الدرس الأول: الأرحام
الدرس الأول
الأرحام
يقول تعالى:
﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾سورة النساء,الآية/1.
أ- أهمية الرحم:
لعلّه من الأمور التي لا تحتاج إلى كثرة تأمل وتفكير الأهمية الفائقة التي يعطيها القرآن الكريم لمسألة الرحم وصلة القربى إلى درجة أنه يذكر الأرحام بعد ذكر اسم الله سبحانه ويدعو إلى صلتهم والقيام بحقوقهم، كما يحذّر من قطيعتهم بلهجة شديدة حيث يقول سبحانه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾1، وغير خفي على أحد ما يترتب من الآثار الإيجابية على التواصل معهم وكيف ينعكس ذلك على بناء الأسرة ونشر المودة بين الأقرباء من الكبار والصغار وكذلك ما يترتب من الآثار السلبية على قطيعتهم وكيف يؤدي ذلك إلى سوء العلاقة وربما ترك عاملاً مؤذياً يرثه الأبناء عن الآباء،
1-محمد:22
5
1
الدرس الأول: الأرحام
ولهذا جاء العطف في الآية المتقدمة لقطع الأرحام على الإفساد في الأرض.
ومما يبرز مكانة هذا الواجب الإلهي حتى وإن تطلّب جهداً وقطع مسافات طويلة أو صرف أوقات غير يسيرة، وما جاء عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يؤذك ذلك بقوله: "أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كان منه على مسير سنةٍ ذلك من الدين"1.
ب- معنى الرحم:
الرحم في اللغة عبارة عن علاقة القرابة وأصل ذلك من رحم الأنثى وهو موضع النسل منها والقرابة تسمّى بها لحصولها، وذو الرحم: هم الأقارب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسبٌ2.
وعرّفها في الميزان: "بأنها جهة الوحدة الموجودة بين أشخاص الإنسان من حيث اتصال مادة وجودهم في الولادة من أب وأم أو أحدهما، وهي جهة حقيقية سائرة بين أولي الأرحام لها آثار حقيقية خلفقية وخُلقية، وروحية وجسمية غير قابلة الإنكار"3.
ج- آثار صلة الرحم:
وهي تنقسم إلى قسمين: الأول: الآثار الدنيوية، والثاني: الآثار الأخروية. وقد استفدنا هذا التقسيم من روايات أهل البيت عليهم السلام.
1- ميزان الحكمة، ح7060.
2- طلبة الطلبة، ص286.
3- تفسير الميزان، ج4، ص148.
6
2
الدرس الأول: الأرحام
أ- الآثار الدنيوية لصلة الرحم:
الأثر الأول: طول العمر.
فإنه مما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرجل ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فينسئه الله عزّ وجلّ ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّره الله إلى ثلاثة أيام"1.
الأثر الثاني: تنمية المال.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمي أموالهم، وتطول أعمارهم فكيف إذا كانوا أبراراً بررة"2.
الأثر الثالث: الإلتيام
حيث أن الرحم من أقوى أسباب الالتيام الطبيعي بين الأفراد، ولها حركة فعّالة في رتبة العلاج للأزمات الاجتماعية، ولذلك كان ما ينتجه المعروف بين الأرحام أقوى وأشدّ مما ينتجه ذلك بين الأجانب، وكذلك الإساءة في مورد الأقارب أشدّ أثراً منها في مورد الأجانب.
يقول أحد الشعراء:
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهنَّدِ
ويظهر معنى الأثر المذكور في إعادة المياه إلى مجاريها وتأثير الرحم لأثرها الطبيعي من خلال قوله عليه السلام: "فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدنُ منه"... فإن الدنو من ذي الرحم رعاية لحكمها وتقوية لجانبها فتنتبه بسببه ويتجدد أثرها بظهور الرأفة والمودة.
1- ميزان الحكمة، ح7056.
2- م.ن، ج7054.
7
3
الدرس الأول: الأرحام
الأثر الرابع: تنمية العدد.
حيث جاء عن الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام: "فرض الله صلة الأرحام منماة للعدد"1، من حيث جمع كلمتهم واجتماعهم كعائلة واحدة مترابطة متقوية ببعضها البعض في الشدائد والملمات.
الأثر الخامس: دفع البلاء.
عن الباقر عليه السلام: "صلّة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمّي الأموال وتدفع البلوى"2.
الأثر السادس: الراحة عند الموت.
عن الهادي عليه السلام: "فيما كلّم الله تعالى به موسى عليه السلام قال موسى عليه السلام: ما جزاء من وصل رحمه؟ قال: يا موسى أنسي له أجله وأهوّن عليه سكرات الموت"3.
ألا وإن هذا الموقف المخيف والذي ينتظرنا جميعاً حالة نزع الروح من الجسد لهو حقيق بأن نعدّ له هذه العدة التي وعدنا الله تعالى بها كجزاء لصلة الرحم وليس من الصواب في شيء أن يكون الواحد منّا زاهداً بهذا العطاء وعازفاً عن هذا الجزاء.
الأثر السابع: حسن الخلُق.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "صلة الأرحام تحسّن الخلُق وتسمّح الكف وتطيّب النفس"4.
الأثر الثامن: العصمة من الذنب.
حيث جاء في جملة النصوص أن صلة الرحم من العوامل
1- م.ن، ج7047.
2- م.ن، ج7043.
3- م.ن، ج7046.
4- م.ن، ج7044.
8
4
الدرس الأول: الأرحام
المساعدة للإنسان على ترك الذنوب والابتعاد عن مظانّ السوء والفحشاء وهي تشكّل درعاً واقية بسبب الأثر المترتب عليها الحاجز عن الوقوع في الهلاك مضافاً إلى أثر الصدقة والبّر.
عن الصادق عليه السلام: "إن صلّة الرحم والبّر يهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبرّوا بإخوانكم ولو بحسن السلام وردّ الجواب"1.
ب- الآثار الأخروية لصلة الرحم:
الأثر الأول: يسر الحساب.
إن الوقوف أمام نتائج الأعمال حينما توضع في ميزانها الذي أعدّه الباري سبحانه والتعرض للسؤال عن كل ما قدّمه المرء وأخّره، هما أمران غير يسيرين يحتاجان إلى إعداد وتحضير في هذا العالم ومما يدخل في هذه الدائرة صلة الرحم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "صلة الرحم تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء"2.
الأثر الثاني: جواز الصراط.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حافتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة وإذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفأ به الصراط إلى النار"3.
الأثر الثالث: الثواب الجزيل.
حيث جاء عنهم عليهم السلام: "إن من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه الله عزّ وجلّ أجر مائة شهيد، وله بكل خطوة
1- م.ن، ج7045.
2- م.ن، ج7053.
3- أصول الكافي، ج2، ص155، ج11.
9
5
الدرس الأول: الأرحام
حسنة، ويمحى عنه أربعون ألف سيئة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك وكأنما عبد الله مائة سنة صابراً محتسباً"1.
وكفانا هذا الحديث بما اشتمل عليه عن غيره مراعاةً للاختصار ومعرفة منّا بباقي الآثار.
د- آثار قطيعة الرحم:
وهي تنقسم أيضاً إلى قسمين: الأول: الآثار الدنيوية والثاني: الآثار الأخروية.
أ- الآثار الدنيوية لقطيعة الرحم:
الأثر الأول: تعجيل الفناء.
حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء"، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكري فقال: يا أمير المؤمنين: أو يكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال عليه السلام: "نعم ويلك قطيعة الرحم"2.
الأثر الثاني: تعجيل العقوبة.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب"3.
الأثر الثالث: ضياع الأموال.
فإنه مما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار"4.
1- مستدرك الوسائل، 2/641، باب 10.
2- ميزان الجكمة، ج7072.
3- م.ن، ج7078.
4- م.ن، ج7069.
10
6
الدرس الأول: الأرحام
الأثر الرابع: حلول النقمة وارتفاع الرحمة.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الرحمة لا تنزل على قومٍ فيهم قاطع رحم"1.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "حلول النقم في قطيعة الرحم"2.
وهناك آثار أخرى لكن في هذه كفاية لردع عن ما عدّه الإسلام من كبائر الذنوب وتوعدّ عليه بالنار.
ب- الآثار الأخروية لقطيعة الرحم:
إن الركون إلى القرآن الكريم لقراءة آياته التي تحدّثت عن مصير قاطع الرحم يغنينا عن تعداد الكثير من التفاصيل ويكفينا شاهداً لغده الأسود وحلول اللعنة عليه حيث يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾3 لذلك كان من جملة الذين لا يدخلون الجنة 4 كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هـ- صلة القاطع:
إن من الأمور غير السائغة لنا أن نبادل السيئة بالسيئة حينما نتعرض للهجران والجفاء من قبل أقاربنا بل الواجد تغليب الجانب الإيجابي بالصلة من طرفنا على الجانب السلبي بالقطيعة من طرفهم وهذا هو المنهج الذي أراده الله تعالى في مقام التعامل معهم وعدّه من أحب الأعمال كما جاء عن زين العابدين عليه السلام: "ما من خطوة أحب إلى الله عزّ وجلّ من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفاً في الله،
1- م.ن، ج7076.
2- م.ن، ج7075.
3- الرعد:25.
4- ميزان الجكمة، ج7070.
11
7
الدرس الأول: الأرحام
وخطوة إلى ذي رحم قاطع"1 وقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... أن أصل رحمي وإن أدبرت"2.
و- الرحم البعيدة:
قد نسأل أنفسنا أين تنتهي حدود الرحم فهل هي مختصة بطبقة من الأقارب دون الأخرى أو تشمل كل من ربطنا به النسب؟ والجواب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "لما أسري بي إلى السماء رأيت رحماً معلّقة بالعرش تشكو رحماً إلى ربها، فقلت لها: كم بينك وبينها من أب؟ فقالت: نلتقي في أربعين أباً"3.
ز- الرحم غير المؤمنة:
ويتجدد سؤال آخر أنه هل يشترط أن تكون الرحم مؤمنة أو مسلمة حتى يكون الوصل واجباً؟ إن هذا هو الذي سأله جهم بن حميد لمولانا الصادق عليه السلام فأجابه بالإثبات بعد سؤاله: "يكون لي القرابة على غير أمري ألهم عليّ حق؟ قال: نعم حق الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرحم وحقّ الإسلام"4.
1- م.ن، ج7066.
2- الخصال 2/347.
3- مرآة الكمال، ج1، ص70.
4- نفس المصدر.
12
8
الدرس الثاني: الجيران
الدرس الثاني
الجيران
يقول تعالى:
﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ سورة النساء, الآية :36..
أ- حرمة الجار:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمه"1.
لقد حظي الجار في الإسلام بمكانة لم يحظ بها في الأديان الأخرى انطلاقاً من حب التعارف والتعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان حيث لم تحصر حقوقه في حدود الوحدة الدينية بل تعدّتها في السعة والشمول والحثّ والاهتمام بما لم تصل إليه في موارد أخرى وما ذلك إلا لمضمون سمائي يترجم التعاليم الإلهية في خطوط الحياة العامة ويحدّد الأسس التي ينتمي إلى رحمها الأمثل والأكمل من التعامل،
1- ميزان الحكمة، 3008.
13
9
الدرس الثاني: الجيران
فكانت الدعوة من الله سبحانه كما في الآية والوصية من جبريل كما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه فمن قصرّ في حقه عداوة أو بخلاً فهو آثم"1. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الله الله في جيرانكم فإنهم وصيّة نبيّكم"2... وهو في لحظات عروج روحه إلى الملكوت الأعلى مهتما ومشدّداً في الحفاظ على هذه الوصيّة الأساسية.
ب- حدّ الجار:
ربما تسأل عن الحد المكاني الذي تنتهي معه حقوق الجوار بحيث أن الذي يتجاوزه لا يحسب جاراً، والجواب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أربعون داراً جارٌ"3، ولعلي عليه السلام: "حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها"4 وعلى ذلك يصبح المحيطون بدارك شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بما اشتملت عليه مساحة الأربعين لهم حقوق الجار عليك.
ج- اختيار الجار:
ما من أحد لم يسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الجار ثمّ الدار" حينما سُئل من أحدهم أين يأمره بشراء داره5 ولعل التصميم على تقديمه أنه الأهم وما يترتب عليه من هناء أو عناء وما يكتسبه الرجل من جيرانه فإنه حسن الجوار يعمّر الديار ويزيد في الأعمار.
1- م.ن، 3005.
2- م.ن، 3006.
3- م.ن، 3028.
4- م.ن، 3027.
5- م.ن، 3010.
14
10
الدرس الثاني: الجيران
وإن جار السوء أعظم الضرّاء وأشدّ البلاء، فمن هنا وجب التأني في الاختيار لما يترتب على ذلك من الآثار وهو المعنى المراد بقول أمير المؤمنين عليه السلام: "سل عن الجار قبل الدار"1.
د- الجيران ثلاثة:
حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد".
1- فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب فله حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام.
2- والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم، فله حق الإسلام وحق الجوار.
3- والجار الذي له حق واحد، الكافر فله حق الجوار2.
هـ- حقوق الجار:
الأول: حفظه غائباً.
ومعنى ذلك أن لا يتعرض له بالغيبة والنميمة مستغلاً غيابه للنيل منه والاعتداء على كرامته مريداً بذلك تشويه سمعته أمام الآخرين وقتله من الناحية المعنوية.
الثاني: إكرامه شاهداً.
أي من حقه حالة حضوره إكرامه وتوقيره واحترامه وتقديره
1- م.ن، غرر الحكم، 5598.
2- يراجع: البحار، ج71، ص155 – ومستدرك الوسائل، ج8، ص424.
15
11
الدرس الثاني: الجيران
على أحسن الوجوه التي تقضي بها ثوابت العلاقة السليمة وسبل الحياة الكريمة.
الثالث: نصرته إذا كان مظلوماً.
حيث لا يشرع السكوت عن ظلامته بل لا بد من رفعها عنه وعدم ضياع حقه في حضرتك سواء كان مظلوماً في شأن ديني أو شأن دنيوي، فإن الواجب معونته وردّ غيبته.
الرابع: أن لا يتّبع عورته.
وهي صفة رذيلة نهى الإسلام عنها وحذّر منها ويتأكد هذا في الجار حيث أن القرب والجوار يشكّلان منفذاّ للإطلاع على بعض الخصائص والأسرار التي لا يتيّسر للبعيد التعرّف عليها وربما كان ذلك في شؤون بيتية أو عائلية فمن القبح بمكان السعي وراء معرفة عيوبه وأقبح من ذلك إذاعتها لتعييره بها.
الخامس: أن يستر عليه.
وهذا ما بات واضحاً من خلال معرفة الحق الرابع، فإن ذلك ثابت له، سواء كان العلم... ناتجاً عن التتبع المذموم أو من خلال الصدفة والاتفاق.
السادس: أن ينصحه.
ويكون ذلك لزاماً مع تحقق أمرين: الأول: أن يقبل النصيحة ولا ينفر، والثاني: أن تكون بينك وبينه حيث أنها تمثّل في السرّ زيناً له، بينما في العلم وأمام الملأ تصبح شيناً عليه.
السابع: إعانته عند الشّدة.
فإن من حق الجار أن لا يسلّم جاره عند المصيبة الشديدة ويتركه
16
12
الدرس الثاني: الجيران
للنائبات بل أن يقف إلى جانبه مؤازراً ومواسياً ومعيناً له بالنفس والمال وما وقع تحت قدرته.
الثامن: أن يعفو عنه1.
لأن العيش الكريم والإباء والترفع على خط واحد فيما لو صدرت منه إساءة أو زل في مقام أو عشر في حديث وما أكثر ما يقع ذلك بين الجيران خصوصاً في المرافق العامة المشتركة بينهم كمواقف السيّارات أو مداخل الأبنية وما شاكلها، فإن المطلوب هو الصفح عنه والحلم معه حتى يرجع إلى رشده وصوابه وهو الأقرب للتقوى ودوام حسن الجوار.
التاسع: أن يعوده إذا مرض.
وفي عيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لجاره اليهودي كما تحدثنا الروايات كفاية.
العاشر: أن يشيّعه إذا مات.
ويدل على ذلك ما ورد عموماً في تشييع الجنازة والجار من باب أولى وخصوصاً ما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعداد حقوقه: "وإن مات اتبعت جنازته"2.
وهناك حقوق تفصيلية اشتمل عليها حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ما تقدم حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابته مصيبة عزّيته، وإن أصابه خير هنّأته، وإن مرض عدته، وإن مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا تخرج بها ولدك تغيظ بها ولده، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها"3.
1- إن جميع هذه الحقوق مستفادة من رسالة الحقوق، ص119.
2- ميزان الحكمة، 3026.
3- م.ن، 3026.
17
13
الدرس الثاني: الجيران
إن ذكر هذا المنهج في التعاطي ما هو إلا للحرص على راحة الجار والعناية الفائقة به حتى أثناء القيام بالحاجات الشخصية كطهي الطعام وغيره رعاية لإبقاء المودة حتى بين الصغار الذين هم بذور الخير التي ستثمر غداً في ربوع هذه العلاقة الحميمة.بل الواجب تفقّده لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: "ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع"1.
و- آثار حسن الجوار:
1- زيادة الرزق:
حيث جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن الجوار يزيد في الرزق"2.
2- زيادة العمر:
كما عنه عليه السلام: "حسن الجوار يعمّر الديار ويزيد في الأعمار"3 وكذلك يتضح من هذا الحديث أثر ثالث وهو:
3- عمران الديار.
1- م.ن، 3024.
2- م.ن، 2999.
3- م.ن، 3000.
18
14
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
الدرس الثالث
المرضى والجرحى
في الحديث:
"سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجراً من عبادة سنة" ميزان الحكمة، 18480..
1- المرضى:
أ. أقسام المرض:
إن الأمراض كلها قسمين منها ما يصيب الأرواح وتسمى بالمعنوية، ومنها ما يصيب الأبدان وتسمى بالمادية ولا شك أن الأخطر منها والأشد فتكاً والأقرب للفناء هو الأول وله في الذكر الحكيم والسنّة المطهّرة منظومة من العلاجات التي تبحث في علم الأخلاق لكن محل حديثنا هو القسم الثاني وهو في اتجاهين: الأول: بيان وظيفة المريض نفسه وفي كيفية التعامل مع مرضه، والثاني: بيان وظيفة الآخرين اتجاهه.
ومن المناسب قبل التفصيل في الوظيفتين معرفة أقسام الأمراض البدنية خاصة وهي.
19
15
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
أولاً: مرض البلاء.
وهو قد يكون إما لرفع الدرجات أو لغفران الذنوب لكن لا يعد كونه بلاءً، ففي الحديث: "ألا وإن من البلاء الفاقة، واشد من الفاقة مرض البدن، واشد من مرض البدن مرض القلب"1 ... وفي الكلمة الأخيرة تصريح وتأكيد على ما تقدم من خطورة الأمراض المعنوية التي مركزها القلب وعالمها الروح.
ثانياً: مرض العقوبة.
وهو ما يكون على ذنب اقترفه الإنسان أو حق تعدّاه، فاستحق تعجيل العقوبة عليه.
ثالثاً: مرض الموت.
وهو ما كان علّة للفناء لحلول وقت الأجل.
وقد جمع هذه الأقسام حديث الإمام الصادق عليه السلام: "إن المرض على وجوه شتّى: مرض بلوى، ومرض العقوبة، ومرض جعل عليه الفناء"2.
ب- وظيفة المريض:
1- الصبر على المرض.
حيث أنه ليس من صفات المؤمن الجزع عند السقم وكذلك هو مدعاة للتعجب فقد ورد عنهم عليهم السلام: "عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربّه"3 فضلاً عما ورد في فضيلة الصبر وهذا من موارده.
1- م.ن، 18468.
2- م.ن، 18500.
3- م.ن، 18476.
20
16
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
2- الشكر الدائم.
كان من دعاء علي بن الحسين عليه السلام إذا نزل به كرب أو بليّة: "اللهم لك الحمد على ما لم أزل أتعرف فيه من سلامة بدني ولك الحمد على ما أحدثت بي من علّة في جسدي، فما أدري أي الحالين أحق بالشكر لك، وأي الوقتين أولى بالحمد لك أوقت الصحة أم وقت العلة التي محصّتني بها"1؟
3- عدم الندم والقنوط
مما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل.. إن سقم ظلّ نادماً، وإن صحّ أمن لاهياً، يعجب بنفسه إذا عوفي ويقنط إذا ابتلى"2.
4- كتام المرض.
حيث يعد من الصفات العالية التي تتحلى بها الشخصية الإيمانية ويعتبر كنزاً من كنوز البّر والجنة ووسيلة للصلة الحقيقية بين العبد وربه سبحانه.
في الحديث: "من كنوز البّر: كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة"3.
وفي آخر: "أربع من كنوز الجنة: كتمان الفاقة، وكتمان الصدقة، وكتمان المصيبة وكتمان الوجع"4 وهو من الآداب وليس من الواجبات.
5- عدم الشكاية.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله عزّ وجلّ مَنْ مرض ثلاثاً فلم يشكُ
1- م.ن، 18467.
2- م.ن، 18518.
3- م.ن، 18482.
4- م.ن، 18483.
21
17
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
إلى أحد من عوّاده أدبلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، فإن عافيته عافيته ولا ذنب له، وإن قبضته قبضته إلى رحمتي"1.
وورد أيضاً: "من مرض يوماً وليلة فلم يشكُ إلى عوّاده بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع"2.
وفي حديث ثالث: "من كتم وجعاً أصابه أيام من الناس وشكى إلى الله عزّ وجلّ كان حقاً على الله أن يعافيه"3.
من هنا يمكننا أن نستخلص الآثار الكبيرة للقيام بهذه الوظيفة من خلال الأحاديث فيما يلي:
1- العافية والشفاء بأفضل مما كان عليه.
2- غفران الذنوب.
3- البعث مع النبيين عليهم السلام.
4- جواز الصراط كالبرق اللامع.
5- الرحمة إذا قبضه الله إليه.
كما ينبغي التنبيه على معنى الشكاية فيظهر الفرق بينها وبين عدم الكتمان.
ففي الحديث: "ليست الشكاية أن يقو الرجل: مرضت البارحة، أو وعكت البارحة ولكن الشكاية أن يقول: بليت بما لم يبل به أحد"4 فعليه لو أعلم الإنسان الآخرين بمرضه فهو لم يلتزم بأدب الكتمان، لكن لو شكا إليهم ربه سبحانه أو بليته بالتعبير المتقدم في الرواية
1- م.ن، 18486.
2- م.ن، 18487.
3- م.ن، 18488.
4- م.ن، 18491.
22
18
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
يكون قد خالف وظيفته المتمثلة فيما أوصاه الله عزّ وجلّ إلى عزير: "... وإذا نزلت إليك بليّة فلا تشكُ إلى خلقي كما لا أشكوك إلى ملائكتي"1....
ج- وظيفتنا مع المريض: عيادته.
أ- الحث على العيادة:
إن الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني؟
قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!
قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده"2؟!.
ب- ثواب العيادة:
لأن الواحد منا إذا أراد أن يكون مرحوماً فعليه بزيارة المرضى، ومما جاء في الحديث: "عائد المريض يخوض في الرحمة"3...
وفي آخر: "من عاد مريضاً شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يرجع إلى منزله"4.
وفي ثالث: "عائد المريض في مَخْرَفَة (موضع الإقامة) الجنة فإذا جلس عنده غمرته الرحمة"5.
ج- أدب العيادة:
إن العلاقات في الإسلام محكومة بآداب رسمت ليكون الإنسان على أجمل وأكمل وأفضل ما أراد الله تعالى من الخير العميم في
1- م.ن، 18485.
2- م.ن، 18505.
3- م.ن، 18501.
4- م.ن، 18504.
5- م.ن، 18503.
23
19
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة على ما مشى فيه من السنن الإلهية ومن ذلك أمور تراعى في زيارة المريض.
أولاً: أن تكون قصيرة بحيث تشكّل فسحةً وتخفيفاً عليه لا ثقلاً وتقييداً له إلا إذا أحب المريض بقاء الزائر وسأله ذلك، ففي الحديث: "إن من أعظم العوّاد أجراً عند الله لمن إذا عاد أخاه خفّف الجلوس إلا أن يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسأله ذلك"1.
ثانياً: حمل الهدية إليه بالذي يؤدي إلى راحته، فمن وصاياهم عليهم السلام: "عد من لا يعودك وأهد من لا يهتدي لك"2.
وفي رواية عن الصادق عليه السلام: "أن مرض بعض مواليه فخرجنا إليه نعوده ونحن عدة من عوالي جعفر فاستقبلنا جعفر في بعض الطريق فقال لنا: أين تريدون؟ فقلنا: نريد فلاناً نعوده فقال لنا: قفوا فوقفنا. فقال: مع أحدكم تفاحة، أو سفرجلة، أو أنرجة، أو لعقة من طيبن أو قطعة من عود بخور؟ فقلنا: ما معنا شيء من هذا، فقال: أما تعلمون أن المريض يستريح إلى كل ما أدخل به عليه3؟!.
ثالثاً: إظهار المودة من خلال وضع اليد على ذراعه وما شابه ذلك.
في الحديث: "تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه وتعجّل القيام من عنده"4... وهذا من العادات المعروفة والمألوفة في زمننا.
د- حكمة العيادة:
وهي تذكّر الآخرة واللجوء إلى الله سبحانه كما جاء في الحديث: "عودوا المريض واتبعوا الجنازة يذكّركم الآخرة"5.
1- م.ن، 18512.
2- م.ن، 18508.
3- م.ن، 18514.
4- م.ن، 18513.
5- م.ن، 18515.
24
20
الدرس الثالث: المرضى والجرحى
2- الجرحى:
من خلال ما تقدم بيانه في العلاقة مع المرضى يتضح الأمر بالنسبة للجرحى وهم أصحاب رتبة سامية ليس فوقها سوى رتبة الشهادة، أعدّ الله تعالى لهم يوم القيامة مقعداً لا يبلغه سواهم، فما أجمل صورهم وما أزكى ريحهم وما أعظم شأنهم كما يصور لنا هذا الحديث الشريف: "من جرح في سبيل الله جاء يوم القيامة، ريحه كريح المسك ولونه لون الزعفران عليه طابع الشهداء"1...
وما ذلك إلا جزاء لتضحياتهم وآلامهم التي دامت ليالي طويلة، ووساماً خاصاً للذين فقدوا أطرافهم فعاقهم هذا أمام ممارسة شؤونهم الحياتية، وحررّهم في الوقت نفسه فسبقوا غيرهم إلى بلوغ الدرجات وسماء المعنويات بما لنفوسهم الزكية من سمات في مدرسة البذل والعطاء، فكيف نوفي حقوقهم؟!
وبأي شيء نقوم بخدمتهم وهذا إمامنا الخميني قدس سره يقول: "ما أعجز أقلامنا وألسنتنا عن وصف الذين فقدوا بعضاً من أعضائهم... حقاً إن بياننا ولساننا عاجزان عن تصوير المنزلة السامية لهؤلاء الأعزاء... إذن فعلينا الإقرار بالعجز عن كل ذلك والدعاء بالرحمة الإلهية الخاصة للشهداء وبالسلامة للمعوقين الذين هم أيضاً الشهداء الأحياء".
فلذلك سوف نبقى نشعر بالخجل دائماً أمامهم ونسأل الله أن يوفقنا لخدمتهم عرفاناً منّا بشأنهم، وإدراكاً لمقامهم.
1- ميزان الحكمة، ح9814.
25
21
الدرس الرابع: الشهداء
الدرس الرابع
الشيعة
عن الصادق عليه السلام:
"شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم، ويحجّون البيت، ويجتنبون كل محرم".
صفات الشيعة، ح1، ص13.
تمهيد:
مما لا يختلف فيه إثنان أن الاتصال بالأشراف خير من الانتساب إليهم بالأقوال وبذلك نطقت مئات المضامين الشريفة مما أثر عنهم عليهم السلام، من جملتها هذه الرواية التي صدّرنا بها درسنا، ويرجع ذلك في جوهره إلى أن الإيمان والالتزام بمنهج من المناهج يوجب السير على وفقه، والعمل على طبقه، وإلا كانت السيرة الحياتية في سائر شؤونها وشجونها كاذبة من الناحية العملية في حكايتها عن ذلك المعتقد، ولذا كان من الصحيح قراءة البشر من ممارساتهم والتعويل
26
22
الدرس الرابع: الشهداء
عليها بما دلّت، مع وجود هوّة كبيرة بينها وبين خطاباتهم لأن إعراب الأفعال خير من إعراب الأقوال، وهكذا أرادنا أئمتنا عليهم السلام الصادقين من الناحيتين كي لا ندخل في زمرة: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾1 وبما يفرضه أتباعنا لهم عليهم السلام من صفات عالية وأخلاق فاضلة ونفوس زكية.
أ- من هم الشيعة؟
تعالى معي نسأل إمامنا الباقر عليه السلام كما سأله جابر الجعفي كيف كان يعرف الشيعة؟ فيجيبنا: "... وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشّع، وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبّر بالوالدين، والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء"2...
فهنا نلاحظ أن الجواب بأكمله لم يكن متجهاً إلى الكشف عن هويتهم من خلال تعابير لفظية صادرة منهم بل إلى عباداتهم ومعاملاتهم بالحسنى مع الناس، وامتلاكهم الشمائل وكفى بذلك معرِّفاً بهم لمن لا يعرفهم، ودالاً عليهم عند المذاهب والفِرَق.
ب- الحقوق الواجبة:
إن بعض الواجبات التي فرضتها الشريعة الغرّاء هي بإزاء الفرد
1- الصف:3.
2- صفات الشيعة، ح22، ص20.
27
23
الدرس الرابع: الشهداء
كما هو معلوم وهناك بعض آخر وعلّه الأخطر والأهم ما كان منها بإزاء المجتمع والجيل حيث يكون الإنسان مسؤولاً عن وظائفه في ذلك الميدان الواسع، فالقسم الأول غالباً ما ينحصر في الجانب العبادي والثاني ما يتعداه إلى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهي بأجمعها مما ينبغي مراعاتها حين الركوب في سفينة الولاية التي بها النجاة ولولاهما الهلاك فوجب العلم بها احترازاً من الانحراف عنها وهذه أهمّها:
أولاً: الموالاة والمعاداة.
عن أبي الحسن عليه السلام: "من عادى شيعتنا فقد عادنا، ومن والاهم فقد والانا، لأنهم منا خلقوا من طينتنا، من أحبهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منا"1.
وهذه وظيفة عامة مطلوبة اتجاه الجمع الولائي لأهل البيت عليهم السلام إذ لا يكفي موالاتهم بل لا بد من مخالفة أعدائهم إذ لا يجمع بين الحق والباطل، بل لا يكون المرء على الحق ما لم ينكر الباطل ويكفر به ولذلك قدّم القرآن الكريم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله في صياغته الإعجازية حيث قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾2.
وورد عن الرضا عليه السلام نفي الدخول في حصن الولاية لمن لم يخالف أعداءهم: "شيعتنا المسلّمون لأمرنا الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منّا"3.
1- م.ن، ح5، ص14.
2- البقرة:256.
3- صفات الشيعة، ح2، ص13.
28
24
الدرس الرابع: الشهداء
ثانياً: التباذل والتزاور.
فإن من حقوق أهل الولاية فيما بينهم أن يتواصلوا بأتم ما يكون عليه التواصل وان يتباذلوا بأقصى ما يكون عليه هذا الأمر كما جاء في الحديث: "إنما شيعة علي عليه السلام المتباذلون في ولايتنا المتحابّون في مورثنا، المتزاورون لإحياء أمرنا، إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة لمن جاوروا، وسلم لمن خالطوا"1.
وهنا يتعرض الإمام عليه السلام إلى ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: العلاقات الداخلية: حيث يبيّن كيف يجب أن يكون التعامل فيما بينهم بوصفهم ينتمون إلى الطائفة المحقة، فيظهر لهم الحقوق من البذل والحب والزيارة وغير ذلك من مقوّمات الترابط والتعاضد الواجبة على كل منهم اتجاه الآخرين. وهو ما يسمّى بالترتيب الداخلي الشبيه بوضع الأسرة الواحدة.
الجانب الثاني: العلاقات الخارجية: أوضح عليه السلام كيفية مجاورتهم ومخالطتهم للآخرين الذين لا ينتمون إلى مذهبهم في معرض حديثه عنهم كجمعٍ يقابله غيره الخارج عن حقيقة، فأظهر راحة الآخرين منهم وسلامتهم في التعاطي معهم قائلاً عليه السلام: "بركة لم جاوروا وسلم لمن خالطوا"2.
الجانب الثالث: المقوّمات الشخصية: وهي عدم الظلم مع الغضب ولا الإسراف مع الرضا كما مرّ في قوله عليه السلام: "إن غضبوا لم يظلموا وإن رضوا لم يسرفوا"3.
1- م.ن، ح23، ص21.
2- م.ن.
3- م.ن.
29
25
الدرس الرابع: الشهداء
ثالثاً: وحدة الكلمة.
يقول الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمنين من أصل واحد لا يدخل فيهم داخل ولا يخرج منهم خارج ومثلهم والله مثل الرأي في الجسد ومثل الأصابع في الكفن فمن رأيتم يخالف ذلك فاشهدوا عليه بتاتاً أنه منافق"1.
رابعاً: الائتمان والصبر.
عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أنبئكم لم سمي المؤمن مؤمناً لائتمان الناس إياه على أنفسهم وأموالهم"2...
وعن الصادق عليه السلام: "لن تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة وذلك إن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء"3.
خامساً: المواصلة والمقاطعة.
جاء عن الرضا عليه السلام: "من واصل لنا قاطعاً، أو قطع لنا واصلاً، أو مدح لنا عائباً، أو أكرم لنا مخالفاً فليس منّا ولسنا منه"4.
ج- كيف يريدنا عليه السلام؟
لنترك الجواب إلى لسانهم الشافي وبيانهم الوافي صلوات الله وسلامه عليهم في مقاطع ثلاثة:
المقطع الأول:
عن الصادق المصدّق جعفر بن محمد عليه السلام: "شيعتنا من لا يعدو
1- م.ن، ح48، ص35.
2- م.ن، ح43، ص34.
3- م.ن، ح53ن ص36.
4- م.ن، ح10ن ص17.
30
26
الدرس الرابع: الشهداء
صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يطرح كلّه على غيره، ولا يسال غير إخوانه، ولو مات جوعاً، شيعتنا من لا يهّر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب"1...
المقطع الثاني:
"إنما شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر"2.
المقطع الثالث:
"عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم وإفشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم، واتبعوا جنائزهم، فإن أبي حدثني أن شيعتنا أهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم... حبّبونا إلى الناس ولا تبغضّونا غليهم"3.
أي كونوا دعاة لنا بأعمالكم عبر هذا السلوك الإلهي الذي أردناه لكم فيحبنا الآخرون ترجمةً لما عرّفناكم وإجابة لما دعوناكم، وهي وصيتنا التي تركناها لكم لازمة على رؤوسكم وأمانة في أعناقكم.
د- من هو أفضلنا؟
ولعل هذا السؤال كثيراً ما يدور في أذهاننا، لا لأن الأفضلية هذه تكسب المرء مكاناً مرموقاً في العالم الفاني ولا تجعله امتيازات تعذره
1- م.ن، ح34، ص25.
2- م.ن، ح21، ص20.
3- م.ن، ح39، ص32.
31
27
الدرس الرابع: الشهداء
في أنه يحق له ما لا يحق لغيره، إذ أن حب التفرّد هو من الحبائل الشيطانية، والسبل المهلكة، لكن لأجل أن يهتدي الإنسان إلى السبيل الذي يكون فيه أكثر قرباً من الله سبحانه وتعالى فيكون الجواب:
عنهم عليهم السلام: "بعضكم أكثر صلاة من بعض، وبعضكم أكثر حجاً من بعض وبعضكم أكثر صدقة من بعض، وبعضكم أكثر صياماً من بعض وأفضلكم أفضل معرفة"1.
نسأله تعالى أن يجعلنا من العارفين بحقهم عليهم السلام.
1- م.ن، ح28، ص23.
32
28