ببعض الأشياء، لا يسمحون بدخول الكثير من أجزاء الفضاء الافتراضيّ ومعطياته الموفدة من قِبَل أمريكا والأجهزة التي تقف خلف ستار هذه القضيّة، بل يسيطرون على الأمور، نحن أيضًا يجب أن نضبط ونسيطر، وهذه السيطرة لا تعني أن نحرم الشعب من الفضاء الافتراضيّ.

في الوقت الحاضر، تنهال كمِّيّة هائلة من الموادّ الصحيحة وغير الصحيحة على رؤوس مستخدِمي الإنترنت، معلومات خاطئة وغير

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 07/09/2015م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/07/2020م.

 

84


73

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

صحيحة، وضارّة وشبه معلومات -بعض الأشياء ليست معلومات حقيقيّة، بل هي شبه معلومات -هذه الموادّ تنهال كالانهيارات الثلجيّة، فلماذا نسمح بحدوث مثل هذا الشيء؟ لماذا يجب أن نسمح بانتشار الأشياء المتعارضة مع قيمنا، والمخالفة لمبادئنا الأكيدة، والتي هي بخلاف العناصر والأجزاء الأصليّة لهويّتنا الوطنيّة؟ لماذا نسمح لها بالانتشار في داخل البلاد، وهي آتية من قِبل خصومنا، ومَن يريدون بنا السوء؟

اعملوا ما من شأنه أن ينفع الجميع من منافع الفضاء الافتراضيّ وأرباحه وفوائده، وزيدوا من سرعة الإنترنت؛ لتحصل الأمور التي يجب أن تحصل. ولكن، ليحصل هذا بالنسبة إلى الأمور التي ليس فيها ضرر على بلادكم، وليس فيها ضرر على شبابكم، وليس فيها ضرر على الرأي العامّ عندكم... لماذا نفلت هذا الفضاء غير القابل للسيطرة، ونتركه من دون ضبط ولا تحكّم؟ الجميع مسؤول»[1].

2. تحديد الحدود مع العدوّ

يشير سماحته(دام ظله) إلى ضرورة التنبّه لعدم السماح للعدوّ في خرق الحدود بينه وبين بيئتنا ومجتمعنا، يقول: «من الأمور اللازمة والضروريّة جدًّا، ألّا نسمح لحدودنا الفاصلة بيننا وبين العدوّ بالاضمحلال والتبدّد. إنْ لم يكن هناك من تحديد للحدود مع العدوّ، ولم تكن هذه الحدود بارزة واضحة، لأمكن اجتياز هذه الحدود، سواء من هذا الجانب إلى ذاك، أو من ذاك الجانب إلى هذا، وهذا تمامًا كالحدود الجغرافيّة. حينما لا تكون الحدود واضحةً، يستطيع العدوّ التغلغل، والنفوذ، وممارسة الخداع والحيلة، والتسلّط والهيمنة على الفضاء الافتراضيّ. أمّا إذا كانت الحدود مع العدوّ بيّنة جليّة، فلن

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/06/2017م.

 

85


74

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

تكون سيطرته على الفضاء الافتراضيّ والأجواء الثقافيّة بهذه البساطة والسهولة. إليكم أيضًا هذه النقطة: فقد ورد في قوله تعالى: ﴿لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ﴾ إلى أن يقول: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ﴾[1]، لقد نهانا الله تعالى عن أن نتعامل مع العدوّ بهذه الصورة»[2].

ويقول في موضع آخر: «بناءً على ذلك، يوجد فرقٌ كبيرٌ بين الشابّ أو الفتى الذي يقع تحت تأثير شبكة إنترنت في الفضاء الافتراضيّ، ويقوم بحركةٍ ما، ويقول كلمةً ما، وبين ذلك الشخص المرتبط بأجهزة منظّمة، وهو عنصرٌ في تلك الفرق التخريبيّة؛ لا يمكن جعل حسابهما واحدًا»[3].

3. المسجد نواة المقاومة

يذكّر سماحة الإمام بأهمِّيَّة دور المساجد والحسينيّات والمجالس الحسينيّة في توجيه المجتمع وحمايته، يقول: «إنّ مجالس العزاء ومجالس الوعظ والخطابة واللقاءات المتنوّعة هي أمور بالغة الأهمِّيَّة؛ ينبغي عدم الاستخفاف بها، فهي مؤثّرة أكثر من الفضاء الافتراضيّ، وكذلك أكثر من الإذاعة والتلفاز، لكنّ دائرتها محدودة؛ إذا عملت هذه المجموعة العظيمة والتشكيلات الكبيرة بشكل جيّد وشامل، فإنّ تأثيراتها ستتفوّق على تلك الوسائل الأخرى كُلِّها، وستتمكّنون من المحافظة على هؤلاء الشباب وهؤلاء المخاطَبين بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، وتستطيعون تحصينهم من هذه الميكروبات والفيروسات التي تُضخّ بشكل مستمرّ. بناءً على هذا، فالمسجد نواة المقاومة، غاية الأمر أنّه مركز المقاومة بأنواعها المختلفة؛ المقاومة الثقافيّة،

 

 


[1] سورة الممتحنة، الآية 1.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/03/2019م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/01/2018م.

 

86


75

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

والمقاومة السياسيّة، وكذلك في الوقت المناسب المقاومة الأمنيّة والعسكريّة؛ ولقد كانت المساجد هكذا دومًا»[1].

ويقول في موضع آخر: «عندما نعلم أنّ هناك مَن يدير هذا الفضاء الافتراضيّ من الخارج، ونحن جزء من المستخدمين له والمبتلين به، لا يمكننا أن نجلس مكتوفي الأيدي قبالته، وأن نترك شعبنا وأبناءنا الذين يستخدمون هذا الفضاء الافتراضيّ بين أيدي أولئك الذين يديرون هذا الفضاء من خلف الستار. إنّ القوى المتسلّطة على العالم فعّالة جدًّا في هذا المجال، سواء على صعيد صناعة الأخبار، أو نشرها، أو تحليل المعطيات والبيانات، والكثير من الأعمال الأخرى»[2].

4. على الحوزات مواجهةُ هذا الجيش العظيم

يلفت الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى أهمِّيَّة دور الحوزات العلميّة في مواجهة الشبهات التي يطرحها البعض في الفضاء الافتراضيّ، وضرورة اهتمامها بهذا الأمر، يقول: «أرضيّة الشبهات خصبة في هذا العالم الافتراضيّ. تسهم الساحة المجازيّة في هذا الأمر، كما أنّه توجد دوافع سياسيّة لترويجها... هذه الشبهات تحتاج إلى مواجهة. ليس من الواجب أن نكتفي باستلال سيف لنمارس الجهاد، هذا أعظم أنواع الجهاد...هيّئوا أنفسكم للقيام بهذا الجهاد»[3].

ويقول في موضع آخر: «يجب على الحوزات العلميّة أن تؤمّن هذه الطاقات في داخلها؛ قدرة المقابلة وجهًا لوجه، مواجهة هذا الجيش العظيم الذي لا يُعدّ ولا يحصى، ومكافحة العدوّ الذي يتدفّق ويهجم

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/08/21م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/08/2020م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/14م.

 

87


76

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

على إيمان الناس، على اعتقادات الناس، على سلامة نفوس الناس، على عفّة الشباب.

إنّهم يجلسون ويبثّون الشبهات والكلام والأفكار ليضلّوا الشباب المؤمن السليم؛ يجب معرفة هذه الأمور. مَن هو الشخص الذي يجب أن ينزل إلى وسط الميدان، ويجعل صدره درعًا، ويكون مانعًا لانحراف الشباب؟ مَن هو الذي يجب أن يقف في وجه أعمال العدوّ لحرف أذهان الشباب؟ على عاتق مَن يقع هذا العمل؟ على المجتمع العلميّ والدينيّ؛ أي علماء الدين، أوّل مسؤوليّة من مسؤوليّاتهم هي هذه؛ وهي أهمّ مسؤوليّاتهم الواجبة عليهم»[1].

5. الترويج لإنجازاتنا!

هناك الكثير من الإنجازات التي يقوم بها أبناء مجتمعنا على جميع الأصعدة، إلَّا أنّه لا يوجد الترويج الكافي لتلك الإنجازات، من هنا يؤكّد على ضرورة الترويج حيث يقول: «إنّنا أقوياء في الكثير من المجالات، لكنّنا ضعفاء في الإعلام؛ في مجال الإعلام والإعلان والترويج لإنجازاتنا، لدينا قلّة عمل وضعف وقلّة إبداع! يجب أن نتقدّم في هذا المجال، لكنّ أعداءنا، الذين يرصدون قضايانا وأمورنا كلّها، يرون الواقع، ويشاهدون تقدُّم البلاد، ويعلمون كم تقدَّم البلدُ وسار إلى الأمام»[2].

ويقول في موضع آخر: «أعداؤنا خارج البلاد يبذلون قصارى جهدهم، وبطرق مختلفة، وكم من الأموال تنفق في سبيل أن يستطيعوا استخدام هذه القنوات التلفزيونيّة والإذاعات والفضاءات الافتراضيّة والمواقع الإنترنتيّة، وكي يُرَوِّجوا ويكرّروا أقوالهم مئات المرّات، هم يعملون ويسعون»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/06م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2018م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2018م.

 

88


77

التعبئة ظاهرة إبداعيّة

اهتمّوا بالبرمجة

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «اهتمّوا بالبرمجة، ومراعاة الاستراتيجيّات العامّة، واستقطاب الطاقات الثوريّة الكفؤة وحفظها وإعدادها، والمشاركة المؤثّرة في الفضاء الافتراضيّ، وأن تتوكّلوا وتعتمدوا على الله تعالى»[1].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/11م.

 

89


78

الحريّة

الحرّيّة
تمهيد

يوجد بين المفاهيم الثقافيّة المؤثِّرة في المجتمع من جهة، وحركته السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديَّة من جهة أخرى، ترابط وثيق، لا يمكن الفصل بين أحدها وغَيْرِهِ، وفي ذلك يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) مبيّنًا معالم الترابط ومناشئه: «إنّ الحركة الثقافيّة في أيّ حضارة أو مجتمع، غير منفصلة عن الأحداث السياسيّة والتطوّرات التي تحدث في ميدان الواقع المعيش عند الناس والجماعة. والأبحاث التي تُعنى بالقيم، كالحرّيّة مثلًا، تمسّ حياة الجماعة بشكل لصيق، بحيث يصعب قيام جماعة أو احتشادها حول فكر ما من دون التبيُّن من حقيقة مواقف هذا الفكر تجاه القيم. «العلّة العامّة هي أنّ الأبحاث البنيويّة الأصوليّة، من أجل أن تنطلق، تحتاج إلى حادثة باعثة؛ أي إنّه في الأغلب يكون هناك إعصارٌ يحرّك هذه الأبحاث الأساسيّة. فالأبحاث العميقة والمهمّة، والتي لديها طابع التحدّي، حول هذه المقولات الأساسيّة، لا تنطلق في الأوضاع العاديّة، ينبغي أن تقع حادثة ما لتشكّل أرضيّة لها»[1].

وفي الفكر الغربيّ، نشهد تكثيفًا للبحث حول الحرّيّة، كإحدى القيم التي تبنّاها المشهد العامّ الأوروبّيّ، بعد الثورات المتتالية فيه، كالثورة الصناعيّة والثورة الفرنسيّة. ولذلك، فإنّ سياق نشوء الاهتمام

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

90


79

الحريّة

الفكريّ بهذه القيمة له مساره الواضح تاريخيًّا. ويوضح سماحته أنَّ: «الغرب، وفي هذه القرون الثلاثة أو الأربعة المصاحِبة لعصر النهضة وما بعده، قد شهد تفتُّحًا وتبرعمًا لا نظير له. والقليل من الموضوعات، كقضيّة الحرّيّة في الغرب، قد طُرِحَ في هذه القرون الأربعة، سواء في مجال العلوم الفلسفيّة، أو في مجال العلوم الاجتماعيّة، أو في مجال الفنّ والأدب. ولهذا علّةٌ وسببٌ أساسيّ عامّ، وتوجد أيضًا له أسبابٌ محيطة»[1].

وإنّ الحدث الحضاريّ الأساسيّ الذي حفّز البحث حول الحرّيّة لدى الغربيّين، كان بروز عصر النهضة بعد قرون الظلام والقرون الوسطى، كما يسمّونها، وبناءً على ذلك، يقول سماحته: «عوامل نموّ هذه الحركة الفكريّة كانت على الشكل الآتي: بالدرجة الأولى، كان عصر النهضة. بالتأكيد، إنّ واقعة عصر النهضة لم تكن واقعة دفعيّة، لقد وقعت أحداثٌ كثيرة على مدى مئتَي سنة من بدايات عصر النّهضة، وإحداها كانت قضيّة الثورة الصناعيّة، ومنها أيضًا قضيّة الثورة الفرنسيّة الكبرى. هذه كلّها أدّت إلى طرح قضيّة الحرّيّة؛ ولهذا تمّ العمل عليها. كَتَبَ الكثيرُ من الفلاسفة آلافَ الأبحاث والمقالات والكتب، وكُتبت مئات التصانيف في باب الحرّيّة في جميع هذه البلدان الغربيّة. بعدها، انتقل هذا الفكر إلى أمريكا وهناك أيضًا عملوا على المنوال نفسه»[2].

وانطلاقًا من هذه الرؤية، يرى الإمام (دام ظله) أنّ نزعة عصر النهضة والبحث عن الحرّيّة المدّعاة كانت قائمة على عدائها للكنيسة، قال موضّحًا: «نزعة عصر النهضة، في الأساس، كانت نزعة معادية للدين وللكنيسة؛ لهذا، تأسَّسَت وأُقِيمَت على قاعدة النزعة الإنسانيّة (الهيومانيزم). وبعدها، قامت جميع الحركات الغربيّة على أساس

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

91


80

الحريّة

هذه النزعة الإنسانيّة، واستمرّت إلى يومنا هذا على هذا المنوال. ومع الاختلافات كُلِّها التي طرأت، كان الأساس هو النزعة الإنسانيّة؛ أي كان الأساس هو الكفر والشرك»[1].

من هنا، فإنّ على أيّ باحث يريد الخوض في غمار بعض المفاهيم والقيم، أن يلتفت إلى أنّ بعض الأفكار قد أحيطت أو نشأت بنوايا ومخطّطات خطيرة وهدّامة، وهذا ما يستوجب على الباحثين من أبناء بيئتنا وثقافتنا، أن يلجأوا إلى مصادرنا الإسلاميَّة، وهذا ما يؤكّد عليه سماحته قائلًا: «مصادرنا كثيرة، فنحن لسنا فقراء بالمصادر؛ أي إنّنا في الواقع نستطيع أن نؤمّن مجموعة فكريّة مدوّنة، ومنظومة فكريّة كاملة في مجال الحرّيّة، تجيب عن جميع الأسئلة الدقيقة والعريضة للحرّيّة. بالطبع، هذا ليس عملًا سهلًا، فهو يحتاج إلى همّة»[2].

عناصر البحث حول الحرّيّة

1. موضوع الحرّيّة

إنّ مفهوم الحرّيَّة مفهوم متعدّد الشُّعَب، حيث إنّه لا يُقتصَر فيه على شكل واحد أو جهة واحدة ممَّا يرتبط بحركة الإنسان، فهناك حرّيَّة معنويّة وحرّيّة اجتماعيّة واقتصاديّة، وأمّا في أيّ حرّيّة يدور البحث اليوم، فيوضحه سماحته قائلًا: «في الأساس، إنّ بحثنا ليس بشأن الحرّيّة المعنويّة التي تعني السلوك إلى الله، والقرب من الله، والسير في وادي التوحيد، الذي كان من نتاجاته أمثال الملّا حسين قلّى الهمدانيّ، أو المرحوم السيّد ميرزا القاضي، أو المرحوم العلّامة الطباطبائيّ، وإنّما بحثنا يتعلّق بالحرّيّات الاجتماعيّة والسياسيّة، والحرّيّات الفرديّة والاجتماعيّة، فالقضيّة اليوم في العالم هي هذه»[3].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

92


81

الحريّة

ويشير سماحة الإمام إلى أنّه بالإمكان توسيع معنى الحرّيّة المعنويّة، ليشمل الكلام حولها كقيمة معنويّة واجتماعيّة، فيقول: «لدينا اصطلاحان بشأن الحرّيّة المعنويّة: أحدهما ذاك الاصطلاح الأوّل الذي هو عبارة عن العروج إلى الله، والقرب من الله، وحبّ الله، وأمثاله، وهذا لا يدخل في بحثنا أساسًا، فله مقولة أخرى. والآخر هو الحرّيّة المعنويّة بمعنى التحرّر من القيود والأغلال الداخليّة، التي تمنعني من الذهاب إلى الجهاد، ومن المواجهة، ومن أن أتكلّم بصراحة، ومن أن أعلن مواقفي علانيَةً، وتجعلني أُبتلَى بالنفاق، وأكون ذا وجهَين. (فقضيّة) مواجهة موانع الحرّيّة قابلة لأنْ تُطرَح للبحث»[1].

2. الحريّة في الإسلام

ويَلفت سماحته(دام ظله) إلى خطأ يقع فيه الكثيرون في تعاملهم مع مفهوم الحرّيّة، وهو حسب قوله: «التعامل الخاطئ إسلاميًّا مع مسألة الحرّيّة، أن نضع الحرّيّة كقيمة مطلقة مقابل جميع القيم، ونبحث عن التخصيصات والاستثناءات، فنقول مثلًا: إنّ الأصل أن نكون أحرارًا مطلقًا، إلّا ما استثناه الإسلام، هذا هو الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه الإنسان في تعامله مع بحث الحرّيّة. وأنا أقول: إنّ الأمر ليس كذلك. فمنذ البداية، لا يوجد فرضيّة مسبَّقة تريد أن تمنحنا الحرّيّة المطلقة... فليس لدينا، منذ البداية، مثل هذا الفرض المسبَّق بأنّ الحرّيّة المطلقة هي حقّ الإنسان ومرتبطة به، وأنّها قيمة له... إنّ أوّل نطاقٍ وضعناه بشأن أبحاث الحرّيّة في الإسلام، هو أن نقول في "الإسلام"، أي إنّنا نضع لها إطارًا منذ البداية، ونحدّد لها نطاقًا من الخطوة الأولى"[2].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

93


82

الحريّة

ويبيّن الإمام الخامنئيّ الأساس الأوّل الذي يُبْنَى عليه مفهوم الحرّيّة في الإسلام، قائلًا: «والأمر الأوّل الذي يشيّده الإسلام في بحث الحرّيّة، هو التسليم بوجود المقيِّدات لهذه الحرّيّة المطلقة التي فرضها بعضهم، وهذه المقيّدات بشكل أساسيّ هي الحلال والحرام. ففي الآية المعروفة من سورة الأعراف المباركة، يقول:
﴿ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾[1]. إنّ هذه أوضح آية في القرآن حول الحرّيّة، حيث تضع الإصر، والإصر هو تلك الحبال التي تُربَط بها الخيمة، كي لا تطيح بها الرياح، وهي التي تُربَط بإحكام بالأرض، ولكنّه أخلد إلى الأرض، هذا هو الإخلاد إلى الأرض. فأواصرنا هي تلك الأمور التي تربطنا بالأرض، وتمنعنا من التحليق. والغلّ هو تلك السلسلة المعدنيّة التي جاء النبيّ من أجل رفعها. في هذه الآية، وقبل أن يقول: ﴿وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾، يقول: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ﴾، فماذا يعني الحلال والحرام؟ الحلال والحرام يعنيان وضع الحدود والمنع، وهما متلازمان مع الممنوعيّة. فمن الأساس، لا ينبغي أن نأبى وجود الحدود والمنع في أذهاننا، أثناء البحث حول الحرّيّة"[2].

إنّ افتراض وجود ما يُسَمَّى بالحرّيّة المطلقة كأصل، ناشئٌ من نظرة غير إسلاميّة للوجود، النظرة التي تجعل الإنسان هو محور الوجود دون الله تعالى. أمّا لو أعملنا النظرة الإسلاميَّة في هذا المجال، فسنجد الفرق بين الليبراليّة والإسلام في مسألة الحرّيّة. و"الاختلاف الأهمّ هو أنّ منشأ الحرّيّة في الليبراليّة، تحت عنوان الحقّ أو القيمة، هو

 


[1] سورة الأعراف، الآية 157.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

94


83

الحريّة

عبارة عن النزعة الإنسانيّة؛ لأنّ محور عالم الوجود والاختيار في عالم الكون هو هذا الإنسان... إنّهم يقولون إنّ الإنسان هو المحور، أي إنّ ربّ عالم الوجود في الواقع هو الإنسان، ولا يمكن أن يكون موجودًا من دون قدرة الاختيار والإرادة، أي إنّه من دون إعمال الإرادة -والتي هي المعنى الآخر للحرّيّة- لا يوجد إمكان أن نفرض أنّ الإنسان هو صاحب الاختيار في عالم الوجود. هذا هو أساس بحث الحرّيّة. وهذا هو مبنى الفكر الإنسانيّ (الهيومانيزم) بشأن الحرّيّة. أمّا في الإسلام، فالقضيّة منفصلة تمامًا عن هذا الأمر. ففي الإسلام، المبنى الأساسيّ للإنسان هو التوحيد"[1].

والتوحيد في معناه العميق، لا يعني الاعتقاد بالله تعالى فقط، بل له امتدادات على مستوى الحياة الإنسانيّة والقيميّة. بتعبير آخر، إنّ التوحيد يصبغ حياة الإنسان بصبغةٍ تجعل له نمط حياة مختلفًا عمّا لو كان غير معتقد بالله تعالى كإله واحد أحد.

ويلفت سماحة الإمام(دام ظله) إلى كون مفهوم التوحيد غير منحصر بالاعتقاد بالله قائلًا: «والتوحيد ليس منحصرًا بالاعتقاد بالله، بل هو عبارة عن الاعتقاد بالله، والكفر بالطاغوت، والعبوديّة لله، وعدم العبوديّة لغير الله؛ ﴿تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔا﴾[2] لا يقول ولا نشرك به أحدًا. بالطبع، هناك موردٌ جاء فيه كلمة «أحدًا»، لكنّه هنا بمعنى أعمّ ـ حيث يقول: ﴿وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔا﴾، فلا نجعل أيّ شيء شريكًا لله؛ أي إنّكم إذا اتّبعتم العادات من دون دليل، فهذا خلاف التوحيد، وإذا اتّبعتم البشر، يكون كذلك، وهكذا في مورد الأنظمة الاجتماعيّة ـ فكلّ ما لا ينتهي إلى الإرادة الإلهيّة، يكون في الواقع شركًا بالله، والتوحيد هو عبارة عن الإعراض

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[2] سورة آل عمران، الآية 64.

 

95


84

الحريّة

عن هذا الشرك، ﴿فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ﴾[1]، يوجد الكفر بالطاغوت، وبعده الإيمان بالله. حسنٌ، هذا معناه تلك الحرّيّة، فأنتم أحرارٌ من جميع القيود، غير العبوديّة لله»[2].

وإنّ للإسلام رؤية عميقة وواضحة في ما يتعلّق بمفهوم الحرّيّة وشموليّته، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) مبيّنًا ذلك: «ولو جئنا إلى مصادرنا الإسلاميَّة، لوجدنا أنَّ معنى الحرّيّة له تداعيات وامتدادات متعلِّقة برؤية الإنسان لله، وما يستتبعه من اعتقاد بالدنيا والآخرة، وبتقديم الآخرة على الدنيا، وبترك الدنيا والإعراض عن متاعها، في مقابل النعيم المقيم في الآخرة، فإنّ ذلك الحديث المنقول عن أمير المؤمنين، ... يقول: «أوَلَا حرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اللُّمَاظَةَ[3] لِأَهْلِهَا» ـ هذه هي الحرّيّة... ويقول بعد ذلك: «فَلَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الجَنَّةُ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا»[4]. من المعلوم أنّهم يريدون أن يجعلوا لتلك اللّماظة قيمة وثمنًا؛ أي إنّهم كانوا يقدّمون تلك اللُماظة لِيُبادلوها بأنفسهم ووجودهم وهويّتهم وشخصيّتهم، فالقضيّة أنّ هناك معاملة تجري، وهو ينهى عنها. فإذا أردتم أن تقوموا بهذه المعاملة، فلماذا تبيعون أنفسكم لقاء هذه اللُماظة؟ بل اجعلوا ذلك فقط مقابل الجنّة والعبوديّة لله. لهذا، فإنّ النقطة المركزيّة هي هذه. بالطبع، يوجد نقطة مركزيّة أخرى، هي عبارة عن الكرامة الإنسانيّة، «وَلَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الجَنَّة» تشير إليها»[5].


[1] سورة البقرة، الآية 256.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[3] اللَّماظة: بقيّة الطعام في الفمّ، وأيضًا بقيّة الشيء القليل، والمراد بها هنا الدنيا.

[4]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص556، حكمة456.

[5]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

96


85

الحريّة

منظورات الحرّيّة

يذكر سماحة الإمام(دام ظله) أنّ للحقّ منظورين، وهما:

1. منظار الحقّ بالاصطلاح القرآنيّ

يقول سماحته: «الحقّ في الاصطلاح القرآنيّ -والذي لعلّه تكرّر في القرآن كمصطلح الحقّ أو عبارة الحقّ أكثر من مئتي مرّة، وهو أمرٌ عجيبٌ جدًّا- والحقّ في القرآن له معنى عميق ووسيع؛ حيث يمكن بشكل مختصر ومجمل التعبير عنه بكلمتَين بمعنى سطحيّ وبمعنى جهاز منظّم وهادف؛ فالله تعالى في آيات عديدة من القرآن، يقول: إنّ كلّ عالم الوجود قد خُلِق على أساس الحقّ: ﴿مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ﴾[1]، ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ﴾[2]؛ أي إنّ نظام عالم الوجود أو جهازه وجهاز الخلقة -من جملتها وجود الإنسان الطبيعيّ، بمعزلٍ عن قضيّة الاختيار والإرادة في الإنسان- هو جهازٌ مصنوعٌ ومُعَدٌّ ومترابطٌ ومتّصلٌ بعضه ببعض، وله نظامٌ وهدف. في ما بعد، يبيّن هذه المسألة نفسها بشأن التشريع. لقد أشرتُ في مورد التكوين إلى بعض الآيات. وفي مورد التشريع، يقول:﴿نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ﴾[3]، ﴿أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرا وَنَذِيراۖ﴾[4]، ﴿قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ﴾[5]، فهذا الحقّ وذاك الحقّ؛ هذا في عالم التكوين، وذاك في عالم التشريع. ويعني ذلك أنّ عالم التشريع متطابق مئة بالمئة مع عالم التكوين، بحسب الحكمة الإلهيّة، ويمكن لإرادة الإنسان أن تخرّب بعض زواياه. بالطبع، لأنّه متطابق مع عالم التكوين، والجهة هي جهة الحقّ؛ أي إنّ كلّ ما ينبغي أن يكون، تقتضيه الحكمة الإلهيّة. لهذا، فإنّ تلك

 

 


[1] سورة الدخان، الآية 39.

[2] سورة الأنعام، الآية 73.

[3] سورة البقرة، الآية 176.

[4]  سورة البقرة، الآية 119.

[5]  سورة الأعراف، الآية 53.

 

97


86

الحريّة

الحركة العامّة والكلّيّة ستتغلّب في النهاية على جميع هذه الأعمال الجزئيّة، التي تتعدّى هذا الطريق وتتخلّى عنه وتنحرف. لهذا، من الممكن أن تحصل أنواع من المخالفات، هذا هو عالم التكوين وهذا هو عالم التشريع. ومن موادّ هذا العالم، إرادة الإنسان. ومن موادّ هذا التشريع، حرّيّة الإنسان. فهذا هو الحقّ إذًا. وبهذه النّظرة، نتطلّع إلى قضيّة الحرّيّة، وهي حرّيّة الحقّ مقابل الباطل»[1].

2. منظار التكليف

يقول(دام ظله) في هذا المنظار: «إنّ الحرّيّة ليست من المسائل التي يمكن للإنسان أن يتخلّى عنها وفق ما يراه الإسلام، فالحرّيّة هي تكليف، يجب على كلِّ إنسان أن يكون حرًّا، وأن يترك الاستضعاف الواقع عليه، وأن يرفض الاستكبار. ينبغي أن ننظر إلى الحرّيّة من منظار تكليفٍ ما. فليس من الصحيح أن نقول: حسنٌ جدًّا، إنّ الحرّيّة أمرٌ جيّد، لكنّني لا أريد هذا الشيء الجيّد. كلّا، لا يصحّ ذلك. يجب على الإنسان أن يسعى إلى الحرّيّة، سواء كانت حريّته أو حرّيّة الآخرين. فلا ينبغي أن يُسمَح لأحدٍ أن يبقى في الاستضعاف والمذلّة والمحكوميّة. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ، وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرًّا»[2]. ويقول القرآن أيضًا: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِين﴾[3]؛ أي إنّكم مكلَّفون بتحقيق حرّيّة الآخرين، ولو بالقتال؛ حيث إنّ هذا أيضًا يرتبط بأبحاثٍ متنوّعة»[4].


 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص401، وصيّته للإمام الحسن عليه السلام.

[3] سورة النساء، الآية 75.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

98


87

الحريّة

مقارنة الأبحاث المطروحة بين الآراء الغربيّة والإسلاميَّة

ويبيّن سماحة الإمام(دام ظله) ما هي الأمور التي تميّز نظرة الإسلام في مفهوم الحرّيّة قائلًا:

«بعد أن اتّضح ممّا سبق، أنّ أساس الرؤية الإسلاميَّة للحرّيّة وجوهرها، نابع من التوحيد وما يستلزمه التوحيد من نفي عبوديّة غير الله تعالى، وأنّ العبوديّة لله تعالى نفسها هي عين ما تقتضيه إنسانيّة الإنسان وفق منظار الحقّ، الذي هو منظار القرآن في تبيين القيم، واتّضح أن منشأ بحث الحرّيّة لدى الأوروبّيّين والغربيّين بدأ من منطلق رفض الدين في ما أسموه عصر النهضة، يظهر أنّ الفرق الأساس الذي يجعل الرؤية الإسلاميَّة متميِّزة من غيرها، هو محوريّة الله تعالى في مقابل محوريّة الإنسان في الوجود. فالفكر الليبراليّ سعى لتثبيت محوريّة الإنسان، وجعله الركيزة الأساسيّة في أيّ بحث قيميّ، بينما نجد أنّ الإسلام يضع التوحيد في المركز، ويفرّع على أساسه باقي القيم. والآثار العمليّة للفكر الغربيّ تُبرِز بوضوح فشل رؤيتهم حول الحرّيّة التي أسّسوا لها منذ قرون. «إنّ وقائع المجتمع الغربيّ سيّئة جدًّا ومرّةٌ وبشعة، وبعضها يبعث على النفور، فلا وجود للعدالة، ولا لأيّ شيء من هذا القبيل، بل هناك التمييز العنصريّ والاستبداد، وفي مجال القضايا العالميّة، إشعال الحروب. فإنّهم، ومن أجل أن تحصل مصانع الأسلحة على المال، وأن لا يفلس ذلك المصنع، يشعلون الحروب بين شعبَين! يأتون إلى بلدان الخليج الفارسيّ، ويخوّفونها من إيران ومن الجمهوريّة الإسلاميَّة؛ من أجل أن يبيعوها الفانتوم والميراج! ومثل هذه الأعمال يقومون بها بنحو دائم.

أمّا تعاملهم مع المقولات الشريفة، كحقوق الإنسان والسيادة الشعبيَّة، فهو تعاملٌ انتقائيّ. إنّ تعاملهم مع هذه المقولات سيّئٌ جدًّا

 

99


88

الحريّة

وغير خُلُقيّ. لهذا، فإنّ حال الوقائع الحاليّة للحياة في الغرب، ذلك الغرب الذي تحدّث فلاسفته بهذا المقدار عن الحرّيّة فيه، هو حالٌ سيّئٌ في الواقع.

إنّ المرء حيٌّ ينظر إلى هذه النظريّات، يرفضها في ما بعد، هذا هو نحوٌ من النظر. أنا العبد أعتقد أنّه لا ينبغي اعتماد هذا النظر بشكل مطلق. أجل، إنّ هذه الوقائع، وإلى حدٍّ كبير، تشير إلى أنّ أولئك المفكّرين الذين ابتعدوا عن الله واستغنوا عن هدايته واعتمدوا فقط على أنفسهم، ابتُلُوا بالضلالة، وأضلّوا أنفسهم وأقوامهم، وجعلوا أنفسهم جهنّميّين وكذلك أقوامهم، فلا شكّ في ذلك. غاية الأمر، أنّني أفكّر بهذه الطريقة: إنّ مراجعتنا لآراء المفكّرين الغربيّين وتضارُب الآراء الموجودة عندهم، ومع هذه الريادة في المجال المتعلّق بتنظيم الأفكار وسبك المنظومات وترتيب الموضوعات، سيكون مفيدًا لمفكّرينا، بشرطٍ واحد، وهو عدم التقليد؛ لأنّ التقليد هو ضدّ الحرّيّة، لا ينبغي أن يحصل التقليد، لكنّ نوع عملهم يمكن أن يكون مساعدًا لكم»[1].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

 

100


89

الحريّة

المعنويّة والأخلاق
أهمِّيَّة التوجّه المعنويّ

يؤكّد سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على أهمِّيَّة التوجّه المعنويّ وضرورتِهِ والارتباط المعنويّ بالله سبحانه، وفي ذلك يقول: «عدّ قضيّة الروح المعنويّة هذه على جانب كبير من الأهمِّيَّة، وهي بمثابة أمطار رحمة تهطل على روضة متنوّعة، فتُحيِي تلك الروضةَ، وتزيدها طراوة وإيناعًا ورونقًا. حين تهطل الأمطار، فإنّها لا تمنح الحياة لمختلف أجزاء هذه الروضة فحسب، وإنّما تزيدها جمالًا ورونقًا وبهاءً وطراوة، وتجعلها عزيزة جميلة رائعة في الأنظار. هكذا هي أمطار المعنويّة»[1].

ويقول في موضع آخر: «ولا يمكن التقدُّم إلى الأمام، من دون التوجُّه المعنويّ، ومن دون التوسّل والدعاء وصلاة الليل، ومن دون الرجوع إلى الصحيفة السجّاديّة وقراءتها. لا يمكن للعمل أن يتقدّم، إذا لم يحافظ الإنسان على علاقته القلبيّة وارتباطه المعنويّ بالله، ومراقبته لهذه الصلة.

عندما تكون بُنيتكم الروحيّة والمعنويّة قويّة، ستجدون المزيد من القدرات، سواء في مجال الفكر، أو اتخاذ القرارات، أو العمل، ونحن بحاجة إلى ذلك في جيل الشباب»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/10/2019م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/03/2019م.

 

102


90

الحريّة

إنّ الاهتمام الجدّيّ بالمُثُل الدينيَّة والإلهيّة والالتزام الثوريّ أمرٌ ضروريٌّ لتقدّم البلاد بشكلٍ واقعيٍّ»[1]. «وإذا فقدت الشعوب هويّتها، وفقدت مواردها المعنويّة، فإنّ هذا يعدّ في الواقع موتًا حضاريّا لها»[2].

البلوغ المعنويّ... فترة بالغة الأهمِّيَّة!

يشير الإمام(دام ظله) إلى الأثر البالغ للقوّة المعنويّة التي يبلغها الإنسان، وهي الأساس الذي يستطيع من خلالِهِ أن يواجه أحداث الحياة، يقول: «إنّ فترة حياة الإنسان هي فترة أحداث لا تُعدّ ولا تُحصَى. وإنّكم -بإذن الله- ستعيشون في هذه الحياة الدنيا عشرات السنين، وستشهدون أحداثًا، وترون الكثير من القضايا في حياتكم، وتجرّبونها. فإن كانت بُنيتكم المعنويّة قويّة، ستواجهون هذه الأحداث بشجاعة وشهامة، وتخرجون منها بشموخ وفخر واعتزاز، وستكتسبون العزّة الدنيويّة، وكذا المعنويّة والإلهيّة، وهذا يبدأ من لحظة التكليف»[3].

مفهوم المعنويّة والأخلاق

ويبيّن معنى المعنويّة التي ينبغي أن يُحَلَّى بها الإنسان، يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «المعنويّة تعني تكريس القيم المعنويّة، من قبيل الإخلاص، والإيثار، والتوكّل، والإيمان بالذات وبالمجتمع. والأخلاق بمعنى مراعاة الفضائل، من قبيل حبّ الخير، والتسامح، ومساعدة المحتاجين، والصدق، والشجاعة، والتواضع، والثقة بالنفس، وسائر الأخلاق الحسنة. فالمعنويّة والأخلاق هي الموجّهة للحركات والنشاطات الفرديّة والاجتماعيّة كُلِّها، وهي حاجة أساسيّة للمجتمع، ووجودها يجعل من أجواء الحياة جنّة، حتّى مع وجود

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/01/2017م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/06/2020م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/12/13م.

 

103


91

الحريّة

النواقص المادّيّة؛ وعدم وجودها يجعل الحياة جحيمًا، حتّى مع التمتُّع بالإمكانيّات المادّيّة»[1].

إنّنا في زمن الحرب على المعنويّات

كذلك يحذّر سماحته من الحرب التي يقيمها الأعداء بوجه الروح المعنويَّة التي يمتلكها أبناء مجتمعنا، حيث يقول: «إنّنا نعيش زمنَ معركةٍ ثقافيّةٍ، معركةٍ ناعمةٍ فُرِضَت علينا، وتمَّ خلالها الهجوم علينا؛ هجمة ناعمة، وبأدوات متطوِّرة وحديثة جدًّا، وبقدرات عالية جدًّا، حصل هجومٌ ضدَّنا. حسنٌ، أوّلًا، يجب أن نؤيِّد ذلك؛ يجب أن نقتنع، أوّلًا، أنّنا في حالة حرب، وأنّنا تعرّضنا لهجوم. إذا كان هذا، فيجب عندها تركيز الطاقات كلّها لتوجيه ضربة للمهاجِم، وصدِّ هجومه. ما هو هدف المهاجِم؟ وما الذي يستهدفه المهاجِم مِن أعماله؟ إنّه يستهدف ثقافتَنا وأخلاقَنا وعوائلَنا وهويّتَنا وتاريخَنا»[2].

قواعد لتعزيز المعنويّة

يذكر سماحته(دام ظله) عددًا من القواعد التي ينبغي الاستناد إليها في تعزيز المعنويَّات، حيث يقول:

«لا يتصوّرنّ أحد أنّ فكرة التوجّه نحو المعنويّات هي فكرة قديمة ورجعيّة و«ليست على الموضة»، كما يقول السادة. كلّا، عالم اليوم يشهد اضطرابات وتلاطمًا بسبب الفراغ الروحيّ المعنويّ، والغربيُّون يعترفون بذلك ويقولون ويكرّرون، ولكن من أين يأتون بالمعنويّات؟ لا يمكن ضخّ المعنويّات للناس كالدواء بوساطة الحقنة. ليس لديهم معنويّات، وهم مبتلون بالطبع، وسيزيد بلاؤهم وتورّطهم أكثر فأكثر.

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/02/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/11/2018م.

 

104


92

الحريّة

1. التمسّك بالقرآن

يذكر سماحته(دام ظله): «إذا كانت تلاوة القرآن تلاوة صحيحة وحسنة، فيجب أن تمنحنا فائدتَين اثنتَين: الأولى أن تعمّق معنويّاتنا وروحنا المعنويّة وتكرّسها، فنحن غرقى الأمور المادّيّة، والبشر بحاجة إلى التوجّه المعنويّ والروح المعنويّة، وهذا ما يحصل بتلاوة القرآن، إذا ما تلوناه تلاوة حسنة، هذا أوّلًا. ثانيًا، أن نمدّ فكرنا، ونغذّيه بالمعرفة القرآنيّة؛ بمعنى أنّ القرآن يؤثّر في قلوبنا، ويؤثّر أيضًا في أذهاننا. وإنْ أَنِسنا بالقرآن، فستتجلّى كثير من مفاهيم الحياة لنا. فالانحرافات، وسوء الفهم، واليأس، وخيانات البشر بعضهم لبعض، وعداؤهم بعضهم لبعض، وإذلال الإنسان نفسَه مقابل طواغيت العالم، وما إلى ذلك، هذه كلّها ناجمة عن البُعد عن القرآن. فالقرآن يمنحنا المعنويّة، ويمنحنا أيضًا المعرفة.

والتوصية الأخيرة هي أن لا تتركوا التوكّل على الله، والتوسّل به، والدعاء، والروح المعنويّة. لا تتركوا الأنس بالقرآن، ولا تتركوا الأنس بأهل البيت والعترة، ولا تنسوا اجتناب المعاصي والذنوب. لقد كان اجتناب المعاصي من أكثر ما يوصينا به الذين نقيم احترامًا وقيمةً عظيمة لكلِّ كلمةٍ من كلامهم، بل ربّما على رأس ما يوصوننا به، فهذا هو أساس الأمر. كَرِّسوا هذا السلوك في أنفسكم، وفي عوائلكم، ولدى أبنائكم، وكلّ مَن له صلة بكم.

إنّ بركات القرآن لا تقتصر علی هذه الأمور التي ذكرتها بلساني القاصر، وإنّما هي بركات لا نهاية لها. ففي القرآن وبالقرآن توجد العزّة، والقوّة، والتقدّم، والرفاه المادِّيّ، والتعالي المعنويّ، ونشر الفكر والعقيدة، والفرح وسكينة الروح، ﴿فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ

 

105


93

الحريّة

وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ﴾[1]. وحين تحلّ الطمأنينة والهدوء والسكينة الدينية، تزداد التقوی: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ﴾ فإنّ السكينة تؤدّي إلى ازدياد الإيمان يومًا بعد آخر، ولكن الإيمان بماذا؟ إنّه الإيمان بالله، والإيمان بالقدرة الإلهيّة، ثمّ يقول بعد ذلك: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾[2]، كلّ شيء بيد الله، كلّ شيء جند لله، ويقول في مكان آخر: ﴿وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ﴾[3]» [4].

2. التأسيس الفكريّ

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ التحوّل الصحيح يحتاج إلى دعامة فكريّة وإلى أسس فكريّة. لنفترض مثلًا أنّ إحدى القضايا التي يتوجّب حتمًا إحداث تحوّل فيها اليوم هي قضيّة العدالة. في مجال العدالة، يجب أن نقوم بتحوّل على أساس فكريّ، يحدّد ما هو فكرنا المتقن والمتبلور في مجال العدالة؛ عندها، نتحرّك نحو التحوّل على أساس هذا الفكر؛ أي إنّ هذا الأساس الفكريّ هو من الأمور الضروريّة المطلوبة، وهو من مواردنا المعنويّة؛ أي إنّنا يجب أن نستفيد من مواردنا المعنويّة في هذا المجال، وهي عبارة عن أحكام الإسلام والتعاليم الإسلاميَّة، والآيات القرآنيّة الشريفة، وكلمات أهل البيت (عليهم السلام). يجب علينا الاستفادة من هذه الأسس، وإيجاد التحوّل بناءً عليها.

كلّ ما أنجزه الإمام في مجال التحوّلات، كان مستندًا إلى هذه الحركة الإسلاميَّة ومباني الإسلام المعرفيّة نفسها؛ لقد تحرّك الإمام ضمن

 

 


[1]  سورة الفتح، الآية 26.

[2]  سورة الفتح، الآية 4.

[3]  سورة المدّثّر، الآية 31.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 07/06/2016م.

 

106


94

الحريّة

إطارها. إذا لم يكن هناك مثل هذا التأسيس الفكريّ، فإنَّ التحوّل لدى الإنسان سيكون خطأ، ومن المحتمل أن تزلّ قدم الإنسان، ثمّ إنّه لن يُثابر ويتابع؛ أي إنّه في حالة التحوّل لن يكون سليم الخطى، ثابت القدم»[1].

3. النزعة الثوريّة في مواجهة الانهزام

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إن أردنا أن نتجرّأ في محضر هذا الجمع ونعرض معايير النزعة الثوريّة، يبدو لي أنّ الملاك في الثوريّة هو التقوى، والشجاعة، والبصيرة، والصراحة، وعدم الخوف من «لومة لائم». هذه هي معالم كون الإنسان ثوريًّا ومُؤشِّراته. إذا تحلّينا بالتقوى، والشجاعة الكافية، والصراحة اللازمة -في الموارد التي تحتاج إلى صراحة، وإلّا ففي الأماكن التي تتطلّب الكناية والتلميح، تكون الصراحة مضرّة-، واستطعنا القيام بهذه الأمور فنحن ثوريّون.

يجب ألّا نصاب بالانهزام المعنويّ أمام الأعداء. هذا من الأصول. الانهزام المعنويّ مضرّ. إنّ كلّ من يصاب بالهزيمة في ذاته، سوف يُهزَم في ساحة المواجهة بالتأكيد. وأوّل هزيمة لأيّ إنسان، هي الهزيمة في داخله، والشعور بأنّه غير قادر، وأنّ عمله عديم الجدوى، وأنّ الطرف الذي يواجهه أقوى منه بكثير، وأنّه لا يستطيع القيام بأيّ شيء. هذا هو الانهزام المعنويّ. إذا استشرَت هذه الروح فينا، لحلّت بنا الهزيمة في ساحة المعركة لا محالة. فلا ينبغي لهذا الانهزام أن يوجد فينا. علينا أن ننتبه لهذا الأمر»[2].

4. رفع صوت الشهداء

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ الشهداء هم من أسباب ازدهار الحياة المعنويّة في البلاد، وعوامله. الحياة المعنويّة تعني الروحيّة

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/06/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/26م.

 

107


95

الحريّة

والشعور بالهويّة ووجود الهدف، وتعني كذلك السير نحو المبادئ والأهداف، وعدم التوقُّف. هذا هو ما قام به الشهداء، وهو ما يعلّمنا إيّاه القرآن. ما دام الشهداء على قيد الحياة، فهُم يدافعون بأجسامهم، وحين يُستشهدون، يدافعون بأرواحهم: ﴿وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[1]. لاحِظوا أنَّ هذا الاستبشارَ حالةٌ تُختصُّ بما بعد استشهادهم ومفارقتهم الحياة. عندما يكونون موجودين، تكون أرواحُهم وأجسامُهم وحركتُهم المادّيّة في خدمة الإسلام والمجتمع الإسلاميِّ، وحينما يرحلون، تكون معنويّاتهُم في خدمة الإسلام، وترتفع أصواتُهم بعد رحيلهم. نُطقُ الشهداء وحديثُهم ينفتح بعد استشهادهم، فيشرعون في الكلام مع الناس -﴿بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم﴾- إنّهم يقولون ذلك لنا، ويجب أن لا تكون أسماعُنا ثقيلةً؛ لنستطيع سماع هذا الصوت. وقد جعل الله تعالى هذا الصوتَ صوتًا مؤثِّرًا، لقد جعله مؤثِّرًا حقًّا؛ فعندما يُنقَل شيءٌ عن شهيد، عندما يُنقَل عنه كلامٌ دقيقٌ ورصينٌ، فإنّه يؤثّر في القلوب، ويغيّرها. وهؤلاء الشهداء الشباب الذين يذهبون هذه الأيّام للدفاع عن المراقد، أو ذهبوا واستُشهدوا، كلامُ هؤلاء، وأفعالُهم، وحركتُهم، وذكراهم، والكلام الذي يُقالُ عنهم، كلُّ هذا ممّا يُوقِظ الإنسانَ، ويُنَبِّهُهُ، ويَبُثُّ فيه الوعي»[2].

5. التحلّي بالسلوكات الخُلُقيَّة والمعنويّة وإشاعتها

كلّما نما الشعور المعنويّ والضمير الخُلُقيّ في المجتمع أكثر، أثمر خيرات وبركات أكثر. والأخلاق والمعنويّة، حتمًا، لا تتحقّقان عن طريق الأوامر والنواهي. وعليه، لا يمكن للحكومات تحقيقهما عن طريق القوّة القهريّة، لكن عليها هي أوّلًا، أن تتحلّى بالسِيَر والسلوكات

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 170.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/11/2018م.

 

108


96

الحريّة

الخُلُقيَّة والمعنويّة؛ وثانيًا، عليها أن تهيّىء الأرضيّة لإشاعتها وترويجها في المجتمع، وأن تتيح الفرص للمؤسّسات الاجتماعيّة للعمل على هذا الموضوع، وتمدّ لها يد العون. كما عليها محاربة المؤسّسات المعادية للمعنويّة والأخلاق، بأسلوبٍ معقول؛ وباختصار، أن لا تسمح للجهنّميّين أن يجعلوا الناس جهنّميّين بالقوّة والخداع»[1].

كلّما ثقُلَت المسؤوليّة، احتجنا إلى البنية المعنويّة

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ عامّة الناس عاكفون على تمشية أمور معاشهم، ولا يحملون على كاهلهم هذا العبء الثقيل [من المسؤوليّة]، وركيزتهم المعنويّة بمقدروها دفعهم إلى الحركة؛ أمّا نحن المسؤولين، إن لم نعمل على تعزيز بُنْيَتِنا المعنويّة، فلن نتمكّن من بلوغ المقصد بذلك العمل اللازم، وتلك المسؤوليّة الثقيلة. انظروا كيف يخاطب الله سبحانه وتعالى شخصًا كالنبيّ، وإنسانًا عظيمًا كرسول الله، في سورة المزَّمِّل، قائلًا: ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ ١ قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلا ٢ نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا
٣ أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا﴾[2]. قم الليل، نصفه أو أقلّ، أو أكثر منه، واشتغل بالعبادة والدعاء والمناجاة وتلاوة القرآن في تلك الساعات، لماذا؟ ﴿إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلا ثَقِيلًا﴾[3]. مَهَمَّتُكَ شاقّة، وعلى كاهلك عبء ثقيل، عليك أن تتحمّله، فإنْ بادرْتَ إلى إحياء الليل وإلى التضرّع والدعاء، سيكون بمقدورك حمل هذا العبء والمضيّ به قدمًا، حتّى الوصول إلى المقصد، وإلّا فلا. وهكذا هو حالنا.

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/02/2019م.

[2] سورة المزّمّل، الآيات 1 إلى 4.

[3] سورة المزّمّل، الآية 5.

 

109


97

الحريّة

أعزّائي! إنْ لم نعمل على تعزيز بنيتنا المعنويّة، [فلن يسعنا النهوض بالأمر]، في أيّ موقع كنّا -بدءًا من هذا الحقير الذي يحمل على عاتقه مسؤوليّة أثقل من مسؤوليّة الجميع، إلى مديري الأقسام والمستويات المختلفة- كلّنا مخاطَبون بهذا الخطاب: ﴿إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلا ثَقِيلًا﴾، وعلينا أن نعدّ أنفسنا»[1].

أروع تجلٍّ للمعنويّات

1. بين المجاهدين

يؤكّد سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على أهمِّيَّة المعنويّات والأخلاق في ما بين المجاهدين في سبيل الله، ويشير إلى أنّ هذه المعنويّات قد تجلّت بشكل ملحوظ بين المجاهدين في الدفاع المقدّس، وهذا ما نقرأه في سيرة حياتهم، وقصصهم، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «ففي «الدّفاع المقدّس»، برزت أعلى مراتب الفضائل الخُلُقيَّة والعروج المعنويّ والارتقاء الروحيّ. في الحقيقة، لا يمكن العثور على شبيه لذلك. نعم، يوجد هنا وهناك، هي موجودة في كلِّ مكان، لكن أن تظهر الفضائل الخُلُقيَّة وأبعاد الارتقاء المعنويّ والروحيّات الدينيَّة وما شابه بهذه الكثرة وهذا العدد، فأنا لم أجد مثيلًا لذلك في أيّ مكان إلّا في جبهات «الدّفاع المقدّس». السِيَر التي كُتبت تُظهر هذه الخصوصيّات، والوصايا أيضًا، والأحوال التي كانت تُنقل عن بعض المجاهدين، (كلّها) تُظهر ذلك. الفضائل الخُلُقيَّة مثل المودّة والصّدق والصّفاء.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/05/2018م.

 

110


98

الحريّة

أساسًا كانت الجبهة منطقة للصّدق والصّفاء، فالجميع كانوا يعيشون الصفاء بينهم، الإخلاص والعمل لله... يقرأ المرء في السِيَر مثلًا أنّ مجموعة كانوا نائمين في خيمتهم ليلًا، وعندما يستيقظون في الصباح، يجدون أحذيتهم العسكريَّة مُلمّعة. من الذي لمَّعها؟ غير معلوم. بعد التحرّي، يُعلم أنّ قائد السَريّة مثلًا أو المجموعة جاء ليلًا ولمَّع جميع الأحذية، أو غسل ثيابهم التي كانوا قد جمعوها ليغسلوها، أو نظّف لهم المَرافق. هذا التواضع وهذه الخدمة وروح الخدمة والإيثار والتضحية والفداء إنّها أمور عجيبة. وبعد ذلك تلك الحالات المعنويّة، وذاك البكاء في جوف الليل، وقيام الليل، وتلك الحماسة، والعشق التوحيديّ، وذاك العزوف عن الزخارف الدنيويّة، والارتباط الغيبيّ في بعض الحالات. بعض هؤلاء الأعزّاء، هؤلاء الشباب العارفين -عارفون بالمعنى الحقيقيّ للكلمة- وصل بهم الأمر في الجبهة أن يروا المستقبل، ويخبروا عنه: عن شهادتهم، عن شهادة أصدقائهم، عن الأحداث التي يمكن أن تحدث»[1].

2. مع أمّهات الشهداء

يشير في كلامه أيضًا إلى أنَّ هذه المعنويّة كانت سائدة بين أمّهات الشهداء: «تعود المعنويّة إلى بَركة الإسلام، فهي تتعلّق بتسليم القلب لله، وبقضيّة الإسلام، وبمسألة الإيمان الدينيّ. بالفعل، يقف الإنسان حائرًا أمام تأثير هذا الإيمان العميق. أو مثلًا، معنويّات أمّهات الشهداء. طبعًا، أنا وأنتم لا يمكننا أن ندرك شعور الأمومة أساسًا، وبالفعل لا أحد يستطيع أن يدرك شعور الأمومة إلّا الأمّ نفسها. ثمّ تأتي هذه الأمّ، وترسل ابنها الشابّ إلى الجبهة، أو عندما يأتي الشابّ، ويطلب من أمّه أن تأذن له بالذهاب، تقول له: اذهب من أجل الإسلام.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/09/2020م.

 

111


99

الحريّة

وعندما يُحضرون جثمان هذا الشابّ نفسه، تفرح الأمّ بأنّها قدّمته في سبيل الله، فتقول: لقد قدّمتُ هذا في سبيل الله. الحمد الله، كان لي التوفيق بالجلوس كثيرًا مع عائلات الشهداء وأمّهاتهم وآبائهم. فيلاحظ الإنسان في موارد كثيرة، لا تُعدّ ولا تُحصَى، أيّ معنويّات وأيّ حالات وأيّ إيثار تتمتَّع به أمّهات الشهداء!»[1].

المعنويّة أساس المجتمع المهدويّ

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ الانتظار لا يعني الجلوس ووضع الكفّ على الكفّ والتحديق لرؤية ماذا سيحدث! انتظار الفرج يعني الجهوزيّة، يعني الإقدام والمبادرة؛ بمعنى أن يشعر الإنسان بأنّ هناك أهدافًا وعاقبة يمكنه الحصول عليها، ويجب عليه السعي للوصول إليها. ففي انتظار فرج حضرة بقيّة الله (أرواحنا فداه)، يجب علينا أن نبذل الجهد في هذا الطريق، أن نسعى في طريق بناء مجتمع مهدويّ، أن نقوم ببناء أنفسنا. وكذلك أن نغيّر، ونبني بيئتنا المحيطة بنا، بكلّ ما نملك من قوَّة وقدرة، ونقرّب تلك البيئة إلى المجتمع المهدويّ، فالمجتمع المهدويّ هو مجتمع العدل، هو مجتمع المعنويّة، ومجتمع المعرفة، ومجتمع الأخوّة، ومجتمع العلم، ومجتمع العزّة»[2].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/09/2020م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/04/2020م.

 

112


100

البصيرة

البصيرة
تمهيد

كثيرًا ما يتطرّق الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في كلماته إلى موضوع البصيرة والاستقامة، حتّى إنَّ هذه الكلمة والمفهوم صارت شعارًا، وسرّ القضيّة أنّ البصيرة -على ما سيأتي تعريفها- هي قيمة من القيم المركزيّة في بناء المجتمع وفي حركته نحو الأهداف السامية. يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «عندما يدخل الإنسان في صراع على أساس النظريّة التوحيديّة والنظريّة المادّيّة، فإنّ هذا الصراع هو جهد مقدّس، إذا قام بحرب مسلّحة فإنّ الأمر كذلك. الصراع في الأصل ليس قائمًا على سوء الظنّ وسوء النوايا، الصراع يهدف إلى أن تصل الإنسانيّة ­-وليس فقط هذا الإنسان نفسه- إلى الخير والكمال والرفاهيّة والتكامل. بهذه النظرة، تكتسب الحياة وجهًا جميلًا وتصبح الحركة في هذا الميدان الواسع عملًا لذيذًا. يزول تعب الإنسان بذكر الله تعالى وذكر الهدف. هذا هو المرتكز الأساس للمعرفة، المرتكز الأساس للبصيرة. هذه البصيرة هي أمرٌ مطلوبٌ ولازمٌ جدًّا، هذا ما يجب أن نوفّره في أنفسنا. في الحقيقة، إنّ البصيرة هي أرضيّة جميع الجهود والمساعي الإنسانيّة في المجتمع»[1].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/10/2010م.

 

114


101

البصيرة

في ما يلي نتعرّض لتعريف البصيرة ومظاهرها وشروطها وكيفيّة اكتسابها.

معنى البصيرة

حقيقة البصيرة تعني أن يكون الإنسان متدبّرًا عواقب أفعاله وأفعال غيره، وهذا الأمر يجعل من البصيرة قضيّة فكريّة أوّلًا وبالذات؛ أي إنّ الإنسان المتبصّر هو الذي يمتلك القدرات الفكريّة والقراءة الموضوعيّة للأحداث التي تجري حوله، فيتعرّف، بالتالي، ما ينبغي أن يفعله أو يمتنع عن فعله بعد دراسة العواقب والآثار.

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «في الحوادث المختلفة أيضًا، من الممكن للإنسان أن يتحلّى بالبصيرة أو يفقد البصيرة. هذه البصيرة بأيّ معنى؟ ما معنى أن يحصل على البصيرة؟ كيف يمكن أن يجدها؟ هذه البصيرة الواردة في الروايات والتي تمّ التأكيد عليها أيضًا في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، تعني أن يتدبّر الإنسان في الحوادث التي تجري من حوله والحوادث التي تجري معه وترتبط به، يتدبّر ويسعى، كي لا يمرّ على الحوادث مرور الكرام وبشكل سطحيّ كالعوامّ. وبتعبير أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعتبر: «رَحِمَ اللَّه امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ»[1]، يفكّر، وعلى أساس هذا الفكر يعتبر ويأخذ العِبر؛ أي إنّه يزن المسائل بالتدبّر (اعتبر فأبصر)، بهذا الميزان يجد البصيرة. النظر الصحيح إلى الحوادث والتدبّر فيها يوجد البصيرة عند الإنسان؛ أي إنّه يوجد قدرة على الرؤية والتبصّر لدى الإنسان ويفتح عينيه على الحقيقة.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في موضع آخر: «فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، ونَظَرَ فَأَبْصَرَ»[2]. البصير هو الذي يسمع، لا يغلق أذنيه،

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص149، خطبة 103.

[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص213، خطبة 153.

 

116


102

البصيرة

والإخلاص، فإنّه بإمكانه أن يصل إلى مرحلة يصبح فيها من أهل البصائر والبصيرة.

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ المطالبة بالبصيرة ليست مطالبة بأمرٍ صعب وغير ممكن، اكتساب البصيرة ليس أمرًا شاقًّا. اكتساب البصيرة يحتاج فقط إلى الحدّ الذي لا يكون فيه الإنسان أسيرًا للمصائد والشباك المختلفة من الصداقات والعداوات وأهواء النفس والأحكام المسبَّقة. يكفي الإنسان هذا الحد،ّ بأن ينظر ويتدبّر ليجد الحقيقة. المطالبة بالبصيرة هي هذه المطالبة بالتدبّر، النظر، وليس أكثر. على هذا، يمكن أن يُفهم أنّ تحصيل البصيرة هو عمل الجميع، الجميع يمكنهم إيجاد البصيرة. بعضهم يقع في الغفلة ليس بسبب العناد ولا بسبب سوء النوايا. مع أنّ الإنسان يحبّ نفسه كثيرًا، لكنّه أحيانًا يغفل للحظة أثناء قيادة السيَّارة، لحظة من السهو، من غلبة النعاس، تعقبها خسارة لا تعوّض. العثرات وزلّات الأقدام التي تحصل في هذا المجال لا يمكن عدّها ذنوبًا، ولكن إذا استمرّت وتتابعت، فهذا إذًا فقدان للبصيرة، وهذا ليس مقبولًا بعد الآن»[1].

ارتباط البصيرة بقيم أخرى

بالنظر إلى الهدف السامي للحياة الإنسانيّة، فإنّ الغاية الأساسيّة والتي تحكم وجوده هي قضيّة إحقاق الحقّ في الأرض؛ لأنّ هذا الأمر هو الذي يوصله إلى أعلى مراتب الكمال. من هنا، كان هذا الهدف يحتاج إلى قِيم عديدة يتحلّى بها الإنسان، وتقع البصيرة على رأس قائمة هذه القيم، ولكن يشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى أنّ هذه القيمة وإن كانت شرطًا لازمًا، لكن لا يمكن عدّها الشرط الوحيد للوصول إلى الهدف، بل ثمّة شروط أُخَرى، ومنها العزم والإخلاص والعمل الدؤوب.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/10/2010م.

 

117


103

البصيرة

يقول(دام ظله): «إنّ البصيرة تكون أحيانًا موجودة، ولكنّ الخطأ والاشتباه يستمرّان في الوقت نفسه؛ لذلك قلنا إنّ البصيرة ليست شرطًا كافيًا للنجاح، هي شرط لازم. يوجد هنا عوامل أخرى، أحدُها مسألة عدم وجود العزم والإرادة. بعضهم يعرف الحقائق، لكنّه يقرّر أن يتّخذ موقفًا، لا يقرّر أن يصرّح بما يجب، لا يقرّر أن يقف مع الحقّ وفي موقف الدفاع عن الحقّ. طبعًا، ثمّة أسباب لعدم اتّخاذ القرار: طلب العافية أحيانًا، هوى النفس أو الشهوات أحيانًا أخرى، اتّباع المصالح الشخصيّة وأحيانًا العناد واللجاجة»[1].

كما ينبّه على ذلك في كلمة أخرى قائلًا: «ما ينبغي أن يكون معيارًا لنا جميعًا ولكلّ التعبويّين الأعزّاء ولكلّ الشباب العاملين في أيّة رقعة من هذه الساحة الكبيرة هو العناصر الثلاثة: البصيرة، الإخلاص، العمل في الوقت المناسب وبالمقدار المناسب. اربطوا دومًا بين هذه العناصر الثلاثة وخذوها بنظر الاعتبار. يجب أن تكون هذه العناصر الثلاثة معيارًا ومؤشّرًا بالنسبة إلينا: البصيرة والإخلاص والعمل في الوقت المناسب وبالمقدار المناسب.

الشيء الذي يهدي إلى الطريق هو البصيرة. ما أصوب ما قال هذا القائد العزيز المحترم الإمام الخمينيّ g من أنّ التعبويّين استطاعوا حيال تعقيدات الأوضاع أن يوجدوا تعقيدًا في أذهانهم وأفكارهم وشخصيّاتهم ويعرفوا بذلك الأمور، وهذا ما دلّت عليه أحداث عام 88. كان من الممكن للكثيرين أن يخطئوا وقد أخطأ الكثيرون. مع أنّ معظم الذين أخطؤوا صحّحوا خطأهم بعد مدّة قصيرة، لكنّ حركة التعبئة العظيمة احتفظت لنفسها بمؤشّر البصيرة وبراية البصيرة ولم تخطئ، وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يُعرف الحقّ بالرجال»[2]، لا يمكن

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/10/2010م.

[2]  العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج40، ص126.

 

118


104

البصيرة

معرفة الحقّ بالشخصيّات. قد تكون الشخصيّة محترمة ومقبولة ومكرمَّة، لكنّها لا يمكن أن تُعدَّ مقياسًا للحقّ، أحيانًا قد تخطئ بعض الشخصيّات المعتبرة وتسير في الطريق الخطأ»[1].

القدرة على التشخيص من مظاهر البصيرة

ممّا تقدّم من تعريف للبصيرة، يتّضح أنّ الوصول إلى هذه القيمة يترافق مع عناصر عديدة، ومن أكثر العناصر التي يركّز عليها الإمام الخامنئيّ(دام ظله) هو القدرة التحليليّة للإنسان، والتي تمكّنه من تحليل الوقائع والشخصيّات بشكل عميق بحيث يقدر على أخذ القرارات، يقول(دام ظله): «يجب معرفة الحقّ وتشخيص الدرب لكي نعرف هل هذا الشخص على حقّ أم على باطل. كلّ من سار في هذا الدرب هو على حقّ، وكلّ من لم يسر في درب الحقّ فهو مرفوض. ينبغي معرفة الحقّ. الجماعة الشابّة المؤمنة المجتمعة تحت مظلّة التعبئة ورايتها أبدت هذه البصيرة وأثبتت أنّها تتحلّى بالبصيرة.

البصيرة هي العنصر الأوّل، ويجب أن يكون الحال كذلك في المستقبل أيضًا. يتعيّن امتلاك القدرة على التحليل والقدرة على التشخيص. قال الإمام الخمينيّ g، وهو رائد ومؤسّس لِكلٍّ من هذَيْنِ الحركة والتيّار، وله حقّ الحياة في عنق هذا المجتمع وهذه الحركة العظيمة: حتّى لو انفصلتُ أنا عن الإسلام، فسوف يعرض الناسُ عنّي. المعيار والمؤشِّر هو الإسلام وليس الأشخاص، هذا هو كلام الإمام g، هو الذي علّمنا أن نميز الطريق ونعرفه ونشخّص المسيرة الصائبة، وندرك مخطّطات الأعداء ونقرأها لنستطيع أن نفهم أيّ الأعمال لصالح العدوّ وفي خطّه، وأيّ الأعمال على الضدّ من العدوّ»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/10/2010م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/10/2010م.

 

119


105

البصيرة

شاهدٌ على البصيرة في التاريخ الإسلاميِّ

يحفل التاريخ الإسلاميِّ بكثير من الشواهد على خذلان عن الحقّ والغدر بحاملي لوائه، ولهذا التخاذل أسباب كثيرة جدًّا، لكن لعلّ من الأسباب الكبيرة البارزة والتي يركّز عليها الإمام الخامنئيّ(دام ظله) هو قضيّة فقدان البصيرة عند النخب وعامّة الناس، وفي ما يلي، شاهد يذكره الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في بعض كلماته: «في حرب صفّين كان جيش معاوية قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة. الحيلة التي استعملوها للنجاة من الخسارة الحتميّة هي رفع المصاحف على الرماح والتقدّم إلى وسط الميدان؛ بما معناه أنّ القرآن هو الحاكم بيننا وبينكم، فتعالَوا نتحاكم إليه ونطبّق ما يقوله القرآن. حسنًا، هذا عمل جيّد عند العوامّ. بعضهم، ممّن عُرف في ما بعد باسم الخوارج وشهروا سيوفهم في وجه أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان في جيش أمير المؤمنين (عليه السلام)، وشاهد المصاحف فوق الرماح، قال: إنّها فكرة جيّدة، فهؤلاء لا يطلبون أمرًا سيّئًا، بل يقولون: تعالَوا إلى القرآن ليحكم بيننا. هنا كانت الخديعة، وهنا تزلّ قدم الإنسان؛ لأنّه لم ينظر إلى ما تحت قدمه. الناس لا يسامحون الذي انزلق وسقط أرضًا إن كان لم ينظر إلى ما تحت قدميه. هؤلاء لم ينظروا. لو كانوا يريدون أن يعرفوا الحقيقة، الحقيقة كانت أمام أعينهم. هذا الذي يدعوهم للرضا بحكم القرآن هو شخص خرج لقتال الإمام المُبايَع له والمُفتَرَض الطاعة. كيف يكون معتقدًا بالقرآن؟ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عدا عن كونه بالنسبة إلينا منصوصًا عليه ومنصوبًا من قبل الرسول، فإنّ من لا يقبل بذلك، بلا شكّ يقبل بأنّ جميع الناس قد بايعوا الإمام عليًّا (عليه السلام) بعد وفاة الخليفة الثالث، وبالتالي فإنّهم يقبلون بخلافته، فقد صار إمامًا وحاكمًا مُفتَرَض الطاعة في المجتمع الإسلاميِّ. من الواجب على جميع المسلمين أن

 

120


106

البصيرة

يتصدّوا لكلّ من يحاربه ويشهر السيف بوجهه. حسنًا، إن كان هذا الذي رفع المصحف على الرماح يعتقد حقًّا بالقرآن، فالقرآن يقول له: لماذا تحارب عليًّا؟! يجب عليه أن يرفع يديه عاليًا ليقول: نحن لن نقاتل، يضع سيفه في غمده، هذا ما كان يجب أن يراه هؤلاء، ما كان يجب أن يفهموه. هل كان هذا الأمر معقّدًا؟ هل كان معضلًا لا يمكن فهمه؟ لقد قصّروا. هذا يصبح انعدامًا للبصيرة»[1].

دور البصيرة في المواجهة مع العدوّ

لا ينبغي حصر المواجهة مع العدوّ بالبعد المادّيّ والعسكريّ، بل إنّه قد لجأ في العصر الأخير إلى استعمال أساليب تجعل من الناس يمارسون السلوكيّات التي تحقّق له أهدافه من دون أن يتدخّل بنفسه، وهذا ما يسمّى بالحرب الناعمة. وهذه الحرب تحتاج إلى بصيرة كبيرة؛ لأنّها لا تثير ضجيجًا ولا تلفت الأنظار بشكل صارخ، ومن هنا، يشدّد الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على ضرورة البصيرة في هذه الحرب: «أساس عمل العدوّ في الحرب الناعمة هو إثارة الغبار في الجوّ السياسيّ للبلد، انتبهوا لهذا. اليوم أهمّ عمل للعدوّ هو هذا. المطّلعون والمتابعون للعمل السياسيّ وقضاياه يعرفون بأنّه حاليًّا قدرة القوى العظمى لا تكمن في قنابلها النوويّة، ولا في الثروات المكدّسة في مصارفها، بقدر ما تتجلّى في قوّتها الإعلاميّة، في صوتها العالي الذي يصل إلى كلّ مكان. هم يتقنون جيّدًا الأساليب الإعلاميّة. وللإنصاف، لقد تطوّروا في العمل الإعلاميّ. لقد تعلّم الغربيّون اليوم -سواء في أوروبا أو في أمريكا- أساليب حديثة ومتطوّرة جدًّا في الإعلام، نحن ما زلنا في الخلف في هذا المجال. أحد أهمّ أعمال هؤلاء أنّهم محترفو إعلام. ينبغي الالتفات إلى هذه النقطة، ينبغي مراقبة هذا الأمر. تكليف شبابنا

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/10/2010م.

 

121


107

البصيرة

اليوم في هذا المجال ثقيل، ليس المطلوب منكم فقط أن تعرفوا أنتم الحقيقة، بل إنّ عليكم أن تجعلوا جوّكم ومحيطكم الخارجيّ ذا بصيرة أيضًا وأن توضّحوا القضايا للآخرين»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/10/2010م.

 

122


108

البصيرة

الصبر والنجاح
تمهيد

أكّدت الروايات على أهمِّيَّة الصبر، فقد رُوِي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الصَّبرُ مِفتاحُ الدَّرْكِ، والنُّجْحُ عُقبى مَن صَبَرَ»[1]، وهذه الرواية المباركة تشير إلى أنّ من أراد النجاح في مختلف شؤون حياته فعليه بالصبر، فالصبر يوصله إلى تحقيق النجاح والفوز، وانطلاقًا من هذا المبدأ الإسلاميِّ العظيم يشير سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى أهمِّيَّة الصبر في حياة الإنسان، في مواجهة المصائب والآفات، والنوائب، حيث يقول: «إنّ الإنسان ما دام في هذه الدنيا، كان موردًا للمصائب والآفات، ومحلًّا للنوائب والعاهات، ومتوجّهًا إليه الأذى من بني نوعه في المعاملات، ومكلّفًا بفعل الطاعات وترك المنهيّات والمشتهيات، وذلك كلّه ثقيل على النفس، بشعٌ في مذاقها، وهي تتنفّر منه نفارًا، وتتباعد عنه فرارًا، فلا بدّ من أن يكون فيه قوّة ثابتة وملكة راسخة، بها يقتدر على حبس النفس على هذه الأمور الشاقّة، والوقوف معها بحسن الأدب، وعدم الاعتراض على المقدّر بإظهار الشكوى، وعدم مؤاخذة من آذاه، والانتقام منه. وتلك القوّة أو ما يترتّب عليها؛ أعني حبس النفس عن تلك الأمور ومقاومتها لهواها هي المسماة بالصبر. ومن البيّن أنّ الإيمان الكامل، بل التصديق نفسه أيضًا يبقى ببقائه،

 


[1]  الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص218.

 

124


109

البصيرة

ويفنى بفنائه؛ فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، كما جاء في الخبر»[1].

وفي الإشارة إلى أهمِّيَّة الصبر يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «الكلّ يحتاج إلى الصبر، حتّى الكمّل من بني البشر، فإنّ مظهر العدالة الأكمل والأتمّ هو أمير المؤمنين، لا يوجد من هو أعدل منه، قد صبر في مواقف كثيرة. أنتم ترون وتعرفون تاريخ حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرته، حيث يقول: «فَصَبَرتُ، وفِي العَینِ قَذًی، وفِي الحَلْقِ شَجًا»[2]. وفي موقف آخر، يصبر في مقابل ضغوط الخوارج في حرب صفّين، ويسلّم بالتحكيم. وعليه، فإنّ الصبر ضروريّ ومطلوب في أماكن ومواقف»[3].

الصبر يعني البقاء في الساحة

يؤكّد سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على أنّ الصبر لا يعني الهروب، والتراجع، والسقوط أمام المصائب والبلاءات، بل هو المواجهة والصبر، والبقاء في الساحة؛ أي هو الثبات والاستقامة في الوقت نفسه، يقول: «الصبر يعني البقاء في الساحة، وعدم الخروج منها. بعضهم يهرب من الساحة، وبعضهم لا يخرجون، لكنّهم يعتزلون الساحة تدريجيًّا، وهذا بخلاف الصبر. الصبر يعني الثبات، والبقاء في الميدان، والاستقامة. الصبر يعني التطلُّع والنظر إلى الأهداف والآفاق البعيدة»[4].

 


[1] انظر: المازندراني، المولى محمد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح السيّد عليّ عاشور، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1421هـ - 2000م، ط1، ج8، ص277.

[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق ص48، الخطبة 3.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/05/2018م.

[4] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 30/06/2018م.

 

125


110

البصيرة

وفي كلام آخر له: «الصبر يعني الصمود والمقاومة، الصبر يعني عدم تغيير حساباتنا الدقيقة بسبب خدع العدوّ، الصبر يعني متابعة الأهداف التي رسمناها لأنفسنا، الصبر هو السير والاستمرار بمعنويّات عالية»[1].

الصبر ونجاح المسيرة

انطلاقًا من معنى الصبر وجوهره في البقاء وعدم الاستسلام، فالصبر يوصل الإنسان إلى النجاح في مسيرته الجهاديَّة والعلميَّة في سبيل الله تعالى: «إنّ أيّ مسيرة حتّى يتحقّق لها النجاح لا بدّ لها من الصبر، «ففي زمن صدر الإسلام، وفي تلك العقود الأولى، حيث كان الوضع صعبًا جدًّا - وخصوصًا في زمن الرسول الأعظم - صبروا، وثبتوا، وقاوموا؛ فكانت النتيجة أنّه على الرغم من النواقص والسلبيّات التي حصلت خلافًا لتعاليم الإسلام الحقيقيّة، إلّا أنَّ ذروة الحضارة الإنسانيّة كانت في القرنَين الثالث والرابع للهجرة، من نصيب الأمّة المسلمة والبلدان الإسلاميَّة. هكذا هو الأمر. إذا صبرنا، فستكون الآفاق البعيدة لنا. وإذا صمدتم اليوم، فسوف ترتقي الأجيال القادمة إلى تلك القمّة»[2].

إنّ الله مع الصابرين

النجاح لا يتحقَّق إلّا بِظِلِّ العناية الإلهيّة التي تشمل الصابرين، وهذا ما يتضح من خلال تفسير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) لبعض آيات الصر، حيث يقول: «لقد وضع الله سبحانه في القرآن شروطًا عدّة ليكون مع عبده المؤمن، منها الصبر، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[3]، و﴿وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[4].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/03/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 30/06/2018م.

[3]  من جملتها، سورة البقرة، الآية 153.

[4] سورة البقرة، الآية 249.

 

126


111

البصيرة

إنّنا، اليوم، نواجه جبهةً سياسيّةً وماليّةً واقتصاديّةً وعسكريّةً وأمنيّةً هائلة، الأجهزة الدعائيّة كُلُّها في العالَم تقريبًا تعمل ضدّنا وتتحامل علينا، والأجهزة الماليّة التابعة للصهاينة ولأمريكا وللمستكبرين تعمل ضدّنا، هؤلاء كلّهم يعملون. ونحن، طبعًا، صامدون بحمد الله، وهذا الصمود هو ببركة التقوى والإيمان»[1].

فلا يخلو ميدان من ميادين الحياة من الحاجة إلى الصبر، والتوكّؤ عليه حتّى يُكتب للمرء الظفر وبلوغ الأهداف التي يسعى إليها؛ إذ مَن تضعف إرادته بصورة أسرع فسوف يُهزم»[2].

ميادين الصبر

تتنوَّع ميادين الصبر أمام الإنسان، فتقوى عزيمته، وينجح في مسيرته، ويحقِّق الأهداف الإلهيّة لمسيرة الأنبياء(عليهم السلام). وهنا، فإنّ الإمام الخامنئيّ(دام ظله) أشار إلى تنوُّع ميادين الجهاد، وهي:

1. في مواجهة الأعداء

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «لقد أعطى الله تعالى النبيَّ f خطّة عمل لمواجهة العداوات؛ إذ منذ بداية البعثة، أمر الله تعالى رسوله بالصبر، فقال تعالى في سورة المدّثِّر، وهي من أولى سور البعثة النبويّة: ﴿وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ﴾[3]؛ اصبر من أجل ربّك، وقال في سورة المزّمِّل، وهي من أولى سور القرآن أيضًا: ﴿وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ﴾[4]. وبناء عليه، فقد صدرت خطّة العمل»[5].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/03/2018م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/07/2013م.

[3] سورة الحجّ، الآية 40.

[4] سورة المزَّمِّل، الآية 10.

[5]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/03/2020م.

 

127


112

البصيرة

ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ﴾، فإنّه يجلب معه الخوف، وفي الحقيقة بعضهم يخاف؛ وهذا أيضًا يتسبّب بحدوث أزمة اقتصاديّة، ويكون سببًا للنقص في الأموال والأنفس والثمرات، ولكنّ الله يقول بعدها: ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[1]؛ فهنا أيضًا، يجب الصبر، وهذا يعني وجوب القيام بالعمل الصحيح، والعمل العقلانيّ»[2].

3. في انتظار الفرج

يتجلّى الصبر في أروع صوره في انتظار الفرج لولي الله الإمام المهديb، يقول سماحته(دام ظله): «إنّ انتظار الفرج هو غير نفاد الصبر وتحديد مدّة ووقت معيَّن للظهور، حيث يحدّد الإنسان زمانًا وتاريخًا معيّنًا، على سبيل المثال بأنّه يجب أن تنتهي هذه الحادثة، أو أن تنتهي هذه المحنة، أو أن يظهر الإمام، فينفد صبر الإنسان، ويضرب بقدمه الأرض إصرارًا واستعجالًا! هذا ليس انتظار الفرج، انتظار الفرج يعني إعداد النفس واستعدادها؛ إنّ نفاد الصبر والاستعجال هما من الأمور الممنوعة. ثمّة رواية تقول: «إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد»[3]؛ إذا كنت تستعجل وتتسرّع، فهذا لا يعني أنّ الله يجب أن يتّخذ القرار تبعًا لك، ويستعجل بناءً على عجلتك! كلّا، فكلّ أمر له موعد معيّن، له وقت محدّد، له حكمة، ويتمُّ إنجازه بناءً على تلك الحكمة»[4].

4. في العمل

يؤكّد الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على أهمِّيَّة الصبر في العمل، ويبيّن أنّ عدم الصبر، والتسرّع هو الآفة الحقيقة للعمل، فيقول: «من عيوب

 


[1]  سورة البقرة، الآية 155.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/03/2020م.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص369.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/04/2020م.

 

129


113

البصيرة

العمل، عدم الصبر والتسرُّع، وأن يصرّ الإنسان إصرارًا شديدًا، لماذا لم يحصل كذا؟ ولماذا لم يحصل كذا؟» كلّ شيء له قدره ومقداره، ولكلّ شيء أجله وأمده، ولا يمكن لكلّ شيء أن يحدث بسرعة. ذات مرّة، جاء رجل إلى الإمام الخمينيّ، وشكا إليه وضع الحكومة، وقد كنتُ حينها رئيسًا للجمهوريّة، قال شيئًا ما، فقال له الإمام الخمينيّ جملةً واحدةً لا أنساها، قال: «يا سيّد، إدارة البلد صعبة». أنا كنتُ رئيسًا للجمهوريّة، وحين قال الإمام الخمينيّ هذه العبارة، صدّقتُها حقًّا، ومن أعماق القلب. الكثير من الأعمال يجب أن تُنجَز، ويجب الاستعداد وعَقدُ الهمم لها، لكنّ الوصول إلى النتائج يحتاج إلى مقدار من الوقت والفرص. فالتسرُّع والعجلة والشعور بالتأخير ليس بالشعور الجيّد»[1].

5. في بلوغ الأهداف العليا

إنّ مستقبل الشعوب، ونهضة الأوطان تحصل من خلال الصبر الذي يؤمّن للشعب الدافعيّة والحافزيَّة على الاستمرار، والتحدِّي، ومواجهة العدوّ، ويدفعه إلى التفكير في النموّ والتطوُّر والازدهار، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ التحوّل لا يحدث لزومًا دُفعةً واحدة؛ في بعض الأحيان، يحصل التحوّل تدريجيًّا؛ فينبغي تجنّب الاستعجال وقلّة الصبر. إذا تمّ تحديد الهدف والتصويب بصورة صحيحة، وتمّت الحركة بالمعنى الحقيقيّ، لا توجد مشكلة إذا وصلنا إلى هدف التحوّل في وقت متأخّر؛ المهمّ في الأمر هو إكمال السير في الطريق، والقيام بالحركة، وينبغي تجنُّب التسرّع وقلّة الصبر. ليس الأمر أن نتصوَّر، أنَّه يجب حتمًا القيام بعمل ما دُفعةً واحدة. كلّا، ليس الأمر كذلك»[2].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/03/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/06/2020م.

 

130


114

البصيرة

نحتاج، برأيي، من أجل تأمين مستقبل البلاد، إلى الصبر والثبات. يجب أن تثبُت أقدامنا؛ ﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا﴾[1]. أحد الأمور التي طُلبت في هذا الدعاء ثبات الأقدام. الصبر وثبات القدم أمران ضروريّان. إنّ العمل الجهاديّ ضروريّ جدًّا، وأيّ نوع من التردّد، أو القلق، وهل يمكن، أو لا يمكن، هل نُقدم أم لا، كلّها أمور مضرّة جدًّا»[2].

صبرٌ عجيب... ببركة معارف أهل البيت(عليهم السلام)

يقول سماحة الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إذا تحقّقت مهمّة نقل معارف أهل البيت في مجالس العزاء والهيئات الحسينيّة وما شاكل، فسيكون ذلك ذخرًا لا ينتهي. وتلاحظون اليوم أنَّ بلادكم ومجتمعكم يصبر صبرًا عجيبًا تحت ضغوط متنوِّعة... وهذا ببركة معارف أهل البيت وببركة هذه المجالس والمحافل، وبفضل اسم الحسين بن عليّ وذكره، وببركة اسم فاطمة الزهراءi وذكرها»[3].

مُعوِّقات الصبر

إنَّ المعوّق الأساس أمام الصبر هو الذنب، فإنَّ الذنب يمنع الإنسان من الصبر والثبات والتحمُّل، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ الإنسان إذا ما ابتُلي بذنبٍ، قد يزلّ ويقصّر في لحظة مفصليّة حسّاسة، يقول -تعالی- في كتابه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ﴾[4]، ففي معركة أحد، أولئك الذين لم يتمكّنوا من الصبر والثبات، وراحت قلوبهم تهفو لاكتساب الغنائم، تغافلوا عن المهمّة الخطيرة الملقاة علی عاتقهم، وبدّلوا الحرب المنتصرة

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 147.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 31/07/2020م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/02/2020م.

[4]  سورة آل عمران، الآية 100.

 

131


115

البصيرة

إلی حرب خاسرة، ﴿ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ﴾ وأوقعتهم في هذه الورطة خطايا كانوا قد اقترفوها من قبل، وها هي تظهر الآن. هذه مرحلة؛ أي إنّ ذنوبنا تؤدّي إلی أن لا نتمكّن من الصبر والمقاومة في لحظة حسّاسة مفصليّة»[1].

وصيّتي لكم

يوصينا الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في كلامه فيقول: «كونوا مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[2]، وحافظوا على بعضكم بعضًا، كمتسلّقي الجبال في المناطق الخَطِرة الذين يربطون ظهورهم بالحبال، لئلّا يسقط إلى السفح من تزلّ قدمه، لأنّهم قد ربطوا بعضهم ببعض وشدّوا أنفسهم بالحبال، وإن زلّ أحدهم، سيمسك به الآخرون الذين لم تزلّ أقدامهم ويرفعونه إلى الأعلى... هكذا يكون التواصي والتواصل. ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ تواصوا بمواصلة طريق الحقّ من جانب، وبالصبر من جانب آخر. الصبر هو الاستقامة والصمود والثبات، وعدم الانزلاق والخوف والتردّد حيال الأحداث المؤلمة»[3].

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «أوصي الناس بالصبر، وكذلك أوصي المسؤولين المحترمين بالصبر والأناة. لا ينبغي لنا أن نتوقّع زوال المشكلات التي تعترض معيشة الناس -سواء على الصعد الاقتصاديّة أو غيرها- خلال مدّة قصيرة»[4].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/06/2016م.

[2]  سورة العصر، الآية 3.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/04/2016م.

[4] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/08/2013م.

 

132


116

الأمل

الأمل
تمهيد

انتظار الفرج والوعد الإلهيّ من أساسيّات الخطّة الإسلاميَّة للبشريّة، فلا يمكن فهم الدين الإسلاميِّ من دون فهم حقيقة الوعد الإلهيّ؛ لأنّ هذا الوعد يمثّل الغاية النهائيّة للعالم.

يتجلّى الوعد الإلهيّ بحتميّة ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وبحتميّة إقامة دولة العدل وغيرها من المظاهر، ولكنَّ ما ينبغي الالتفات إليه أيضًا أنّ الإيمان بهذا الوعد ليس شعارًا سياسيًّا فقط أو مسألة عابرة، بل هي مسألة تدخل في عمق الرؤية الكونيّة والعقيديَّة، وهي ما ينبغي أن تُجبَل عليه القلوب والنفوس. ومن هنا، كان الأمل الحقيقيّ غير الوهميّ هو أحد تجلّيات التصديق بالوعد الإلهيّ الحتميّ، فإنّ الأمل هو تعبير قلبيّ ونفسيّ عن التصديق بالوعد، ومن لا يشعر بالأمل فإنّ تصديقه بهذا الوعد يُخشى أنّه لم يتجاوز حدّ الإقرار باللسان.

مظاهر الأمل

1. حضور الشعب في الساحات

الإسلام ليس دينًا فرديًّا بالمعنى الخاصّ؛ أي بمعنى أنّه يهتمّ لشؤون الفرد من دون الاهتمام بشؤون المجتمع والعالم، إذ إنّ جميع قِيَمه لها مظاهر وتجلّيات على مستويات فرديّة واجتماعيّة وأمميّة،

 

134


117

الأمل

الأمل


تمهيد

انتظار الفرج والوعد الإلهيّ من أساسيّات الخطّة الإسلاميَّة للبشريّة، فلا يمكن فهم الدين الإسلاميِّ من دون فهم حقيقة الوعد الإلهيّ؛ لأنّ هذا الوعد يمثّل الغاية النهائيّة للعالم.

يتجلّى الوعد الإلهيّ بحتميّة ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وبحتميّة إقامة دولة العدل وغيرها من المظاهر، ولكنَّ ما ينبغي الالتفات إليه أيضًا أنّ الإيمان بهذا الوعد ليس شعارًا سياسيًّا فقط أو مسألة عابرة، بل هي مسألة تدخل في عمق الرؤية الكونيّة والعقيديَّة، وهي ما ينبغي أن تُجبَل عليه القلوب والنفوس. ومن هنا، كان الأمل الحقيقيّ غير الوهميّ هو أحد تجلّيات التصديق بالوعد الإلهيّ الحتميّ، فإنّ الأمل هو تعبير قلبيّ ونفسيّ عن التصديق بالوعد، ومن لا يشعر بالأمل فإنّ تصديقه بهذا الوعد يُخشى أنّه لم يتجاوز حدّ الإقرار باللسان.

مظاهر الأمل

1. حضور الشعب في الساحات

الإسلام ليس دينًا فرديًّا بالمعنى الخاصّ؛ أي بمعنى أنّه يهتمّ لشؤون الفرد من دون الاهتمام بشؤون المجتمع والعالم، إذ إنّ جميع قِيَمه لها مظاهر وتجلّيات على مستويات فرديّة واجتماعيّة وأمميّة،

 

135


118

الأمل

«علينا بذل الهمم وتغيير العلاقات الخاطئة المفضية إلى تخلّف الشعوب ومنها شعبنا. وعلينا تعويض حالات التخلّف الماضية. وهذا كلّه بحاجة إلى الهمّة والعزم والأمل. إذا فقد الشعب أمله بالمستقبل أو ضعفت همّته في فتح الطرق والدروب والتقدّم نحو الأهداف، فسوف يتأخّر ولن يتقدّم، وسوف يتسلّط عليه المهيمنون العالميّون، وسوف يخسر عزّته»[1].

2. الدعوة إلى الأمل

كما أسلفنا، فإنّ الأمل كقيمة ليس أمرًا موهومًا أو اعتباطيًّا أو مجرّد شعور عابر، بل هو، وفق المنظومة العَقَديَّة الإسلاميَّة، نابع من إيمان بحقيقة الوعد الإلهيّ. إنّ للأمل ركنًا فكريًّا ينبغي تأصيله وإبراز معالمه الواضحة على المستوى النظريّ، ومن ثَمَّ الدعوة إليه بشكل واضح.

لذا، نجد أنّ الإمام الخامنئيّ(دام ظله) يدعو أهل العلم والمعرفة إلى بثّ فكرة الأمل، وهذا شاهد واضح على أنّ هذه القيمة ليست ذات بُعْدٍ عاطفيّ فقط، يقول(دام ظله): «طمأنة الناس وبثّ الأمل فيهم هو ما يقع على عاتقنا جميعًا نحن المعمّمين والمسؤولين وأئمّة الجمعة المحترمين، فيجب أن نبثّ الأمل والاطمئنان بين الناس؛ لأنّهم إذا فقدوا الأمل فقدوا الثقة بالنفس وتزلزلوا، وهناك تكون الهزيمة الحتميّة. فالذي يحفظ المحارب والمقاتل في الجبهات هو الأمل، يجب أن يحصل على الأمل ويعلم أنّ بإمكانه أن يصل إلى شاطئ النصر، يجب الحفاظ على هذا الأمل حيًّا»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 29/12/2010م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/09/2010م.

 

136


119

الأمل

ويقول أيضًا: «على سَدَنَة المساجد ومديريها وأمنائها أن يجذبوا قلوب الشباب الطاهرة ويبعثوا فيها الشوق. حضور الشباب والروح التعبويّة ينبغي أن يجعل أجواء المساجد حيّة زاخرة بالنشاط والتطلّع إلى المستقبل وطافحة بالأمل»[1].

وهذه المسؤوليّة لا تقع فقط على عاتق علماء الدين والمبلّغين، بل إنّ كلّ إنسان لديه طاقة وقدرة خاصّة به ينبغي أن يسخّرها في تحفيز المجتمع ودعوته إلى محاسن الأخلاق كالأمل وغيرِهِ، ويحذّره ويبيّن مساوئ اليأس والقنوط وأمثالهما، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله)للشعراء: «إنّ قواعد الأخلاق موجودة في كلمات الأئمّة (عليهم السلام) وفي سلوكهم. فلنوسّع من الأخلاق في المجتمع، ولندعُ الناس إلى الخير والأمل والتعاون والأخوّة والصبر والحلم والشكر والإحسان والإيثار والصفح، ولنحذّرهم من الأخلاق السيّئة وضيق النظر واليأس وسوء الظنّ والإساءة لهذا وذاك والحسد والبخل وبقيّة الأخلاق السيّئة. ومثل هذا الأمر يمكن تحقيقه بالأسلوب الشعريّ أفضل بكثير من لغة النثر ولغة النصيحة»[2].

3. التقوى

التقوى هي الرؤية والسلوك والأخلاق التي يواجه بها الإنسان الصعاب النفسيّة والخارجيّة؛ بمعنى أنّ الإنسان المتّقي هو ذلك الشخص الذي تسلّح بالرؤية وبالسلوكيّات، وبالقيم التي تجعله يتجاوز الصعاب والإغراءات وأنواع المخاطر كافّة التي تجعل الإنسان يزلّ في مواطن الغضب والشهوة والموانع الأخرى. من هنا، كان الأمل بالمستقبل والأمل بالوعد الإلهيّ، بل وبكلّ وعد يقع في طريق الوعد

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/10/2010م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/05/2011م.

 

137


120

الأمل

الأعظم، يتطلّب التقوى؛ لأنّ الإنسان من دون تقوى ستعظم في عينه الملذّات والمغريات، وبالتالي حبّ الراحة والدعة، وعندئذٍ لن يصبر على الأتعاب التي يتطلّبها تحقيق الوعد الإلهيّ والآمال الأخرى كافّة؛ لأنّ النتائج الكبيرة تستبطن جهودًا استثنائيّة.

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «دقّقوا جيّدًا في أنّنا يجب أن نعمل بالتقوى. التقوى هي التي تقوّينا، وهي التي تجعلنا لا نتأثّر بالضربات، وهي التي تبعث فينا الأمل لمواصلة هذا الدرب حتّى الوصول إلى الأهداف النهائيّة»[1].

الأمل وقضيّة فلسطين

إنّ القضايا المصيريّة التي تعيشها الأمّة، والتي تحتاج إلى الجهد والجهاد والكفاح، ينبغي أن تترافق بتصديق الوعد الإلهيّ، بأنّ الله تعالى يُزهق الباطل ويُحقّ الحقّ، وهذا الأمر بعينه هو الذي يزرع بذور الأمل عند الحركات الثوريّة والنضاليّة كلّها.

في زماننا، تُشكّل قضيّة فلسطين الهمّ المركزيّ للأمّة. وكثير من الذين تبنَّوا هذه القضيّة في فترة من الفترات أُصيبوا، بعد مدّة باليأس والقنوط، وتركوا القضيّة، أمّا الذين يصدّقون بالوعد الإلهيّ، فلا مسرح لليأس في قلوبهم. من هنا، فإنّ الأمل هو السمة البارزة التي ينبغي أن تكون لأولئك الذين حملوا همّ القضيّة الفلسطينية من باب الإسلام، يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في هذا الصدد: «الحلّ الوحيد لقضيّة فلسطين هو المقاومة والكفاح. هذا صحيح، لكنّ المقاومة والكفاح رهن بالحفاظ على معنويّات الشعب والحفاظ على الأمل لدى الأهالي وإبقائهم في الساحة. هذا باعتقادي أكبر عمل ينبغي أن تقوم به المجاميع الفلسطينيّة والمنظّمات والمناضلون الفلسطينيّون.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/05/2010م.

 

138


121

الأمل

الضغوط التي تُمارَس راهنًا على غزّة من الجانبين، سواء من جانب العدوّ الصهيونيّ أو من الجانب الآخر، القصد منها صرف الناس عن المقاومة. الضغوط التي تُمارَس ضدّ الناس في الضفّة الغربيّة سواء على شكل بناء مستوطنات، أو في ما يتعلّق بقضيّة القدس -التي أشير إليها- أو الصعوبات الشديدة أو الجدار العازل وما إلى ذلك، كلّها من أجل صرف الجماهير عن المقاومة ودفعها إلى خيار الاستسلام. يجب أن لا نسمح بهذا. يجب أن لا تسمحوا بحصول هذا. يجب المحافظة على الأمل لدى الشعب الفلسطينيّ وأهالي غزّة، هذا الشعب المقاوم الفولاذيّ، ليعلموا أنّ تحرّكهم هذا سيؤتي نتائجه. هذه نقطة أعتقد أنّها على جانب كبير من الأهمِّيَّة»[1].

وفي ما يخصّ الصحوات الإسلاميَّة، يرى الإمام الخامنئيّ(دام ظله) أنّها أيضًا من المظاهر التي تقتضي الاهتمام وبثّ الأمل: «أصبحت حركة الصحوة الإسلاميَّة تتقّدم وتتعمّق أكثر فأكثر على مرّ الأيّام. إنّ هذه الأوضاع التي تبعث على الأمل وتحمل معها البشارة لا بدّ لها -من جهة- أن تدفع بنا، نحن الشعوب المسلمة، إلى مستقبل منشود بثقة أكبر من أيّ وقت مضى، كما ينبغي لها -من جهة أخرى- أن تُبقينا بدروسها وعبرها أكثر وعيًا ويقظة من أيّ وقت مضى. ولا شكّ في أنّ هذا الخطاب العامّ يجعل علماء الدين والقادة السياسييّن والمثقّفين والشباب ملتزمين أكثر من غيرهم، وتجعلهم يطالبون بالجهاد والريادة»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/02/2010م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/11/2010م.

 

139


122

الأمل

دور التربية والتعليم في بثّ الأمل

يبيّن الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في كثير من كلماته أنّ التعليم لا تقتصر وظيفته على نشر العلم والفكر، بل إنّ من أهمّ وظائف التعليم هي صناعة الشخصيّة الإنسانيّة التي تمتلك الأخلاق والقيم، وحيث إنّ قيمة الأمل أيضًا من أهمّ أركان الشخصيّة الإيمانيّة، كما بيّنّا سابقًا، يوضّح الإمام الخامنئيّ(دام ظله) أنّ التعليم تقع على عاتقه وظيفة زرع هذه الروح في الطلّاب، قائلًا: «بوسع المعلِّم تربية الحدث أو الطفل وجعله إنسانًا عالِمًا مفكّرًا يتحلّى بروح البحث العلميّ ويرغب في البحث والدراسة والعلم، أو يجعله إنسانًا سطحيًّا غير راغب في العلم والتعمّق والبحث العلميّ. بوسعه أن يخرّجه ويقدّمه للمجتمع إنسانًا شريفًا نجيبًا خيّرًا طيّب القلب طاهر النفس، أو على العكس قد يجعله إنسانًا شرِّيرًا مسيئًا. وبمقدوره أن يجعله إنسانًا متفائلًا ذا ثقة بالنفس ومليئًا بالأمل ومحبّا للعمل والنشاط، أو على الضدّ من ذلك، يمكنه تخريجه إنسانًا يائسًا قانطًا منعزلًا ومنكفئًا على نفسه»[1].

ويقول(دام ظله) أيضًا: «المجتمع بحاجة إلى أفراد مؤمنين متحفِّزين صبورين متفائلين آملين مهتمّين بالمصالح العامّة وراغبين في الوصول إلى قِمم الكمال الفرديّ والاجتماعيّ... أناس مبتكِرين محقِّقين باحثين وطلّاب تقدّم. من الذي سيخلق ذلك؟ هنا، يبرز دور المعلِّم. جهاز التربية والتعليم مهمّ وحسّاس إلى هذه الدرجة. طبعًا، قيل الكثير عن قضايا التربية والتعليم ودور المعلِّمين. ونحن اليوم لسنا في ظروف تسمح لنا أن نكتفي بالكلام، بل نحتاج إلى العمل»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/05/2010م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/05/2010م.

 

140


123

الأمل

دور الأمل في الثورة الإسلاميَّة

لا شكّ في أنّ أعظم ثورة جرت في العصر الحديث هي الثورة الإسلاميَّة في إيران. وإذا أردنا أن نحصي الأسباب التي كانت خلف هذا الانتصار العظيم، بل وخلف النجاحات المستمرّة للثورة الإسلاميَّة، فإنّنا نجد أنّ الأمل بالانتصار والأمل بسيادة الحقّ كانت عنصرًا مهمًّا وفاعلًا، فالشعب والإمام الخمينيّ g والإمام الخامنئيّ(دام ظله) كانوا على يقين من هدفهم؛ لذا كان الأمل يشعّ من حركتهم وصمودهم.

يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «إنّ أملَنا بالمستقبل أملٌ مفعمٌ بالازدهار والتقدّم. لم نكن نأمل أن نتمكّن من تحقيق هذه الإنجازات بهذه السرعة. فالله تعالى تفضّل... وشبابنا اليوم ينجزون أعمالًا في المجال العلميّ والتقنيّ كانت بالنسبة إلينا ولأولئك الذين كانوا يخطّطون للآتي من 15-25 سنة بعيدة التحقّق. وهذا ما يزيد من الأمل بالمستقبل، أملنا كبيرٌ جدًّا. والتجارب السياسيَّة تُعدّ تجارب ناجحة... وأينما حللنا حصلنا على تجارب ناجحة»[1].

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «أنا أقول لكم، ما دمنا أنا وأنتم نتقدّم بإحكامٍ ولا نحرف عيوننا عن الهدف ونتحرّك بأمل، لا يمكن لأيّة قدرة في العالم أن تسدّ علينا الطريق، ومثل هذا كان له أكبر الأثر في تفتّح براعم الأمل في قلوب المسلمين والشعوب الإسلاميَّة. عندما تحدث ثورة يفرح الكثيرون في العالم، وعادة ما تكون جماهير الشعوب في العالم هكذا»[2].

يقول سماحته (دام ظله): «إنّ بذرة الأمل تلك التي نُثرت في قلوب الشعوب وزُرعت وسُقيت ونمت وأثمرت كانت ناشئة من ثبات شعب

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/08/2010م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/05/2011م.

 

141


124

الأمل

إيران. لو أنّ شعب إيران تراجع، ولو أنّنا تخلّينا عن شعاراتنا، ولو أنّنا انحنينا أمام تهديدات الاستكبار العالميّ وتهويلاته وضغوطاته، لكانت زهرات الأمل هذه التي نمت وترعرعت في قلوب الشعوب ذوَت وماتت. فثباتكم هو الذي سمح لغرسات الأمل هذه أن تنمو، ولهذا الأمر أن يقع، وهذا بالبركات المعنويّة الإلهيّة التي حصلت لنا عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) واسم الزهراء المبارك الأطهر، واسم حضرة بقيّة الله المبارك وعنايته بنا»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/05/2011م.

 

142


125

الزّهد

الزهد
تمهيد

القيم هي حارسة السلوك الإنسانيّ. فالسلوكيّات تختلف باختلاف دوافعها والغايات التي تسعى إلى تحقيقها، على مستوى الفرد أو على مستوى الأمّة. الإنفاق وبذل المال مثلًا، هو سلوكٌ تارةً يكون منطلقًا من مبدأ قيميّ عالٍ، كالكرم والجود، وتارةً أخرى قد يكون البذل في غير سبيل الحقّ والعدالة.

ومن هنا، أَوْلى الإسلام العزيز قيمةً عالية لمسألة التدبير، التي تنضوي تحتها قيمٌ أخرى، كالزهد والإحسان، ورسم لنا هندسةً تحدّد حدود السلوك ضمن دائرة حُسن التدبير وعدم الإسراف والتبذير. ومن الأمور الأساسيّة التي تحكم رؤية الإسلام القيميّة، زاويتا نظره إلى الفرد والمجتمع، إذ قد تختلف الأحكام من زاوية لأخرى. وبعبارة أخرى، يقول الإمام الخامنئيّ: «إنّ لنظرة الإسلام إلى الإنسان زاويتَين تُكمّل إحداهما الأخرى. يمكن لهذه الحقيقة أن تكون قاعدة وأساسًا لكافّة قضايا بلادنا، ولجميع المشاريع التي نودّ القيام بها من أجل غَدِنا ومستقبلنا. إحدى هاتَين الزاويتَين هي تلك التي ينظر الإسلام من خلالها إلى الإنسان، بصفته فردًا، بما في ذلك أنا أو أنتم أو زيد أو عمرو؛ أي إنّ الإسلام يخاطبه بوصفه مخلوقًا يتمتّع بالعقل والإرادة، فيحمّله المسؤوليّة، ويجعل له شأنًا ما... أمّا الزاوية الأخرى، فتتمثّل

 

144


126

الزّهد

في النظرة إلى الإنسان على أنّه كلٌّ، وأنّه جماعةٌ إنسانيّة. وهما نظرتان منسجمتان، وتُكمّل إحداهما الأخرى»[1].

 

تعريف الزهد

الزهد من القضايا التي نجدها كثيرة الذكر في النصوص الإسلاميَّة، ولا سيّما في نهج البلاغة، حيث نجد أنّ «أبرز نقطة في نهج البلاغة هي الزهد. حينما تحدّث أمير المؤمنين، ذلك اليوم، عن الزهد، طرَحَه كعلاج للمرض الأساسيّ في المجتمع الإسلاميِّ»[2]، كما يقول الإمام الخامنئي (دام ظله).

من هنا، ينبغي فهم الزهد بعين صائبة، وفق الرؤية والأيديولوجيا الإسلاميَّة. وبعبارة الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «هو عدم الرغبة، عدم الحرص، عدم التعلُّق بالدنيا والزخارف المادّيّة؛ أي لا نتعلّق بالدنيا. وهذا أفضل إنجاز للإنسان في هذه الحياة. فلا يجعل نفسه لصيقة الدنيا، لا يعلّقها بالدنيا، ولا بهذه الزخارف، وحينها يكون الإنسان نفسه أكثر راحة... لا تقتصر المسائل الدنيويّة المطروحة في باب الزهد على الأموال وهذه الزخارف الحياتيّة المادّيّة فقط، بل تشمل الشأن والمقام والرتبة والوجاهة والمحبوبيّة وأمثالها. والعمل لأجل الدنيا، والدراسة لأجل الدنيا، السعي لأجل الدنيا، هذه الأمور كلّها هي نفسها ما يحويه باب الزهد، وقد تَمَّ التأكيد على هجرها والإعراض عنها»[3].

طريق تحصيل الزهد

يمكن عَدّ «التقوى» عنوانًا أساسيًّا ينظّم توجّهات الإنسان ودوافعه في الإسلام، ومن ذلك الملازمة بين التقوى من جهة، والزهد وتدبير


 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/05/2007م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/11/1996م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/10/2010م.

 

145


127

الزّهد

المعيشة من جهة أخرى. فإذا كانت التقوى عبارة عن عدم التعلّق بالدنيا وزخارفها، فإنّ ذلك نتيجة ارتباط الإنسان بالله تعالى وعظمته والغاية التي لأجلها خلق الإنسان. وبعبارة أخرى، كما يقول الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «علاج حبّ الدنيا والميل إليها هو أن يسلك الإنسان طريق التقوى. ومن خصائص التقوى، أنّها تجعل الإنسان ممَّن «عَظُمَ الخالِقُ في أنفُسِهم»[1]، فيحتلّ الربُّ في نفس الإنسان مكانةً تجعل الأشياء كُلَّها حقيرةً في نظره، ولا تحظى بأهمِّيَّة، في مقابل عظمة ذكر الله في قلبه. تصبح هذه المقامات الدنيويّة، وهذه الملذّات المتنوّعة حقيرةً في نظر الإنسان، وتفقد أهمّيّتها على إثر ذكر الله في قلب الإنسان. هذه من خصوصيّات التقوى»[2].

الزهد صفة الفرد

بناءً على ما تقدَّم، ينبغي عدم الخلط في وصايا الإسلام، بين الزهد بوصفه حالة فرديّة، والزهد بوصفه حالة اجتماعيّة. فالإسلام حين دعا إلى الابتعاد عن الدنيا، وذمَّ التعلُّق بها، فإنّ ذلك على المستوى الفرديّ والشخصيّ، وينبغي أن لا يُفهَم من هذه التوصيات أنّ الإسلام يريد بناء مجتمع لا رفاهيَة فيه، أو لا يغتنم ثرواته، ولا سياسة له ولا اقتصاد، بل الأمر عكس ذلك. إنّ «الإسلام يوصي الإنسان بالزهد من حيث نظرته إليه بصفته فردًا... ولكنَّه في الوقت ذاته، يحذِّر من الابتعاد عن الدنيا وقطع الصلة بها. فما هي الدنيا؟ إنّها الطبيعة، وهذا الجسد الذي نعيش فيه، وهذه الحياة التي نحياها، وهذا المجتمع الذي ننتمي إليه، إنّها سياستنا واقتصادنا وعلاقاتنا الاجتماعيّة وأولادنا وثروتنا ودارنا. إنّ الانغماس في هذه الدنيا، والتعلُّق بهذه النماذج يُعَدّ صفة مذمومة في هذا الخطاب الفرديّ، فلا ينبغي الانسياق وراءها...

 


[1]  ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص159.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/09/2008م.

 

146


128

الزّهد

ومع ذلك، ينبغي عدم تجاهلها، فليس من الجائز أن ندير ظهرنا لمتاع الدنيا وزينتها، وللنعم الإلهيّة في الدنيا»[1].

الفرق بين التعلُّق بالدنيا وإعمارها

إذا أردنا وضع الحدود الفاصلة بين الزهد على مستوى الشخص والفرد من جهة، وعلاقة الإنسان بالطبيعة وعالم المادّة من جهة أخرى، نجد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يمثِّل النهج الواضح في هذا الأمر، فهو (عليه السلام)في عين زهده وتخلِّيه عن زخارف الدنيا، كان يعمر الأرض ويحييها، وكان فاعلًا نشطًا في ذلك، «الإمام عليّ (عليه السلام) لم يكن ممّن يعتزل الدنيا. لا، كان من أنشط الناس لعمارة الدنيا، سواء في زمن خلافته، أو قبل ذلك. لم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) ممّن لا يعملون ولا يكدّون. معروفٌ أنّه حين كان يعيش في المدينة قبل خلافته، أحيا حقولًا بيدَيه، وأجرى المياه، وزرع النخيل. الخوض في شؤون الدنيا والطبيعة التي وضعها الله تحت تصرُّف الإنسان، وإدارة معيشة الناس وشؤونهم الاقتصاديّة، وتوفير أسباب الازدهار الاقتصاديّ، هذه كلّها ممارسات إيجابيّة لازمة، ومن واجبات الفرد المسلم والإدارة الإسلاميَّة»[2].

الزهد أحد شروط الوصول إلى المقامات المعنويّة

إذا كان المقصود من الزهد هو الإعراض القلبيّ عن التعلُّق بالدنيا، وربط القلب بالله تعالى، فعندئذٍ لا يمكن أن نتصوّر وصول أحد إلى المقامات المعنويّة العالية، وتحصيل الإخلاص في العلاقة بالله، من دون شرط الزهد وحياة الزاهدين؛ إذ لا يجتمع حبُّ الله تعالى مع التعلُّق بالمنصب والجاه والمال والسمعة. وهذا ما نجده في النصوص

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/05/2007م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/09/2008م.

 

147


129

الزّهد

الدينيَّة الحاكية عن الأولياء، «فأولياء الله الذين تمكّنوا من رفع هذه الراية بثبات، والتقدُّم في هذه الطريق الصعب بيُسر، من دون إعياء وتهاون، هم من تجاوزوا هذه العقبة. لذا، ورد في بداية دعاء الندبة العظيم المضمون «اللهُمّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ»[1]. فأحد أجمل المفاهيم وأعمقها، ما ورد، ولا سيّما في هذه العبارات والجمل الأولى للدعاء «بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِم الزُّهْدَ فِي دَرَجَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَزُخْرُفِهَا وَزبْرجِهَا»[2]، فأوصلتَهم إلى أعلى المراتب ومدارج التكامل والتسامي المعنويّ، ومنحتَهم من النعم ما لا زوال له ولا اضمحلال، وخصصتهم بها، لكنّك شرَطتَ عليهم هذا الشرط»[3].

الرفاه الاجتماعيّ في الإسلام

تقدَّم أنّ المقصود من الزهد هو عدم تعلُّق القلب بالدنيا، ولا نعني به ترك إعمار الأرض. وبذلك، فإنّ أحد أهمّ أهداف الإسلام هو إيصال المجتمعات إلى الرفاهية، ولكنْ، لا الرفاهية التي تكون إعراضًا عن الله تعالى، بل تلك التي تتصاحب مع التقوى والنورانيّة والروحانيّة القلبيّة، بحيث يكون الفرد المسلم في ظلّ المجتمع الإسلاميِّ، يعيش الرفاهية المادّيّة، من دون أن ينحرف عن صفاء القلب والتوجُّه للمعنويّات، وهذا حاصِلُ أمرَين: أحدهما التقوى والزهد الفرديّ، وثانيهما إعمار الأرض. وبعبارة الإمام الخامنئيّ(دام ظله): «الحياة المريحة ضروريّة ولازمة للبشر، والإسلام بقوانينه وأحكامه، يأخذ بيد الناس نحو الرفاه والراحة، لكنّ الراحة في الحياة ليست هي الهدف في ذاتها. كثيرون هم الناس الذين ينعمون بحياة مريحة، وليس لديهم

 


[1]  ابن مشهديّ، محمّد بن جعفر، المزار الكبير، تحقيق وتصحيح جواد قيّوميّ الأصفهانيّ، مؤسّسة النشر الإسلاميِّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقُمّ‏، إيران - قُمّ، 1419هـ‏، ط1، ص574.

[2]  المشهدي، المزار، مصدر سابق، ص574.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/11/1999م.

 

 

148


130

الزّهد

مشكلة من ناحية العيش والغذاء والراحة، ولكن لم يشمّوا رائحة الإنسانيّة. المدنيّة المادّيّة تدعو البشر إلى هذه الحياة... لو أنّنا نعمل بالأحكام الإسلاميَّة، لو أنّ المجتمع الإسلاميِّ يجمع بين الإيمان والعمل بالمقرَّرات والقوانين الإلهيّة، لَتحقَّق ذلك الشيء الذي كانت تبحث عنه البشريَّة طوال التاريخ؛ يعني ماذا؟ يعني الراحة والرفاه المادّيّ، مصحوبًا بالتطوُّر والتقدُّم والعروج المعنويّ. ليس الإنسان حيوانًا يكفيه أن تضع أمامه العلف، الإنسان يريد أن يكون من أهل الصفاء والنورانيّة. الإنسان يشعر باللذّة الروحيّة من النورانيّة والصفاء والعبوديّة لله تعالى»[1].

التوازن في الرؤية الإسلاميَّة

كثيرًا ما يركّز الإمام الخامنئيّ(دام ظله) على فكرة توازن الدعوة الإسلاميَّة، بمعنى أنّ الإسلام في رؤيته العقيديَّة والقيميّة والسلوكيّة، يدعو إلى التوازن والاعتدال، وذلك نظرًا إلى أنّ الإسلام جاء لإخراج الطاقات والقدرات الإنسانيّة من حيِّز الكمون إلى الفعليّة، فهو يركّز على كِلَا جانبَيه المادّيّ والمعنويّ، فلا يهمل الجانب المعنويّ على حساب حاجاته المادّيّة، والعكس بالعكس، فيقول(دام ظله): «إنّ ميزة دين الإسلام المقدَّس، وعلى وجه الخصوص المنظومة الفكريّة والعَقَيديَّة للشيعة -التي لديها امتيازات- أنّه يحوي في نفسه سائر العوامل اللازمة لنموّ الإنسان الفرديّ والاجتماعيّ، وهذه مسألة غاية في الأهمِّيَّة، ففيه التطوُّر المادّيّ، وكذلك التكامل المعنويّ. أي يوجد في الإسلام ﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا﴾[2]، ويوجد ﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ﴾[3]. بالتأكيد، إلى جانب التطوُّر المادّيّ للمجتمع،

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/04/1991م.

[2]  سورة البقرة، الآية 29.

[3]  سورة الأعراف، الآية 32.

 

149


131

الزّهد

يوجد أيضًا النموّ المعنويّ. يقول: إنَّه يجب أن تطرق باب الله تعالى بالدعاء وتدعوه ﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ﴾[1]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ﴾[2]، عليكم أن تدعوا ليستجيب الله لكم. لا معنى لحياة الإنسان إلّا في العلاقة بالله. وهذا ما يعنيه الجمع بين السعي والبناء المادّيَّين، وبين السعي والبناء المعنويَّين»[3].

الزهد بوصفه سلاحًا بوجه الأعداء

لا يخفى أنّ مساعي العدوّ للقضاء على الإسلام لا تكون محض خارجيّة، بل كثيرًا ما يلجأ إلى الغزو الداخليّ، لتفتيت البنية والاجتماع الإسلاميِّين، وذلك عبر رسم النموذج البديل من النموذج الإسلاميِّ للحياة والسلوك. ومن أهمّ قوى الإسلام، أنّه يربِّي أفرادًا ومجتمعًا لا ينهزم أمام الشهوات والمطامع المادّيّة. من هنا، كان الزهد -بناءً على التعريف السابق الذي ذكرناه- سلاحًا ماضيًا في وجه الأعداء الذين يسعون لتفكيك المجتمع الإسلاميِّ، ذلك أنّه «إذا تمكَّن العدوّ من تحويل الأمّة إلى أمّة لا تتمتّع بعقيدة النضال، ويائسة من الانتصار، وتفتقد الزهد أمام المظاهر الشهوانيّة والمادّيّة، عندئذٍ، يكون العدوّ قد انتصر»[4].

«إنّ الأعداء ينتظرون اليوم تنامي الفساد داخل البلاد، وخَلْق الشكوك في أذهان الشباب، وتغلُّب اللهو الفاسد والمانع للخير على الأهداف السامية، وإثارة النوازع الدنيويّة وحبّ الجاه والدعة، وظهور معالم البهرجة والترف بين العناصر الثوريّة»[5].

 


[1]  سورة الفرقان، الآية 77.

[2] سورة غافر، الآية 60.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/04/1991م.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/05/1993م.

[5]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/03/1995م.

 

150


132

الزّهد

آثار ترك الزهد

بعد أن اتّضح أنّ حقيقة الزهد تعني عدم تعلُّق القلب بالآمال الدنيويّة، وأنّ نزعة الاستهلاك وحبّ الجاه والمال لا تجتمع مع الإيمان بالله تعالى، يتّضح أنّ من آثار ترك الزهد في الدنيا، تَوَجُّه الإنسان نحو التعلُّق بما هو زائل، وبما هو متزلزل. ومن هنا، فإنّ «القلوب المليئة بالإيمان والمعرفة والتبَصُّر لا يمكن أن تُغلَب وتُصاب بالرعب أبدًا. كي يصاب الإنسان بالرعب ويُغلَب ويَستسلم ويَخضع، يجب أوّلًا إيجاد الشكّ في قلبه. لا تَرِدُ هذه الشكوك دائمًا من طريق العقل، أحيانًا تَرِدُ من طريق الجسم أيضًا. الرغبات والأهواء الجسمانيّة، الرغبة بالمال -التي وردَت في الصحيفة السجّاديّة في ذلك الدعاء الذي يقرؤه الكثيرون من شبابنا في أيّام الجبهة «وَحَصِّنْ ثُغُورَ المُسْلِمِينَ»[1]- لربّما يدبّ التفكيرُ بالمال الفتون إلى القلب، المال مثير للفتنة. وإنّ حبّ الجاه والمنصب والدعة والرفاه والبهرجة من الأمور التي تولِج الشكّ في قلب الإنسان وعقله، عبر بدن الإنسان وشهواته... فحبّ الدعة والراحة والرفاه أمور تترك أثرًا سلبيًّا في الإنسان الذي لا يدركها للوهلة الأولى، إذ إنّها تترك أثرها تدريجيًّا، فإذا بالإنسان يحاول الحركة والعروج، لكنّه لم يعد قادرًا»[2].

المسؤولون هم المطالَبون بالزهد أوّلًا

في الثقافة الإسلاميَّة، يحتلّ صاحب المسؤوليّة تكليفًا عظيمًا على عاتقه، يتمثّل في أنّ حركته وقراراته لها أثر مباشر أحيانًا، وغير مباشر أحيانًا أخرى، على قيم المجتمع والشعب. فإذا كان المسؤولون في أعلى هرم الدولة والمجتمع يتحلّون بالقيم السامية، فإنّ هذا الأمر

 

 


[1] الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، الصحيفة السجّاديّة، نشر الهادي، إيران - قُمّ، 1418هـ، ط1، ص126.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/09/2002م.

 

 

151


133

الزّهد

يسري إلى الأفراد، والعكس بالعكس. لذا، يشدّد الإمام الخامنئيّ(دام ظله)دومًا على أنّ «هناك قيمة... هي الابتعاد عن الإسراف والكماليّات على مستوى المسؤولين. حتمًا، الترف والإسراف مذمومان في كلّ مكان، وللجميع، لكنّ الشيء الذي يجعل الناس يُظهِرون حساسيّة تجاه الأمر، هو السلوكيّات الإسرافيّة والمترفة وهدر أموال الناس على مستوى الحكومة»[1].

ويذكر(دام ظله) دومًا توصيته للمسؤولين، فيقول: «أُوصِي الإخوة والأخوات النوّاب بمراعاة التقوى، والتوكُّل على الله، والاهتمام بالأمور المعنويّة والأخلاق والعبادة، وعدم الاهتمام بالشكليّات الزائدة والكماليّات المصحوبة بالإسراف»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/06/2000م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/05/1992م.

 

152


134
دروس من فكر الإمام الخامنئي (دام ظله) - 2