من أفضل الساعات

مجموعة مختارة من أجوبة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) عن أسئلة الطلبة الجامعيّين خلال جلسات «سؤال وجواب»


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2022-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدّمة

مقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

إنّ للشباب في الإسلام رعايةً كبرى من جوانب عدّة؛ ذلك أنّهم الجيلُ الذي تتوجّه إليه الطموحات وتُعلَّق عليه الآمال، وكلّما كان المعنيّون ببناء المجتمع مهتمّين بهذه الفئة المفعمة بالحيويّة والعنفوان، كان الأملُ في شهود مجتمعٍ متقدّمٍ ومنسجمٍ مع روح الإسلام أشدَّ وأقوى.

من هذا المنطلق، لم يألُ الإمام الخامنئيّ (دام ظله) جهداً -وهو المعنيّ الأوّل برعاية هذه الأمّة من جهات عدّة، ثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة- في الاهتمام بهذه الفئة من أبناء المجتمع، لتأتي لقاءاته المستمرّة والدوريّة بهم، المفعمة بإرشاداته القيّمة ونصائحه المحكمة، وببثّ روح العزيمة والإرادة وزرع الثقة بنفوسهم، مصدراً معرفيّاً أساسيّاً، ينبغي على الشباب إيلاء الاهتمام اللازم به، والسعي إلى قراءته جيّداً.

 

11


1

مقدّمة

وقد تشرّفنا في «مركز المعارف للتأليف والتحقيق»، بالمساهمة في نشر جزء مهمّ من تلك الإرشادات والنصائح ضمن هذا الكتاب «من أفضل الساعات»، سائلين المولى -تعالى- منّا القبول، ولشبابنا التمسّك بمبادئ الإسلام الحنيف، والسير نحو بناء مجتمع متحضّر كما يحبّ ويرضى.

 

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

12


2

مدخل

مدخل

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين،

وبعد،

شكّلت الجامعة، والشباب الجامعيّون، محطّ اهتمام رئيس للإمام الخامنئيّ (دام ظله) منذ أيّام شبابه في مرحلة ما قبل الثورة الإسلاميّة. فقد كان من العلماء القلائل الذين يتوجّهون إلى الجامعات للتباحث مع الأساتذة والطلّاب. يؤكد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّه في مرحلة ما قبل انتصار الثورة، ورغم وجود نظرة سلبيّة، وعمليّة تشويه لصورة عالم الدين في الجامعات؛ بسبب أجواء الدعاية السلبيّة ضدّ علماء الدين، والنشاط الواسع لما كانت تسمّى التيارات الفكريّة التنويريّة المعادية للدين في زمن الشاه، فإنّه لم يشعر بأيّ حرج في الجلوس إلى الطلبة الجامعيّين؛ يقول: «كان لي علاقات قديمة بالجامعة والجامعيّين. عندما كنت أدخل إلى جامعة طهران في عمل ما، أشعر بحالة من الاستئناس، مع أنّ محيط الجامعة في تلك الأيّام لم يكن ينسجم مع زيّنا

 

13


3

مدخل

نحن علماءَ الدين أبداً، لكن كنت أشعر بالراحة داخل ذلك المحيط»[1].

حافظ سماحته على هذا النهج بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، ومع تولّيه رئاسة الجمهوريّة، زاد هذا الاهتمام ليصل إلى ذروته مع تولّيه قيادة الثورة الإسلاميّة بعد وفاة الإمام الخمينيّ العظيم (قدس سره).

تُشير الإحصاءات إلى أنّ سماحته عقد أكثر من 250 لقاء جامعيّاً على الأقلّ مع الطلّاب والأساتذة حتّى تاريخ إعداد الكتاب. وهذا إن دلّ على شيء، إنّما يدلّ على مدى اهتمام الإمام الخامنئيّ بهذه الفئة الشبابيّة التي تعدّ الأوفر حظّاً إذا قورن الأمر مع عدد اللقاءات التي أجراها مع فئات المجتمع كافّة.

الكتاب بين يدي القارئ العزيز، هو 124 سؤالاً مختاراً من أصل 266 وجّهها طلّاب الجامعات إلى قائد الثورة الإسلاميّة خلال تسعة لقاءات جامعيّة عُقدت بين 1998 و2003، واختيرت الأسئلة التي تتناسب والقارئ العربيّ. إنّ القارئ العزيز خلال تصفّحه هذا الكتاب، سيخلص إلى جملة من الاستنتاجات أهمها:

أوّلاً: مدى اهتمام قائد الثورة الإسلاميّة بملاحظات الشباب الجامعيّين وهواجسهم.

 

 


[1] كلمة في لقاء مع وزير التعليم العالي وأساتذة جامعة طهران (2/2/2010م).

 

 

13

 

 


4

مدخل

ثانياً: لم يشعر الطلّاب بأيّ حرج عندما كانوا يطرحون أسئلتهم على الإمام الخامنئيّ، بل من اللافت كيفيّة تقبّل الإمام أيّ نقد صحيح، وتفنيد أيّ نقد غير دقيق.

ثالثاً: الأسلوب العمليّ للإمام الخامنئيّ في الإجابة عن الأسئلة وتفنيد الشبهات، بما يؤسّس لنهج فكريّ جديد يسعى إلى زرعه بين الطلّاب الجامعيّين.

رابعاً: إصرار سماحته على اهتمام طلّاب الجامعات بالنشاط السياسيّ، وهو الأمر الذي أكّده مراراً، بدءاً من مرحلة ما قبل الثورة، مروراً برئاسته الجمهوريّة الإسلاميّة، انتهاءً بقيادة الثورة.

ختاماً، نسأل الله -عزّ وجلّ- أن يجعلنا الله وإيّاكم ممّن يُشاركون في صناعة جيل جامعيّ يسير بالأمّة الإسلاميّة نحو الهدف الذي دوماً صدحت به حنجرة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) : بناء الحضارة الإسلاميّة.

والله وليّ التوفيق

 

 

15


5

سيرة القائد مع الجامعيّين

سيرة القائد مع الجامعيّين

صور لهذه للقاءات بين السطور

من طرق التعرف إلى الفئات التي تحظى باهتمام الإمام الخامنئيّ، ويحرص على لقائها والتحاور معها، أن نحصي عدد اللقاءات التي أجراها مع فئات المجتمع كافّة. وَفق هذا المعيار، يكون طلّاب الجامعات الأوفر حظّاً من بين هذه الفئات، فقد جعل الإمام الخامنئيّ مسألة التقائهم ومحاورتهم في الدرجة الأولى من أولويّاته. وعلى الرغم من أنّ اهتمام الإمام الخامنئيّ بطلّاب الجامعات نابع من إدراكه بصفته رجلَ دولةٍ أهمّيّة طلبة الجامعات وموقعَهم، ثمّة عامل آخر هو تمازج تاريخ حياته السياسيّة مع هذه الفئة من المجتمع.

سنوات ما قبل الثورة الإسلاميّة

كان السيّد علي الخامنئيّ في سنوات ما قبل انتصار الثورة، خلال أجواء الدعاية السلبيّة ضدّ علماء الدين، والنشاط الواسع لما تسمّى التيّارات الفكريّة التنويريّة المعادية للدين في زمن الشاه، ضمن علماء الدين الذين يرغب طلّاب الجامعات في لقائهم والتواصل معهم. في

 

17

 

 


6

سيرة القائد مع الجامعيّين

تلك المرحلة، لم يكن كثيرون من علماء الدين قادرين على استيعاب الذهن الحركيّ الناقد والباحث لدى طلّاب الجامعات، أو أن يتعاملوا معهم ويقدّموا إليهم تعاليم الدين دون أن تظهر على خطاباتهم علامات التحجّر والجمود الفكريّ والتخلّف عن لغة العصر.

يؤكّد الإمام الخامنئيّ أنّه في مرحلة ما قبل انتصار الثورة، رغم وجود نظرة سلبيّة، وعمليّة تشويه لصورة عالم الدين في الجامعات، لم يكن يشعر بأيّ نوع من الحرج في الجلوس إلى الطلبة الجامعيّين؛ يقول: «كان لي علاقات قديمة بالجامعة والجامعيّين. عندما كنت أدخل إلى جامعة طهران في عمل ما، كنت أشعر بحالة من الاستئناس، مع أنّ محيط الجامعة في تلك الأيّام لم يكن ينسجم مع زيّنا نحن علماءَ الدين أبداً، لكن كنت أشعر بالراحة داخل ذلك المحيط».

بعد انتصار الثورة الإسلاميّة

واصل الإمام الخامنئيّ علاقاته مع الجامعيّين، ولاسيّما بعد توجيه الإمام الخمينيّ (قدس سره) للطلّاب الجامعيّين بالرجوع إلى سماحته. على هذا، انتُخب الإمام الخامنئيّ ليكون ممثل الإمام الخمينيّ في جامعة طهران. أهمّ ما فعله الإمام الخامنئيّ خلال هذه المرحلة هو إقامة جلسة أسبوعيّة مع الطلّاب تُعقد في تلك الجامعة، واستمرّت منذ صيف 1979 حتّى ربيع 1980. كتبت إحدى الصحف تقريراً عن هذه الجلسات جاء فيه:

 

18


7

سيرة القائد مع الجامعيّين

إنّ أيّام الاثنين من كلّ أسبوع في جامعة طهران تتمتع بأجواء مختلفة، حيث يتجمّع عدد كبير من الطلّاب الملتزمين في مسجد الجامعة، وبعد أدائهم صلاة الجماعة خلف السيّد عليّ الخامنئيّ تُعقد جلسة حوار و«سؤال وجواب» حول مختلف المواضيع والمسائل الإسلاميّة[1].

في زمن رئاسة الجمهوريّة

بعدما انتُخب الإمام الخامنئيّ ليشغل منصب رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة عام 1981، استمرّت هذه الجلسات الأسبوعيّة مع الطلّاب رغم مشاغله الكثيرة. اللافت أنّ بعض هذه اللقاءات كانت تُقام بعد أحداث سياسيّة مهمّة في البلاد. هذا يعني أنّ الإمام الخامنئيّ يرى أنّ الجامعةهي أفضل مكان لتوضيح المسائل وتبيينها والردّ على الشبهات التي يمكن أن تقع نتيجة هذه الأحداث السياسيّة وما تتركه من تأثير في الجوّ السياسيّ العام للبلاد.

مرحلة القيادة

بعد رحيل الإمام الخمينيّ العظيم (قدس سره) في حزيران / يونيو 1989، وتسلّم الإمام الخامنئيّ منصب قيادة الثورة، ورغم تضاعف مسؤوليّاته وكونها صارت أثقل، فإنّ جلسات «سؤال وجواب» مع طلّاب الجامعة بقيت مستمرّة، بل ازدادت أهمّيّة؛ نظراً إلى صعوبة

 

 


[1] صحيفة الجمهوريّة الإسلاميّة (12/12/1979م).

 

19


8

سيرة القائد مع الجامعيّين

الاستفادة خلال مرحلة القيادة من بعض الوسائل، مثل اللقاءات الصحافيّة والإعلاميّة، للردّ على التساؤلات. في المحصّلة، صارت هذه اللقاءات مكاناً لطرح ما يشغل بال عامّة الناس، ولطرح الأسئلة المباشرة لفئة الطلّاب الواعية والباحثة، التي يمكنها أن تكون أفضل ناقل لمسائل أفراد الشعب وهمومهم وشبهاتهم.

250 لقاء جامعيّاً

تشير الإحصاءات الرسميّة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى تسجيل 250 لقاءً للإمام السيّد عليّ الخامنئيّ مع طلّاب الجامعات وأساتذتها، دون أن تشمل اللقاءات التي أجراها مع طلّاب الجامعات العسكريّة وأساتذتها. إنّ هذا العدد من اللقاءات التي تنوّعت في الشكل والمضمون لرجل قضى 39 سنة في رئاسة الجمهوريّة وقيادة الثورة إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمامه بهذه الفئة الشبابيّة.

كما تذكر الإحصاءات أنّ أكثر اللقاءات تَكراراً كانت مع مختلف الطلّاب؛ إذ بلغت 58 لقاء. وفي المرتبة الثانية، تأتي لقاءاته مع أساتذة الجامعات ومسؤوليها، وقد بلغت 53، فيما استحوذت اللجان الطلّابيّة الجامعيّة على 43 لقاء مع سماحته. ومن الإحصاءات اللافتة في لقاءاته، أنّه أجرى 37 لقاءً مع طلّاب جامعة معيّنة، إمّا بحضور

 

20


9

سيرة القائد مع الجامعيّين

طلّاب الجامعة إلى حسينيّة «الإمام الخمينيّ»[1]، أو بذهاب سماحته إلى إحدى الجامعات في طهران وبقيّة المحافظات.

يبدو لافتاً أنّ هذه اللقاءات توزّعت على المراحل كافّة: قبل رئاسته الجمهوريّة، وأثناء توليه رئاسة الجمهوريّة، وبعد توليّه قيادة الثورة الإسلاميّة. وقد خصّص سماحته معظم أوقات هذه اللقاءات للاستماع للجامعيّين.

 


[1]  الحسينيّة التي يُجري فيها الإمام الخامنئيّ a لقاءاته العامّة، وتقع في طهران إلى جانب منزله.

 

21


10

سيرة القائد مع الجامعيّين

طلّاب الجامعة إلى حسينيّة «الإمام الخمينيّ»[1]، أو بذهاب سماحته إلى إحدى الجامعات في طهران وبقيّة المحافظات.

يبدو لافتاً أنّ هذه اللقاءات توزّعت على المراحل كافّة: قبل رئاسته الجمهوريّة، وأثناء توليه رئاسة الجمهوريّة، وبعد توليّه قيادة الثورة الإسلاميّة. وقد خصّص سماحته معظم أوقات هذه اللقاءات للاستماع للجامعيّين.

 


[1]  الحسينيّة التي يُجري فيها الإمام الخامنئيّ a لقاءاته العامّة، وتقع في طهران إلى جانب منزله.

 

21


10

سيرة القائد مع الجامعيّين

جلسات «سؤال وجواب»

يتضمّن هذا الكتاب سلسة من الأسئلة والأجوبة التي طرحها طلّاب الجامعات على قائد الثورة الإسلاميّة خلال سلسة زيارات أجراها الإمام الخامنئيّ إلى الجامعات الإيرانيّة بين 1997 و2003 تحت عنوان «سؤال وجواب».

عندما ننظر إلى مضمون الأسئلة التي كانت تُطرح على قائد الثورة خلال هذه اللقاءات، سنجد أنّها أكثر صراحة من الأسئلة التي طُرحت في زمن رئاسة سماحته للجمهوريّة. لم يكن الطلّاب يشعرون بأيّ حرج عندما يطرحون أسئلتهم على الإمام الخامنئيّ، بل ينتقدون عمل أركان النظام كافّة وأداءها، ويناقشون في موضوع الصلاحيّات وأداء المؤسّسات التابعة للإمام الخامنئيّ، الأمر الذي ترك لنا مجموعة من الأسئلة والأجوبة اللافتة والخالدة. في قسم من هذه الأسئلة مثلاً، وجّه السائلون بكلّ أريحيّة انتقادات إلى أداء الجمهوريّة الإسلاميّة ووضع البلاد في سنوات ما بعد انتصار الثورة. ولأنّ الإمام الخامنئيّ يتسنّم أعلى منصب في بناء النظام السياسيّ، كان معنيّاً بصورة طبيعيّة بهذه الأسئلة، ومستعدّاً كلّيّاً للإجابة عنها.

إنّ أسئلة هذه اللقاءات، التي بلغ عددها 266 سؤالاً، جُمعت في كتاب بعنوان «سؤال وجواب» صدر عن مؤسسة الثورة الإسلاميّة للثقافة والأبحاث في طبعته الأولى بالفارسيّة عام 2014. وبما أنّ

 

22


11

سيرة القائد مع الجامعيّين

الكثير من هذه الأسئلة كانت مرتبطة بقضايا إيرانيّة داخليّة بحت، اُختيرت الأسئلة التي تناسب المخاطب العربيّ دون أن نُغفل تلك التي تُظهر الهواجس العامّة للطالب الجامعيّ في إيران، وكيفيّة تعاطي الإمام الخامنئيّ مع هذه الفئة، ومنهجيّته في ردّ الشّبهات التي يطرحونها.

من الجيّد، قبل الدخول إلى هذه الأسئلة، الإشارة إلى بعض الملاحظات المرتبطة بهذه اللقاءات:

أوّلاً: تأكيد قائد الثورة الأهمّيّة لسعي الطلّاب إلى الوصول إلى تحليل صحيح ومنصف للواقع؛ أي تجنّب السكوت عن المشكلات التي يرونها في النظام، لكن دون الوقوع في إشكاليّة السوداويّة وتضخيم المشكلات التي تحدث في البلاد.

ثانياً: التعاطف مع جيل الشباب، والإقرار بمخاوفهم وتطلّعاتهم، بالتزامن مع بثّ الأمل ورسم مستقبل الشباب، بالتوكّل على الله، والجدّ والاجتهاد والبصيرة في مختلف القضايا.

ثالثاً: سَعة الصدر في تحمّل النّقد وتقبّل التوجّهات المختلفة في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، والنظر إليها على أنّها أمر مفيد إذا كانت هذه الاختلافات نابعة من الفكر والبحث.

رابعاً: استخدامه عنصر الفكاهة لتلطيف الأجواء، وبثّ روح النشاط بين الطلّاب، بالإشارة إلى الأخطاء الإملائيّة التي قد ترد في

 

 

23


12

سيرة القائد مع الجامعيّين

أسئلة الطلّاب، أو الأسئلة غير المقروءة بسبب سوء الخطّ، أو عبر أيّ أخطاء عفويّة تصدر عنهم.

خامساً: من الأمور اللافتة جدّاً في طريقة إجابة الإمام الخامنئيّ عن الأسئلة، مراعاته الدقيقة للأمور الدينيّة والأخلاقيّة وخصوصيّة الأفراد.

 

24


13

القائد (دام ظله) والشباب

كيف قضيتم مرحلة شبابكم؟

لم يكن الأمر آنذاك كما هو عليه اليوم. الحقّ والإنصاف أنّ الأوضاع كانت سيّئة للغاية. لم تكن بيئة الشباب بيئة يأنس لها القلب، ليس بالنسبة إليّ فقط، باعتباري آنذاك طالب علم، بل بالنسبة إلى جميع الشباب. لم يكن يُكْتَرَث للشباب، فتموت كثير من الطاقات الكامنة فيهم. لقد شهدنا هذا الأمر بأعيننا. كنت أرى ذلك في محيط طلّاب العلوم الدينيّة. ثمّ بعد تواصلي مع مجتمعات خارج مجتمعات طلّاب العلوم الدينيّة، ومع محيط الجامعة وطلّاب الجامعات الذين كنت لسنوات طوال على صلة بهم، رأيت أنّ المسألة بينهم -أيضاً- هي كذلك.

لقد انقضت مرحلة شبابي -غالباً- مع الشباب قبل الثورة. كان عمري تسعة وثلاثين عاماً تقريباً عندما انتصرت الثورة. ومنذ أن كان عمري سبعة عشر وإلى ذلك التاريخ كان مع الشباب، سواء شباب الحوزات العلميّة والدينيّة، أم الشباب خارج هذا المجال. الإحساس الذي كان ينتابني هو أنّ نظام الشاه محمّد رضا بهلويّ كان يعمل كي ينساق الشباب نحو الانحدار. لم يكن الانحدار أخلاقيّاً فقط، بل في

 

27


14

القائد (دام ظله) والشباب

الهويّة والشخصيّة، لدرجة أنّ الشاب العامل، رغم قيامه على عمل شاقّ، كان يحصل على مال قليل، ويُنفق نصف مدخوله على المُجون والطّيش والرذيلة وأشياء من هذا القبيل. الحقّ والإنصاف أن الأوضاع كانت سيئة للغاية. لم يكن المحيط الشبابي جيّداً. طبعاً كانت المسألة في قلوب الشباب وفي محيطهم شيئاً آخر؛ لأن الشباب في الأساس هم أهل النشاط والأمل والحماس وما شابه.

لقد كان شبابي حافلاً جدّاً بالحيويّة والتّشويق. حتّى قبل انطلاق الثورة، بسبب النشاطات الأدبيّة والفنّيّة وأمثالها، كان في حياتي نشاط وأحداث دراماتيكيّة، وكذلك الحال بعدما بدأ النضال عام 1962، حين كان عمري ثلاثة وعشرين عاماً. طبعاً، بعد ذلك وقعنا في قلب العوامل الأساسيّة للأحداث في البلاد، ودخلت السجن مرّتين عام 1963: اعتقال وسجن واستجواب. أنتم تعلمون أنّ هذه الأمور تخلق التشويق والحماس عند الإنسان. ثمّ، بعدما يخرج الإنسان من السجن، ويرى حشود الناس العظيمة التي تحبّ هذه المبادئ، ويرى قيادة كقيادة الإمام (رضوان الله عليه)، الذي يهدي الناس، ويصحّح الأعمال والأفكار والنّهج، فإنّ حماسته تشتدّ. هكذا، كانت الحياة مشوّقة جدّاً لأشخاص من أمثالي يعيشون ويفكّرون في هذه القضايا، لكنّ الأمر لم يكن كذلك للجميع.

طبعاً، عندما كان يجلس الشباب مع بعضهم بعضاً، وبما أنّ قلوبهم دافئة بصورة طبيعيّة، ويوجد حالةٌ من الحيويّة والسرور في طينتهم،

 

 

28


15

القائد (دام ظله) والشباب

كانوا يلتذّون بكلّ شيء. الشباب يلتذّون بالطعام، وبالحديث، وبالنظر إلى المرآة، وحتّى بالتسلية.

أنا لم أنقطع كلّيّاً عن حالة الشباب. لا أزال أشعر بداخلي بشيء من الشباب، ولا أسمح لنفسي أن أقع في تلك الحالة التي تُفقدني الشعور بالشباب داخلي.

عندما كنت وأمثالي نفكّر جدّياًّ وعميقاً في قضايا النضال، كنّا نبذل همّتنا في إخراج الشباب بالقدر الذي أمكننا من دائرة النفوذ الثقافي للنظام. فأنا مثلاً كنت أذهب إلى المسجد، وأُلقي محاضرات تفسير، كما ألقي محاضرة بعد الصلاة، بل أذهب أحياناً إلى الأرياف وأخطب. النقطة الأساسيّة التي كانت موضع اهتمامي هي أن نسحب الشباب من المصيدة الثقافيّة للنظام. ثمّة مصيدة خفيّة تجرّ الجميع باتجاه ما، وأريد ما أمكنني أن أمزّق هذه المصيدة، وأن أُخرج الشباب ما استطعت منها ومن هذا الشّرَك. إنّ كلّ من يخرج من هذا الشّرَك الفكريّ كان يكتسب نوعاً من الوقاية، حيث يميل أوّلاً إلى التديّن، وثانياً إلى أفكار الإمام الخمينيّ (قدس سره). سار الأمر على ذلك النحو في تلك الأيّام. هؤلاء النّسل سيصيرون غداً ولاحقاً الدّعامة الأساسية للثورة.

على كلّ حال، الشباب يعيشون الآن عصراً وأجواءً أفضل. وإذا أراد الشابّ أن يعيش حياة طيّبة، وأن يحصل على هويّته الإنسانيّة وشخصيّته، أعتقد أنّ بإمكانه اليوم الحصول على ذلك كلّه[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

 

29


16

القائد (دام ظله) والشباب

محبّة الشباب

ما الشعور الذي ينتابكم عند لقاء الشباب، وما أوّل شيء تقوله لهم؟

عندما أكون مع الشباب وضمن أجواء الشباب، يكون شعوري مثل شخص يستنشق هواء الصباح، فأحسّ بالنّضارة والانتعاش. إنّ أوّل شيء يخطر في ذهني عادةً عند لقاء الشباب ودوماً أفكّر فيه: هل يعلم هؤلاء أيُّ نجمةٍ تسطَعُ على جباههم؟ أنا أرى هذه النجمة، لكن هل هم يرونها أيضاً؟ نجمة الشباب نجمةٌ ساطعة جدّاً، وهي طالع خير. إذا شعر الشباب في وجودهم بهذا الدُرّ الثمين الذي لا مثيل له، أتصوّر أنّهم، إن شاء الله، سيستفيدون منه جيّداً[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

 

30


17

القائد (دام ظله) والشباب

بين التفريط والتطرّف

نشاهد في بعض القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة مواقف تفريطيّة أو متطرّفة يترتّب عليها أضرار أيضاً، فما نصيحتكم للشباب في هذا المجال؟

لا ينبغي الخوف من الاختلاف في وجهات النظر. هذا الاختلاف ليس أمراً سيّئاً، ولا إشكال -أيضاً- في أن يكون هناك وجهتا نظر سياسيّة مثلاً، وأن يعتقد شابّ بواحدة، ويعتقد آخر بالثانية. المُضرّ هو الإقدام على أمر دون تفكير أو مطالعة، والقرارات المتسرّعة والانفعاليّة، والعمل دون دراسة. أنا أحذّر الشباب من التسرّع في اتخاذ القرارات. إنّ معنى الشباب هو الاندفاع في الإقدام، بمعنى ألّا يخوض الإنسان في تعقيدات العمل الذي يودّ أداءه، لكنّه ليس بمعنى الانفعاليّة والإقدام دون تدبّر أو دراسة. يمكن للشابّ أن يفعل عملاً ما دون تدبّر، ويمكن له -أيضاً- أن يفعله بتدبّر وتفكير وتأمّل. إذا وجدت هذه الميزات، مضافاً إلى مناشدة الحقّ، التي هي أساساً من خصائص الشباب، فلا مانع أبداً في اختلاف وجهات النظر، ولن يؤدّي إلى الضّلال؛ أقلّه أنّه لن يفضي إلى أضرار فاحشة.

 

 

31


18

القائد (دام ظله) والشباب

وأمّا حالة نبذ الآخر، أو أن يتّخذ الإنسان في القضايا الاجتماعيّة موقفاً، ويراه مئة بالمئة صائباً لا غير، فهذا ليس سليماً وغير جيّد. طبعاً، يجب أن يكون هذا موقف الشابّ في بعض أصول العقائد، بمعنى أنّه يجب عليه البحث عن أصول العقائد بالفكر، والوقوف عند نقطة ثابتة وصلبة، وأن يقف ويقول بأسلوب قاطع: هذا ولا غير. هنا مقولة: «هكذا ولا غير» ليست سيّئة، بل حسنة، لكن في القضايا الاجتماعيّة أو السياسيّة، وفي المعاملات الاجتماعيّة المختلفة، «هكذا ولا غير» غير صحيحة.

في رأيي أنّ على الإنسان أن يتحمّل وجهة نظر الطرف المقابل، وأن يجعل في ما يتعلق بترتّب الأثر في أفكاره وآرائه العمل باتّزان معياراً ومِلاكاً لأعماله؛ عندها لن يكون هناك مشكلة[1].

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

32


19

القائد (دام ظله) والشباب

الشّباب وتولّي المناصب في الجمهوريّة الإسلاميّة

إلى أيّ حدّ أعطيتم الشباب مسؤوليّة طوال فترة عملكم، وما تجربتكم في هذا المجال؟ وبرأيكم، ما هي مسؤوليّة الشباب تجاه التقدّم العلميّ للبلد؟ وهل يمكن سدّ الهوّة ما بيننا وبين الدول المتقدّمة؟

تجربتي تقول إنّنا إذا اعتمدنا على الشباب، ذاك الشابّ الذي رأينا فيه الجدارة والأهليّة وكلّفناه المسؤوليّة، وليس أيّ شاب وأيّ مسؤوليّة، سيُنجَز العمل بطريقة أفضل من غيره، وأكثر مسؤوليّة أيضاً. وكذلك سيتقدّم بسرعة أكبر، ويسلّمنا العمل بإبداع وتطوّر أكثر

- ماذا أريد من الشباب

إنّ مرحلة الشباب هي مرحلة الاستطاعة والقدرة. ويجب، في رأيي، أن تُبذل أساساً في طلب العلم، وفي إيجاد صفاء النفس وروحيّة التقوى في الذات والقوّة الجسديّة (الرياضة). هذه الموارد الثلاثة أساسيّة؛ فإذا سُئِلت بجملة قصيرة: ماذا تريد من الشباب؟ سأقول: طلب العلم، والتهذيب، والرياضة. أعتقد أنّه على الشباب أن يتابعوا هذه الأمور الثلاثة. ولأن هذه الطّاقة موجودة في الشباب، يجب

 

33


20

القائد (دام ظله) والشباب

الشّباب وتولّي المناصب في الجمهوريّة الإسلاميّة

إلى أيّ حدّ أعطيتم الشباب مسؤوليّة طوال فترة عملكم، وما تجربتكم في هذا المجال؟ وبرأيكم، ما هي مسؤوليّة الشباب تجاه التقدّم العلميّ للبلد؟ وهل يمكن سدّ الهوّة ما بيننا وبين الدول المتقدّمة؟

تجربتي تقول إنّنا إذا اعتمدنا على الشباب، ذاك الشابّ الذي رأينا فيه الجدارة والأهليّة وكلّفناه المسؤوليّة، وليس أيّ شاب وأيّ مسؤوليّة، سيُنجَز العمل بطريقة أفضل من غيره، وأكثر مسؤوليّة أيضاً. وكذلك سيتقدّم بسرعة أكبر، ويسلّمنا العمل بإبداع وتطوّر أكثر

- ماذا أريد من الشباب

إنّ مرحلة الشباب هي مرحلة الاستطاعة والقدرة. ويجب، في رأيي، أن تُبذل أساساً في طلب العلم، وفي إيجاد صفاء النفس وروحيّة التقوى في الذات والقوّة الجسديّة (الرياضة). هذه الموارد الثلاثة أساسيّة؛ فإذا سُئِلت بجملة قصيرة: ماذا تريد من الشباب؟ سأقول: طلب العلم، والتهذيب، والرياضة. أعتقد أنّه على الشباب أن يتابعوا هذه الأمور الثلاثة. ولأن هذه الطّاقة موجودة في الشباب، يجب

 

33


21

القائد (دام ظله) والشباب

عليهم أن يسعوا بشدّة في مجال طلب العلم، الذي هو أعمّ حتّى من الدراسة والبحث العلميّ.

اليوم، كما سمعت، لا يتوجّه الشباب في الجامعات كثيراً للبحث العلميّ الصعب. هذا ليس جيّداً. في الحقيقة مِن أجل ماذا يأتي الطالب إلى الجامعة! يجب أن ينتسب إلى الجامعة لكي يتقدّم العلم. في رأيي، يجب على الشباب حقيقةً أن يبذلوا طاقاتهم الشبابيّة في تحصيل العلم.

- سدّ الهوّة بيننا وبين الدول المتطوّرة

أنا أعتقد أنّه يمكن سدّ الهوّة بيننا وبين الدول المتطوّرة وبصورة كاملة أيضاً. طبعاً، قد لا يمكن أن نمضي من الطريق نفسه الذي مضوا فيه، ونسدّ الهوّة، لكن الطرق المُختصرة في العالم موجودة بوفرة إلى ما شاء الله.

في الحقيقة لم نعرف جيّداً عالم الخلق هذا الذي أوجده الله تعالى. يوجد آلاف السبل لذلك، أحدها ذاك الطريق الذي سارت عليه هذه الحضارة الصناعيّة الراهنة، وأحدثت بعد كلّ خطوةٍ خطوةً على أثرها. فلماذا نيأس من فتح باب جديد، ومن أن يظهر اكتشاف جديد في العالم؟

يجب علينا أن نعمل في هذا المجال، وأن نصل إلى طريق يجهّزنا بصورة كلّيّة للتقدّم العلميّ السريع. علاج الأمر ينحصر في أن ينصبّ

 

34


22

القائد (دام ظله) والشباب

الشباب، خاصّة أولئك الذين هم من أهل العلم والبحث والدراسة، على العمل العلميّ الشاقّ.

كلّ ما تريدون فعله بإمكانكم عمله في مرحلة الشباب؛ أي في المجالات الثلاث: العلميّ، كما مجال تهذيب النفس، والرياضة أيضاً. يجب أن تعملوا في مرحلة الشباب. طبعاً، الجميع يعلم أنّ الرياضة في مرحلة الشيخوخة لا تؤثّر كثيراً كما في مرحلة الشباب، لكنّهم لا يعلمون غالباً أثر تهذيب النفس في الشيخوخة. يخالون أنّه يجب على الإنسان أن يبقى إلى أن يشيخ فيتعبّد حينئذٍ، ويُهذّب نفسه. لكن تهذيب النفس حينذاك صعب ومُحال أحياناً. إنّ تهذيب النفس صعب في الشيخوخة، لكن تهذيب النفس في مرحلة الشباب سهل جدّاً[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

35


23

القائد (دام ظله) والشباب

حفظ القيم والأجواء المعنويّة للحرب

برأيكم، ما السُبل المُتاحة اليوم لحفظ القيَم التي سادت خلال الحرب، ونقل تلك الأجواء المعنويّة إلى شباب اليوم؟

القضيّة ليست قضيّة أشخاص، وإنّما المعنويّات والنيّات والحياة الجديدة التي منحتها هذه الثورة وهذه الاختبارات الصعبة لبلادنا. لقد أصدر الإمام الخمينيّ بعد فتح مدينة بستان عام 1981، بياناً ورد فيه تعبير «فتح الفتوح»، وتصوّر بعضهم أنّ «فتح الفتوح» التي ذكرها الإمام هي معركة بستان، في حين أنّه لم يقصد ذلك، وإنّما أراد من «فتح الفتوح» بناء النفوس الواعية المتيقّظة. بالفعل، إنّ أكبر فتح تحقّق على يد الجمهوريّة الإسلاميّة أنّها استطاعت الارتقاء بالشباب إلى هذه المرحلة من العظمة والسموّ الروحي وجعلتهم يستشعرون الثقة بالنفس والصّمود في وجه الهجمة العالميّة الشاملة دفاعاً عن بلدهم وكيانهم والإسلام. فكانت الحرب المفروضة خير مصداق على ذلك، ولا تزال إلى يومنا، فنحن اليوم نواجه هجوماً عالميّاً ضدّنا.

 

36


24

القائد (دام ظله) والشباب

- أيّها الشباب: لا تستهينوا بأعمالكم

إنّ أعمال الشباب ليست صغيرة؛ فالدراسة والبحث والتحقيق العلميّ والفنّ والرياضة ليست بالشيء الصغير. أرجو ممّن يقوم على هذه الأعمال ألّا يَستهين بها، بل هذا العمل اليسير يُشكّل مع الأعمال الأخرى عُنصراً ذا دورٍ حاسم. فالفنّان الذي يُقرّر تقديم عمل فنّيّ بارع بمُفرده لا يسعه القول إنّه يؤدّي بمُفرده عملاً فردياًّ ضئيلاً. كلّا! عليكم أداء عملكم على أحسن وجه، وإن فعل مئة شخص آخرون على غرار هذا، فهذا هو العلوّ العظيم، وسوف يحدث ذلك. هذا الافتراض نفسه يَصْدق على حقل الرياضة أيضاً، وعلى الدراسة، وعلى البحث والتحقيق العلميَّين، وعلى الأعمال الخاصّة بالشباب.

هذا شبيه تماماً بحالة التظاهرات، فلو قال أحدهم إنّني شخص واحد فما مدى تأثيري؟ ما قُدّر حينذاك لهذه الحشود المليونيّة أن تنطلق في الثاني والعشرين من بهمن، أو في صلاة الجمعة، لكن كلّ واحد يَشعر أنّه يؤدّي تكليفه. أؤكد وأُكرّر: أيّ عمل يُؤدّيه أيّ واحد من هؤلاء الشباب له أهمّيّته حيثما كان، وفي أيّ مورد، سواء في مجال القرآن أو العلوم والمعارف، أو الحوزة أو الجامعة أو التأليف[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

37


25

القائد (دام ظله) والشباب

السياسة والشباب

يُرجى إبداء رأيكم في مستقبل النشاطات السياسيّة للطلبة الجامعيّين، والمنحى الذي تسير فيه؟

إنّ طلبة الجامعات يجب أن يكونوا ساسة، وينبغي عدم إبعاد الجامعة عن السياسة. وكذلك يجب ألّا يلتبس المعنى وألّا يفسّر كلامي على أنّ النشاط السياسيّ يجب أن يكون بالضرورة موجّهاً ضدّ الحكومة والمسؤولين والنظام؛ لأنّ بعض المغرضين يفسّرون النشاط السياسيّ بهذا المعنى، متصوّرين أنّه يعني التلاعب السياسيّ، في حين أنّ هذا النمط من النشاط السياسيّ يمثّل نوعاً من التحايل والغشّ، فيتوهّم المرء أنّ النشاط السياسيّ في الجامعات يتحقق بالمهاترات والشتائم فقط، وإهانة هذا وذاك. أمّا النشاط السياسيّ في حقيقته، فيعني توعية الطالب لكي تكون لديه قدرة على التحليل السياسيّ. فإذا افتقد الطالب القدرة على التحليل، يصير من السهل خداعه. وفي انخداع الطالب مرارة أليمة يصعب تحمُّلها.

 

38


26

القائد (دام ظله) والشباب

إذا أراد الطلبة أن تكون لديهم قدرة على التحليل، يجب عليهم ممارسة النشاط السياسيّ، ومطالعة المواضيع السياسيّة، والكتابة فيها، ومناقشتها، والتداول فيها. وإذا لم يفعلوا ذلك، لا يتسنّى لهم اكتساب مثل هذه القدرة[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

39


27

القائد (دام ظله) والشباب

ما الواجب الأساسيّ للشباب المتديّن والثوريّ؟

أرى أنّ على الشباب الثوريّ في الجامعات السعيَ إلى أن يَدرسوا ويرتقوا جيّداً بالفكر والمعرفة، وأن يسعوا إلى التأثير في الوسط الذي يعيشون فيه، وأن يكونوا فعّالين لا انفعاليّين. هذه الأمور ممكنة. فأحياناً يمكن أن يكون للشاب من خلال شخصيّته المعنويّة تأثير في المجموعة المحيطة به، كالصفّ الدراسيّ والأستاذ والبيئة الجامعيّة. من الطبيعيّ أنّ هذا العمل لا يتمّ عبر الأساليب السياسيّة، وإنّما يتسنّى نيله عبر الصّفاء والنّقاء المعنويّ، وعبر العلاقة الوثيقة مع الله تعالى.

أعزّائي، خذوا مسألة العلاقة مع الله على محمل الجدّ. أنتم شباب، اهتمّوا بهذا الجانب، تحدّثوا مع الله، واطلبوا منه؛ فالدّعاء والمناجاة والصّلاة بخشوع وبحضور قلب، هي من الأمور اللازمة لكم. إيّاكم أن تضعوها على الهامش[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م

 

40


28

الشباب: ميزات ومؤهّلات

شباب الثورة... وشباب اليوم

إنّ أحداث مرحلة بداية الثورة ومتطلّباتها كانت على نحو جعل فئة الشباب يُنظر إليها وفق رؤية خاصّة. فهل ينبغي لجيل الشباب اليوم أن يكون لديهم طريقة اللباس نفسها، وكيفيّة الحضور والمشاركة عينها، والمتطلّبات والاحتياجات نفسها أيضاً؟

لا يشكّ أحد في وجود أذواق متنوّعة ومتطلّبات مختلفة عند الشباب؛ ففي مجال الأزياء والألبسة وما شابه ذلك، ممّا يمكن أن تطلق عليه تسمية الأمور الذوقيّة، لكلّ عصر ومرحلة ومدينة وطبقة وبيئة متطلّباتها في هذا المجال. أنتم ترتدون مثلاً أزياء وألبسة لا يحبّذها أهالي المناطق الجنوبيّة الشرقيّة من بلادنا؛ لأنّ فيها أنواعاً أخرى من الثياب تتناسب مع المتطلّبات الإقليميّة والجغرافيّة والتاريخيّة، وهكذا الحال في المناطق الأخرى، لكنّ أمثال هذه الأمور لا تدخل في إطار الفوارق الأصليّة أو الأساسيّة.

أمّا ما نرتجيه من شباب اليوم، فهو عينُ ما كُنّا نرتجيه منهم في أوّل الثورة وما قبل الثورة؛ نريد من الجيل الشاب التديّن والصّلاح والورع، وأن يتّصف في الوقت نفسه بالحيوية والنشاط والإبداع والخلْق، وأن يعمل ويتجّنب البطالة والكسل، ويجعل التقوى شعاراً

 

41

 

 


29

القائد (دام ظله) والشباب

له، وأن يكبح جماح نفسه، ويكرّس هذه الطاقة الهائلة المسمّاة طاقة الشباب في سبيل رقيّه وتكامله وخدمة بلده وأسرته. هذا هو أملنا من الشباب. كما أن لكل وقت متطلّباته؛ فإذا ما خاض البلد حرباً، نرتجي من الشباب شيئاً، وإذا كان البلد في حالة إعمار وبناء، نرتجي منهم شيئاً آخر[1].

 

 


[1]  لقاء مع الشباب 2/2/1999م.

 

 

42


30

القائد (دام ظله) والشباب

نزعة التجديد عند الشباب

يبدو أنّ ثمّة سوء تفاهم في الأسرة، وفي الوسط الاجتماعيّ بشأن الشباب، بسبب ما يتّصفون به من نزعة تميل بهم نحو التجديد، وتسوقهم صوب كلّ ما هو جديد. أعتقد أنّه كانت لدينا على مدى عشرين سنة فرصة كافية لترسيخ مبادئنا الاعتقاديّة في ما يتعلّق بثورتنا الكبرى، غير أنّنا نشعر أحياناً بحاجة ماسّة إلى الكشف عن الحالات التي يمكن فيها إبداء مزيد من الإبداع والتجديد والنظر إلى الأشياء برؤية عصريّة. أذكر مثلاً أنّ سماحة الإمام الخمينيّ (قدس سره) كانت لديه رؤى متفاوتة حيال الموسيقى والشطرنج وإحدث ثورة جادّة في هذين الموضوعين، وكان هناك انفراج واسع في ما يخصّ الشباب. فما المجالات التي ترون الإمكانيّة فيها لإفساح الفرص للإبداع والتجديد كي يمارس الشباب تجربة التجديد وَفقاً لنزعاتهم، وليكونوا أكثر تحرّراً، ولا تُفرض عليهم صيغ شديدة الجمود والتحجّر؟

- إنّني أؤيّد فكرة التجديد تماماً

بالنسبة إلى سؤالكم عن المجالات التي يمكن للشباب الإبداع والتجديد فيها، يجب القول: إنّ التجديد ليس شيئاً يستلزم الإذن أساساً، أو يُوجب على من يريده الاستئذان من أحد. إذا ما أُتيحت الأجواء، يأتي التجديد والإبداع. أنا أؤمن بوجوب التجديد في الميادين

 

 

43


31

القائد (دام ظله) والشباب

كافّة. والتجديد لا يعني التشكيك في مبادئنا المنطقيّة التي سلّمنا بها، بل التطوير ودفع الأمور والجوانب باتجاه التكامل. فالعدالة مثلاً أمر جيّد، ويمكن لكلّ من يريد التجديد ابتكار أسلوب جديد لإقرار العدالة، لكن لا ينبغي له التشكيك في أصلها وحُسنها. حبّ الأبوين والأولاد أمر طبيعيّ، وقد يتوصّل شخص إلى ابتداع أسلوب لهذا الحبّ لم يظهر له نظير.

انطلاقاً من هذا الفهم، إنّكم حينما تتحدّثون عن التجديد، وتقولون: إنّ الشباب يميلون إليه، ليس من الضروريّ أن يتضمّن التجديد صيغاً غير معقولة وغير منطقيّة. ومعنى هذا أنّ التجديد السليم هو المقصود في كلامنا.إنّني أؤيّد فكرة التجديد تماماً، لكنّني لا أتّفق معكم في قولكم: إنّ مجتمعنا لا يُحبّذ ذلك. هذا إمّا أن يعود إلى كونكم شباباً، وتَعيشون في إطار أُسركم أو في موضع آخر، وتعلمون أموراً لا أعلمها، وإمّا لأنّني لديّ تجربة وخبرة أكثر، وأعلم ما لا تعلمونه. أعتقد أنّ مجتمعنا يرحّب بالتجديد وينمّيه، وأحد الأمثلة هو ما أشرتم إليه في ما يخصّ سماحة الإمام الخمينيّ (قدس سره) الذي كان شيخاً في الثمانين، وأصدر أواخر عمره تينك الفتويين اللتين ذكرتهما. يُستدلّ من هذا على أنّ مجتمعنا يساير المعقول والمنطقيّ من الظواهر الجديدة.

هذا الوصف يصدق على العائلات أيضاً. من المحتمل أنّ بعض الأسر تقف في وجه الانتهاكات الصريحة للحدود، التي قد تصدر عن

 

44


32

القائد (دام ظله) والشباب

الشباب، وهذا موقف منطقيّ طبعاً؛ إذ يرتجى من الآباء والأمّهات تقديم النصح إلى شبابهم. فكلّ شابّ بحاجة إلى العون الفكريّ من أبوَيه. ينبغي ألّا يتصوّر أحد أنّ التوجيهات الفكريّة والأوامر والنواهي من الأبوَين للأولاد تقتل روح التجديد لدى الشباب. لا أعتقد أنّ التجديد المنطقيّ والمعقول يجابَه بالرفض من الأبوَين والمحيط الاجتماعيّ، بل إنّ التشجيع على التجديد يُعدّ من جملة الشعارات والأهداف التي يرفعها هذا المجتمع وهذا النظام.

- التجديد المطلوب: معقول ومنطقيّ

إنّنا نُحبّ التجديد، لكن كما أشرتم في حديثكم، وكما يُستشفّ من إشارتكم، إنّكم على وعي تامّ واستيعاب كامل لهذا المعنى، وقد أشرتُ إلى أنّه تصريح لا غبار عليه: ينبغي ألّا يفضي التجديد إلى صيغ مجافية للعقل والمنطق، بمعنى أنّ على المرء ألّا يُحارب كلّ تقليد وموروث وقديم لمجرّد الرغبة في التجديد؛ لأنّ مثل هذا الموقف لا يقرّه عقل، ولا يرتضيه منطق. التجديد معناه أنّنا يجب أن ندفع نحو الأمام؛ أيّ أنّه حركة تكاملية في الميادين التي تستلزم التكامل. هذه هي المجالات التي يُرتجى من الشباب الإبداع والتجديد فيها.

- أنيروا أذهان المتعصّبين

لا أنكر طبعاً وجود أشخاص منغلقين ومتحجّرين تماماً، لكنّ أمثال هؤلاء يُمكن إيقاظهم وتوعيتهم بأساليب منطقيّة وسليمة.

 

45


33

القائد (دام ظله) والشباب

هذا كثيراً ما جرّبناه في عهد النهضة. كان بعض الشّبان ممّن هم على صلة بنا يتحدّثون في بيوتهم في أمور تثير القلق والفزع لدى آبائهم وأمّهاتهم، وجرت حالات راجعَنا فيها بعضُ الآباء والأمّهات، وأنا شخصيّاً واجهتني من قبيل هذه المواقف مرّات عدة، وحينما كان المرء يتحدّث مع أولئك الآباء والأمّهات لا يجد لديهم أيّ تعصّب، وكانت مواقفهم نابعة من كلام أبنائهم، الذين لم يُبيّنوا المُراد من كلامهم على الوجه الصحيح، وهذا ما كان يثير الفزع في قلوبهم.

على كلّ حال، حتّى الأشخاص الذين يظنّ المرء أنّ فيهم تعصباً أو تَحجّراً حيال أمرٍ ما يُمكن إنارة أذهانهم بالمنطق السليم، لكن ينبغي طبعاً الالتفات مسبّقاً إلى احتمال أنّ موقف الأبوين لم يكن نابعاً من تعصّب أو جمود، بل قد يكون موقفاً سليماً يرمي إلى تصحيح رأي سقيم لدى الأبناء[1].

 

 


[1]  لقاء مع الشباب 2/2/1999م.

 

46


34

القائد (دام ظله) والشباب

هذا كثيراً ما جرّبناه في عهد النهضة. كان بعض الشّبان ممّن هم على صلة بنا يتحدّثون في بيوتهم في أمور تثير القلق والفزع لدى آبائهم وأمّهاتهم، وجرت حالات راجعَنا فيها بعضُ الآباء والأمّهات، وأنا شخصيّاً واجهتني من قبيل هذه المواقف مرّات عدة، وحينما كان المرء يتحدّث مع أولئك الآباء والأمّهات لا يجد لديهم أيّ تعصّب، وكانت مواقفهم نابعة من كلام أبنائهم، الذين لم يُبيّنوا المُراد من كلامهم على الوجه الصحيح، وهذا ما كان يثير الفزع في قلوبهم.

على كلّ حال، حتّى الأشخاص الذين يظنّ المرء أنّ فيهم تعصباً أو تَحجّراً حيال أمرٍ ما يُمكن إنارة أذهانهم بالمنطق السليم، لكن ينبغي طبعاً الالتفات مسبّقاً إلى احتمال أنّ موقف الأبوين لم يكن نابعاً من تعصّب أو جمود، بل قد يكون موقفاً سليماً يرمي إلى تصحيح رأي سقيم لدى الأبناء[1].

 

 


[1]  لقاء مع الشباب 2/2/1999م.

 

46


34

القائد (دام ظله) والشباب

أعتقد من جهة أخرى بوجوب الألعاب البطوليّة؛ إذ لولا هذه الألعاب، ما وُجدت الممارسات الرياضيّة العامّة. فلا بدّ من قمّة ليتحرّك أناس كثيرون عند سفحها. هذا هو السبب الموجب للألعاب البطوليّة[1].

 

 


[1]  لقاء مع الشباب 2/2/1999م.

 

48


35

القائد (دام ظله) والشباب

نريد ممثّلاً عنكم للشباب

تقدّم الطلبة أو الشباب إلى الإمام الخمينيّ الراحل في زمن حياته بطلب انتداب ممثّل عنه يراجعه الشباب في ما يتعلّق بمشكلاتهم، وقد انتدبكم الإمام لهذه المهمّة. رجائي منكم أن تعيّنوا ممثلّاً أو ممثّلين عنكم يرجع إليهم الشباب في ما لديهم من أسئلة ومشكلات.

انتدبني الإمام لهذه المهمّة بعدما راجعه عدد من طلبة الجامعات، وأخذت حينذاك أتردّد عليهم لتلك الغاية. في الوقت الحاضر، يوجد بين طلبة الجامعات علماء دين جيّدون وموضع تأييد من قِبَلي، ولا أريد هنا ذكر أسمائهم. حتّى بعضهم عرّفته إلى الطلبة بالاسم، وهم موجودون حاليّاً، ولديهم نشاطات جيّدة.

العمل الذي أشرتم إليه كان مبادرة جديدة وغير مسبوقة، ولم يأتِ قبلها مجموعة من الشباب مثلاً ليطلبوا من الإمام انتداب عالم دين يُعنى بشؤون الشباب، وقد لبّى الإمام طلبهم، ولم تَنْشر وسائل الإعلام ذلك الخبر، وإنّما نشره الشباب أنفسهم وعلمتموه، وها أنتم تطرحونه حاليّاً. هذا العمل صار شائعاً في الوقت الحاضر.

 

49


36

القائد (دام ظله) والشباب

واليوم، يوجد في الجامعات كلّها علماء دين شباب يمارسون مهمّاتهم.

ما الموقف بخصوص غير الطلّاب؟

حينما يكون الشباب من فئة واحدة، كالتلاميذ أو العمّال، يمكن انتداب شخص لسماع مشكلاتهم، وكذلك الحال لمَن ليسوا من فئة واحدة؛ إذ يمكن الاستعانة بعلماء الدين الشباب، والرجوع إليهم في ما لديهم من قضايا. أمّا الفارق بين الحال اليوم، وبين ما كان عليه أمس، فهو أنّ الاتصال بالشباب، خاصّة الجامعيّين، لم يكن حينذاك على هذا النحو. ولذلك، بات لا بد منه. أمّا في الوقت الحاضر، فأُتيحت قناة للاتصال بالشباب. الكثير من علماء الدين والفضلاء من الشباب على اتصال بفئات الشباب، ويبحثون قضاياهم، ويتابعون شؤونهم، وكثيراً ما يرى المرء ويسمع منهم أفعالاً وكلمات قيّمة. لهذا، لا أرى اليوم ضرورة لتسمية أحد لمثل هذه السِمَة، وإن ما استدعت الضرورة ذلك في موقع ما، فلا مانع[1].

 


[1]  لقاء مع الشباب 2/2/1999م.

 

50


37

القائد (دام ظله) والشباب

ثلاث نصائح للشّباب

أدرك الشباب الإيرانيّون قبل الثورة طبيعة المهمّات الملقاة على عاتقهم في ضوء التوعية التي كان ينشرها المثقّفون بشأن إقامة حكومة إسلاميّة، ما جعلهم يبذلون جهودهم في سبيل انتصار الثورة. وفي ما بعد انتصار الثورة، انصبّت جهودهم على حفظ الثورة حينما نشبت الحرب وغيرها من القضايا الأخرى، واستطاعوا إنجاز مهمّاتهم على ما يرام. اليوم، تدور في ذهني وفي أذهان أمثالي من الحريصين على الثورة ومستقبلها والمكتسبات التي تحقّقت بفضل دماء آلاف الشهداء هواجسُ حول كيفيّة معرفة هذه المنعطفات، وكيفيّة التصدّي لها، وكيفيّة الاستعداد لتخطّيها؟ نرجو منكم بصفتكم أباً عطوفاً الإدلاء بنصائحكم لنا في هذا المجال.

- أنصحُكُم بهذه

كما أشرتم، ستواجهون في السنوات المقبلة وجميع مراحل أعماركم، التي أسأل الله أن يطيلها، قضايا كثيرة. إنّ كلّ إنسان حيّ وفعّال يواجه قضايا كثيرة، ولكن هل ستكون قضايا السنوات المقبلة أصعب أو أسهل ممّا مرَّ علينا في السنوات الماضية؟ هذا ما لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن القول إنّ قضايا السنوات المقبلة ستكون أصعب ممّا مرّ علينا في الماضية، لكن ما نستطيع توصيتكم به هو:

 

51


38

القائد (دام ظله) والشباب

أوّلاً: يجب على الشابّ أن يشعر بالمسؤوليّة، ويرى نفسه شخصاً مسؤولاً، وعليه أن يشقّ طريقه في الحياة، ولا يكون كريشة في مهبّ رياح الأحداث.

ثانياً: عليه أن يتحرّك في حياته بهدي الإيمان؛ لأنّ للإيمان دوراً كبيراً في تقدّمه في الميادين كافّة، وفي كلّ ما يعترض سبيله من عقبات.

ثالثاً: أن يكون على وعي وبصيرة من أمره.

إذا وُجدت هذه الخصال الثلاث لدى الشباب، وهذا ليس سهلاً طبعاً، لكنّه ممكن إلى حدّ كبير. أعتقد أنّ الواحد منهم يصير قادراً على ضمان صحّة موقفه على الرغم من التطورات كافّة في العالم؛ من تقدّم في مجال الاتصالات، وظهور حضارات جديدة، وزوال قوى كبرى من خريطة العالم، وبروز أخرى جديدة... وسواء أكانت إيران تعيش تحدّيات اقتصاديّة وسياسيّة شتّى مع الآخرين، أم لم تكن. إذاً، حاولوا غرسَ هذه الخصال الثلاث في نفوسكم. ومن الطبيعيّ أن المساعي لا تأتي كلّها بمستوى واحد، ولا تعطي ثمارها على قدر واحد، ولكن لا بُدّ أن ينال كلّ من يسعى حظّاً من النجاح.

إنّ الشعور بالمسؤوليّة الذي أتحدّث عنه هو ما يكون مقابل حالة التسيّب التي تطبع حياة بعض الشباب، وتجعلهم في موقف اللامبالاة إزاء قضايا الحياة، وهذا التسيّب هو أكبر بلاء يحلّ بروح الشباب. أمّا الشعور بالمسؤوليّة، فمعناه التخلّي عن حالة التسيّب.

 

 

52

 


39

القائد (دام ظله) والشباب

وأمّا الإيمان، فيعني أن يدخل المرء إلى معترك الحياة وقلبه مفعمٌ بالإيمان. عليكم تقوية وازع الإيمان في قلوبكم. إنّ قلوبكم -بحمد الله- طاهرة ونقيّة، ويشعر المرء بالإيمان الذي يشعّ منها، ولكن في الوقت نفسه يجب عليكم السعي لترسيخ هذا الوازع الإيمانيّ لكيلا يتزعزع عند الزلازل. يمكن تقويته الإيمان بقراءة كلّ ما هو جيّد، والاستعانة بالأشخاص العظماء والأساتذة الصّالحين.

أخيراً، أوجِدوا في نفوسكم البصيرة والقدرة على التحليل لتكوين صورة شاملة في أذهانكم عن الوقائع الاجتماعيّة، فإنّ لقدرة التحليل أهمّيّة فائقة. إنّ كلّ ما تعرضنا له نحن المسلمين من نكبات جاء بسبب ضعف قدرتنا على التحليل، وهذا سبب الضربات التي لحقت بنا في صدر الإسلام والمراحل اللاحقة. لهذه الظاهرة تفسيرات وتصوّرات كثيرة. فلا تدعوا العدوّ يستغلّ فقدان البصيرة والوعي لدينا ويظهر لنا الحقائق معكوسةً.

- إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

لقد انتهت أسئلتكم، ولكن ما دام الاجتماع لم ينتهِ بعد، أُشير إلى أنّ أيّاً منكم لم يسألني عن الصلاة، ولم يُشر إليها. إنّني ليؤسفني أن ينتهي هذا الاجتماع دون أيّ ذكر للصلاة. اعلموا، يا أعزّائي، أنّ الإنسان عرضة دوماً للوقوع في أخطاء شتّى، ولا بُدّ للإنسان صغيراً كان أم كبيراً، شابّاً أم شيخاً، أن يرتكب خطأ أو يحدث منه ذلك سهواً،

 

 

53


40

القائد (دام ظله) والشباب

أو يقترف ذنباً ما. وإذا أراد المرء شقّ طريقه بنجاح في الحياة، يمكن للصلاة أن تكون بمنزلة تعويض له عن تلك الحالة.

ثمّة آية قرآنيّة شريفة: ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ﴾[1]. الصلاة تزيح الظلمات وتذهب السيئات وتمحو أثر الذنوب من القلب. فالإنسان قد يتلوّث بالمعاصي، وتُغلّ يداه بأغلال الذنوب، لكنّ التمسّك بالصلاة يُبقي على هذا النّور في وجود الإنسان، ولا يسمح للمعاصي بالتغلغل إلى أعماق النفس.

أرجو منكم أن تنظروا إلى الصلاة نظرة جادّة. من الطبيعيّ أنكم جميعاً من المواظبين على الصلاة، ولكن المطلوب منكم هو الخروج بالصلاة من حالة الكسل والخمول. إذا لم نخرج الصلاة من حالة التّرديد الببغاوي، تصير مدعاة للكسل؛ بمعنى أنّ المرء ينهض ويتوضّأ ويؤدي عملاً لا يدري ما هو، لكن لو تأمّلتم معاني كلمات الصلاة، لوجدتموها لا تستجلب الكسل، بل تغرس في النفس حوافز الشوق والرغبة، وتحثّ الإنسان على المسارعة نحو أداء الصلاة، ويتحقّق عند ذلك معنى «حيّ على الصلاة».

 


[1]  سورة هود، الآية 114.

 

 

54


41

القائد (دام ظله) والشباب

إنّي لا أطلب منكم معرفة معاني الصلاةكلّها؛ لأنّ هذا العمل من شأن الخواصّ وأخصّ الخواص، وقد لا يتسنّى حتّى لنا فهمها على هذا النحو، ولكن يجب على الأقلّ أداء قسم من الصلاة بالتفات، وحضور قلب؛ بمعنى التوجّه إلى مَن تخاطبون، والانتباه إلى معاني الكلمات التي تخاطبونه بها[1].

 


[1]  لقاء مع الشباب 2/2/1999م.

 

55


42

القائد (دام ظله) والشباب

طلب نصيحة

قائدي العزيز، أطلب منكم نصحيةً[1].

كونك شابّاً، ثمّة فيك نقطة قوّة ونقطة ضعف أيضاً. نقطة الضعف هي أنّك لم تشهد الأحداث الصعبة من قبل، وأنت تواجهها لأوّل مرّة، فتكون لك عجيبة، وأحياناً رهيبةن وتصير سبباً لاضطرابك، لكنّك -إن شاء الله- عندما تتقدّم في العمر بضع سنوات، ستُصادفك مثل هذه المواقف، وتعلم أنّ الأمر ليس كما ظننت، وأنّ في كلّ مجتمع أفراداً سيّئين وآخرين صالحين بين مسؤولي الدولة، وبين الناس العاديّين. الناس من ناحية الأخلاق ليسوا سواسية، فهناك مِن حولك أشخاص ينهونك عن الكذب وهم عنه منتهون بالفعل؛ يعني أنّهم لا يكذبون. فلا بدّ من رؤية هؤلاء أيضاً، فهم الجوانب المُشْرقة في الحياة والمجتمع، وهكذا سائر الأمور.

هناك أفرادٌ سيّئون أيضاً، فإذا رأيت الأشخاص السيّئين في المجتمع، لزم عليكَ أمران، وهما مرتبطان بنقطة قوّتك لكونك شابّاً، وهذا موضع النشاط والحماسة والطاقة والقدرة على فعل أيّ عمل تريده؛ الأوّل: أن تَرْجع إلى

 

 


[1]  اختُصر السؤال، فقد قرأ السائل بعض الأشعار الفارسيّة التي تشير إلى العقبات والمشكلات الاجتماعيّة.

 

 

56


43

القائد (دام ظله) والشباب

نفسك بصدق، لا أن تتظاهر بذلك، ولا من أجل أن يَظنّ الآخرون أنّك كذلك، بل أن تفعل ذلك بينك وبين الله، فتُقيّم نفسك، فترى إن كان هذا العيب فيكَ أم لا؛ إن كان فيك، فاعزِم بجِدٍّ على إصلاحه لو تدريجيّاً، وإن لم يحدث ذلك دفعةً واحدة. اصنع قائمة بأسوأ الصفات وأبشعها التي رأيتَها في الآخرين وعرفتَها في نفسك، ولا تُطلع عليها أحداً، ثمّ اجهَد أن تمحو إحداها مرّة كلّ مدّة. فأنتَ شابٌّ وتستطيع أن تفعل هذا العمل بسهولة وبأسلوب جيّد جدّاً. أعرف أشخاصاً بنوا أنفسهم بأنفسهم، وكانوا يقومون على هذا العمل بالفعل؛ إذ عندهم نقاط ضعف مختلفة، سلوكيّة وشخصيّة، فكانوا يدوّنونها. مثلاً، يُقال في علم النفس: إذا أراد الإنسان الخجول أن يتخلّص من خجله، عليه أن يفعل أموراً معيّنة، وكذلك بالنسبة إلى الخصوصيّات الأخلاقيّة؛ أي تلك الأمور التي تعذّبك وتعذّب كلّ إنسان سليم.

أمّا العمل الثاني، فهو أن تسعى في سَوق المجتمع إلى الجهة الأخرى. الكلام مفيدٌ في بعض المقامات؛ إذ ينبغي للإنسان أن يتكلّم لتنوير ذهن شخص أو من أجل إحقاق حقّ ما، وإلّا فإنّ كثرة الكلام ومراكمته والقلّة في تحرّي الدقّة فيه؛ إذ لا يميّز الدقيق والكامل والجامع والمانع منه، كلّها لا تنفع في إنجاز أيّ عمل. هذا هو دورك. يجب أن تتجلّى براعة الاستفادة من شبابك هنا في أن يتحقّق هذان الأمران تلقائيّاً بمجرّد أن ترى أمراً سيّئاً: أن تجعل محيط نفسك سالماً، وأن تسعى أن تجعل المجتمع المحيط بك سالماً[1].

 

 


[1]  جلسة حواريّة مع المديرين ورؤساء تحرير النشرات الطلّابيّة الجامعيّة 23/2/1999م.

 

 

57


44

القائد (دام ظله) والشباب

معضلة النفور من الدين

تظهر في الجامعات وبين جيل الشباب، والجيل الذي نشأ في حضن هذه الثورة، معضلة النفور من الدين. في اللقاء السابق قلتم: أضفوا على النشرات طابعاً دينيّاً، وهذا مطلبٌ جيّد جدّاً، لكن ثمّة مشكلة في هذا الصدد هي أننّا حين نُدخل القضايا الدينيّة في نشراتنا، نخسر مخاطَبينا. سؤالي لحضرتكم: ما الحلّ الذي تقترحونه، وكيف نبيّن ذلك في نشراتنا؛ لكي نؤسّس لارتباط بين الدين وجيل الشباب؟

- الشباب لا ينفرون من الدين

تفضّلتم بالقول إنّ الشباب ينفرون من الدين، لكنّني لم أصل إلى هذه النتيجة. هذا لا يعني أنْ ليس بين الشباب من ينفر مَن الدين، بلى، هناك مَن ينفر، لكن لدينا اليوم كثير من الشباب الذين يؤمنون بالدين ويتقبّلونه ويطلبونه.

نعم، ثمة عددٌ منهم كما وصفتَ، وأحد أسباب ذلك يعود إلى عين ما أشرتَ إليه. يعني أن التبليغ الدينيّ لم يكن منطبقاً في بعض الأحيان مع أساليب التبليغ الصحيحة، أو أنّ هذا الشخص الذي ينفر من الدين لم يصادف دعايةً دينيّةً سليمة. فالتبليغ ليس واسع النطاق على الدوام، ومِنه ما هو محصورٌ بالزوايا والمساجد والمنتديات.

 

 

58

 


45

القائد (دام ظله) والشباب

- النفور من التكاليف أحد الأسباب

طبعاً هذا أحد الأسباب، وقد يكون له سببٌ آخر هو أنّ بعض أولئك الذين يعيشون حالة النفور من الدين يرون في التكاليف الإلهيّة عِبئاً ثقيلاً، وهؤلاء ليسوا معاندين للدّين، بمعنى أنّهم لا يبغضونه، فلو تحدّث أحدٌ إليهم قليلاً بلسان طيّب، لأَنِسَت قلوبُهم، بل ربّما أدّوا فرضَ صلاة بخشوع، لكنّهم يستثقلون التكليف ويفرّون منه، وهذه طبيعة البشر، وهي من الطبائع البشريّة التي ينبغي محاربتها. الإنسان يتهرّب من كلّ تكليف. ألا يفرّ الناس من الرياضة؟ هل الرياضة ظاهرة عامّة بين شعبنا؟ هل يمارس جميع الشعب الإيرانيّ، مَن استطاع منهم، الرياضة؟ كلّا، لا يفعلون. والرياضة ليست ديناً. فالنفور من التكاليف والأعمال الثقيلة أمرٌ قهريٌّ ناشئٌ عن طبيعة الإنسان الجسميّة. تلك الخصلة الوضيعة في الإنسان تُبعده عن قَبول التكليف قهريّاً.

- اعملوا بالشكل الصحيح والجميل

من جهة أخرى، قد تجدون بعض الناس المتديّنين العاملين بالتكاليف الدينيّة، لكنّهم ينفرون من الكلام المكرّر. حسناً، أنا العبد المتديّن في الظاهر، والعامل بالتكاليف الدينيّة، إن شاء الله، لا أطيق في بعض الأحيان سماعَ الكلام المكرّر ذي المستوى المتدنّي، الصادر عن بعض المبلّغين عبر الإذاعة أو التلفاز، أو في الحسينيّة أو أيّ مكان آخر على الرغم من أنّ صبري وطاقتي ليسا سيّئين نسبيّاً! ربّما اطّلع

 

 

59


46

القائد (دام ظله) والشباب

هذا الشابّ على نشراتكم فوجد أنّكم تحدّثتم في مسألة دينيّة قد سمعها من الإذاعة أمس، أو في الحسينيّة قبل أمس، أو من والديه. قد يرجع الأمر إلى ذلك، ولكنّ الدين الصحيح والمتين أمرٌ جذّابٌ. إنّ أكثر الإصدارات في بلدنا اليوم تعود إلى الكتب الدينيّة التي تُنشَر بمستوياتها المختلفة، فتوجد مستويات للعوامّ وللخواصّ ولأخصّ الخواص. والناس يرغبون في قراءتها، وكذلك الشباب.

أطلب منكم أن تعيدوا النظر حتماً، في مجال المطبوعات، في حُكمِكم العامّ على نفور الشباب من الدين، ولا تصرفوا النظر عن إضفاء الطابع الدينيّ على صحيفتكم وما يُنشر فيها لمجرّد تصوّركم أنّكم ستخسرون مخاطبيكم. نعم، اعملوا على إصدار صحيفتكم بالشكل الصحيح والجميل والمطلوب، وهذا رهن ذوقكم. إن تسألوني عمّا يُمكن فعله، فقد لا أكون خبيراً بهذا العمل، أو عليماً بما ينبغي أن تفعلوه، لكن انظروا في ما تقدرون عليه حقيقةً من أجل جذب القرّاء إلى نشرتكم. يمكنكم الوصول إلى هذا الهدف مثلاً بوضع عبارات شيّقة، ومواضيع دينيّة مُنتقاة. ابتعدوا عن الأعمال والأدوار المكرّرة، والشعارات الدينيّة المكرّرة التي لا تحمل أيّ معنى لمخاطبها، وقدّموا إلى الناس والشباب الجيّدَ منها.

- لتكونَ الصلاة مؤنسة

برأيي، إنّ أحد الأمور الجيّدة والمناسبة، ولعلّ مِن واجبكم، أنتم الإخوة والأخوات العاملين في الصحافة المقروءة متابعتَها، هو أن

 

 

60


47

القائد (دام ظله) والشباب

تجعلوا الشباب يستأنس بالصلاة كيفما استطعتم، كلّ بما لديه من خبرة. فالصلاة أمرٌ غايةٌ في الحُسن. لا شكّ في أنّ كلّ مَن له آصرةٌ جيّدة بالصلاة فصلاحه وديمومة صلاحه مضمونان. الآصرة الجيّدة تعني أن تكون الصلاة مؤنسة، وهذا لا يتأتّى إلّا بالالتفات إلى مضامين الصلاة وفهم معانيها. إنّ مِن أهمّ الأمور التي يجب عليكم فعلها هو تفهيم معنى الصلاة لمخاطبيكم. ولا أعني بذلك أن تنشروا ترجمة الصلاة من أوّلها إلى آخرها في عدد واحد. كلّا! خذوا مفهوماً مِن مفاهيم الصلاة. مثلاً: الركوع، القنوت، الدعاء والابتهال، اهدنا الصراط المستقيم... هناك آلاف المطالب المهمّة في الصلاة. ربّما يصير الإنسان في الستّين وقد أدّى صلواته على مدى خمسين سنة منها مثلاً، فيكتشف أنّ ثمّة أموراً جديدةً في الصلاة. الصلاة رغم ظاهرها الصغير والقصير هذا إلاّ أنّها بحرٌ واسعٌ جدّاً. اسعوا بقدر استطاعتكم لتبيين نقطة من آلاف النقاط حول هذا الموضوع في صحيفتكم[1].

 


[1]  جلسة حواريّة مع المديرين ورؤساء تحرير النشرات الطلّابيّة الجامعيّة 23/2/1999م.

 

 

61


48

القائد (دام ظله) والشباب

كيف تقيّمون أنفسكم عند الله؟

السلام عليكم، كيف تقيّمون أنفسكم عند الله تعالى؟

أرى نفسي عبداً ضعيفاً. لا أقول هذا على سبيل المجاملة، وإنّما هو واقع الأمر. أنا عبد ضعيف أُلقِيت على عاتقه مسؤوليّات كبيرة وثقيلة، وأُكرّس جهدي كلّه لتنفيذ هذه المسؤوليّات، إن شاء الله[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة أمير كبير الصناعيّة 12/3/2001م.

 

62


49

الشباب: ميزات ومؤهّلات

حياة الشابّ المسلم

ما تعريفكم للشابّ المسلم، وما ميزاته؟ كيف يمكن للشّاب أن يصل إلى أهدافه، ويختم حياته بالحسنى؟

إنّي أرى ثلاث ميزات هامّة جدّاً عند الشباب، إذا حُدِّدتْ وهُدِيَتْ نحو اتّجاه صحيح، وهي: الطاقة، والأمل، والإبداع. وهذه الميزات إذا أُرشدت بالمساعدات الثقافيّة، أتصوّر أنّه يمكن للشابّ أن يعثر على الطريق الإسلاميّ بمنتهى السهولة؛ لأنّ كلّ ما يريده الإسلام منّا هو أن نصل بإمكاناتنا إلى مرحلة الفاعليّة.

- هكذا يمكن للشابّ أن يصل إلى أهدافه، ويختم حياته بالحسنى

في الواقع، لا يمكن سلوك أيّ طريق جادّ ومهمّ بسهولة. في النهاية، إذا أراد الإنسان أن يحصل على أمر قيّم، عليه أن يُرفِق ذلك بشيء من الكدّ والسعي.

لا بأس أن أذكر لكم، أعزّائي الشباب، أنّه يوجد في القرآن نقطة أساسيّة جدّاً هي الاهتمام بـ«التقوى». عندما يريد الناس أن يصوّروا التقوى لأنفسهم، تتداعى في أذهانهم صور الصلاة والصوم والعبادة والذكر والدعاء. يمكن أن تكون جميع هذه الأعمال داخلة في التقوى،

 

65


50

الشباب: ميزات ومؤهّلات

لكن لا شيء منها هو معنى التقوى. التقوى تعني أنْ يراقب الإنسان نفسه. التقوى تعني أن يعرف الإنسان ماذا يفعل، وأن يختار كلّ حركة من حركاته بإرادة وعزم وتفكير، وذلك كالإنسان الراكب على فرس مُنقادة، وهو يمسك بيده زمام الفرس، ويعلم أين يريد الذهاب. هذه هي التقوى. أمّا من لا تقوى له، فلا يتحكّم بتصرّفاته ولا بقراراته ومستقبله. يُعبّر عن ذلك نهج البلاغة: هو شخص وضعوه على فرس جَموح، لا أنّه بنفسه ركبها. وحتّى لو ركبها، فإنّه لا يجيد الفروسيّة. صحيح أنّ الزمام بيده، لكنّه لا يعلم كيف عليه أن يركب الفرس، ولا يعلم أين سيذهب. فحيثما أخذته الفرس، سيُكون مرغماً على الذهاب، كما لا بدّ أن لا يُتوقّع له النجاة. أما عن الفرس، فهي جموح.

إذا أخذنا التقوى ضمن هذا المعنى، يمكن سلوك طريق الحياة بسهولة. طبعاً، هذا لا يعني أنّ الأمر سيكون سهلاً جدّاً، بل سيغدو ممكناً أن يجد الشاب النّهج الإسلاميّ للحياة بشكل عمليّ. إذا كان مؤمناً، ماذا سيفعل؟ سيُفكّر في كلّ عمل: في هذه الخطوة، وهذه الكلمة، وهذه الصداقة، وهذا الدرس، وهذا الفهم للأمور... هل هو صحيح أو لا. ما إن يفكّر: هل هذا الأمر صحيح أم لا؟ تتحقّق التقوى. حتّى إذا لم يكن متديّناً وكانت عنده هذه الحالة، ستقوده بدورها إلى الدين. يقول تعالى: ﴿هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾[1]. لم يقل: «هدىً للمؤمنين»،

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 2.

 

 

66


51

الشباب: ميزات ومؤهّلات

بل ﴿هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾؛ يعني حتّى وإنْ كان هناك شخص ليس له دين لكن لديه تقوى، إذ يمكن ألّا يكون للإنسان دين، لكنْ له تقوى بذاك المعنى الذي ذكرته، فإنه سيتلقّى الهداية من القرآن، ويصير مؤمناً. أما إن لم يكن للمؤمن تقوى، فإنّه يُحتمل ألّا يبقى ثابتاً على إيمانه أيضاً، فالأمر منوط بمقدار ما له من حظّ: إذا كان يعيش في بيئة جيّدة، سيبقى على إيمانه، وإذا لم يكن في بيئة جيّدة، لن يبقى عليه.

خلال الحرب التي لم يشهد الشباب -مع الأسف- مظاهر سموّها، كان شباب الثمانية عشرة والعشرين، من حيث اللطافة والصفاء المعنويّ، إلى درجةِ العارفِ الذي قضى أربعين عاماً في طريق السلوك إلى الله تعالى. كان يشعر الإنسان بذلك في وجودهم. وأيضاً لم يكونوا قلّة، بل عددهم كبيراً. في تلك الأوقات، عندما كنت أقابل مثل هؤلاء الشبّان، كنت أشعر بالخضوع الحقيقيّ، ولا أقصد هنا التواضع. لقد رأيتم كيف أنّ الإنسان عندما يقابل شخصاً عظيماً ويرى كمالاته، يدرك مدى ضعف نفسه. هذا هو الإحساس الذي كُنتُ أشهده وأجده في نفسي أمام شابّ تعبويّ وشابّ مجاهد. هكذا كانت تلك الأجواء التي بإمكانها أن تحوّل شابّاً عاديّاً بهذا النحو.

أنتم تعلمون كيف هم الشباب في العالم، فِرَق «الراب» وغيرها، والآلاف من أنواع المصائب الفكريّة والأخلاقيّة الأخرى. إنّ شباب العالم مصابون حقيقةً بشتّى أنواع البلايا. فِرَق «الراب» والفِرَق الموجودة

 

67


52

الشباب والقضايا الثقافيّة

الآن كانت حاضرة في عصرنا أيضاً. آنذاك، كانت فرقة «البيتلز»[1] مشهورة، وقد سمعت الآن أنّهم صاروا شيوخاً. قرأت قبل حين في مجلة أجنبية سيرة حياتهم، وأين غدا كلّ واحد منهم، وماذا يفعل. تلك المعضلات الروحيّة والعقد النفسيّة تجرّهم إلى السقوط في تلك الوديان. أمّا أولئك الذين يقلّدونهم في الدول المتخلّفة والنائية، أفلا يدركون أيّ أمراض اُبتلي بها هؤلاء التعساء؟ يخالون الأمر تقدّماً وهو سقوط وانحطاط. بينما كان العالم مبتلى بمثل هذه الأوضاع، كانت تلك حال شبابنا[2].

 

 


[1]  The Beatles: فرقة روك غنائية بريطانية تشكلت عام 1960.

[2]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

68

 


53

الشباب: ميزات ومؤهّلات

هل يمكننا أن نقتديَ بالسيّدة الزهراء (عليها السلام)؟

كيف لنا نحن الطالبات الجامعيّات أن نقتدي بحياة السيّدة الزّهراء (عليها السلام)؟ مَن كان قدوتكم أثناء الشباب؟

إنّ العثور على القدوة ليس أمراً صعباً بالنسبة إلى الشباب المسلمين، خاصّة أولئك المطّلعين على حياة الأئمّة وآل الرّسول ومسلمي صدر الإسلام، والنماذج ليست بقليلة.

- السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

سأتحدّث بضع كلمات حول الوجود المقدس للسيّدة فاطمة الزّهراء(عليها السلام) لعلّ هذا يكون مقدّمة لِما يتعلّق بسائر الأئمّة والعظماء، لعلّكم تتمكّنون من التأمّل.

أختي العزيزة، بصفتكِ سيّدةً تعيش في عصر التطوّر العلميّ والصناعيّ والتكنولوجيّ، وفي هذا العالم الكبير والحضارة المادّيّة وهذه الظواهر الجديدة، في أيّ قطاع تتوقّعين من قدوتك التي كانت -مثلاً- تعيش قبل ألف وأربعمئة عام أن يكون لها وضع يشابه وضعك الآن حتّى تقتدي بها؟ هل تفترضين -مثلاً- أن تري كيف كانت تذهب إلى

 

69


54

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الجامعة، أو مثلاً كيف كانت تُفكّر في قضايا السياسة العالميّة؟ ليست المسألة هكذا طبعاً.

ثمّة خصائص أساسيّة في شخصيّة كلّ إنسان يجب تحديدها، والبحث عن القدوة فيها. افترضي مثلاً القضايا المتعلّقة بالوقائع المحيطة بالإنسان، وكيفيّة تعامله معها. هذه الوقائع المحيطة نفسها قد تتعلّق في حينٍ ما بمرحلة يوجد فيها قطار الأنفاق، والطائرات النفّاثة، والحاسوب، وقد تتعلّق في حين آخر بمرحلة لا يوجد فيها هذه الأشياء.

يمكن للإنسان أن يتعامل مع هذه المسألة بمسارين: بمسؤوليّة، أو بقلّة اكتراث. والتعامل بمسؤوليّة على أنواع وأقسام: بأيّ روحيّة، وبأيّ رؤية نحو المستقبل. يجب على الإنسان أن يبحث عن هذه الخطوط الأساسيّة في الشخص الذي يعتقد أنّ بإمكانه أن يكون قدوته، وأن يتّبع تلك الخطوط.

مسؤوليّة بعمر الورد

لاحظوا -مثلاً- أنّ السيّدة الزّهراء(عليها السلام) كانت في السادسة أو السابعة، بسبب اختلاف روايات تاريخ ولادتها (عليها السلام)، عندما وقع الحصار في شِعب أبي طالب. كان الحصار في شِعب أبي طالب مرحلة عصيبة جدّاً في تاريخ صدر الإسلام، بمعنى أنّ الدعوة العلنيّة للرّسول كانت قد بدأت، وأهل مكّة، خاصّة الشباب والموالي، باتوا يؤمنون

 

 

70


55

الشباب: ميزات ومؤهّلات

تدريجيّاً بالرّسول، في حين رأى زعماء الطواغيت، من قبيل أبي لهب وأبي جهل وآخرين، أنّه لا حيلة لهم إلاّ إخراج الرّسول وجميع مَن حوله مِن مكّة، وهذا ما فعلوه. أخرجوا عدداً كبيراً منهم يبلغ عشرات الأُسر بينهم الرّسول وآله من الصغار والكبار وأبو طالب -أيضاً- رغم أنّه من زعماء مكّة، أخرجوهم جميعاً. خرج هؤلاء، لكن إلى أين يذهبون؟ صادف أن كان لأبي طالب في بقعة قرب مكّة، على بُعد بضعة كيلومترات فرضاً، أرض اسمها «شِعب أبي طالب». الشِّعب هو فجوة بين جبلين، وهو وادٍ صغير. كان لأبي طالب شِعب، فقال الرّسول f ومَن معه: فلنذهب هناك. تخيّلوا الأمر، في مكّة الجو حارّ جدّاً نهاراً، وبارد للغاية ليلاً؛ أي أنّ الوضع لا يمكن تحمّله. لقد عاش هؤلاء ثلاث سنوات في هذه الصحراء. كم جاعوا، وكم تعذّبوا... الله يعلم. كانت إحدى المراحل الصعبة على الرّسول هي في ذاك المكان. لم تكن مسؤوليّة الرّسول في تلك المرحلة مسؤوليّة القيادة فقط، بمعنى إدارة مجموعة، بل عليه أن يتمكّن من الدفاع عن موقفه مع أولئك الذين عانوا من المِحنة.

أنتم تعلمون أنّه عندما تكون الأوضاع جيّدة، يكون الذين التفّوا حول القائد جميعهم راضين عن الأوضاع، ويقولون: رحم الله والديه أن أوصلنا إلى هذه الأوضاع الحسنة. وعندما تعرض المشكلات والصِعاب، ينتاب الجميع الشكّ، ويقولون: هو مَن أوصلنا إلى ما نحن فيه... نحن لم نكن نريد أن نُبتلى بهذا الوضع.

 

71


56

الشباب: ميزات ومؤهّلات

طبعاً، إنّ الإيمان القويّ يبقى صامداً، لكن في النهاية تُلقي جميع المشقّات بثقلها على عاتق الرّسول. أثناء ذلك، وعندما بلغ الضّغط الروحيّ على الرّسول غايته، فارق الحياة في أسبوع واحد أبو طالب، الذي كان يُعدّ ظهير الرّسول وأمله، وخديجة الكبرى التي تُعدّ -أيضاً- أعظم مدد روحي للرّسول. حدثٌ غريب جدّاً أنّ يغدو الرّسول وحيداً.

في هذه الظروف، كانت فاطمة الزّهراء (عليها السلام) الأمّ والمستشار والممرّضة للرّسول. حينها قال الرسول f: «فاطمة أمّ أبيها». تتعلّق هذه المقولة حين كانت ابنة السنوات الستّ أو السبع تتصرّف بذاك النحو. هذا شعورٌ بالمسؤوليّة. أَلا يمكن أن يكون هذا قدوة لشابّ، فيشعر مبكّراً بالمسؤوليّة تجاه القضايا التي حوله، ويشعر بالنشاط، وينفق رأسماله العظيم من ذاك النّشاط الموجود فيه؛ لينفض غبار الحزن والغمّ عن وجه أب مضى، مثلاً، خمسون عاماً من عمره، وصار شيخاً تقريباً. ألا يمكن أن يكون هذا قدوة لشابّ؟ هذا مهمّ جدّاً.

حُسن التبعُّل

قد يظنّ الإنسان أحياناً أنّ التبعُّل هو أن تطهو المرأة الطعام في المطبخ، وتنظّف البيت، وأن تضع، كما كانوا يفعلون في الماضي، المِفْرَش حين يأتي الزوج من مكان عمله أو من محلّه. إنّ التبعُّل ليس هذا فقط! لاحظوا كيف كان تبعّل فاطمة الزّهراء (عليها السلام) طوال الأعوام العشر التي كان فيها الرّسول في المدينة. كان أمير المؤمنين والسيّدة

 

 

72


57

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الزّهراء (عليها السلام) زوجين نحو تسع سنوات منها، وقعت خلالها حروب كبيرة وصغيرة، وقع نحو ستّين حرباً، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشاركاً في غالبيّتها. لاحظوا: كانت (عليها السلام)سيّدة جالسة في بيتها وزوجها يذهب إلى الجبهة باستمرار؛ لأنّ عدم تواجده سيعوق حركة الجبهة، فأمور الجبهة متوقّفة عليه إلى هذه الدرجة. وكذلك أمور معيشتهم لم تكن كما يُرام؛ أي كما سمعنا: ﴿وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينا
وَيَتِيما وَأَسِيرًا﴾[1]؛ أي معيشتهم فقيرة محضة رغم أنّها (عليها السلام)ابنة القائد وابنة الرّسول أيضاً.

لاحظوا كم تحتاج المرأة إلى روحيّة قويّة حتّى تتمكن من ترتيب أمور هذا الزوج، أن تجعل قلب زوجها خالياً من هواجس الأهل والأولاد وتعلّقات الحياة، أن تمنحه راحة البال، وأن تربّي أبناءها على ذاك النحو الجيّد الذي ربّتهم عليه.

لقد أدارت المنزل ودبّرته على هذا النحو، وكان تبعّلها بتلك الطريقة. وبهذا، غدت محور حياة الأسرة الخالدة في التاريخ. أَلا يمكن لهذه الخِصال أن تكون قدوة لفتاة شابّة ولربّة منزل أو لمُشرفة على إدارة المنزل! هذه أمور مهمّة جدّاً.

 

 


[1]  سورة الإنسان، الآية 8.

 

 

73


58

الشباب: ميزات ومؤهّلات

ثمّ عقب الوقائع التي جرت بُعيد وفاة الرّسول، كان مجيئها إلى المسجد وإلقاؤها تلك الخطبة المُدهشة أمراً عجيباً جدّاً! إنّ أمثالنا -نحن أهلَ الخطابة وأهلَ الكلام الارتجاليّ- نفهم كم هي عظيمة تلك الخطبة! شابّة تأتي إلى المسجد مع ما حلّ بها من مصائب ومشقّات، وتخطب بالحجاب أمام الحشود الغفيرة، ثمّ تُخلّد كلمات تلك الخطبة كلمة بكلمة في التاريخ! ذاك الشيء الذي يَحتفظ به التاريخ في جوفه، ويشعر كلّ إنسان بالخضوع عندما ينظر إليه بعد ألف وأربعمئة عام، إنّما يدلّ على عظمة. أنا أعتقد أن في هذا أُسوة لفتاة شابّة.

- الإمام الجواد (عليه السلام)

إنّ حياة الإمام الجواد (عليه السلام) هي قدوة أيضاً. لقد فارق الإمام الجواد (عليه السلام) الحياة في الخامسة والعشرين من عمره، وهو إمام بجميع تلك المقامات، وإمام بتلك العظمة كلّها؛ وهذا ما ينقله التاريخ الذي كتبه غيرُ الشيعة. لقد كان لذاك الإمام الهُمام في عمر الشباب والصبا والطفولة هيبة في نظر المأمون وأنظار الجميع. هذه أمور مهمّة جدّاً، ويمكن لها أن تكون أُسوة لنا.

- الإمام الخمينيّ (قدس سره) والتعبويّون

الإمام الخمينيّ (قدس سره) هو قدوة أيضاً، وكذلك شبابنا التعبويّون قدوة، سواء الذين استشهدوا منهم أم الذين هم اليوم أحياء.

 

 

74

 

 


59

مقدّمة

ثمّ عقب الوقائع التي جرت بُعيد وفاة الرّسول، كان مجيئها إلى المسجد وإلقاؤها تلك الخطبة المُدهشة أمراً عجيباً جدّاً! إنّ أمثالنا -نحن أهلَ الخطابة وأهلَ الكلام الارتجاليّ- نفهم كم هي عظيمة تلك الخطبة! شابّة تأتي إلى المسجد مع ما حلّ بها من مصائب ومشقّات، وتخطب بالحجاب أمام الحشود الغفيرة، ثمّ تُخلّد كلمات تلك الخطبة كلمة بكلمة في التاريخ! ذاك الشيء الذي يَحتفظ به التاريخ في جوفه، ويشعر كلّ إنسان بالخضوع عندما ينظر إليه بعد ألف وأربعمئة عام، إنّما يدلّ على عظمة. أنا أعتقد أن في هذا أُسوة لفتاة شابّة.

 

- الإمام الجواد (عليه السلام)

إنّ حياة الإمام الجواد (عليه السلام) هي قدوة أيضاً. لقد فارق الإمام الجواد (عليه السلام) الحياة في الخامسة والعشرين من عمره، وهو إمام بجميع تلك المقامات، وإمام بتلك العظمة كلّها؛ وهذا ما ينقله التاريخ الذي كتبه غيرُ الشيعة. لقد كان لذاك الإمام الهُمام في عمر الشباب والصبا والطفولة هيبة في نظر المأمون وأنظار الجميع. هذه أمور مهمّة جدّاً، ويمكن لها أن تكون أُسوة لنا.

 

- الإمام الخمينيّ (قدس سره) والتعبويّون

الإمام الخمينيّ (قدس سره) هو قدوة أيضاً، وكذلك شبابنا التعبويّون قدوة، سواء الذين استشهدوا منهم أم الذين هم اليوم أحياء.

 

75

 

 


60

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الميل نحو التجديد

بما أنّ السعي وراء التجديد من ميّزات البشر، وهو يتجلّى نوعاً ما في قضايا مثل المكياج والأزياء، فما رأيكم في كيفيّة التعامل معها؟ وماذا فعلت الأجهزة الحكوميّة حتّى الآن؟ هل كانوا ناجحين أم لا؟

إنّ المَيْل نحو الجمال وحبّ الجمال أمر فطريّ. أمّا مسألة المكياج والملابس وأمثال ذلك، فهي مفهوم خاصّ بأنّ الإنسان، خاصّة الشابّ، يحبّ الجمال، ويريد أن يكون جميلاً. لا إشكال في هذا؛ إنّه أمر طبيعيّ وقهريّ، كما أنّه ليس حراماً في الإسلام. المُحرّم هو الفتنة والفساد.ينبغي ألّا يُسبّب هذا الجمال والتجمّل الانحطاط والفساد في المجتمع. كيف؟ طُرقُه مُحدّدة. إنْ وجِدت علاقة غير منضبطة بين الرجل والمرأة، فإنّها ستؤدّي إلى الفساد، وإنْ تحوّل الأمر إلى شيء مُفرط للغاية وعبوديّة للموضة، فسوف يؤدّي إلى الفساد، وإن وصل هذا المفهوم من التجمّل والأناقة وما شابه ذلك إلى حدّ الشغل الشاغل للحياة، فهذا هو الانحراف والانحطاط، مثلما كان في زمن الطاغوت[1]، حين كانت تلك السيّدات النبيلات يجلسن خلف منضدة التجميل ستّ ساعات! إن كانت هذه هي الحال، فهي انحراف، لكنّ

 

 


[1]  نظام الشاه السابق.

 

76


61

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الاهتمام بأناقة الشكل والملبس، لا بقصد التباهي والتبرّج لا إشكال فيه؛ إذ التبرّج وعرض النساء أمام الرجال للإغواء والفتنة ممنوع في الإسلام.

المشكلة ليست حصراً في أنّ هذه الفتاة أو هذا الفتى ارتكب إثماً، فهذه أولى المشكلات، بل ربّما أستطيع أن أقول إنّها الأصغر، لكن يصل أثرها إلى العائلات. في الأساس هذه العلاقة غير المقيّدة وغير المشروطة هي سمّ مُهلك لبناء الأسرة؛ لأنّ العائلة تعيش بالحب. أساس بناء الأسرة هو الحبّ. إذا أُتيح حبّ الجمال وحبّ الجنس الآخر في مئة مكان آخر، فسَتضيع الركائز ودعامات الأسرة التي من شأنها أن تقويها، وستتزعزع العائلات، ومع الأسف، هذا ما عليه الوضع اليوم في الدول الغربيّة، خاصّة شمالي أوروبا وأمريكا[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

77


62

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الاهتمام بأناقة الشكل والملبس، لا بقصد التباهي والتبرّج لا إشكال فيه؛ إذ التبرّج وعرض النساء أمام الرجال للإغواء والفتنة ممنوع في الإسلام.

المشكلة ليست حصراً في أنّ هذه الفتاة أو هذا الفتى ارتكب إثماً، فهذه أولى المشكلات، بل ربّما أستطيع أن أقول إنّها الأصغر، لكن يصل أثرها إلى العائلات. في الأساس هذه العلاقة غير المقيّدة وغير المشروطة هي سمّ مُهلك لبناء الأسرة؛ لأنّ العائلة تعيش بالحب. أساس بناء الأسرة هو الحبّ. إذا أُتيح حبّ الجمال وحبّ الجنس الآخر في مئة مكان آخر، فسَتضيع الركائز ودعامات الأسرة التي من شأنها أن تقويها، وستتزعزع العائلات، ومع الأسف، هذا ما عليه الوضع اليوم في الدول الغربيّة، خاصّة شمالي أوروبا وأمريكا[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

77


62

الشباب: ميزات ومؤهّلات

التشويق والحماسة لدى الشباب

كيف يمكن للشابّ والطالب الجامعيّ، المهندس مثلاً، أن يُشبع إحساسه بالحاجة إلى التشويق والحماسة؟

إنّ الحماسة والتحدّي قد يوجدان بشكل تلقائيّ في مجال خاصّ، وتبدو فيها الحماسة بوضوح، كالرياضة التي هي حدث حماسيّ، وخاصّة كرة القدم، وكذلك الأعمال الفنّيّة أيضاً، لكن لا تختصّ الحماسة بهذه المجالات فقط. إذا استطاع الشابّ أن يعثر على المجال الذي يحبّه؛ أي أمر كان، حينها بإمكانه أن يُشبع في نفسه تلك الحاجة إلى الشعور بالحماسة والتشويق بسهولة.

على سبيل المثال، حينما كنت شابّاً، وكنت ألبس زيّ طلّاب العلوم الدينيّة، وقد كان هناك حدود تتعلّق بالزيّ وأخرى بالمحيط، مع ذلك كان لديّ هذا الشعور، وكان يُشبع أيضاً. كيف؟ كُنت أحبّ الشِعر. قد يكون تصديق هذا الأمر صعباً جدّاً لكم. كان هناك محفل شِعر، وأربعة أصدقاء إلى خمسة يحبّون الشعر، فيجلسون معاً، ويتحدّثون ساعتين أو ثلاثاً حول الشعر وينشدونه. بالنسبة إلى الشّخص الذي يحبّ هذا الأمر، كان ذلك يُشبع روحيّة الحماسة لديه بالمقدار نفسه

 

78


63

القائد (دام ظله) والشباب

الذي يُشبع فيه هذا الإحساس لدى لاعب كرة القدم في الملعب، أو ذاك الذي يهوى متابعة المباراة. إذاً، المجالات ليست محدودة.

إذا كنتُ أقول لإخواننا: خوضوا في العمل البحثيّ، يجب أن يكون هذا العمل البحثيّ نابعاً من العشق والشوق. العمل البحثيّ الذي يُفرَض على الإنسان ويُطلب منه سيكون طبعاً عملاً جافّاً لا حماسة فيه، كما أنّه لا جدوى منه. لكن، في هذا الفرع نفسه الذي تحبّونه وترغبون فيه، وتتابعون دروسه في الجامعة، ولديكم أساتذة جيّدون أيضاً... فإذا كان إلى جواركم مشغل مجهّز أيضاً، يمكنكم أن تأخذوا إليه حصيلة أفكاركم وإبداعاتكم وتطبّقوها. وهذا أمر جيّد جدّاً.

هذا ما أريد أن أقوله: لا ينبغي أن نستحضر هذا الأمر في أذهاننا كسؤال وكأمر مقلق، ونتساءل عن كيفيّة إشباع روحيّة الحماسة لدى الشباب، كلّا؛ إن كانت ساحة الحياة مفتوحة في القطاعات المختلفة، فإنّ الشابّ نفسه سيذهب إلى حيث يحبّ أن يُشبع شعور التشويق والحماسة لديه[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

 

79


64

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الرياضة أداة لمواجهة الغزو الثقافيّ

لماذا لا توجد سياسات عامّة في الرياضة أو لا يستفاد منها كأداة قويّة ضدّ الغزو الثقافيّ؟

لا يوجد سبب يمنعنا من التنافس مع أفضل الرياضيّين في العالم في كرة القدم أو الكرة الطائرة أو ركوب الخيل أو فنون الدفاع عن النفس الفرديّة أو السباحة. إنّ سبب الوضع الحاليّ غير المقبول هو غياب التخطيط للتدريب والتطوير واستخدام التكتيكات، وهذه مشكلة.

المشكلة الثانية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشكلة السابقة، هي الافتقار إلى الجوّ المعنويّ والثقافيّ في الرياضة؛ وبمعنى آخر: لم يُبذل في البيئة الرياضيّة أيّ محاولة لإضفاء جو ثقافيّ إسلاميّ وسليم. يجب أن تكون بيئتنا الرياضيّة عفيفة. للعفّة معنى عجيب جدّاً وعريض. إنّ صحّة الإنسان وصحّة نفسه تتجلّيان في كلّ مكان؛ فيجب أن تكون بيئة الرياضة عفيفة، وألّا يكون فيها أيّ فسق وفجور أو أيّ شيء خادش للعفّة. علينا أن نخلق هذا الجوّ المعنوي-الثقافي في بيئتنا الرياضيّة، وإن صارت الحال كذلك، فسوف تتألّق رياضتنا في العالم، وتصير ألمع، وتقارع الغزو الثقافيّ. علينا أن نتمسّك بثقافتنا، وهذا عين الصواب[1].

 

 


[1]  لقاء بمناسبة أسبوع الشباب 07/04/1998م.

 

80


65

الشباب والقضايا الثقافيّة

حضور التعبئة في الجامعات

يُثير بعض الأشخاص الشُبهات حول وجود قوّات التعبئة أو التعبئة الطلّابيّة في الجامعات على أساس أنّها من المظاهر العسكريّة. فما رأي سماحتكم؟

ليس من الضرورة أن تكون التعبئة تشكيلاً عسكريّاً، بل من المؤكّد أنّها ليست كذلك. فالتعبئة تعني الشعب، ولعلّي أكون -أيضاً- عضواً في التعبئة؛ إذ إنّني لست عسكريّاً. التعبئة حاضرة في الجامعات، والمصانع، والحوزة العلميّة، والدوائر. ولا مؤاخذة على انضمام طلبة الجامعة إلى قوّات التعبئة، بل مثل هذا الانتماء يُمثّل، بلا شك، قيمة وفضيلة. لا إشكال في أن يكون الجميع ضمن التعبئة[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

81


66

القائد (دام ظله) والشباب

زواج الشباب الجامعيّين؟

ماذا أعددتم لزواج الشباب الجامعيّين؟

هذا سؤال مُهمّ، وأعتقد أنّه من المهمّات التي يجب أن تحظى باهتمام المسؤولين المعنيّين. قدّمنا في هذا الصدد توصيات كثيرة إلى المسؤولين الحكوميّين بشأن زواج الشباب، وبشأن ما يستلزمه الزواج من متطلّبات. ومن جملة ذلك قضيّة السكن؛ إذ أوصيت وزارة الإسكان منذ مدّة، وهم حاليّاً قيد اتخاذ بعض التدابير لبناء دور مؤقّتة يستأجرها المتزوّجون حديثاً. آمل توفير هذه المقدّمات لتحلّ قضيّة الزواج على نحو ما بإذن الله. أرى أنّ الحقّ لكم في هذه القضيّة[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

82


67

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الطالب الناجح

 

برأيكم، من هو الطالب الناجح؟

الطالب الناجح في رأيي هو الذي يدرس جيّداً، ويتمسّك بالأخلاق والسجايا الحسنة، ويمارس الرياضة على وجه حسن. هذه هي المعالم الثلاثة التي أراها للطالب الناجح. من المحتمل أن تكون للشابّ الناجح داخل البيت معالم أخرى، وللتاجر وللموظّف الناجح معالم غيرها؛ أمّا الطالب الناجح باعتباره طالباً، فيجب أن يتحلّى بالخصال الثلاث المذكورة[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

83


68

الشباب والقضايا الثقافيّة

استقطاب اللجان الطلّابيّة للطاقات

الجامعات خالية اليوم من التجمّعات التي يجب أن تضمّ،على حد قول سماحتكم، أربعين بالمئة من الطلّاب على أقلّ تقدير، فلماذا لا يَعرض مفكرو النظام نموذجاً لاستقطاب الطاقات وعرض النتاجات الثقافيّة فيه؟

أعتقد أنّ التجمّعات الطلّابيّة يجب ألّا تقتبس لها نموذجاً من خارج واقعها، فلا ضرورة إلى ذلك. وما أشرتُ إليه من وجوب استقطابها أربعين بالمئة من الطاقات أقصد به أنّ هذه التجمّعات الطلّابيّة الموجودة حاليّاً يجب أن تعمل على نحو فعّال حتّى يتسنّى لها استقطاب أربعين بالمئة من الطلبة على أدنى الاحتمالات. يبدو لي أنّ لديهم تقصيراً في عملهم، ولولا ذلك، لاستقطبوا مثل هذا العدد أو ربّما أكثر. مضافاً إلى التقصير هناك -أيضاً- القصور ومجانبة الصواب. أمّا النموذج المطلوب، فيجب على الطلبة أنفسهم العثور عليه[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

84


69

الشباب: ميزات ومؤهّلات

خصائص الجامعة الإسلاميّة

يُرجى من سماحتكم تقديم المزيد من المعلومات بشأن خصائص الجامعة الإسلاميّة التي تنشدونها؟

أُشير باختصار إلى أنّ الجامعة الإسلاميّة في اعتقادي هي تلك التي يكون فيها للعلم قيمة حقيقيّة. فالإنسان لا يكتسب العلم في سبيل لقمة العيش التي يحصل عليها بهذه الطريقة. لاحظوا أنّه ممّا يُروى عن رسول الله f أنّه قال: «اطلبوا العلم ولو في الصين»؛ أي إذا دعت الضرورة، يجب السفر في تلك الظروف من الحجاز إلى الصين لتكسبوا العلم. ومن الطبيعيّ أنّ النفقات باهظة جدّاً في ذلك الوقت لمَن كان يريد السفر إلى الصين على ظهر بعير أو سفينة. ومن غير الممكن بذل تلك الجهود في سبيل منفعة مادّيّة. ويُفهم من هذا أنّ للعلم في حدّ ذاته قيمة. والجامعة الإسلاميّة يجب أن تتحلّى بمثل هذه الخاصيّة.

يجب أن تصبغوا قلوبكم بحبّ العلم، وأن تروه فضيلة، وأن تسعوا وراء اكتسابه في سبيل الله، وبنيّة خالصة. كما عليكم يا أعزّائي، تهذيب أنفسكم، وغرس السجايا الأخلاقيّة في ذاتكم؛ فالعالم والباحث

 

85


70

الشباب: ميزات ومؤهّلات

والمحقّق والنابغة يمثّلون ثروة ثمينة لكلّ بلد، لكن شرط أن يكون بناء كلّ واحد من هؤلاء قائماً على ركيزة أخلاقيّة، ولدى كلّ منهم ضمير أخلاقيّ حيّ، وإلّا فلا جدوى من ذلك العلم.

أنتم على معرفة بعدد الطلبة الذين درسوا في هذه الجامعات في العهد البائد، ولا شكّ في أنّه كانت لديهم طاقات جيّدة، لكنّهم تركوا بلدهم في ما بعد، وذهبوا إلى الخارج، وصار كلّ واحد منهم يخدم دولة أجنبيّة معادية لشعبه. هم أكلوا من زاد هذا الشعب، ودرسوا في جامعاته، لكنّهم جعلوا أنفسهم خدمة للأجانب ومكثوا هناك حتّى آخر حياتهم. يعود السبب في ذلك كلّه إلى افتقاد الضمير الأخلاقيّ الحيّ[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

86


71

الشباب: ميزات ومؤهّلات

والمحقّق والنابغة يمثّلون ثروة ثمينة لكلّ بلد، لكن شرط أن يكون بناء كلّ واحد من هؤلاء قائماً على ركيزة أخلاقيّة، ولدى كلّ منهم ضمير أخلاقيّ حيّ، وإلّا فلا جدوى من ذلك العلم.

أنتم على معرفة بعدد الطلبة الذين درسوا في هذه الجامعات في العهد البائد، ولا شكّ في أنّه كانت لديهم طاقات جيّدة، لكنّهم تركوا بلدهم في ما بعد، وذهبوا إلى الخارج، وصار كلّ واحد منهم يخدم دولة أجنبيّة معادية لشعبه. هم أكلوا من زاد هذا الشعب، ودرسوا في جامعاته، لكنّهم جعلوا أنفسهم خدمة للأجانب ومكثوا هناك حتّى آخر حياتهم. يعود السبب في ذلك كلّه إلى افتقاد الضمير الأخلاقيّ الحيّ[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

86


71

الشباب والقضايا الثقافيّة

الاستفادة من الأساتذة في المسائل الفقهيّة

لو استُفيد من أساتذة العلوم الأساسيّة والفنّيّة والهندسيّة في المسائل الفقهيّة، لأدّى ذلك إلى خلق رؤية جديدة للمسائل الفقهيّة، خاصّة في مجال معرفة الله. ما رأيكم في هذا الشأن؟

بالنسبة إلى الاستفادة من الأساتذة، ومن العلوم المختلفة في البحوث الفقهيّة، بالمناسبة إنّ بحث معرفة الله بحث كلاميّ وليس فقهيّاً، هو كلام صحيح وصائب جدّاً، ومعناه الاستفادة من الاختصاصات لتشخيص المواضيع.

من النواقص الأساسيّة في الفقه الضعفُ في معرفة المواضيع؛ لأنّ الحكم الفقهيّ حكم عامّ يجب تطبيقه على الموضوع، فإذا لم يكن للفقيه معرفة بالموضوع، سيخطئ حينئذٍ في معرفة الحكم ومطابقته. كذلك الحال لمن يجهل الشؤون الاقتصاديّة، ولا يفهم معنى الاعتماد المصرفيّ، ولا الأنظمة المصرفية، فتكون النتيجة أنّه لا يفهم على وجه الدقّة حكم الربا الوارد في القرآن، وقد يفتي على نحو مغاير للواقع. هذا مثال واحد فقط، والأمثلة على هذا الموضوع كثيرة. إذاً، معرفة

 

87


72

الشباب: ميزات ومؤهّلات

الموضوع قضيّة مهمّة. وأنا أرحّب بهذه الفكرة بوصفها حسنة. والسبيل المؤدّي إلى مثل هذا العمل يكون بالاتصال بالحوزة العلميّة في قمّ[1].

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

88


73

الشباب: ميزات ومؤهّلات

ملَكة التّحليل السياسيّ

يُرجى من سماحتكم بيان الأولويّات السياسيّة والثقافيّة في الجامعات، والسبل الصحيحة التي ينبغي للحركات الطلّابيّة الإسلاميّة الثوريّة انتهاجها لبلوغ تلك الغاية.

أعتقد أنّ الأولويّات السياسيّة لا ينبغي لها اليوم تحديد المواضيع، بل يجب عليها ترسيم الأساليب؛ لأنّ المواضيع لا يوجد فيها تفاوت كبير. إنّ النقاشات السياسيّة للطلبة مفيدة في رأيي، ولكن يجب أن تكون نقاشات بحثيّة وتحليليّة وليست نقاشات شكليّة. نحن -مثلاً- نعترض على بعض الشخصيّات والأفراد الذين يطرحون مسائلهم بطريقة اعتراضيّة، لكنّنا نلاحظ أنّ طالباً جامعيّاً فجأة يُسجّل موقفاً اعتراضيّاً في اجتماع أو محفل كبير أو صغير. إن كان الاعتراض أمراً مستهجناً، فهو مستهجن في كلّ مكان. هذا يوجب على النقاشات الطلّابيّة أن تكون منفتحة ومرنة، وذات سَعة، وتتقبّل الزيادة والنقصان؛ لكي تزداد في المحصّلة قدرة التحليل السياسيّ لدى الطالب الجامعيّ. هذا هو الهدف الذي يجب أن ترمي إليه النقاشات السياسيّة لطلبة الجامعة؛ لكي تتكون لديهم قدرة على التحليل السياسيّ. هكذا ينبغي أن تكون الحال -أيضاً- فيما يتعلّق بالقضايا الثقافيّة[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

89


74

الشباب: ميزات ومؤهّلات

المشاركة في القضايا الوطنيّة والاجتماعيّة

يبدو أنّ بعض الأعمال الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في مُجتمعنا قائمة على أسس غير علميّة. وبكلّ سهولة، يمكن الحيلولة دون المشكلات أو التبذير والإسراف بإشراك الطلّاب في بعض الأمور. كيف تقيّمون دور الطلّاب الجامعيّين في مجال المشاركة الوطنيّة والاجتماعيّة؟

الطلّاب الجامعيّون هم من الفئات الحيّة والفعّالة والنشيطة، وينبغي لهم المشاركة في القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة على هذا النحو من الفعاليّة والنشاط. من الجيّد جدّاً أن يكون للطالب نشاط في الشؤون والقضايا السياسيّة للمجتمع، كالانتخابات والمسيرات والمواقف السياسيّة، خاصّة في ما يتعلق بالقضايا الدوليّة والعالميّة، فهو أمر مهمّ للغاية. أمّا قولهم إنّها قائمة على أسس غير علميّة، فمن الحسن أن تكون لها أسُس علميّة[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

90


75

الشباب: ميزات ومؤهّلات

بين الحوزة والجامعة... ماذا أختار؟

أنا طالب في السنة الثانية في إحدى الجامعات، ولدي رغبة شديدة في دراسة العلوم الإسلاميّة. ينصحني بعضهم بإكمال دراستي الجامعيّة أوّلاً ثمّ الدخول إلى الحوزة الدينيّة، فما توجيهاتكم لي في هذا الصدد؟ هل يجب أن أحصل على شهادة البكالوريوس أولاً، ثمّ أتوجه بعدها إلى الحوزة، أو أن أحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه، وأذهب من بعدها إلى الحوزة؟ أو أن أدخلها الآن؟

دخل بعض الطلبة الجامعيّين إلى الحوزة، وتابعوا الدراسة فيها، وأحرزوا مراتب ممتازة، ونجاحاً منقطع النظير. أعتقد أنّ بعضهم دخل الحوزة بعد مرحلة البكالوريوس، في حين دخلها آخرون بعد الماجستير، وآخرون يدرسون حاليّاً في الجامعة والحوزة في وقت واحد، لكن هذا العمل ينطوي على مشقّة نوعاً ما.

أمّا الأخ الذي أعرب عن رغبته في دراسة العلوم الدينيّة، فيجب عليه النظر إلى ما يتحلّى به من موهبة ورغبة ومقدرة وكفاءة؛ لأنّه لا يتيسّر الحكم على ظواهر الأمور. فأنا لم أشاهدك ظاهراً، ولا أعلم بما لديك من كفاءة. ولهذا، يبدو من غير المؤكّد أنّني أتمتّع بالصلاحية الكافية للحكم في هذا المورد. وإذا كان لديك -حقّاً- مثل هذا الشوق

 

91


76

الشباب: ميزات ومؤهّلات

والاندفاع، ولا رغبة لدَيك في الاختصاص الذي تدرسه حالياً، يمكنك من الآن ترك هذا الاختصاص والتوجّه لدراسة العلوم الدينيّة، لكن ما دمت قد نجحت في امتحان القَبول، ودخلت الجامعة، ولا بدّ من أنّك انهيت بعض الفصول الدراسيّة، من المؤسف ألّا تكمل دراستك الحاليّة. أعتقد أنّه لا بأس في إتمام دراستك والحصول على البكالوريوس كحدّ أدنى؛ أمّا إذا رأيت نفسك لا ترغب في إكمال الدراسة، لكنّك تتردّد في ذلك، فلا تتّخذ القرار حاليّاً، ودع الأمور تسير حتّى يحين وقت اتخاذ القرار النهائيّ لاحقاً[1].

 

 


[1]  لقاء مع طلّاب جامعة طهران 12/5/1998م.

 

92


77

الشباب: ميزات ومؤهّلات

النظام التعليمي والوضع في الجامعات

نعلم أنّ رسالة الجامعة الأهمّ هي التفرّغُ للمسائل العلميّة. لكن، مع الأسف، إنّ سوء إدارة الجامعات، وغياب التواصل السليم بينها وبين المجتمع، وخاصّة النظام التعليميّ الضعيف، أدّيا إلى أن نَشْهد ركوداً سيّئاً جدّاً في الجامعات، على الرغم من وجود أشخاص ذوي مواهب مُشرقة في بلدنا، فإنّ النظام التعليميّ السيّئ تسبَّب في خسارتنا هؤلاء. مضافاً إلى ذلك، نعرف أنّ للعلم في الإسلام قيمة، فما رأي سماحتكم في هذا الخصوص؟

برأيي، لا بدّ من تعزيز الجامعة علميّاً. بالطبع إنّ ما ذكرته من أنّ «الوضع العلميّ للجامعات سيّئٌ»، لا يتطابق بالكامل مع ما يصلني من تقارير صادرة عن المقامات الرسميّة وغير الرسميّة. نعم، إنْ كرّر جميعُ الحضور من الطلّاب الجامعيّين هذا الكلام وقالوا إنّ الوضع العلميّ سيّئٌ، فمن الممكن أن يكون ذلك خبراً جديداً، لكنّ أصدقاءنا مسؤولي شؤون الجامعات، من الوزراء وغيرهم، يُسلّموننا تقارير مُحصّلتها في الجملة غير سيّئة، بل جيّدة. في كلّ الأحوال، يجب أن يكون هناك سعي علميّ حثيث.

 

 

93


78

الشباب: ميزات ومؤهّلات

لقد سبق أن حضر السادة الرؤساء والأساتذة الجامعيّون مرّتين أو ثلاثاً إلى هنا، وقلت لهم أن يُفرّغوا وقت الأساتذة بعض الشيء. فالأستاذ الذي يدرّس مثلاً خمساً وثلاثين ساعةً إلى أربعين أسبوعيّاً لن يبقى له طاقة يبذلها للاهتمام بالطالب. قلنا لهم: أدّوا أي عملٍ ينأى بالأساتذة عن التدريس خارج الجامعات، كزيادة رواتبهم. يعني إذا أعطى الأستاذ الدرسَ في قاعة التدريس، ثمّ خرج وجلس في غرفته، تكون هناك فُرصة سانحة لكي تقصدوه، وتتحدّثوا إليه، وتستشيروه، وتطلبوا رأيه، فيتطوّر بذلك المستوى العلميّ في الجامعات، وينمو.

 

 

94


79

الشباب: ميزات ومؤهّلات

مساعدة طلّاب الفنون

جَميعُنا نعلم أنّ حاجات الطالب الجامعيّ تتمثّل في التعلّم واكتساب الخبرة، لكن، مع الأسف، نحن طلّاب المسرح خاصّة، وطلّاب الفنون عامّة، نواجه مشكلات وعقبات عدّة، ولا يمكننا الاستفادة من أمور كثيرة في مسيرة هذه التجربة. فما وجهة نظركم في ما يتعلّق برفع هذه المشكلات، وأيّ الحلول هي الأصلح؟

لم يسبق لي أن فكّرت في ما يُمكن أن يُقدَّم من مساعدة إلى طلّاب الفنون، لكن أعتقد أنّ لدينا حاجة ماسّة على صعيد الفنّ، ولا سيّما الفنون التمثيليّة. هذا هو الواقع فعلاً. الحقّ والإنصاف أن في بلدنا ذوي مواهب جيّدة، سواء في مجال التمثيل أو الإخراج، وجميعهم من الجيل المعاصر للثورة لا قبلها. نسبة الممثّلين السينمائيّين الجيّدين بعد الثورة وأصحاب الأعمال التلفزيونيّة وغيرها، في الحدّ الذي سنحت لي الفرصة لمشاهدته في التلفاز؛ إذ إنّ علاقتي بالسينما بسيطة، زادت عمّا كانت عليه قبل الثورة. مع أن السابقين كانوا جيّدين -أيضاً- لكن الجدد نسبتهم أكبر. هذا يدلّ على ظهور المواهب، وأنّ بإمكان الثورة أن تُوفّر بيئةً لنضج هؤلاء، وهو أمرٌ في غاية الأهمّيّة، ويدلّ على أنّنا نملك مثل هذا الفنّ. بالطبع، إنّ إنتاج فيلم لا يقتصر على التمثيل

 

 

95


80

الشباب: ميزات ومؤهّلات

والإخراج، ومن المسلّم أنّ ثمّة أشياء أخرى، لكن لدينا مواهب جيّدة جدّاً على هذين الصعيدَين، وينبغي تنميتها.لن يرقى فنّ التمثيل السينمائيّ والمسرحيّ في بلادنا إلى المستوى المطلوب إلّا أن تدخلوا، أنتم جيل الشباب الصاعد، إلى ساحة العمل الفنّي بالعقائد الصحيحة والرؤية السليمة والذوق الدينيّ.

ما دام المخرجون وكتّاب السيناريو يحاولون التمثّل بالأفلام الغربيّة تماماً، حتّى في حركات الشخصيّات، لن نصل إلى المبتغى. ومع الأسف، هذه المسألة مشهودةٌ في بعض الأفلام الإيرانيّة التي ليس لأصحابها المعرفة الكافية بالفكر الثوريّ والإسلاميّ. لقد قلت مراراً لبعض الأشخاص الفاعلين في هذا المجال إنّ هذه التعابير والكلمات والتقليدات والمقتطفات السخيفة هي للغربيين. فما دمنا غير مستقلّين، وما لم نُدخل الذوق الدينيّ والإسلاميّ والتقاليد والثقافة الإيرانيّة في أعمالنا، لن نتقدّم في هذا الطريق. أرى أنّ توفير الإمكانات أمرٌ ضروريّ. طبعاً، الشعور بالحاجة إلى الفنّ ليس حالة عامّة، كما الحال بالنسبة إلى الشعور بالحاجة إلى كلّية الطبّ؛ أي ليس الناس كلّهم يشعرون بالحاجة إلى الفنّ، وإلى مخرج جيّد، وممثّل قدير... هذه مشكلة فينا، وينبغي لكم حاليّاً، أنتم الأجيالَ الصاعدة، التحلّي بالصبر والتحمّل قليلاً ريثما يتعرّف الناس شيئاً فشيئاً إلى هذه الحاجة، فيتحسّن الوضع في كلّيّة الفنّ وسائر كليّات الفن، إن شاء الله[1].

 


[1]  جلسة حواريّة مع المديرين ورؤساء تحرير النشرات الطلّابيّة الجامعيّة 23/2/1999م.

 

96


81
من أفضل الساعات