الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
بطاقة هوية
الموضـوع: لقاء فكري حواري
العنوان الرئيسي: الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
العنوان الفرعي الأول: فلسطين ومواجهة الصهيونية في فكر الإمام الخميني قدس سره
المحاضر: الشيخ علي دعموش - مسؤول وحدة العلاقات الخارجية في حزب الله
العنوان الفرعي الثاني: مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره -مواجهة الاستكبار نموذجاً
المحاضر: الدكتور جورج جبور - أستاذ العلوم السياسية والعرقات الدولية في الجامعة البنانية
مقدم الندوة: الحاج محمد شري
منظم الندوة: مركز الإمام الخميني الثقافي- بيروت
المداخلة: الدكتور الحاج علي فياض
مدير المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق
3
1
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
كلمة مقدم الندوة
الحاج محمد شري
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
نرحب بالسادة العلماء، أصحاب الفضيلة والسماحة، الإخوة والأخوات الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد امتد زمن خطاب الإمام الخميني قدس سره عن فلسطين ما يقارب الأربعين عاماً، ومضى عليه أكثر من نصف قرن، والمدهش أن هذا الخطاب عندما نقرأه اليوم يبدو وكأنه خطاب اللحظة، وخطاب الحاضر، وخطاب الواقع، كلمات الإمام الخميني حاضرة، هي شعارات حفظها المسلمون في أقطار الأرض، أميركا الشيطان الأكبر، إسرائيل الغدة السرطانية التي يجب أن تزول من الوجود، أعاد الإمام الخميني إلى أذهاننا تعابير القرآن الكريم التي كانت قد استُبعِدَت من ساحة الصراع، ومن ساحة الفكر السياسي المعاصر، فأضحت هي تتحرك في قلوب المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها، وأضحى الإسلام وتعابير الإسلام وفكر الإسلام المحرك الرئيسي لشعوب المنطقة العربية والإسلامية، والقلب منها فلسطين.
إن أميركا تقف على رأس قائمة المجرمين، أميركا هي الأساس، ولو لم تكن لأميركا يدٌ في ذلك- كان يتحدث الإمام حينها عن
7
2
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
اجتياح لبنان- لأمكنها ردع إسرائيل، إلا أن أميركا هي الأساس، وهذه الضربات التي يتلقاها المسلمون اليوم إنما هي من أميركا، وهؤلاء المحترمون للأنظمة والحكام يدَّعون الإسلام، والوقوف إلى جانب المسلمين، ويقدمون كل ما لديهم إلى أميركا، ثم يستميحونها عذراً، أليس ذلك مؤسفاً، ألا تدعو هذه الحالة للتأسف على الشعوب والإسلام؟ ألا تلتفت الشعوب إلى ما يفعله هؤلاء؟ ولعل السؤال لا يزال مطروحاً اليوم، في هذه الندوة التي يعقدها مركز الإمام الخميني الثقافي، وفي ذكرى رحيله، يسعدنا أن نستمع إلى كلمات قيمة وطيبة يشاركنا فيها سماحة الشيخ علي دعموش والدكتور جورج حجَّار وطبعاً كلا المحاضرين غني عن التعريف، نبدأ مع سماحة الشيخ علي دعوش أولاً عن "فلسطين ومواجهة الصهيونية في فكر الإمام الخميني" فلنستمع إليه بعد الصلاة على محمد وآل محمد.
8
3
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
فلسطين ومواجهة الصهيونية في فكر الإمام الخميني
الشيخ علي دعموش1
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأعز المرسلين سيدنا وحبيبنا وطبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. السادة العلماء، إخواني وأخواتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خصائص رؤية الإمام للقضية الفلسطينية
تميَّزت رؤية الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه للقضية الفلسطينية بعدة خصائص:
الأولى: أن الصراع مع الكيان الصهيوني صراع مصيري وجودي، وليس نزاعاً سياسياً أو حدودياً، يدخل في إطار المساومات الرخيصة.
الثانية: أنه صراع عقيدي ديني بين الإسلام والصهيوينة، فالإمام أدخل البعد الإسلامي والعقائدي إلى عمق الصراع مع العدو الصهيوني، ليوسع بذلك معسكر المواجهين للصهيونية، ليشمل أكثر من مليار مسلم يؤمنون بمقتضى عقيدتهم بوجوب مواجهة الظلم والاحتلال، ونصرة المظلومين، ونجدة المسلمين المعتدى على أرضهم ومقدَّساتهم.
1- مسؤول وحدة العلاقات الخارجية في حزب الله.
9
4
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
الثالثة: أنه صراع متعدد الأطراف، فالولايات المتحدة الأمريكية والشاه وكل الحكام المستبدِّين يمثلون أهم أطرافه، وبرأي الإمام الخميني قدس سره فإن الذي أوجد إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي هي قوة الشرق والغرب، أو بتعبير آخر قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فهما اللذان صنعا هذا الوجود وعززاه وثبتاه وأكداه وقدما له الدعم السياسي والعسكري على مستوى التأسيس.
يقول قدس سره "لقد ولدت إسرائيل بفكرٍ مشترك، وتواطؤ بين الشرق والغرب من أجل استعمار الشعوب الإسلامية والقضاء عليها، واليوم فإنها مدعومة ومحمية من قبل جميع المستعمرين"
أسباب بقاء إسرائيل في رؤية الإمام الخميني قدس سره
ويرى الإمام أن بقاء إسرائيل واستمرارها ونموّها ليس بقدرتها الذاتية، وإنما يعود ذلك لعدة أسباب:
أولاً: دعم الغرب اللامحدود لهذا الكيان، وضمان تفوقه وتبنيه على المستوى السياسي من خلال استخدام أمريكا لحق الفيتو على أي قرار يدين إسرائيل أو يسيء إليها، وعلى المستوى الاقتصادي من خلال مليارات الدولارات التي تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لإسرائيل، وعلى المستوى العسكري من خلال التقديمات العسكرية المتطورة مما لا تملكه أية دولة عربية، بل مما لا يملكه مجموع الدول العربية.
يقول قدس سره: "أمريكا تعطي الإمكانيات لإسرائيل من أجل تشريد العرب والمسلمين"
10
5
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
من هنا يعتبر الإمام المقدس أن أمريكا هي السبب في بقاء إسرائيل، واستمرار وجودها في المنطقة، ويرى أن القرار الإسرائيلي هو قرارٌ أمريكيٌ مِئَة بالمِئَة.
وفي بعض الأحيان ولأجل أن تكون أمريكا مقبولة في الأوساط الإسلامية والعربية تعمد إلى المناورة السياسية، باستخدام لغتين مختلفتين، لتوحي للرأي العام أنها غير راضية عن إسرائيل، في هذا الموقف أو ذاك، ولأجل أن تبقى محافظةً على طروحاتها التي تتكلم عنها كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، تعمد إلى الأسلوب الآنف، والذي يعتبر الأمثل للحفاظ على ماء وجهها، وهو ما أشار إليه الإمام في أكثر خطاباته. فصاحبة القرار أمريكا وليست إسرائيل، والذين يقولون بأن لإسرائيل قرارها المستقل مخطئون، والقائلون بأن لكلٍ منهما مشروعه الخاص، وهناك نقاط اشتراك بينهما مخطئون أيضاً، فالصهيونية برأي الإمام وسيلة وأداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا لا يمنع أن يكون للصهاينة تأثير في القرار الأمريكي لكن أمريكا هي سيدة القرار، والصهاينة لا يستطيعون الخروج عن دائرة القرار الأمريكي.
وللإمام الراحل تعبيرات متعددة تتناول هذا الموضوع منها قوله: "إسرائيل تتبع سياسة أمريكا وتنفذ مشروعها في المنطقة، وإسرائيل هي الولد غير الشرعي لأمريكا في المنطقة" وفي موضع آخر يقول: "إسرائيل جرثومة الفساد هذه كانت دائماً قاعدة لأمريكا، وعليه فمهما حاولت أمريكا وإسرائيل رفع شعارات السلام في المنطقة فعلينا أن ندرك أنها المناورة والتكتيك".
ثانياً: اختلاف المسلمين، فإن الخلافات الحادة بين العرب
11
6
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
والمسلمين على مستوى الحكومات وداخل كل بلدٍ، والتي عملت قوى الاستكبار العالمي على تغذيتها على مدى أكثر من مائتي عام من خلال العملاء السياسيين والأمنيين النافذين في كثير من وسائل الإعلام والمؤسسات، إن مثل هذه الخلافات هي التي مزقت الأمة وشتَّتت طاقاتها وجعلتها ضعيفة أمام الصهاينة، يقول الإمام في إحدى كلماته "لو أن رؤساء الدول الإسلامية يتخلون عن خلافاتهم الداخلية، ويتعرفون على الأهداف العالية للإسلام ويميلون إلى الإسلام فإنهم لن يصبحوا أسرى وأذلاء للاستعمار".
ثالثاً: اعتماد الطرق الدبلوماسية من قبل بعض الأنظمة العربية والإسلامية، فإن من جملة بقاء إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي هو رهان العرب والمسلمين على الطرق السياسية والدبلوماسية في طريقة التعاطي مع إسرائيل لحل قضيتهم منذ سنة 1948، وما ذلك إلا بسبب تخاذلهم وعدم توكلهم على الله، وللإمام في هذا المجال كلامٌ واضح إذ يقول: "من أجل تحرير القدس يجب استعمال الرشاشات المتكلة على الإيمان وقوة الإسلام، وأن يدعوا جانباً اللعب السياسية التي تفوح منها رائحة المساومة لتبقى الدول الكبرى راضيةً، يجب على الدول الإسلامية وخصوصاً الشعب الفلسطيني واللبناني أن يتنبهوا إلى الذين يقضون أوقاتهم في المناورات السياسية، وأن لا يذهبوا تحت اللعب السياسية التي لا تعطي نتيجةً سوى الخسارة والضرر للشعب المظلوم".
رابعاً: إن عدم وجود حكومات صالحة في بلاد المسلمين، مضافاً إلى إبعاد الإسلام عن حركة الصراع، كانا سببين أيضاً لإبقاء
12
7
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
واستمرار هذا الكيان في المنطقة، ويرى قدس سره أن إبعاد الإسلام عن حركة الصراع يمثل السبب الرئيسي في استمرار وجود إسرائيل، لقناعته بعدم مؤثِرية المنطلقات الأخرى في إيجاد حركات المقاومة للعدو.
وعندما يتحدث الإمام عن مشروع إسرائيل في المنطقة، فإنه لا يتحدث عن مشروعها القاضي بالسيطرة على فلسطين وحدها، أو عن الأراضي الواقعة بين النيل والفرات، بل نراه يوسع حدود هذه الأرض لتشمل جميع الأراضي العربية ودولها، فإسرائيل الكبرى من منظار الإمام الخميني قدس سره لا حدود لها.
يقول الإمام قدس سره: "منذ سنواتٍ طوال وأنا أذكر وأحذر المسلمين دائماً في الخطب والمقالات من إسرائيل وجرائمها، ومن أن هذه الغدة السرطانية الموجودة في إحدى زوايا الدول الإسلامية لن تكتفي فقط بالقدس".
ويقول في موضعٍ آخر "يجب أن يعلم الجميع أن هدف الدول الكبرى من إقامة إسرائيل لا يقف عند حد احتلال فلسطين، إنهم يخططون لتواجه الدول العربية كلها نفس المصير الذي واجهته فلسطين".
من هنا وبرأي الإمام فإنه ليس من خيارٍ أمام العرب والمسلمين لاستعادة فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة سوى خيار المقاومة والانتفاضة، ويتضح ذلك من تحليل جميع خطب الإمام وبياناته عن إسرائيل، فالباحث لا يجد لديه أي محاولة لإدخال خيار آخر في الصراع مع الصهاينة، كالخيار الدبلوماسي التفاوضي أو الصراع السياسي أو توزيع الأدوار بين السياسة
13
8
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
والحرب، إن اللغة السائدة في الخطاب السياسي للإمام هي لغة الجهاد والمقاومة، ولا توجد لغة أخرى في خطاباته وبياناته.
وفي هذا الإطار يؤكد الإمام على أن لا يبقى ولا شبرٌ واحد من أرض فلسطين في أيدي المحتلين، بل يجب إنقاذ واستعادة فلسطين، كل فلسطين، من دنس الصهاينة، أي ما تم احتلاله سنة 1948، وما تم احتلاله سنة 1967، وبناءً عليه فليست للصهاينة أية حقوق في الأراضي الفلسطينية على حسب رأي الإمام.
من هنا لا بد من إدارة الصراع على هذا المستوى والعمل حسب رأي الإمام قدس سره على اجتثاث إسرائيل واستئصالها، بحيث لا يبقى لها وجود، وللإمام تعبيرات متعددة تتناول هدف استئصال هذا الكيان الغاصب، يقول قدس سره: "نحن لا نعترف بأي حقٍ لإسرائيل في الوجود" أو تعبير "يجب أن تزول إسرائيل من الوجود" و"يجب أن تزول جرثومة الفساد من جسد الأمة" أو تعبير "يجب استئصال الغدة السرطانية" فلا خيار غير ذلك.
وسائل مواجهة الصهيونية في نظر الإمام الخميني قدس سره
أما ما هي الوسائل لتحقيق ذلك ومواجهة الصهيونية، ففي نظر الإمام هناك عدة وسائل يمكن استخدامها لاجتثاث الكيان الغاصب إسرائيل:
أولاً: تنبيه المسلمين إلى خطر إسرائيل، والعمل على تعبئة الشعوب الإسلامية تربوياً وثقافياً وسياسياً وجهادياً في مواجهة الصهيونية، وإفهامهم أن الصراع لا يدور حول فلسطين فقط، بل حول أصل الإسلام ومستقبل الشعوب الإسلامية والعربية في
14
9
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
المنطقة، يقول قدس سره "نبهوا الناس وحذروهم من خطر إسرائيل وعملائها".
وفي هذا السياق يعتبر الإمام أن مسؤولية العلماء والمفكرين والمربين والأساتذة والإعلاميين تنبيه الأمة إلى الأخطار المحدقة بها من قبل الكيان الصهيوني، ولكي تبقى هذه القضية في عقل الأمة ووجدانها عمل الإمام على إعلان يوم عالمي للقدس، واختار هذا اليوم في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك مع ما يرمز إليه هذا اليوم من عوامل إيمانية وروحية وجهادية ومن أهمية كبيرة، وذلك ليثير في وجدانها عمق هذا الخطر وأثره على الإسلام والمسلمين والعرب.
ثانياً: وحدة الأمة وعدم التنازع وإزالة كل عوامل الفرقة والخلاف والابتعاد عن كل أشكال الفتنة، وتعزيز روح التعاون بين الشعوب الإسلامية في مواجهة هذا الكيان الذي لا يسمح لإسرائيل أن تقوى يوماً بعد يوم، فالإمام يرى أن الوحدة بين أبناء الأمة والتوكل على الله سبحانه وتعالى شرطان أساسيان لإنقاذ فلسطين ومنع الصهيونية من تحقيق أهدافها، يقول قدس سره: "أرجو من الله تعالى أن يمنَّ على إخواننا الفلسطينيين بالنجاة، كما منَّ على شعبنا بالنصر بوحدة كلمتهم فبوحدة الكلمة وبالتوكل على الله تعالى أنقذوا أنفسهم من هذه العائلة" (يعني الشعب الإيراني أنقذ نفسه من عائلة الشاه الحاكمة) كذلك فقد اشتُهِرَ عن الإمام قوله: "لو أن جميع المسلمين اتحدوا وصبَّ كل واحد منهم دلواً من الماء على إسرائيل لجرفتها السيول" واقتلعتها من الجذور أو أزالتها من الوجود.
15
10
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
ثالثاً: تركيز مفاهيم الإسلام في وجدان الأمة، كي تستطيع الأمة أن تقف في وجه العدو الصهيوني، فإنه لا بد من تركيز مفاهيم الإسلام وأحكامه في وسط الأمة ليدخل إلى عقلها وقلبها ووجدانها، فتستطيع بذلك أن تقف على أرضٍ صلبةٍ من حيث الانتماء الفكري والعقائدي، وتستطيع أن تثبت هويتها المميزة ففي مقابل أي طرحٍ فكريٍ آخر، ومن بين المفاهيم التي طرحها الإمام ليربي الأمة على أساسها، هو مفهوم الحياة العزيزة ولو اضطرت أن تحيا حياة الفقر والحرمان، ورفض حياة الذل، مقابل التمتع بحياة مادية، لأن الحر يستطيع أن يصنع الرفاه المادي في أي وقت يشاء، بينما المستعبد الذليل لا يستطيع ذلك، لأن حريته مسلوبة وكذلك عزته واستقلاله.
يقول الإمام قدس سره "أنا متأكد من أن الشعب الإيراني لا يبادل لحظة عزة واستقلال بألف سنة في النعم والدلال ولكن مع التبعية للأجانب والاستعمار".
وقال أيضاً: "يجب على الناس أن يقرروا إما الرفاه والتبذير وإما تحمل المصاعب والاستقلال، وهذه قضية تتطلب عدة سنوات، ولكنني على يقين من أن شعبنا سوف يختار الطريق الثاني الذي هو طريق الاستقلال والشرف والكرامة".
رابعاً: تأكيد مفهوم المقاومة السلبية، أي عدم الاعتراف بالكيان الغاصب، وحرمة الاعتراف ببقائه وحقِّه في الأمن، وهذا المفهوم يؤكد على رفض أي طرحٍ سياسيٍ أو أية مبادرة سياسية أو أمنية تعطي لإسرائيل حق الوجود، ويؤكد أيضاً حرمة أي نوعٍ من أنواع الإعانة أو التعامل أو التطبيع ولو بكلمة مقروءة أو مسموعة، وعلى
16
11
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
هذا الأساس نفهم مواقف الإمام من اتفاقية "كامب- ديفيد"، ومشروع فهد، ومشروع ريغان، وسائر المشاريع السياسية والأمنية التي تستهدف الحفاظ على كيان إسرائيل، ولو على جزءٍ بسيط من أرض فلسطين أو الأراضي العربية المحتلة، وقد دعا الإمام الدول العربية والإسلامية إلى المقاومة بالأساليب المختلفة، وفي حرب عام 1973 دعا أيضاً إلى عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة التي قضت بوقف إطلاق النار ضد العدو الإسرائيلي، وقال: "أنا أنصح الحكومات أن يطردوا إسرائيل الغاصبة من الدول الإسلامية، ومن الأراضي المغتصبة، وأن يدعوا العنصرية ولسان العجز الذي يدينه الإسلام ويرده".
خامساً: اعتبار قضية القدس قضية إسلامية، وقضية كل المسلمين، لا بد أن تكون المواجهة ضد العدو على مستوى الأمة، ليأخذ الصراع طابعه وشكله الإسلاميين، فلا تبقى قضية القدس قضية الشعب الفلسطيني ومشكلته وحده، ولا قضية العرب ومشكلتهم وحدهم، بل تتحول لتصبح قضية مليار مسلم.
يقول الإمام قدس سره: "يجب علينا وبكل جديةٍ أن نطرد إسرائيل، ويجب على المسلمين أن ينهضوا بأنفسهم للقضاء عليها".
سادساً: الرهان الكبير على هذه الإرادة الشعبية، والثقة بالأمة، وبقدرتها على النهوض والتغيير، وقيام شعوب المنطقة وتحالفهم في مواجهة إسرائيل، لأن هذا القيام وهذا التحالف له الدور الأساسي في عملية إزالة إسرائيل، ولو تعاونت حكومات تلك الدول مع شعوبها لزالت إسرائيل حتماً برأي الإمام.
يقول قدس سره: "يجب على الدول الإسلامية أن تتخذ موقف العداء
17
12
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
من إسرائيل المحتلة التي في يدها أسر أكثر الدول الإسلامية وأن يدافعوا بكل قوة عن فلسطين ولبنان العزيز".
سابعا: إقامة حكومات صالحة في بلاد المسلمين، لأن الإمام يعتبر أن مثل هذه الحكومات تقربنا من الهدف أكثر، لأن أكبر المشاكل التي تعانيها الشعوب هي من الحكومات الفاسدة والعميلة.
يقول قدس سره: "هذه الحكومات هي التي أوجدت المشاكل لنا ولجميع المسلمين بسبب علاقاتها مع الدول الكبرى، وبسبب عمالتها للدول الكبرى يسارية ويمينية، وإذا زالت هذه المشكلة من أمام المسلمين فإنهم سوف يصلون إلى أهدافهم وآمالهم وطريق حلَّها بيد الشعوب".
ومع بقاء هذه الحكومات تبقى الأمة مقيدة وغير قادرةً على توظيف طاقاتها من أجل تحقيق هذا الهدف، ولذلك اعتبر الإمام أنه بإسقاط الشاه وتشكيل الحكومة الإسلامية في إيران سقط أكبر حليف لإسرائيل في المنطقة، وهو الذي أضعفها سياسياً واقتصادياً بعد أن كانت تتمتع بنفوذٍ كبير في عهد الشاه، فتحول البلد من بلدٍ حليف لإسرائيل إلى بلدٍ في قمة العداء لها في عهد الثورة والجمهورية.
ثامناً: دعم المجاهدين والمقاومين، حيث يقول الإمام قدس سره: "لا تغفلوا عن تقديم المساعدات والعون للرجال المضحين الذين يناضلون في طريق تحرير فلسطين".
فلا بد في نظر الإمام من دعم كل الحركات التحررية وكل المجاهدين والمقاومين لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلى جميع المستويات، ويرى أن هذا القتال ولو مع عدم التكافؤ هو قتال
18
13
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
شرعي وواجب، ولأهمية هذا الأمر فقد أذن الإمام أن يُدفع لهؤلاء المجاهدين من الزكاة والخمس وسائر الصدقات، مع العلم أن الزكاة والخمس لا يستطيع أحدٌ أن يتصرف بها إلا بإذن الحاكم الشرعي، ولذلك أعطى الإمام الإذنَ بصرف هذه الحقوق للمجاهدين والمقاومين لإسرائيل، حتى في تلك المرحلة قبل الثورة الإسلامية مع غض النظر عن هوية هؤلاء وانتماءاتهم المذهبية والطائفية، فالمهم أن تصرف تحت هذا العنوان، ولذا أجاز إعطاءها للمنظمات الفلسطينية والفصائل المقاتلة آنذاك.
وقد أوصى الإمام بدعم الانتفاضة ومساندتها وتقديم العون لها حيث يقول: "ينبغي أن نضم صوتنا إلى صوت الشعب المظلوم المنتفض داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن نقدم الدعم العملي لتظاهراته وانتفاضته في مقابل ظلم إسرائيل، ليتغلب على هذا الغول المفترس والغاصب، والأملُ أن يستمر المظلومون في المناطق المحتلة بتظاهراتهم ونهوضهم وقيامهم ضد الصهاينة حتى يحققوا النصر".
واعتبر الإمام قدس سره أن ديمومة انتفاضة الشعب الفلسطيني وبقاءها و استمرارها أساس زوال إسرائيل، وكبح المطامع الصهيونية، وأي تراجع على هذا الصعيد أو العودة إلى التسويات المذلة ستكون نتيجتها التقهقر والعودة إلى ما كانت عليه القضية الفلسطينية والفلسطينيون من ذلٍ وهوان.
يقول الإمام قدس سره في أيام الانتفاضة الأولى: "لقد اتحدوا جميعاً من أجل منع الشعب الفلسطيني من مواصلة السير على نفس الطريق الذي سلكه الآن "في إشارة إلى الانتفاضة" وذلك عن
19
14
الإمام الخميني قدس سره الرؤية والمنهج
طريق التظاهر بالحرص على فلسطين، والتأسف على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، ولكن ليعلم الشعب الفلسطيني بأنه إذا ما تراجع خطوة واحدة عما هو عليه الآن فإنه سوف يعود ثانية إلى حالته الأولى، إن الشعب الفلسطيني يوشك أن يسحق الصهاينة، وأتمنى أن يتم ذلك.(وكأن الإمام يتحدث الآن وفي هذه المرحلة) وإذا تمسكوا بهذا المفهوم الإسلامي فعليهم عدم الإصغاء إلى الذين يتظاهرون بطلب الخير لهم أي أولئك الذين يتقنون المخادعة".
خاتمة
من هنا وعلى نهج وخط الإمام الخميني، فإننا نؤكد على ضرورة مواصلة الانتفاضة الفلسطينية والردِّ على مجازر العدو وإرهابه في القرى والمدن الفلسطينية، نعم بتنفيذ العمليات الإستشهادية ضد المحتلين الصهاينة، هذه العمليات التي يجب تثبيتها وتجذيرها في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يؤدي إلى فشل كل محاولات شارون المدعومة بضغوط متنوعة دولية وغير دولية لإخراجها من هذه المعادلة، لقد حملت العمليات الإستشهادية الأخيرة تأكيداً إضافياً على قوة وعزم المقاومة في مواجهة العدو وضربه، بالرغم من كل إجراءاته الأمنية وتهديداته، وشكَّلت أيضاً تأكيداً إضافياً على عجز كل الإجراءات الأمنية الصهيونية من السور الواقي، إلى الباب الدوار، إلى غير ذلك، بل وبالتالي عبَّرت وأكدت فشل الخيار العسكري الذي يعتمده شارون في جلب الأمن للصهاينة، وفشل هؤلاء الصهاينة في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
20
15
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
البسماركية الأميركية واستراتيجية دول محور الشر
الدكتور جورج حجار1
الحادي عشر من أيلول وحرب دمار أفغانستان
لقد أثار المشهد الرؤيوي لحدث 11 أيلول 2001 تعاطفاً عالمياً عارماً اتجاه الولايات المتحدة رغم ما لمركز التجارة الدولية والبنتاغون من آثام لا تحصى، اقترفتها ضد شعوب العالم قاطبةً، من عدوان واستغلال ونهب وإذلالٍ وغيره، وعليه جنَّد الأوروبيون ومعهم أنظمة "سايكس- بيكو" وغيرهم من الدول أنفسهم لمكافحة الإرهاب الدولي تحت لواء أمريكا، وكما صنفته أمريكا دون تساؤل، الإرهاب الذي كانت أمريكا قد نظمته ومولته ودربته مع حلفائها في الخليج وباكستان، الإرهاب الذي انقلب على صانعه واعتبر أمريكا "هبل العصر" بعد اندحار الاتحاد السوفياتي في أفغانستان 79/89 وانهيار نظامه عام 1991.
في 20/أيلول/2001 أعلن الرئيس بوش الحرب على أفغانستان، الحرب رقم 240، في 225 عاماً من حياة الجمهورية الأمريكية، هذه الدولة المسالمة؟! 240 حرباً 225 سنة التي أعلنت في الرابع من تموز 1776، وفي 28/9 حدد وزير الدفاع رامسفيلد نوعية وكيفية بناء التحالفات لمواجهة أنواع الحروب الجديدة بقوله أنها:
1- أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية.
21
16
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
"ستتطلب تحالفات عائمة بين أقطار متعددة وستتغير أنماطها حسب تطور الأحداث" وأضاف جازماً: "في هذه الحروب المهمة تحدد الائتلاف، لا الائتلاف المهمة" لا الأوروبيين فهموا معنى هذه الاستراتيجية ولا العرب ولا غيرهم وسيدفعون الثمن لذلك، الأمر الذي يعني أن لا تحالفات ثابتة لدى أمريكا في شن هذه الحروب، وأن القرار الفصل هو في أيدٍ أمريكية، وإن الأحادية النشطة كما يسمونها هم(Robust unilatenalism) هي قاعدة الانطلاق في التفكير والتخطيط والتنفيذ الأمريكي.
وفي 2 تشرين الثاني 2001 عاد رامسفيلد إلى حلبة الانتقال من عصر إلى آخر، إذ بدأ يتحدث عن التحول في تخطيط الدفاع من نموذج الخيط- القاعدة الذي يسميه استراتيجية إلى نموذج القدرات- القاعدة (The shift from thread - based model to capabilities-based model) تمشياً مع التحولات التي تتسم بها حروب القرن الحادي والعشرين، مما يعني التركيز على استنباط طرائق جديدة لمقاتلة العدو وهزيمته، العدو الذي سيعتمد على المفاجئة والتضليل والسلاح غير المتوازي ما يسمونه(A symmetric weapons) في الحرب ضد أمريكا.
وفي الحرب رقم 240، سقط نظام طالبان خلال أسابيع معدودة، من 7 تشرين الأول إلى 13 منه، عندما سقطت كابول، بعد ما اتضح لاحقاً أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخطط لإسقاطه منذ صيف العام 1998 وأن ال - "C-I-A" كانت قد اخترقت النظام، وراحت تخطط مع القبائل المتضررة للإطاحة به، فكانت إدارة كلنتون قد وضعت برنامجاً لزعزعة النظام، وكلَّفت فريقاً من
22
17
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
15 عميلاً لملاحقة بن لادن للقبض عليه أو قتله. ولتحقيق الهدفين خصص كلنتون ميزانية 200 مليون دولاراً ولكن بعد ما تبخر مركز التجارة الدولية، وضع بوش ميزانية مليار دولاراً لتحقيق نفس الهدف، ولتاريخه قد فشل وقد كشف(Bob woodward)كاتب التحقيقات الشهير عن ال - "C-I-A" أن الحكومتين الأمريكيتين كانتا قد عقدتا أكثر من 20 جلسة سرية وشبه علنية مع "الملاّ عمر" أو من يمثله للتفاهم مع النظام، وتسليم بن لادن، وكان لأحد وفود الملاّ عمر زيارة للبيت الأبيض في أواسط تموز 2001، وإهداء السيد بوش سجادة أفغانية فاخرة، وما زالت في البيت الأبيض (30/10/2001و24/12/2001 واشنطن بوست).
إعلان الحرب رقم 241 المحطة الثانية
عشية الذكرى الثالثة والعشرين للثورة الإيرانية أعلن بوش الحرب 241 على ما أسماه دول محور الشر (Axis of Evil) وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية، وكانت هذه الدول قد صُنِفت بالدول المارقة (Rogue states) واعتمدت إدارة كلنتون استراتيجية الاحتواء المزدوج (Dual Containment) لحصار النظامين العراقي والإيراني، وشرعت الولايات المتحدة قانون داماتو (D`amato) لفرض العقوبات على إيران بغية إضعاف النظام وتالياً إسقاطه.
وأثناء تلك الأيام الحرجة من خريف العام 2001، وبعد مرور عام على إدارة بوش للسلطة وبيانه عن حالة الأمة المضطربة في عرينها 29/1/2002، كان مثقفو أمريكا التابعين لتيار السلطة يعدون رسالة عصماء إلى العالم الإسلامي برعاية مؤسسة القيم الأمريكية،
23
18
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
الرسالة التي تنطلق من قاعدة التفوق وكونية القيم الأمريكية، وتُعتبر الحرب على الإرهاب حرباً عادلة وضرورة أخلاقية يجب أن تنتصر أمريكا فيها، وأن العالم الإسلامي مسؤول عن مساعدتها لإحراز النصر، وللتوقيت الاستفزازي فقد أعلنت ب - 11 شباط بينما كان الناس في إيران يحتفلون، وملايين منهم نزلوا إلى الشارع، نزلت الرسالة، وفي هذا السياق تصدى بعض مثقفين العرب لهذه الرسالة كأفراد، وكنت قد أجبت عليها برسالة عنوانها انقلاب إسلام"C-I-A" على ال - "C-I-A"، وأن أمريكا قد نالت ما تيسر من فضائلها.
أما الرد الإيراني، فيمكن اختزاله بالنظرة إلى التظاهرة الضخمة التي نظمتها إيران في 11 شباط 2002، والتي شكلت الإجابة الواضحة على تصميم الأمة الإيرانية الموحدة في مواجهة الإرهاب الأمريكي وغطرسة القوة الأمريكية الجائرة، واقتباس الرئيس رفسنجاني الذي صنف بوش "ديناصور بعقل عصفور" التصوير الخارق لشخص بوش وذهنيته، يكفي لتعرف عما يتحدث، وعمق الفهم الإيراني للتركيبة الأمريكية وذهنيتها.
فلسفة استراتيجية الضربة الوقائية
وفي الفاتح من حزيران، عشية مرور 35 عاماً على هزيمة عام 1967، الهزيمة وليس النكبة، أي الحرب الأمريكية التي شنتها إسرائيل بالنيابة لإسقاط ما سمي بتلك الفترة النظم العربية التقدمية، والتي لم يتناولها قائد عربي واحد من المحيط إلى الخليج كتابة أو تصريحاً أو مراجعة، انقلب بوش وأمام جند ال - (West Point) الأكاديمية العسكرية العليا للاستراتيجيات أو
24
19
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
للدراسات الاستراتيجية على استراتيجية نظرية الاحتواء والردع والانتقام الشامل في العلاقات الدولية التي كانت من 48/49 إلى واحد حزيران هي المبدأ العسكري الرسمي، الآن ينقلب عليها بوش، ويعتمد استراتيجية الضربة الوقائية (First Stike) (وهذه ستقلب كل المفاهيم العسكرية بالعالم) لمقاومة واستئصال الإرهاب، كما يحدده في 60 دولة، هو يحدد 60 دولة التي سيضربها وأكثر، وأضافت الإدارة الأمريكية على استنفاراتها المتواترة حلقة جديدة من الرعب بإعلان اعتقال عبد الله المهاجر، واتهامه بالإعداد لتفجير قنبلة ذرية في واشنطن 10/6/2002، وهذه قصة خرافية، وهذه كل شهر أو أكثر عندما ينخفض معدل الرأي العام من 86 إلى 90 الآن يوجد 72، كان يفتعلون ضربة من هذا النوع، لكي يرفعوا مجدداً التأييد الشعبي، وهذا أمر مهم جداً ويجب التنبه إليه.
إن هذا التحول الخطير في الإستراتيجية، يعني ضرب أي عدو يلوح في الأفق، أو قد يهدد أو يشكل خطراً ما على أمريكا ومصالحها وحلفاءها حسب نزوات القادة الأمريكيين أولاً.
ثانياً: إن الطريق إلى الطمأنينة هي طريق الفعل، طريق نقل المعركة إلى مواقع العدو، وتفكيك خططه ومواجهة التهديدات الأكثر رعباً قبل أن تتحقق عملياً.
ثالثاً: إن أمريكا ستشن الحرب على كل دولة تتسامح مع الكراهية التي تقود إلى الإرهاب، وهذا البند كما فسرته مصادر البيت الأبيض الموثوقة يعني الإشارة إلى البلدان التي لا تبشر بالملكوت الأمريكي في برامجها التعليمية، السعودية وافقت للمناسبة فالسعودية والأردن وغيرها من الدول الصديقة لأمريكا،
25
20
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
البرامج التعليمية والإسلامية، كل ما في القرآن يجب أن يزول الذي يتعلق منه بإسرائيل وغيرها، والتعليم يجب أن ينتهج النهج كالسعودية والأردن وغيرها من الدول الصديقة لأمريكا.
أما فلسفة استراتيجية الضربة الوقائية كما يعقلنها مفكرو السلطة، فإنها تعتمد على ما يسمى(The Three Silos)السلوات الثلاث، والسلوات في إطار الأمن الشامل هي: الدفاع، الوقاية، التمدد.وحرفياً معنى السلوة هي مبنى اسطواني محكم الإغلاق، ينتصب ولا يخترق، حتى ولو ضربته بالقنبلة الذرية، ونظرية الدفاع هنا تعني الدفاع عن السلام ضد الطغاة والإرهابيين، والوقاية هي السلام المبني على أساس العلاقات الجيدة بين الدول الكبرى كروسيا والصين ودول الحلف الأطلسي، والتمدد يشمل كل القارات والمجتمعات، ويترجم بتشجيع قيام مجتمعات حرة ومنفتحة على ما يسمى نظرية السوق، هذه تفسير الأسس للفكر العسكري الجديد المبني على الضربة الواقية، وهذا مع الأسف لم يتناوله أحد، وأنا آمل من مؤسسات هذا المركز ومؤسسات حزب الله أن يتصرفوا حول هذا الأمر.
بكلمة، الاستراتيجية الجديدة تهدف إلى فرض الهيمنة الأميركية بالمطلق، وتحاول أمركة العالم.
الموقف الإيراني من أمريكا
وبالعودة إلى موضوع العلاقات الأميركية- الإيرانية، نجد أن إيران قد قدمت خدمات لوجستية ضخمة لتحالف الشمال في محاولة الإطاحة بنظام طالبان، وقد رحبت أمريكا بذلك وهللَّت له،
26
21
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
ولكن سرعان ما غيرت أمريكا موقفها من طهران عندما صنفتها بدولة من دول محور الشر، في 29/1/2002 وبدأت توجه سلسلة من الاتهامات ضد إيران ومنها:
1- تهريب وبيع أسلحة للسلطة الفلسطينية.
2- تمويل وتسليح، ميليشيا أفغانية لزعزعة حكومة "حميد قرضاي" وفتح الحدود لفلول طالبان.
3- تأييد الإرهاب إقليمياً ودولياً، والمقصود نحن حزب الله واليسار العربي وشركاه.
4- محاولة الحصول على أسلحة الدمار الشامل، واختبار "شهاب 3"، وهنا ندخل في صلب الموضوع "شهاب 3" طوله 1300 كيلومتر يصل إلى تل أبيب من طهران.
5- الوقوف ضد عملية السلام في فلسطين واستقبال بعض قيادي جبهة الرفض الفلسطينية.
على خلفية المقولات التاريخية للإمام الخميني "لا شرقية ولا غربية"، ومقاتلة الاستكبار العالمي، "وأمريكا هي الشيطان الأكبر"، على هذه الخلفية العقيدية، شرعت القيادة الإيرانية مجتمعة لا فرق بين محافظ وإصلاحي للرد على التهديدات الأمريكية واتهاماتها بإعلان التعبئة العامة والاستعدادات العسكرية لتلافي خطر الهجوم الأمريكي المفاجئ، وذلك انطلاقاً من أن إيران ليست أفغانستان، للاستقواء على نظامها وإسقاطه، وأن التقارب مع العراق وهذه نقطة أساسية هو شأن إيراني استقلالي وطني ينبع من مسؤولية إيران الإسلامية والوطنية، وأن إقصاء إيران عن آسيا الوسطى هو وهم استعلائي، وأنه لا يمكن إخراج إيران من المعادلة
27
22
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
الإقليمية، وبالتالي لا حوار، ولا لقاء مع أمريكا، ما لم تتغير وتعتذر وتفرج عن الأرصدة الإيرانية.
وبكلمة وجيزة، أعلن الخامنئي بأن بوش يتصرف كرجل متعطش للدماء، وعليه دعا إلى الحذر والاحتراس الإيراني، كما دعا خاتمي إلى اعتبار أمريكا دولة توسعية ومعتدية، وحذر القادة الآخرون (كل التصريحات موجودة) بأنه لا يمكن الركون إلى القيادة الأمريكية أو الثقة بها، وأنها لن تستطيع خلق الانقسامات في القيادة الإيرانية، وأكدوا أن الثورة تسير وتعتمد على مبادئ مؤسسها الإمام الخميني ولا تراجع عن ذلك.
أمريكا جمهورية إمبراطورية أو رايخ رابع
بدأ مفكرو وكتاب أمريكا الخروج من كهوفهم لتصنيف عالم ما بعد 11 أيلول وموقع دولتهم فيه وتسويغ مواقف أمريكا وتفسيرها، فبينما يعتبر الرئيس بوش حربه على الإرهاب حرباً عادلة وحربا ً دفاعية عن الحضارة والتقدم، ينشد كتاب اليمين والوسط أنشودة الشكر والتسبيح للإمبراطورية، كل هؤلاء يقولون يكفي كذباً على أنفسنا نحن إمبراطورية، ويجب أن نتصرف كإمبراطورية، ولماذا نلعب اللعبة الليبرالية أو اليسارية ونحن دولة جمهورية، اليمين والوسط الأمريكي يقول بالعلن علينا أن نجتاح العالم، ونتصرف كدولة إمبراطورية، ومن يعلم أي شيء عن التركيبة الأمريكية والفكر الأمريكي يعرف أنهم استلهموا ويستلهموا الفكرة الرومانية الجمهورية، والفكرة الإمبراطورية الرومانية، وكيف طوروها في Weekly Standard التي هي المجلة الأسبوعية لهذا الخط ويطالب
28
23
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
Max Boot التاجر الصحافي من أكبر تجار الصحافة في العالم، كتب مقاله في مجلة"The Weekly Standard" (القضية من أجل الإمبراطورية الأمريكية) بمزيد من الاستغراق والتوسع والتوكيد على الأهداف وتنفيذها وإعلان Pax Americana بدون تردد.
وفي هذا السياق نشر Robert Kaplan كتاباً مبشراً للاستهجان في وقاحته، عنوانه:
Warrior polities: Why leader ship Domand a pagan Ethos? "سياسة المحارب: لماذا تتطلب القيادة مزاجاً وثنياً"؟
يذكر فيه إستلهام القادة المؤسسين الأمريكيين لروما وتجربتها، ويعتبر روما النموذج الجمهوري الإمبراطوري، نموذجاً يُحتذى به، وبالتالي يدعو Kaplan إلى سياسة أمريكية خارجية أكثر عدوانية، مما يمثل دور الرافعة لتلك السياسة في أقطارٍ عدة، وتبني هذا الخط يعني بوضوح عدم وقوف أمريكا عند أي حد، يعني المدرسة كما نسمع هنا "رامسفيلد وديك تشيني" وهذه المجموعة هم القادة السياسيون العسكريون في السلطة، هم الذين يقولون لماذا تناقشون إيران؟ ولماذا تناقشون صدام حسين؟ أو فلسطين؟ اهجموا واضربوا واقتحموا وأبيدوا، هذا بشكل جداً مبسط، ولكن هذه هي الحقيقة العلمية، ومن البديهيات أن تشكل العراق المحطة الثانية.
المؤرخون الأميركيون ينفون زعم الأحادية القطبية
أما المؤرخون البارزون أمثال (Fairbanks,Kenndy) فيشكلون مدرسة تقول بأن التفاوت في القوة بين أمريكا وباقي الدول لا نظير له في التاريخ، وكندي هذا الليبرالي السابق يقول أن أمريكا
29
24
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
منذ أن وصل المستوطنون الأوائل 1605 إلى فرجينيا، واتجهوا نحو الغرب، هي "دولة إمبريالية وأمة فاتحة" وإن تخطيها للحدود قد يؤدي إلى خرابها، يعني بمقاييسه العلمية الأخلاقية المهنية، يقول لك أننا نحن أمة استيطان، عندما تقرأ هذا الموضوع وتقرأ رسالته عن إسرائيل ترى التماثل، إذا كنت لا أريد أن أقول التطابق. "وفربنكس" أهم وثاني مؤرخ أمريكي يقول "إن أمريكا هي إمبراطورية في طور التكوين"، أما الفريق الأكاديمي فهم يتحدثون عن (Super Power) الدولة العظمى الوحيدة في العالم.
ولكن خلافاً لادعاءات اليمين والوسط وغيره يجدون أن هناك حدوداً وقيوداً تنفي زعم الأحادية القطبية، وأن تبنَّي الأحادية كسياسة يفضي إلى التصادم، وإلى قيام إئتلافات مضادة لأمريكا، ويؤكد "Robert Levine" على سبيل المثال، أن هناك أربعة قيود لا يمكن الانعتاق منها وهي:
1- القوة الموازية "A Symmetric Force" وتتجلى تلك القوة في الاقتصاد الأوروبي الذي تجاوز الاقتصاد الأمريكي، الاقتصاد الأمريكي عادةً يسجل بين 17 و22% من الاقتصاد العالمي، فيما الاقتصاد الأوروبي تجاوز 30%.
2- السيادة: وهذا القيد يعني أن أمريكا لا تستطيع أن تأمر وتنهي، وقد تستطيع أن تشتري، ولكن لن تستطيع فرض جبرتها على 191 دولة في العالم، ومهما كان جبروت أمريكا لا تستطيع أن تفرض إلا على حلفائها، وحلفائها الآن في حالة تمرد، وتحتاج إلى ندوة خاصة لنتناول موضوع الصراع الأوروبي- الأمريكي، فقط على اللحم أو الموز أو ما شابه ذلك..
30
25
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
3- الديمقراطية: يركز "Levine" على الشارع العربي كقوة مؤثرة (وهذه المرة الأولى في التقارير والدراسات الأمريكية عندما يتكلمون عن الديمقراطية يقولون هذا) وعلى الناخب الأميركي كقوة فاعلة ومحددة، والصراع المحتمل بين أميركا والأمة العربية، ويأخذ من الإرهاب الشاروني مثلاً على هذا الصراع بين الشارع العربي والناخب الأميركي الموجه صهيونياً، ويقولون بأن العرب أنظمة استبدادية، وهذا صحيح، لكن بعد 35 سنة ما الذي تبيَّن؟ نحن نثقف شعبنا، ونقول اضربي يا أميركا، وحالفي السعودية، وحالفي أنور السادات، وحالفي حسين مبارك، لأنه لا يوجد شارع عربي، اكتشفوا هذه السنة أن البلد الأكثر محافظةً مثلاً السعودية حصل فيها مظاهرات واضطرابات، وعند الحسن الثاني الذي يتكلم عن العبقرية اليهودية وتوجيهها للمنطقة ملايين الناس، وأنا لا أبالغ أبداً فيما نقلته، وأنتم رأيتموه بأعينكم، معنى هذا الحديث بأنهم بدءوا يقولون أنه مثل ما نحن عندنا ديمقراطية، والديمقراطية خاصتنا تفرض على قيادتنا أن تتصرف هكذا، وقيادتنا مضللة، وشعبنا مضلل، الشارع العربي هو الشارع الأكثر فطريةً والأكثر ديمقراطية وانتبهوا له.
4- النقطة الرابعة الحماقة وعدم البراعة في الأداء والتفاعل مع الواقع،وفي هذا الصدد يطرح"Josef Joffe" الموضوع نفسه، ويتخذ من مجاز القب والبرمق نموذجاً له، إذ يكتب بأن هذا القب أو الدولة المحور أمريكا تقع عليها مسؤوليات، ودورها يجب أن يتكون من تصليح وتصحيح وليس تمزيقاً"Mend Not Rend" في المؤسسة الدولية، ولذلك عليه تنظيم ائتلافات على قاعدة الإجماع، لا
31
26
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
الآحادية والتبليغ حتى لو كانت عندي قوة مطلقة، لا يجوز أن أتصرف وكأني عندي قوة مطلقة، عليَّ أن أتصرف بالدولة المحور، التي تهتم بمصالح حتى العدو، يعني هم يستطيعون أن يهزموا إيران، وأن يهزموا العراق، ولكن هل من مصلحتهم هزيمة إيران؟ ماذا يحصل لو هزمت إيران أو ضربت إيران ؟ وماذا يحصل لو ضربت العراق؟ وأنا أقول لك ماذا يحصل، لن يبقى نظام عربي واحد في الوجود، ولن يستطيعوا وقف هذه الموجة، فالمطلوب من الدولة المحور أميركا هو تلميع البرمق لا وضع العصي في الدولاب. وعليه، إن هناك خيارات أمام أمريكا في عالم ما بعد 11 أيلول، خيارها وهي أن تستمر في أحاديتها، كما يقول اليمين والوسط، يعني تضرب وتضرب، وبالتالي الطلاق مع العالم، والعدوانية المنتشرة في العالم، أو بناء عالم جديد متأمرِك، أو عالم متعدد الأقطاب ومتعدد الثقافات. إذا أمريكا انتهجت هذه الاستراتيجية وهذه السياسة يوجد إمكانية للتفاهم والتعاطي مع هذا الموضوع.
في أول كتاب صدر في بريطانيا بعد أحداث 11 أيلول للكاتب Will Hutton "The word we are in" العالم الذي نعيشه، يقول "هاتن" إن أمريكا ترزح تحت وطأة العبودية المحافظة، وأنها تضنى أو تهن في قبضة الأصولية البروتستانتية، وإن هذرمة أو ثرثرة السلطة تمنع معرفة الذات، وممارسة النقد الذاتي، وأن الاقتصاد يقع في جنون الجشع، مما ينمي عبودية الذات، ويدفع بالمجتمع الأمريكي إلى الإنطوائية والهروب من السياسة إلى آفاق المخدرات والمثلية والنزاعات حول الإجهاض، ويختتم بأن أمريكا الكلية القوة إنما هي في نهاية المطاف تحفر قبرها.
32
27
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
وفي كتابي "العولمة والثورة- شعبي سيحكم " كتبت بأن أمريكا دخلت في دور الرايخ الرابع، أي مرحلة الإمبراطورية النازية المتمثلة في عبادة القوة وممارستها، والمتميزة بالعرقية الصارمة والتفوق العرقي، والمندفعة نحو التوسعية الكونية بدون مواربة، وذلك كان في عام 2000، وفي عالم ما بعد 11 أيلول أجد أن بوش يتصرف كبسمارك عالمي، بسمارك الحديد والنار، الذي يأخذ من القانون الحديدي لبسمارك الرايخ الثاني قانوناً له.
وهذا القانون يفرض خلق حالة تفرض على جميع القوى المحيطة بأن تكون بحاجة ما إلى أمريكا، وتمنع أمريكا تلك القوى من تشكيل أي ائتلاف مضاد لها، لذلك بدأ يبرز التوتر بين أمريكا وأوروبا من جهة وبين أمريكا وحلفائها التقليديين والموسميين من جهة ثانية، وراحت أوروبا تطالب أمريكا بأن تنشد الإجماع لا التفرد بالقرار، وأن تبني تحالفات لا ائتلافات مؤقتة ومحددة بالمهمة المطلوبة كما يرى الأمور رامسفيلد وصحبه في البنتاغون، ولا شك بأن تصنيف العراق وإيران وكوريا الشمالية بأنها دول محور الشر، وأن استبدال مبدأ الاحتواء والردع بمبدأ الضربة الوقائية، وأن الاستعدادات العسكرية لتغيير النظام العراقي، ستؤدي إلى انقسامات وانشقاقات بين الأنجلو- ساكسون والأوروبيين والعرب وغيرهم.
تداعيات ومقولات
عندما درسنا في أميركا أول شيء تعلمناه في العلاقات الدولية والاستراتيجية "American the invulnerable has become vulnerable" أمريكا الحصن المنيع الذي لا يقتحم، أنا أقول الآن
33
28
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
اقتُحِم الحصن الذي لا يمكن إيذاؤه، انكشف كحصنٍ يمكن اقتحامه، لا بل إحراقه وتبخره وإنزال أشنع الهزائم في مؤل عسكريته وأبرز رموزه الاقتصادية الاستغلالية.
إن هذا التحول التاريخي أدخل أمريكا لأول مرةٍ في التاريخ كساحة حربٍ مفتوحة، وطرح أمام العالم إمكانية هزيمتها المحتومة في حرب وسلاح ليس من صنعها، الصواريخ البشرية عابرة القارات التي انطلقت من الأراضي الأمريكية، وشنت حربها على الأراضي الأمريكية، أمريكا أصبحت ساحة حرب، وعليه أستنبط في قراءة استقرائية للانكشاف الرؤيوي لحدث 11 أيلول المقولات التالية:
أولاً: في صراعها مع إسلام ال - "C-I-A"، وإسلام "C-I-A" هم يقولون، لا تختلط عليكم الأمور، الإسلام الذي استخدمته أمريكا لمحاربة الاتحاد السوفيتي كإمبراطورية الشر في الثمانينات، تنظر القيادة البسماركية الأمريكية إلى حدث 11 أيلول (هذه رؤية ذاتية للموضوع) كحدث عالمي تغييري يفتح الطريق أمامها لفرض هيمنتها عالمياً بدون منازع يُذكَر، بينما أنا أنظر بنفسي إلى ذلك الحدث كحدث تغييري أمريكي، لا عالمي، مفاده أن أمريكا قد دخلت في طور الرايخ الرابع الذي سيفضي إلى استقطاب عالمي جديد، وإلى اندحار الجبروت الأمريكي على أيدي معذبي الأرض ومهمشيها.
ثانياً: تتجلى سمة هذا العصر كما قلت في هذا الكتاب في فجور القوة، وأفول الزمن الأمريكي، وفي هذا الزمن الجدير بالازدراء أسفر القس الطهراني بوش عن وجهه القبيح بتبجحه الأخلاقي الذرائعي، ومسلكه السياسي، بأنه طالبان أمريكي مسلح بأنياب ذرية، ويشكل مع طالبانه الصهيوني خطراً محدقاً على البشرية جمعاء، بحضاراتها وشعوبها وخيراتها، لا بل على أمريكا بالذات، وعلى المنجزات الأمريكية التي حققها الشعب، الذي أغرقته طبقة البوشيين في جنون الإرتياب والهلع المضني، الشعب الأمريكي أؤكد لكم يعيش في حالة نسميها في العلم النفسي "جنون الارتياب" والهلع المضني.
ثالثاً: إن إعلان الحرب على الأممية الوهابية الشعبية وهم متحالفون مع الوهابية الرسمية الحاكمة في السعودية وجحافلها
34
29
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
المترنحة في كل مكان من أنحاء العالم، واستمرارية التحالف الإستراتيجي الأمريكي مع الوهابية الرسمية في هذه المرحلة الحرجة، يعني أن الوهابية الشعبية التي تتحكم بالأرض، وتحتكم إلى السماء، في العالم الإسلامي ستخوض حرباً طويلة الأمد بمفردها ضد أمريكا ومجراتها، وأنا في مقالي الآخر كتبت حرب المائة عام القادم، والنمط الجديد في عالم ما بعد الحداثة لهذه الحروب المستقبلية هو هرمجيدون، وأمركة هذا التعبير اللاهوتي المسيحي، أي حروب فاصلة معولمة بين قوى الخير والشر، حرب المائة عام الآتية، وحروب انفجارات الداخل الأمريكي، وتجزؤ الدولة القارية الأمريكية إذا لم ترتدع أمريكا وتعود إلى قلعتها الحصينة، وتستعيد صوابها وهذا ما لا أتوقعه.
رابعاً: لقد ولىّ عهد الإئتلافات مع تدمير أفغانستان، يعني عرباننا يظنون بأنهم لا يزالون حلفاء أمريكا، فهي استغنت عنهم بعد تحالفاتهم بأسبوعين، واعتمدت الولايات المتحدة حقبة محور
35
30
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
الشر "Axis of Evil" التي أعلنها بوش في خطابه التاريخي عن حالة الأمة في 29/1/2002، ومحور الشر هذا مصطلح جديد ابتكره عقل اللوفياتان "Leviathan"، وهذا كتاب كتبه "هوبس" في القرن السابع عشر، وهو من أهم الكتب عن التنين الضخم، وهو كأمريكا، "Time Magazine" صورتهم بالأمس تنيناً ضخماً بجسم ضخم، (ولكن نقل عن رفسنجاني "عقل عصفور") هذا مصطلح ابتكره العقل الأمريكي، الذي تم بموجبه ابتكار جديد هو ترقية العراق وإيران من محور الدول المارقة إلى محور دول الشر، ترقية من ضابط إلى ضابط أعلى، إلى هذه المرتبة الرفيعة، التي ترشح هذه الدول إلى تفاقم سياسة الزعزعة والحرب النفسية، ولربما الدمار الشامل ضدها، حسب أولويات أمريكا الكونية والكليانية. وفي هذا السياق، تفرض أمريكا علينا تصنيفها حسب معاييرها بالتمثال الضخم المارق ب - "Rogue Colossus" العملاق الأسطوري الذي لا يضاهيه بشر.
وعملاقنا هذا الذي يعاني من جنون العظمة، قد استولد شراكة أمريكية- روسية (23-26/5/2002) أي يالطا جديدة للقرن الحادي والعشرين، التي شكلت أرضية سلطة للبوح بالضربة الوقائية الحاسمة ضد أي عدو يلوح في الأفق، في 60 قطراً كما أشرنا سابقاً وفي العالم أجمع (1/6/2002)، وللمرة الأولى في التاريخ العسكري. والضربة الوقائية "First Strike" تلك تعتمد على قاعدة السلوات التي أشرنا لها وهي الدفاع، الوقاية، التمدد، "The three silos: defense – preservation, extension" الأمر الذي لم يشهد له العالم مثيلاً. بكلمة، إن الشراكة الأمريكية- الروسية
36
31
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
مع دوران الحلف الأطلسي وتفرعاته في مدار أمريكا يدفعان إلى شرخ العالم إلى قطبين: غرب وشرق بقيادة أمريكا في مواجهة الوطن العربي والعالم الإسلامي 56 دولة إسلامية، الذين هم في حوزة أمريكا، عليهم أن يفهموا بأن دورهم سيأتي رغم صداقتهم لها.
خامساً: في عالم ما بعد 11 أيلول واستشراء وانتشار كراهية العرب والمسلمين في أميركا، وتسلم اليمين المتسلط مقاليد السلطة في أمريكا وفلسطين المحتلة وغيرها، وتخلي أنظمة "سايكس- بيكو" عن شعوبها وعن مسؤولياتها، والمصير القومي المشترك، وإعلام الانهزامية العربية الشاملة في القمة الرابعة عشر في بيان بيروت الموقر (27/3/ 2002) أعلن في 28 وانقلب عليه شارون في 29، وكلنا يعلم كيف جاءت حرب إلغاء "أوسلو"، من تلك الفترة لليوم وهذا الإجماع العربي اللامشروط القائل بالانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل، وبعد جنين وغيرها من مآثر مطلع القرن الحادي والعشرين دون تحرك عربي موازٍ، يقع على عاتق المفكر الثوري العربي أن يتقدم إلى الواجهة ويحدد المواقف والمواقع والمسؤوليات، وتتجسد هذه الثلاثية بالتحديد التالي، وعلينا أن نثقف شعبنا من الآن فصاعداً، "أمريكا العدو القومي وإسرائيل الوكيل الإقليمي". وبناءً على هذا التحديد علينا أن نتصرف كقوى شعبية، تطمح إلى التحرير والوحدة، لا تجد أمامها إلا خيار التحريض والتعبئة والتنظيم ضد الأخطبوط الإمبريالي المسعور، وتبني مشروع حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، حرب المائة عام، لتحقيق أهدافنا في الحرية والاشتراكية والوحدة والتصدي لسلطات القمع
37
32
مبادئ السياسة الخارجية في فكر الإمام الخميني قدس سره مواجهة الاستكبار نموذجا
والاستبداد من المحيط إلى الخليج، كل حسب قدراته، وفي إطار تثوير المجتمعات في عولمة شعبية لإسقاط عولمة السوق، عولمة الحرب والاستغلال والنهب والدمار، ولكم الشكر.
38
33
مداخلة الدكتور الحاج علي فياض
مداخلة الدكتور الحاج علي فياض1
نحن نسمع كثيراً قراءات تتعلق بالمستقبل الأميركي، وهذه القراءات بدأت منذ الثمانينات تتحدث عن أفول أميركا، أو انهيارها، أو بداية النهاية لهذا العملاق الأميركي، ومن ثم بدأت مجددا هذه الدراسات بالإطلالة، حتى "كسنجر" كتب مقالاً من فترة يعتبر أن السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة الأميركية الآن ستؤدي إلى نتيجتين على المستوى العالمي، إلى العزلة، وإلى الغرق في مستنقعات لا سبيل إلى الخروج منها، لكن أغلب ظني، أنا سمعت الشق الثاني من محاضرتك التي نتائجها تدغدغ أحلامنا كثيراً، لأنه كلنا نتمنى أن يزول هذا الطاغوت الأميركي، لكن أغلب ظني بأن هذه المعالجة هي أقرب إلى الاندراج في فلسفة التاريخ منها إلى علم السياسة، انهيار أميركا أو أفولها أو بروز تناقضات حادة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي أو عدم القدرة على التوفيق بين مستلزمات سياسات ما وراء البحار الاستعمارية مع متطلبات الرفاه الداخلي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي كل ذلك يأتي كعملية تاريخية بعيدة المدى ربما تحتاج إلى أكثر من عشرات السنوات، إذا أردنا أن نتواضع في هذه العملية، وربما أكثر، من ذلك، ولكن إذا أردنا أن ننتقل بالتحليل، والتحليل حقيقةً يحدد الآليات الدقيقة لعملية الانهيار الأميركي
1- مدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق.
39
34
مداخلة الدكتور الحاج علي فياض
البعيدة المدى، لا تزال هذه الآليات مفقودة في التحليل العام الذي يتم تداوله، أنا أخشى ما أخشاه، أن هذه الصورة الوردية التي نقدمها، والتي نستسهل هذا الانهيار الأميركي، وأميركا هي عدو، وهي رأس الحربة الذي يستهدف مشروعنا على كل المستويات، لكن بالأمس ومنذ سنة تقريباً عندما حصلت الانتخابات الأميركية وحصلت مشكلة بين "آل غور وبوش" خرجت التحليلات بأن المجتمع الأميركي أصبح على وشك أن يخوض حرباً أهلية، ما أود قوله بالضبط هو استسهال إطلاق التحليلات التي تتحدث عن هذا الانهيار الأميركي، وأنا في تقديري تؤدي خدمة سلبية لمشروعنا، وخدمة إيجابية للمشروع الأميركي، لأنها تحول التعاطي مع المشروع الأميركي وكأنه قضية غيبية، علينا فقط أن ننتظر هذا الانهيار الأميركي الذاتي، وبالتالي نحن متحررون من مسؤولية أن نقوم بواجب هذا الانهيار الفعلي، علماً أن الدكتور ختم محاضرته بالإشارة إلى حرب التحرير الشعبية الشاملة، علماً أن هذه تصلح أكثر على المستوى الإسرائيلي مما يتعلق بالمشروع الأميركي نفسه، لذلك أدعو إلى تقديم الواقع كما هو بمشاكله، بمصاعبه، بمواطن القوة فيه، ومواطن الضعف فيه، هكذا يبقى الوعي الحقيقي للعدو هو شرط من شروط الانتصار لمشروعنا، فبالتالي يجب أن ننتقل في التحليل التاريخي، تحليل الاستشراف المستقبلي لأمريكا، من كونه مقاربة في فلسفة التاريخ، إلى فهم الآليات الدقيقة التي تؤدي إلى هذا الانهيار الأميركي، يوجد لديهم انقسامات في المجتمع، وكل مجتمع لديه انقسامات، الحديث عن التناقضات العالمية، منذ فترة أدرجوا روسيا في كل المعادلة الأمنية للحلف الاستراتيجي
40
35
مداخلة الدكتور الحاج علي فياض
الأطلسي، وذكرتها حضرتك، يوجد بعد إيران والصين على المستوى العالمي، الأوروبيين كل الأزمات التي عصفت بأوروبا أظهرت أن كل المراهنات على الأوروبيين حتى الآن سقطت، الأوروبي لا يطمح الآن للعب دور دولي منافس للولايات المتحدة، إذن ما هي عوامل التناقض التي ستؤدي إلى إضعاف المشروع الأميركي فعلياً، ومن حقنا أن نسأل هذا السؤال ؟
تعقيب د. حجار
طرحك جيد جداً، وأنا في كل تاريخي الذي عمره بحدود الأربعين سنة كمقاتل في أميركا نفسها، عندما خطفنا حاكم ولاية فلوريدا في 69، وأنا عشت في أميركا، وأعرف المجتمع الأميركي وتعاطيت معه من الداخل، وطردت من أمريكا في المرة الأخيرة، لتهمة الخطف وحكمها 14 سنة سجن، ليس الخطف بداعي التسلية، بل عملية الخطف فيها محاولة عسكرية في ثورة "السود"، وأنا كنت من قادة الثورة في اليسار في (68/69/70)، كلامك مهم جداً، علينا أن ننقل الصورة الواقعية، بكلمة بسيطة جداً المجتمع الأميركي كان يشتغل من 1790 إلى 1950 أستطيع القول على مجتمع الانصهار، أنا لبناني أو إيراني أو روسي أذهب إلى أميركا تبقى علاقتي بلبنان أو غير بلدي تبولة، بالجيل الثاني أو الثالث لا يبقى شيء إسمه لبناني أو عربي أو أي بلد، هذا الاندماج والانصهار الكلي في البوتقة الأمريكية.
كيف يتمزق المجتمع الأميركي ؟لا أريد أن أراهن على هذا، لأن
41
36
مداخلة الدكتور الحاج علي فياض
هذا على حسب كلامك صحيح، وهذه لها بعد تاريخي، ولقد تصحح أو لا تصحح، أنت يهمك الحقيقة والواقع، الواقع منعاً للتجزؤ الأمريكي والانفجار الداخلي، في الاقتصاد وأنا رجل أعمل في الاقتصاد، يوجد مدرسة تقول "The Pacific" ومدرسة تقول "Atlantic" ومدرسة تقول أميركا اللاتينية ومدرسة تقول العالم، وهذه تصبح تكتلات اقتصادية واجتماعية وسياسية، حولها إذا نتطِّلع إلى أمريكا بكالفورنيا الشرق الأقصى في كولومبيا وهارفرد إلى أوروبا وإلخ. ... ولأول مرة المجتمع يُضرب، أنا لا أقول غداً ستضرب أميركا، أنا أتحدث بمنظور مائة سنة حرب، والحرب لن تكون غالبيتها في أميركا، سيكون ضربات في أميركا، القنبلة التكتيكية الذرية التي تحدثوا عنها مؤخراً من 96 وهم يتكلمون عنها، وهذه مسألة مهمة جداً عالمياً، وأعتقد في شن الحروب، يعني إذا أردت أن تشن الحروب في مواقع 60 دولة ماذا سيحدث لها؟.
42
37