الأسرة

لقاء مطوّل مع سماحة الإمام الخامنئي


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2018-07

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للترجمة

مركز متخصص بنقل المعارف والمتون الإسلامية؛ الثقافية والتعليمية؛ باللغة العربية ومنها باللغات الأخرى؛ وفق معايير وحاجات منسجمة مع الرؤية الإسلامية الأصيلة.


إضاءة

إضاءة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّ المكانة التي يتمتع بها سماحة الإمام الخامنئي واجدة لشأنين هما الحاكميّة على أمور البلاد والحاكميّة على القلوب والنفوس. وعادة ما يجري الاهتمام بالشأن الأوّل الذي ينبري لحلّ العقد المنبثقة عن الأمور الجارية، التي تحول دون وصول النظام إلى طريق مسدود. لكنّه بصفته عالمًا ومفكّرًا إسلاميًّا وقف علمه على التربية وإيصال الناس إلى السعادة، له شأن آخر هو هداية القلوب، والحاكميّة عليها وجذب الأنفس نحو الكمال وإيجاد الجوّ المناسب لنموّ الفضائل الإنسانيّة في المجتمع، والأبوّة لكلّ فرد من أبناء هذا البلد. فهو الأب القلق من مشاكل أبنائه وهمومهم وآلامهم.

إنّ المشاكل الثقافيّة اليوم تحتاج إلى طبيب حاذق "دوّار بطبّه"[1] يفتّش عن المرضى والضعفاء. وهذا الطبيب الحاذق موجود اليوم، ونحن علينا أن نساعده على الدوران بطبّه.

أحد الهواجس المهمّة لدى القائد، هو هاجسه فيما يتعلّق بطريقة حياة الناس التي عبّر عنها بـ"نمط الحياة" وشرّح مسائلها مرحلة مرحلة. والعنوان الأوّل الذي طرحه تبعًا لبحث نمط الحياة هو موضوع "الأسرة". هذه الهواجس الأساسيّة حتّمت على مركز "صهبا" أن يعدّ شيئًا في هذا المجال من كلمات القائد المعظّم، يلبّي احتياجات المراحل المختلفة لحياة الأسرة. فبدأ التحقيق وتجميع الموادّ. وكانت المواضيع لافتة وجذّابة من ناحيتين:

الأولى: كيفيّة نظرته للمرأة ودورها في الأسرة.

والثانية: تقديم النموذج الجامع للأسرة الإسلاميّة إلى المجتمعات البشريّة.

واجهتنا بين المستندات ظاهرة جذابة واستثنائيّة هي إلقاء خطبة في جلسات عقد القران (الزواج) من قبل القائد. وكان يسود هذه الجلسات جوّ حميميّ جدًّا، وهذا يشير إلى محبّته لزواج الشباب. يقول السيّد القائد في جلسة أسئلة وأجوبة له مع الطلبة الجامعيّين في جامعة شيراز، حين كان رئيسًا للجمهوريّة: "إنّني في طهران أجري كلّ أسبوع عقد قران لأحدهم. إحدى الأعمال التي حافظت عليها وتعتبر من المهام والمراسم التي يقوم بها علماء الدين. إنّني أحبّ القيام بهذا الأمر"[2]. حتمًا اتّخذت هذه الجلسات في فترة القيادة المفعمة بالبركة مسارًا انحداريًّا، ولكنّ هذه السُّنّة الحسنة لا زالت مستمرّة.

يأخذ السيّد القائد الوكالة من العروس ويأخذ عالم دين آخر الوكالة من العريس. لكنّه قبل تلاوة صيغة العقد، يخصّص عدّة دقائق للحديث إلى الأسر والأزواج الشباب، ببيان عذب، جذّاب، سلس ومفهوم، فتحكي البسمات المرتسمة على شفاه الحاضرين عن وقعه في قلوبهم وتقبّلهم له. إنّه يدرك جيّدًا احتياجات الإنسان في العصر الراهن، ذلك أنّ الارتباط الوثيق بالناس وجسم المجتمع، يؤدّي إلى الوعي الكامل بموقعيّة الأسر اليوم، والمعرفة بالمشاكل، وتقديم الخطط الكاملة والمتناسبة وشرائط العصر وظروفه.

كما إنّه بصفته عالم اجتماع "نحرير"، ينظر إلى الأسرة على أنّها النواة الأساسيّة والخليّة الأصليّة التي توجد النسيج الاجتماعي، ويهتمّ بالرسالة الاجتماعيّة لهذه المؤسّسة في طريق الهدف النهائي لتشكيل الحضارة الإسلاميّة: "إنّ هدف الشعب الإيرانيّ والثورة الإسلاميّة هو إيجاد الحضارة الإسلاميّة الجديدة. وتنقسم الحضارة الجديدة على قسمين:

حدهما الجزء الأداتي. والثاني الجزء المضموني والأساسي والأصلي... لكنّ الجزء الحقيقيّ يتمثّل في تلك الأشياء التي تشكّل مضمون حياتنا، وهي نمط العيش نفسه الذي تكلّمنا عنه. هذا هو الجزء الحقيقيّ والأصلي للحضارة، كموضوع الأسرة، نمط الزواج، نوع المسكن، طراز اللباس، نموذج الاستهلاك، نوعيّة الطعام، والطبخ،..."[3].

المسألة الأخرى هي أنّ العالم اليوم أسير لهيمنة ثقافة الغرب الدعائية، وعلى كلّ من يقدّم وصفة لحلّ مشاكل البشر، أن يعرف نقائص الثقافة الغربيّة، ويقدّم بدائل لهذه النقائص. وسماحة الإمام الخامنئي مطّلع بنحو تامّ على هذه الثقافة وأركانها وأسسها، وإلى جانب رؤيته لنقاط قوّة هذه الثقافة، لديه معرفة تامّة بإحدى أهمّ انحرافاتها، أي الابتعاد عن النظرة الصحيحة لموضوع الأسرة والمرأة. لذا تراه يؤكّد كثيرًا على المرأة ودورها في الأسرة، ويقول مرارًا وتكرارًا بأنّنا في موضوع المرأة غرماء للثقافة الغربيّة.

لكنّ النقطة الأساسيّة هي أنّ سماحة القائد هو زوج وأب بكلّ ما للكلمة من معنى. وهو أوّل العاملين بالوصايا والتأكيدات التي يطلقها فيما يتعلّق بالأسرة. وأسلوبه في التعامل مع الوالدين والزوجة والأبناء وكنّاته وأصهرته وأحفاده وفي كلّ تفاصيل الحياة العائليّة، قد بلغ القمّة، بحيث جعل ذلك منه المثال الحسن للناس في هذا المجال. وإذا ما انفتح أمامنا طريق معرفة سيرة حياته، لعمّ نورها حتمًا، المجتمع بتمامه.

لقد تزوّج الإمام الخامنئي في أوج فترة النضال والمواجهات الثوريّة، وتشهد حياته الجهاديّة لحظة بلحظة على أنّ الثورة ونهضة إحياء الإسلام في إيران تبدأ من مؤسّسة الأسرة، التي تشكل الخلايا الأساسيّة للنسيج الاجتماعي، وذلك بكفاح ذوي البصيرة من الرجال، وتحريض وتشجيع النساء الصبورات والمستقيمات.

فيما يلي نورد بالترتيب مقابلتين أُجريتا مع زوجته المحترمة ـ السيّدة خجسته ـ في العامين 1983 و1993:

"أذكر قصّة حدثت في تشرين الثاني من العام 1977 لا تغيب عن بالي أبدًا. كانت تلك المرّة الأخيرة التي اعتقل فيها. لقد حاصروا منزلنا منذ الساعة السابعة مساءً. لم يكن السيّد الخامنئي في المنزل. أتى عند الساعة الثانية عشرة ليلًا. عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، قرع عناصر الأمن (السّافاك) باب المنزل. كان ما زال مستيقظًا. اتّجه نحو الباب، وما إن فتحه حتّى وجّه عناصر السافاك فوّهات بنادقهم إلى الداخل وقاموا بتهديده، فقاومهم وأغلق الباب في وجههم. كنت نائمة، استيقظت على صوت انكسار زجاج الباب وصوت عناصر السافاك الذين كانوا يصرخون ويقولون: "استسلم، وإلاّ أطلقنا النار، رأيت مصطفى جالسًا في سريره مذعورًا ويقول: ماما، لقد قتلوا والدي. حينها التفتّ إلى ما يجري. رأيت من خلف زجاج الباب عناصر السافاك يكبّلون يديه، فيما راح بعضهم يضربه وهو يدافع عن نفسه. وضعت تشادوري (عباءتي) على رأسي بسرعة. دخل أحد العناصر إلى القاعة التي كنّا نائمين فيها، ووجّه سلاحه صوبي ولم يسمح لي بالإتيان بأيّة حركة. في تلك الأثناء استيقظ أخي الذي كان بائتًا ليلته عندنا، وهرع إلى القاعة متسائلًا ماذا حدث؟ قلت: لا شيء، إنّها أعمالهم المعتادة. غضب السافاك من كلامي. كان ميثم (الإبن الثاني) يبكي في مهده، مضت فترة من الوقت، نهضت وذهبت إلى المطبخ ومن هناك إلى غرفة المكتبة، حيث كان سماحته ورجال السافاك هناك، كانوا مشغولين بالبحث بين الكتب. وبعد عدّة جولات من الدخول والخروج الهادئ إلى الغرفة، سحبت منها بعض الأوراق والمؤلّفات التي كان السيّد الخامنئي قد جهد في تأليفها. أذّن لصلاة الصبح، فطلب سماحته منهم أن يؤدّي صلاته. توضّأ تحت نظر عناصر السافاك، أدّى صلاته، ومن ثمّ تهيّأوا للذهاب. أيقظت الأولاد الذين كانوا نائمين، وحتّى لا يشعروا بالانزعاج قلت لهم بأنّ والدهم يريد السفر. لكنّ الأولاد حين رأوا عناصر السافاك بأسلحتهم فهموا القضيّة. ودّعنا سماحته وذهب مع عناصر السافاك. عندما استنار الصباح أكثر، رأيت دماء على الأرض، لا أدري لِمَ اتّصلوا بعد ظهر ذلك اليوم من مخفر الشرطة وقالوا إنّهم في صدد نقله إلى مكان آخر، فإن رغبتِ في رؤيته، عليك المجيء بأقصى سرعة. ذهبت برفقة بعض أصدقائه إلى مخفر الشرطة. قابلته هناك وحينها علمت أنّ رجله جُرحت جرّاء ضرب عملاء السافاك له.

في اليوم التالي ذهبت مجدّدًا للقائه فقال لي: لقد حكموني بالنفي ثلاث سنوات إلى إيرانشهر. بعد إمضاء فترة من محكوميّته في إيرانشهر، نُقل إلى "جيرفت" إحدى توابع "كرمان". وبعد فترة قصيرة وبسبب انتصار الثورة، عاد إلى مشهد، وبهذا انتفى ما بقي من مدّة محكوميّته تلقائيًّا". 

"لقد تزوّجت من سماحته عام 1964، وطبعًا فقد تمّ هذه الزواج وفقًا لما كان معتمدًا ومرسومًا في العائلات المتديّنة آنذاك، فقد أتت والدته إلى منزلنا من أجل الخطبة، وبعد المداولات المعتادة أُقيمت مراسم الزواج. لدينا أربعة أبناء وابنتان، وقد وُلِد كل أبنائنا قبل الثورة أمّا ابنتانا فوُلدتا بعد الثورة.

لقد كانت تلك الفترة (ما قبل انتصار الثورة) فترة شاقّة وامتحانًا إلهيًا، وكنت قد جهّزت نفسي لكل المشاكل المحتملة، فلم أنبس ببنت شفةٍ أبدًا ولم أشكُ من أمرٍ ما. أذكر أنّه خلال الأشهر الأولى بعد زواجنا، سألني زوجي في أحد الأيام: "إن تمّ اعتقالي فماذا سيكون موقفك؟" لقد كان سؤالًا غير متوقع، وقد اضطربت واستأتُ جدًا في بادئ الأمر، لكنّه حدّثني عن المواجهة ومخاطرها ومشاكلها ووظيفة كل شخص في هذا المجال بحيث أقنعني تمامًا. وقد فتح سماحته هذا الموضوع في اليوم نفسه الذي اعتُقِل فيه الإمام الخميني قدس سره للمرّة الثانيةً وجيء به من قم إلى طهران ومن ثمّ أُقصي إلى تركيا. في ذلك اليوم كان السيد الخامنئي وآخرون في مشهد قد جهّزوا أنفسهم لإبداء مخالفتهم واعتراضهم على هذا الأمر، فسألني حينها عن ردّة فعلي في حال اعتقاله. ومنذ ذلك اليوم هيّأت نفسي فكريًا لمواجهة المخاطر التي قد يواجهها زوجي في كفاحه، لذا ففي كل مرة كان يتم اعتقاله أو إبعاده أو كان يضطر للقيام بنشاطاته خفيةً وبشكل سرّيّ، كنت أتحمّل كافّة المشاكل بسهولة. وفيما بعد عندما زاد عدد أبنائنا، كانت الحياة تصبح أكثر صعوبة من ذي قبل، وطبعًا كانت في عناية الله دائمًا ولم أشعر باليأس أبدًا.

أظنّ أنّ دوري الأكبر كان في حفظ جوّ الاستقرار والهدوء في البيت، بحيث يستطيع سماحته متابعة عمله براحة بال.

فكنت أسعى أن أبعد عنه القلق بخصوصي أنا وأولادي، وفي بعض الأحيان عندما كنت أذهب إلى السّجن لملاقاته لم أكن أخبره عن المشاكل التي كنّا نعانيها، وعندما كان يسألني عن حالي وحال أولادي لم أكن أخبره إلا بالأمور الإيجابية. فمثلًا لم أكن أخبره عن مرض الأولاد خلال لقاءاتي به في السجن، أو في الرسائل التي كنت أكتبها له في فترة الإبعاد.

بالطبع، كنت أقوم بنشاطات في مجالات مختلفة كنشر البيانات وحمل الرسائل وإخفاء الوثائق، ولكنّي أرى أنّ هذه ليست شيئًا يذكر. في آخر أشهر الكفاح كان سماحته يعمل في ما يتعلّق برسائل الإمام الخميني قدس سره الهاتفية من باريس، فكنت أرسلها إلى مراكز في مشهد والمدن الأخرى لإعادة تسجيلها ونشرها وتوزيعها، وكنت أجمع الأخبار من مشهد وباقي مدن خراسان وأتّصل بباريس. ولكنّي أظنّ أنّ الدعم المعنوي ومشاركة الآلام وحفظ الأسرار وتحمّل المشقات كانت أهمّ أعمال النساء المجاهدات والحرائر في ذلك الزمان.

(فيما يتعلّق بمساعدته داخل البيت) في الوقت الحاضر، فليس لسماحته المجال لذلك، ولا نحن ننتظر منه هكذا أمر. ولكن لدى سماحته ميزة لطيفة وجميلة ويمكنها أن تكون نموذجًا وأسوةً للآخرين وهي أنّه عندما يتواجد في البيت يسعى أن يُبقي جوّ البيت بعيدًا عن المشاكل المرتبطة بالعمل، على الرغم من أنّه عادةً ما يكون متعبًا من العمل اليومي.

أنا بصفتي امرأة مسلمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكما بقية الأخوات المسلمات، لديّ بعض المهام على عاتقي وأقوم بتأديتها بكلّ وسعي، لكن ليس لديّ أيّ مسؤولية رسمية معيّنة.

إنّنا لم نسمح للأشياء الكماليّة أن تدخل بيتنا منذ عدة سنوات. الجمال أمر جيّد، لكن ينبغي أن لا نجعل أنفسنا مقيّدين بأن نعيش حياة الترف والكماليّات. ليس لدينا في منزلنا ديكور بالمعنى المتداول للكلمة، أي سجاد وكنبات غالية الثمن وما إلى ذلك، فلقد حرّرنا أنفسنا من هذه الأشياء منذ سنوات. لقد كان والدا السيد الخامنئي مثلنا الأعلى في هذا المجال، وكانت والدته تنتقد هكذا نوع من الكماليّات، وأنا أيضًا أؤمن بهذا الشيء. ودائمًا ما أوصي أولادنا بأن يكون سلوكهم الشخصي على هذا النحو، فلا ضرورة للأغراض الكمالية".

لقد حصل لنا التوفيق بأن نحضر في مجلس درس عالم إسلامي واجتماعي وعالم بالقرآن وعارف بشؤون الغرب وعالم عامل بعلمه، ليتحدّث إلينا عن "الأسرة"، عن فلسفة الزواج وأهميّته، عن رأي الإسلام ورأي الغرب حول الزواج، عن الفروقات والاختلاف بين الرجل والمرأة، وعن مكانة كلٍّ من الرجل والمرأة في الأسرة و... فهذه مواضيع ترتبط ببعضها البعض كحبّات المسبحة، والخيط الذي يربطها ببعضها هو قضية الأسرة وأهميتها. وفي الحقيقة لقد تم الحديث حول موضوع الأسرة وموضوع المرأة، وتمت معالجة دور المرأة في الأسرة من ناحيتين: إحداهما نقد رأي الغرب، والثانية، طرح رأي الإسلام.

هذه المواضيع أشبه برواية ذات مضمونٍ قيّمٍ، تجذب القارئ الكريم إلى نفسها وتدعوه لقراءتها، فموضوعها موضوعٌ ملموس ومن أرض الواقع، ومخاطبها ليس فقط الأزواج الذين هم في سن الشباب فحسب، بل كل من يريد أن يبني أسرة أو بناها ولا يزال في بداية الطريق، أو مضى على حياته المشتركة سنوات وهو الآن يفكر في أمر الحياة المشتركة لأبنائه، فيمكنه أن يعتبرها موجّهةً إليه.

وعند مطالعة الكتاب بشكل دقيق نفهم المضمون القرآني للآية الكريمة ﴿وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾[4] ونجد أنّنا مكلّفون جميعًا بأن نبني بيوتًا وأُسَرًا تكون خالية من النقائص الجدّيّة، سواءً في بنائها أو ديمومتها أو محتواها، وتكون متطابقة مع المعايير التي قدّمها حضرة السيد القائد.

نجلس الآن في مجلس درس أحد الملتزمين بالمباني الإسلامية، والذي هو كالشمس الساطعة يبعث الضياء، فننهل ماءً زلالًا باردًا يروينا، ونتعرّف إلى وجهة نظر الإسلام في هذه القضية المهمة.

شرح الأسلوب المتبع في هذا الكتاب

خلال إعداد هذا الكتاب تم الاقتباس من أكثر من مئة محاضرة للإمام الخامنئي، وأكثرها يتعلّق بجلسات عقد القران، ومؤتمرات الأفكار الاستراتيجية حول موضوع المرأة والأسرة، ولقاء المنشدين وقرّاء العزاء في ذكرى ولادة حضرة السيدة الزهراء (سلام الله عليها)، والجلسات مع النخب من النساء. ولأجل صياغة مباحث هذه المحاضرات، تمّ اتّباع أسلوب (جديد) على غرار "إعداد جلسة مطوّلة محبوكة في محضر سماحة القائد المعظّم" وهو ما سنشرحه في ما يلي:

* الإعداد: من أجل نشر خطابات القائد العزيز وأفكاره، ينبغي العمل بشكلٍ كافٍ ومناسبٍ على المتون، والقيام بما يصطلح عليه "إعداد كتاب" من خلال انتقاء الكلام بشكل مدروس من خطب سماحته. وبالطبع ينبغي في عملية إعداد الكتب، اعتماد أساليب متناسبة مع المواضيع بحسب اختلافها، أساليب موثّقة، إبداعية، فصيحة، واضحة، جذابة، وجميلة.

* جلسة: ليس في هذا الكتاب عنوان وهو ليس مقسّمًا إلى فصول، وتمّ ذلك عن سابق تصميم من أجل الحفاظ على طابع "الجلسة"، فبقراءتنا له نشعر وكأنّنا نستمع إلى صوت وليّنا بنغمته الدافئة، وذلك في جلسة عقد القران المفعمة بالحيوية. طبعًا جلستنا هنا افتراضيّة، جلسة افتراضيّة وتخيليّة، ولكنّ كلماتها حقيقيّة. إنّنا عندما نكون في جلسة ما، لا نعلم ما المعارف التي سيتمّ تقديمها وبأي ترتيب ستكون. وفي هذا الأسلوب المتبع في الكتاب، تم تجنّب العنونة (المباشرة) للحفاظ على جوّ الجلسة[5]. وكما نجلس في الجلسة الواقعية ونصغي

منذ بدء الكلام حتى نهايته، فإنّ أفضل طريقة لمطالعة كتاب "الأسرة" هي أن نطالعه بشكل متواصل ولا نقطع القراءة إلا عند الضرورة. ومع ذلك، فإنّ قراءة كل قسمٍ من الكتاب على حدة - في المطالعات المستقبلية - سيكون لها حلاوتها وجاذبيّتها وبريقها الخاص بها.

* مطوّلة: هذه الكلمة تعبّر عن كون هذا المتن المتماسك طويلًا. وهذا لا يعني بالضرورة ضخامة الكتاب، بل إنّ أي جلسة يطول زمان انعقادها يُقال لها مطوّلة.

* محبوكة: أي مترابطة ومتشابكة ببعضها البعض. فلأجل إعداد جلسة واحدة مطوّلة من ما يزيد عن مائة جلسة، ينبغي إدغام المطالب ببعضها وفق نظام منطقي، فتقطيع المحاضرات ووضعها إلى جانب بعضها البعض يأتي حتمًا في إطار مواضيع مرتبطة، وإن لم يلتفت القارئ إلى التواريخ ما بين المحاضرات، فسيشعر بتماسك النص وتجانسه.

* في محضر: إن كل المطالب الواردة في الكتاب هي عين كلام سماحته، وفي الحالات المعدودة التي أضيفت فيها بعض الكلمات إلى النص، تم استعمال علامة ( )، وإذا كان هناك مقطع من النص قد حُذف بسبب التكرار أو الخروج عن الموضوع، فقد تمت الإشارة إليه بنقطتين متتاليتين (..).

وفي نهاية الكتاب تمّ إدراج فهرس بمواضيع الكتاب، يمكن للقارئ أن يعثر من خلاله على المطلب الذي يريده بعد مطالعته للكتاب كاملًا.

ومن الأفضل أن يقوم كل قارئ بتدوين علامات وإشارات في حاشية الكتاب وفقًا لفهمه وللقضايا التي تحيط به وترتبط بحياته الشخصية، بحيث تساعده على مراجعة المطالب أو العثور عليها في المستقبل.

في الختام، كم من الأزواج الذين كانوا مشتاقين من صميم قلوبهم لأن يبدأوا حياتهم المشتركة في محضر وليّهم، ولكنّهم لم يحقّقوا هذا الأمل. أولئك من خلال علمهم بالرؤية الإلهيّة لمقتداهم، جعلوا مهورهم أربع عشرة مسكوكة ذهبيّة أو أقلّ، أو حتّى جعلوه مهر السنّة، على أمل أنّهم إن لم يبدأوا حياتهم المشتركة بعقد قرانهم بواسطة القائد، فبالحدّ الأدنى يكونون قد تماهوا وتناغموا مع لحن كلامه.

والآن، فإنّه من الجدير بكلّ من يحسب نفسه من الأبناء المعنويين لهذا الأب الحنون والحكيم، أن يجعل سلوكه وحالته كما يريد سماحته، وأن يضع نفسه في مسار طريق العمل الصالح من خلال (الامتثال) لتوجيهات سماحته وإرشاداته، وأن لا يرضى (لنفسه) الخروج عن دائرة رأي سماحته قيد أنملة، أو الغفلة عنها ولو للحظة.

صدر هذا العمل باللغة الفارسية في شهر أيلول 2013 الموافق

لأيّام شهر رمضان المبارك من العام 1434ق

 

[1] يقول الإمام عليّ عليه السلام في الخطبة 108 من نهج البلاغة واصفًا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "طبيب دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، وآذان صمّ والسنة بكم..".

[2] 12/12/1988.

[3] 14/10/2012.

[4] سورة يونس, الآية: 87.

[5] ثم وضع العناوين إلى جانب النصوص في طرفي الصفحات (المحرر).


12

الجلسة

الجلسة

 

استهلال

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله إقرارًا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصًا لوحدانيّته، والصلاة والسلام على أشرف بريّته وعلى الأصفياء من عترته. وبعدُ فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[1]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي"[2] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تزوّج فقد أحرز نصف دينه، فليتّق الله في النّصف الآخر" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "تناكحوا تناسلوا تَكاثُروا فإنّي أُباهي بكم الأممَ يوم القيامة ولو بالسّقط"[3].

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك الليلة هذا العقد الذي أجريه لكم أيّها الشباب المسلمون والشابّات المسلمات، وأن يوفّقكم للعمل بوظائف الزوجيّة والزواج[4]. وأن يُوفّقكم للحياة مع بعضكم عمرًا

 

مديدًا بهناءة عيش وسعادة[5]. وأن تكون ثمرة هذا الزواج أُسرًا صالحة وسليمة ومؤمنة ومتديّنة[6].

 

أودّ في البداية أن أوّجه بعض النصائح للعرائس والعرسان وعائلاتهم، ومن ثمّ أجري صيغة العقد[7].

 

في هذا العقد الذي نجريه، إنّما في الحقيقة، نربط ونصل شخصين أجنبيّين (من الناحية الشرعية) عن بعضهما البعض، بهذه الكلمات القليلة، ليصبحا أشدّ قربًا ومودّة وارتباطًا ببعضهما من كلّ العالم.

 

ثانيًا، إنّنا نوجد من خلال هذا العقد خليّة جديدة في جسد المجتمع، حيث يتشكّل جسد المجتمع من خلايا العائلات[8].

 

بالطبع، إنّ الفائدة الأهمّ للزواج هي بناء العائلة والأسرة، وباقي الأمور إنّما هي مسائل فرعيّة وثانويّة أو رافدة لهذه المسألة، كالتوالد والتكاثر أو إشباع الشهوة الجسدية، فهذه كلّها تأتي في الدرجة الثانية، ويأتي تشكيل العائلة والأسرة في الدرجة الأولى[9].

 

لقد عدّ شرع الإسلام المقدّس الزواج أمرًا لازمًا بالنسبة للرجال

 

والنساء، لأنّ قوام الحياة البشريّة نواته الأسرة، التي تقوم بالزواج[10]. ولذا، فإنّ الزواج موجود في كلّ الأديان والملل والمذاهب[11], وهو ليس مختصًّا بالإسلام[12]. وكلّ الزيجات بين أهل الملل والأديان فيما بينهم صحيحة، لذا، إذا ما أسلم شخص من أيّ دين أو مذهب غير الإسلام -ولنفترض أنّ رجلًا وزوجته أسلما- فإنّ ذلك الزواج الذي عقداه بحسب دينهما السابق صحيح[13]. فالإسلام يرى بأنّ عقود أبناء الأديان الأخرى وزيجاتهم، وارتباطاتهم صحيحة، ويعدّهما (من تزوّج منهم طبقًا لمعايير ملّته) زوجةً وزوجًا، وأولادهم أولاد حلال[14]. ولا يطلب منهما تجديد عقد الزواج، بعبارة أخرى، يحترم الإسلام كلّ الزيجات التي أُجريت في الأديان والمذاهب الأخرى. ذلك أنّ أصل الزواج، هذا العقد الشريف بين الرجل والمرأة لبدء حياة مشتركة فيما بينهما، هو أمر معتبر ومقدّس في جميع الأديان[15].

 

غالبًا ما تكون مراسم الزواج مراسم دينيّة، فيقيمها المسيحيّون في الكنائس واليهود في الكنيس، أمّا المسلمون فإنّهم وإن كانوا لا يقيمونها في المساجد، إلّا أنّهم إن استطاعوا يقيمونها في المشاهد

 

المشرّفة[16]، أو في الأيّام المباركة وعلى يد علماء الدين بالخصوص. وهكذا، فإنّ عالم الدين عندما يجلس ليعقد قران أحدهم فإنّه يخطب خطبة دينيّة. وعليه، فالصبغة صبغة دينيّة تمامًا. وللزواج جنبة قدسيّة[17]، غاية الأمر أنّ الزواج في الإسلام قد ضمن شرائط خاصّة وأحكام محدّدة، تقوّي هذه الرابطة وتوثّقها وكذا تخرجها من حال القيم غير المعتبرة إلى القيم المعتبرة[18]. ما معنى هذا؟ معناه أنّنا وبمجرّد الدخول في هذه المرحلة، نجدّد العهد مع الله المتعال بالتزاماتنا الدينيّة، ويكون البدء بالحياة الأسريّة مقترنًا بالتوجّه إلى الله. لذلك حُدّدت لكلّ المسلمين تكاليف عباديّة خاصة ليلة الزواج، من صلوات مستحبّة ودعاء وغيرها.

 

يظنّ أصحاب القلوب الغافلة بأنّ مرحلة الزواج هي مرحلة إطفاء الشهوة فقط، ومرحلة إشباع الرغبات النفسيّة، إلا أنّ الحقيقة مغايرة لذلك. إنّ إشباع الرغبات النفسيّة، وتلبية الاحتياجات الطبيعيّة أمر لازم ولا إشكال فيه أيضًا، وهو أمر مستحسن كثيرًا ـ لكن حتّى تلبية الحاجات الطبيعيّة، ينبغي أن يكون مقرونًا بتذكّر الله، والتوجّه إليه وفي سبيله. عندما تأكلون أيضًا، تبدأون بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" وعندما تنهون تقولون "الحمد لله" وتشكرون الله تعالى. وهل هناك شيء أكثر طبيعيّة من الأكل؟! ينبغي لتشكيل الأسرة أن يكون تجديد

 

عهد جديد مع الله المتعال، بمعنى أن يستحضر كلّ إنسان العهد الذي عاهده لله تعالى ويراعي الله سبحانه به في الخطوة الأولى من مرحلة الزواج[19]. لذا، فإنّه من السهل جدًّا أن يحصل الإنسان على الأجر أيضًا عن طريق هذا الإقدام والعمل الذي تقتضيه طبيعته وحاجته، لأنّه سنّة، وقد أقدم على هذا العمل بهدف أداء سنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعة أمره[20].

 

 

للزواج أهمّيّة بالغة في الإسلام[21]. ومع أنّه لم يُصنّف شرعًا من جملة الواجبات، إلّا أنّه قد تمّ الحثّ والترغيب به إلى درجة يفهم الإنسان منها إصرار الله تعالى عليه[22]. وتكمن الأهميّة في أنّ الزواج حاجة طبيعيّة والإسلام يولي الأهميّة لحاجات الإنسان الطبيعيّة، وينبغي له تشخيص الطريق السليم لقضاء هذه الحاجة وقد شخّصه بالفعل، وهو بالزواج[23]. لكلّ من الرجل والمرأة حاجة جنسيّة، ولا يمكن لهذه الحاجة أن تكون من دون قيود، ومتروكة. ومن غير الجائز أن تكون كذلك، بل ينبغي وضع حدود وضوابط لها، وحدّها هو الزواج. لذلك يقول: "من تزوّج فقد أحرز نصف دينه". ما هو نصف الدين الذي يُحرز؟ بعض منه هو ذلك الشيء الذي يُهدّد الإنسان من ناحية

 

ميوله الجنسيّة. فالميول الجنسيّة تسلب دين الكثير من البشر، وتوقع الكثير منهم في المشاكل، وفي التيه والضلال. والوقوف بوجهها يكون بإشباع هذه الميول الجنسيّة، وتلبيتها وعدم كبحها، لكن كيف؟ بالضابطة والقانون، أي بالزواج. لاحظوا كم هو الزواج مهمّ[24].

 

وهذا الأمر ليس مختصًّا بالإنسان، ذلك أنّ ارتباط الموجودَين هو وسيلة لاستمرار الحياة. وهو موجود في النباتات وفي الحيوانات بنحو ما، وهكذا هو موجود في الإنسان، غاية الأمر، لأنّ الإنسان متميّز من قبل الله تعالى بالعقل والإرادة فقد حُدّدت لعلاقته الزوجيّة قواعد ورسوم، وذلك لإعطاء الأهميّة لحدث زواج الموجودَين وارتباط القلبين ببعضهما وإيجاد مؤسّسة جديدة في المحيط الاجتماعي للبشر. والقواعد والرسوم السالفة ليست مختصّة بالإسلام، فلجميع الأديان والملل قواعدها وقوانينها. بالطبع، لقد سعى الإسلام لجعل هذه الرسوم أكثر سهولة وبساطة. وأولى اهتماماً خاصاً للزواج، فقد شجّع الناس والشبّان والشابّات على أصل الزواج، كما شجّعهم على إدارة المؤسّسة الجديدة المتشكّلة بالزواج، وكذا على استمرار الارتباط الزوجي، والمواضيع الثلاثة هي مورد تأكيد الإسلام.

 

وعن أصل موضوع الزواج، ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه رأى شابًّا أعجبه مظهره، فناداه وسأله: هل لك حرفة، فقال: لا، قال النبيّ: ألك زوجة، قال لا. فأعرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عنه وقال: "سقط من عيني". لاحظوا

 

ما للزواج من أهميّة، بحيث أُنّب المتهرّب منه كما أُنّب العاطل عن العمل[25].

 

لذا، من الأهمّيّة بمكان أن نلتفت إلى نظرة الإسلام فيما يتعلّق بالزواج. والمسألة الأولى في هذه النظرة، هي أنّ الإسلام يحثّ الشباب على الزواج، وفي عمر مبكر أيضًا، أي حين الحاجة إليه. ولا يعني هذا أنّنا نصرّ على الزواج بأسرع ما يمكن، وأنّ ذلك هو الأفضل، لا، بل أن يتمّ الزواج عندما يشعر الإنسان بالحاجة إليه. سواءً كان شابًّا أم فتاةً. ولا يسمحنّ بمرور السنين على هذا الأمر[26].

 

لقد أكّد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على الزواج المبكر للشباب - سواء الشبّان أم الفتيات - وبالطبع، برغبتهم واختيارهم، لا أن يقرّر الآخرون عنهم. وعلينا نحن أيضًا أن نروّج لهذه المسألة في مجتمعنا. على الشباب أن يتزوّجوا قبل أن يتجاوزوا مرحلة الشباب، وفي مرحلة الحماس والشوق والرغبة. وهذا مخالف لفهم الكثير من الأشخاص الذين يرون بأنّ الزيجات في مرحلة الشباب هي زيجات غير ناضجة ومحكومة بعدم الاستمراريّة. والعكس هو الصحيح، فإذا ما تمّت بالصورة الصحيحة ستكون زيجات مستدامة وجيّدة، وسيعيش الرجل والمرأة في مثل هذه العائلات حالة وفاق تامّ.

 

وما يفعله البعض من تأخير سنّ الزواج إلى أواسط العمر، كما

 

هو رائج ومعمول به في العالم الغربي والحضارة الغربيّة، هو مثل معظم أفكارهم المغلوطة، مخالف لفطرة البشر ومصلحتهم، وناشئ من إقبالهم على الشهوة والتحلّل من القيود[27]. كان هذا دأب بعض الثقافات الدخيلة، حيث أدخلها الأوروبيّون إلى بلادنا، وقالوا إنّ على الشباب أن يؤخّروا زواجهم حتّى ينهوا تعليمهم ويحصلوا على عمل، ولا أعلم إن كان لا بدّ للعمل هذا أن يكون إداريًّا أم لا؟ ومن ثمّ يتزوّجون. كما لا معنى لزواج الفتيات في أوائل سنّ البلوغ، وينبغي عليها الانتظار حتّى تكبر وتخبر كلّ شيء في هذه الدنيا، ومن ثمّ تتزوّج. كان هذا رسم الأوروبيّين. وهو أمر سيّئ جدًّا. لأنّهم يؤخّرون الزواج ليس من باب أنّهم لا يعتقدون بحاجة الشباب الجنسيّة في سنّ الشباب، بل إنّهم يعون ذلك تمامًا ويؤمنون بأنّ الحاجة الجنسيّة موجودة، غاية الأمر أنّهم يرون أنّ على الشباب في مرحلة الشباب قضاء حاجاتهم الجنسية بشكل حرّ، أي عبر ذلك الشيء الذي نعتبره نحن فسقًا ومعصيةً ويؤدّي إلى تخريب وضع المجتمع.

 

لذلك أيضًا، لم يكن ارتباط الزوج والزوجة الغربيّين والمتغرّبين ارتباطًا محكمًا وقويًّا. انظروا إلى الأُسر القديمة، يعيشون مع بعضهما خمسين، ستين، سبعين عامًا، وبعد ذلك عندما يموت أحد هذين العجوزين، يعيش الآخر لسنوات في حال عزاء عليه. لقد أُقيم بناء الزواج على المحبّة، كانا يكنّان المحبّة والإخلاص الواحد منهما للآخر،

 

ولم يجذبهما خارج إطار الأسرة شيء في مجال الجنس والعلاقة الجنسيّة، لكنّ المرأة والرجل الغربيّين ليسا كذلك، الأسرة عندهم وحدة لا أساس لها، ليست محكمة، سرعان ما تتلاشى، والطلاق كثير، وحيث لا يوجد طلاق يكون الطلاق عمليًّا. فالمرأة والرجل قد أمضيا فترة شبابهما - لا أقول كلّهم، بل معظمهم كانوا كذلك ومعظمهم الآن كذلك - من دون أن يكونا محتاجين إلى بعضهما الآخر، وقد أقبلا - بعد ذلك - على الزواج بعد إشباع رغباتهما والإحساس بعدم الحاجة. مع الملاحظة، أنّهما لم يقيّدا نفسيهما في إطار الأسرة. لا هي ولا هو، والشيء الذي يربطهما ببعضهما هو غرفة، وشقّة سكنيّة، ومكان ماديّ، لا أمر معنويّ ورابطة روحيّة. فما هو عليه تلك الأُسر والعائلات، ليس بعائلة. 

 

إنّ المرأة والرجل الكبيرين عندما يتقدّمان في السنّ - وتكون شيخوختهما قبل أوانها، فالشخص ذو الستّين عامًا يكون رجلًا عجوزًا بكلّ ما للكلمة من معنى - فهذان لن يعودا يشعران بلذّة الحياة، أبناء الستّين عامًا عندنا يصبحون يعدّون الأحفاد وما جنوه من أولاد، لقد أصبحوا الآن ثلاثين، اثنين وثلاثين، أمّا (الغربيّون) فلا، فهم منفصلون من الأساس، لأن هذه المؤسّسة، لم تكن قائمة منذ البداية على المحبّة والحميميّة، بل كانت قائمة على البرودة وعدم الاكتراث وعلى الشبع ... بالطبع، لا أقول إنّهم كلّهم هكذا، وإنّ عائلاتنا وأسرنا كلّها حميميّة وجيّدة، نعم، الشكل الغالب هو هكذا، الشكل الغالب عندنا هو هكذا، والشكل الغالب عندهم هو ذاك. وقد أدخلوا هذا

 

الأمر إلى إيران أيضًا، وإلى البيئات الإسلاميّة. والإسلام لا يقبل بهذا. الإسلام يقول لا، فليتزوّج الشابّ والفتاة في بداية الإحساس بالحاجة إلى الزواج، وليشكّلا أسرة، ماذا ينتظران؟ لذا يقول: "إنّ شرّ الناس العزّاب"، سواءً الشابّ أو الفتاة. أي إنّ الذي يحتاج إلى امرأة ولا يتزوّج، والتي تحتاج إلى رجل ولا تتزوّج فهما شرّ الناس.

 

(المسألة التالية) هي أنّ الزواج نعمة إلهيّة كبرى، وحيث إنّ لكلّ نعمة شكرًا، يكون شكر هذه النعمة بالحفاظ على رابطة الزواج قويّة ومحكمة، وبعدم السماح للمشاكل والأحداث، والضغائن، والانتقادات غير البنّاءة، والجدالات الكثيرة والنفقات المضرّة، بأن تزلزل هذه الرابطة وهذه المؤسّسة العائليّة التي تأسّست وتشكّلت بصيغة العقد الذي أجريناه[28].

 

بصيغة العقد هذه التي نتلفّظ بها وننشئها، وهي أمر اعتباريّ ـ توجد علاقة اعتباريّة بينكما، وينبغي على الشابّ والفتاة أن يبذلا سعيهما ليحافظا على هذه العلاقة[29].

 

الجميع يهدف إلى أن تقوم هذه المرحلة وهي المرحلة الأساس من حياة الإنسان على الهناء والسلامة وسعادة الطرفين. وعليكما أنتما أن تعملا على أن تكون كذلك. بناءً عليه، كلّ أمر يضعف ركن العائلة، يجب أن يُعدّ ممنوعًا من قبلكما. فبعض الشكايات والتذمّرات التي لا طائل منها، والتوقّعات الكبيرة، والقيود غير المجدية، تؤدّي إلى

 

تعكير جوّ الأسرة الودّيّ والصافي. وهذا الصفاء والودّ لا يتأتّيان عبر المال والأوامر وأمثال هذه الأمور[30]. حذارِ أن تضعف هذه المؤسّسة من خلال الشكايات، والضغائن، وكثرة التطلّبات والتوقّعات، وعدم المودّة، وأحيانًا عبر تدخّل الآخرين وأمثالها. الشيء المهمّ هو أن يسعى كلّ من الشابّ والفتاة إلى الحفاظ على هذه العلاقة الزوجيّة.

 

كيف يمكن لكم الحفاظ على هذه العلقة؟ بالطبع، الأناس العاقلون والأذكياء وذوو الإحساس والوجدان الصادق يجدون الطريق لذلك. وهذا يحصل عن طريق الثقة، والحبّ المتبادل. أن لا تفرض المرأة على الرجل شيئًا وتظلمه، ولا يظلم الرجل المرأة ويكون متطلّبًا، أن يكونا كرفيقين وشريكين، مخلصين لبعضهما ومقرّبين لتُحفظ هذه المؤسّسة[31]. وإذا ما عُمل بمقتضى ذلك التكليف، سيكون هذا العقد مباركًا، ويصبح مباركًا أكثر إن شاء الله بفعل أيديكم. إحدى الأمور التي تجعل العقد مباركًا، هو أن يشعر كلّ من المرأة والرجل بأنّ عليهما في هذه المرحلة الجديدة من الحياة وظائف ينبغي لهما أداؤها. ادخلوا هذه المرحلة الجديدة من الحياة بهذا الإحساس. لأنّ الزوجين في الحياة الأسريّة مكمّلين لبعضهما الآخر، ولا واحد منهما كامل من دون الآخر. لا تظنّوا بأنّ أحدهما هو الأصل، والثاني هو الفرع، الزوج هو الأصل مثلًا، والزوجة هي الفرع، أو طبقًا لبعض العادات الأخرى، الزوجة هي الأصل والزوج هو الفرع وتابع لها، لا، لا

 

 

أحد منهما هو الأصل ليكون الآخر فرعه، ولا أحد منهما فرع للآخر، ومجموع هذين مع بعضهما وإلى جانب بعضهما هو الأصل، وكلّ منهما محتاج للآخر، ليس فقط الاحتياج الجنسي والشهواني، بل الاحتياج الروحي، والاحتياج الأخلاقي، والديني، والاحتياج من أجل استمرار النسل البشري. المرأة مصدر طمأنينة وسكون الرجل، والرجل مصدر راحة المرأة. ولا يعني هذا أنّ لأحد منّة على الآخر، لا، فهما كمصراعي الباب، من دون أحدهما يكون (الباب) ناقصًا. والزوج هو القرين والمماثل، أي المجموع الذي يكون جزؤه ناقصًا من دون الجزء الآخر. ادخلوا الحياة الزوجيّة بهذه الروحيّة[32].

 

لاحظوا ما تقول الآية الكريمة عن الرجل والمرأة وخاصّة في داخل الأسرة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾[33] أي (خلق) لكم أيّها الرجال النساء، وأيّتها النساء الرجال. ﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ فهما ليسا من طبيعتين مختلفتين، ولا في مرتبتين مختلفتين، هما حقيقة واحدة، وجوهر واحد وذات واحدة. بالطبع هما مختلفان في بعض الخصائص، لأنّ وظائفهما وتكاليفهما مختلفة. بعدها يقول: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾, أي إنّ الزوجيّة واختلاف الجنس في طبيعة البشر كانت من أجل هدف كبير، ألا وهو السكون والطمأنينة. لتجدوا إلى جانب الجنس الآخر لكم وضمن إطار الأسرة - الرجل إلى جانب المرأة، والمرأة إلى جانب الرجل - السكون والطمأنينة. فبالنسبة للرجل، أن يأتي إلى

 

منزله ويجد جوًّا آمنًا، وامرأة لطيفة ومحبّة وأمينة إلى جانبه، لهو سبب للطمأنينة، وهكذا، بالنسبة للمرأة، أن يكون لديها رجل وملاذ تعشقه ويكون لها كالحصن المنيع - ذلك أنّ الرجل أقوى جسديًّا من المرأة - لهو من حسن الحظّ، ومصدر للطمأنينة والسعادة. هذا ما تؤمّنه الأسرة لكليهما. لكي يجد الرجل الطمأنينة يحتاج إلى امرأة في جوّ عائليّ وأسريّ، وكذا المرأة لتحصل على الطمأنينة تحتاج إلى الرجل ضمن جوّ الأسرة والعائلة. ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ كلاهما يحتاجان إلى بعضهما البعض من أجل تحصيل السكون والطمأنينة.

 

أكثر ما يحتاج البشر إليه هو الطمأنينة. وسعادة الإنسان تكمن في بقائه آمنًا من الاضطراب والتأزّم النفسي وفي أن يبقى متحلّيًا بالطمأنينة النفسيّة والروحيّة، وهذا ما توفّره الأسرة للإنسان، رجلًا كان أم امرأة. العبارة التالية لافتة وجميلة جدًّا. يقول تعالى: "وجعل بينكم مودّة ورحمة". العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة هي علاقة المودّة والرحمة، في أن يحبّا ويعشقا بعضهما البعض، وكذلك في أن يكونا رحيمين ببعضهما. فالحبّ المترافق مع العنف ليس مقبولًا، وكذا الرحمة من دون المودّة ليست مقبولة هي الأخرى. فالطبيعة الإلهيّة للرجل والمرأة في محيط الأسرة هي طبيعة توجد فيما بينهما علاقة المودّة والرحمة: "مودّة ورحمة"[34], والعامل الذي يربط الأسرة ببعضها هو عامل المحبّة[35].

 

 

 

عليكم أن تقدّروا هذه العلاقة وتعدّوها نعمة إلهيّة وتحافظوا عليها[36]. إنّ كلّ ما تملكونه هو من الله ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾[37] لكنّ الالتفات إلى هذه النعمة وإلى أيّ نعمة أخرى مهمّ جدًّا، فالإنسان يغفل عن الكثير من النعم[38].

 

البعض عندما يتزوّجون لا يدركون ماذا يحدث، يشعرون وكأنّهم ذاهبون إلى ضيافة الغير. الاحتفال والدعوة (إلى العرس)، هو جوّ جديد له متعة عابرة. بعض العرسان يظنّون أنفسهم ذاهبين إلى ضيافة أحدهم، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، فبالزواج تظهر مسؤوليّات والتزامات. حتمًا، تظهر للإنسان إلى جانب هذه الالتزامات نِعم وبركات تجعلها عذبة وجميلة[39].

 

البعض يتزوّجون، ويحصلون على زوج جيّد أيضًا، يحيون حياة جميلة وجيّدة ولا يدركون أيّ نعمة هذه وأيّ حدث مصيريّ ومهمّ يعيشونه. وعندما لا يدركون ذلك لا يشكرون هذه النعمة، وبهذا يُحرمون من الرحمة الإلهيّة التي ينالها الإنسان بالشكر. لذا ينبغي على الإنسان أن يلتفت كم هي عظيمة هذه النعمة.

 

وكيف يكون شكر هذه النعمة؟ أحيانًا يشكر الإنسان بلسانه فقط ويقول: "الشكر لله" وقلبه لا يعي ما يقول وغير متوجّه إلى هذا الشكر! وهذا ليس سوى لقلقة لسان لا أهمّيّة لها. وإذا ما دعا الإنسان ربّه بهذا

 

الشكل، فإنّ دعاءه لن يتجاوز فاهه ولسانه ولن يجد طريقه إلى عرش الإجابة الإلهيّة. أحيانًا يكون الإنسان شاكرًا بقلبه حقيقة، وشاكرًا لله حقًّا. وهذا أمر بالغ الأهميّة، إنّه يدرك بأنّ الله تعالى قد أنعم عليه بنعمة، فيشكره واقعًا. هذا هو الشكر المطلوب، غاية الأمر، أنّه يلزمنا حين نشكر الله تعالى أن نقوم بعمل، بحركة، أن نتّخذ موقفًا على أساس هذا الشكر، حسنٌ، والآن وقد أنعم الله تعالى عليكم بهذه النعمة، ماذا عليكم أن تفعلوا؟ لم يطلب الله تعالى ويتوقّع منّا الكثير. [كأن يقول الله تعالى مثلًا] ها أنا قد أنعمت عليكم بهذه النعمة، فلتذهبوا وتؤدّوا ذلك العمل الشاقّ، لا. ما يتوقّعه منّا إزاء هذه النعمة وكلّ نعمة هو أن نتعاطى معها بشكل جيّد، وهو ليس بالمطلب الصعب. بما أنّا أنعمنا عليك بهذه النعمة، فلتحسن التعامل معها وإزاءها. وهذا التعامل الجيّد في الإسلام قد عُيِّن كخُلقٍ وشعارٍ للأسرة، أن كيف ينبغي لك أن تعيش لتكون هذه الحياة جيّدة. بالطبع، لقد بُيّنت (هذه المطالب) في الكتب، ورُدّدت على الألسن، أكتفي هنا بعرض بعضها[40].

 

التوصية الأولى لي هي أن نعدّ ظاهرة تشكيل الأسرة ظاهرة مهمّة وعظيمة[41]. ينبغي إيلاء الأهميّة بالنسبة للبيت، ولا يمكن تصوّر الإنسان من دون بيت ومأوى. كلّ إنسان يحتاج إلى البيت وجوّ البيت. وروح جوّ البيت عبارة عن الأسرة، علينا إيلاء الأهمّيّة لهذا الأمر،

 

والتدبّر والتأمّل فيه[42]. ولهذه المرحلة شرائط ووظائف وآداب، وتلقى على عاتق الإنسان تكاليف، يتحمّل فيها الإنسان مسؤوليّات ويحقّق منافع، كلّ هذه الأمور تكون إلى جانب بعضها البعض. المميّز الأساسي لهذه المرحلة هو أنّ مؤسّسة اجتماعيّة جديدة تتشكّل. وعلى الرغم من أنّ الزواج يعود على الرجل والمرأة ببركات وفوائد كثيرة، من قبيل إنجاب الأولاد، والاستمتاعات الجنسيّة، والكثير من الأمور الأخرى، إلّا أنّ هذه كلّها تدور حول محور مؤسّسة الأسرة، هذا أصل.

 

لذا، ينبغي أن يكون كلّ اهتمامكم وسعيكم في المحافظة على مؤسّسة الأسرة هذه في الظروف كلّها، وهذا مثله كمثل دخول خليّة جديدة في خلايا جسد المجتمع المتغيّرة دومًا. فخلايانا تتبدّل بشكل دائم، وينبغي أن تظهر خلايا جديدة وتنمو، ليبقى أوّلًا، هذا البدن حيًّا، وثانيًا، ليتمكّن من النموّ والتقدّم. إنّكم تضيفون خلايا جديدة إلى جسد المجتمع، فاسعوا لأن تكون هذه الخليّة سليمة ومفعمة بالنشاط والحيويّة ولأن تكون مصدر عزّ وفخر وتقدّم لهذا المجتمع ككلّ[43].

 

كلّ عائلة هي خليّة في جسد المجتمع وبدنه. عندما تكون هذه العوائل سليمة، ويكون تعاملها صحيحًا، سيكون جسد المجتمع وبدنه سليمًا[44]. وهذا ليس بمعنى أنّه عندما تكون هذه الخليّة سليمة فإنّ السلامة ستسري إلى الخلايا الأخرى، أو إذا

 

كانت الخليّة غير سليمة، فإنّ عدم السلامة سيسري إلى الخلايا الأخرى، بل بمعنى أنّها إذا كانت سليمة كان البدن سالمًا. فالبدن ليس شيئًا سوى الخلايا. كلّ جهاز هو مجموعة من الخلايا. إن استطعنا أن نجعل الخلايا سالمة، يكون لدينا جهاز سالم. المسألة على هذا القدر من الأهميّة[45].

 

إن أردتم أن يكون الأمر هكذا، عليكم أن تلتزموا بالآداب والحدود الدينيّة التي حُدّدت للأسرة . كلّ شيء يستوجب حفظ هذه الرابطة وهذه المؤسّسة العائليّة هو مرضيّ وحسن عند الله تعالى. وإذا ما أدّى شيء ـ لا قدّر الله ـ إلى تخلخل أركان الأسرة[46]، فهو خلاف المصلحة وغير مرضيّ. وينبغي اجتنابه بشدّة[47]. وهذا الحدث ليس كباقي أحداث الحياة، هو مفصل، ومفترق طرق. البعض عندما يسلكون هذا الطريق (الحياة الزوجيّة) ويجدون أمامهم مسارات مختلفة، إمّا بسبب ظروفهم، وظروف الزوج، أو بسبب مكانتهم العائليّة، لا يمكنهم سلوك الطريق المستقيم، لكنّ البعض يستطيعون. إن أردتم أن تسلكوا الطريق المستقيم عليكم أن تراعوا الموازين الشرعيّة، وأن تعدّوا الأخلاق التي حُدّدت في الشرع المقدّس للأسرة، مهمّة. وأوّله أن تعرفوا قدر هذه المؤسّسة الجديدة[48]. الأسرة محلّ هدوء واستقرار

 

الإنسان. ولن يتذوق أيّ إنسان الطعم الواقعي للحياة الإنسانيّة، من دون أسرة مريحة وهادئة[49].

 

كلّ أسرة هي محلّ ومركز لتكامل عدد من أبناء البشر وتربيتهم، حيث يربّي مجموع الأسر مجموعة من البشر. إن شتّتم شمل الأسرة وجعلتم الأولاد ينشأون في كنف الأجداد والأقرباء بدلًا من كنف الأسرة، أو جمعتموهم ووضعتموهم في دار أو مؤسّسة أو ميتم، كما يُحتضن البيض في عمليّة التوليد والتفقيس، كأن يذهب شخص إلى الحاضنة ويفقسها ويربّيها، فإنّكم بذلك لن تربّوا إنسانًا كاملًا. حسنٌ، هذه هي طبيعة الإنسان، حيث خلق الله سبحانه هذا الموجود بنحو متميّز عن سائر الموجودات الأخرى. فقد خلق الله سبحانه بعض الموجودات بنحو لا يرى الصغير أباه ولا أمّه، حيث تموت الأمّ أو الأب عند وضع بيضة هذا الصغير. وهذه هي الطبيعة أساسًا. بعض الحيوانات يبقى بشكل غريزي سواءً كان أبواه يحتضنانه أو لا، وينشأ مثل والديه سواءً رآهما أم لم يرهما. أمّا الإنسان فليس كذلك.

 

لقد خلق الله تعالى الإنسان بنحو يكون أوّلًا متعلّمًا، عليه أن يتعلّم الكثير من الأمور. ثانيًا، إذا ما تربّى على المحبّة والصدق والدقّة في البيئة الأسريّة، وفي حضن الأبوين، فلن يكون لديه نقص من الناحية النفسيّة، أمّا لو سقط منذ صغره من تلك البيئة الصغيرة إلى بيئة كبيرة، فلن يتفتّح هذا البرعم كما ينبغي له أن يتفتّح. هذه هي خاصّيّة

 

الإنسان. لذا، فقد أودع الله سبحانه هذه المحبّة في قلب الأبوين والتي من خلالها يتربّى بنو البشر. هذه المحبّة هي من طبائع البشر، لذلك أيضًا ترى كلّ ابن يكنّ محبّة لوالديه. والمحبّة نفسها التي تكنّونها لأولادكم يكنّها لكم آباؤكم وأمهاتكم. وسيكنّها أبناؤكم لأولادهم أيضًا. وتوجد في الزواج هذه الخاصّيّة وهي أنّه يشكّل بيئة الأسرة[50].

 

الأسرة هي كلمة طيّبة[51]، وخاصّيّة الكلمة الطيّبة أنّها حينما توجد في مكان ما يرشح عنها دائمًا البركة والخير وينفذا فيما حولها. والكلمة الطيّبة هي تلك الأشياء التي وهبها الله تعالى للبشر بذلك الأصل والأساس الصحيح (إشارة إلى قوله تعالى: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾)[52].

 

الأسرة هي مجتمع مصغّر تتشكّل في البداية من الزوجة والزوج، ومن ثمّ تكبر وتتوسّع بمجيء الأولاد، وينجب الأولاد أيضًا أولادًا، فتصبح كالشجرة المورقة والمتفرّعة وتثمر. والله سبحانه يحبّ هذه الاجتماعات الصغيرة[53].

 

لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يتقدّم من دون وجود مؤسّسة الأسرة السليمة، والنشيطة والفعّالة في البلد، وخاصّة في المجالات الثقافيّة. كما لا يمكنه التقدّم في المجالات الأخرى بالطبع، من دون العائلات

 

والأسر السليمة. إذًا، فلا بدّ من وجود الأسرة. ولا يقولنّ أحد الآن، إنّ التقدّم والتطوّر موجود في الغرب في ظلّ تفكّك الأسرة. إنّ ما يحدث اليوم من خراب في مؤسّسة الأسرة، وتتعاظم مؤشّراته يومًا فيومًا، وستظهر آثاره. لا ينبغي الاستعجال. فالحوادث العالميّة والتاريخيّة ليست سريعة النتيجة والأثر، إنّما تظهر آثارها تدريجيًّا، كما أثّرت وتؤثّر إلى الآن. في تلك الأيّام حيث حقّق الغرب هذا التطوّر، كانت العائلات هناك لا تزال على حالها، حتّى مسألة تعاطي الجنسين فيما بينهما، فكانت تراعى فيها قوانين الأخلاق الجنسيّة، بالطبع ليس بالشكل الإسلامي، بل بالشكل الخاص بهم. إذا ما كان الشخص مطلعًا على المعارف الغربيّة، سواءً في أوروبا أم في أميركا فيما بعد، سيرى هذا الشيء وسيشاهده. فمراعاة الآداب والأخلاق بين الجنسين، كمسألة الحياء وتجنّب التهمة، هذه مسائل كانت موجودة يومذاك. والتحلّل والإباحيّة إنّما ظهرا هناك تدريجيًّا. يومها مُهّدت الأرضيّات لذلك إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه اليوم. وسيكتب وضع اليوم لهم غدًا مريرًا وصعبًا جدًّا[54].

 

وما ترونه الآن من سعي الغربيّين الكبير للترويج للشهوات في الدول الشرقيّة، والإسلاميّة، والآسيويّة، أحد أسبابه أنّهم يريدون من خلال هذا العمل تفكيك الأسر ليضعفوا ثقافة [شعوب هذه الدول] ويتمكّنوا من السيطرة عليها. فما دامت ثقافة الشعب قويّة، لا يمكن لأحد

 

السيطرة عليه، ولا لجمه وامتطاؤه، وتسييره. إنّ الذي يجعل الشعوب ضعيفة دون حماية، ويجعلها أسيرة في أيدي الأجانب، هو فقدان الهويّة الثقافيّة. ويسهل هذا الأمر أيضًا على المستعمرين والأعداء من خلال تفكيك أسس العائلات في المجتمع[55].

 

عندما يتخلخل وضع الأسرة، تتلقّى الأخلاق الاجتماعيّة ضربة، وتنعدم بسهولة السنن القديمة والراسخة والباقية التي هي أساس سعادة المجتمعات وحاصل تجربة طويلة للشعوب. تعلمون أنّ المجتمع يحصل على مجموعة من القيم من خلال أفكار عظمائه وعقلائه الحكيمة -إن كانوا رجالًا إلهيّين- وتصبح هذه القيم أساسًا لحياة المجتمع، والتزامات، وأمور لم تُكتب في كتاب ما، لكنّها تُراعى وفاءً منهم لبعضهم البعض، ومن باب الأمانة. عندما ينهدم بنيان الأسرة، فإنّ هذه الأمور لن تنتقل بعدُ من جيل لآخر، ولن يتعلّم الأولاد شيئًا من آبائهم وأمّهاتهم، ولن يستطيعوا أن يورّثوهم الإيمان، والصفات والخصال النفسيّة، وهذه هي الخسارة الكبرى التي يتلقّاها المجتمع بسبب ضعف الأسرة[56].

 

المجتمع من دون أسرة هو مجتمع مضطرب، ومهتزّ. هو مجتمع لا تنتقل فيه المواريث الثقافيّة والفكريّة والعقائد بسهولة من جيل لآخر. هو مجتمع لا تتحقّق فيه تربية الإنسان ببساطة وسهولة. عندما

 

يخلو المجتمع من الأسرة، أو يكون وضع الأسرة فيه متضعضعًا، فلن يحصل الإنسان فيه على التربية ولو كان ذلك في أفضل دُور التربية[57].

 

الأسرة الجيّدة تعني أن يكون الزوج والزوجة ودودين مع بعضهما، وفيّين ومخلصين، محبّين وعاشقين لبعضهما، يراعي أحدهما الآخر، ويهتمّ لمصلحته ويحترم شؤونه، هذا في الدرجة الأولى.

 

بعد ذلك، حين يُرزقان بالأولاد، يشعران بالمسؤوليّة إزاءهم ويسعيان إلى تنشئتهم وتربيتهم سليمين من الناحية الماديّة والمعنويّة، يعلّمانهم أمورًا، يوجبان عليهم بعض الأمور، ويمنعانهم عن بعضها، ويزرعان فيهم الصفات والخصال الجيّدة. مثل هذه الأسرة هي أساس جميع الإصلاحات الواقعيّة في بلد ما. لأنّ البشر يتربّون جيّدًا في ظلّ هكذا أسرة، ويترعرعون على الصفات الجيّدة، على الشجاعة، وعلى الفكر المستقل، على التفكر، والإحساس بالمسؤوليّة، والإحساس بالمحبّة والجرأة، والجرأة على اتّخاذ القرارات، على إرادة الخير - لا الشرّ - والنجابة.. حسنٌ، عندما يتحلّى الشعب في مجتمع ما بهذه الخصال والصفات، أي يكون محبًّا للخير، نجيبًا، شجاعًا، عاقلًا، مفكّرًا ومقدامًا، فإنّ هذا المجتمع لن يرى الشقاء والتعاسة[58]. والمجتمعات التي تمتلك أسرًا كهذه، ستصل إلى الصلاح والنجاة،

 

وإذا ما وجد مصلح في المجتمع فيمكنه إصلاح مجتمعات كهذه. أمّا إن فقدت الأسرة، فإنّ أعظم المصلحين لن يمكنهم إصلاح المجتمع[59].

 

يريد الإسلام لهذه المؤسّسة أن تتشكّل وتتأسّس. وميزة الأديان وبالأخصّ منها الإسلام، هي أنّها جعلت الغرائز الجنسيّة وغريزة طلب الزوج عند الإنسان والتي هي غير الغريزة الجنسيّة، في خدمة تشكيل الأسرة، وعملت (الأديان) على أن تتشكّل مؤسّسة الأسرة وأن تستمرّ من خلال دعم الغريزة الجنسيّة، أو من خلال دعم الغريزة الأخرى التي هي أعمّ من الغريزة الجنسيّة. قد لا يكون للبعض حاجات جنسيّة في عمر معيّن، لكنّهم بحاجة إلى طلب الزوج، ويتوجّب عليهم أن يكون لهم زوج من الجنس المخالف، لا فرق في ذلك بين المرأة والرجل. فالسكن مصدر الراحة. لقد جعلت الأديان، وخاصّة الإسلام هذه الأمور داعمةً لتشكيل الأسرة.

 

لو تُرك البشر ليقضوا حاجاتهم الجنسيّة كيفما شاؤوا، لما تشكّلت الأسرة، أو لكانت مؤسّسة ضعيفة وخاوية، تتهدّدها الأخطار، قابلة للخراب، وتهزّها أيّ نسمة. لذا، ترون أنّه في أيّ مكان من العالم وُجدت الحريّة الجنسيّة، تكون الأسرة فيه ضعيفة بالنسبة نفسها، ذلك أنّ الرجل والمرأة (فيه) ليسا بحاجة إلى هذه المؤسّسة من أجل إشباع هذه الغريزة. أمّا في الأماكن التي يحكم فيها الدين ولا وجود

 

للحريّات الجنسيّة، فكلّ شيء هنا (في مؤسّسة الأسرة) متوافر للمرأة والرجل، لذا، فإنّها تُحفظ وتبقى[60].

 

فإذا ما اشتغل كلّ من المرأة والرجل باللذات والاستمتاعات الجنسيّة في غير جوّ العائلة، (كأن تكون) في البيئة الاجتماعيّة، وفي أجواء الدراسة والتحصيل العلمي، وفي محيط العمل، وفي البيئات غير القانونيّة، فإنّ الخسارة الكبرى التي ستحصل هي تمزّق الرابطة القويّة بين المرأة والرجل في الأسرة واضمحلالها. ذلك الرجل الذي يشبع رغبته الشهوانيّة الجنسيّة خارج محيط الأسرة، ويرتوي، أو تلك المرأة التي لديها الحال نفسها، لا تشكّل الأسرة بالنسبة لهما تلك الجاذبيّة، التي تشكّلها للرجل والمرأة العفيفين، حيث لا يعرف الرجل أيّ امرأة غير زوجته ولا تعرف المرأة رجلًا غير زوجها[61].

 

في أيّ مكان يُفسح فيه المجال للشهوات والتحلّل والتفلّت الأخلاقي، يستتبعه التفكّك العائلي، لا شكّ في ذلك. وإذا ما استمرّ هذا الأمر، سيحصل ما نراه اليوم بوضوح في الدول الغربيّة. وخاصّة في الأماكن التي يُروّج فيها أكثر للتحلّل الأخلاقي، ويكون محسوسًا بشكل أكبر. فالأسرة هناك تفتقد لمعناها الحقيقي[62]. حبّذا لو تعكس مواقع التواصل الاجتماعي بعض الأخبار التي تصلنا من العالم الغربي عن

 

أجواء الأسرة ووضع المرأة والطفل والرجل، في كتاباتها، وذلك ليلتفت شعبنا أيّ نعمة كبرى يشكّل بناء الأسرة المتين والاهتمام بالأسرة في مجتمعاتنا[63].

 

لماذا يجب أن تتحوّل علاقة المرأة والرجل في جزء أساسيّ ومهمّ من العالم إلى تسلية مبتذلة كما يجري الآن؟ ففي كثير من مناطق العالم تحوّلت العلاقة بين المرأة والرجل إلى تسلية جذّابة، ومبتذلة إلى حدّ بعيد في كثير من البيئات الاجتماعيّة، بحيث منعت وتمنع كلّا من المرأة والرجل من النشاطات الاجتماعيّة، والسياسيّة، والأخلاقيّة والمعنويّة. إنّ الإسلام يرفض مثل هذا الأمر ولا يقبل به[64].

 

في الخلقة الإلهيّة، المرأة والرجل كلاهما جزءا نظام الخلقة الأتمّ. ومن دون أيٍّ منهما يكون نظام الخلقة ناقصًا. وإذا ما عرفت المجتمعات الإنسانيّة جيّدًا مكانة كلّ من هذين الجنسين في الطبيعة البشريّة، واستفادت في الاتّجاه الصحيح، سيتحقّق ذلك النظام الإلهيّ الكامل، وليس فقط سيصل كل موجود إلى كماله الوجودي منهما كما ينبغي ولن يبقى أيّ استعداد مهدورًا وضائعًا، و لن يُظلم أحد، بل إنّ البشريّة ستستفيد من فيض هذا الانسجام والتعاون والاجتماع الصحيح للمرأة والرجل، استفادات جمّة وستسير قدمًا. لكلّ واحد من المرأة والرجل مكانته ومسؤوليّته. (ترجمة شعر):

 

العالم مثل الوجه والخال والعين والحاجب كلّ شيء في مكانه جيّد[65].

 

لا يمكن أن نتساءل فيما يخصّ وجه ما، هل دور العين أهمّ في تكميل هذه الوجه أم دور الشفتين والفم، أو دور الوجنتين أو الانف، أيّ من هذه إن فقدت سيظهر القبح. وجمال الوجه يكون بوجود الكلّ، ولكلّ واحد من هذه أهميّة في مكانه. كلّ الأشياء في العالم هي هكذا في النظام الإلهي الأتمّ، والمرأة والرجل هما جزء من هذا النظام الأتمّ. في حال لم يكن أيّ منهما في مكانه سيكون وجه البشريّة ناقصًا، أو قبيحًا، أو غير ناضج، أو منفّر. ولا يحقّ لأيّ واحد من الجنسين أن يعدّ نفسه أوجب، وأكثر ضرورة وإفادة من الآخر. انطلاقًا من هذه النظرة، يقع الجميع على مستوى واحد، وللجميع دور واحد في عجلة الحياة البشريّة، ألا وهو القيام بعمله من أجل تكميل عالم الوجود ونظام الحياة البشريّة. وهذه وظيفة الجميع سواءً المرأة أو الرجل. إذًا، هذه هي النظرة الأساسيّة لوجود المرأة من وجهة نظر الحكمة الإلهيّة في خلقة المرأة والرجل[66].

 

إنّ نظرة الإسلام إلى جنس الإنسان، تأتي في الدرجة الثانية، والنظرة الأولى وما يأتي في الدرجة الأولى هو إلى الحيثيّة الإنسانيّة فيه، والتي لا دور لجنس الإنسان فيها أبدًا. الخطاب فيها هو للإنسان.

 

بالطبع، الآية تقول: "يا أيّها الذين آمنوا"، وليس "يا أيّتها اللواتي آمنّ"، أي صيغة آمنوا صيغة المذكّر وليست صيغة المؤنّث، لكن هذا لا يعني أبدًا بأنّ الرجل في هذا الخطاب مرجّح على المرأة، بل إنّ هذا ناشئ من عوامل أخرى، وهي عوامل واضحة بالنسبة إلينا. ولا نريد الآن أن ندخل في هذا النقاش، وأنه لماذا نعبّر في اللغة الفارسيّة على سبيل المثال، عن الناس بـ "مردم"، ونشتقّ هذه الكلمة من كلمة "مرد" (رجل) ولا نعبّر بـ "زنُم" (المشتقّة من كلمة "زن" بمعنى المرأة)، وفي اللغة الإنكليزيّة human ولماذا man؟ وهذا لا يعني أنّ الثقافة الذكوريّة هي التي أوجدت مثل هذا الأمر، وتصرّفت في اللغة مثل هكذا تصرّفات، ولهذا الأمر عوامل أخرى. بالنهاية، الرجل في داخل الأسرة يشكّل الوجهة الخارجيّة، والمرأة تشكّل الوجهة الداخليّة.

 

وإن أردتم أن ننمّق الكلام أكثر نقول: الرجل هو قشرة حبّة اللوز، والمرأة هي اللبّ، ويمكن الاستفادة من أمثال هذه التعابير. الرجل أكثر ظهورًا، هكذا هي بنيته، وقد أعدّه الله سبحانه وهيّأه لهذا العمل، وأعدّ المرأة لعمل آخر. بناءً عليه، فالظهور والبروز في الرجل أكثر، (وهذا الأمر) بسبب هذه الخصائص والميّزات، لا بسبب الأفضلية. أمّا فيما يتعلّق بشؤون الإنسان الأساسيّة ، المرتبطة بالإنسان، فلا فرق بين المرأة والرجل.

 

حسنٌ، انظروا، في مسألة التقرّب إلى الله تعالى، هناك نساء كالسيّدة الزهراء عليها السلام، والسيّدة زينب عليها السلام، والسيّدة مريم عليها السلام مقامهنّ غير متصوّر لأمثالنا. في الآية الشريفة من سورة الأحزاب لا فرق بين المرأة والرجل، ولربّما السبب في ذلك يعود إلى أنّها أرادت

 

أن تنسف تلك التصوّرات الجاهليّة المرتبطة بالمرأة: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[67] فمن الإسلام إلى الذِّكر هناك مسافة، وسلسلة شهادات متدرّجة. وإن دقّق المرء في هذه التعابير يجد هذا: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. في كلّ منزلة يوجد الرجل والمرأة، الرجل الخاشع، والمرأة الخاشعة، الرجل المتصدّق والمرأة المتصدّقة لا فرق بينهما. يقول تعالى في سورة آل عمران المباركة بعد تلك الآيات التي يبتدئ كلّ منها بكلمة "ربّنا": ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾[68].

 

لا فرق بين الرجل والمرأة[69]. بالطبع، عندما نقول إنّ لكلّ منهما وظيفة أساسيّة، فلا يعني هذا أن لا نطاق مشترك بينهما. فالنطاقات المشتركة بينهما كثيرة. حتّى أنّ النطاقات المشتركة بين الجنسين (المرأة والرجل) أكثر وأوسع بكثير من النطاقات الخاصّة بكلّ منهما. وعلى الرغم من أنّ لكلّ منهما وظيفة خاصّة لا يقدر الآخر على القيام بها، أو على القيام بها بالنحو الجيّد والصحيح، إلّا أنّه يوجد بين هذين النطاقين الخاصّين (بكلّ منهما على حدة)، مجال واسع، هو النطاق المشترك، وهو مجال الحياة

 

الاجتماعيّة نفسه، والحياة السياسيّة، والحياة الاقتصاديّة، والإبداعات البشريّة وسائر الفنون والأعمال التي يمكن للإنسان القيام بها، ما عدا تلك المتعلّقة بالنطاق الخاصّ بالمرأة أو الرجل. في النظام الإسلامي، ينبغي النظر إلى الرجل والمرأة بهذه الطريقة. فلكلّ منهما موقعه الذي لا ينبغي له تركه فارغًا، لكن هناك مجال واسع أيضًا عليهما معًا أن يغطّياه من خلال الشراكة والتعاون وإعمال الطاقات، ولا يسمحا لهذا النطاق الوسطي (المشترك) أن يضيع[70].
 

النساء يشكّلن نصف المجتمع الإنساني، وأيضًا ذلك النصف الذي إذا ما أرادت نظرة الإنسان الثاقبة أن تقيس دوره بأدوار الآخرين، لوجدت دور هذا النصف أكثر حساسيّة ولطافة، وأبقى وأشدّ تأثيرًا في حركة التاريخ الإنساني وفي سير البشريّة نحو الكمال. لقد خلق الله تعالى المرأة على هذه الشاكلة[71].

 

هذه هي النظرة الإلهيّة لقضيّة المرأة والرجل. يوجد فيما يتعلّق بخلقة المرأة والرجل مسألة أصبحت منشأ الانحرافات والأخطاء والمناهج الخاطئة، وكان لها للأسف وجود طوال القرون المتمادية، ولا تزال اليوم موجودة، وتلك المسألة هي أنّ المرأة والرجل مختلفان في بنيتهما الطبيعيّة، أي إنّهما مختلفان في البنية الجسديّة والماديّة، وفي البنية العاطفيّة والمعنويّة والروحيّة. وهذه الاختلافات مرتبطة بإمكانيّة

 

أداء وظيفتهما الخاصّة والتمكّن منها، وهي أيضًا في محلّها[72].

 

الرجل في نظر المرأة مظهر الاعتماد، وموضع الاتّكاء والاستناد. وهو يجسّد محبّته لها بهذا الشكل. لكلّ منهما دور منفصل عن الآخر، وكلا الدورين لازم، وخلط هذين الدورين ببعضهما هو عمل مخالف للطبيعة وتضييع لفرصة جيّدة. وهذا كأن يأتي بستانيّ جيّد وينشئ بستانًا هنا بمهارة، فنأتي نحن بعدها ونركله ونخرّبه ونعيث فيه الخراب عملًا بمزاجنا. عندما تنظر المرأة إلى الرجل، فإنّها تنظر إليه بعين العشق والمحبّة، وإلى كونه يمثّل دور السند الذي يمكن لها أن تستند إليه، حيث يمكن الاستفادة من قواه الجسميّة والفكريّة للسير قدمًا في أمور الحياة، (تنظر إليه) كمحرّك.

 

وعندما ينظر الرجل إلى المرأة فإنّه ينظر إليها على أنّها مظهر الجمال، واللطافة، والأنس الذي يمنح الإنسان الهدوء والراحة. فالرجل موضع الاستناد على صعيد مسائل الحياة الظاهريّة، والمرأة بدورها موضع الاستناد فيما يتعلّق بمسائل الحياة الروحيّة والمعنويّة. إنّها عالم من الأنس والمحبّة ويمكنها بذلك الجوّ المفعم بالمحبّة  إخراج الرجل من جميع همومه وغمومه. هذه هي قدرات الرجل وقدرات المرأة الروحية.

 

هكذا هي الطبيعة أيضًا، تعمل، إلّا أنّنا لا نفهمها، ولا نتجاوب معها. أحيانًا، يُخرِج الرجل بأخلاقه السيّئة، وبفرض الأعمال الصعبة على المرأة، وبتوقّعاته الكثيرة، وبالإهانة، منبع الطاقة هذا عن طوره، فلا

 

تعود المرأة، ذلك المظهر الذي يمكنه من الناحية المعنويّة أن يبعث الهدوء في الإنسان ويمنحه السكن، على حالها. وتصبح أحيانًا متبرمة وشاكية. وقد تخطئ المرأة الخطأ نفسه أحيانًا فيما يتعلّق بالرجل، فبدل أن تنظر إليه على أنّه الداعم والسند الذي يمكن الاستناد والاعتماد عليه، والإفادة من استقامته ورزانته، تنظر إليه أحيانًا على أنّه خادم، وأحيانًا على أنّه مهرّج وغبيّ ـ بالنهاية، النساء مختلفات، البعض منهنّ يخطئ ويجترح كلّ أنواع الأخطاء ـ وبدل أن تستفيد من مصدر الطاقة والقوّة هذا، تحوّله إلى موجود مختلف تمامًا. هكذا تحدث مثل هذه الاختلافات ولا ينبغي السماح بحدوثها. يرى الإسلام بأنّ الرجل قوّام، والمرأة ريحانة، وهو لا يعتدي على المرأة ولا على الرجل، ولا يغفل حقّ المرأة ولا حقّ الرجل، بل ينظر إلى طبيعتهما بشكل جيّد. حتّى إنّهما يتعادلان في الميزان أيضًا، أي حين نضع هذا الجنس، جنس اللطافة والأنس والجمال والباعث للراحة النفسيّة في أجواء الحياة، في كفّة، ونضع الجنس الذي يتحلّى بالإدارة والعمل والذي هو موضع اعتماد المرأة والسند والملاذ لها في الكفّة الأخرى، ستتعادل هاتان الكفّتان. ولن ترجح هذه على تلك، ولا تلك على هذه. الآن تأتي بعض الاتّجاهات الخاطئة والتي لا تنادي بها المرأة فحسب، بل قد ينادي بها بعض الرجال أحيانًا، ويقولون لماذا لا نبدّل أجناس كفّتي الميزان؟ فإذا ما قمنا بتبديلهما الآن ماذا سيحصل سوى أنّكم تخطئون؟ وسوى أنّكم تخرّبون هذا البستان الجميل والمعطاء؟ إنّكم لن تفعلوا غير هذا، ولن تجنوا فوائد بعضكم البعض، وستحوّلون جوّ الأسرة إلى جوّ يفتقد للثقة،

 

وسيشوب علاقة الرجل والمرأة ببعضهما الشكّ والترديد، وستفقدون ذلك الحبّ والعشق الذي هو الركن الأساسي في هذا المجال. 

 

قد يحدث أحيانًا، ورأيتم (هذا في حياتكم) حيث يأخذ الرجل دور المرأة في البيت، وتصبح المرأة هي الحاكم المطلق، تصدر أوامرها للرجل، افعل هذا ولا تفعل هذا، والرجل مسلّم لها، هذا شكل. حسنٌ، مثل هذا الرجل لن يكون بمقدوره، بعد، أن يكون موضع اعتماد المرأة وملاذًا لها. فالمرأة تحبّ أن يكون لها ملاذ وملجأ جيّد، وليس من فائدة بعد لهذا. أحيانًا يفرض الرجال من الناحية الأخرى، شيئًا، لنفترض أنّ كلّ المشتريات والمعاملات وأمور البيت هي على عاتق المرأة. ويفرضها الرجل عليها لأنّه (على سبيل المثال) مشغول بالتدريس في الجامعة، أو بالعمل في الدائرة الفلانيّة، وليس لديه وقت ـ فأصل القضيّة هنا عدم امتلاك الوقت ـ وعليه الذهاب إلى العمل، فيتحتّم على المرأة هنا أن تقوم بهذه الأعمال. أي الأعمال الشاقّة وغير المحبّبة لها، بالطبع، قد تشتغل بها لبعض الوقت، لكنّها ليست من صلب أعمالها[73].

 

إن دقّقتم في التعابير الإسلاميّة حول المرأة لوجدتم تلك التعابير الواقعيّة تمامًا: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة". فالمرأة ريحانة أي وردة، وكيف ينبغي للإنسان التعاطي مع الوردة؟ إن عاملتها بقسوة فإنّها تذبل وتموت، وإن وضعتها في التربة وتعاملت معها بحسب فطرتها وطبعها، فستكون مصدرًا للزينة ومؤثّرة، وسيكون وجودها ظاهرًا وبارزًا.

 

 

"وليست بقهرمانة"، والقهرمانة ليست بالمعنى المتداول في اللغة الفارسيّة (أي البطلة)، بل هو تعبير عربيّ مأخوذ عن الفارسيّة، يفيد مباشرةَ الأمور، فالقهرمان هو الذي يباشر الأمور ويتابعها (رئيس العمّال). أي لا ينبغي لك في منزلك أن تعدّ المرأة مباشرة لأمورك. ولا تتصوّرنّ بأنّك الرئيس، وأنّ أعمال المنزل والأطفال وأمثالها هي بعهدة رئيس العمّال. وأنّ المرأة هي رئيس العمّال ويجب التعاطي معها كتعاطي الرئيس مع مرؤوسه!

 

لا، فالقضيّة أساسًا ليست هكذا. لاحظوا أنّ التعاطي هو تعاطٍ حقيقي ومعتدل يتماشى مع طبيعة المرأة. فالمرأة لا يمكنها أن تنسى طبيعتها[74]. وهي أساسًا لا تحبّ هذا العمل، بنحو طبيعي. كلّ واحد منهما يكون في الموقع اللا مناسب. هذه الحركات النسويّة القائمة في العالم اليوم، والتي ينتمي إليها الرجال والنساء من كلّ الأطياف تحت عنوان الدفاع عن حقوق المرأة، هي برأيي، لا تعرف حقوق المرأة أساسًا. ذلك أنّ الحقّ ليس أمرًا انتزاعيًّا، أنتم المتعلّمون تعون جيّدًا هذا الأمر. للحقّ منشأ طبيعي، والحقّ الواقعي والحقيقي هو ذاك الذي يكون له منشأ، ومنشأ طبيعي. وهذه الحقوق التي يطرحونها لا منشأ لها، وهي مبنيّة على أساس الأوهام والخيالات. وتلك الحقوق التي ينبغي أن تكون للمرأة والرجل، يجب أن تكون مستندة إلى الطبيعة، طبيعة المرأة وطبيعة الرجل، وإلى شكل وبنية كلّ من المرأة والرجل[75].

 

وبشكل مختصر، إن أردنا أن نبيّن هذه الاختلافات، علينا أنّ نقول بأنّ المرأة في بنيتها الوجوديّة والطبيعيّة تتحلّى بلطافة أكثر من الرجل. لا نقول إنّ قوّتها أقلّ من قوّة الرجل، لأنّ التطوّر العلمي، قد أثبت في بعض الموارد عكس ذلك، وأثبت أنّ تحمّل النساء وطاقاتهم في الكثير من المسائل الماديّة والجسمانيّة، أكثر من تحمّل الرجال. لكنّ المرأة تتمتّع بلطافة، وبنيتها أقلّ وأصغر حجمًا، ولكنها أكثر تأثّرًا من الناحية العاطفيّة. هذه هي الفوارق الطبيعيّة بين المرأة والرجل. بناءً عليه، هذان الموجودان اللذان يتمتّع أحدهما بقوّة وقدرة أكبر وأشدّ قساوة من الناحية البدنيّة من الآخر، بمعنى آخر، أكثر طولًا، وأضخم عظمًا، وأغلظ صوتًا، وأشدّ قوّة، والآخر على سبيل الفرض، أقلّ قوّة وأوهن من حيث العضلات، إذا كانا يعيشان في بيئة لا يحكمها القانون، وحاكميّة العقل والمنطق فيها ضعيفة، يكون حالهما واضحًا. فالقويّ سيظلم الضعيف، ويستغلّه ويؤذيه وسوف يجبره على خدمته. وهذا أمر حتمي. هذا ما سيحدث إن لم يكن العقل والقانون موجودين. 

 

بالطبع، للمرأة إذا ما أرادت التغلّب على الرجل، قدرات، وأعمال، وأساليب ومميّزات تختّص بها. فإذا ما كان العقل والتدبير هما الحاكمان، فإنّ هذه الأساليب ستجدي نفعًا[76]. يمكن للمرأة بدرايتها ولطافتها أن تجعل الرجل طوع يديها، ويشهد المرء هذا الأمر بالتجربة، كما يمكن إثباته بالقياس الفكري والعقلي. وهذا أمر واقعيّ. نعم، هناك

 

نساء لا يتحلّين بالدراية والكياسة، لذا لا يمكنهنّ القيام بهذا الأمر، أمّا المرأة التي تتحلّى بالفطنة والكياسة، فإنّها تروّض الرجل لنفسها. وهذا تمامًا مثلما يمكن لشخص أن يروّض أسدًا مفترسًا، ويمتطيه، ولا يعني هذا أنّه من الناحية الجسديّة أقوى من الأسد، بل يعني أنّه استطاع أن يستخدم هذه القدرة التأثيريّة، والنساء يمتلكن مثل هكذا قدرات، غاية الأمر من خلال اللطافة، واللطافة والدقّة التي نتكلّم عنها لا تقتصران على اللطافة في التركيب والبنية الجسديّة، بل اللطافة والدقّة في الفكر والتفكير والتدبير واتّخاذ القرار التي جعلها الله في المرأة[77]. وإن لم يكن التدبير والقانون موجودين، ولم يكن الجوّ جوًّا عقلانيًّا، ولم يُتّبع الأسلوب العقلاني، حينذاك ستقع الخسارة الكبرى، والتي للأسف حدثت وتحدث منذ فجر التاريخ البشري إلى الآن، ألا وهي استغلال جنسٍ للجنس الآخر. ومرادنا من الجنس ليس الجنس المنطقي، بل المعنى المشهور والمتعارف له. حيث استغلّ جنس أو صنف ـ والذي هو صنف الرجال ـ الجوّ اللاقانوني واللاعقلاني، وتعدّى على الجنس أو الصنف الآخر وظلمه. وهذا هو العمل الذي مورس على امتداد التاريخ، ويُمارس الآن أيضًا. بالطبع، هذا لا يعني أنّ هذا الأمر قد حدث على امتداد التاريخ باستمرار وفي كلّ مكان. بل كان أحيانًا يحدث عكس هذا في بعض المناطق. ففي المناطق التي كان يسودها حكم العقل والمنطق والقانون والحكومة، أو العادات والآداب الخاصّة، كان الوضع مختلفًا. لكن، (بالأغلب الأعمّ) ما كان رائجًا في الماضي

 

هو هذا (استغلال جنس لآخر). إذا ما راجعتم الكتب والمؤلّفات التي أُلّفت (في الماضي) سترون حتمًا كيف كانت نظرة الأقوام والشعوب السابقة للمرأة، وكيف كان أسلوبهم وتعاطيهم. إحدى تجليّاته هو ما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾[78]، واقعًا، إنّ ما حدث في التاريخ محزن مبكٍ. وهذا كان نتيجة لفقدان البيئة العقلانيّة وتعطيل العقل وفقدان القانون. هل يمكن في الغابة التي لا يحكمها القانون ولا العقل أن يقف حيوان قويّ أمام غريزته أو ميله ورغبته التي لا تعرف الشبع، دون افتراس حيوان ضعيف! لذا، إذا أصبحت البيئة كبيئة الغابة، ستصبح قضيّة المرأة والرجل قضيّة المرارة والقبح نفسها تلك التي شهدناها في التاريخ ونشاهدها اليوم للأسف في العالم.

 

ومن الخطأ أن يظنّ أحد أنّ هذه الأمور لا وجود لها في الغرب الذي يتشدّق بمشاركة المرأة للرجل، وتساويهما أو يرفع شعار حقوق المرأة، وأنّ الظلم لا يُمارس على المرأة هناك. توجد إحصاءات مخيفة في الغرب عن تعنيف المرأة، واستغلالها، سواءً في بيئة العمل، أو في البيئات الأخرى، حتّى إنّ المرء ليشعر بالخجل من ذكر بعضها. رأيت في بعض الإحصاءات المتعلّقة بإحدى الدول الغربيّة - أميركا - أنّ عدد النساء اللواتي يُضربن من قِبَل أزواجهنّ كثير جدًّا. واقعًا أُصبت بالدهشة، وإنّه لإحصاء يدعو إلى العجب. ورد في تلك المقالة، أنّ

 

هذا هو إحصاء للنساء اللواتي تقدّمن بالشكاوى، أمّا أولئك الذين تغاضين عن المسألة، أو خفن من أن يتسبّب تقديم الشكوى بردّة فعل أقوى من قبل أزواجهنّ، فهؤلاء غير معلوم عددهنّ! لذا، تلاحظون أنّ قضيّة المرأة ومشاكلها لا تُحلّ بالطرق التي قدّمها الغرب، من أمثال تعرّيها وتواجدها في الطرقات وابتعادها عن الحجاب وما شابه. وليس الأمر كما نتصوّر أنّه إذا ما نزعنا الشادور عن رأس المرأة، أو قلّلنا من حجابها، أو صرفنا النظر عن هذه القيود الشرعيّة، ستُحلّ مشكلة المرأة. مشكلة المرأة لن تُحلّ بهذا الشكل، بل ستزداد سوءًا[79].

 

العمل الذي يقوم به الإسلام أساسيّ. إنّه يسعى لإيجاد بيئة وجوّ، لا يظلم فيها الجنس الأقوى من الناحية الجسديّة ـ وهذه القوّة الجسديّة لا تعني بالطبع أنّه أقوى من الناحية العقليّة والعلميّة ـ الجنس الأضعف.... من الواضح أنّ الجنس الأقوى من الناحية الجسديّة أضخم عظما، وأطول قامة وأغلظ صوتًا، لكن هل هو أشدّ عقلًا وأكثر فطنةً؟ لا. وهل هو أقوى في هذه المنطقة الوسطيّة والتي هي منطقة السياسة والاقتصاد والعلم وباقي الأمور، من الجنس الآخر؟ لا. لأنّ هذه الأمور مرتبطة بالمشاركة والتجربة ومباشرة الأمور.

 

إذا ما أُبعدت المرأة لألف سنة أخرى عن ميادين الحياة المختلفة، سترون بعد ألف سنة أنّ عدد العلماء الرجال، والسياسيّين الرجال، والتجار وأصحاب المهن الرجال، وعدد الرجال الذين يقودون الأنشطة

 

والفعاليّات الاجتماعيّة، أكثر من النساء. وإذا ما حالت قوّة دون الرجال والتدخّل في مثل هكذا أمور، وأدخلت (بدلًا منهم) النساء في هذه الأمور، فسترون بعد مضيّ سنوات بأنّ هذا الجنس (الرجال) سيضعف تدريجيًّا، وأنّ ذاك الجنس (النساء) سيصبح أقوى. بالطبع، هذا أيضًا غير صحيح، وهو ظلم بطريقة أخرى. لذا، فحلّ مسألة الجنسين - من أجل الحؤول دون البغي والتطاول[80] - مرتبط بثلاثة عوامل، وهي العوامل المعنويّة نفسها التي أشرت إليها سابقًا. ينبغي إدخال العامل المعنوي إلى الميدان لتقلّ أهميّة العامل الجسماني والماديّ. العامل الجسماني والمادي يعني علامات القوّة الظاهريّة نفسها في جنس ما. عندما ندخل العامل المعنويّ، يضعف العامل المادّي.

 

أحد هذه العوامل الثلاثة هو القانون. وينبغي للقانون أن لا يسمح بالظلم. عامل آخر من العوامل الثلاثة هو رفع مستوى تفكير المرأة وعقلانيّتها عن طريق التحصيل العلمي، والنشاطات الفكريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعقليّة والأدبيّة والفنيّة المختلفة. النسبة الأكثر من الأمّيّين في العالم اليوم هي من النساء. وينبغي مكافحة الأمّيّة لتتمكّن المرأة من أن تصبح ذات تفكير وتدبير، فلا تستطيع تلك القوّة أن تعتدي عليها وتظلمها. وإذا ما نما هذا التدبير والعقلانيّة والعلم والوعي في المرأة، فإنّه سيمنع تطاول وتعدّي تلك القوّة الماديّة. بالطبع، التعلّم ليس هو المعيار دومًا، الأساس هو العقلانيّة. أحيانًا قد يكون هناك أناس

 

متعلّمون لكنّهم لا يتحلّون بالعقل والكياسة. والعكس ممكن أيضًا. لذا، الأساس أن تنمو العقلانيّة والكياسة في المرأة لتتمكّن من منع تعدّي تلك القوّة الماديّة وتلجمها[81]. وينبغي لفكرة تكامل المرأة ورشدها من الناحية المعنويّة والأخلاقيّة أن تكون فكرة رائجة بين النساء أنفسهنّ. وعلى النساء أنفسهنّ التفكير أكثر بهذه المسألة. وعليهنّ أنفسهنّ الإقبال على المعارف والعلوم، والمطالعة ومسائل الحياة الأساسيّة. والتربية الغربيّة الخاطئة أدّت إلى ميل النساء في عهد حكومة الطاغوت في هذا البلد، إلى التبرّج والكماليات والزينة غير الواعية والاهتمام بالمظاهر، والتي هي بدورها من علامات حاكميّة الرجل. إحدى علامات حاكميّة الرجل الغربي هي هذه، إذ يريدون للمرأة أن تكون متاحة للرجل، لذا، يقولون: على المرأة أن تتبرّج ليلتذّ الرجل! هذه حاكميّة الرجل، وليست حرّيّة المرأة، هي في الحقيقة حريّة الرجل. يريدون للرجل أن يكون حرًّا، حتّى في المتعة البصريّة، لذا يشجّعون المرأة على نزع الحجاب والتبرّج والزينة أمام الرجال! بالطبع، هذه الأنانيّة اتّصف بها الكثير من الرجال في المجتمعات اللادينيّة منذ العهود القديمة، ولا يزالون إلى الآن، والغربيّون هم التجلّي الأعلى لها. إذًا، ينبغي لهذه المسألة التي تقود النساء نحو المعرفة والعلم والمطالعة والوعي واكتساب المعلومات والمعارف أن تؤخذ على محمل الجدّ بين النساء أنفسهنّ، وأن تولى الأهميّة من قبلهن[82].

 

ثالثًا، أن يُعمل على رفع مستوى التفكير في المجتمع بشكل عامّ. فالمجتمع الذي يتحلّى فيه الجميع بقدر من الوعي والعقل والتفكير والنضوج والحكمة، لا يعتدي فيه أحد على آخر دون سبب. وهذا هو العامل الثالث. 

 

لقد درس الإسلام القضايا في موضوع الحجاب، بحكمة بالغة. وكلّما أعمل الإنسان الدقّة، يزداد الموضوع عمقًا. ولقد وضع الشرع المقدّس فيما يتعلّق بحكم الحجاب حدًّا معيّنًا، يجب معرفته. ولا ينبغي تخطّيه أو الإفراط والتفريط فيه. إنّ حجاب النساء الإيرانيّات حجاب جيّد. بالطبع، هذا ليس شكل الحجاب الوحيد. فهناك مسلمون آخرون في العالم أيضًا، ولنسائهم أنواع أخرى من الحجاب، حتى لو لم يكنّ يرتدين الشادور. مع أنّه (الشادور) بنظرنا هو الحجاب الأفضل. وإنّ من اخترع الشادور - الذي هو الحجاب الإيراني - قد ابتكر الستر الجيّد. أساس الموضوع هو الحجاب، وينبغي فهم معنى الحجاب. ليس الحجاب حجب المرأة عن الرجل، إنّما هو حجاب ما بين نطاق الحياة الخاصّة بكلّ من المرأة والرجل. وينبغي بالطبع للمرأة أن تراعيه بنحو ما، وللرجل أيضًا أن يراعيه بشكل آخر. تلك اللطافة التي تكلّمنا عنها، تفرض على المرأة بعض الأمور. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "المرأة ريحانة" أي وردة. هذا التعبير عجيب، ويتضمّن في نفسه تلك اللطافة والظرافة نفسها. ولم يرد مثل هذا التعبير بحقّ الرجل. فكون المرء ريحانًا يفرض عليه أمورًا ويحتّم عليه مراعاة بعض الأمور.

 

ومراعاة النساء للحجاب أوّلًا، ليس بمانع لأيّ نشاط علمي

 

وسياسي. وإذا ما أردنا أن نقدم دليلًا على ذلك، فالنساء العالمات، والمتعلّمات، والمحصّلات، لديهنّ أنشطة سياسيّة واجتماعيّة، ولديهنّ حضور فاعل في أكثر الميادين، وبالحجاب (أيضًا)، فالحجاب ليس بمانع. ليس صحيحًا أنّ النساء اللواتي لا يحافظن على حجابهنّ بشكل جيّد في مجتمعنا، هنّ أكثر حضورًا في الأجواء والبيئات العلميّة والمتطورة. ولم يكن الأمر كذلك أيضًا في الفترة (الماضية) التي كانت فيها سياسة الجهاز الحاكم لهذا البلد تتّجه إلى إجبار النساء على خلع الحجاب، وسوقها نحو الفحشاء، وليس صحيحًا أن اللواتي غرقن أكثر في ذلك المستنقع، كنّ من أهل العلم والاختصاص والوعي والتحصيل والمعرفة، بل العكس كان الصحيح. وأولئك اللواتي كنّ من أهل العلم والمعرفة وما شابه، كنّ يتجنّبن نسبيًّا مثل هذه الأجواء. وهنّ اليوم أيضًا كذلك. بناءً عليه، فالحجاب من ناحية ليس بمانع، وهذا الستر الخاصّ بالمسلمات والحفاظ عليه، ليس بمانع للنساء من أيّ عمل جيّد، ومن أيّ تطوّر معنويّ وماديّ وظاهريّ، ومن ناحية أخرى، وجود الحجاب للنساء في مجتمع ما، يجلب معه نعمًا وعطايا لا بديل لها. إحدى هذه النعم حفظ بنيان الأسرة، والتي من دون الحجاب لا تُحفظ جيّدًا وتضعف. وهذه المشكلة موجودة اليوم في الغرب.

 

لا يقولنّ أحد إنّ هناك أشخاصًا لديهم أُسرة جيّدة ومحبّة وجوًّا عائليًّا جيّدًا، مع أنّهم بلا حجاب. حتمًا توجد مثل هكذا أُسر. نحن لا نريد القول بأنّ الأسرة تتضعضع في كلّ مكان لا يُراعى فيه الحجاب.

 

بل حين لا يكون هذا الاصل موجودًا في بيئة اجتماعيّة ما، يتزلزل ذلك الأصل في الاسر تلقائيًّا. وهذا ما حدث في الغرب[83].

 

وقد ظهرت آثار وتبعات هذا الأمر المدمّرة حينذاك في المجتمعات البشريّة، كتفكّك بنيان العائلة، والإحصائيّات الحاكية عن تجارة النساء المؤلمة والمؤسفة. إنّ التجارة الأكثر ازدهارًا ورواجًا في العالم اليوم وطبقًا للإحصائيّات العالميّة - والتي هي بنظري إحصاءات الأمم المتّحدة، وهي مركز رسمي - هي تجارة النساء وتهريبهنّ. وهناك عدّة بلدان هي الأسوأ في هذا المجال، من بينها الكيان الصهيوني. حيث يجمعون النساء والفتيات من الدول الفقيرة، من أميركا اللاتينيّة، وبعض دول آسيا، وبعض دول أوروبا الفقيرة، تحت عناوين العمل والزواج وما شابه، ويأخذونهنّ في ظروف قاسية جدًّا ويسلّمونهنّ إلى مراكز ترتجف الأبدان لمجرّد تصوّرها أو تصوّر اسمها. وكلّ هذا قائم على هذه النظرة الخاطئة، وهذه اللامساواة الظالمة فيما يتعلّق بمكانة المرأة في المجتمع. إنّ ظاهرة الأطفال غير الشرعيّين، والنسبة الأعلى لهذه الظاهرة في أميركا، هي ظاهرة الحياة المشتركة من دون زواج، أي هي في الحقيقة إطاحة بمؤسّسة الأسرة وبيئتها الدافئة والحميميّة، وإطاحة ببركات العائلة، وحرمان للبشريّة من هذه البركات. وهذه كلّها ناجمة عن المشكلة الأولى. يجب التفكير فيما يتعلّق بهذه المسألة، والتعريف بمكانة المرأة، والوقوف بجدّيّة بوجه منطق الغوغائيّة الغربي.

 

سُئلت ذات يوم: ما هو جوابك وكيف ستدافع في مواجهة ما يثيره الغربيّون حول مسألة حقوق المرأة في إيران؟ فقلت: لا ينبغي لنا أن ندافع، بل أن نهاجم! إنّنا ندين الغرب فيما يتعلّق بحقوق المرأة، فهم الذين يظلمون المرأة، ويهينونها، ويحطّون من مكانتها، باسم الحريّة، والعمل، وإعطائها المسؤوليّة. إنّهم يمارسون على النساء أنواع الضغوط الروحيّة والنفسيّة والعاطفيّة، ويحطّون من قدرها وشأنها، عليهم هم أن يجيبوا عن هذه الأسئلة ويدافعوا عن أنفسهم[84].

 

إنّ الغرب يتهرّب بدهاء من طرح قضيّة الأسرة. ويطرح في كلّ الأبحاث التي يعمل عليها قضيّة المرأة، فيما لا يتطرّق لقضيّة الأسرة أبدًا. والأسرة تشكّل نقطة ضعف لدى الغرب. إنّه يطرح قضيّة المرأة من دون أن يأتي على ذكر الأسرة، مع أنّ المرأة لا تنفكّ عن الأسرة. لذا، فإنّ متابعة هذه المسألة أمر لازم[85]. لقد تحدّثت في كلمة لي على منبر الأمم المتّحدة[86] عن الأسرة لحوالي الساعة والنيّف. بعدها

 

علمت أنّ التلفزيونات الأميركيّة مع كلّ الإصرار على الرقابة وتخريب كلامنا، استندت إلى هذا الخطاب وبثّته عدّة مرّات مع الترجمة. وذلك لأنّني تطرّقت للكلام عن الأسرة قليلًا.

 

أي إنّ الرسالة المتضمّنة للكلام عن الأسرة هي اليوم بالنسبة للغرب كالماء البارد العذب. وذلك أنّهم يشعرون بالنقص إزاءها[87].

 

إنّ قضيّة الأسرة (بالنسبة للغرب) قضيّة على جانب كبير من الأهميّة، بحيث إذا ما جرى الاهتمام والاعتناء بأمر الأسرة وبنيانها وأساسها، تبدأ القلوب بالخفقان، لأنّ هذه هي مشكلتهم الأساسيّة. هكذا هو الغرب اليوم. وخلافًا له، في أيّ مكان تمّت مراعاة الحجاب بنحو كلّيّ أو نسبي، سيقوى بنيان الأسرة بذلك المقدار وتلك النسبة. فبين هذين علاقة مباشرة.

 

من جملة الأمور المترتّبة على الحجاب الذي هو مصدر سعادة المرأة، عدم إمكانيّة الاستغلال الذي تكلّمنا عنه. ذلك أنّ إحدى مشاكل

 

النساء في البيئات المتأثّرة بالثقافة الغربيّة والمبتلاة بتصوّراتها، هي موضوع الزينة والتزيّن وخروج المرأة بكامل زينتها. وهذه واقعًا من القضايا والمشاكل المهمّة. ومن حسن الحظّ أنّ نساءنا الثوريّات لم يتأثّرن بهذه المسألة. مع أنّي أشعر بأنّ البعض يخرّب خلوص النساء الأوائل وصفاءهنّ ويحاول أن يشيبه (ببعض الشوائب)، ويقود النساء عمدًا بهذا الاتّجاه. لكنّ أولئك مبتليات، وهذا يستهلك وقتهنّ وأموالهنّ وهمّتهنّ. وإن لم يكن هذا الأمر موجودًا في حياتهنّ بشدّة، لصرفن وقتهنّ وأموالهنّ وجهودهنّ وأحاسيسهنّ على أعمال بنّاءة أفضل لهنّ. على أيّ حال، هذه هي وجهة نظر الإسلام وطريقته، وهذه هي طريقة علاجه للمسألة[88].

 

إنّ عالم الاستكبار الذي تسوده (الأفكار) الجاهليّة مخطىء حيث يظنّ بأنّ قيمة المرأة واعتبارها في أن تتزيّن أمام الرجال، لتنظر إليها العيون الفاسقة وتلتذ بها وتثني عليها. والبساط المفروش اليوم في العالم من قبل الثقافة الغربيّة المنحطّة تحت عنوان حريّة المرأة، قائمٌ على جعل المرأة في معرض نظر الرجل ليستمتع بها ويقضي بها شهوته الجنسيّة... هل هذه حريّة للمرأة؟ إنّ الذين يدّعون مناصرة حقوق الإنسان في عالم الحضارة الغربيّة الجاهلة والغافلة والتائهة في الضلالة،  إنّما هم في الحقيقة ظالمون للمرأة.

 

انظروا للمرأة على أنّها إنسان عظيم، ليتّضح ما هو تكاملها وحقّها

 

وحرّيتها. انظروا للمرأة على أنّها موجود يمكنه أن يكون مصدرًا للصلاح في المجتمع من خلال تربية الأناس العظماء، وذلك ليتّضح ما هو حقّ المرأة وكيف تكون حرّيتها. انظروا للمرأة على أنّها العنصر الأساسي في تشكيل الأسرة ـ فمع أنّ الأسرة تتكوّن من المرأة والرجل، وكلاهما مؤثّران في وجود الأسرة وتأسيسها، إلّا أنّ هدوء جوّ الأسرة، والراحة والسكون الموجودين فيها، إنّما هما ببركة وجود المرأة والطبيعة الأنثويّة ـ انظروا للمرأة بهذه النظرة، ليتّضح لنا كيف تتكامل وما هي حقوقها.

 

منذ أن ابتكر الأوروبيّون صناعات جديدة ـ في أوائل القرن التاسع عشر حيث أنشأ أصحاب رؤوس الأموال الغربيّون المصانع الكبرى - وكانوا بحاجة إلى قوى عاملة متدنيّة الأجرة، قليلة المتطلّبات والمشاكل، بدأت معزوفة حريّة المرأة تعلو وتتصاعد، وذلك من أجل إخراج النساء من بيوتهنّ نحو المصانع، لاستغلالهنّ بصفتهنّ عاملات أقلّ أجرةً (من الرجل)، فملأوا جيوبهنّ بالمال، وامتهنوا ، وحطّوا من كرامة المرأة ومكانتها. وما يُطرح اليوم في الغرب تحت مسمّى حريّة المرأة، إنّما هو استمرار لتلك المعزوفة وتلك القضيّة. لذا، فإنّ الظلم الذي لحق بالمرأة في الثقافة الغربيّة، والفهم الخاطئ للمرأة الموجود في الآثار والأدبيّات الغربيّة، لم يُشهد له مثيل طوال مراحل التاريخ. لقد ظُلمت المرأة في الماضي في كلّ مكان من العالم، لكنّ هذا الظلم العامّ والشامل والمتعدّد الجوانب، مختصّ بالعصر الأخير وناجم عن الحضارة الغربيّة.

 

لقد عرّفوا المرأة على أنّها وسيلة لالتذاذ الرجل، وسمّوا ذلك حرّية المرأة. لكنّها في الواقع كانت حريّة الرجل الفاسق للاستمتاع بالمرأة، لا حريّة المرأة. ولم يُمارس الظلم على المرأة فقط في مجال العمل والنشاط الصناعي وأمثالهما، بل في مجال الأدب والفنّ. إنّكم إن نظرتم اليوم إلى القصص والروايات والرسوم والأنواع الأدبيّة، سترون بأيّ نظرة ينظرون إلى المرأة. هل يتمّ الاهتمام بالجوانب الإيجابيّة والقيم السامية الموجودة في المرأة؟ وهل المشاعر الرقيقة، وتلك المحبّة والخصال الودودة التي أودعها الله في المرأة، الأمومة، وروحيّة رعاية الأولاد وتربيتهم هي مورد اهتمامهم، أو الجوانب الشهوانيّة والعشق بحسب تعبيرهم؟ وهذا تعبير خاطئ وغير صحيح. فهذه شهوة وليست بعشق. هكذا أرادوا للمرأة أن تتربّى وتتعوّد، وأن تكون موجودًا مستهلكًا، مستهلكًا سخيًّا وعاملًا غير متطلّب وقليل الأجر[89]. وهل هذه هي الشخصيّة المطلوبة للمرأة؟!

 

عليها أن تتخلّى عن الحجاب والعفاف، وتتزيّن ليُسرّ الرجال بذلك. هل هذا تعظيم للمرأة أم إهانة لها؟ لقد أعلن الغرب الماجن اللاعاقل الذي لا يعي شيئًا، والمتأثّر بالحركة الصهيونيّة، هذا الأمر كتعظيم للمرأة، وقد صدّقهم البعض في ذلك. إنّ عظمة المرأة لا تكون بتمكّنها من جذب أنظار الرجال، وعيون المهووسين إليها، وهذا ليس محطّ فخر وتعظيم للمرأة، بل هو إهانة لها. عظمة المرأة تكمن

 

في أن تتمكّن من الحفاظ على الحياء والعفاف اللذين أودعهما الله في جبلّتها، وأن تمزجهما بعزّة الإيمان، والإحساس بالتكليف والمسؤوليّة، أن تستعمل اللطافة في مكانها، والحزم وقاطعيّة الإيمان في مكانها أيضًا. وهذا التركيب الظريف ـ تركيب اللطافة والقاطعيّة ـ مختصّ بالنساء فقط[90].

 

إنّ العالم الذي يبعد المرأة عن أسرتها، ويخرجها من (بيتها) بناءً على وعود واهمة، ويجعلها في معرض أنظار المجتمع وحركته الماجنة من غير مأمن ولا ملجأ، ويفسح المجال للاعتداء على حقوقها، فإنّه يضعف المرأة، ويهدم الأسرة، ويجعل الأجيال القادمة عرضة للخطر. كلّ حضارة وثقافة لديها هذا المنطق، فإنّها تفتعل فاجعة، وهذا ما حصل اليوم في العالم، ويزداد يومًا فيومًا. وأقول لكم، إنّ هذا هو من تلك السيول الخطيرة التي تظهر آثارها الجانبيّة على المدى الطويل، وستسحق بناء الحضارة الغربيّة وتدمّره. لن يظهر شيء على المدى القصير، فهذه أمور تفصح عن نفسها بمرور مائة ومائتي عام، وآثار هذه الأزمات الأخلاقيّة (بدأت) تظهر الآن في الغرب.

 

لقد كرّم الإسلام المرأة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وإنّه إن كان يستند إلى دور الأمّ وحرمتها داخل الأسرة، أو إلى دور المرأة وتأثيرها وحقوقها ووظائفها والقيود التي ينبغي لها التقيّد بها داخل الأسرة، فهذا لا يعني بأيّ وجه من الوجوه أنّه يمنع المرأة من المشاركة في

 

العمل الاجتماعي والدخول في الكفاح والأنشطة العموميّة الشعبيّة. ولقد فهم البعض هذا الأمر فهمًا خاطئًا أو منحرفًا، ولقد استفاد بعض المغرضين من منحرفي الفهم هؤلاء، (فأوحوا) وكأنّه يتوجّب على المرأة إمّا أن تكون أمًّا وزوجة صالحة، أو أن تشارك في الأعمال والأنشطة الاجتماعيّة. والقضيّة ليست كذلك، عليها أن تكون أمًّا وزوجة صالحة، وكذا أن تشارك في الأنشطة والأعمال الاجتماعيّة. وفاطمة الزهراء (عليها السلام) هي مظهر لمثل هذا الجمع، الجمع بين الشؤون المختلفة. وزينب الكبرى نموذج آخر. ونساء صدر الإسلام المعروفات والبارزات نموذج آخر، كان لهؤلاء حضورهنّ في المجتمع.

 

ترافق عدم الفهم لتكريم المرأة في الإسلام مع التعاليم السيّئة المطروحة في الحضارة الغربيّة تحت عنوان تكريم المرأة، ولقد امتزج هذان الأمران ليتشكّل تيّار فكريّ خاطئ. إنّ المرأة داخل الأسرة مكرّمة وعزيزة وهي محور الإدارة الداخليّة لها، هي شمعة لكلّ أفراد الأسرة، ومصدر الأنس والسكينة والهدوء. ومؤسّسة الأسرة التي هي مرتع الراحة لحياة الإنسان المليئة بالتحدّيات والمصاعب، تستقرّ وتكتسب الهدوء والطمأنينة بوجود المرأة. وسواءً كانت زوجة أو أمًّا أو ابنة، مهما كانت، فالشرح يطول في تكريمها. بناءً عليه، ينبغي حقيقةً، تجديد الكتابات والأقوال وإعادة النظر فيما يتعلّق بموضوع تكريم المرأة في الإسلام[91].

 

"المرأة سيّدة بيتها"[92] هذا خطاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.. حيث يخاطب الرجال ويقول: خيركم خيركم لأهله. هذه هي نظرة الإسلام، ويوجد الكثير الكثير من أمثال هذا الحديث.. لقد طُرحت المرأة في القرآن كنموذج للإنسان المؤمن والمرضيّ عند الله تعالى، وكذا للإنسان الكافر والمغضوب عليه من قبل الله تعالى، وهذا أمر لافت. فعندما أراد القرآن انتخاب نموذج للإنسان المؤمن والإنسان الكافر، اختار المرأة لكليهما فقال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾، وفي المقابل يقول: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[93] فقد ضرب الله شخصيّتين مثلًا للمرأة المؤمنة والصالحة والأفضل هما امرأة فرعون والسيّدة مريم، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ واللافت أنّ حسن هؤلاء النسوة الأربعة وسوأهنّ مرتبط بالبيئة الأسريّة. ففيما يخصّ تينك المرأتين الكافرتين - ﴿اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾ يقول: ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾، فالمسألة مسألة الأسرة. وموضوع المرأتين الصالحتين مرتبط كذلك بالأسرة، فأهميّة الأولى، وهي امرأة فرعون، هي أنّها ربّت بين أحضانها نبيًّا من الأنبياء أولي العزم، وهو موسى الكليم? عليه السلام، وآمنت به وساعدته، لذا انتقم منها فرعون. فالمسألة مرتبطة بداخل الأسرة وبتأثير هذا العمل العظيم الذي قامت به، وهو تربية موسى الكليم. وهكذا الأمر فيما يتعلّق بالسيّدة مريم: ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ

 

فَرْجَهَا﴾, وحافظت على شرفها وعفّتها. وهذا يدلّ على وجود عوامل يمكنها أن تهدّد عفّة المرأة وشرفها في البيئة التي كانت تعيش فيها مريم? عليها السلام، وتمكّنت هي عليها السلام من مواجهتها. لذا، كلّ هذه (الأمثال في الآيات) ناظرة إلى هذه الجوانب المهمّة التي تكلّمنا عنها، وهي الجانب الأسري، وشأن المرأة في المجتمع[94].

 

بناءً عليه، فإنّ العنصر الأساسي لتشكيل الأسرة هو المرأة، لا الرجل. فيمكن أن يكون هناك أسرة من دون الرجل. أي إذا افترضنا ربّ البيت غائبًا عن أسرة ما، أو كان ميتًا، فيمكن للمرأة إن كانت عاقلة ومدبّرة وربّة بيت أن تحفظ أسرتها. أمّا لو أُخذت المرأة من الأسرة، فلن يكون بمقدور الرجل المحافظة عليها. فالمرأة إذًا، هي التي تحفظ الأسرة.

 

السبب في أنّ الإسلام أولى كلّ هذه الأهميّة لدور المرأة في الأسرة، هو أنّ المرأة لو ارتبطت بالأسرة، وأظهرت محبّتها، وأولت الأهميّة لتربية الأولاد، واهتمّت بأولادها، أرضعتهم، وربّتهم بين أحضانها، ووفّرت لهم المؤونة الثقافيّة، والروايات، والأحكام، والقصص القرآنيّة، والأحداث المفيدة وذات العبر، وجرّعتها لأولادها في كلّ فرصة كما تغذّي أجسامهم، ستكون الأجيال في ذلك المجتمع متكاملة ورشيدة[95].

 

 

يمكن للمرأة أن تربّي أولادها على أفضل وجه. وتربية الولد على يدي أمّه ليس كالتعليم في الصفّ، (إنّما) تكون بالعمل، بالقول، بالعاطفة، بالدلال، بالحداء له، بالعيش والحياة (معه). فالأمّهات يربّين أولادهنّ من خلال العيش معهم. وكلّما كانت المرأة أكثر صلاحًا، وأعقل، وأوعى، ستكون هذه التربية أفضل[96].

 

يمتدّ دور الأمّ من حين الحمل إلى آخر حياة الإنسان. فالرجل الذي وصل إلى مرحلة الشباب أو تجاوزها، يكون أيضًا تحت تأثير عطف الأمّ ومحبّتها وتعاطيها الخاصّ. وإذا ما ارتقت نساؤنا بأنفسهنّ على المستوى المعرفي والفكري وعلى مستوى المعارف والمعلومات، فهذا الدور لا يمكن أن يُقاس بأيّ دور على الإطلاق، ولا بأيّ مؤثّر آخر من المؤثّرات الثقافيّة والأخلاقيّة إلى الأبد. أحيانًا يكون مستوى أمّ ما متدنّيًا من الناحية المعرفيّة، وهذا بالطبع، لا يؤثّر في مرحلة الكبر، فخطأ النقص في معلومات إنسان ما، لا يُعدّ نقصًا في تأثير الأمومة. فالأمّ تنقل إلى أولادها بجسمها وروحها ومسلكها، ثقافة قوم أو مجتمع ومعارفهم وحضارتهم وخصالهم الأخلاقيّة، علمت بذلك أم لم تعلم. والجميع هم تحت تأثير الأمّهات. والذي يصبح منهم إنسانًا سماويًّا، فبسبب الأمّ، "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"[97].[98]

 

علينا أن نعمل على أن يصبح الأولاد يقبّلون أيادي أمّهاتهم، والإسلام يؤكّد على هذا الأمر. وذلك كما نشاهده في العائلات الأكثر تديّنًا، وأخلاقًا وقربًا إلى المفاهيم الدينيّة. على الأولاد في الأسرة أن يكنّوا الاحترام للأمّ. ولا يتنافى هذا الاحترام أبدًا مع تلك الحالة العاطفيّة والحميميّة (التي تشكّل بينهما وحدة حال) الموجودة بين الولد وأمّه. ينبغي لهذا الاحترام أن يكون موجودًا، وينبغي للمرأة أن تُحترم داخل الأسرة[99]. وحتّى لو لم يكن هناك أمّ داخل الأسرة أساسًا. كما لو كانت زوجة غير راغبة في إنجاب الأولاد، أو لا يمكنها ذلك لسبب من الأسباب. فلا ينبغي هنا التقليل من أهميّة دور الزوجة. إذا أردنا للرجل أن يكون إنسانًا مفيدًا في المجتمع، ينبغي للمرأة داخل الأسرة أن تكون زوجة صالحة، وإلّا لما أمكن ذلك[100].

 

على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق التألّق والعلم، وفي طريق بناء النفس المعنوي والأخلاقي، وتسير قدمًا في ميدان الجهاد والكفاح بكافّة أشكالهما، ولا تعير الاهتمام لزخارف الدنيا وزينتها البالية، وتصل بالعفّة والطهارة إلى حدّ تندفع فيه عنها تلقائيًّا أنظار الأجانب الطامحة، وتكون في بيتها مهدّئًا لنفوس الزوج والأولاد، ومصدرًا لاستقرار الحياة وهدوء جوّ الأسرة، وتربّي في حضنها الدافئ المفعم بالحنان، وبكلماتها ذات المغزى الممزوجة بالعاطفة، أولادًا سالمين من الناحية النفسيّة، تربّي أناسًا خالين من العقد، يتمتّعون بروحيّة

 

جيّدة، وسالمين من الناحية الروحيّة والعصبيّة، وتربّي الرجال والنساء وشخصيّات المجتمع. فالأمّ بنّاءة أكثر من أيّ بنّاء آخر وأكثر أهمّيّة. أكبر العلماء يمكنهم أن يصنعوا مثلًا آلة إلكترونيّة معقّدة جدًّا، وصواريخ عابرة للقارّات، وآلات لتسخير الفضاء، إلّا أنّ أيًّا من هؤلاء لا يحظى بأهمّيّة إيجاد إنسان راقٍ، والأمّ تفعل. وهذه هي نموذج المرأة المسلمة[101].

 

بالطبع، البعض يرفضون بشدّة مثل هذا الكلام منذ النظرة الأولى، ويقولون: سيّد، أتريد أن تجعل المرأة حبيسة بيتها، وتسجنها، وتمنعها من الحضور في ميادين الحياة وممارسة النشاطات، لا، ليس مقصودنا هذا بأيّ وجه من الوجوه، كما أن الإسلام لم يرد هذا. عندما يقول الإسلام: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[102] أي أنّ المؤمنين والمؤمنات شركاء في الحفاظ على سلسلة النظم الاجتماعيّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يستثنِ المرأة. ونحن أيضًا لا يمكننا أن نستثنيها. فمسؤوليّة إدارة المجتمع الإسلامي وتقدّمه تقع على عاتق الجميع، على عاتق المرأة وعلى عاتق الرجل، كلّ منهما بنحو ما وبحسب قدراته وإمكانيّاته. بحثنا ليس في هل أنّه يمكن للمرأة تسلّم مسؤوليّة خارج بيتها أم لا - بالطبع يمكنها، ولا شكّ في ذلك، ووجهة النظر الإسلاميّة لم تنفِ ذلك مطلقًا - البحث هو هل يحقّ للمرأة أن تقضي على دورها داخل الأسرة بسبب

 

كلّ الأمور المرغوبة والجذّابة والجميلة التي يمكن تصوّرها لها خارج محيط الأسرة؟ (أن تتخلّى عن) دور الأمّ؟ دور الزوجة؟ هل يحقّ لها ذلك أم لا؟ إنّنا نعتمد على هذا الدور. برأيي إنّ أهمّ دور يمكن للمرأة أن تؤدّيه في أيّ مستوى من المستويات العلمية والمعرفية والبحثية والروحية (المعنوية)، هو الدور الذي تؤدّيه كأمّ وكزوجة، وهو الأهمّ من بين كلّ أعمالها الأخرى، وهو العمل الذي لا يمكن لأحد غير المرأة القيام به. ولنفترض أنّ للمرأة أعمالًا مهمّة أخرى، حسنٌ فليكن، لكن عليها أن تعدّ هذه المسؤوليّة مسؤوليّتها الأولى والأصليّة. فبقاء النوع البشري ورشد الإنسان وتكامل استعداداته الداخليّة مرتبط بهذا، والحفاظ على الصحة النفسية (السلامة الروحيّة) للمجتمع مرتبط بهذا، والسكن والطمأنينة مقابل الاضطرابات والتأزّمات والقلق مرتبط بهذا، علينا أن لا ننسى هذا.

 

ليس تميّزًا وفنًّا أن تقلّد المرأة أعمال الرجال، لا. وللمرأة أعمال نسويّة تفوق أهمّيتها كلّ أعمال الرجال. جماعات مريبة جدًّا تطلق اليوم في العالم حملاتٍ مضادّة للقيم، وهي موجودة في جميع أنحاء العالم، وتُشاهد للأسف في بعض أنحاء بلدنا. هؤلاء يريدون أن يفرضوا على المرأة بأن تصبح رجلًا! ويرون بأنّ تخصيص بعض الأمور بالرجل وتخصيص بعضها بالمرأة هو من شأنيّة المرأة! هل هذا حطّ من شأنها؟ إنّ النظرة إلى هذه المسألة هي نظرة خاطئة. ويعدّون هذا الأمر عيبًا، في أن نقول إنّ الرجل رجل، والمرأة مرأة. حسنٌ، أليس الأمر كذلك؟ أتحبّون أن نأتي ونقول لكم إنّ المرأة رجل؟

 

حينها ستكون رجلًا صناعيًّا، نسخة ثانية عن الرجل! وأيّ فخر هذا للمرأة. إنّ فخر المرأة أن تكون امرأة، امرأة كاملة، أنثى كاملة. إن نظرنا في مقام التقييم الرفيع، هذه القيمة ـ كون المرأة امرأة كاملة ـ ليست بأقلّ من كون الرجل رجلًا كاملًا. وفي بعض الموارد هي قطعًا أعلى وأهمّ أيضًا. لماذا نخسر هذا الأمر؟

 

بالطبع، هناك مسؤوليّات مشتركة (فيما بينهما). وكما قلنا، مسؤوليّة الحضور في المجتمع وفهم المشاكل العامّة للمجتمع والسعي لعلاجها، ليست خاصّة بالرجال ولا بالنساء، ولا يمكن للنساء نفض أيديهنّ من هذه المسؤوليّة[103].

 

في صدر الإسلام، كانت النساء في ميادين الحروب، علاوةً على تضميد جراح المجروحين، والذي غالبًا ما تتولّاه النساء، (كانت) تضرب بالسيف أحيانًا حتّى وهي منقّبة، وذلك في المعارك الصعبة التي جرت في تلك الحقبة. في الوقت عينه، كانت تحتضن أولادها وترعاهم، وتربّيهم التربية الإسلاميّة، وتحافظ على حجابها، لأنّه لا منافاة بين هذه الأمور. وإذا ما أمعن المرء النظر، لن يجد منافاةً في ذلك. البعض يصل (في هذه المسألة) إلى حدّ الإفراط، والبعض الآخر إلى حدّ التفريط. يقول البعض بما أنّ الأعمال الاجتماعيّة لا تسمح لنا بأن نهتمّ بالبيت والزوج، لذا، لا ينبغي علينا الخوض في الأعمال الاجتماعية. والبعض منهنّ يقول، بما أنّ البيت والزوج والأولاد

 

لا يسمحون للمرأة بمزاولة الأعمال الاجتماعيّة، لذا، علينا التخلّي عن الزوج والأولاد. كلا فالفكرتان خاطئتان. ولا ينبغي أن نخسر هذا بسبب ذاك، ولا ذاك بسبب هذا[104].

 

يسأل البعض: هل أنت موافق على عمل المرأة خارج البيت؟ نقول: نحن طبعًا مخالفون لبقاء النساء من دون عمل، وعلى المرأة أساسًا أن تعمل. والعمل نوعان، أحدهما داخل البيت، والثاني خارجه، وكلاهما عمل، إن كان لدى إحداهنّ استعداد ومؤهّليّة للأعمال خارج البيت، فيجب أن تقوم بها، وهذا أمر جيّد جدًّا أيضًا. غاية الأمر، أنّ هناك شرطًا، وهو أن يكون هذا العمل، وحتّى العمل داخل المنزل، بنحو لا يوجّه ضربة لعلاقة المرأة بزوجها. بعض النساء يقتلن أنفسهنّ في العمل من الصباح إلى المساء، ومن ثمّ حين يعود الزوج إلى البيت، لا يستطعن أن يضحكن في وجهه. وهذا أيضًا أمر سيّئ. ينبغي لأعمال المنزل أن تُنجز، لكن ليس إلى حدّ يؤدي إلى انهدام الأسرة[105].

 

إنّ عمل المرأة هو من جملة الأمور التي نؤيّدها. وأنا بدوري أؤيّد مشاركتها في الأنشطة الاجتماعيّة المتنوّعة، سواءً كان ذلك من نوع العمل الاقتصادي، أو العمل السياسي والاجتماعي والأعمال الخيريّة وما شابه. فهذه أيضًا أعمال جيّدة. النساء نصف المجتمع، ومن الجيّد أن نستفيد من نصف المجتمع في أمثال هذه الأعمال، إلّا أنّ هناك

 

أصلين أو ثلاثة، لا ينبغي التغاضي عنها. أحدها، هو أن لا نتغاضى عن هذا العمل الأساسي الذي هو عمل البيت والأسرة والزوجة وربّة البيت والأمومة، وهذا ممكن. ويبدو لي أنّه كانت لدينا أمثال ونماذج (لهذا الأمر) حيث عملت السيّدات على هذا النمط. بالطبع، قد كان ذلك صعبًا عليهن، فقد درسن، ودرّسن، وكنّ ربّات بيوت أيضًا، وأنجبن الأولاد، وعملن على رعايتهم وتربيتهم. لذا، نحن موافقون تمامًا على ذلك العمل والمشاركة بشرط أن لا يوجّه ضربة إلى هذه القضيّة الأساسيّة، لأنّه لا بديل لها. فإنّكنّ إن لم تربين أولادكنّ في المنزل، أو لم تنجبن الأولاد، أو لم تلعبن على أوتار أحاسيسهم البالغة الدقّة - والتي هي أدقّ من خيوط الحرير - وذلك لكي لا يُبتلوا بالعقد، فإنّه لا يمكن لأحد غيركنّ القيام بهذا العمل، لا الآباء، ولا الآخرون بطريق أولى، فهذا عمل الأمّ حصرا. أمّا ذلك الشغل الذي تقومون به خارجًا، إن لم تقوموا به أنتم فهناك عشرات الأشخاص الآخرين المستعدّين للقيام به، وسيقومون به. لذا، الأولويّة هي لهذا العمل الذي لا بديل عنه، وهو متعيّن عليكنّ. 4/1/2012 وهذا ليس تحقيرًا للمرأة، لا تتصوّرنّ ذلك. (بل) هو احترام وتكريم لها. المرأة في البيت، هي سيّدة البيت، أي هي تنظّم جوّ البيت، (الذي هو) مكان رشد نبتة الإنسان، وتقوم بإعداده. والرجل أيضًا يختصّ بالذهاب خارج البيت وبإنجاز أعماله وتأمين الطعام لهذه البيئة. والوضع هو كما أن يتشارك شخصان غرفة ما، فيتولّى أحدهما إدارة الغرفة، ويتولّى الثاني مهمّة الخروج من البيت لتأمين لقمة العيش لهما هما الاثنين، فأيّ منهما

 

يكون أقلّ احترامًا؟ ذلك الذي يتولّى الأعمال في العائلة، وتتطلّع كلّ الأعمال إليه، والذي يبني هذه البيئة وهذا الجوّ، أي المرأة، يكون الاحترام الأكبر له. والرجل يعمل على خدمتها. وعندما يصل الدور إلى المسؤوليّات الاجتماعيّة، والنضال، والسياسة، عليهما معًا أن يكونا حاضرين. وعندما يصل الدور إلى الجهاد في سبيل الله، على الرجل والمرأة معًا أن ينزلا إلى الميدان[106].

 

في زمن الكفاح ضدّ النظام الطاغوتي في إيران، كان كثيرون في هذا الميدان، لكنّ نساءهم لم يسمحن لهم بالاستمرار في هذا الكفاح والجهاد لأنّهنّ لم يستطعن تحمّل مشاقّه. وفي المقابل، عمد كثير من النساء الأخريات إلى تشجيع أزواجهنّ على الثبات والصمود في طريق الكفاح، وساعدنهم وقدّمن لهم الدعم المعنويّ. في العامين 77 و78?[107]، حين غصّت الشوارع والطرقات بالجماهير الشعبيّة، كان للنساء دور مؤثّر في تعبئة أبنائهنّ وأزواجهنّ وإرسالهم إلى ميادين الكفاح والتظاهرات.

 

لقد بدّلت النساء في فترة الثورة والحرب المفروضة أبناءهنّ إلى جنود مضحّين شجعانًا في طريق الإسلام والمسلمين، وحوّلن أزواجهنّ حينذاك إلى أناس مقاومين وأشدّاء. هذا هو تأثير المرأة على الابن والزوج. هذا هو الدور الذي يمكن للمرأة أن تلعبه داخل

 

البيت، وهو من أكبر الأدوار، وبرأيي هو من أهمّ أعمال المرأة. إنّ من أهمّ الأعمال للمرأة هو أن تربّي أولادها وتقوّي من معنويّات زوجها لورود الميادين الكبرى، والشكر لله، أنّ المرأة الإيرانيّة والمسلمة قد أبلت أحسن البلاءات في هذا المجال[108].

 

لقد عبّر القرآن الكريم عن العلاقة بين المرأة والرجل بـ "السكن". أي مصدر الراحة والاستقرار[109]. وهذا الاستقرار لا يعني الاستقرار مقابل الحركة، فالحركة جيّدة. إنّما الاستقرار في مقابل الاضطراب. أحيانًا يُبتلى الإنسان بالاضطراب في حياته، فالسكن يمنحه هذا الاستقرار[110]. يوجد في هذا المجال آيتان أو ثلاث لنتوجّه إليها ونتفكّر فيها. إحداها قوله تعالى في سورة الروم: ﴿  ﴾[111] أي إحدى الآيات الإلهيّة وآيات القدرة الإلهيّة هي أن خلق من جنسكم، أيّها النساء والرجال وعموم بني آدم، أزواجًا هي مصدر السكن والهدوء لكم. وهذا الأمر ليس مختصًّا بالرجال، بحيث قد يتخيّل البعض بأن الله خلق المرأة لراحة الرجل، لا، فالرجل أيضًا قد خُلق لراحة المرأة، وهذا هو جوّ الأسرة. فجوّ الأسرة الداخلي هو جوّ الاستقرار والراحة النفسيّة الذي يعيش فيه كلّ من المرأة والرجل.

 

وفي آية أخرى في سورة النحل يقول تعالى: ﴿ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾[112] أي مصدرًا للراحة والاستقرار وفيه إشارة ظاهريّة إلى جوّ الأسرة[113]. ويقول تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾[114] فقد جعل الله زوج النفس البشريّة من جنسها، ليمكنها السكن إليه. وهذا السكن والراحة اللذان يجدهما الزوج إلى جانب المرأة، وفي جوّ الأسرة، وفي جوّ الحياة الآمن والصافي، لا يمكن أن يجدهما في أيّ مكان[115].

 

الحياة كفاح. وهي كلّها عبارة عن كفاح ونضال طويل الأمد، كفاح في مواجهة العوامل الطبيعيّة، وفي مواجهة الموانع والعقبات الاجتماعيّة، وفي مواجهة النفس الإنسانيّة. فالإنسان في حال كفاح ونضال مستمرّين. وجسم الإنسان كذلك هو في حالة حرب مستمرّة مع العوامل المضرّة. عندما تكون القدرة على المواجهة في الجسم موجودة، يكون الجسم سليمًا. ينبغي لهذه المواجهة في الإنسان أن تكون صحيحة، منطقيّة، في الاتّجاه الصحيح، وبالوسائل والأدوات الصحيحة. وينبغي أن يكون لهذه المواجهة محطّة ونقطة استراحة. على أيّ حال، حركتك هذه بمثابة سفر، ونقطة الاستراحة فيه تكون

 

داخل الأسرة. ينبغي للمرء أن يشعر بالاستقرار داخل الأسرة[116]. إنّكم سواءً منكم المرأة والرجل، تواجهون مصاعب ومشاكل واضطرابات في الحياة، خارج جوّ البيت، في محيط العمل ومحيط التعلّم، وتكافحونها، لأنّ الحياة بمجملها عبارة عن كفاح. وحتّى لو افترضنا بأنّ المرأة لا تعمل (خارج البيت) ومشغولة بأعمال المنزل، فإنّها أيضًا ستواجه مشاكل واضطرابات في معاشرتها للآخرين ومعاملاتها ومنافساتها لهم. والإنسان أساسًا يواجه الاضطرابات والمشاكل في كلّ مواطن الحياة. على سبيل المثال، يريد أشياء ولا يصل إليها، لهذا الأمر مشكلاته. إنّه يصارع المشاكل. وحيث إنّ هذه المشاكل والاضطرابات تؤدّي إلى تلاشي طاقة الإنسان، فإنّه أحيانًا يحتاج إلى الراحة. مكان الراحة هذا هو مؤسّسة الأسرة[117]. وجوّ الأسرة هو مركز راحة الإنسان.

 

للمرأة والرجل - كلٌّ في دوره -، عمله، ونشاطه، وتعلّمه، وكفاحه، وعمله الاجتماعي، وعمله السياسي، ونشاطات فيما يتعلّق بتكليفه الاجتماعي، ومساعدته للمحرومين، وعمله جهادًا في سبيل الله، وهو بحاجة في البيئة الاجتماعيّة الكبرى إلى عشّ ومكان للراحة مضافًا إلى الراحة الجسديّة، يرتاح فيه من الناحية المعنويّة والروحيّة والعاطفيّة أيضًا. وذلك هو بيئة الأسرة[118].

 

وهنا يتّضح دور النساء، فالمرأة هي الشخص الذي يمكنه أن يجعل جوّ البيت حميمًا، مفعمًا بالمحبّة واللطافة، بحيث يكون كحوض الماء الذي يدخله الإنسان عندما يكون متعبًا، ومتّسخ البدن، فيزول تعبه، ويعود إلى نشاطه، وينتعش، وتزول أدران بدنه، هكذا هو جوّ البيت بالنسبة للإنسان المتلوّث بغبار الانشطة الاجتماعيّة، مثل جوّ ذلك الحوض، منعش، مريح، وباعث على الاسترخاء. وهذا ما يمكن للمرأة أن تفعله. وهذا ما سيحصل إذا كانت المرأة في جوّ البيت محبّة وودودة.

 

إنّ جوّ الأسرة ومؤسّسة الأسرة الدافئة هو مكان تتبدّل فيه مشاكل الإنسان الروحيّة إلى راحة. وعلى الرغم من أنّ البيئة الأسريّة بيئة صغيرة ـ حيث تكون في البداية مكوّنة من شخصين، ومن ثمّ تبدأ بالتوسّع تدريجيًّاـ إلّا أنّه حتّى لو أصبحت عشرة أو خمسة عشر فردًا فإنّ قوامها يبقى بهذين الشخصين الأساسيّين. هذه البيئة الصغيرة تعمل كمحيط، وبحر عميق. رأيتم كيف تسير هذه الأنهار هائجة وثائرة وتضرب الجدران والساحل، حتّى تصل إلى البحر. فالبحر هو مكان سكون مياه الأنهار. وذلك الفوران والهيجان في مياه الأنهار يتحوّل فيه إلى هدوء وسكون.

 

يُصاب الإنسان سواءً المرأة والرجل، بسبب الحوادث، والمجريات، ومشاكل العمل أو الإرهاق، بأزمات. وتسبّب هذه الأزمات النفسيّة، الروحيّة، الفكريّة والعصبيّة، اضطرابات وعدم استقرار في وجود الإنسان. عندما يدخل الإنسان إلى البيت، ينبغي لجوّ البيت أن يبقى

 

هادئًا، وهكذا جعله الله تعالى. والمرأة أيضًا، إن كانت تتابع دراستها خارج البيت، أو كانت موظّفة، أو كانت تعمل داخل البيت - ذلك أنّ العمل داخل المنزل أصعب، خلافًا لما يتصوّره البعض من أنّ العمل خارج البيت أصعب، وأنّ اللواتي يبقين في بيوتهنّ أكثر راحةً، لا، فعمل السيّدات الجسديّ في المنزل أصعب، وكذا عملها الفكري، لأنّ المدير الداخلي للعائلة هو السيّدة - حتمًا ستواجه تحدّيات، وهذه التحدّيات تخلق مشاكل واضطرابات روحيّة لها.

 

... إنّ الحسد، والأذى، والتهمة، والغيبة، ومصاعب الحياة، وأعمال المنزل، وإنجاب الأولاد، وما شابه ذلك يؤذي السيّدات[119]. وبمجرّد أن يصل الزوج إلى البيت، وكأنّ ملاك النجاة قد نزل عليها. ويصبح جوّ البيت جنّة لكليهما. فهل هذا بالأمر السيّئ؟ كلا، بل إنها حاجة الإنسان الأساسيّة. فحاولوا أن توفّروها. بالطبع، هناك شروط لها، ودونها صعوبات، لكنّها ليست كثيرة. تتطلّب القليل من التعقّل، فعلى المرأة أن تستعمل عقلها، وكذا الرجل[120]. على النساء والرجال جميعًا أن يسعوا إلى حماية هذا الجوّ العائلي الباعث على الهدوء، بمعنى أن لا يجعلوا من أنفسهم مصدرًا للاضطراب في العائلة. هناك رجال سيّئو خلق، ونساء معوجّات التفكير، رجال يعترضون على كلّ شيء، ونساء متطلّبات، يشنّجون الأجواء داخل البيت. وحينذاك ينعدم الهدوء والاستقرار داخل البيت، ولا يتحقّق مفاد الآية ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾. انظروا

 

كيف يبدّل الإسلام بحكمته حياة الإنسان في هذه الدنيا إلى جنّة، إن عُمل بشرائطه. أمّا إن لم يحصل هذا، وعكّروا بأنفسهم صفو هذا الجوّ الهادئ، من خلال السقطات الكثيرة، والمنازعات التافهة، أو الاعتراضات التي هي في غير محلّها والخاطئة، فسينعدم الهدوء عند ذلك. فالقرآن من خلال تعبير "السكن" توقّع للزوج والزوجة السكون والراحة والاستقرار[121].

 

ماذا يعني السكون والهدوء؟ يعني أن يجد الإنسان في اضطرابات الحياة الناشئة من تعاطي البشر الحتمي فيما بينهم في حياتهم اليوميّة، فرصة وساحل نجاة. فالمرأة والرجل اللذان يقفان إلى جانب بعضهما البعض، هما حقًّا زوج، ويلجآن إلى بعضهما البعض في هذه الاضطرابات، المرأة تلجأ إلى زوجها، والرجل إلى زوجته.

 

الرجل في تجاذبات حياته الرجولية، يحتاج إلى لحظة هدوء، لكي يمكنه متابعة طريقه. ما هي لحظة الهدوء هذه؟ إنّها تلك اللحظة التي يكون فيها في بيئته العائليّة المفعمة بالمحبّة والعاطفة. عندما يكون إلى جانب زوجته التي يحبّ. إنّها تلك اللحظة التي يلتقي فيها بزوجته التي يشعر بأنّها نفسه. وكذلك المرأة، تواجه في خضمّ حياتها النسويّة، مشاكل وصعوبات، سواءً في ذلك المرأة التي تعمل خارج البيت وتمارس النشاطات السياسيّة والاجتماعيّة والوظيفيّة، أو تلك التي هي ربّة بيت فقط.

 

إنّ عمل النساء داخل البيت لا يقلّ أهمّيّة وجهدًا عن الأعمال خارج البيت، بل قد يفوقها أهمّيّة[122]. أن تكون المرأة ربّة البيت هو شغل، شغل عظيم، مهمّ، حسّاس وبانٍ للمستقبل. وإنجاب الأولاد هو جهاد كبير[123]، ورعاية الأطفال هو من الأمور الصعبة. أيّ عمل تفترضونه صعبًا، هو في الواقع سهل في مقابل رعاية الأطفال. فرعاية الأطفال فنّ عظيم جدًّا، لا يستطيع الرجال القيام به حتّى ولو ليوم واحد، فيما النساء يقمن بهذا العمل بدقّة، وجلد، ولطافة. فقد أودع الله تعالى هذه القدرة في غريزتهنّ، إلّا أنّ رعاية الأطفال هذه وتربيتهم هي من الأمور الصعبة التي تنهك الإنسان وتجعله ينهار[124].

 

المرأة عنصر أساسيّ في العائلة، لكنّ هذا لا يعني بأن ليس للرجل فيها أيّ وظيفة ومسؤوليّة ودور. والرجال عديمو الشعور، والفاقدون للعاطفة، وغير المبالون، وغير المقدّرين لجهود ربّة المنزل، هؤلاء يوجّهون ضربة لجوّ البيت. ينبغي للرجل أن يعرف قدر (المرأة)، وللمجتمع أيضًا. وينبغي تقدير عمل ربّات البيوت تقديرًا خاصًّا. البعض منهنّ كنّ يستطعن الذهاب والحصول على وظيفة وعمل، البعض منهنّ كنّ يستطعن متابعة دراساتهنّ الجامعيّة والعليا، البعض منهنّ أيضًا، قد حُزْنَ على الشهادات العليا - ولقد رأيت نساءً من هذا القبيل ـ (لكنّهنّ) قلن نحن نريد رعاية هذا الولد، وتربيته بشكل جيّد،

 

ولم يذهبن للحصول على وظيفة. وحيث لم تذهب (فعلًا)، فلم تبق هذه الوظيفة شاغرة، إذ أتى عشرات الأشخاص الآخرين وحصلوا عليها. ينبغي تقدير مثل هكذا امرأة[125].

 

والنساء من أجل إدارة هذا المحيط والمكان، بحاجة إلى السعي والجدّ، لأنّهنّ المديرات الداخليّات للعائلة. ربّة البيت، هي الشخص الذي يكون جوّ الأسرة تحت إشرافه، ونظارته، وتدبيره وإدارته، هذا العمل مجهد جدًّا ودقيق، ولا يمكن أن يتأتّى سوى عن اللطافة والدقّة النسائيّة. ولا يمكن لأيّ رجل مراعاة هذه الأمور الدقيقة، حتّى أنّ الكثير من الرجال لا يفهمونها ويعونها، لكنّ الله تعالى جعل طبيعة المرأة لطيفة. إنّ الأصابع الكبيرة والضخمة جدًّا، جيّدة لاقتلاع الصخور من الأرض، أمّا إن أراد أصحابها لمس المجوهرات الدقيقة جدًّا أو حملها، فمن غير المعلوم إن كانوا سيستطيعون ذلك أم لا. بعض الأصابع دقيقة ورفيعة، لا يمكنها رفع الأحجار والصخور، لكن يمكنها التقاط المجوهرات الدقيقة والذهب عن الأرض. هكذا هما المرأة والرجل. لكلّ منهما مسؤوليّة، ولا يمكن القول إنّ مسؤوليّة هذا أخطر من ذاك، فكلا المسؤوليّتين خطيرتان ولازمتان. عندما تواجه المرأة مشاكل في هذه المعمعة، فلأنّ روحها لطيفة، أكثر ما تحتاج إليه هو الهدوء والراحة والاعتماد على ركن وثيق، وذلك المعتمد هو الزوج. لقد

 

جعلهما الله هكذا إلى جانب بعضهما. إن حافظنا على جوّ الأسرة سليمًا، سيستقرّ هذان إلى جانب بعضهما[126].

 

يتصوّر البعض بأنّ عمل المرأة داخل بيتها إهانة لها. وليس في هذا إهانة لها بشيء، بل إنّ أهمّ عمل بالنسبة للمرأة هو بأن تحافظ على الحياة مستمرّة وقائمة. لدينا عنصر عامل هو الرجل، وعنصر حارس وحافظ هو المرأة. والآن إن أرادت المرأة أن تذهب وتتصدّى للعمل والشغل اللذين لا يمنع منهما الإسلام ولا يرى إشكالًا في مشاركة المرأة في الأعمال المتنوّعة التي تعود عليها بمردود مالي، إلّا أنّ هذا الأمر ليس من مسؤوليّاتها وليس واجبًا عليها ولازمًا لها. وما هو واجب عليها ولازم لها هو الحفاظ على هذا الجوّ المهمّ والأساسيّ لكلّ أفراد الأسرة والذين هم الآن عبارة عن الزوج والزوجة، ويُلحق فيما بعد بهما الأولاد، الذين هم بدورهم موضوع آخر. وعليه، فإنّ الجوّ الهادئ للعائلة هو من أهمّ الإمكانات والحاجات التي يحتاج إليها الإنسان. عندما يكون الزوج والزوجة في البيت ودودين ومتحابّين، فإنّ هذا الجوّ المفعم بالمحبّة والعاطفة سيمنحهما الطاقة والقدرة على متابعة حياتهما[127]. عندما تشعر المرأة بأنّ زوجها إلى جانبها وتعتمد عليه، ويشعر الزوج بأنّ زوجته إلى جانبه وتحوطه بمحبّتها، ستتبدّل هذه الاضطرابات والمشاكل إلى سكن.

 

 

إن كنتما ودودين مع بعضكما، وعملتما بالشرائط جيّدًا، ستستمرّ حال السكن هذه إن شاء الله من بداية الزواج إلى ثمانين وتسعين سنة من عمركم الذي ستعيشونه. قد يحدث أحيانًا اختلاف في الأذواق والطبائع، لكنّ هذا لن يؤثّر على حالة السكن هذه، ولن يكون له أهمّيّة.

 

ولتعلمن أيّتها النساء بأنّ التحوّل الذي تحدثونه في معنويّات الرجل لا يمكن لأيّ عامل آخر أن يحدثه. يمكنكنّ أن ترفعن من معنويّات الرجل، وتمنحنه الأمل بالحياة والشوق لمتابعة العمل. وأساسًا، لديكنّ قدرة نفح الروح والطاقة في الرجل. إلى هذا الحدّ وجودكنّ مهم. وهكذا الرجل بالنسبة للمرأة. أحيانًا، قد يدخل الرجل إلى البيت عابسًا. فإن كانت المرأة تتحلّى بشيء من العقل والنضوج، ولم تكترث لعبوسه، بل ضحكت في وجهه، وبادلته في المقابل المحبّة، فإنّها ستستطيع شيئًا فشيئًا، من خلال سحر المحبّة هذا أن تحلّ عقدة أوقات الرجل العصيبة وأخلاقه السيّئة، وتعرف كم هو بحاجة إليها. حبّذا أن لا يسمع الرجال هذا الكلام الذي سأقوله لكنّ، فلربّما سيستاؤون منه! لتعلمن أيّتها النساء، أنّ الرجال (يبقون) كالأولاد إلى آخر العمر، وعليكنّ إدارتهم. الآن، إن وصل كلامي هذا إلى مسامع الرجال فإنهم حتمًا سيعتبون عليّ. على النساء أن تدير هذا الولد الذي ابيضّت لحيته بعد خمسين أو ستّين سنة من العمر.

 

إذا ما توفّر هذا الهدوء في جوّ العائلة، فلا بدّ أن يتوفّر عامل آخر، (عادةً) ما يُتغافل عنه، ألا وهو الغريزة الجنسيّة. فالغريزة الجنسيّة

 

موجودة في كلا الجنسين، وقد جعلها الإسلام داعمًا لتشكيل الأسرة، أي قال إنّه لا يجوز لكم الاستفادة من ذخيرة الغريزة الجنسيّة والشهوة الجنسيّة هذه في غير جوّ العائلة، وهي خاصّة في نطاق العائلة. نعم، ينبغي إعمال هذه الغريزة، وهي حاجة للإنسان. ولكنّها عندما جُعلت ظهيرًا للعائلة، كانت العامل القويّ لاستقرارها الدائم. والآن، ليدقّق الواعون والفطنون بهذه المسألة، وهي لو أنّ الرجل والمرأة استهلكا هذه الذخيرة في مكان آخر، فإنّ ثغرة ستحدث في الظهير الذي تستند إليه الأسرة بمقدار ما استهلكت هذه الغريزة هناك. ستبقى (حينها) صورة العائلة، إلّا أنّ المادّة الأساسيّة، والتي هي المحبّة والعشق والأنس وانجذاب الزوجين إلى بعضهما الآخر، ستقلّ وتنقص. هذه البلاءات التي تنزل على رؤوس العائلات، نشهدها غالبًا ـ وللأسف ـ في العائلات الغربيّة، وعلى وجه الخصوص في أميركا ودول أوروبا الشماليّة.

 

المرأة والرجل )هناك يشكّلان( عائلة واحدةً في الظاهر، وقد سُجّلا كأسرة وعائلة في دفاتر النفوس، وتَلَوَا أيضًا صيغة الزواج، لكنّ هذا ليس هو الرابط الأصلي. لِمَ؟ لأنّ هذه الذخيرة الهامّة للغريزة الطبيعيّة التي ينبغي أن تكون الظهير والداعم للأسرة، قد استُهلكت في أماكن أخرى. وهما أساسًا لم يعودا يشعران بالحاجة إلى بعضهما البعض. كلٌّ ينادي الآخر يا عزيزي ويا عزيزتي "my dear" لكنّ هذا باللسان فقط. هذه الـ "my dear" التي يتناديان بها، يستعملانها أيضًا حين يريد أحدهما طلب الطلاق من الآخر، فيقول: "ماي دير" أريد أن

 

أطلب الطلاق! أي لا شيء هناك، وكلمة عزيزي[128] التي نستعملها نحن، والتي تتضمّن كلّ معاني العزّة لا وجود لها في (ماي دير) الإنكليزيّة الرائجة في العالم اليوم.

 

قد يكون لديهما، مثلًا، ولدان، واحد في الابتدائيّة والآخر في الثانويّة، وهذان الولدان لا يشهدان اجتماع الأسرة كثيرًا حولهما، كما نفعل نحن إذ نجتمع حول مائدة الطعام، فيقول أحدنا ناولوني الخبز، ويقول الآخر، اسكبوا لي الطعام، ويقول ثالث: هاي! ماذا عنّي؟ هذا جوّ جذّاب وجميل جدًّا. أو يقول أحدهم، لِمَ أصبح الطعام هكذا؟ ولِمَ لم تطبخوا لنا هذه الطبخة؟ أو لتطبخوا لنا المعكرونة على العشاء. هؤلاء ليس لديهم مثل هذه الأمور. فالمرأة تشتري وهي في عملها ساندويشًا وتأكله، أو تتواعد مع أصدقائها في مطعم معيّن للالتقاء وتناول الطعام. وزوجها أيضًا يتصرّف بطريقة أخرى. والأولاد هم الآخرون يبقون تائهين ومشرّدين، فيأكلون كلّ ما خطر على بالهم من تلك الأطعمة الرائجة، فيتناولون الوجبات في المدرسة أو خارجها، ومن ثمّ يعودون إلى البيت. فإن لم يكن أحد الوالدين في البيت، فإمّا يخرجون أو يجلسون لمشاهدة التلفاز. والآن، لكي ينظّما هذا الوضع ـ لأنّهما يعلمان أنّ هذا الوضع سيّئ يحدّدان ساعات معيّنة لاجتماع الأسرة حول بعضها، أي يكون لديهما جوّ عائليّ مؤقّت ومصطنع. جوّ ينظر الرجل فيه من وقت لآخر إلى ساعته، حتّى لا يتأخّر عن موعده

 

مع رفاقه، حيث يريد أن يذهب إلى السينما، أو لديه سهرة، والمرأة أيضًا لديها موعد آخر، والأولاد أيضًا تواعدوا مع رفاقهم، الكلّ قلقون منتظرون لينتهي هذا الاجتماع بسرعة، أي إنّ أمر الأسرة العجيب قد آل إلى هنا.

 

تنشر بعض الصحف اليوم أرقامًا غير دقيقة، عن معدّل الطلاق في بلدنا. لنفترض الآن أنّ نسبة الطلاق قد ارتفعت. فهذا قد ينتج عن ارتكاب بعض الحماقات، ولكنّه لا يعني أنّه تحوّل إلى ظاهرة خطيرة جدًّا كما هو سائد في الغرب. فلا يزال بحمد الله أساس رابطة المحبّة في بلدنا موجودًا في عائلاتنا. لأنّ رصيد الغريزة الجنسيّة هذا، والذي بسببه يحتاج كلّ من المرأة والرجل إلى بعضهما، لا يستفاد منه سوى داخل البيت. وحينذاك، تتحقّق مقولة "أحرز نصف دينه"، لأنّ الشهوة الجنسيّة تذهب بنصف دين الإنسان. إنّه لواقع مرير ومحزن جدًّا بأن تذهب الغريزة الجنسيّة بدين الإنسان في المراحل المختلفة من عمره، من سنّ الشباب إلى الشيخوخة، وفي كلّ مرحلة بطريقة ما. عندما تحبسون هذه الغريزة الجنسيّة، وهذا الشيطان المؤثّر في زجاجة وتحكمون إغلاقها، وكلّما اقتضت الحاجة تخرجون شيئًا منها وتستفيدون منه داخل إطار الأسرة، هذا يمنحكم النظام العائلي الصحيح. والآن هنا أيضًا، وكما سبق أن ذكرت. يعلم الواعون والفطنون لِمَ تمّ التطرّق في الشرع المقدّس إلى الكلام عن المحرَم وغير المحرَم، أو لِمَ حُرّم على المرأة الخروج من منزلها بزينتها، والتبرّج أمام الرجال (الأجانب)، أو حُرّم على الرجل النظر بشهوة

 

إلى المرأة؟ هذا كلّه من أجل أن يكون بنيان هذه الأسرة الصغيرة التي أسّستموها قويًّا ومحكمًا، فلا يتحوّل نظر المرأة وقلبها إلى مكان آخر، ولا يميل قلب الرجل وعينه كذلك إلى مكان آخر. هذا كلّه من أجل تقوية (بنيان) الأسرة[129].

 

العيون الجامحة والفاسدة، تستتبع وراءها قلوبًا فاسدة. ماذا نعني بالقلب الفاسد؟ هو ذلك القلب الذي لا يدوم فيه الحبّ السالم والصحيح. والذي دائمًا ما يدخل إليه الحبّ (المتعدّد) ويخرج منه. هذا هو فساد القلب. وفاسدو القلوب كثيرون بين الناس. لاحظوا في القصص التي تقرأونها والأفلام التي ترونها والأخبار التي تسمعونها، حياة بعض الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات غير متدينة ومؤمنة. الرجل والمرأة اللذان يجعلان من نفسيهما عرضة لأنواع الحبّ، ويسمّونه عشقًا - وهو في الواقع ليس بعشق، إنّما حبّ عابر - ولا يراعون مسألة المحرم وغير المحرم. وما هي نتيجة مثل هذه العلاقات؟ نتيجتها حلول البرودة في مؤسّسة الحبّ الأساسيّة - وهي الأسرة - وصيرورة الزوج والزوجة اللذين من المفترض بهما أن يحبّا بعضهما، باردين تجاه بعضهما، وغير مباليين وغير مهتمّين ببعضهما البعض. العين الجامحة والفاسدة، تستتبع وراءها قلوبًا فاسدة. عندما يصبح القلب فاسدًا، يخرج سلوك الإنسان وأعماله وتصرّفاته عن الطريق المستقيم. فالفساد، والفحشاء، واتّباع الشهوات، والمشاكل،

 

والتعاسات، والانهزامات كلّها ناجمة عن فساد القلب. من أين يجب أن نبدأ لكي نتجنّب فساد القلب؟ من السيطرة على هذه البوّابة الصغيرة التي تُسمّى العين. والسيطرة على بوّابة أخرى تسمّى اللسان. ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾[130].[131]

 

يتصوّر البعض بأنّ الإسلام حين يطلب من النساء أن تتحجّب وتراعي أحكام النظر، أو أن ترتدي العباءة (من باب اللباس الأكمل) بأنّه (يفرض) عليها سلسلة من الأحكام المتحجّرة. ولقد ظهرت أيضًا جماعة تتشدّق بالترّهات من القول، وبين كلّ كلمة وأخرى يقولونها يوردون كلمة "التحجّر"، ويظنّون بأن هذا هو مكان استعمال كلمة التحجّر. هذه هي النقاط الدقيقة التي يجب على المرء التأمّل فيها عند سماع كلام مثل هؤلاء الأشخاص، فإن لم نتأمّل فيها، فقطعًا سنفهم الأمور بنحو خاطئ، لإن سمعت كلام أهل القلب لا تقل هذا خطأ فلست العارف بالكلام يا عزيزي، فهنا مكمن الخطأ[132].

 

فهؤلاء لا يفهمون باطن الكلام، وعمقه، ولبّه، حينذاك يتكلّم كلّ شخص كما يحلو له[133].

 

لقد أوصى الإسلام كلًّا من الرجل والمرأة بوصايا، وكلّ واحدة من هذه الوصايا هي من أجل بناء المحيط الداخلي للأسرة. فمراعاة قضيّة المحرَم وغير المحرَم، والحجاب، وعدم ظهور المرأة بزينتها أمام غير المحارم، كلّها تعود على الأسرة بالسلامة. يظنّ البعض بأنّ الإسلام دين جافّ، وغير مرن، يحرم الرجل والمرأة من اللذات الطبيعيّة. حسنٌ، العقل يحرم الإنسان من الكثير من اللذّات الطبيعيّة، فأنت مثلًا تحرّم على نفسك الطعام الدسم والحلو اللذيذ عندما لا تكون حالتك الصحيّة مستعدّة لذلك، حتّى ولو كنت تشتهيه. كما لو أُريقت قطرة سمّ في شراب لذيذ، فإنّ الذائقة تتقبّلها، لكنّ العقل لا يتقبّلها. فمسألة المحرَم وغير المحرَم هذه، والتمايز الجنسي، وعدم المساواة والقيود التي جعلها الشرع المقدّس، تعود جميعها (بالسلامة) على المحيط الداخلي للأسرة[134].

 

إنّني دائمًا ما أوصي الرجال والنساء، هؤلاء الشباب والفتيات الذين يأتون إليّ لأعقد قرانهم. فأوصي النساء بأن لا يأتين بأيّ فعل يحرّك غيرة أزواجهنّ، وأوصي الرجال بهذا الأمر أيضًا[135]. فعلى النساء أن لا يتصرّفن خارج محيط الأسرة ـ إن كنّ من أهل العمل أو التحصيل العلمي ـ أو في أجواء المعاشرات العائليّة، بتصرّفات تحرّك غيرة أزواجهنّ أو سوء الظنّ لديهم. وعلى الرجال أيضًا أن يراعوا هذه المسألة في محيط العمل والدراسة، من أمثال المعاشرات، والكلام،

 

والضحك والمزاح. فالأمور التي حرّمها الإسلام تظهر آثارها في العائلة[136].

 

بالنهاية، فإنّ سوء الظنّ سواءً كان له مبرّر وجيه أم لا، سيترك أثره، كالرصاصة التي تخرج من الفوّهة، فإنّها تقتل سواءً كان الشخص عامدًا، أم ضغط على الزناد خطًا واشتباهًا. إنّها لا تميّز أحدًا من غيره، ولا تقول بما أنّ الشخص الذي أطلقني لم يكن عامدًا فلن أمزّق صدر هذا الشخص المقابل، لا إنّها ستمزّقه. وسوء الظنّ هذا سيفعل فعله، سواءً كان له منشأ صحيح، أو كان ناجمًا عن الوساوس والأوهام والظنون التي هي في غير محلّها[137].

 

السبب الرئيسي في أنّه طُلب منّا عدم النظر إلى (ما حُرّم النظر إليه من) غير المحارم، وطُلب من النساء عدم التزيّن لغير أزواجهنّ، وطُلب من الرجال عدم النظر في وجوه النساء المتبرّجات غير زوجاتهم، واجتناب الاختلاط والمعاشرات المضرّة، إنّما هو لأجل أن يكون الجوّ داخل الأسرة جوًّا يسوده الأمن والأمان، وليكون الزوجان مختصّين ببعضهما الآخر[138]. فالمرأة والرجل اللذان يراعيان هذه الحدود هما حقًّا أكثر قربًا من بعضهما، وعندما يكونان أقرب إلى بعضهما الآخر حقًّا، يكون جوّ الأسرة جوّ محبّة وصفاء[139]. لذا، ترون

 

أنّ المرأة والرجل في العائلات المتديّنة التي تراعي هذه الحدود يعيشان سنوات طوال إلى جانب بعضهما البعض. ومحبّة الزوجين لبعضهما تبقى، ويصعب انفصالهما، وتكون سلواهما منعقدة على محبّة بعضهما للآخر. هذه الميزة وهذه المحبّة هما اللتان تُبقيان بنيان الأسرة قائمًا، ولذا يولي الإسلام أهميّة لهذه الأمور[140].

 

القضية الأخرى هي الأولاد. إنّ أوّل تشكّل لروح الإنسان ومشاعره وفكره وعقله يحدث داخل الأسرة. حتّى أنّه يتشكّل قبل ولادته، وتؤثّر باقي العوامل في هذه المجال. بالطبع، يمكن أحيانًا للعوامل الخارجيّة كالمدرسة والشارع والرفقة والصداقات، كالمعلّم والكتاب اللذين يؤثّران في مرحلة الصبا والشباب على أفكار الأولاد والشباب، أن تتغلّب على العامل الأسري ذاك. لا شكّ في هذا، إلّا أنّ الشيء الذي يهيّئ الأرضيّة هو جوّ الأسرة. في الأسرة يُربّى أفراد نجباء، محبّون، مجدّون، متعاطفون، ويُربّى أفراد معاكسون لهم تمامًا. لذا، نستنتج أنّ سلامة سلوك الوالدين داخل الأسرة وعدمه مؤثّر جدًّا، وأنّ الرابطة الأسريّة وعلقة الزواج لها آثار باقية، مهمّة ومصيريّة على أفراد الأسرة وعلى بنيان المجتمع أيضًا. وعليه، فإنّ هذا ليس بالأمر التافه، بل هو مهمّ جدًّا وعظيم، وينبغي معرفة قدره وأهميّته، وعلى الجميع أن يسعى ليكون جوّ الأسرة جوًّا سليمًا، مصحوبًا بالمحبّة والثقة المتبادلة بين الجميع[141].

 

المسألة الأخرى، هي أن يشعر الزوج والزوجة داخل الأسرة بالمسؤوليّة تّجاه بعضهما البعض. والقضيّة ليست أنّهما شخصان غريبان عن بعضهما، وقد أُلزما الآن وحكم عليهما بالعيش مع بعضهما في جوّ واحد، بل هما جزآن لحقيقة واحدة، كمصراعي الباب. إنّهما زوجان، فإذا ما سُلب الوجود الفردي لأيّ منهما أو حُذف، يكون الآخر ناقصًا. لذا، فهما المكمّلان لبعضهما. وإن أردنا تشبيه الأمر، فهما مثل رفيقي المتراس اللذين يدافعان عن متراس واحد. فمصير هذين متعلّق ببعضهما الآخر. الحال، قد ينام أحدهما ويبقى الآخر مستيقظًا، ومن ثمّ ينام هذا ويستيقظ الآخر، لكنّ أيًّا منهما ليس بخارج عن المصير العامّ المحتوم لهما أو لواحد منهما. هذان متعلّقان ومرتبطان ببعضهما، وينبغي عليهما النظر إلى الحياة بهذا المنظار. وكلّما استطاعا تقوية حالة الزوجيّة هذه كان ذلك لصالحهما، قد تسألون: كيف تُقوّى؟ أقول: بالمحبّة، والمحبّة فقط[142].

 

إنّنا الآن إذ نجري العقد، فإنّ محبّة تنشأ في قلبيكما أيّها الزوجان بفضل الله تعالى. ستتفتّح وردة المحبّة في القلوب، حافظا على هذه الوردة، اسقياها، وارعياها بسعادة، لا تجعلاها تذبل، ولا تستهلكاها لتبقى في قلبيكما نضرة وغضّة. أينما وُجدت المحبّة، تحوّل الشوك إلى ورد[143].

 

الشيء الذي يبقي مؤسّسة الأسرة دافئة وقويّة أكثر من أيّ شيء آخر هو المحبّة[144].

 

فالمحبّة هي الإسمنت الذي يبقي بنيان الأسرة العظيم وهذه القلعة قويّة ومنيعة. وعلينا الحفاظ على هذه المحبّة، فهي جديرة بالحفظ. والحبّ ليس بالشيء الذي يبقى، ويحافظ على نفسه بنفسه. ينبغي رعاية هذا الحبّ. فعلى المرأة أن تحافظ على حبّها في قلب زوجها، وعلى الرجل أن يحافظ على حبّه في قلب زوجته. والسبيل الواقعي لذلك هو أن تعيشا مع بعضكما بصفاء وودّ، وتشكّلا مع بعضكما وحدة واحدة قائمة على الصراحة والشفافيّة[145]. وأن تكونا وفيّين لبعضكما. على الشابّ والشابّة اللذين تزوّجا أن يكونا وفيّين لبعضهما في جوّ الأسرة، فالوفاء يجلب الحبّ، وإذا ما وُجد الحبّ يصلح كلّ شيء. لا يوجد إنسان خالٍ من العيوب. ولا يوجد زوج في العالم خال من العيوب. فلا ينبغي تضخيم العيوب. إن كان الحبّ موجودًا، سيغطّي على كلّ العيوب التي يمكن أن يراها أحدهما عن الآخر، وسيمنع من تحويل المشكلات الصغرى إلى مشاكل رئيسيّة، التي تؤدّي لا سمح الله إلى ظهور الأزمات[146]. على الشباب والشابّات معًا أن يلتفتوا إلى أنّ زيادة الحبّ وتعميقه بأيديهم. فبالأخلاق الحسنة، والعقل، والتدبير، والمعاشرة الصحيحة والحسنة، يمكن لهذا الحبّ أن يزداد

 

يومًا فيومًا[147]. فحبّ الزوج والزوجة بعضهما ليس محدودا. والموضوع الذي لا إشكال في بلوغ الحبّ فيه ما بلغ، هو الحبّ بين الزوج والزوجة. فمهما أحببتما بعضكما فهو جيّد، والحبّ نفسه يجلب الثقة.

 

ومحبّة الزوجين هذه لبعضهما هي جزء من الحبّ الالهي. ومن أنواع الحبّ الجيّدة، وكلّما ازدادت فهو أمر جيّد[148].

 

الحبّ شيء يجب المحافظة عليه، والاهتمام به، وهو ليس بالشيء الذي يتركه الإنسان في مكان ويبقى هكذا لسنوات. ابقوا على هذا الحبّ غضًّا وحيًّا. فالعامل الذي يربط الأسرة بعضها ببعض ويجعل الحياة مريحة واقعًا هو هذا الحبّ نفسه. بالطبع، مع ضرورة إرادتكما إيجاد الحبّ، أي إن أحبّكِ هو، عليكِ أنتِ أيضًا أن تحبّيه، وذلك أيضًا بنحو صادق ومن أعماق القلب. والطريق الأفضل لإيجاد الحبّ في جوّ الأسرة، هو إيجاد الطمأنينة. اجلبي ثقة زوجك. ليشعر هو بالراحة تجاهك، وتكون حواسه مركّزة من جميع الجهات. وعليكِ أنتِ في المقابل أن تثقي به وتركّزي حواسك، أي أن يتمكّن كلّ واحد منكما من جلب ثقة الآخر، عندها سيزداد هذا الحبّ يومًا فيومًا. وحينما تنعدم الثقة، سيضعف الحبّ ويهتزّ. والحجاب والحرمة اللذان نادى بهما الإسلام ليكونا بين المرأة والرجل، مرتبطان بهذه المسألة. على الزوج والزوجة أن يشعرا بأنّ تلك الرابطة العاطفيّة والغريزيّة

 

والجاذبيّة الموجودة بينهما، هي بينهما وحدهما فقط، أي ليس بين أيّ واحد منهما وشخص ثالث. حينذاك تنوجد هذه الثقة. وتحصل بشكل تامّ[149]. والسبب في أنّ الإسلام أكثر من الأمر بغضّ البصر، وعدم النظر إلى غير المحارم، للمرأة بنحو، وللرجل بنحو آخر، هو أنّ العين عندما تذهب باتّجاه، فسيذهب بعض من سهم الشخص الذي هو زوجك، إلى تلك الناحية. لا فرق في ذلك سواءً كنت رجلًا أو امرأة. فإنّ قسمًا وسهمًا سيذهب إلى تلك الناحية. عندما تقصّر هنا، فإنّ الحبّ سيضعف. وحين يضعف الحبّ يتضعضع بنيان الأسرة. عندها، ستفقد ما هو لازم لك، وستحصد بفعل يدك على ما هو مضرّ لك[150].

 

إنّ أساس الحبّ داخل الأسرة هو الثقة. إذا ما فقد الزوجان الثقة ببعضهما، وشعرت المرأة بأنّ زوجها يكذب عليها، أو شعر الرجل بأنّ زوجته تكذب عليه، وشعر كلّ منهما بأنّهما ليسا صادقين بإظهار الحبّ هذا، فإنّ أساس هذا الحبّ سيضعف. إن أردتما لهذا الحبّ أن يبقى، عليكما المحافظة على الثقة بينكما[151]، من خلال التعامل الحسن، ومراعاة الأخلاق، والآداب، والحدود والموازين الشرعيّة[152].

 

لا تدعوا الحبّ يذهب، لا تتعاطوا مع مسألة الحبّ بإهمال، وعليكم

 

المحافظة عليه[153]. بالطبع، إنّ المحبّة هي من الله، لكنّ الحفاظ عليها أوّلًا، وزيادتها ونقصانها ثانيًا، هو بأيدينا[154]. وللوالدين دور كبير في إيجاد المحبّة. على والدي الزوجة والزوج أن يسعوا دائمًا إلى أن يعامل ابنهم أو ابنتهم زوجه بمحبّة. وإذا ما رأوا من الطرف المقابل شيئًا لا يعجبهم، عليهم أن لا ينقلوه لابنهم أو ابنتهم. فليتركوا هذين يأنسان ببعضهما يومًا فيومًا، ويزدادان حبًّا لبعضهما . عندما تبقى المحبّة، ستكون كلّ الأعمال ممكنة، يمكنكما أن تصلحا الأخلاق، والدين، وتتغاضيا عن عيوب بعضكما، يمكنكما أن تأمرا بعضكما بالمعروف وتنهيا بعضكما عن المنكر، بالمحبّة تُحلّ كلّ هذه المشاكل. وكيف يمكن لهذه المحبّة أن تستمرّ وتبقى؟ أنتِ التي تكونين زوجة لهذا السيّد، اسعي لأن تحافظي على محبّتك في قلبه. كيف ذاك؟ بأن تكتسبي ثقته، وتلفتيه بأنّك أمينة على ما استأمنك عليه، أمينة لسرّه، ومحافظة على شرفه وماء وجهه، وماله. كما عليك (أيّها الرجل) أن تحافظ على محبّتك في قلب زوجتك، وهكذا، من خلال احترامك لها[155]، لا الاحترام الظاهري، بل الواقعي[156]. ولا من خلال مناداة بعضكما البعض بالألقاب ومراعاة الآداب (الظاهريّة) في ذلك، بل أن

 

يكون الرجل يشعر حقيقة بالاحترام تجاه زوجته والمرأة كذلك تجاه زوجها[157].

 

بسبب وفائك لها، لا تهنها، ولا تهملها. فأن تأتي آخر الليل إلى البيت، وتقضي السهرة مع رفاقك ومعارفك وأقاربك، والمسكينة تجلس وحيدة، تغفو وتفيق حتّى تأتي، ولربّما تكون لا تزال دون عشاء بانتظارك، وتمضي أربع وخمس ساعات من الليل حتّى تأتي، هذا إهمال وعدم اكتراث لها. الحبّ كالثلج، يذوب تدريجيًّا مع مثل هكذا تصرّفات.

 

وأن ينتظركِ زوجك في البيت، فيما أنت تذهبين إلى بيت أختك، لتناقل الأحاديث والأخبار والتندّر، أو لزيارة فلانة وفلانة، والمسكين ينتظر، وإذا ما كان لديكما طفل فإنّه يعتني به لساعات، فلا تعدّي له الطعام، ولا تغسلي ملابسه، ولا تكويها، وتأتي من دون اكتراث، فهذا شيء يذهب المحبّة[158]. حذارِ أن يصدر عنكما شيء يسبّب الشكوى والضجر من بعضكما البعض. انظرا جيّدًا، وتحقّقا من الأمور التي يتحسّس منها زوجكِ وزوجتك، واجتنباها. البعض يظهر عدم اهتمام ولا مبالاة. افترضوا مثلًا، امرأة تنزعج من عادة ما موجودة في زوجها، وهو بدوره لا يكترث ويكرّر فعلها باستمرار. هذا أمر سيّئ، وهكذا بالنسبة للنساء، لنفترض أنّ امرأة ما لديها هوس شخصيّ

 

بشيء ما ـ بشراء الشيء الفلاني أو بالذهاب إلى المكان الفلاني و... ـ وترجّح ذلك على راحة زوجها. ما هي الضرورة لمثل هذا الأمر؟ أصل المسألة أنتما الاثنان. وكلّ العالم فرع لكما. فلتمتلكا قلبي بعضكما البعض، ولتعاملا بعضكما بمحبّة ومودّة[159].

 

الحبّ ليس جبلًا ليبقى ويستمرّ، بل ينبغي رعايته والمحافظة عليه كوردة، فنسقيها ونرعاها لتبقى حيّة. إذا ما بقيت المحبّة، ستصبح الحياة العائليّة حلوة. واسعيا حينذاك أن تربيا الأولاد الذين ستنجبانهم في جوّ محبّة الوالدين ووئامهما. بالطبع، يجب التشدّد فيما يتعلّق بالأصول، فلا يسمح أحد لزوجته أن ترتكب عملًا مخالفًا، أو تقترف ذنبًا، وأن تسيئ الأخلاق، وتفسد، وهكذا الأمر بالنسبة للأولاد. ولا يعني هذا حتمًا بأن تستعمل الحدّة، بل بإزالة الإشكالات والخلافات من خلال العقل والتدبير والدراية. وإذا ما حصل هذا، ستعمر الحياة، وستصلح الأجيال القادمة، وسيعمّ النظام، وهذه الحياة تبقى ولا تزول[160].

 

لقد عبّر الله تعالى في القرآن الكريم عن الزوجين باللباس، فقال: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾[161] فالأزواج لباس لزوجاتهم،

 

والزوجات لباس لأزواجهنّ[162]. ماذا تتوقّعون من اللباس؟[163] اللباس يحفظ الإنسان، ويزيّنه، ويستر عيوبه. هذه هي خاصّيّة اللباس. عندما يرتدي الإنسان اللباس، فإن كان هناك عيب في جسمه، لا يُرى. علاوةً على هذا، فإنّه يتزيّن باللباس، كما أنّه يتّقي به البرد والحرّ. وباللباس نخفي تلك المواضع من جسدنا التي لا ينبغي لغير المحارم النظر إليها وتبقى محفوظة. لاحظوا، هكذا هما الزوجان بالنسبة لبعضهما البعض، عليهما أن يكونا زينة لبعضهما، وحافظين لبعضهما، وأمينين على بعضهما، وموضع أسرار بعضهما. فأن يأتي الزوجان ويبثّان أسرارهما ـ هذا إلى صديقه الحميم وهذه إلى صديقتها أو جارتها على سبيل المثال ـ لهو أمر خاطئ. وإنّه لأمر خاطئ أن يستغلّا ثقتهما ببعضهما، وأن يستغلّ الرجل ثقة زوجته، وتستغلّ المرأة ثقة زوجها، فهذا ليس من الأمانة في شيء.

 

على كلا الطرفين أن يثقا ببعضهما وأن يحصّلا ثقة الطرف المقابل من خلال أعمالهما. ينبغي أن يكونا زينة لبعضهما، يغطّيا عيوب بعضهما، البعض ما إن يجلسوا في مكان ما، حتّى يبدأوا بالشكاية من زوجاتهم، لقد فعلت كذا، وقالت كذا، وما شابه، وحتّى لو كان هناك عيب في الزوجة، فلا ينبغي كشفه هنا وهناك، والإعلان عنه إلى هذا وذاك.

 

فكلاهما لباس، حافظ، زينة، ومصدر اعتزاز للآخر. إن راعيتم هذه الأمور ستصبح الحياة أفضل. فالأشخاص

 

الذين تكون حياتهم مضطربة، يقصّرون هنا، بالطبع، نحن لا نقول إن كلا الطرفين مقصّران دائمًا، بل غالبًا ما يقصّر هذا الطرف بمقدار، ويقصّر الطرف الآخر بمقدار. وإذا راعيتم هذه المسائل، ستصبح الحياة حلوة، وسيصبح جوّ الأسرة ملاذًا آمنًا[164].

 

ولإن وجدت المرأة داخل البيت الأمان النفسي، والأمان الأخلاقي، والراحة، والسكن، سيكون الزوج - حتمًا - بالنسبة لها لباسًا - كما ستكون هي أيضًا لباسًا لزوجها - وكما قال القرآن ستكون المودّة والرحمة موجودة بينهما، وإذا ما تم مراعاة مضمون الآية الكريمة داخل الأسرة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾[165] - هذه الأمور التي هي أصول كليّة وأساسيّة - عندها تصبح المشاكل خارج البيت بالنسبة للمرأة متحمَّلة، وستتغلّب عليها. وإذا ما استطاعت المرأة أن تقلّل من مشاكلها في محلّ استراحتها، وفي متراسها الأساسي، فإنّها بلا شكّ ستستطيع ذلك في ميدان المجتمع[166].

 

المطلب الآخر هو أن يساعد الزوجان بعضهما البعض[167]، داخل البيت الذي هو مكان مساعدة بعضهما. ومساعدة الزوجين لبعضهما ليست بمعنى أن تساعد المرأة زوجها فيما إذا أحضر معه أوراق امتحانات التلامذة إلى البيت، فتصحّحها له، أو أن يرتدي الرجل

 

المئزر مثلًا ويعمل في المطبخ. فهذه المساعدات وإن كانت جيّدة، إلّا أنّها صغيرة. المساعدة الأساس هي أن يساعد الزوجان بعضهما البعض على الثبات في طريق الله[168]، على التديّن، على الحفاظ على السلامة الفكريّة والعمليّة لبعضهما الآخر. بأن تحافظ الزوجات على الأزواج، ويحافظ الأزواج على زوجاتهم. بأن يكون الزوجان الحارسين المعنويّين والروحيّين لبعضهما الآخر، يحرسا بعضهما البعض، لا كالجواسيس ومتقصّي الأخبار، بل كالملائكة. فالملائكة أحيانًا يحرسون عباد الله تعالى ويستغفرون لهم. فليحفظ الزوج والزوجة بعضهما بهذا النحو[169]، في طريق الله تعالى والكمال الحقيقي للبشر، الذي هو التقرّب إلى الله والتخلّق بأخلاقه وتهذيب النفس، والتحوّل إلى نور في النشأة الماديّة. ﴿فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾[170] على الإنسان أن يعمل من أجل هذه الأمور، ويسارع إلى مساعدة الآخرين في هذا الطريق.

 

هذا الطريق طويل وفيه مطبّات كثيرة، مع أنّه الصراط المستقيم ولديه سبل متعدّدة. وهذا لا يحصل بالرغبة، بل ينبغي للقلب أن يرد الميدان مترافقًا مع الهمّة والسعي والعمل. فلتساعدي أيتّها الزوجة الشابّة زوجك الشاب في هذا المجال. فإذا كان يدرس على سبيل المثال ليجد معلومات يفيد بها الناس، ساعديه على هذا الأمر، وإن كان يعمل عملًا خيّرًا، ساعديه، وإن كان ناشطًا في النضال السياسي

 

العادل والأصيل والمحقّ، سارعي إلى مساعدته. وإن كان يعمل على تقوية الدين، ساعديه، إن أراد أن يشارك في الاعتكاف فرافقيه، وإذا ما اضطّر إلى سفر لازم أو مهمّة صعبة فساعديه[171].

 

تستطيع النساء أن تمنعن أزواجهنّ من السقوط في وادي جهنّم. فقد يُبتلى الرجال بزلّات في الحياة، والسوق، وفي أجواء العمل والسياسة، وقد تقودهم هذه الزلّات شيئًا فشيئًا إلى حافّة الهاوية، وتسقطهم على حين غرّة في قعر الوادي. تستطيع المرأة أن تمنع مثل هكذا حادثة[172].

 

إذا ما أحسّت المرأة بأنّ زوجها واقع في مشكلة ما في محيط العمل وخارج البيت، والنساء يشعرن في أحيان كثيرة بمشاكل الرجال ـ والتي قد تكون مشاكل ماليّة، سياسيّة، أو أيّ مشاكل أخرى ـ عليها أن تساعده للخروج من هذه المشكلة. وهذا الأمر يمكن من خلال الأخلاق الجيّدة، والنصيحة، والكلام المناسب. ونحن نعرف الكثير من النساء اللواتي ساعدن أزواجهنّ في هذا المجال وسحبنهم من حافّة الهاوية إلى الجنّة[173]. ويمكن للرجال أيضًا أن يمنعوا زوجاتهم من هكذا سقطات. فلتحفظا إذًا، بعضكما البعض، ولتثبتا في طريق الله تعالى. ولتتواصيا بالتقوى، والعبادة، والإخلاص، والأمانة، والطهارة والعفاف والقيام بالأعمال الصالحة.

  

 

بعض الرجال يكسبون المال الحرام. وعلى الزوجات بمجرّد أن يشعرن بأنّ مالًا قد اكتُسب عن طريق غير مشروع، أن يجبرن أزواجهنّ بالأساليب والوسائل النسائيّة الدقيقة والذكيّة جدًّا، على التخلّي عن المال الحرام[174]. يمكن للمرأة أن تدرك جيّدًا متى ينحرف زوجها عن الصراط المستقيم من الناحية الماليّة، الاقتصاديّة، المهنيّة، التكسّبيّة، السياسيّة والأخلاقيّة، وهذا يمكن للمرأة أن تدركه بفراستها. ويمكن للرجل أيضًا أن يدرك (ذلك في زوجته) بالفراسة والتأمّل والدقّة. حينذاك ينبغي إيجاد رادع أخلاقي. ولا يعني هذا افتعال المشاكل فيما بينهما وتأنيب أحدهما للآخر والإعراض عن الآخر، بل علينا منعه من خلال الأخلاق التمريضيّة والتطبيبيّة[175]. بالطبع، قد يكون الأمر معاكسًا، بمعنى أنّه قد لا يكون الرجل ممن يرتكبون الأعمال المحرّمة لكسب المال، إلّا أنّ المرأة توسوس له، وتشجّعه وحتّى تجبره على ذلك[176].

 

لا تسمحن لأزواجكنّ أن يردوا - لا قدّر الله - طريق المعصية والمخالفات والخطأ، وفي حال ورودهم، لا تسمحن لهم بالتقدّم فيه. وأنتنّ تستطعن القيام بهذا العمل. وفي المقابل، عندما ترين زوجك يقوم بالعمل الصحيح، ساعديه وشجّعيه على ذلك. أو حين ترى زوجتك تقوم بخدمة ما، أو تتابع دروسها، أو تبلّغ أو أنّها على سبيل

 

المثال ملتزمة بالنوافل داخل البيت، فساعدها وشجّعها على ذلك[177]. وعليه، فإنّ هناك نساء يجعلن أزواجهنّ من أهل الجنّة، ونساءً يجعلن أزواجهنّ من أهل النار. وكذا الأمر بالنسبة للرجال، فإنّ هناك رجالًا يجعلون زوجاتهم من أهل الجنّة، ورجالًا يجعلون زوجاتهم من أهل النار. ما نريده من قولنا احفظا وساعدا بعضكما البعض، هو أن تجعلا بعضكما من أهل الجنّة[178].

 

"المؤمن كفو المؤمنة"[179] فالإيمان الموجود في هذين الزوجين، هو كلّ شيء. إذا كان إيمانك أقلّ من إيمان زوجتك، فاسع إلى إيصال نفسك إليه، وإن كان إيمان زوجتك أقلّ من إيمانك، فارفعها إلى مستواك واعمل على زيادة إيمانها. إن لم تكن تعرف كيف تؤدّي صلاتها، أو تعرف لكنّها لا تهتمّ، أو كانت لا تهتمّ بالوضوء والطهارة والغسل ومثل هذه الأمور، أو كانت تهتمّ بالكماليّات كثيرًا، ومن أهل الإسراف، أو كانت امرأة متأخّرة من الناحية الأخلاقيّة، أو كانت متأثّرة بفلان الفاسد أو مبتلاة بنوع معيّن من الفساد لا قدّر الله، فإنّ من واجبك إصلاحها. ويمكنكم أيّها الشباب والشابّات أن تؤثّروا على زوجاتكم وأزواجكم أكثر من أيّ أحد. فالمرأة الصالحة والسليمة (القلب) والعفيفة والمؤمنة التي تحبّ زوجها، يمكنها أن تؤثّر فيه. البعض يمارس تأثيره بأن يغدق أمواله على محلّات الخرضوات والخياطة والمفروشات،

 

 

أو على الأعمال غير المفيدة، أمّا البعض فيمارس تأثيره من خلال توجيه قلبه نحو الله، وصرف أمواله في الصدقات والإنفاق ومساعدة المحتاجين والفقراء والمساعدة في الأعمال والشؤون العامّة. وأنت أيّها الشابّ الذي تزوّجت، يمكنك أن تؤثّر في زوجتك أكثر من الجميع، أكثر من أبيها، وأمّها، وأختها، وأخيها، ومعلّمها[180]. فلتنصحا ولتحفظا بعضكما البعض. ولتنتبه النساء، فإن أحسسن بأنّ أزواجهنّ ينحرفون عن الطريق السويّ وعن طريق الله تعالى، فليمنعنهم من خلال العمل، والموعظة والأخلاق الحسنة. وهكذا الرجال بالنسبة لزوجاتهم[181]. بالطبع، إنّ حفظ بعضكما البعض يكون من خلال المحبّة، واللسان العذب، والمنطق الصحيح، والتعامل الذكيّ والحكيم، لا من خلال سوء الأخلاق والغضب وما شابه[182]. احفظا بعضكما في طريق الله وتواصيا بالحقّ والصبر[183]. اعملوا على أن تجسّدوا الآية الكريمة: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[184] داخل الأسرة. ليوصِ الرجل المرأة باتّباع الحقّ والصبر والاستقامة في طريق الله، وكذا لتوصِ المرأة الرجل باتّباع الحقّ والصبر والاستقامة في طريق الله. إذا قرّرت النساء الشابّات المؤمنات الحزب اللهيّات، الثوريّات العفيفات أمثالكنّ،

 

 

العمل بمضمون هذه الآية الشريفة، بمعنى توصية أزواجهنّ بالتقوى وعدم اتّباع هوى النفس ومراعاة رضى الله تعالى، فيقينًا سيؤثّرن على الرجال أكثر من أيّ عامل آخر. وهذه النصيحة هي أكثر جدوائيّة من أيّ نصيحة أخرى. بالطبع، بالقول الحسن والمحبّة، كما يؤثّر هذا على الأولاد[185].

 

المسألة الأخرى هي أنّه لا ينبغي في أمر الزواج ـ الذي هو معاملة معنويّة وروحيّة وقلبيّة، وبالطبع، هو ليس كمعاملات السوق والمعاملات الماليّة التي تدخل فيها الشيكات والسندات وأمثالها، بل هو معاملة القلوب والأرواح ـ إدخال عنصر المال والماديّات كثيرًا، فهذا يخرّب الحياة[186]. فأصل القضيّة في الزواج هو الأمر الإنساني، لا الأمر المادّي[187]. وبحسب تعبير الإمام السجّاد (عليه آلاف التحيّة والثناء) "المال الفتون"[188] والمال على وجه الخصوص، كلّما زاد، زادت فتنته بالتصاعد الهندسي. لذا، على الإنسان أن يراقب نفسه دائمًا حتّى لا يؤثّر فيها هذا الفتون، والذي غالبًا ما يؤثّر. فلا ينبغي إدخال هذا المال الفتون ميدان الحميميّة والمحبّة وتبادل القلوب[189]. البعض يحدّد عدّة ملايين تومان كمهر، أي إنّهم يبدّلون الزواج الذي هو أمر

 

 

إنساني، إلى معاملة تجاريّة وبيع وشراء. وهذا تصغير وتحقير لدور الإنسانيّة وشأنها في الزواج. وهذا أمر خاطئ.

 

البعض يحوّل الزواج الذي هو أمر عاطفي وإنساني إلى ميدان للتفاخر. فيقولون مثلًا إنّ جهيزيّتنا[190] تحتوي كذا وكذا، هل جهيزيّة ابنتكم تحتوي هذه الأمور؟ إنّه التفاخر والتنافس! أو يقولون مثلًا، إنّنا أقمنا عرسنا في الصالة الفلانيّة. ... أن نحوّل الزواج إلى ميدان للتفاخر لهو خطأ في خطأ. فهو يلوّث جوّ الزواج بالمادّيّات، وأيضًا يحوّل هذه الساحة النظيفة واللطيفة والعاطفيّة إلى ساحة للتفاخر والتنافس وطلب الزيادة، ثمّ يجعل هذه البنت وهذا الشابّ معتادين منذ البداية على وجوب أن يعيشا حياتهما بالترف والمظاهر. ولِمَ ذاك؟ دعوهما يعتادان منذ البداية على حياة متوسّطة. فالترف مضرّ وسيّئ للمجتمع. ولا يعني هذا أنّ الذين يعارضون حياة الترف، لا يعرفون لذّاتها، لا، بل هو أمر مضرّ بالمجتمع، وكما الدواء أو الطعام المضرّ، كذلك العيش بترف زائد مضرّ بالمجتمع. بالطبع، لا إشكال فيه ضمن الحدّ المعقول والمتداول، لكن عندما تدخل المنافسة هكذا وبشكل دائم، فإنّها تتخطّى حدودها إلى أمور أخرى، وهذا مضرّ بالمجتمع. والآن حيث نقحم هذا الأمر المضرّ في ميدان الزواج مريدين الاستفادة منه، فهذا سيكون خطأً في خطأ، وهو أمر سيّئ للغاية[191].

 

 

لقد أقرّ الإسلام المهر، لكنّ المهر لا يجعل الزواج معاملة تجاريّة. فليس المكان هنا للمعاملات التجاريّة، بل إنّ الطرفين يستثمران في مكان مشترك. والمسألة هنا ليست مثل البيع والشراء، بأن تدفع شيئًا وتأخذ شيئًا، بل إنّ كلا الطرفين يضعان ذخيرتهما في صندوق مشترك، ويستفيدان منه كلاهما. هكذا هو الأمر في الزواج.

 

لذا، ينبغي لدور الماديّات هنا أن يكون ضعيفًا للغاية. ولهذا السبب نطالب بعدم غلاء المهور[192]. المهر في الإسلام أمر واجب وشرط في الزواج[193]. وما طالبنا به بأن لا يزيد المهر عن أربع عشرة مسكوكة ذهبيّة، إنّما أردنا منه في الحقيقة أن نقوم بعمل نموذجي[194].

 

لا بمعنى إن كان المهر مثلًا خمس عشرة أو ستّ عشرة أو حتّى ألف مسكوكة ذهبيّة، فإنّه لا يمكن عقد القران، أو يكون باطلًا، لا، فلا إشكال في ذلك. البعض يقترح بأن يُحدّد المهر بثلاثمائة وثلاث عشرة مسكوكة، ويضعون للمسألة إطارًا دينيًّا. ونقول نحن ليكون مائة وأربعًا وعشرين ألف مسكوكة بعدد أنبياء الله تعالى، فلا يضرّ ذلك في الزواج، لكنّ الكلام هنا، أنّ مشاكل أخرى ستحدث، سواءً في أجواء الأسرة أم في محيط المجتمع. وسيواجه هذان الزوجان أضرارًا أكبر[195]. نريد أن نضع حدًّا معيّنًا حتى لا تتباهى الأسر أمام بعضها

 

 

وتقول مثلًا: إنّ مهر ابنتنا أو عروسنا قد بلغ كذا وكذا[196]. وبينما نحن نقول ونطالب بأن لا يتجاوز المهر الأربع عشرة مسكوكة ذهبيّة أو نطالب بعدم البذخ والترف ـ وبالطبع، عندما نطالب بهذا الأمر، يهزّ الجميع رؤوسهم ويقولون نعم نعم، ويثنون على الموضوع ـ يذهب بعض قصيري النظر والفكر ويفعلون ما يحلو لهم، ويضرّون أنفسهم. أنا حيث أجلس هنا، لا يصلني أيّ ضرر فيما هم يضرّون بأنفسهم[197].

 

بعض الناس للأسف، يستغلّون كلّ فرصة ووقت من أوقات حياتهم في التنافس، فيراقبون، وعندما يخطو منافسهم خطوة، يخطون هم خطوة أكبر منها. كأن يحدّد مهرًا أعلى بقليل من المهر الذي حدّده هو لابنته، كالمزايدة تمامًا. بعض الأفراد يسيرون على هذا المنوال في حياتهم وهو أمر خاطئ. .. إن كان من المفترض أن ينجرّ الأمر إلى التسابق، ستخسر الكثير من العائلات في هذا السباق[198]. أولئك الذين يغلّون مهر ابنتهم احترامًا لها، هم مشتبهون. فهذا ليس احترامًا، إنّما عدم احترام. ذلك أنّه بإعلائك مستوى المهر، فإنّك تنزّل جنس هذه المعاملة الإنسانيّة، أي أحد جنسي المعاملة الإنسانيّة - لأنّ الاثنين في مقابل بعضهما البعض - إلى مستوى بضاعة ومتاع. تقول: ابنتي تساوي كذا وكذا. لا يا سيّد! فابنتك لا تُقاس بالمال[199]. وأولئك

 

 

الذين يتصوّرون بأنّ زواج ابنتهم سيتضعضع إن كان المهر قليلًا، هم مخطئون. حينما يكون الزواج مبنيًّا على المحبّة، وعلى وضعيّة صحيحة، فلن يتزلزل حتّى ولو كان المهر قليلًا. أمّا لو كان قائمًا على الخبث والدهاء والنصب والاحتيال وما شابه، فمهما كان المهر عاليًا سيقوم الزوج السيّئ والظالم بعمل يمكّنه من التفلّت من مسؤوليّة هذا المهر[200]. فأيّ مهر مرتفع لا ولن يكون مانعًا من الطلاق. الشيء الذي يمنع من الطلاق هو الأخلاق والمعاملة (الحسنة)، ومراعاة الموازين (الشرعيّة) الإسلاميّة[201].

في صدر الإسلام، يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد ويعلن أنّ هناك امرأة صفاتها كذا وكذا، فمن يتزوّجها؟ فيقوم شابّ ويقول أنا يا رسول الله. فيسأله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: كم تعطيها من المهر؟ فيقول بضع صيعان من التمر مثلًا، أو سلّة من التمر، أو ملء ترسي من التمر، فيقبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نيابة عن المرأة ويجري العقد لهما ويسلّم المرأة إلى الشابّ ويقول له: اذهبا إلى بيتكما[202].

و(ما) نقل عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: إنّنا لم نزوّج بناتنا وأخواتنا ونساءنا إلّا بمهر السنّة، بسبب هذا، وإلّا كان يمكنه (غير ذلك). فلو أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يجري عقدًا بألف دينار

 

 

لأمكنه ذلك. ولم يكن ملزمًا بالالتزام بالخمسمائة درهم - اثنتا عشرة أوقيّة ونصف - من أجل هذا الأمر. كانوا يستطيعون، لكنّهم قلّلوه. وهذا التقليل بحساب، وهو أمر غاية في الأهميّة[203]. هكذا هو وضع الزواج في الإسلام. هذه التكاليف الزائدة والقيود التي طرأت لاحقًا، إنّما هي زخارف حدثت نتيجة لجهل البشر، ولا أصل صحيح وعقلائيّ لأيّ منها[204]. إنّني أتمنّى على الناس في جميع أنحاء البلاد أن لا يرفعوا من قيمة المهور كثيرًا، فهذه سنّة جاهليّة، وهي أمر لم يرضه الله ورسوله في ذلك الزمان بالخصوص. لا أقول إنّه حرام، ولا الزواج باطل به، لكنّه خلاف سنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأولاده وأئمّة الهدى وعظماء الإسلام[205].

هكذا الأمر بالنسبة للجهيزيّة، غاية الأمر أنّ الجهيزيّة ليست بيدي، بل بيدكم. ينبغي الحذر. إذا كان هناك مال في جيب أحدهم، تكون الوسوسة كثيرة بأن يشتري الشيء الفلاني، ويضيف إليه الغرض الفلاني، ويضع فوقه الشيء الفلاني، وغالبًا ما يجد المبرّر والمسوّغ. البعض أيضًا لا يملكون المال، فيوقعون أنفسهم في القروض والضيق، ويوقعون أنفسهم والآخرين في المشقّة ليهيّئوا جهازًا بالمواصفات الكذائيّة[206].

لِمَ يوقع أهل الفتاة أنفسهم بالمشقّة من أجل تأمين الجهاز؟ والجهاز الغالي والباهظ الثمن أيضًا؟ وأشياء ليست لازمة أساسًا، وكثيرة، فقط

 

 

من أجل أن يسدّوا عيون الناس، ولئلّا يقلّ جهازها عن جهاز العروس الفلانيّة، أو عن جهاز ابنة السيّدة الفلانيّة التي هي من الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء. أو يقول الوالد أحيانًا أريد أن أفرح قلب ابنتي. حسنٌ، يمكن للمرء أن يفرح قلب ابنته بنحو آخر، ويقلّل من جهازها أيضًا[207]. (ليكن) الجهاز مقتصرًا على الضروريّات بحيث تتيسّر حياتهما العادية، ويمكنهما أن يبدآ حياتهما معا، أمّا الباقي، ومستتبعاته فهو على عاتقهما، وكلّ ما يحدث، يعالجانه بنفسيهما، ولا شأن لكم به[208].

البعض يقتلون أنفسهم من أجل أن يهيّئوا لابنتهم جهازًا كبيرًا، وأينما وجدوا شيئًا فاخرًا وباهظ الثمن في أيّ ناحية من أنحاء المدينة، يوجبون على أنفسهم شراءه ليجعلوه في عداد الجهاز[209]. من كلّ الأشياء، والأصناف والأنواع والألوان، الأحدث، والأجدد، ما الضرورة لذلك؟[210] هذا الأمر خطأ واشتباه. العروسان شخصان لا أكثر، يريدان أن يعيشا مع بعضهما، وتكون لهما حياة عاديّة. إن كنت تملك المال تشتري لابنتك ثلاجة، والذي لا يملك المال لشراء ثلّاجة فلا يشترها. ولا يجب أن نفتّش في كلّ محلّات العتائق، والمحلّات الجديدة، لنستطيع تأمين الجهاز[211]. على الفتيات أن لا يقبلن بذلك.

 

 

أيّتها العروس، لا تقبلي أنت بذلك. وحتّى لو أراد والداك هذا، لا تقبلي. ماذا تريدين أن تفعلي بكلّ هذه الأجناس الغالية الثمن[212]. على هؤلاء الفتيات اللواتي يردن تأمين الجهاز، أن لا يذهبن بغية شراء وسائل حفلة الزفاف والجهاز إلى هذه المحلّات الغالية الثمن الموجودة في بعض مناطق طهران، تلك المحلّات الغالية المعروفة - ولا أريد أن أذكر اسمها - وأنا أعرف أين تقع وهي معروفة بأنّها تبيع بضاعة غالية الثمن. وليذهبن إلى تلك المحلّات المعروفة بعدم غلاء أسعارها. ولا يجرّنّ العريس المسكين وراءهن (ويطفن به على كلّ محلّات البلد) من أجل شراء ما تحتاجه العروس وحفلة عقد القران. وللأسف، هذه الأعمال تُمارس[213]. إنّنا لا نمانع الجهاز، بل هو لازم، لكنّ الإسراف والتوسّع وطلب الزيادة فيه إلى حدّ يوقع أهل العروس أنفسهم في المشقّة، فهذه كلّها أمور خاطئة وغير صحيحة بنظرنا.

 

المهر المرتفع والجهاز الغالي الثمن لا يسعد أيّ فتاة، ولا يوصل أيّ عائلة إلى الهدوء والسكون والطمأنينة اللازمة. هذه من زوائد الحياة وفضولها، وليس له أيّ فائدة سوى أنّه يجلب وجع الرأس ويصبح سببًا للمشقّة والمشاكل. أحيانًا لا يسبّب وجع الرأس فقط، إنّما يوجد مشاكل كثيرة. لذا، قلّلوا ما استطعتم من هذه الأشياء[214].

 

 

وصيّتنا إلى العروسين والآباء والأمّهات أن يسعوا إلى أن تكون مراسم الزواج على النمط الإسلامي. وليس معنى ذلك أن لا تتضمّن الاحتفال والضيافة والفرح والسرور، لا، فالعرس الإسلامي كسائر الأعراس الأخرى، يتضمّن الاحتفال والضيافة والفرح والسرور. وأساسًا، الإيلام للعرس مستحبّ في الإسلام. ومرادنا من أن تكون مراسم الزواج على النمط الإسلامي ليس إلغاءها، بل عدم الإتيان بما يخالف الشرع فيها، وفي مقدّماتها، وما يحيط بها. وعندما نقول عملًا مخالفًا للشرع، تنصرف الأذهان فورًا إلى مسألة المحرم وغير المحرم والموسيقى المحرّمة وما شابه. بالطبع، هذه أمور مخالفة للشرع، لكنّ الأعمال المخالفة للشرع لا تقتصر على هذه الأمور. الإسراف أيضًا مخالف للشرع. الزيادة في المأكل والمشرب، الإفراط في الصرف، في الزخارف والمظاهر، وكلّ ما زاد عن الحدّ المتعارف والمعقول هو إسراف، وحرام شرعًا. وللأسف إنّ هذا الحرام المؤكّد رائج بين الناس إلى حدّ ما[215]. بعض الناس يرتكبون المعاصي من خلال هذا العمل الذي من المفترض أن ينالوا به الثواب، وذلك بسبب الإسراف الذي يمارسونه، والأعمال المخالفة للشرع التي يرتكبونها، بمزج هذا العمل الحسن بالأعمال المحرّمة التي يرتكبونها. الحرام ليس مقتصرًا على المحرم وغير المحرم وهذه الأمور. هذه بالطبع أمور محرّمة. لكنّ الإنفاق والصرف الزائد هو أيضًا حرام، والإسراف حرام. وحرق قلوب الناس الذين لا يستطيعون ذلك، حرام في بعض

 

 

الموارد. الإفراط، وفعل كلّ ما هو حلال وحرام من أجل تأمين الجهاز لابنته، هذه كلّها حرام[216]. البعض يشترون ثوب الزفاف الباهظ الثمن! ما الضرورة لذلك. البعض إن احتاجوا إلى ثوب الزفاف يستأجرونه، ما المانع في ذلك؟ هل في هذا عيب؟ لا، وما هو المانع والعيب؟ البعض يعدّ هذا عيبًا، والعيب هو في أن يهدر الإنسان أمواله جزافًا، ويشتري شيئًا ليستعمله مرّة واحدة، ومن ثم يرميه بعيدًا. استعمال لمرّة واحدة! وهذا أيضًا مع الوضع المعيشي الذي يعانيه بعض الناس، وهم حقًّا بحاجة[217]. أن يقيموا مراسم الزواج بنحو تشعر فيه شريحة كبيرة من الناس بقصر اليد والعجز، فتبقى الفتيات في البيوت، والشباب من غير زواج، هذه أيضًا معصية، وعلينا أن ندرك هذه المعاصي. إنّنا نضع المعاصي الصغيرة نصب أعيننا، لكنّنا ننسى المعاصي الكبيرة[218].

 

البعض ليست لديهم مشاكل من الناحية الماليّة، غالبًا ما يعملون على ترويج هذه الأعمال المخالفة للشرع. ويقيمون الأعراس والولائم في مثل هكذا صالات فخمة من باب التنافس، ويشترون الثياب الباهظة الثمن، أو يوصون عليها، ويفعلون ما لم يفعله الآخرون (على هذا الصعيد) ليُعدّوا الأفضل من الآخرين. أحيانًا تكون هناك أعمال ظريفة وابتكاريّة تظهر نوعًا من الجمال وتكون رخيصة، فلا إشكال فيها. لكن حين تُصرف المبالغ الكبيرة على مثل هذه الأعمال فهو

 

 

إسراف، وتنافس وعمل خطير. ... عندما يعلّمنا الشرع المقدّس شيئًا ما، فبسبب الحكمة الإلهيّة، فالشريعة الإلهيّة نابعة من الحكمة الإلهيّة[219]. أعتقد أنّ حساب أولئك الذين يصعّبون الأمور على الآخرين من خلال هذه المحافل الفاخرة، والمهور والجهيزيّات المرتفعة سيكون شديدًا عند الله تعالى[220].

 

إنّ شرط الإسراف وحرمته وكونه أمرًا سيّئًا، ليس بأن يكون الإنسان لا يملك المال فلا يسرف، بل أن يملكه ويسرف لهو بالأمر السيّئ. في الأصل، عادةً ما يسرف الأناس الذين يملكون المال. إذًا، هذا خطأ، والخطأ الآخر هو إيجاد حسّ التنافس في الآخرين. عندها، يشعر أولئك الذين لا يستطيعون القيام بتلك الأعمال بالذل، العروسان، والأسرة كذلك[221]، كم من الفتيات والشبّان الذين وإن تزوّجوا وبسبب تفلّت الأثرياء يشعرون بالنقص، والغصّة، والعقد، ويظنّون بأنّ ما لديهم قليل، ويشعرون بالانسحاق[222]. كم من الزيجات تأخّرت بسبب هذه الأمور، وكم من الفتيان والفتيات بقوا من دون زواج. لقد صار هذا الخطأ خطأين. والآن إن فتّشتم، تجدون أخطاء فرعيّة أخرى بين طيّات هذا العمل[223].

 

إذا ما أسرفتم، فإنّكم تضرّون بأنفسكم

 

 

وبالآخرين. تضرّون الشابّات والشباب، وكذا تسقطون أنفسكم من عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عين إمام الزمان عليه السلام[224] لذا، وصيّتنا هي أن تقيموا مراسم الزواج بنحو بسيط[225].

 

هذه الولائم الصاخبة واستئجار الأوتيلات والمصاريف الزائدة، هي أعمال أولئك الطاغوتيّين. ..لقد كنّا دومًا نقيم أعراسنا في بيوتنا، في غرفة أو غرفتين. وإن كان بيتنا لا يتّسع، فكنّا نستفيد من بيت الجيران، فنقدّم الحلوى والفاكهة، نتحادث ونمرح ونضحك، ونتسلّى كثيرًا. بالطبع، لم يكن أولئك الطاغوتيّون والذين أزيلوا وأُزيحوا بحمد الله، يقيمون أعراسهم على هذه الشاكلة، ولم يكونوا يقنعون بهذا، بل كانوا يذهبون إلى تلك الأوتيلات ويقيمون أعراسًا فيها الكثير من البذخ والترف. والآن حيث استلمنا نحن زمام الحكم، لا ينبغي أن نكرّر أعمالهم. فإن فعلنا أصبحنا مثلهم، كان ذلك أمرًا سيّئًا[226].

 

إقامة العرس والاحتفال والفرح بعقد القران شيء جيّد. وحتّى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أقام لابنته الكريمة مجلس عرس، ففرح الناس فيه وأنشدوا الأشعار، وصفّقت النسوة وفرحن[227]. إنّ إقامة العرس، والإيلام والفرح أمر جيّد، ونحن لا نمانع هذا أبدًا، والأعراس تُقام في كلّ ناحية من أنحاء هذا البلد، فتفرح جماعة، واذا اطلعنا على

 

 

هذا نسعد، ولكنّ الإسراف والترف والبذخ وهدر المال أمر سيّئ. فحاذروا أن تحصل هذه الأمور[228]. والوليمة أمر جيّد في العقد وفي العرس، لكن بشرط أن تكون مختصرة وبسيطة وفقيرة ونجيبة[229].

 

فلتقيموا حفلة وديّة وحميميّة من دون تكلّف، ولتدعوا إليها بعض الأقارب والأصدقاء، أصدقاء العروس، وأصدقاء العريس، وأصدقاء الوالدين، ولتُقدّم الحلوى، وليتبادلوا الأحاديث ويمضوا نصف يوم ممتع، ويتفرّقوا. وليذهب بعدها العروسان إلى منزلهما... هذه الأعمال الإسرافيّة وهذا الصرف الزائد، الذي يذهب إلى البطون، ويذهب هدرًا ويصبح حرامًا، ليس عملًا جيّدًا. فلندع هذه الأعمال جانبًا. وأنتم الآن إذ تعقدون القران، انتبهوا ألّا تفعلوا هذه الأفعال، التي لا ضرورة لها. وما الضرورة لتكبيل أب العروس والعريس بالمصاريف الكثيرة؟ لا تقوموا بهذه الأفعال[230].

 

لا تؤسّسوا حياتكم على الإسراف[231]. نحن نؤمن بإدارة حياة بسيطة وبالحدّ الأدنى من المصاريف[232]. وليس مقصودنا من البساطة أنّ التجمّل والجمال سيّئ. لا، فالجمال، والتجمّل، وكلّ شيء يمكن أن يخلق جوًّا جميلًا لروح الإنسان، لا إشكال فيه بنظر الشرع، ما لم يؤدِّ إلى

 

 

الإسراف وزيادة المصاريف والهدر والتنافس[233]. لا تجعلوا أنفسكم أسيرة للمظاهر، إذا دخلتم منذ البداية مسابقة المظاهر سيكون التحرّر منها أمرًا صعبًا. الآن (نحن نعيش) في الجمهوريّة الإسلاميّة، والذي يريد أن يعيش حياة بسيطة يمكنه ذلك. في يوم من الأيّام لم يكن ذلك ممكنًا، وكان أمرًا صعبًا، واليوم هو ممكن، مع أنّ البعض يصّعب الأمور على نفسه بيده، في ملبسه، ومسكنه، في تجمّله، في أثاثه، وفي ستائره المتنوّعة، في أنواع وأصناف المظاهر، يصعّب الأمور على نفسه. لكنّ البعض إن لم يريدوا فعل ذلك يمكنهم، فلا تفعلوا هذا. منذ بداية الزواج (عيشوا) حياتكم ببساطة، بسهولة، بنحو متوسّط وبقدر الحاجة لا بما يزيد عن الحاجة، تابعوا حياتكم بهذا المنوال[234].

 

واجعلوا حياتكم بالنحو الذي يرضاه الله سبحانه واستفيدوا من الطيبات الإلهيّة، باعتدال وتوازن. فالاعتدال والتوازن والتوسّط يعني أن تراقبوا الوسط، انظروا كيف يعيش الآخرون، فلا تجعلوا بينكم وبينهم مسافة[235]. تحلّوا بالقناعة ولا تخجلوا بها. البعض يتصوّر بأنّ القناعة هي للناس الفقراء والمعدمين، (أمّا) إن كان يملك المال فهي ليست ضروريّة له، لا، فالقناعة هي أن يقف الإنسان عند الحدّ اللازم وعند حدّ الكفاية[236]. وحياة المظاهر، وحياة البذخ، وحياة الأسراف،

 

 

والحياة الكثيرة المصاريف تجعل الإنسان تعيسًا، وهي ليست بالأمر الجيّد. ينبغي للحياة أن تحُيى بالكفاف والراحة، لا بالمصاريف الكثيرة والإسراف. لِمَ يخلط البعض بين هاتين المسألتين؟ الكفاف هو أن لا يحتاجوا أحدًا ويمكنهم إدارة حياتهم من دون الحاجة إلى أحد[237]. والتوقّعات المادية الكبيرة والعالية توجب ضيق العيش وقلق الإنسان نفسه. وإذا ما قلّل الإنسان من توقّعاته للحياة، فهذا سيكون مصدر سعادة (بالنسبة له). وهذا أمر جيّد ليس لآخرة الإنسان فقط، بل لدنياه[238]. أقول للسيّدات المسلمات، والسيّدات الشابّات، وربّات المنازل، لا تسعين وراء الاستهلاك الذي ألقاه الغرب كطعم لمجتمعات العالم، ومن جملتها مجتمعات البلدان التي هي في طور التنمية ومن جملتها بلدنا[239]. لعن الله من جاؤوا إلينا  بالثقافة الغربيّة والأجنبيّة الخاطئة وهزّوا الأركان الأساسيّة للحياة الزوجيّة، التي كانت من أصل عاداتنا، وأخذناها أيضًا من الإسلام، وهذا أمر غاية في السوء. لقد شغلوا نساءنا ورجالنا بالمظاهر والبذخ وهذه الأمور[240]. ينبغي للمصروف أن يكون بحدّ الضرورة، لا بحدّ الإسراف[241].

 

إنّني لا أرضى لنسائنا أن يسعين وراء زوائد الحياة غير ذات

 

 

الأهمّيّة، كالموضة، والكماليات الزائدة عن الحدّ اللازم للنساء، والتنافس في امتلاك اللباس الفلاني والوسيلة الفلانية من وسائل العيش. وهذه الأمور أحقر من أن تلتفت إليها المرأة المسلمة وتهتمّ بها[242]. وشأن المرأة المسلمة أعظم من أن تكون أسيرة للزينة والجواهر وما شابه. لا نريد القول إنّها حرام، بل ما نريد قوله إنّ شأن المرأة المسلمة أعلى من أن تذهب في هذه المرحلة التي يحتاج فيها الكثير من الرجال للمعونة، وتشتري الذهب، وآلات الزينة، والآلات والأدوات المتنوّعة، وتسرف في جميع شؤون الحياة. فالإسراف ليس من طبيعة المرأة المسلمة[243].

 

تتناهى إلى سمعي أخبار من هنا وهناك. إنّ لبس اللباس الفلاني طبقًا للأزياء الفلانيّة، أو لبس الحليّ بالطريقة الفلانيّة، أو تغيير ديكور المنزل بالطريقة الفلانيّة وإلقاء مصاريف ذلك على عاتق رجل البيت، ليس بموضع افتخار. فقيمة المرأة ليس بلبس اللباس الفاخر المتناسب وأحدث الموديلات، حتّى أنّ بعض النساء يهتممن بالقصّات الأوروبيّة. هذه أوهام وتصوّرات باطلة. فأن ننظر مثلًا فنرى زوجة السيّد الفلاني قد دخلت مجلسًا وهي ترتدي اللباس الفلاني وازّيّنت واتّخذت لنفسها شكلا وقيافة معيّنة، فنشعر أوّلًا بالحقارة أمامها، ونسعى ثانيًا من أجل رفع هذه الحقارة، إلى بلوغ مستواها بأيّ ثمن، لهو اشتباه وخطأ. لا ينبغي لكم أن تشعروا بالحقارة أبدًا أمام مثل هكذا شخص. إنّ كلّ شخص

 

يحقّر امرأة لأجل لباسها الذي لا يتناسب والموضة، أو من أجل أنّها لا تلبس الذهب، أو لأنّها لم تتزيّن بالزينة الفلانيّة، إنّما هو في الحقيقة يحقّر نفسه. هذه الأمور ليست معيارًا للتحقير. 

 

إنّ أفضل نساء العالم لسن أولئك اللواتي انتشرت زينتهنّ وموديلاتهنّ في مجلّات "البيردا"[244]. فعارضات دور الأزياء الأوروبيّة يتزيّن بأفضل الزينات، ويرتدين أفضل الثياب. وهل لهذا أهمّيّة كبيرة؟! وهل في هذا أهميّة بأن تقف العارضة المسكينة هناك؟ أفضل أنواع الزينة يضعنها الكثير من الممثّلات اللواتي ليس لديهنّ سمعة جيّدة في العالم.

 

إنّ أفضل نساء التاريخ، هنّ اللواتي أبدين العقل، والإرادة، والعزم، والقرار الصحيح والشخصيّة الإنسانيّة. ذات يوم، كانت هناك امرأة في إحدى دول الشرق - ولا أريد أن أذكر اسمها - تتسلم منصب رئاسة الوزراء. كانت تُعدّ من النساء البارزات، حيث كانت رئيسة مجلس الوزراء منذ ما قبل الثورة، وامتدّت هذه الولاية لديها إلى ما بعد انتصار الثورة حيث كنت أنا رئيسًا للجمهوريّة. كانت هذه المرأة من أقدر وأبرز الشخصيّات السياسيّة النسائيّة في العالم، لكنّها كانت في غاية البساطة من حيث اللباس. فشخصيّة المرأة ليست بالتجمّل. على النساء أن لا يقعن أسيرات للتنافس في اللباس والزينة والمظاهر

 

 

وأمثالها، لأنّهنّ بذلك يؤذين أنفسهنّ، ويلقين على أزواجهنّ عبئًا إضافيًّا، أمّا عند الله، فلن ينلن بذلك مقامًا، بل يتسافلن[245].

 

ما أريد قوله لكنّ أيّتها الأخوات المسلمات العزيزات - وحتمًا ليس الغالبيّة هكذا، بل البعض للأسف - إنّكنّ بدأتنّ طريقًا وسلكتنّه وتقدّمتنّ فيه. حذارِ أن ترجعكنّ أيادي الأعداء الخفيّة من منتصف الطريق، فتذهب جهودكنّ هدرًا وتضيع[246]. لقد كان جهد الأعداء منذ انتصار الثورة إلى الآن، منصبًّا على غفلة شباب هذا البلد، بما فيهم شباب الأمس واليوم، عن المبادئ الإسلاميّة والثوريّة والإلهيّة، والانشغال (بدلًا عنها) والتلهّي بالمسائل الماديّة. من الذي يجب عليه الوقوف بوجههم بقوّة؟ الجميع، لكن بالدرجة الأولى، أنتم النساء والرجال الحزب اللهيّون والثوريّون[247]. يتصوّر البعض بأنّ وقت هذا الكلام قد انتهى الآن حيث تفصلنا مسافة عدّة سنوات عن الثورة، والحال أنّ هذا الكلام اليوم أكثر جديّة وأهميّة. .. قد يرى البعض أنّه يجب الاستفادة من منافع الدنيا حتّى لا نبقى متأخّرين، وهذه تصوّرات وأوهام. ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ﴾[248] فما يبقى هو الأجر والثواب عند الله، وهو ما له الأهميّة، وما يجب أن نكسبه[249].

 

 

لقد تزوّجت خير نساء العالم بخير رجال العالم وكان مهرها مهر السنّة، وجهازها جهازًا بسيطًا ومتواضعًا[250]. وحياة أمير المؤمنين والسيّدة الزهراء عليهما السلام مثال. لقد تزّوج أمير المؤمنين عليه السلام أفضل رجال العالم بفاطمة الزهراء عليها السلام أفضل نساء العالم أجمع[251]. واعلموا بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن أفضل رجال العالم من الناحية المعنويّة فحسب، بل كان بطلًا عظيمًا عرفته ميادين الحروب. والسيّدة الزهراء عليها السلام كذلك، فقد كانت ابنة أهمّ شخصيّة في الإسلام. فابنة أهمّ شخصيّة في الإسلام، وخير الرجال في ذلك الزمان تزوّجا بهكذا مهر وجهاز[252].

 

ولا تظنُّنّ بأنّ البذخ والمظاهر والمهر المرتفع لم يكونوا موجودين حينذاك، وأنّ الناس لم تكن تعرف مثل هذه الأمور. ففي تلك الأيام كان رؤساء القبائل وأشراف العرب يهيّئون الجهاز الكبير والمعتبر عندما كانوا يزوّجون بناتهم. على سبيل المثال، كان البعض يطلب كمّيات كبيرة من الذهب، أو مئة ناقة، أو ألف دينار أو عشرة آلاف دينار كمهر لابنته[253]. المهر المرتفع عادة جاهليّة. وجاء النبيّ الأكرم?صلى الله عليه وآله وسلم ونسخها. والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام - أي كلا العائلتين - كلاهما كانا يُعدّان من عائلات قريش الشريفة،

 

 

أي من العائلات العزيزة والكريمة، لكنّهما لم يكونا من أهل الدنيا والتفاخر وجمع الأموال، وإلّا فالمواصفات العائليّة لهما من وجهة نظر الناس ومعايير ذلك الزمان كانت في المرتبة الأعلى. فأمير المؤمنين عليه السلام الذي كانت له إلى حينها تلك الافتخارات، وفاطمة الزهراء عليها السلام أفضل النساء في عالم الإسلام الصغير يومذاك، وابنة الشخص الأوّل في المدينة، كانا يعلمان بتلك الأمور، لكن بما أنّ الدنيا حقيرة في أعينهما، ولأنّهما لم يكونا يوليان أهمّيّة لمظاهر الحياة، لم يدخلا هذه الأمور إلى قضية تتسم باللطافة والمعنويّة، ألا وهي الزواج. فالمال والذهب والأمور الماديّة أحقر من أن يدخلاها في هكذا قضية[254].

 

ما كان مهر الزهراء عليها السلام؟ وما كان جهازها؟ وكيف كان عرسها؟[255] بعض الأدوات الرخيصة الثمن التي وردت في الكتب: حصير، وسادة محشوّة بليف النخيل، ثوب، طاحونة يدويّة، إناء للماء، وظرف نحاسي[256]. وإذا ما حسبناه بعملة اليوم، فلربّما لا يتجاوز مهر السيّدة الزهراء (عليها السلام) المئتي ألف تومان! وجهاز تلك السيّدة العظيمة والوسائل والأدوات التي هيّئت لها، لربّما لا يساوي في عملة اليوم ثمن قطعة لباس ترتديها امرأة متوسّطة الحال في يومنا هذا. هذه هي القدوة[257].

 

 

هل حصل ذلك والنبي لا يملك الاستطاعة؟ لا أنّه كان يستطيع. وبإشارة منه كان هناك أشخاص حاضرون وبكلّ محبّة ورغبة، للإتيان بمال وافر وجهاز كبير وتقديمه لذينك العروسين، لكنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد ذلك، فذلك الجهاز البسيط وذلك المهر المتواضع، وذلك السلوك الموحي بالفقر كان متعمّدًا، وذلك لكي يتعلّم الآخرون، ويدركوا بأنّ زواج الفتية والفتيات في عائلة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم والمهر فيه لم يكن يتجاوز مهر السنّة[258]، وأنّهم لم يجعلوا من أنفسهم أسرى للمظاهر. نحن لا يمكننا العمل مثلهم، لكنّهم علّمونا ذلك وحدّدوا لنا الطريق. قالوا لنا: لتبدأوا حياتكم المشتركة بهذا الشكل[259]. أمثالنا يعجز حين يريد التشبّه بهم في طريقة عيشه، وليس متوقّعًا منكم ولا منّي ذلك، لكنّ تلك قمّة، ينبغي الاقتراب منها مهما أمكن والسير باتّجاهها.

 

لا تنظروا إلى الأشخاص الذين يجلسون على القمّة الشيطانيّة في الطرف المقابل ويقيمون أعراسهم بذلك الشكل، لقد كان مثل هؤلاء موجودين في صدر الإسلام، وهم اليوم موجودون، وفي كلّ العالم موجودون. عندما تزوّج المأمون العبّاسي نثر على رأس زوجته صناديق من الذهب، هذا غير الجواهر والذهب والحلوى التي وُزّعت. عندما كان المدعوّون يفتحون هذه العلب كانوا يجدون داخل كلّ علبة ورقة كتب عليها مثلًا: ملك المنطقة الفلانيّة لمستلم هذه العلبة، أو المزرعة الفلانيّة بتمامها وكمالها لملتقط هذه العلبة، بالطبع، كان

 

 

هو قد أخذ هذه الأملاك والأراضي ظلمًا وزورًا، وها هو الآن يوزّعها ويهبها على هذا النحو. عندما يحصل المرء على المال عن طريق الحرام، سينفقه ويصرفه هكذا وبإسراف. ولقد أسرفوا في الإنفاق إلى درجة اعترف فيها المأمون بذلك وقال: هذا إسراف. تلك الأعمال نفسها أدّت بعدهم إلى انهزام الإسلام لقرون وضياعه ولأن يصبح مسحوقًا أمام هجوم الأقوام المختلفة[260].

 

وللإسلام أيضًا تدبير في كيفيّة الزواج وإدارته. وهذا التدبير مرتبط باختيار الزوج. فمَنْ علينا أن نختار للزواج، هو أمر غاية في الأهمّية[261]. ويوجد في الإسلام معايير معتبرة لاختيار الزوج مختلفة عن المعايير الجاهليّة. فالمعايير الجاهليّة تنظر إلى الاسم والمقام والمال والرتبة والثروة والعمل وأمثالها. وبما أنّ هؤلاء من أهل الدنيا، فهم يسعون وراء المظاهر الدنيويّة، وأوّل ما ينظرون في اختيار الزوج إلى مستواه العلمي، وثروته، وشكله وهيئته. ومع أنّ الإنسان ينجذب بنحو طبيعيّ إلى هذه الأمور ويحبها، إلّا أنّ أيًّا منها لا يؤدّي لزومًا إلى السعادة. فما يجعل الإنسان سعيدًا في زواجه هو أن يتزوّج الكفؤ، ويتمتّع بالصلاح والدين والعفّة والشرف. وبهذه الأمور تستمرّ الحياة المشتركة.

 

ورد في الروايات أنّ من تزوّج المرأة لمالها أو لجمالها، قد يحرمه

 

 

الله منهما. ومعلوم أنّ المال يذهب أدراج الرياح. ترون أحيانًا شخصًا في قمّة الثروة، يفلس ويصبح في الحضيض لسبب صغير جدًّا. قال لي يومًا رئيس إحدى الدول الآسيويّة المعروفة والغنيّة جدًّا والتي يوجد فيها أثرياء كبار، ونحن جالسون في هذه الغرفة: إنّنا في ليلة واحدة حوّلنا فلانًا إلى متسوّل. وهذا ما حصل واقعًا، بالطبع، فأن يصبح المرء متسوّلًا هكذا، أمرٌ مرتبط بسياسات الشعوب والدول. لعبة اقتصاديّة وماليّة بإمكانها جعل آلاف التجّار والأثرياء، على حد تعبير رئيس وزراء ذلك البلد، وكان مهاتير محمّد[262]، بالحضيض. فتصبح ثروات آلاف الأشخاص هباءً وتذهب أدراج الرياح!

 

هكذا الأمر بالنسبة للجمال، سواءً جمال المرأة أم جمال الرجل، فهو ليس من الخصائص الباقية. وقد يذهب  بحادثة، أو لا سمح الله بارتطام الوجه بالحائط، أو بولادة صعبة، أو بمرض أو بألف حادثة كبيرة وصغيرة قد تحدث للإنسان. وكم يعرف الإنسان أشخاصًا كانوا غاية في الجمال يومًا ما، لكنّهم مع تقدّم العمر تحوّلوا من هذه الجهة إلى تلك الجهة. إذًا، الجمال ميزة ليست دائمة. ثمّ إنّ الإنسان يتعوّد على الجمال ويصبح شيئًا عاديًّا ليس فيه أيّ جديد بالنسبة إليه. وعليه، فالمواصفات المطلوبة والمهمّة في الزواج هي الكرامة، والأخلاق، والأدب والتديّن. ولذا يقولون: فتّشوا عن الإنسان الشريف والعفيف - سواءً كان شابًّا أم فتاة - ليبارك الله لكم في زواجكم. في

 

 

آخر الرواية التي توبّخ الإنسان على الزواج من أجل المال والثروة، ورد أيضًا، بأنّ من فتّش في أمر زواجه عن التديّن والتقوى، فإنّ الله سيعطيه المال والجمال. تساءلت في نفسي ذات يوم وقلت: كيف يهب الله المرء الجمال بعد الولادة وفي جريان حياته؟ هو يغني الإنسان الفقير، لكن، كيف يهبه الجمال؟ لكنّني بعدها تنبّهت إلى أنّ الجمال هو من يجلب المحبّة. فإذا ما وُهبت المحبّة من الله تعالى، يصبح الوجه القبيح في نظر الإنسان جميلًا.

إن نظرت بعيني المجنون          فلن ترى سوى جمال ليلى[263]

 

يُقال إنّ ليلى كانت قبيحة، والمجنون كان ذميم الوجه ومنحوسًا أيضًا، لكنّ الحب يصنع المعجزات ويجعلهما جميلين في أعين بعضهما الآخر، فيحبّان بعضهما حبًّا شديدًا. على أيّ حال، بمقدار ما كانت لهذه القصّة حظٌ من الواقع، يخلّدها التاريخ. المقصود أنّه عندما يلقي الله المحبّة في القلب، يتبعها الجمال أيضًا[264]. لأنّ الجمال في عينك، في قلبك، وفي نظرك. فإذا أحبّ الإنسان شخصًا ليس جميلًا كفاية، يصبح في نظره جميلًا. وعندما لا يحبّ شخصًا، فمهما كان هذا الشخص جميلًا، لا يراه كذلك. إذًا، إن كان الزواج قائمًا على أساس التقوى، والطهارة والصفاء ومدّ كلّ من الرجل والمرأة يد الصفاء لبعضهما البعض، فإنّ المحبّة تأتي وتحصل في قلبيهما. ولقد

 

 

ذكرت قول الشاعر حيث قال: "إذا ما حصلت المحبّة، فلا تكن متكلفاً" فلا داعي أصلًا له، وكلّ شيء سيبدو جميلًا ومحبّبًا[265].

 

يطلب الإسلام منّا أن نراعي أمرين: الأوّل، أن يكون الشخص الذي تريد الزواج به متديّنًا طاهرًا وعفيفًا، وأن تنظر إلى الجوانب المعنويّة فيه. الثاني، أن تفتّش عنه عند الحاجة. فعندما يشعر الرجل أنّه بحاجة إلى الزواج، فليذهب وليفتّش عن المرأة العفيفة والطاهرة، وكذا يكفي المرأة بأن تقبل بالزواج من الرجل العفيف والطاهر. فالتفتيش عن الجمال، والشغل، والحسب والنسب، والشأن الاجتماعي، والمال، ليس محطّ توجّه الإسلام أبدًا، بل هي أمور منهيّ عنها.

 

لذا، نرى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يطلب من رجل قبيح المنظر أسود اللون فقير، لا حسب له ولا نسب، يدعى جبيرًا[266] - والذي قلّما تجد في المدينة رجلًا بقبحه وفقره[267] أن يذهب ويطلب ابنة أحد أشراف المدينة الأثرياء المعروفة بحسنها وجمالها. فلا يجيب جبير مستنكرًا، أنا لست أهلًا لأتزوّج مثلًا الفتاة الفلانيّة، وأنا قبيح المنظر، جاهل، لا حسب ولا نسب ولا مال لي. فهو لا يشعر بمثل هذا الشعور، بل يقول: أنا رجل، ومسلم، ماذا تريد بعد ذلك؟ بالطبع، والد الفتاة يتزلزل إيمانه قليلًا. والفتاة فتاة حزب اللهيّة متديّنة، كالفتيات الحزب اللهيّات في

 

 

يومنا هذا بحمد لله. بمجرّد أن تعلم بأنّ الرسول هو الذي أرسل هذا الرجل لخطبتها، تقول لوالدها لماذا رفضته؟ ماذا تريد تلك الفتاة؟ كانت تقول بأنّ هذا رجل، ومسلم، وأنا امرأة ومسلمة، ونحن كفؤ لبعضنا البعض،[268] "المؤمن كفو المؤمنة والمسلم كفو المسلمة"[269] هذا هو المعيار الديني[270]. إلتفتّم؟ هكذا هو الأمر.

 

يظنّ البعض بأنّه يجب أن يزوّج ابنته لشخص من نفس منزلته الاجتماعيّة. نسأله، ماذا تعني بالمنزلة الاجتماعيّة نفسها؟ يقول لو افترضنا مثلًا بأنّني تاجر، وتبلغ ثروتي كذا وكذا، يكون هو أيضًا تاجر بالمنزلة نفسها أو أعلى بقليل، ويكون لديه ثروة تقارب ثروتي. فلو كنّا نتمتّع بالقدر الفلاني من الشأن الاجتماعي، فليكن شأنه الاجتماعي هو أيضًا قريب من شأننا. ... لماذا يجب أن نفتّش عن فتاة شكلها كذا، ولديها القدر الفلاني من الجمال، ومواصفات والدها كذا وكذا، لماذا؟ وما الضرورة لذلك؟ الإسلام لا يقبل بهذه الأمور، وينظر إلى القيم المعنويّة. يقول: فتّشوا عن الأصالة والعفاف. فالحياة مع هذه الأمور تنقضي وتمرّ بسعادة.

 

إن لم يكن لديه مال، فالله يعطيه المال، لا بمعنى المال الكثير والوفير، فهذا لا لزوم له، بل المال بمعنى أن يعيشا حياتهما براحة،

 

 

بقناعة، ولا يعانيا المشاكل[271]. عندما يُطرح موضوع الزواج يجيب الشباب، ماذا نفعل بعد أن نتزوّج بالبيت، وبالشغل؟ هذه هي القيود نفسها التي تقف عائقًا أمام الأعمال الأساسيّة والأصليّة. يقول تعالى: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[272] أي إنّ الله سبحانه سيكفيهم. تزوّجوا، فالزواج لن يضيف إلى أوضاعكم المعيشيّة صعوبات خاصّة. بل بالعكس، سيغنيكم الله تعالى من فضله. هذا ما قاله الله تعالى[273]. بناءً عليه، ينبغي التفتيش عن هذه القيم التي يوليها الإسلام أهمّية[274]. لذا يجيب الإمام الصادق (عليه السلام) شخصًا سأله في أمر الزواج: اعلم حيث إنّك تريد الزواج أنّك ستختار شريكة بيتك وعمرك، فانظر من تختار؟ وانظر لأخلاقها، ودينها، وعفافها، ثمّ أقدم بعد ذلك. ينبغي عليكم أن تختاروا الزوجة على أساس الرواية القائلة: "ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"[275]. ولقد قطعتم بحمد الله هذه المراحل وقمتم بالاختيار. وعليكم الآن أن تثبتوا على هذا الخيار، وأن تحترموا هذه الرابطة، وتحافظوا على هذه المؤسّسة العائليّة[276].

 

 

النقطة التالية هي أنّ أساس أمر الزواج قائم على توافق الفتاة والشابّ، وينبغي لهما التوافق. ولهذا التوافق معنى عميق جدًّا. ذات يوم ذهبت لزيارة الإمام الخميني قدس سره، وكان يريد عقد قران أحدهم، ما إن رآني حتّى طلب منّي أن أكون وكيلًا عن أحد العروسين . فعقد في البداية القران، وخلافًا لنا نحن الذين نطيل الكلام (في مثل هكذا مراسم)، كان يتكلّم بعدّة جمل. فبعد عقد القران توجّه إلى العروسين وقال: "اذهبا وتوافقا مع بعضكما". فكّرت في نفسي وقلت: نحن نتكلّم بكلام مطوّل، فيما يُختصر كلام الإمام في هذه الجملة "اذهبا وتوافقا"[277]. وها أنا الآن أقول لكما أيّها العروسان: "اذهبا وتوافقا"  ليكن سعيكما التوافق فيما بينكما طوال مراحل عمركما، وخاصّة في السنوات الأولى (من زواجكما)[278] عيشا مع بعضكما، وليرد كلّ منكما الآخر وليحبّه[279]. قلّلا توقّعاتكما من بعضكما البعض. حذارِ أن يظنّ الشاب والفتاة اللذان يتزوّجان الآن بأنّ الشريك والزوج ينبغي أن يكون ملاكًا، ليس فيه أخلاق سيّئة، ولا نقص، ولا عيب. لا فهذا اشتباه[280].

 

واعلموا، أنّ ما يرسمه الشباب عن فتياتهم المثاليّات، وما ترسمه الفتيات عن فتيانهم المثاليّين لا وجود له. وهذا، لا وجود له، ليس في هذه المدينة وهذا البلد فحسب، بل في العالم كلّه. فالمثالي، هو الذي

 

 

لا عيب فيه ولا نقص. وهذا لا وجود له، فالعيب موجود في الجميع، هكذا نحن البشر. قد يكون هذا العيب غير موجود في أحدنا، لكنّ عيبًا آخر يكون موجودًا فيه. بالنهاية، هناك نقص وعيب موجود في كلّ شخص. والنقص موجود فينا جميعًا. حسن، والآن طالما أنّنا بعيدون عن بعضنا، لا ندرك هذه العيوب، (لكن) بمجرّد أن يحصل الزواج ونعيش إلى جانب بعضنا، تظهر هذه العيوب شيئًا فشيئًا. فالآن نكون غير راضين؟ علينا أن نتقبّل الحياة كما هي ونتكيّف معها[281]. ولا يجب أن تضخّم الأمر وتصنع لنفسك عقدة وغصّة فيما إذا شاهدت في زوجتك إثر المعاشرة والاحتكاك عيبًا. فالعيب موجود في جميع بني البشر قاطبة، وفيهم أيضًا حسنات[282]. بالطبع، هناك عيوب يمكن إزالتها والتخلّص منها، فينبغي السعي لإزالتها. وهناك عيوب لا يمكن إزالتها، كالعيوب الجسدية والعيوب الروحيّة، فعليك أيضًا التكيّف معها، ولا إشكال في ذلك، واعلموا أنّ الأهمّيّة (هنا) لتقوى الله تعالى. فاسعيا لأن تزيدا من نسبة التقوى في نفسيكما ولأن تتحلّيا بها. إن استطعتما أن تتسابقا بالتقوى، فهذا حتمًا امتياز، على الرجل والمرأة أن يسعيا لتحقيقه ولاكتساب تقوى أفضل وأكثر[283].

 

ولا تتصوّرن، بأنّك إن وجدت غدًا عيبًا (في شريكك)، فتقول، ها إنّ فيك عيبًا. لا، فالعيب موجود في كلّ أزواج العالم. واعلموا هذا. واعلموا

 

 

أيّها الشباب بأنّ العيب موجود في كلّ نساء العالم، ولا توجد امرأة خالية من العيب. وأنتنّ أيّتها الفتيات، اعلمن بأنّ العيب موجود في كلّ رجال العالم، ما عدا المعصومين عليهم السلام. غاية الأمر هناك عيوب صغيرة، وعيوب كبيرة، وعلينا التكيّف مع عيوب بعضنا البعض. علينا تقبّل العيوب في المعاشرات، في الحياة، في الحياة العائليّة، والحياة الاجتماعيّة. فلا يوجد إنسان خال من العيب سوى المعصومين عليهم السلام?. وإنّنا إذا ما نظرنا إلى المعصومين عليهم السلام الذين كانوا مظهر جميع المحاسن، بنظرة ماديّة، وإلى حياتهم الملأى بالمصاعب، فإنّ هذا أيضًا يُعدّ نوعًا من أنواع النقص، فبالنهاية، جميعهم استُشهدوا. الشهادة حتمًا هي الحسنة الأكبر، والمنقبة الأكبر، لكن إن نظرنا إليها بنظر الماديّيّن، فمن الممكن أن يُعدّ هذا نقص وعيب، وهو لِمَ كانت أعمارهم قصيرة مثلًا؟ وعلى أيّ حال، لا يمكنكم أن تجدوا شخصًا لا يوجد حوله علامة سؤال أو خال من العيب. فإن وجدت غدًا في زوجك عيبًا، فلا تقولنّ: ليتني كنت تزوّجت من شخص خال من هذا العيب، لا، فذلك الشخص أيضًا قد يكون فيه عيب آخر. ولتعلم هذا. إذًا، توافقا وتكيّفا مع بعضكما، وأحبّا بعضكما[284].

 

التوافق والتكيّف داخل الأسرة أمر حسن، وليس عيبًا[285]. وهو من الواجبات[286]. وبمقدار يقبح التواؤم مع أميركا والصهاينة والأشرار،

 

 

فإن التكيّف والتواؤم مع الزوج أمر حسن. بالطبع، التكيّف والتواؤم مع الأصدقاء أمر جيّد، لكنّ التواؤم مع الزوج أفضل صنوف التواؤم. وعلى الإنسان أن يتواءم مع زوجه[287]. مع العدوّ، لا تواؤم ولا تسليم، أمّا مع الزوج فينبغي التواؤم والتسليم معًا[288]. لا ينبغي للزوجين أن يظنا بأنهما سيحصلان على ما يقولانه. وأن يحصل كلّ ما يحبّانه ويوفّر لهما الراحة، لا، فلا ينبغي لهذا أن يحصل. عليهما أن يقرّرا بأن يتوافقا مع بعضهما البعض. وهذا التوافق لازم وضروري. إذا رأيت أنّ مرادك لن يحصل إلّا بالتنازل، فتنازل[289]. بالطبع، على الطرفين أن يتنازلا، لكنّ المرأة، بسبب طبيعتها المرنة والليّنة واللطيفة، يمكنها أن تبدي تواؤمًا وتكيّفًا بسهولة. ولا يعني هذا أنّ نقول، على المرأة أن تتكيّف وتتواءم عند كلّ صخب وضجيج يثيره الرجال أو عند كلّ طلب في غير مكانه يطلبه الرجل، لا. فالرجال أيضًا مأمورون بالإنصاف والعدل[290]. وليست المسألة بأن نقول إنّ على المرأة أن تتبع زوجها في كلّ شيء، لا، فهذا الشيء لا يقول به الإسلام ولا الشرع، والآية الشريفة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾[291] لا تعني أن تكون المرأة تابعة للزوج في كلّ الأمور. لا، أو أن نقول كمقلّدي الغرب هؤلاء بأنّ على المرأة أن

 

 

تقوم وتشرف على كلّ الأمور وأنّ الرجل تابع لها. فهذا خطأ أيضًا. بالنهاية، كلاكما شريكان ورفيقان، وفي موضع ما يتنازل الرجل، وفي موضع ما تتنازل المرأة. أحدكما يتغاضى هنا عن ميله ورغبته، والآخر في موضع آخر، لتتمكّنا من العيش معًا[292]. فالجمهوريّة الإسلاميّة لا تنادي بسيادة الرجل، ولا بسيادة المرأة، بل بسيادة الأسرة[293].

 

إنّ عدم التوافق يجعل الحياة مريرة. لقد خلق الله تعالى الزوج، سواءً الرجل أو المرأة، ليكون مصدر الهدوء والسكن لزوجه. وعدم التوافق يؤدّي إلى سلب الراحة النفسيّة. لذا، يلزم وجود التواؤم والتوافق في الحياة المشتركة. ولكي يتمكّن الطرفان من قضاء حياة حلوة، عليهما التحمّل فيما لو كان هناك نقص موجود[294]. لقد اتّخذ الإسلام داخل الأسرة تدبيرًا، بحيث ينحلّ الاختلاف بنفسه. فأمر الرجل بإبداء ملاحظاته، وأمر المرأة بإبداء ملاحظاتها، فإذا ما جُمعت هذه الملاحظات وأُخذت بعين الاعتبار، أساسًا، لن تتلاشى أيّ أسرة ولن تزول. وغالبًا ما يكون السبب في تلاشي الأسر عدم الالتفات إلى هذه الملاحظات. فالرجل لا يعرف المراعاة، والمرأة لا تحكّم عقلها، هو يتصرّف بحدّة وقساوة لا حدود لها، وهذه لا تتحمّل، دائمًا هناك إشكالات، هناك إشكال على قساوته، وإشكال على تمرّدها. إذا لم يتعامل هو معها بقساوة، ولم تتمرّد هي عندما يخطئ هو، ولو أبديا

 

 

ملاحظاتهما، وتوافقا مع بعضهما، لن تتلاشى أيّ أسرة، بل ستبقى ما دام العمر[295].

 

بالطبع، لم يضع الإسلام طريقًا مسدودًا، فإذا لا قدّر الله لم يحصل توافق بين المرأة وزوجها بأيّ وجه من الوجوه، فالطريق مفتوح، وليس مسدودًا. لكن ينبغي عليهما التوافق مهما أمكن. لا يقولنّ أحدّ لزوجه أنا أفضل منك، لا المرأة تقول لزوجها ولا الزوج يقول لزوجته. ماذا تعني الأفضليّة؟ هل تعني أنّ أباك أفضل من أبيها؟ هذا هراء، ولا يقبل به الإسلام. هل تعني أنّ ثروتك أكبر من ثروة زوجك؟ وهذا أيضًا هراء، والإسلام لا يعدّ هذا موجبًا للأفضليّة. هل تعني أنّك أجمل من زوجك؟... وهذا أيضًا هراء، فالجمال والقبح ليسا معيارًا للأفضليّة في الإسلام، أم يعني أنّك أتقى منه، حسنُ، إن كنت أكثر تقوى منه فلا ينبغي أن تقول هذا. هناك امتياز واحد هو التقوى والدين، وهذا لا يجب ذكره. فالذي يقول أنا الأفضل، وأنا أتقى منك، فهو بحدّ ذاته تنزّل في التقوى، وهبوط في مستوى الأخلاق. إذًا، لا معنى لأن يقول أحدهم لزوجته أنا أفضل منك، أو تقول المرأة لزوجها أنا أفضل منك. وما تتصوّرونه عندما يكون والد المرء ثريًّا، وعائلته مشهورة، على ارتباط بمسؤول ما، أو سلطة ما، أو جهة ما، فهذا يُعدّ ملاكًا للأفضليّة، (هو تصوّر خاطئ)، ولا يرضى به الإسلام[296]. وعليه، فلتتوافقا، واغتنما ما قدّر

 

 

لكما، وعُدّاه عطيّة ونعمة إلهيّة، لينزل الله تعالى بركاته عليكما إن شاء الله تعالى[297].

 

ورد في الحديث الشريف: "جهاد المرأة حسن التبعّل"[298] ماذا يعني حسن التبعّل؟[299] في عهد النظام الطاغوتي[300]، عندما كنت وأمثالي في ميدان الكفاح، كان النظام يكشف أمرنا عاجلًا أم آجلا، فيبعث عملاءه وراءنا، فيأتون ويسحبوننا من بيوتنا أمام أعين زوجاتنا وأولادنا ويأخذوننا إلى معتقلات التعذيب التابعة للسافاك. لقد جرّبت السجن، وتحمّلت التعذيب، لكنّني كنت أعلم بأنّ المعاناة الأكبر تعانيها زوجتي، القلق، الخوف، الهلع، الاضطراب، والغصّة، لا يدعون لها مجالًا للهدوء لحظة. كنت أدرك هذا الأمر. حتّى حين كنت أفكّر وأنا في السجن، أو في الحبس الانفرادي، كنت أجد أنّ وضعها أصعب من وضعي، فكان قلبي يحترق لأجلها. ثمّ بعد ذلك، حين كنت أخرج من السجن، وأسألها وأتحرّى الأوضاع، فعلى الرغم من أنّها لم تكن ترغب بالكلام، إلّا إنّني كنت أدرك ماذا جرى معها. أن يربّي المرء بعض الأطفال، من دون مدخول، ولا مال، ولا وسيلة راحة، ولا أمن، ويأتي إليك بعض الأشخاص ويشمتون بك، وهل هناك أسوأ من هذا؟ كنّ وحيدات في البيوت، دون

 

 

رجال، ولم يكن معلومًا مصير آباء أطفالهنّ، كنّ الأكثر معاناة[301]. بعض النساء حين كنّ يذهبن إلى لقاء أزواجهنّ في السجن، ويسأل الأزواج عن حالهنّ يجبن بأنّهنّ جيّدات. وحين كانوا يسألونهن إن كنّ يعانين من مشاكل ماليّة، كنّ يقلن: لا، وضعنا المادّي جيّد. ماذا عن الأطفال؟ هل هم بصحّة جيّدة؟ ولِمَ لم تأتِ بهم معك؟ كانت تقول: كانوا يلعبون، ورأيتهم مسرورين، لم أرد أن أعكّر عليهم صفو الجوّ. ثمّ بعد ذلك يتبيّن بأنّ الطفل قد كان مريضًا لشهر من الزمن. هذه المرأة لم تكن تريد لزوجها داخل السجن أن يعرف بمرض ابنها حتّى لا يصاب بالقلق. وحين كان يسأل عن حالها كانت تجيب بأنّها في أحسن حالاتها، مع أنّها نفسها كانت بحاجة إلى الرعاية. كانت لدينا مثل هذه النسوة. وهذه الأمور كلّها مساعدة. بعض النساء لم يكنّ كذلك. ما إن كنّ يذهبن للقاء أزواجهنّ حتّى يبدأن بالبكاء والشكوى. لا مال لدينا، لا خبز، لا أحد يهتمّ لأمرنا، الأولاد يريدون أباهم، المدرسة قالت كذا وكذا. كنّ يوجعن قلب ذلك المسكين الذي لديه آلاف المشاكل داخل السجن، بالمشاكل خارجه، وبالطبع، يضعفن إرادته. وإذا لم يعقد العزم حينها على كتابة تعهّد بعدم مزاولة العمل الثوري للخلاص من أسر السجن، فإنّه يقينًا سترتعد فرائصه حين يريد الإقدام في المرّة التالية على القيام بأمر مهمّ (كهذا)[302]. منذ بداية الثورة، لعبت النساء أحد أهمّ الأدوار في الثورة. وسواءً في أحداث الثورة نفسها، أو في السنوات الثماني لحرب

 

 

الدفاع المقدّس، لعبت الأمّهات والزوجات دورًا كبيرًا، إن لم نقل بأنّه أخطر وأكثر إيلامًا ومعاناةً من دور الرجال، فإنّه يقينًا لا يقلّ عنه. الأمّ التي ربّت ولدها، وعزيزها، وثمرة فؤادها ثماني عشرة سنة - ولربّما أكثر أو أقلّ - وأوصلته إلى مرحلة النضوج بمحبّة الأمّ تلك، وهي اليوم ترسله إلى ساحة القتال، ولا تعلم حتّى إن كان جثمانه سيعود أم لا، هل يُقاس عملها هذا بذهاب ذاك الشابّ؟ فذاك الشابّ يتحرّك بشوق الشباب وحماسه، المصحوب بالإيمان والروحيّة الثوريّة ويذهب. (ولذا) عمل هذه الأمّ إن لم يكن أهمّ وأعظم من عمل ذاك الشابّ، فيقينًا ليس بأقلّ منه. ومن ثمّ، حين يأتون بجسده إليها، تفتخر بأنّ ولدها شهيد. هل هذا بالشيء القليل؟ حركة النساء هذه، كانت حركة زينبيّة في ثورتنا[303].

 

كم نشعر بالقلق عندما يتعرّض أولادنا لنزلة برد، ويسعلون قليلًا؟ هل في الأمر مزاحًا عندما يذهب ابن عائلة ما فيقاتل ويستشهد، ويذهب الثاني ويستشهد، ويذهب الثالث ويُستشهد؟ وتأتي هذه الأمّ بأحاسيس الأمومة تلك السليمة والفوّارة والجيّاشة، وتؤدّي هكذا دور وتشجّع مئات الأمّهات الأخريات بإرسال أولادهنّ إلى ميدان القتال. ولو أنّ هؤلاء الأمّهات ولولن وانتحبن عندما جيء إليهنّ بجثامين أولادهنّ، أو عندما لم تعد هذه الجثامين، واشتكين، وشققن الجيوب، واعترضن على الإمام وعلى الحرب، يقينًا لكنّا خسرنا الحرب في سنواتها ومراحلها الأولى. هذا هو دور أمّهات الشهداء.

 

 

 

 

زوجات الشهداء الصبورات، النساء الشابّات، يفقدن أزواجهنّ الشباب في بداية حياتهنّ العائليّة العذبة، التي يتطلّعن إليها. فيرضين أوّلًا بذهاب هذا الزوج الشابّ إلى مكان قد لا يعود منه، ومن ثمّ يتحمّلن شهادته، ويفتخرن ويرفعن رؤوسهنّ عاليًا. هذه أدوار لا مثيل لها. ومن ثمّ، ما هو مستمرّ إلى الآن هو أن تكون زوجة جريح. هناك بعض النساء ذهبن وتزوّجن جرحى. أن يذهب أحدهم بصفته إنسانًا ملتزمًا وصاحب مسؤوليّة، فيتطوّع من دون أيّ إجبار للاهتمام برجل جريح معوّق، وأحيانًا سيّئ الأخلاق بسبب وضعه الجسديّ أو الخلل الناجم عن تعرّضه لعصف انفجار وغيره، فهذه تضحية كبيرة. قد يقول أحدكم سآتي ساعتين يوميًّا للاهتمام بك. وحين تذهب كلّ يوم يقوم بشكرك. أحيانًا يكون الأمر مغايرًا، حيث تقبلين بأن تكوني زوجته وتشاركينه الحياة، أي أصبحت متعهّدة! فطبيعة العمل هي أن تقومي به أنتِ. لقد قدّم هؤلاء (النسوة) هذا النوع من التضحيات. أساسًا، لا يمكن تقدير دور النساء. وأنا أقرّ وأعترف بأنّ أوّل من أدرك وفهم هذا الدور هو إمامنا (الخميني) العظيم[304].

 

أيّتها السيّدات، إنّ المشقّات التي تتحمّلنها بسبب عمل أزواجكنّ لا يذهب منها مقدار ذرّة هدرًا، فاحتسبنها عند الله، واطلبن أجرها منه تعالى، وسيكافئكن الله تعالى عليها. .. لطالما قلت، إنّ أجر النساء في هذه الأمور هو نصف الأجر بالحدّ الأدنى. ولقد سُئلت: لِمَ تقول بالحدّ

 

 

الأدنى، القسمة العادلة هي بأن يُقسّم الأجر الإلهي على كلّ من المرأة والرجل بالتساوي، خمسون في المئة للرجل وخمسون في المئة للمرأة، لِمَ يكون أجر المرأة أكثر؟ أقول: السبب في هذا هو أنّ الرجل عندما ينجز عملًا ما فإنّ ذلك يكون أمام أعين الجميع والكلّ يراه، وعليه فإنّه ينال بعض الثناء والمديح من الناس، وهذا بعض من أجره، أمّا المرأة التي تكون في بيتها، ولا أحد يعلم ما عانت وتعاني، فلن ينالها شيء من المدح والتصفيق والتهليل، لذا، يكون أجرها أكبر بهذا المقدار[305].

 

إن كانت المرأة في البيت موافقة على عمل زوجها، يمكن أن يتضاعف نشاط زوجها وجهده أضعافًا مضاعفة[306]. وإنّ كلّ جهد وعمل يقوم به الرجل في الميادين المختلفة، هو رهن لموافقة زوجته وتعاونها وصبرها ومواءمتها إلى حدّ كبير. وهذا ما يحصل دومًا[307]. وهذا ما يعنيه قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "جهاد المرأة حسن التبعّل". أي أن تهيّئ الأرضيّة بنحو يمكّن زوجها من القيام بعمله بسهولة[308]. يتصوّر البعض بأنّ جهاد المرأة بأن تهيّئ للرجل وسائل الراحة فحسب. وحسن التبعّل لا ينحصر بهذا، وهذا ليس بجهاد، الجهاد هو بأن تحمل المرأة المجاهدة والمؤمنة والمضحّية، حينما يتصدّى زوجها لمسؤوليّة كبيرة، ثقل المهمّة على عاتقها إلى حدّ كبير. عندما

 

 

يتعب الرجل، يظهر تعبه في البيت. فعندما يعود من عمله تعبًا، مرهقًا، وأحيانًا معكّر المزاج بسبب أجواء العمل، فإنّ هذا سينعكس داخل البيت. والآن، إذا ما أرادت هذه المرأة أن تجاهد، فإنّ جهادها يكون بالتكيّف مع هذه المشاكل، وبتحمّلها في سبيل الله، هذا هو حسن التبعّل.

 

عندما هاجر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة إلى المدينة، كان عمر أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثة أو أربعة وعشرين عامًا. وقد شرع منذ البداية بالجهاد وشارك في المعارك المختلفة. وكان هذا الشابّ في هذه المعارك كلّها، إمّا حاملًا للّواء، أو في المقدّمة، أو بطلها الأساسي. الخلاصة، فقد كان الحمل الأكبر على عاتقه. فالحرب لا تعرف الوقت، حين يكون الجوّ حارًّا، أو باردًا، في الصباح، أو حين يكون ولدك مريضًا. ولقد شارك أمير المؤمنين عليه السلام في فترة السنوات العشر من حكومة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتي وقعت فيها تقريبًا سبع معارك كبيرة وصغيرة ـ من المعارك التي استمرّت على سبيل المثال شهرًا أو أكثر، إلى المعارك التي استغرقت عدّة أيّام ـ في المعارك كلّها ما عدا واحدة. وإضافة الى المعارك، بُعث عليه السلام في مأموريّات، كما حدث عندما أوفده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، للقضاء بين أهلها. ولذا، فإنّ فاطمة الزهراء عليها السلام كانت دومًا أمام حالات عدّة، فإمّا أن يكون زوجها في الحرب، أو يعود إليها منها جريحًا، أو يكون إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأعمال المهمّة داخل المدينة، أو في سفر عمل. فكانت عليها السلام مع هذه الأوضاع والظروف الصعبة، ومع هذا الزوج الكثير العمل والمشاغل،

 

 

تتعامل بغاية المحبّة والتضحية، وربّت أربعة أطفال في مدرسة تربيتها وتعليمها السماويّة، أحدهم الإمام الحسين? عليه السلام الذي لا تجد اليوم في تاريخ البشر كافّة علمًا للحريّة والفخار أبرز وأعلى منه. إذًا، هذا هو حسن التبعّل.

 

إن تحمّلتنّ أيّتها النساء العناء الذي يسبّبه أزواجكنّ لكن بسبب أعمالهم، ونشاطاتهم وجهادهم، فلهذا العناء أجره عند الله تعالى، ولا يعلم أحد أجر لحظة أو ساعة من هذا العناء. الكثيرون لا يعرفون عناءات النساء. ولقد اعتاد الناس على فكرة أنّ العناء شيء يقوم به الإنسان بيديه وجسده، ولا يعرفون أنّ العناء الروحي والنفسي يكون أصعب في بعض الأحيان. الرجال لا يلتفتون جيّدًا للكثير من عناءاتكن، لكنّ الله تعالى الذي "لا تخفى عليه خافية"[309] ينظر إلى أعمالكنّ وسيعطيكنّ الأجر والثواب عليها. ... كلما ساعدتِ في نجاح ذلك الشابّ الذي هو زوجك، ولديه هذه المسؤوليّة، يكون قدرك وأجرك أكبر عند الله تعالى[310].

 

وثوابك مضمون أكثر من ثواب زوجك. لِمَ؟ لأنّه إن كان زوجك - لا قدّر الله - قد باشر هذا العمل الخيّر على سبيل الرياء، ومن دون قصد القربة إلى الله تعالى، وورد هذا العمل بهذه النيّة السيئة، فإنّه يخسر ثوابه. أمّا أنتِ التي تتحمّلينه، وتربّي أولاده، وتحفظي أمانته وشرفه

 

 

وسمعته، وتؤمّني له وسائل الراحة، تضحكين في وجهه، وتعيشين معه كزوجة لائقة، فإنّ ثوابك مضمون. وهذا امتياز كبير جدًّا لك.

 

إذا كان الزوج في صدد التحصيل العلمي، أو العمل والجهاد في مؤسّسات وتشكيلات الجمهوريّة الإسلاميّة، فلتساعده الزوجة ليتمكّن من القيام بعمله براحة[311]. ولتعرفن قدر أزواجكنّ. فهم اليوم من أفضل أبناء شعبنا. لا أقول أفضلهم، بل من أفضلهم. لِم؟ لأنّكنّ حين ترون جماعة لا تفكّر سوى بمصالحها الشخصيّة، وتريد بأيّ طريقة كانت، من خلال الكذب، والتزوير، والتملّق، وخلط الحقّ بالباطل، والارتباط بهذا التيّار وذاك، والتكلّم طبقًا لرغبة إنسان مبطل، ومن خلال أنواع الاحتيال، درّ المنافع على نفسها ـ بالطبع، يوجد في جميع بلدان العالم أضعاف مضاعفة عمّا هو موجود في بلدنا من هؤلاء الجماعات ـ في مثل هكذا جوّ، عندما يختار الرجل عملًا، ويشعر بأنّه يؤدّي تكليفًا بهذا العمل، فهذا العمل وهذا الإنسان كلاهما شريفان، خاصّة عندما تكون هذه الوظيفة خطيرة وصعبة. وكونك زوجة لهذا الرجل لهو موضع افتخار.

 

اعرفوا قدر هؤلاء الرجال، وهذه الأعمال وأحيانًا هذه الصعاب، واعلموا أنّ الشيء الذي ينفض غبار الارتهان والمهانة والذلّ عن وجه شعب ما ويمحوه، هو وجود مثل هؤلاء الرجال في ذلك البلد وبين ظهراني ذلك الشعب. عندما يوجد في أيّ شعب رجال مستعدّون

 

 

للمخاطرة من أجل القيام بالمهمّات الكبرى، والتضحية من أجلها، سينجو من المهلكة. وإنّ الشعب الذي يرغب في البقاء تحت سقف العافية - ولو أدّى ذلك إلى إخراج المئات من تحته - والشعب الذي ليس فيه رجل مؤثر على نفسه، ومجاهد وشجاع وواعٍ وذو عزم في طريق الحقّ، فلو مضى سنوات من عمره، فلن تبارحه المذلّة، أي هو البلاء نفسه الذي استطاعوا إنزاله على رؤوسنا في هذا البلد لمدّة من الزمن، والذي ينزلونه اليوم على رؤوس الشعوب في الكثير من البلدان الإسلاميّة وغير الإسلاميّة. وعليه، فلتفتخروا برجالكم[312]. فعملهم ذو شأن عند الله تعالى. ولذا، فإنّ مساعدتهم ومعاونتهم افتخار. قوموا بهذا العمل بهذه النيّة[313]، فمهما خدمتِ هذا الشابّ - الذي هو زوجك والذي يمضي فترة شبابه في طريق الحقّ - تكون خدمتك في سبيل الله. حياتك الزوجيّة ليست حياة زوجيّة بسيطة وعاديّة، بل هي ميدان خدمة لك. وعليه، فلترجي الثواب والأجر عند الله تعالى، ولتقدّري هذه الفرصة[314].

 

أيّتها السيّدات، أنتنّ بمكانة أخواتي وبناتي. وأزواجكنّ بمكانة أبنائي. مثل هكذا أزواج هم مصدر فخر، واعلمن بأنّ أعين الناس موجّهة إليكنّ. فإن رأوا بأنّ السيّدة الفلانيّة تعير اهتمامًا كبيرًا للمظاهر والزخارف وللتنافس وهذه الأمور التي لا معنى لها، يقولون،

 

 

انظروا! كم هم مدّعون، وانظروا إلى زوجاتهم كيف هنّ، عليكنّ أن تنتبهن. فالحفاظ على سمعة هؤلاء الأزواج إنّما هو في الحقيقة حفظ لسمعة الثورة، وحفظ لسمعة البلد، وعليكنّ أن تحافظن على هذه الأمور. بالنهاية، لهذه العوائل امتيازات من جهة، ويمكن أن يكون لديها ممنوعات ونقصان من جهة أخرى. وهذا موجود في كلّ مكان، وعند سائر البشر. فلا يجتمع كلّ شيء لأحد! وينبغي التحمّل. عليكنّ أن تعشن بنحو يرضى عنه الله تعالى. وإنّي أؤكّد عليكنّ أيّتها السيّدات الشابّات، أنتنّ زوجات هؤلاء الشباب، بأن تراعين الموازين الشرعيّة والثوريّة، وأن تكنّ مظهرًا للثورة، وللمرأة الثوريّة. لا تعرن كثير الأهميّة لبعض هذه المظاهر. فلا ينبغي للإنسان أن ينفق كلّ ما يحصل عليه من أموال على الذهب والزينة والمظاهر وأمثالها. فهذا دون شأنكنّ[315]. ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾[316] - الخطاب موجّه لنساء النبيّ - فكلّ من تأتي من نساء النبيّ بفاحشة يكون عذابها مضاعفًا. لِمَ؟ لأنّهنّ نساء النبيّ. ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾. ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾, وهكذا الأمر بالنسبة للجانب المقابل من المسألة، فإن عبدت الله، وعملت العمل الصالح، نعطيك أجرًا مضاعفًا عن أجر الناس الآخرين. أي إنّ أجر صلاة زوجة الرسول?صلى الله عليه وآله وسلم مضاعف مرّتين عن أجر الناس الآخرين بشكل عاديّ. وأجر عبادتها كذلك.

 

 

وإذا - لا سمح الله - اغتابت أحدًا، يكون إثمها مضاعفًا مرّتين عن إثم الناس الآخرين. ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾، ولديكنّ امتياز عن النساء الأخريات في حال اتقيتنّ. يقول بعد ذلك: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾. هذا خطاب لنساء النبيّ. لكن لا خصوصيّة لنساء النبيّ (بذاتهنّ)، وخصوصيّتهنّ هي بالانتساب للنبي[317].

 

بالطبع، أقول لكم أيّها الشباب الأعزّاء، أنّه ينبغي عليكم أن تكونوا نماذج في الحياة الزوجيّة. أحيانًا أسمع عن بعض الأفراد أخبارًا تظهر عكس ذلك. فالرجل المؤمن، والذي يسير في طريق الله، عليه أن تكون جميع ميادين وساحات حياته إلهيّة. وإحدى هذه الميادين التعامل مع العائلة، وخاصّة الزوجة والأولاد. عليكم أن تصبحوا مظهر الأخلاق، قد تغضبون خارج البيت بسبب وقوع حادثة صغيرة ما، لكن لا ينبغي لهذا الغضب أن ينعكس داخل البيت. كونوا ودودين مع زوجاتكم. وتعاملوا مع أبنائكم كآباء بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. وإنّني في المناسبات المختلفة أوصي جميع المسؤولين بأن يكونوا آباءً لأبنائهم، ولا يتعاملوا معهم كغرباء[318].

 

اهتمّوا بعائلاتكم. لا تقولوا هناك أعمال مهمّة وخطيرة على عاتقنا، ولو تأخّرنا ساعة أو ساعتين، ولم نضحك في وجوههم، لا

 

 

نكون قد كفرنا، ولن تقع السماء على الأرض، لا. إنّني أوصي مسؤولي البلاد كافّة، وأقول لهم، خصّصوا ساعات من الليل أو النهار وأوقات الفراغ لأسركم. ولينعم نساؤكم وأبناؤكم بمحبّتكم، ورعايتكم، واهتمامكم وعاطفتكم[319]. ولا ينزعجوا من البيت والحياة. البعض يخرجون من البيت في الصباح الباكر ويعودون عند العاشرة مساءً. لا! نحن عادة نوصي من تتوافر لديهم الإمكانيّة، أن يأتوا إلى البيت حتّى وقت الظهيرة، ويقضوا وقتًا مع نسائهم وأولادهم، يتناولوا طعامهم في جوّ عائلي، ويقضوا ساعة مع بعضهم البعض، ومن ثمّ ينصرفون لمتابعة أعمالهم. وأن يأتوا أيضًا في الوقت المناسب، أوّل الليل لرؤية أولادهم، وليكن لديهم اجتماع عائليّ حقيقيّ[320]. ولا يكوننّ الأمر بأن يتصوّر الجميع بأنّ (المرأة) إن أصبحت زوجة مسؤول فهذا يعني انتهاء وقت الراحة. لا يا سيّد! فينبغي للمحبّة، واللطف، والعاطفة والاهتمام بالعائلة، وخاصّة الزوجة والأولاد، وبالنسبة لأولئك الذين لا يزال والديهم على قيد الحياة، أن يكونوا في المسؤوليّات التي نتصدّى لها أنا وأنتم أكثر من الناس العاديّين. عليكم أن تكونوا مثالًا[321].

 

أولادكم اليوم بحاجة إلى مصدر محبّة وهذا المصدر هو مؤسّسة الأسرة. اهتمّوا بأولادكم، وتعاملوا معهم بأبوّة وبصداقة. أفضل الآباء من هم رفاق لأبنائهم وبناتهم. فهم الكبار الذين يتحلّون بالإرشاد

 

 

والتوجيه والمحبّة الأبويّة الفاتحة للآفاق، ويشكّلون بالنسبة لأولادهم الرفيق الذي يشكون له همومهم. إن كان لابنكم أسئلة وكلام وهمّ يشكوه، فينبغي لأذنك وأذن زوجتك أن تكون الأذن الأولى التي تستمع له. 

 

إذًا، وصيّتي الأبويّة لكم أيّها الشباب الأعزّاء هي أن تنظّموا أعمالكم داخل الأسرة بعقلانيّة. وكيف يكون التصرّف العقلائي؟ بالمحبّة والتواجد داخل البيت ـ بالمقدار الميسور ـ وبالشفافيّة والاهتمام، لا باللامبالاة والعبوس. وهذه المسؤوليّة اليوم، تقع على عاتقكم. اعملوا على أن تصنعوا من هذه الغرسات الحديثة التي تنمو وتكبر حولكم ـ والتي أصلها من أصلكم ـ شجرة عظيمة، وعلى أن يشعر شبابكم بأنّ لديهم سندًا دافئًا (يركنون إليه).

 

تخالطوا مع أولادكم وعاشروهم، وتحنّنوا على زوجاتكم وساعدوهنّ. وينبغي لزوجاتكم واقعًا أن يشعرن بأنّكم تقدّرون جهودهنّ[322]. إن لم تكن زوجتك متعاونة ومتوافقة معك، فإنّك لن تستطيع العمل. إن قلتم لا، نقول فلنجرّب ذلك، سنطلب من هذه الزوجات أن تتعامل معكم بأخلاق سيّئة لتدركوا الوضع. إنّهنّ إذ يتكيّفن، ويتعاونّ، ويساعدن، ويتعاملن بأخلاق حسنة، ويتصدّين لأمور البيت، ويربّين الأولاد، ويحافظن على جوّ البيت هادئًا، لهو من أكبر عوامل نجاحكم في عملكم. هكذا هم الرجال، عندما يتصدّون خارج البيت لعمل ما -

 

 

عمل سياسي، أو تجاري، أو عسكري، أو لأيّ عمل آخر - يجدّ ويسعى ويبذل مجهودًا كبيرًا، ويتعب ويعود إلى البيت، فيظنّ نفسه أنّه قد فتح خيبر، وأنّ هذه السيّدة خلف الجبهة كانت عاطلة عن العمل، غافلًا عن أنّه لو لم تكن هذه السيّدة خلف الجبهة، لما استطاع القيام بشيء في تلك الجبهة. عليكم أيّها الشباب، والسادة الآخرون، أن تعرفوا قدر زوجاتكم. وحذارِ أن يظهر من الرجل المؤمن والثوري تصرّف وخلق مخالف لتعاليم الإسلام فيما يتعلّق بتعامل الرجل مع زوجته. بالطبع، النساء لسن معصومات! ولا نريد القول إنّ كلّ التقصير منكم أيّها الرجال، لا، على السيّدات أيضًا أن يتعاونّ ويساعدن ويتحمّلن، بالنهاية، هناك مصاعب[323].

 

هناك شيء أودّ أيضًا أن أقوله للأولاد، ينبغي أن تكون علاماتكم أعلى من الأولاد الآخرين. هذه عقيدتي. بالطبع، أنا لا أعلم شيئًا عن علاماتكم، لكن ينبغي أن تدرسوا أكثر من الآخرين، سواء كنتم فتية أو فتيات. وحتمًا، الأخلاق والسلوك في المدرسة مهمّان. وتصرّفكم في الطريق ومع الأولاد الآخرين أيضًا مهمّ، وفي التعاطي (مع سائر الناس) أيضًا مهم. .. وإنّه لموضع فخر لآبائكم، أن يكون أولادهم في المدرسة حافظين لقيم الثورة، وداعمين لعوائل الشهداء، ومدافعين عن الدين والثورة. عليكم أيّها الأولاد، البنات والبنون، أن تكونوا هكذا في المدرسة[324].

 

 

أقول لكم هنا، إنّ عدد الشباب النشيط والمتعلّم في بلدنا، يشكّل اليوم إحدى العوامل المهمّة لتقدّم البلد. وترون في هذه الإحصاءات التي تُقدّم، دور الشباب المتعلّم والواعي والمفعم بالنشاط والطاقة. علينا تجديد النظر في سياسة تحديد النسل. لقد كانت سياسة تحديد النسل صائبة في برهة من الزمن. ولقد حُدّدت لها أهداف. وبناءً على الدراسات والتقارير التي قدّمها المختصّون والعلماء والخبراء في هذا المجال، حقّقنا في العام 1991 الأهداف التي حدّدناها لتحديد النسل. ومنذ العام 1992 فصعودًا، كان علينا تغيير هذه السياسة، ولقد أخطأنا إذ لم نغيّرها. علينا اليوم أن نجبر هذا الخطأ. لا ينبغي لهذا البلد أن يسمح بزوال غلبة جيل الشباب ومظهر الشباب فيه، وسوف تزول إذا ما استمرّينا على هذا الحال، وهذا بحسب ما قدّمه الخبراء من دراسات علميّة ودقيقة، وليس مجرّد خطابات. إن استمرّينا على هذا المنوال، ففي غضون سنوات ستقلّ نسبة الشباب ـ والذين يشكّلون اليوم النسبة الأكبر من عدد السكّان ـ لدينا، وسيصبح مجتمعنا مجتمعًا هرمًا، وبعد مضيّ عدّة سنوات أُخر، ستنخفض نسبة السكّان في البلد، لأنّ شيخوخة السكّان تترافق مع قلّة الإنجاب. لقد حُدّد زمان معيّن، وبيّنوه لي، حيث سيكون عدد سكّاننا في ذلك الوقت أقلّ من عدد سكّاننا في الوقت الراهن. وهذا شيء خطير جدًّا[325].

 

إنّني أؤمن بأنّ بلدنا بالإمكانات التي يملكها، يمكنه أن يضمّ مائة

 

 

وخمسين مليون نسمة. وأنا أؤمن بزيادة عدد السكّان. وكلّ عمل وتدبير يهدف إلى إيقاف ازدياد عدد السكّان، فلينفّذ بعد أن نصبح مائة وخمسين مليون نسمة![326].

 

إنّ إنجاب الأطفال هو أهمّ مجاهدات النساء وأهمّ وظائفهنّ، لأنّ الإنجاب هو في الحقيقة فنّ المرأة وميزتها. فهي التي تتحمّل مشقّاته، ومعاناته، وهي التي وهبها الله تعالى، دون الرجل، الوسائل والأدوات لتربية الولد، فمنحها صبر التربية، وعاطفتها، ومشاعرها، والبنية الجسديّة لذلك، في الواقع هذا فنّ النساء ومهارتهنّ[327].

 

أوصي العائلات، وخاصّة الأمّهات بالاهتمام بصحّة أولادهن وتغذيتهم، والالتفات إلى أنّ أفضل غذاء للطفل هو حليب الأمّ. ذاك الشيء الذي كان معمولًا به في النظام السابق اتّباعًا للغرب، وهو تهرّب الأمّهات من إرضاع أولادهنّ لحجج مختلفة، هو أمر سيّئ للغاية. وللإسلام رأيه المخالف لهذا الرأي. ومن حسن الحظّ، أنّ العلم اليوم يؤكّد هذا الأمر، ومن المسلّم به أن حليب الأمّ أفضل غذاء للطفل. فليؤمّن الغذاء السليم، والنظيف، والجيّد للأطفال[328].

 

ينبغي للأسر، وللشباب أن يكثروا من الإنجاب، ويزيدوا من النسل. وتحديد عدد الأولاد في البيوت، بالشكل المتّبع اليوم لهو

 

 

أمر خاطئ. إن استطعنا أن نحافظ على هذا الجيل الشابّ الذي لدينا في السنوات العشر القادمة، والسنوات العشرين القادمة، وفي المراحل المستقبليّة لهذا البلد، فإنّهم هم من سيحلّون جميع مشكلات هذا البلد[329]. هذه توصياتي لكم أيّها الشباب والشابّات، والآباء والأمّهات وللآخرين[330]. ولا يكوننّ الأمر بحيث تدخل هذه الكلمات في هذه الأذن فتخرجوها من الأخرى. أبقوها في أذهانكم. إنّنا نتكلّم بجدّيّة. وحقيقةً، أنا أرغب في أن تعملوا بهذه النصائح باهتمام ودقّة، وأن تتّبعوها[331].

 

أسأل الله تعالى ببركة فاطمة الزهراء عليها السلام وأمير المؤمنين? عليه السلام اللذين كانا في كلّ هذه الأمور التي ذكرتها نموذجًا ومثالًا، أن يوفّقكم جميعًا، ويبارك لكم في حياتكم[332].

 

أسأل الله تعالى أن يمنّ عليكما بالحياة الطيّبة والسعادة، وأن تحصلا على ذلك السكن والراحة الذي جعله الله تعالى للإنسان في الزواج وتشكيل العائلة[333].

 

أسأل الله تعالى أن تكونا عونًا وإزرًا لبعضكما.

 

 

وأن تكونا محبّين لبعضكما البعض ومتوافقين. وأسأله تعالى أن يجعل حياتكما عذبة ولذيذة[334].

 

أسأل الله تعالى أن يشملكما ببركاته، ويهبكما الأولاد والذرّيّة الطيّبة[335].

 

وأسأل الله تعالى أن يهبكما أولادًا كثيرين، وأن تربّياهم جميعًا بنحو سليم، وعلى الصلاح، وأن يكونوا في خدمة الإسلام، وجنودًا له[336].

 

أسأل الله تعالى أن تعينكما نصائحي (هذه) على أن تعيشا حياتكما حياة مباركة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[337].

 

مبارك لكم إن شاء الله

 

[1] سورة  النور, الآية: 32.

[2] 15 / 4 / 1998.

[3] 3 / 10 / 2002.

[4] 4 / 5 / 1984.

[5] 6/12/2002.

[6] 23/8/1996.

[7] 29/5/2002.

[8] 2/3/1995.

[9] 8/2/2002.

[10] 2/3/1984.

[11] 2/3/1984.

[12] 9/3/1984.

[13] 2/3/1984.

[14] 31/7/1996.

[15] 2/3/1984.

[16]  مشاهد الأئمّة وأبنائهم عليهم السلام.

[17] 13/1990.

[18] 9/3/1984.

[19] 21/10/2002.

[20] 29/1/1998.

[21] 2/3/1984.

[22] 2/3/1984.

[23] 9/3/1984.

[24] 2/3/1984.

[25] 4/3/2003.

[26] 9/3/1984.

[27] 15/4/1998.

[28] 9/6/2003.

[29] 11/9/1991.

[30] 19/9/2002.

[31] 11/9/1991.

[32] 4/5/1984.

[33] سورة الروم: 21.

[34] 22/10/1997.

[35] 19/6/2002.

[36] 2/1/2003.           

[37] سورة النحل: الآية: 53.

[38] 19/6/2002.

[39] 3/10/2002.

[40] 19/6/2002.         

[41] 3/10/2002.

[42] 11/5/2013.

[43] 09/09/1983.

[44] 29/5/2002.

[45] 4/1/2012.           

[46] 8/10/1983.

[47] 2/1/2003.

[48] 3/10/2002.

[49]  05/01/1990.

 

               

 

[50]  4/2/1984.

[51] إشارة إلى الآية 24 من سورة إبراهيم المباركة: ﴿ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَة﴾.

[52] 5/3/2001.

[53] 23/1/2003.

[54] 4/1/2012.

[55] 15/4/1998.          

[56] 24/8/1996.

[57] 29/10/77.

[58] 03/12/1998.

[59] 04/09/1993.

[60] 11/07/1991.

[61] 10/10/1986.

[62] 11/07/1991.

[63] 04/10/1995.

[64] 06/02/1988.

[65]  كلشن راز، الشيخ محمود شبستري.

[66] 13/11/1995.

[67] الأحزاب: 35.

[68] آل عمران: 195.

[69] 4/1/2012.

[70] 13/11/1995.

[71] 27/7/1995.

[72] 13/11/1995.

[73] 12/3/2000.

[74] 21/7/1997.

[75] 12/3/2000.

[76] 13/11/1995.

[77] 11/5/2013.

[78] سورة النحل: الآية: 58.

[79] 13/11/1995.

[80]  أي التجاوز والتعدّي.

[81] 13/11/1995.

[82] 22/10/1995.

[83] 13/11/1995.

[84] 31/5/2011.

[85] 4/1/2012.

[86] خطابه في الجمعيّة العامّة الثانية والأربعين للأمم المتّحدة في نيويورك: القوى العظمى هي العامل الأكبر لتبرير الفساد ونشره: الفساد الأخلاقي، الفساد الجنسي، والفساد الاعتقادي. هذه كلّها تجد الداعمين والمروّجين الرئيسيّين لها في الدوافع السياسيّة والاقتصاديّة والمخابراتيّة لهذه القوى. وهذا ما حصل، حيث اليوم في العالم المظلم، وهذه المرّة في الشعوب المنتمية إلى هذه القوى الكبرى، ذهبت القيم الأخلاقيّة أدراج الرياح، وتضعضع بنيان الأسرة واهتزّ، وسيطر شبح الإدمان على الكحول والموادّ المخدّرة أكثر من أيّ وقت، وقلّت جاذبيّة المعنويّات والأخلاق من أيّ وقت كذلك. علينا أن نبدأ بمحاربة الفساد في بلادنا بشكلّ جدّيّ. وأن نقوّي بنيان العائلة، وأن نؤسّس بيت التربية الإنسانيّة الأساسيّ والأوّل، مركز المحبّة، والصفاء والعاطفة والمعنويّة. وعلينا التأكيد على حماية حقوق المرأة وقيمها، ونعيد النظر في المعايير الراهنة لها والتي هي صنيعة نظام الهيمنة هذا وتصوّراته، ونحرّر المرأة جدّيًّا من كونها وسيلة للّذّة، والتي فرضتها عليها ثقافة الهيمنة الغربيّة عمليًّا.

والمرأة [بصفتها] عالمة، سياسيّة، مديرة، شخصيّة بارزة، والأفضل من كلّ هذا كزوجة وأمّ، نعم، لا بصفتها وسيلة للشهوة والتسلية، يمكنها أن تمنح نصف البشريّة هويّتهم وشخصيّتهم الحقيقيّة، وأن تمنح الأسرة أساسًا دائمًا ومقدّسًا. 22/9/1987.

[87] 15/12/1997.

[88] 13/11/1995.

[89] 9/3/1984.

[90] 21/4/2010.

[91] 27/7/2005.

[92]  نهج الفصاحة، ح 2177.

[93] التحريم: الآيات 10 إلى 12.

[94] 31/5/2011.

[95] 20/2/1997.

[96] 1/5/2013.

[97] نهج الفصاحة، ح1328.

[98] 27/7/2005.

[99] 11/5/2013.

[100] 4/1/2012.

[101] 9/3/1984.

[102] التوبة: الآية 71.

[103] 4/7/2007.

[104] 20/2/1997.         

[105] 1/2/1994.

[106] 4/2/1984.

 

[107] 77 و 78 هجري شمسي، أي 1998/1999م.

[108] 20/2/1997.

 

[109] 29/5/2002.

 

[110] 19/6/2002.

 

[111] سورة الروم: الآية 21.

[112] النحل: الآية80.

[113] 10/10/1986.

[114] سورة الأعراف: الآية: 189.

[115] 4/2/1984.

[116] 29/5/2002.

[117] 18/5/2003.

[118] 10/10/1986.

[119] 14/1/2003.

[120] 12/3/2000.

 

 

[121] 14/1/2003.

[122] 28/8/2002.

[123] 1/5/2013.

[124] 13/11/1995.

[125] 22/12/2011.

[126] 28/8/2002.

[127] 29/5/2002.

[128] "عزيز" في الفارسية تعادل حبيب بالعربية ايضا. المدقق.

[129] 3/10/2002.

[130] الأحزاب: الآية 32.

[131] 19/2/2003.

[132] حافظ الشيرازي.

[133] 3/10/2002.

[134] 28/8/2002.

[135] 28/8/2002.

[136] 19/9/2002.

[137] 4/1/2012.

[138] 25/1/2006.

[139] 18/5/2003.

 

[140] 13/3/2001.

[141] 29/5/2002.

[142] 29/5/2002.

[143] 14/1/2003.

[144] 2/1/2003.

[145] 28/8/2002.

[146] 6/12/2002.

[147] 2/1/2003.

[148] 8/4/1998.

 

[149] 19/6/2002.

[150] 7/3/1997.

[151] 28/8/2002.

[152] 29/4/1996.

[153] 4/5/1984.

[154] 31/3/2003.

[155] 22/9/1992.

[156] 4/5/1984.

[157] 10/12/1992.

[158] 4/5/1984.

[159] 15/12/1992.

[160] 4/5/1984.

[161] البقرة: الآية 187.

[162] 19/2/2003.

[163] 4/5/1984.

[164] 14/1/2003.

[165] البقرة: الآية 228.

[166] 4/1/2012.

[167] 19/6/2002.

[168] 18/5/2003.

[169] 2/1/2003.

[170] الصافّات: الآية 61.

[171] 3/10/2002.

[172] 18/5/2003.

[173] 19/6/2002.

[174] 18/5/2003.

[175] 28/8/2002.

[176] 18/5/2003.

[177] 28/8/2002.

[178] 18/5/2003.

[179] الكافي: باب المؤمن كفو المؤمنة.

[180] 4/5/1984.

[181] 29/5/2002.

[182] 11/11/2000.

[183] 29/5/2002.

[184] العصر: الآية 3.

[185] 13/10/1998.

 

[186] 9/9/2003.

 

[187] 11/9/1991.

 

[188] الصحيفة السجّاديّة/ الدعاء 27، دعاؤه لأهل الثغور.

 

[189] 9/9/2003.

[190] الجهيزية هي اغراض المنزل المستقبلي والتي يجهزه اهل الفتاة لها قبل الزواج وهي تشكل عرف وثقافة ايرانية .(المدقق).

[191] 11/9/1991.

[192] 11/9/1991.

[193] 19/9/2002.

[194] 9/9/2003.

[195] 19/6/2002.

[196] 9/9/2003.

[197] 2/8/1978.

[198] 19/2/2003.

[199] 2/11/1998.

[200] 24/11/1996.

[201] 23/12/1994.

[202] 8/8/1986.

[203] 4/1/2012.

[204] 8/8/1986.

[205] 23/12/1994.

[206] 9/9/2003.

[207] 28/8/2002.

[208] 9/3/1984.

[209] 4/3/2003.

[210] 3/1/1999.

[211] 4/3/2003.

[212] 14/12/1994.

[213] 9/6/1993.

[214] 19/6/2002.

[215] 6/12/2002.

[216] 29/1/1998.       

[217] 25/12/1994

[218] 21/10/2002.

[219] 6/12/2002.

[220] 13/8/1995.

[221] 28/8/2002.

[222] 25/12/1996.

[223] 28/8/2002.

[224] 3/12/1998.

[225] 28/8/2002.

[226] 11/9/1991.

[227] 4/4/1993.

[228] 9/9/2003.

[229] 19/6/2002.

[230] 9/3/1984.

[231] 19/2/2003.

[232] 28/8/2002.

[233] 3/1/1999.

[234] 29/4/1996.

[235] 29/5/1993.

[236] 21/3/1997.

[237] 9/4/1999.

[238] 11/3/2001.

[239] 15/12/1996.

[240] 4/5/1984.

[241] 8/12/1993.

[242] 8/12/1993.

[243] 9/3/1984.

[244] إحدى أهمّ مجلّات الألبسة والأزياء العالميّة والمنتشرة في 89 بلدًا من بلدان العالم.

[245] 19/10/2001.

[246] 21/3/1993.

[247] 8/12/1993.

[248] 13/10/1998.

[249] سورة النحل: الآية 96.

 

[250] 4/3/2003.

[251] 9/9/2003.

[252] 4/3/2003.

[253] 19/9/2002.

[254] 19/9/2002.

[255] 9/9/2003.

[256] 4/4/1993.

[257] 8/12/1993.

[258] 24/8/1996.

[259] 2/4/2002.

[260] 9/9/2003.

[261]4/3/2003.

[262] رئيس وزراء ماليزيا ما بين العامين 1981 - 2003.

[263] وحشي بافقي.

[264] 4/3/2003.

[265] 3/1/1999.

[266] 9/3/1984.

[267] 2/3/1984.

[268] 9/3/1984.

[269] الكافي، كتاب النكاح، باب أنّ المؤمن كفو المؤمنة/ ح1.

[270] 11/6/72.

[271] 9/3/1984.

[272] النور: الآية 32.

[273] 18/9/2000.

[274] 9/3/1984.

[275] 2/3/1984.

[276] 9/6/2003.

[277] 11/9/1991.

[278] 12/7/1997.

[279] 2/3/1984.

[280] 13/4/1984.

 

 

 

 

[281] 28/8/2002.

[282] 18/5/2003.

[283] 13/4/1984.

[284] 2/3/1984.

[285] 29/5/2002.

[286] 30/6/1999.

[287] 23/3/2003.

[288] 9/9/2003.

[289] 30/6/1999.

[290] 3/10/2002.

[291] النساء/ الآية 34.

[292] 8/4/1998.

[293] 2/3/1984.

[294] 4/3/2003.

[295] 8/2/1997.

[296] 4/5/1984.

[297] 3/10/2002.

[298] الكافي، باب الجهاد، باب جهاد الرجل والمرأة.

[299] 26/9/2002.

[300] 3/10/2002.

[301] 23/9/2004.

[302] 3/10/2002.

[303] 21/4/2010.

[304] 4/1/2012.

[305] 23/9/2004.

[306] 3/2/1983.

[307] 10/10/2002.

[308] 21/3/1993.

[309] الكافي، كتاب الروضة، من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام.

[310] 10/10/2002.

[311] 21/3/1993.

[312] 19/10/2001.

[313] 19/10/2001.

[314] 19/10/2001.

[315] 21/3/1993.

[316] سورة الأحزاب/ الآيات: 30 - 32.

[317] 27/7/2005.

[318] 19/10/2001.

[319] 21/3/1993.

[320] 9/9/1997.

[321] 21/3/1993.

[322] 19/10/2001.

[323] 23/9/2004.

[324] 21/3/1993.

[325] 25/7/2011.

[326] 7/8/2011.

[327] 1/5/2013.

[328] 10/4/1987.

[329] 10/10/2012.

[330] 1/8/1996.

[331] 21/3/1993.

[332] 28/8/2002.

[333] 19/9/2002.

[334] 3/3/2003.

[335] 29/5/2002.

[336] 2/3/1984.

[337] 3/3/2.


26
الأسرة