بَدَتْ صَفراء شَاحِبة، كأنَّها تُلَمْلِمُ أشعَّتها، وتَسْتَعِدُّ للرَّحيل.
طالت ظِلال أشجار النَّخيل، في باحة المَسْجدِ النَّبَويِّ الشّريفِ، وحلي الجلوسُ في فَيئِها.
خَرَجَ المصلُّون من المَسْجِد، توجَّه اثنان مِنْهُم إلى ظِلِّ نخلةٍ، وجلسا يَتَحدَّثان.
بدا، في الطّريقِ الموصلِ إلى المَسْجد، فتىً يتَّجهُ نحوهما.
كان يَنقُلُ خُطُواتِه على مَهل. يَقِفُ لَحْظَةً ...، ينظرُ إلى الأمامِ، ثمَّ يتلفّت حواليه، ثم يمشي من جديدٍ كأنَّه يفتّشُ عن شيءٍ يُريدُه.
اقتربَ. رأى الرَّجُلَين. اقتربَ أكثر. تأمَّلَهُما جيِّداً، ثمَّ ركضَ، وهو يصيح:
الحسينُ بن علي وعبدُ الله بن الزُّبير، وأخيراً وجدتكما؟
ابتَسَمَ ابنُ الزّبير، وقال:
إنْ كان عبدُ الله بن عمر بن عثمان لا يعرفُ أين يجدُ المؤمنين، فلِمَ لم يُخْبرْ من أرسله بذلك!؟.
ضحك، ثم أضاف: ولعلَّه لا يعرفُ هو أيضاً.
وتَمّتمَ الحسين: أمرٌ خطيرٌ قاد هذا الفتى الأُموي إلينا، في هذا الوقت؟
وصلَ الفتى. قال، وهو يَلْهَثُ، ويَمْسَحُ حُبيْبات العَرَقِ عن جَبِيْنِه:
أَجِيبا الأمير..، الأمير الوليدٌ بنُ عُتبة يدعوكما إليه.
قالَ ابنُ الزُبير: ماذا يريدُ الوليدُ في هذا الوقت؟.
قال الفتى: لا أَدْري، قالَ أن تأتيا إلى دار الإمارةِ على عَجَل.
قال ابن الزُّبير: انصَرِفْ، وأخبره أنَّنا سَنُلبِّي دعوته.
عاد الفتى من حيثُ أتى، وتطلَّع ابن الزُّبير إلى الحُسَين مستفهماَ. راه يمسِّدُ لحيتَه، وينظرُ إلى البعيد، وقد اتّسعت عيناه، وانفرَجَتْ شفتاه كأنَّه يهمُّ بقول:
سأله: في رأيك، ما سبب دعوة الوليد لنا في هذا الوَقْت؟.
قالَ الحسين: ما اعتادَ الوليدُ أن يَجلُسَ للناس في هذا الوقت..، وما اعتادَ أن يُرْسِلَ فتىً من بني أميَّة، من وُلْدِ عثمان، على عَجَل..، صَمَتَ لَحْظَةً، وأضاف، ثُمَّ لمَ خَصَّنا نَحْنُ بهذه الدَّعْوَة؟
31