التفسير الموضوعي المفهوم والمنهج

لقد اعتاد علماء التفسير -في البحث- طريقةَ تفسير الآيات القرآنيّة بحسب تسلسل عرضها في القرآن الكريم،


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-07

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، وبعد...

لقد اعتاد علماء التفسير -في البحث- طريقةَ تفسير الآيات القرآنيّة بحسب تسلسل عرضها في القرآن الكريم، والتي تنتهي عند تحديد المدلول التفصيليّ للآية موضوع البحث مع ملاحظة بعض ظروف السياق أو بعض الآيات الأخرى المشتركة معها في الموضوع نفسه؛ وهذا المنهج هو ما نسمّيه بالتفسير التجزيئيّ أو الترتيبيّ للقرآن الكريم.

وفي الآونة الأخيرة، وتحديداً في القرن الرابع عشر الهجريّ، أخذت تنمو بوادر منهج جديد في البحث القرآنيّ يقوم على أساس محاولة استكشاف النظرية القرآنيّة في جميع المجالات؛ العقائديّة والفكريّة والثقافيّة والتشريعيّة والسلوكيّة، من خلال عرضها في مواضعها المختلفة من القرآن الكريم فكان ما سمّي بالتفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم؛ وهو ما يعتبر نسبيًّا ظاهرة جديدة في عالم التفسير.

هذا الكتاب «التفسير الموضوعيّ للقرآن المفهوم والمنهج» يجمع بين الدروس النظريّة التأسيسيّة والنماذج التطبيقيّة عليها، فيتضمّن الكتاب في المجموع ثمانية دروس نظريّة وأربعة تطبيقية، بإمكان المدرّس أن يعتمد عليها في التطبيقات الصفّيّة وتكاليف المادّة للطلاّب، أو يستفيد من غيرها، وقد أدرجناها في الكتاب حرصاً على عدم الوقوع في إشكاليّة الإغراق في البحث النظريّ، وإهمال الجانب التطبيقيّ.

 

والحمد للّه ربّ العالمين

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية

 

9


1

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى مفهوم التفسير. 

2. يشرح مفهوم التفسير الموضوعيّ.

3. يُفرّق بين التفسير التجزيئيّ والموضوعيّ.

 

13


2

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

تمهيد

الأسئلة الرئيسة التي سنجيب عنها في هذا الدرس هي:

- ما المراد من التفسير الموضوعيّ؟

- ما الفرق بين التفسير الموضوعيّ والتفسير التجزيئيّ؟

التفسير في اللّغة والاصطلاح

لكي يتّضح تعريف التفسير الموضوعيّ، نذكر مقدّمة مختصرة حول تعريف التفسير بشكل عامّ، ثمّ بيان المراد من التفسير الموضوعيّ بشكل خاصّ، وهذه المقدّمة هي:

أوّلاً: التفسير في اللّغة:

التفسير: تفعيل مشتقّ من جذر (فسْر) التي تعني الإبانة، والفصل، والإيضاح، وكشف المغطّى، وإظهار المعنى المعقول[1]. وقد ورد لفظ التفسير مرّة واحدة في قوله -تعالى-: ﴿وَلَا يَأتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئنَٰكَ بِٱلحَقِّ وَأَحسَنَ تَفسِيرًا﴾[2]؛ أي: بياناً وكشفاً[3].

 


[1] الأصفهانيّ، الراغب الحسين بن محمد، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، لا.م، دفتر نشر الكتاب، 1404هـ.ق، ط2، ص636.

[2] سورة الفرقان، الآية 33.

[3] الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيّين، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1، ج7، ص296.

 

15


3

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

ويمكن أن يكون التفسير مقلوباً من السفر -بتقديم السين- ومعناه أيضاً الإظهار والإبانة، يُقال: سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها.

الفسر والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكنّ الفسر لإظهار المعنى المعقول، والسفر لإبراز الأعيان للأبصار.

ومن خلال مراجعة الكتب اللّغويّة المختصّة، نصل إلى نتيجة مفادها: أنّ أكثر علماء اللّغة استقرّ رأيهم بالنسبة إلى معنى «فسر» هو كشف المغطّى وتوضيح معاني الألفاظ والعبارات[1]. والتفسير على وزن تفعيل فهو يستبطن معنى المبالغة؛ وعليه، فهو بمعنى كشف معاني الألفاظ والحقائق المستورة.

ثانياً: التفسير في الاصطلاح:

عبر استقراء التعاريف التي أوردها العلماء في كتبهم، نجد تقارباً بين معنى التفسير في الاصطلاح ومعناه في اللّغة، فمضمون كِلا التعريفين يدور حول التوضيح والإبانة والظهور بعد الخفاء. وثمّة تعاريف متعدّدة للتفسير نكتفي بذكر تعريفَين منها: «كشف المراد عن اللفظ المشكل»[2]، والآخر: «هو بيان معاني الآيات القرآنيّة والكشف عن مقاصدها ومداليلها»[3].

ويمكن حصر الاختلاف في المعنى الاصطلاحيّ للتفسير في اتّجاهين:

الاتّجاه الأوّل: يذهب إلى أنّ التفسير مجموعة من المعارف والعلوم التي يكون


 


[1] ينظر على سبيل المثال: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط، ج5، ص55؛ الطريحي، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضوي، لا.م، 1362هـ.ش، ط2، ج3، ص438؛ الزبيدي، السيد محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1994م، لا.ط، ج7، ص21.

[2] الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان، مصدر سابق، ج1، ص39.

[3] الطباطبائيّ، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط، ج1، ص4.

 

16


4

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

محورها القرآن الكريم، بلا فرق بين أن تكون هذه العلوم أدوات ووسائل لفهم النصّ القرآنيّ -كبعض علوم اللّغة من النحو والصرف وغيرها، وعلوم القرآن من الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول-، أو يكون ارتباطها بالقرآن من جهةٍ أخرى، كعلم القراءة وعلم التجويد.

وبهذا الاتّجاه، عرّف أبو حيّان الأندلسيّ التفسير بقوله: «هو علم يبحث عن كيفيّة النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها الإفراديّة والتركيبيّة، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمّات ذلك»[1].

وعرّفه بدر الدين الزركشيّ موضحاً لما يحتاج إليه علم التفسير، فقال إنّه: «علم يُعرف به فهم كتاب اللَّه المنزل على نبيّه محمد(صلى الله عليه وآله)، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللّغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات، ويحتاج إلى معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ»[2].

فهو علم نزول الآية وسورتها وقصصها، والإشارات النازلة فيها، ثمّ ترتيب مكّيّها ومدنيّها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصّها وعامّتها، ومطلقها ومقيّدها، ومجملها ومفسّرها. وزاد فيها قوم، فقالوا: علم حلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها[3].

الاتّجاه الثاني: ينظر إلى التفسير من جهة مقصده النهائيّ، وهو الكشف عن المراد الإلهيّ من الآيات القرآنيّة.

 


[1] الأندلسيّ، أبو حيّان محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ عليّ محمّد معوّض، شارك في التحقيق: د. زكريّا عبد المجيد النوقيّ - د. أحمد النجوليّ الجمل، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1422هـ.ق - 2001م، ط1، ج1، ص121.

[2] الزركشي، محمد بن عبد اللَّه، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاءه، لا.م، 1376هـ.ق - 1957م، ط1، ج1، ص13.

[3] المصدر نفسه، ج2، ص148.

 

17


5

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

وهذا الاتّجاه يبيّن الماهيّة الحقيقيّة للتفسير، وهي عمليّة الكشف دون أن يُدخل في التعريف وفي مفهوم التفسير المنهجَ أو العلومَ التي يحتاج إليها المفسر.

فيبقى المدلول اللّغويّ للتفسير؛ أي الكشف والإبانة، محفوظاً في التعريف، ولكنّه كشف مقيّد بمراد اللَّه -تعالى- من كلامه، وبالطاقة والجهد البشريّين.

ومن التعاريف التي اعتُمدت في هذا الاتّجاه، قولهم: إنّ التفسير علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد اللَّه -تعالى- بقدر الطاقة البشريّة[1].

وعليه، يمكن عدّ التفسير الموضوعيّ نوعاً من التفسير؛ لانطباق الضابطة المتقدّمة عليه.

وعلى هذا أيضاً، لا ينطبق التفسير على أيّ علم بمجرّد أن يكون محوره القرآن الكريم إنْ لم يكن يُبحث فيه عن مراد اللَّه -تعالى- من كلام، فتخرج علوم اللّغة والقراءات وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيرها، وإن عدّت أدوات لفهم المداليل القرآنيّة ومعينات للمفسّر.

تعريف التفسير الموضوعيّ

عرّف العلماء المعاصرون التفسير الموضوعيّ تعريفات مختلفة، لا تتّفق في كثير من الأحيان، غير أنّه يمكن حصرها في اتّجاهين:

الأوّل: التعريف باعتبار المنهج والخطوات المتّبعة: وهذا الاتّجاه أدخل في تعريف التفسير الموضوعيّ الطريقة والأسلوب المطلوب اتّباعهما للوصول إلى غاية التفسير الموضوعيّ.

 


[1] الزُّرْقانيّ، محمّد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر - القاهرة، 1326هـ.ق - 1943م، لا.ط، ج2، ص3.

 

18


6

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

ومن أمثلة هذه التعريفات عند الباحثين السنّة، تعريف عبد المتعال الجبريّ: «أنّ تُجمع الآيات التي في الموضوع الواحد، ولو كانت في سور شتّى، وتؤخذ منها العبرة»[1]، وعند الباحثين الشيعة، تعريف الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ: «جمع الآيات المختلفة، حول موضوع معيّن، من جميع القرآن، والتي ورد ذكرها في حوادث مختلفة، والخروج برأي القرآن حول هذا الموضوع من مجموع هذه الآيات»[2].

وهذا النمط من التعريفات، وإن ميّز معنى التفسير الموضوعيّ، غير أنّه تمييز بأمر خارج عن هويّة هذا النوع من التفسير، ويبقى السؤال عن ماهيّته معه قائماً.

الثاني: التعريف باعتبار المفهوم: وهذا الاتّجاه ركّز على تحديد ماهيّة التفسير الموضوعيّ. وانقسم بدوره إلى اتّجاهين آخرين:

1. اتّجاه يرى أنّ الموضوع في التفسير الموضوعيّ يبدأ من خارج النصّ القرآنيّ. ومن أبرز روّاد هذا الاتّجاه السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر، الذي يرى في تعريفه للتفسير الموضوعيّ أو ما يسمّيه بـ«الدراسة الموضوعيّة» أنّ: «الدراسة الموضوعيّة هي التي تطرح موضوعاً من موضوعات الحياة العقائديّة أو الاجتماعيّة أو الكونيّة، وتتّجه إلى درسه وتقييمه من زاوية قرآنيّة للخروج بنظريّة قرآنيّة بصدده»[3].

فالمفسّر -بناءً على هذه النظرة- ينطلق من واقع الحياة، ويركّز نظره على موضوع من الموضوعات العقائديّة أو الاجتماعيّة أو الكونيّة، ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنسانيّ حول ذلك الموضوع من مشاكل، وما قدّمه الفكر الإنسانيّ من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخيّ من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثمّ يأخذ النصّ

 


[1] الجبريّ، عبد المتعال، الضالّون كما صوَّرهم القرآن الكريم، مكتبة وهبة، مصر - القاهرة، 1984م، ط2، ص286.

[2] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، نفحات القرآن، مؤسّسة أبي صالح للنشر والثقافة، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج1، ص9 - 10(بتصرّف).

[3] الصدر، الشهيد السيّد محمّد باقر، المدرسة القرآنيّة، دار الكتاب الإسلامي، لا.م، 1434هـ.ق - 2013م، ط2، ص11 (بتصرّف).

 

19


7

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

القرآنيّ، ويبدأ معه حوارَ سؤالٍ وجواب؛ وهو يستهدف من ذلك استكشاف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح.

2. اتّجاه يرى أنّ مبدأ اختيار الموضوع في التفسير الموضوعيّ هو من اختصاص القرآن نفسه. ومن أمثلة هذا التعريف، تعريف عبد الجليل عبد الرّحيم في ما نقله عنه الأستاذ الدغامين: «المنهج الذي يتّخذه المفسّر سبيلاً للكشف عن مراد اللَّه من خلال المواضيع التي يطرحها والقضايا التي يعالجها، توضيحاً لهداية القرآن، وتجليةً لوجوه إعجازه»[1].

ويمكن إعادة صياغة التعريف على النحو الآتي: الكشف الكلّيّ عن مراد اللَّه -عزّ وجلّ- في قضيّة قرآنيّة بحسب الطاقة البشريّة.

وقيدا: «الكلّيّة» و«القضيّة أو الموضوع»، هما ما يميّز التفسير الموضوعيّ عن غيره من أنواع التفاسير والدراسات القرآنيّة، ويجعلانه نوعاً مستقلّاً. فقصد المفسّر في التفسير الموضوعيّ هو الحصول على مراد اللَّه الكلّيّ المتجاوز لجزئيّات الآيات وتفاصيلها الخاصّة في موضوع قرآنيّ واحد. فبالقيد الأوّل يخرج مثل التفسير الترتيبيّ الناظر إلى جزئيّات الآيات محلّ البحث، والمقصد منها في سياقها التي وردت فيه؛ وبالقيد الثاني تخرج الدراسات التي تقصد الكشف عن كلّيّات في منهج القرآن في الخطاب أو أسلوبه في التعبير، فإنّ ذلك خارج عن القضايا التي يطرحها النصّ القرآنيّ، وتُعنى بمنهجه في التعبير أو صياغة القضايا التي يطرحها النصّ لا القضايا نفسها[2].

ولعلّ هذا التعريف من أشمل التعريفات وأقربها إلى مفهوم التفسير الموضوعيّ والمقصد منه.

 

 


[1]  الدغامين، زياد خليل محمّد، منهجيّة البحث في التفسير الموضوعي، دار البشير، الأردن-عمان، 1995م، ط1، ص13.

[2] انظر: رشوانيّ، سامر، منهج التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم - دراسة نقديّة، دار الملتقى، سوريا - حلب، 2009م، ط1، ص45.

 

20


8

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

يتّضح ممّا تقدّم، أنّ التفسير الموضوعيّ نوع من التفاسير، كالتفسير الترتيبيّ أو الإجماليّ أو المقارن، يُميَّز بينها بحسب المقصد والغاية في كلّ تفسير. فالمقصد في التفسير الموضوعيّ هو الحصول على النظرة الكلّيّة في قضيّة قرآنيّة مطروحة في القرآن الكريم، بينما المقصد في التفسير الترتيبيّ -مثلاً- هو معرفة مراد اللَّه -تعالى- في الآيات (محلّ النظر للمفسّر) ضمن سياقها.

وعليه، يتّضح أنّ مثل تفسير القرآن بالقرآن والتفسير بالمأثور أو غير ذلك من المناهج هي أدوات ووسائل لمعرفة مضامين الآيات، وليست نوعاً مستقلّاً من التفسير، متميّزاً بنفسه.

الفرق بين التفسير التجزيئيّ (الترتيبيّ) والتفسير الموضوعيّ في التطبيق

يظهر الفرق بين التفسير الترتيبيّ والتفسير الموضوعيّ في نقاط عدّة، أهمّها:

1. يقوم المفسّر في التفسير الموضوعيّ بالاستعانة بالآيات كلّها التي لها صلة بموضوع البحث لفظاً ومعنىً، أمّا المفسّر في التفسير الترتيبيّ، فإنّه لا يلتفت إلى الآيات الأخرى -ولو كانت ذات صلة معنويّة بالآيات التي يفسّرها- إلّا بما يخدم فهمه للألفاظ المفردة والتراكيب في الآيات التي يفسّرها كما جاءت في سياقها في السورة.

2. يقوم المفسّر في التفسير الترتيبيّ -في تفسيره للآيات والسور- عادةً بالالتزام بالترتيب التوقيفيّ للآيات والسور كما هو موجود في المصحف، إلّا إذا صرّح بالتزام ترتيب آخر، كترتيب النزول أو ما شابه.

3. قد تتنوّع معالجة المفسّر الترتيبيّ للمواضيع حسب ورودها في الآيات محلّ البحث، بينما يلتزم المفسّر بالتفسير الموضوعيّ وحدة الموضوع الذي يعالجه على ضوء الآيات المختلفة.

 

21


9

الدرس الأوّل: المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ

المفاهيم الرئيسة

- التفسير لغةً بمعنى الإبانة والكشف وإظهار المعنى المعقول.

- التفسير اصطلاحاً علمٌ يُفهم به كتاب اللَّه المنزل على نبيّه محمد(صلى الله عليه وآله) بقدر الطاقة البشريّة.

- التفسير الموضوعيّ هو الكشف الكلّيّ عن مراد اللَّه -عزّ وجلّ- في قضيّة قرآنيّة بقدر الطاقة البشريّة.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. ما هو تعريف التفسير لغةً؟

2. ما هو تعريف التفسير اصطلاحاً؟

3. أوضح الاتّجاهين الأساسيّين في تعريف التفسير الموضوعيّ.

4. اذكر التعريف الأمثل للتفسير الموضوعيّ.

5. كيف يمكن التمييز بين مفهوم التفسير الموضوعيّ والآخر الترتيبيّ؟

6. ما هو الفرق بين التفسير بأنواعه المختلفة والمنهج؟

7. ما هي أهمّ الفروقات في التطبيق بين التفسير الموضوعيّ والتفسير الترتيبيّ؟

 

22


10

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1 -

الأصول والجذور التاريخيّة للتفسير الموضوعي

 

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى التفسير الموضوعي في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام).

2. يعدّد الدراسات الموضوعيّة واللغويّة في القرآن الكريم.

3. يبيّن تفسير آيات الأحكام والقرآن بالقرآن.

 

23


11

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

تمهيد

ادُّعي ارتباط التفسير الموضوعيّ -ضمن محاولات التأريخ له- بأصول معرفيّة وجهود فكريّة متعدّدة في التاريخ الثقافيّ للأمّة. سنناقش مدى ارتباط كلّ منها بمفهوم التفسير الموضوعيّ وغايته، ونبيّن هذا المسار التاريخيّ المفترض ضمن العناوين في هذا الدرس.

 

التفسير الموضوعيّ في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)

في كلام النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى (عليهم السلام) أمثلة كثيرة تهدينا إلى أسلوب جمع الآيات المتعلّقة بموضوع معيّن وترتيبها ثمّ الاستفادة منها، نكتفي بذكر النماذج الآتية:

1. قد طبّق الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا اللون من التفسير لإثبات إمكان أن يولد الطفل لستّة أشهر، وذلك من خلال ترتيب الآيات وضمّ بعضها إلى بعض.

ففي الرواية أنّ عمر أُتي بامرأة وضعت لستّة أشهر فَهَمَّ برجمها، فبلغ ذلك عليّاً (عليه السلام) فقال: «ليس عليها رجم، فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه يسأله، فقال عليّ (عليه السلام): ﴿وَٱلوَٰلِدَٰتُ يُرضِعنَ أَولَٰدَهُنَّ حَولَينِ كَامِلَينِ لِمَن أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ﴾[1]، وقال: ﴿وَحَملُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهرًا﴾[2]، فستّة أشهر حمله وحولان تمام [الرضاعة]، لا حدَّ عليها ولا رجم عليها، قال: فخلّى عنها»[3].

 


[1] سورة البقرة، الآية 233.

[2] سورة الأحقاف، الآية 15.

[3]  المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار R، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط2، ج40، ص180.

 

25


12

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

2. في الرواية المعروفة بعنوان وصيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وموعظته لعبد اللَّه بن مسعود[1] -وهي رواية طويلة وكثيرة المضامين، وفيها أمثلة كثيرة بنحو يمكن القول إنّ الرواية تدور حول محور التفسير الموضوعيّ-، عندما يتكلّم(صلى الله عليه وآله) عن ذمّ الدنيا يقول: «يا ابن مسعود، إنّ الأحمق من طلبَ دنيا زائلة»، ثمّ يستدلّ(صلى الله عليه وآله) على هوانِ الدنيا وزخارف هذا العالم بالآيات التالية: سورة الحديد، الآية 20، سورة الزخرف، الآيتان 33 و34، سورة الإسراء، الآية 18.

وفي محلٍّ آخر، يتحدّث(صلى الله عليه وآله) عن «القول بغير علم»، قائلاً: «يا ابن مسعود، لا تقل شيئاً بغير علم، ولا تتفوّه بشيء ما لم تسمعه وتراه»، ثمّ يذكر(صلى الله عليه وآله) آيات عديدة حول هذا الموضوع: سورة الإسراء، الآية 36، سورة الزخرف، الآية 19، سورة ق، الآية 16، سورة ق، الآية 18.

وكذلك ذكرت الرواية أبحاثاً حول الذكر والإنفاق فی سبيل اللَّه، ومكارم الأخلاق وغيرها، اعتماداً على جمع الآيات وتبويبها.

3 -بيَّن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ وجوه الكفر في القرآن الكريم «خمسة»:

روي عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَه: أَخْبِرْنِي عَنْ وُجُوه الْكُفْرِ فِي كِتَابِ اللَّه -عزّ وجلّ-؟ قَالَ: «الْكُفْرُ فِي كِتَابِ اللَّه عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُه: فَمِنْهَا كُفْرُ الْجُحُودُ، والْجُحُودُ عَلَى وَجْهَيْنِ، والْكُفْرُ بِتَرْكِ مَا أَمَرَ الله، وكُفْرُ الْبَرَاءَةِ، وكُفْرُ النِّعَمِ.

فأمّا كفر الجحود، فهو الجحود بالربوبيّة، وهو قول من يقول: لا ربّ ولا جنّة ولا نار، وهو قول صنفَين من الزنادقة يُقال لهم: الدّهريّة، وهم الذين يقولون: ﴿وَمَا يُهلِكُنَا إِلَّا ٱلدَّهرُ﴾[2]، وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبّت منهم، ولا تحقيق لشيء ممّا يقولون، قال اللَّه -عزّ وجلّ-: ﴿إِن هُم إِلَّا يَظُنُّونَ﴾[3] أنّ

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص94.

[2] سورة الجاثية، الآية 24.

[3] م.ن.

 

26


13

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

ذلك كما يقولون، وقال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيهِم ءَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لَا يُؤمِنُونَ﴾[1]، يعني بتوحيد اللَّه -تعالى-، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة: وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده، وقد قال اللَّه -عزّ وجلّ-: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمٗا وَعُلُوّٗا﴾[2]، وقال اللَّه -عزّ وجلّ-: ﴿مِن قَبلُ َستَفتِحُونَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦ فَلَعنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلكَٰفِرِينَ﴾[3]، فهذا تفسير وجهَي الجحود.

والوجه الثالث من الكفر: كفر النعم، وذلك قوله -تعالى- يحكي قول سليمان (عليه السلام): ﴿هَٰذَا مِن فَضلِ رَبِّي لِيَبلُوَنِي ءَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِۦ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ﴾[4]، وقال: ﴿لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ﴾[5]، وقال: ﴿ أَذكُركُم وَٱشكُرُواْ وَلَا تَكفُرُونِ﴾[6].

والوجه الرابع من الكفر: ترك ما أمر الله -عزّ وجلّ- به، وهو قول الله -عزّ وجلّ: ﴿وَإِذ أَخَذنَا مِيثَٰقَكُم لَا تَسفِكُونَ دِمَاءَكُم وَلَا تُخرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُم ثُمَّ أَقرَرتُم وَأَنتُم تَشهَدُونَ ٨٤ ثُمَّ أَنتُم هَٰؤُلَاءِ تَقتُلُونَ أَنفُسَكُم وَتُخرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِم تَظَٰهَرُونَ عَلَيهِم بِٱلإِثمِ وَٱلعُدوَٰنِ وَإِن يَأتُوكُم أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُم إِخرَاجُهُم أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ ٱلكِتَٰبِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٖ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُم﴾[7]، فكفرهم بترك ما أمر الله -عزّ وجلّ- به، ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم، ولم ينفعهم عنده، فقال: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُم إِلَّا خِزيٞ

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 6.

[2] سورة النمل، الآية 14.

[3] سورة البقرة، الآية 89.

[4]  سورة النمل، الآية 40.

[5] سورة إبراهيم، الآية 7.

[6] سورة البقرة، الآية 152.

[7] السورة نفسها، الآيتان 84 - 85.

 

27


14

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيَومَ ٱلقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ﴾[1].

والوجه الخامس من الكفر: كفر البراءة، وذلك قوله -عزّ وجلّ- يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): ﴿كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ ٱلعَدَٰوَةُ وَٱلبَغضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحدَهُۥ﴾[2]، يعني تبرّأنا منكم، وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: ﴿إِنِّي كَفَرتُ بِمَا أَشرَكتُمُونِ مِن قَبلُ﴾[3]، وقال: ﴿إِنَّمَا مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَينِكُم فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا ثُمَّ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ يَكفُرُ بَعضُكُم بِبَعضٖ وَيَلعَنُ بَعضُكُم بَعضٗا﴾[4]، يعني يتبرّأ بعضكم من بعض»[5].

4 - النموذج الآخر هو ما ورد في كلام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) مع هشام بن الحكم، فالإمام (عليه السلام) وفي مقام بيان منزلة العقل، يذكر الآيات المرتبطة بـ«أُولي الألباب»، ويجمعها كلّها، ويقول لهشام: «انظر كيف أنّ اللَّه -سبحانه- وصف أُولي الألباب على أحسن وجه، وزيّنهم بأفضل لباس»، ثمّ يذكر سبع آيات[6] من

 


[1] سورة البقرة، الآية 85.

[2] سورة الممتحنة، الآية 4.

[3] سورة إبراهيم، الآية 22.

[4]  سورة العنكبوت، الآية 25.

[5] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363هـ.ش، ط5، ج2، ص389-391.

[6]  قوله -تعالى-: ﴿وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ إِلَٰهَ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ﴾ (سورة البقرة، الآية 163)، وقوله -تعالى-: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 164)، وقوله -تعالى-: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ (سورة النحل، الآية 12)، وقوله -تعالى-: ﴿حمٓ ١ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ (سورة الزخرف، الآيات 1-3)، وقوله -تعالى-: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ (سورة الروم، الآية 24)، وقوله -تعالى-: ﴿وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ (سورة الأنعام 32)، وقوله -تعالى-: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ (سورة القصص، الآية 60).

 

28


15

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

القرآن المجيد تتكلّم عن منزلة أُولي الألباب[1].

فالقيام بجمع هذه الآيات، والنظر إليها منضمّة بعضها إلى الآخر، يعطيان للإنسان رؤية عميقة يستطيع معها فهم معنى «أُولي الألباب» ومقامهم ومنزلتهم؛ وهذا عمل لا يتمّ إلّا عن طريق التفسير الموضوعيّ[2].

ويتبيّن من خلال ما تقدّم، أنّ ثمّة أساساً روائيّاً للتفسير الموضوعيّ يتمثّل بالجمع بين الآيات القرآنيّة.

في مقابل هذا، قد يقال: إنّ المقصود الأصليّ من هذه الروايات الشريفة هو توضيح الآية المشكلة بآية أخرى تحلّ إشكالها، وهذا لا علاقة له بالتفسير الموضوعيّ.

ومن الممكن أن يقال في جواب ذلك: إنّ توضيح الآية بأخرى له صورتان:

الأولى: تفسير آية بآية أخرى أو بآيات، وهذا لا يجعل هذه العملية التفسيريّة تدخل في التفسير الموضوعيّ للقرآن، باعتبار أنّ هدف المفسّر توضيح الآية أو مصطلح خاصّ بآية أخرى، كما فعل الإمام الجواد (عليه السلام) في توضيح «اليد» التي هي مورد للقطع.

فقد سُئل الإمام الجواد (عليه السلام) عن حدِّ القطع في قوله -تعالى-: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقطَعُواْ أَيدِيَهُمَا﴾[3]، وذلك بعد أن اختلف الفقهاء في مجلس المعتصم العبّاسيّ، فقال بعضهم: القطع من الكرسوع[4]؛ لقول اللَّه في التيمّم: ﴿فَٱمسَحُواْ بِوُجُوهِكُم وَأَيدِيكُم﴾[5]، وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق؛ لقوله -تعالى-:

 


[1] الحرّانيّ، ابن شعبة الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسولP، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق - 1363هـ.ش، ط2، ص383.

[2] راجع: الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، نفحات القرآن، مصدر سابق، ج1، ص11 - 13.

[3] سورة المائدة، الآية 38.

[4] طرف الزند الذي يلي الخنصر، وهو الناتئ عند الرّسغ.

[5] سورة النساء، الآية 43.

 

29


16

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

﴿وَأَيدِيَكُم إِلَى ٱلمَرَافِقِ﴾[1] في الغسل، دلّ على ذلك أنّ حدّ اليد هو المرفق.

قال الإمام الجواد (عليه السلام): «القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فتُترك الكفّ». وعندما سُئل عن الحجّة في ذلك؟

قال (عليه السلام): «قول رسول اللَّه(صلى الله عليه وآله): السجود على سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبقَ له يد يسجد عليها. وقال اللَّه -تبارك وتعالى-: ﴿وَأَنَّ ٱلمَسَٰجِدَ لِلَّهِ﴾، يعني هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ﴿فَلَا تَدعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا﴾[2]»[3].

الثانية: ضمّ آية إلى أخرى بهدف الوصول إلى رأي القرآن في موضوع ما أو مسألة ما، وهذا يدخل ضمن التفسير الموضوعيّ حتّى لو لم يكن في القرآن الكريم إلّا آية واحدة كما هي الحال في رواية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، باعتبار أنّنا ميّزنا بين أنواع التفاسير بالهدف والغاية.

والكلام نفسه يقال في باقي الروايات، فالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أراد في بعض مقاطع الوصيّة أن يُبيّن معنى الدنيا المذمومة في القرآن، وهكذا فإنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أراد أن يُبيّن رأي القرآن في الكفر، ومثلهما فعل الإمام الكاظم (عليه السلام) من خلال بيانه معنى «أولي الألباب» في القرآن.

الدراسات الموضوعيّة في علوم القرآن

أرَّخ بعض الباحثين بداية التفسير الموضوعيّ في مطلع القرن الثاني الهجريّ، حين كتب قتادة بن دعامة (ت 118هـ) كتابه «الناسخ والمنسوخ»، ثمّ تلاه أبو عبيدة

 


[1] سورة المائدة، الآية 6.

[2] سورة الجن، الآية 18.

[3] البحراني، السيد هاشم الحسيني، البرهان في تفسير القرآن، تحقيق قسم الدراسات الاسلامية - مؤسسة البعثة، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط، ج1، ح12، ص32.

 

30


17

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

معمّر بن المثنى (ت 210هـ)، فكتب «مجاز القرآن»، ثمّ أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) في كتابه «الناسخ والمنسوخ» أيضاً، وعليّ ابن المدينيّ (ت 234هـ) في «أسباب النزول»، والسجستانيّ (ت 330هـ) في «غريب القرآن»، و«أمثال القرآن» للماورديّ (ت 540هـ)، و«مجاز القرآن» للعزّ بن عبد سلام (ت 660هـ)، و«أقسام القرآن» و«أمثال القرآن» لابن قيّم الجوزيّة (ت 751هـ)، ثمّ خلفهم علماء كثر كتبوا على هذا النهج والمنوال[1]. هذا على صعيد مدرسة أهل السنّة والصحابة.

أمّا في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد صُنّفت العديد من الكتب في هذا المجال لأعلام كبار، ككتاب «غريب القرآن» لأبان بن تغلب بن رباح البكريّ (ت 141هـ)، وهو من أصحاب الأئمّة زين العابدين والباقر والصادق (عليهم السلام)، و«الناسخ والمنسوخ» لعبد اللَّه بن عبد الرحمان الأصمّ المسمعيّ(ت 262هـ)، و«محكم القرآن ومتشابهه» لسعد بن عبد اللَّه بن أبي خلف الأشعريّ القمّيّ (ت 301هـ)، و«الناسخ والمنسوخ» للشيخ الصدوق(ت 381هـ)، و«أمثال القرآن» لأبي عليّ بن أحمد بن الجنيد(ت 381هـ)، والشريف الرضيّ(ت 406هـ) في كتابه «تلخيص البيان في مجازات القرآن»، و«أسباب النزول» لقطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراونديّ(ت 573هـ)[2].

ويمكن تقسيم هذه الدراسات بشكل عامّ إلى قسمَين:

الأوّل: دراسات حول النصّ القرآنيّ: ثمّة مجموعة من هذه الدراسات تدور حول القرآن الكريم، مثل علم أسباب النزول، المكّيّ والمدنيّ...، وهذه العلوم لا يصحّ عدّها من أصناف التفسير الموضوعيّ أو مصاديقه؛ لأنّها دراسات تنطلق من خارج النصّ القرآنيّ، وإن كانت تدور حوله.

 


[1] راجع: رشوانيّ، منهج التفسير الموضوعيّ للقرآن - دراسة نقدية، مصدر سابق، ص77 - 78.

[2]  راجع: الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، محرّم الحرام 1413هـ.ق، ط1، ص153 - 180 (مقدّمة الشيخ جعفر السبحانيّ).

 

31


18

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

الثاني: دراسات لها ارتباط عميق بالنصّ القرآنيّ: وهي دراسات تنطلق من النصّ القرآنيّ، ولها علاقة مباشرة بالقرآن الكريم، كالناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه... غير أنّها لا تستهدف استنباط نظريّة قرآنيّة[1].

وبتعبير السيّد الصدر، إنّ هذه العلوم لا تعدو كونها تجميعاً لعدد من قضايا التفسير التجزيئيّ، لوحظ فيما بينها شيء من التشابه[2]؛ لذا فلا يمكن عدّها أصلاً من التفسير الموضوعيّ إلّا بنوعٍ من التجوّز.

الدراسات اللّغويّة في القرآن الكريم

يرى بعض الباحثين أنّ في بعض الدراسات اللّغويّة في القرآن الكريم أصولاً بدائيّة للتفسير الموضوعيّ.

ومن أمثلة هذه الدراسات، ما كتبه مقاتل بن سليمان البلخيّ(ت 150هـ) في «الأشباه والنظائر في القرآن»، ويحيى بن سلام(ت 200هـ) في «التصاريف»، والراغب الأصفهانيّ(ت 502هـ) في «المفردات»، وغيرهم من العلماء والباحثين.

والطابع الأغلب على هذه الدراسات هو الجانب اللّغويّ للكلمات الغريبة التي تتعدّد دلالاتها حسب الاستعمال.

وإذا راجعنا تعاريف التفسير الموضوعيّ المتقدّمة، سنجدها لا تنطبق على هذه المصنّفات مع أهمّيّتها في مجال تحديد الدلالة اللّغويّة؛ وعليه، يمكن عدّها من أدوات التفسير الموضوعيّ والتفسير التجزيئيّ أيضاً، ولكن لا يصحّ اعتبارها أصلاً للتفسير الموضوعيّ، وإن اعتمدت طريقة الاستقراء. فمجرّد وجود هذا التشابه الجزئيّ في المنهج لا يكفي للتأسيس للتفسير الموضوعيّ مع وجود هذه الهوّة الكبيرة

 


[1]  انظر: رشوانيّ، منهج التفسير الموضوعيّ للقرآن - دراسة نقدية، مصدر سابق، ص77 - 78 (بتصرّف).

[2] الشهيد الصدر، المدرسة القرآنيّة، مصدر سابق، ص24.

 

32


19

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

في المقصد بالمقارنة مع التفسير الموضوعيّ الذي يسعى الباحث فيه إلى الخروج بنظريّة القرآن الكريم في موضوع من الموضوعات.

تفسير آيات الأحكام

قد يرى بعض الباحثين في المنهج المتّبع في كتب تفسير آيات الأحكام اللّبنات الأساسيّة للتفسير الموضوعيّ؛ وذلك نظراً إلى كون المفسّر في تفسير آيات الأحكام مهتمّاً بالبحث والتفسير في «موضوع» واحد فقط، ألا وهو الآيات التي يمكن استنباط الأحكام الشرعيّة منها.

لكن لا بدّ لنا، قبل الذهاب إلى هذا الاستنتاج، من التمييز بين نوعين من تفسير آيات الأحكام أو التفسير الفقهيّ:

الأوّل: التفسير الفقهيّ التسلسليّ: ونقصد بالتفسير الفقهيّ التسلسليّ السير وَفق تسلسل السور في القرآن الكريم؛ أي إنّ المفسّر يسير وَفق ترتيب السور في القرآن الكريم، وينتخب من كلّ سورة الآيات ذات الصلة بالأحكام الفقهيّة، ويقوم بشرحها، وهكذا إلى نهاية السور القرآنيّة.

ومن راجع التفاسير الفقهيّة السنّيّة، يدرك أنهم اتّبعوا هذه الطريقة. وهذا لا يصحّ نسبته إلى التفسير الموضوعيّ بوجه؛ لما مرّ في تعريفه، بل هي ألصق بالتفسير التجزيئيّ. ولو أخذنا على سبيل المثال «أحكام القرآن» للجصّاص، نراه اعتمد طريقة الترتيب هذه في تفسير آيات الأحكام.

الثاني: التفسير الفقهيّ الموضوعيّ: ونقصد بالتفسير الفقهيّ الموضوعيّ استقراء الآيات الدالّة على الحكم في القرآن الكريم كلّه مبوّبةً حسب الفروع الفقهيّة، بدءاً بالطهارة وانتهاءً بالديات.

 

33


20

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

في المقلب الآخر، اتّبع أصحاب التفاسير الفقهيّة الشيعيّة الطريقة الثانية، والتي يصحّ جعلها من أقسام التفسير الموضوعيّ. ومن هذه الكتب «فقه القرآن» للقطب الراونديّ، «كنز العرفان في فقه القرآن» للفاضل المقداد السيوريّ، «زبدة البيان في أحكام القرآن» للمولى أحمد الأردبيليّ، «مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام» للكاظميّ.

والنتيجة التي نخلص إليها، أنّ التفسير الفقهيّ أو فقه الأحكام بتجربته السنّيّة لم يخرج -في الأعمّ الأغلب- عن منهج التفسير التجزيئيّ، بينما نرى التفسير الفقهيّ في التجربة الشيعيّة ألصق بالتفسير الموضوعيّ من ناحية الأسلوب والمقصد.

تفسير القرآن بالقرآن

سبق منّا التمييز بين تفسير القرآن بالقرآن والتفسير الموضوعيّ، لكنّ التقارب بينهما في المنهج، الذي جعل كثيراً من الباحثين يخلط بينهما، هو نفسه جعل باحثين آخرين يعتقدون أنّ مفهوم التفسير الموضوعيّ لا يعدو كونه الوليد والوريث الشرعيّ لتطوّر تفسير القرآن بالقرآن كمنهج.

ويعود استخدام منهج تفسير القرآن بالقرآن إلى عهد أوائل المفسّرين السنّة والشيعة، فالطبريّ مثلاً كان يستعين على فهم المعنى في بعض الآيات بتتبّع كلّ ما يتّصل به من المعنى في بقيّة القرآن، ثمّ يدرس الجميع دراسة شاملة يتّضح فيها الجزء بالكلّ أو تتّضح فيها الأجزاء كلّها باكتشاف ما بينها من علاقات[1]. وكذلك كان يفعل الشيخ الطوسيّ فيفسّر الآية بأكثر من آية كأنّما يستقرئ المعنى الواحد من مواضعه المتعدّدة في القرآن[2]. وهذا التقارب المنهجيّ بين تفسير القرآن بالقرآن

 


[1] جعفر، عبد المقصود عبد الهادي، تفسير القرآن بالقرآن أصوله ومنهجه، المعهد العالي للتربية الرياضية، 1985م، لا.ط، ص75.

[2] المصدر نفسه، ص77.

 

34


21

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

والتفسير الموضوعيّ هو الذي دفع بعض الباحثين في الشؤون القرآنيّة إلى القول إنّ التفسير الموضوعيّ -على الرّغم من انفصاله عن تفسير القرآن بالقرآن- هو نتاج استعمال تفسير القرآن بالقرآن كمنهج، إلى أن تطوّر وأنتج رؤية كلّيّة لدى المفسّر لموضوع من الموضوعات القرآنيّة، فولّد مفهوم التفسير الموضوعيّ[1].

 

والحكم على صحّة هذه الدعاوى ودقّتها، وإنْ كان رهن دراسات أعمق، غير أنّ مراقبة السياق التاريخيّ لنشوء مفهوم التفسير الموضوعيّ وتميّزه كنوع جديد من التفسير في الفترة المعاصرة بعد ازدياد استخدام تفسير القرآن بالقرآن كمنهج متّبع لدى المفسّرين في العصر الحديث، يؤيّد صحّة هذه الدعاوى.

 


[1] جعفر، تفسير القرآن بالقرآن أصوله ومنهجه، مصدر سابق، ص203.

 

35


22

الدرس الثاني: تاريخ التفسير الموضوعيّ - 1

المفاهيم الرئيسة

- يظهر من بعض النصوص أنّ للتفسير الموضوعيّ أساساً في روايات المعصومين (عليهم السلام).

- لا يمكن عدّ (الدراسات الموضوعيّة في علوم القرآن) و(الدراسات اللّغويّة في القرآن الكريم) من مصاديق التفسير الموضوعيّ؛ لافتراقهما في الغاية عن التفسير الموضوعيّ، فهما لا يستهدفان الخروج بالنظرة الكلّيّة للقرآن الكريم في قضيّة قرآنيّة ما؛ وعلى ذلك، فلا يمكن اعتبارهما أصلاً أو جذراً تاريخيّاً للتفسير الموضوعيّ.

- يمكن عدّ التفاسير الفقهيّة ذات التبويب الموضوعيّ من الجذور التاريخيّة لعلم التفسير الموضوعيّ، بينما لا يصحّ هذا الوصف في حقّ التفاسير الفقهيّة ذات الترتيب التسلسليّ للآيات.

- يدّعي بعض الباحثين أنّ نشوء التفسير الموضوعيّ كعلم مستقلّ يرجع إلى ازدياد استعمال منهج تفسير القرآن بالقرآن.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. أوضح الوجه في عدِّ بعض روايات المعصومين (عليهم السلام) في مجال التفسير أساساً للتفسير الموضوعيّ.

2. هل يمكن عدّ (الدراسات الموضوعيّة في علوم القرآن) و(الدراسات اللّغويّة في القرآن الكريم) أصلاً أو جذراً تاريخيّاً للتفسير الموضوعيّ كعلم مستقلّ؟ ولماذا؟

3. ما هما نوعَا الترتيب أو التبويب للآيات في التفاسير الفقهيّة؟ أيّ نوع يمكن اعتباره من الجذور التاريخيّة للتفسير الموضوعيّ؟ ولماذا؟

 

36


23

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

الدراسات الموضوعيّة في العصر الحديث وأثرها على تطوّر منهج التفسير الموضوعيّ

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى حركة تطوّر منهج التفسير الموضوعيّ من خلال الدّراسات الموضوعيّة للمستشرقين.

2. يتعرّف إلى مدرسة الأمناء ودورها في تطوّر منهج التفسير الموضوعي.

3. يتعرّف إلى الاتّجاه الاجتماعيّ في التفسير الموضوعيّ.

 

36


24

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

تمهيد

تقدّم في الدرس السابق بيان المسار التاريخيّ للتفسير الموضوعيّ عبر دراسة الأصول والجذور التاريخيّة المفترضة للتفسير الموضوعيّ. وقد حفل النصف الأخير من القرن الماضي بكثير من الدراسات الموضوعيّة التفسيريّة، غير أنّ أهمّ ما يلاحظ على هذه الدراسات هو غياب الدراسات التي تُعنى بالتأسيس والتأصيل المنهجيّ للتفسير الموضوعيّ، واقتصارها على الجانب التطبيقيّ في التفسير الموضوعيّ من خلال اختيار موضوع والبحث عن الرؤية القرآنيّة اتّجاهه؛ فإنّ هذا -على أهمّيّته- لا يساهم في حركة تطوّر التفسير الموضوعيّ بقدر بحث الأسس والأصول والخطوات المنهجيّة التي يجب على المفسّر في التفسير الموضوعيّ الالتزام بها وتطبيقها للوصول إلى النظرة الأقرب لنظرة القرآن الكريم حول الموضوع المبحوث.

ونحن -في هذا الدرس- سنتناول هذه الدراسات (سواء المنهجيّة منها أو التطبيقيّة)، التي كان لها الأثر في العصر الحديث على منهج التفسير الموضوعيّ، ونرصد حركة تطوّر المنهج فيها.

الدّراسات الموضوعيّة للمستشرقين

صدرت في القرنين الماضيين من قبل المستشرقين مجموعة من الدراسات الموضوعيّة للقرآن الكريم. وقد ساعدت المعاجم الموضوعيّة القرآنيّة (التي صنّفها مستشرقون آخرون في منتصف القرن التاسع عشر الميلاديّ) في تأليف هذه الدّراسات. ومن هذه المعاجم:

 

39


25

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

1. تفصيل آيات القرآن الكريم[1]: جول لابوم. ((Jules La Beaume.

2. نجوم الفرقان في أطراف القرآن: المستشرق الألمانيّ فلوجل[2].

3. دليل القرآن[3]: مالير[4].

 

أمّا الدراسات الموضوعيّة، فنذكر منها:

1. نشر الهولنديّ فت[5] عام 1845م دراسة بعنوان: «محمّد والقرآن». وقد ركّز في دراسته على العلاقة بين الديانات كما تبدو في القرآن.

2. نشر الهولنديّ فان جنيب «إبراهيم في القرآن» ضمن مجلّة العالم الإسلاميّ عام 1912م.

 


[1] وضعه بالفرنسيّة المستشرق «جول لابوم» ويليه المستدرك، وهو فهرس موادّ القرآن الكريم، وضعه «إدوار مونتيه»، تضمّن 158 باباً آخر، ونقلهما إلى العربيّة الأستاذ محمّد فؤاد عبد الباقي. رتّب واضعه موضوعات القرآن الكريم في ثمانية عشر باباً، ثمّ حاول توزيع آيات القرآن على هذه الأبواب، وجعل تحت كلّ باب فروعاً. وقد بلغت هذه الفروع نحو 350 فرعاً، ويذكر بجوار كلّ آية رقمها ورقم السورة في المصحف. ومع ذلك، فقد غاب الكثير من المقاصد عن فهم هؤلاء الدارسين.

[2]  نجوم الفرقان في أطراف القرآن: وهو فهرس مرتّب على حروف المعجم للكلمات الواردة في القرآن الكريم، جمع فيه ألفاظ الكتاب العزيز كلمة كلمة، وأشار إلى جميع مواضع كلّ كلمة في جميع السور بالأرقام التي وضعها على رؤوس الآي في المصحف المذكور، هو للمستشرق غوستاف فلوغل (1802-1870)، طبع في ليبسيك سنة 1842 وسنة 1875 وسنة 1898. وقد وقع في الكتاب أخطاء علميّة، أظهرها عدم استناده إلى ترقيم معتمد في عدّ الآي، بل اعتمد على المصحف الذي رقّمه وطبعه لنفسه. وقد استدرك عليه الباحثون كثيراً هذه الأخطاء فيما بعد.

ويقول الأستاذ محمّد فؤاد عبد الباقي عن الكتاب في كتابه (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم): وإذا كان خير ما ألّف، وأكثره استيعاباً في هذا الفنّ، دون منازع ولا معارض، هو كتاب (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) لمؤلّفه المستشرق فلوجل الألمانيّ، الذي طُبع أوّل مرّة عام 1842م، فقد اعتضدت به وجعلته أساساً لمعجمي).

[3] للمستشرق الألمانيّ مالير، طُبع مرّتين، الطبعة الثانية، باريس 1925م.

[4] مستشرق ألمانيّ (1857 - 1945م).

[5] هو المستشرق الهولنديّ بيتريوهانس فت (1814 - 1899م). اشتهر بكتاباته عن الهند والمستعمرات الهولنديّة. ترجم معاني القرآن إلى الهنديّة.

 

40


26

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

3. نشر الألمانيّ أدولف جروهمان[1] «عيسى في القرآن» ضمن الجريدة الشرقيّة عام 1914م.

4. نشر رافلين «القانون في القرآن» عام 1927م.

5. نشر جوتين[2] «الصلاة في القرآن» عام 1955م.

6. نشر الفرنسيّ جوزيف هاليفي[3] (1837م- 1917م) «السامريّون في القرآن» في المجلّة الآسيويّة عام 1908م.

7. نشر الدانماركيّ بدرسين[4] (1883م) «الدليل على اليوم الآخر في القرآن» عام 1912م.

8. كتب الألمانيّ بومشتارك[5] مجموعة أبحاث عن علاقة الإسلام بغيره من الديانات، منها: «النصرانيّة واليهوديّة»، مجلّة الإسلام 1927م، و«مذهب الطبيعة الواحدة النصرانيّ في القرآن»، مجلّة الشرق المسيحيّ عام 1953م.

 


[1] يُعدّ أدولف جروهمان العالم الألمانيّ المولود في عام 1887م الاسم الأشهر بين المستشرقين الذين عنوا بالدراسات العربيّة. عاش متنقّلاً بين دول عدّة، أهمّها: النمسا والتشيك، ثمّ مصر، قبل أن يختتم حياته في النمسا التي توفّي بها عام 1977م.

[2] شلومو دوف جويتين (3 أبريل 1900 - 6 فبراير 1985)، مستشرق يهوديّ من أصل مجريّ، ولكنّه وُلد في بافاريا بألمانيا. مؤرّخ ومختصّ بالتاريخ العربيّ، عُرف بأبحاثه التاريخيّة عن اليهود والمجتمعات اليهوديّة في ظلّ الدولة الإسلاميّة في القرون الوسطى.

[3] مستشرق فرنسيّ يهوديّ، ومستكشف، وعالم آثار، وأستاذ جامعيّ، كتب عن رحلته في اليمن كتابين «تقرير عن بعثة أثرية في اليمن (سنة 1872م)»، وكتاب «رحلة في نجران (سنة 1873)».

[4]  المستشرق الدانمارکيّ ج. بدرسين المولود عام 1883م في الدنمارك. التحق بالجامعة لدراسة علم اللّاهوت عام 1902م، وكان من قبل قد اهتمّ بالتوراة اهتماماً تجاوز العبريّة إلى سائر اللّغات الساميّة. ومن سنة 1913 - 1930 ساعد في وضع المعجم العربيّ الذي باشره فيشر في ليبزيج، وذلك بتهيئة شواهد عربيّة قديمة، ولا سيّما من الشعر الجاهليّ. وفي عام 1916 انتدبته جامعة كوبنهاغن محاضراً، فترجم القرآن الكريم إلى اللّغة الدانماركيّة. له العديد من المؤلّفات، منها: «الدليل على اليوم الآخر في القرآن»، و«جزيرة العرب والوهابيّون»، وصنّف كتاباً حول التصوّف ضمّنه باباً حول التصوّف الإسلاميّ.

[5] وُلد عام 1871. ترجم آثار أرسطو السريانيّة إلى العربيّة.

 

41


27

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

9. ذكر بروكلمان[1] ثلاث دراسات موضوعيّة في هذا المجال: «طابع الإنجيل في القرآن» بقلم ولكر[2] عام 1931م[3]، و«عناصر نصرانيّة في القرآن» بقلم أرينز[4]، و«مجادلة المشركين في القرآن» بقلم لآتنجهانسن عام 1943م.

10. نشر المستشرق الألمانيّ هوروفيتش[5] (1874-1931) عدداً من البحوث، تناول في جانب منها النصوص القصصيّة في القرآن، وقسَّمها إلى: عموميّات وشكليّات،

 


[1] وُلد كارل بروكلمان في 17 سبتمبر عام 1868 في مدينة روستوك الألمانيّة. وفي مدرستها بدأت تظهر ميوله إلى الدراسات الشرقيّة. وفي الصفوف العليا من ثانويّة روستوك تجلّت هذه الميول كما يصف نفسه. حضر دروس اللّغة العربيّة في الثانوية ذاتها على الأستاذ نرجر، وأتقن اللّغة العبريّة إلى درجة أنّه استطاع أن يترجم في امتحان العبريّة في البكالوريا نصّاً عبريّاً. التحق بجامعة روستوك في ربيع 1886م. أشهر مصنّفاته: «تاريخ الأدب العربيّ» 5 أجزاء، وهو يُعدّ من أهمّ المراجع في كلّ ما يتعلّق بالمخطوطات العربيّة وإمكان وجودها. توفي بروكلمان في مدينة هال في ألمانيا عام 1956م.

[2] اسمه توماس وولكر آرنولد. ولد عام 1864م. وهو مستشرق بريطانيّ. بدأ حياته العلميّة في جامعة كمبردج، حيث أظهر حبّه للّغات، فتعلّم العربيّة، وانتقل للعمل باحثاً في جامعة عليكرة الإسلاميّة في الهند، حيث أمضى هناك عشرات السنوات، ألّف خلالها كتابه المشهور (الدعوة إلى الإسلام). كان عضواً في هيئة تحرير دائرة المعارف الإسلاميّة التي صدرت في ليدن بهولندا في طبعتها الأولى. عمل أستاذاً زائراً في الجامعة المصريّة عام 1930. ويُذكر أنّه كان معلّماً للمفكر الإسلاميّ محمّد إقبال. توفي في 09 حزيران عام 1930 في لندن.

[3] نُشرت بعد وفاته.

[4] مستشرق ألمانيّ. من آثاره: «عناصر نصرانيّة في القرآن الكريم»، نشره في المجلّة الشرقيّة عام 1930م؛ ودراسة عن النبيّ نشرها عام 1935م.

[5] وُلد جوزيف هوروفيتش (هوروفيتس) في ألمانيا عام 1874م، وتعلّم في جامعة برلين، حيث حضر دروس أدور سخاو. عُيّن مدرّساً في جامعة برلين عام 1902م، واشتغل في الهند من عام 1907 إلى 1914، حيث كان يعمل مدرّساً للّغة العربيّة في كلّيّة عليكرة الإسلاميّة، كما اشتغل أميناً للنفوس الإسلاميّة في الحكومة الهنديّة البريطانيّة. كانت رسالته للدكتوراه في عام 1898م عن كتاب «المغازي» للواقديّ. تولّى تحقيق جزأين من أجزاء «طبقات ابن سعد»، وهما يتعلّقان بغزوات النبيّ محمّدP. عهد إليه «ليوني كايتاني» بالبحث في مكتبات القاهرة ودمشق وإستانبول عن المخطوطات العربيّة المتعلّقة بتاريخ الإسلام.

تَركّز اهتمامه في فترة أستاذيّته في جامعة فرنكفورت (1914-1931) على الدراسات المتعلّقة بالقرآن الكريم والسيرة النبويّة. وأهمّ إنتاجه في هذا الباب كتابه: «مباحث قرآنيّة» 1926م. وفي مجال العلاقات بين الإسلام واليهوديّة، كتب بحثاً بعنوان «أسماء الأعلام اليهوديّة ومشتقّاتها في القرآن الكريم» عام 1925م، وأعيد طبعه عام 1964م. كذلك كتب بحثاً بعنوان «الجنّة في القرآن الكريم»، مضافاً إلى العديد من الدراسات والأبحاث والكتب. توفي عام 1931م.

 

42


28

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

أساطير رادعة، قصص الأنبياء والصالحين، النبوّة في القرآن؛ وتناول في الجانب الآخر منها أسماء الأعلام في القرآن.

11. كتب المجريّ بيرنات هيللر[1] (1857-1943) عدداً من الدراسات حول القصص القرآنيّة، منها: «قصة أهل الكهف» عام 1907م، و «عناصر يهوديّة في مصطلحات القرآن الدينيّة» عام 1928م.

12. «الهجادة في قصص القرآن»: بقلم سجبار ليبزيج عام 1907م.

13. «مصادر القصص الإسلاميّة في القرآن وقصص الأنبياء»: بقلم سليدر سكاي، باريس عام 1932م.

14. «القصص الكتابيّ في القرآن»: بقلم سباير جريفنا ينخن، عام 1939م[2].

يمكن القول: إنّ ما تقدّم كلّه يصبّ في دائرة الجهود والأعمال التطبيقيّة لمنهج التفسير الموضوعيّ للقرآن، ولكن لم يلحظ في هذه الدراسات كلّها دراسة حول منهج التفسير الموضوعيّ؛ أي البُعد النظريّ والتنظيريّ في هذا المجال إلى أن جاء المستشرق الألمانيّ رودي باريت[3] في عشرينيّات القرن الماضي.

وقد عكف هذا المستشرق على دراسة وضع المرأة في العالم العربيّ الإسلاميّ، مستخلصاً من القرآن الكريم كلّ ما يتعلّق بهذا الموضوع من النصوص، ووصل في نهاية بحثه هذا إلى نتيجةٍ مفادها: أنّ الإنسان عند محاولته الشرح لا بدّ من أن

 


[1] هو مستشرق مجريّ. ولد عام 1857م. تخرّج من جامعة بودابست، وعنى بالعلوم الإسلاميّة واليهوديّة. نشر أعمال جولد صيهر. تناول مباحثه الإسلاميّة واليهوديّة، صدر عنها كتب ومقالات في دائرة المعارف والمجلّات العلميّة. توفّي عام 1943م.

[2]  راجع: الصغير، الدكتور محمد حسين، المستشرقون والدراسات القرآنيّة، دار المؤرخ العربي، لبنان - بيروت، 1420هـ.ق - 1999م، ط1، ص 72 - 75.

[3] مستشرق ألمانيّ (1901-1983) متخصّص في الدراسات القرآنيّة. له أعمال عدّة، منها: اكتشاف ألفاظ موضوعات القرآن وترجمته، حدود استكشاف القرآن الكريم، حول استكشاف القرآن، القرآن كمصدر من مصادر التاريخ.

 

43


29

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

يستجمع المعلومات الموضوعيّة كلّها والصيغ اللّغويّة الواردة في مواضع أخرى من القرآن، وأن ينظّمها ويراعيها في التفسير.

وعند ترجمة باريت للقرآن -والترجمة تفسير للقرآن-، قام بتطبيق هذا المنهج الموضوعيّ الذي دعا إليه. فقد استعان بالقرآن نفسه على فهم نصوصه، حيث جمع لكلّ آية وفقرة ما يتعلّق بها أو يجاريها وورد ذكره في مواضع أخرى، ثمّ قارن التعبيرات المتشابهة والمتباينة بعضها ببعض.

ولذا، يُعدّ باريت أوّل من طبّق طريقة جمع الحجج القرآنيّة، ثمّ استفاد منها ليس في شرح بعض المواضع فقط، بل بانتظام في ترجمة القرآن كلّه.

وتوّج عمل المستشرقين -حديثاً- في هذا المجال بصدور «دائرة معارف القرآن» أو «موسوعة القرآن». وعلى خلاف دائرة المعارف الإسلاميّة، والتي صنّفها المستشرقون في بداية القرن العشرين، لم يقصد محرّرو الموسوعة القرآنيّة أن يجمعوا كلّ ما يتعلق بالقرآن مهما كانت درجة صلته به، كالحديث عن المفسّرين أو القرّاء في مداخل مستقلّة، بل كان الهدف الأساس دراسة النصّ القرآنيّ نفسه، بكلّ ما فيه من مفاهيم وقيم وتاريخ وأشخاص ورموز وأماكن...؛ لهذا، فإنّ الموسوعة تتضمّن الكثير من المداخل التي تعالج وَفق المنهج الموضوعيّ عدداً من القضايا أو المواضيع القرآنيّة.

وعلى الرّغم من عدم كون هذه الدّراسة دراسةً منهجيّةً، غير أنّه يمكن استخراج المنهج المتّبع فيها عبر ملاحظة الخطوات المشتركة المتّبعة خلال عمليّة التفسير لموضوع من الموضوعات القرآنيّة. وهذه الخطوات المشتركة يمكن صياغتها كالآتي:

تبدأ بإحصاء دقيق للكلمات المفاتيح التي تخصّ الموضوع المدروس، يتلوها نظر في الاستعمالات اللّغويّة لهذه الكلمات، واشتقاقاتها المختلفة، ثمّ استعمالها القرآنيّ. بعد ذلك، تُصنَّف الآيات التي تندرج تحت الموضوع أو الكلمات المفتاحيّة المدروسة

 

44


30

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

بحسب الأفكار أو المسائل الفرعيّة التي تعرّض لها. وفي كلّ مسألة من هذه المسائل الفرعيّة يُلخَّص المضمون القرآنيّ للآيات التي تتناولها، ثمّ عرض آراء المفسّرين، أو موقف المسلمين منها.

وبالجملة، وعند ملاحظة المنهج العامّ لدى المستشرقين الذين كتبوا دراسات موضوعيّة في القرآن الكريم، نجد أنّه ارتكز على عنصرين أساسيّين:

الأوّل: هو الجمع الموضوعيّ، واستقصاء كلّ ما يمتّ بصلة للموضوع المدروس.

الثاني: الفهم التاريخيّ لنصوص القرآن؛ أي وضع الآيات في سياقها التاريخيّ الذي جاءت فيه، وفهمها ضمن هذا السياق ووَفق معطياته[1].

مدرسة الأمناء (أمين الخوليّ)[2]:

يظهر أنّ أوّل دعوة رسميّة -إذا صحّ التعبير- للتفسير الموضوعيّ، ظهرت على يد أمين الخوليّ، رائد الاتّجاه الأدبيّ في فهم القرآن الكريم.

كان أمين الخوليّ يرى أنّ منهجيّة تفسير النصّ القرآنيّ طبقاً للمنحى الأدبيّ، تقوم على «النظرة الموضوعاتيّة للقرآن». فقد أوضح في معالجته لضوابط التفسير الأدبيّ الذي دعا إليه، أنّ ترتيب القرآن في المصحف لم يلتزم بوحدة الموضوع، يقول: «فيبدو للناظر أن تفسيره (القرآن) سوراً وأجزاءً لا يُمكِّن من الفهم الدقيق والإدراك الصحيح لمعانيه وأغراضه، إلّا إن وقف المفسّر عند الموضوع ليستكمله في القرآن ويستقصيه

 


[1] راجع: رشوانيّ، منهج التفسير الموضوعيّ للقرآن - دراسة نقدية، مصدر سابق، ص103 - 109.

[2] الشيخ أمين الخوليّ (1313هـ.ق - 1895م / 1385هـ.ق - 1966م). هو أديب مصريّ من کبار حماة اللّغة العربيّة، ومناضل شارك في ثورة 1919م. نُفي مع سعد زغلول إلى السيشيل. عُرف الشيخ أمين الخوليّ بزيّه الأزهريّ المميَّز. عُيّن مدرّساً في مدرسة القضاء الشرعيّ في 10 مايو عام 1920. انتقل إلى قسم اللّغة بكلّيّة الآداب عام 1928، وأصبح رئيساً لقسم اللّغة العربيّة، ثمّ وكيلاً لكلّيّة الآداب في 1946. عمل مديراً عامّاً للثقافة حتّى خرج إلى التقاعد أوّل مايو 1955. أسّس جماعة الأمناء عام 1944 ومجلّة الآداب عام 1956. عضو مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة عام 1966. توفّي الشيخ أمين في التاسع من مارس عام 1966، ودُفن في قريته شوشاي.

 

45


31

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

إحصاءً، فيردّ أوّله إلى آخره، ويفهم لاحقه بسابقه...، فجملة القول أن ترتيب القرآن في المصحف قد ترك وحدة الموضوع ولم يلتزمها مطلقًا، وقد ترك الترتيب الزمني لظهور الآيات ولم يحتفظ به أبدًا، وقد فرّق الحديث عن الشيء الواحد والموضوع الواحد في سياقاتٍ متعددة، ومقامات مختلفة، ظهرت في ظروف مختلفة، وذلك كله يقضي في وضوح بأن يفسّر القرآن موضوعًا موضوعًا وأن تجمع (الآيات) الخاصّة بالموضوع الواحد جمعًا إحصائيًّا مستقصيًا، ويعرف ترتيبها الزمني ومناسباتها وملابساتها الحافة بها، ثم ينظر فيها بعد ذلك لتُفسر وتُفهم فيكون ذلك التفسير أهدى إلى المعنى وأوثق في تحديده»[1].

ومن خلال النصّ المتقدّم نستنتج الأمور الآتية:

يرى الخوليّ أنّ ترتيب المصحف الشريف اتّسم بالآتي:

1. ترك وحدة الموضوع.

2. ترك الترتيب الزمنيّ لظهور الآيات.

3. فرّق الحديث عن الشيء الواحد في سياقات متعدّدة ومقامات مختلفة ظهرت في ظروف مختلفة.

ولهذه الأسباب، خلص الخوليّ إلى أنّ الطريقة المثلى لفهم معاني القرآن الكريم هي في تفسيره موضوعيّاً. وبرأيه، إنّ الخطوات المنهجيّة للتفسير الموضوعيّ هي:

1. الإحصاء أو الاستقراء الشامل لآي القرآن في الموضوع الواحد.

2. الترتيب الزمنيّ للآيات.

3. معرفة الأسباب والمناسبات المتعلّقة بالآي موضع الدراسة.

4. النظر في الآي لتفسيرها في ضوء ما سبق معرفته.

 


[1] الخوليّ، الشيخ أمين، دراسات إسلامية، مطبعة دار الكتب المصرية، لا.م، 1996م، لا.ط، ص39 - 40.

 

46


32

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

وتابع تلامذة الخوليّ مشروعه التفسيريّ، وكانوا أوفياء لمنهجه في توظيف علوم البلاغة والأدب والنقد في دراسة القرآن المجيد. وأبرز أبناء هذه (المدرسة)، الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) (ت 1998م)، والتي كانت وفيّة لشيخها وزوجها الأستاذ أمين الخوليّ، وحريصة على حمل لواء منهجه، تأصيلاً وتطبيقاً في آن. وفي ذلك تقول: «... والأصل في منهج التفسير الأدبيّ -كما تلقّيته عن شيخي- هو التناول الموضوعيّ، الذي يفرغ لدراسة الموضوع الواحد فيه، ليجمع كلّ ما في القرآن عنه، ويهتدي بمألوف استعماله للألفاظ والأساليب، بعد تحديد الدلالة اللّغويّة لكلّ ذاك. وهو منهج يختلف تماماً عن الطريقة المعروفة في تفسير القرآن سورة سورة، حيث يؤخذ اللّفظ أو الآية فيه مقتطعاً من سياقه العامّ في القرآن كلّه، ممّا لا سبيل معه إلى الاهتداء إلى الدلالة القرآنيّة لألفاظه، أو استجلاء ظواهره الأسلوبيّة وخصائصه البيانيّة.

وقد طبّق بعض الزملاء هذا المنهج تطبيقاً ناجحاً في موضوعات قرآنيّة اختاروها لرسائل الدكتوراه والماجستير، وأتّجه بمحاولتي اليوم إلى تطبيق المنهج في تفسير بعض سور قصار، ملحوظ فيها وحدة الموضوع، فضلاً عن كونها جميعاً من السور المكيّة، حيث العناية بالأصول الكبرى للدعوة الإسلاميّة. وقصدت بهذا الاتّجاه إلى توضيح الفرق بين الطريقة المعهودة في التفسير، وبين منهجنا الحديث الذي يتناول النصّ القرآنيّ في جوّه الإعجازيّ، ويلتزم -في دقّة بالغة- قوله السلف الصالح: (القرآن يفسّر بعضه بعضاً) -وقد قالها المفسّرون، ثمّ لم يبلغوا منها مبلغاً-، ويحرّر مفهومه من العناصر الدخيلة كلّها، والشوائب المقحمة على أصالته البيانيّة»[1].

تقول عائشة عبد الرحمن في مقدّمة التفسير البيانيّ: «وما أعرضه هنا، ليس إلّا محاولة في هذا التفسير البيانيّ للمعجزة الخالدة، حرصت فيها -ما استطعت- على

 


[1] عبد الرحمن، عائشة، التفسير البيانيّ للقرآن الكريم، دار المعارف، لا.م، 1990م، ط7، ص17 - 18.

 

47


33

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

أن أخلص لفهم النصّ القرآنيّ فهماً مستشفّاً روح العربيّة ومزاجها، مستأنسة في كلّ لفظ، بل في كلّ حركة ونبرة، بأسلوب القرآن نفسه، ومحتكمة إليه وحده، عندما يشتجر الخلاف، على هدى التتبّع الدقيق لمعجم ألفاظه، والتدبّر الواعي لدلالة سياقه، والإصغاء المتأمّل إلى إيحاء التعبير في البيان المعجز...، وهو منهج يختلف والطريقة المعروفة في تفسير القرآن سورة سورة، يؤخذ اللّفظ أو الآية فيه، مقتطعاً من سياقه العام في القرآن كلّه، ممّا لا سبيل معه إلى الاهتداء إلى الدلالة القرآنيّة لألفاظه، أو لمح ظواهره الأسلوبيّة وخصائصه البيانيّة»[1].

ومن خلال كلامها، لخَّصتْ منهجها الموضوعيّ، وجعلته في النقاط الآتية:

1. التناول الموضوعيّ لما يُراد فهمه من القرآن.

2. الاستقراء والحصر الكامل للآيات القرآنيّة التي للموضوع المبحوث بها صلة أو وجه تعلّق.

3. تصنيف الآيات إلى مكّيّة ومدنيّة، وتصنيفها وَفق الترتيب الزمنيّ للنزول؛ للاستفادة من السّياق والأسلوب لفهم المراد من الآيات.

4. فهم دلالات الألفاظ وَفق استعمالاتها المألوفة في القرآن الكريم.

الدراسات الموضوعيّة في الأزهر

لا شكّ في أنّ الكتابات التي قام بها علماء الأزهر تأثّرت بمدرسة الأمناء وما تركه أمين الخوليّ وتلامذته في هذا المجال، ولكن شهدت هذه الدراسات تطوّراً على مستوى تأصيل أسس منهج التفسير الموضوعيّ، وكان من أوائل هذه الدراسات رسالة الدكتوراه التي قدّمها محمّد حجازي 1967م لكليّة أصول الدين في جامعة الأزهر بعنوان «الوحدة الموضوعيّة في القرآن»، والتي سعى من خلالها إلى الردّ على

 


[1] عائشة عبد الرحمن، التفسير البيانيّ للقرآن الكريم، مصدر سابق، ص18.

 

48


34

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

الأصوات التي اتّهمت القرآن الكريم بافتقاد الترابط بين الآيات والسور، وتَكرار الموضوعات فيه. ولا يخفى أنّ نتيجة هذا البحث، وهي إثبات الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم، تعدّ الأصل الذي ترتكز عليه جميع الدراسات الموضوعيّة في القرآن الكريم، كما أوضحنا سابقاً. وما يهمّنا هنا هو المنهج الذي تبنّاه في التفسير الموضوعيّ في رسالته تلك، وقد أوضحه في مقدّمة رسالته بذكر العناصر الآتية:

1. جمع الآيات في موضوع واحد.

2. ترتيبها حسب النزول.

3. بحثها في سورتها مع بيان علاقتها بما قبلها وما بعدها.

4. بحث تسلسل الموضوع في السور التي ذكر فيها حتّى نصل إلى الغاية المقصودة، وهي الوحدة الموضوعيّة في القرآن[1].

وتتالت بعده الدراسات الموضوعيّة، فجاء أزهريّون آخرون وكتبوا في هذا المجال، واشترك معظمهم مع حجازي في خطوات المنهج مع بعض الزيادة والتفصيل، ومن هؤلاء -مثلاً- عبد الحي الفرماويّ، الذي أشار في كتابه «البداية في التفسير الموضوعيّ» إلى المنهج الموضوعيّ المعتمد لديه. ويمكن عرضه عبر النقاط الآتية:

1. اختيار الموضوع القرآنيّ المراد دراسته دراسةً موضوعيّة.

2. حصر الآيات التي تدور حول هذا الغرض القرآنيّ، وجمعها كلّها مكّيّها ومدنيّها.

3. ترتيب هذه الآيات حسب نزولها على النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع الوقوف على أسباب نزولها.

4. التعرّض لمعرفة مناسبات هذه الآيات في سورها.

5. تكوين الموضوع بجعله في إطار متناسب، وهيكل متناسق، تامّ البناء، متكامل الأجزاء.

 


[1] حجازي، الدكتور محمّد، الوحدة الموضوعيّة في القرآن الكريم، دار الكتب الحديثة، 1970م، ط1، ص33 - 34.

 

49


35

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

6. تكميل الموضوع من حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) إن احتاج الأمر؛ حتّى يكمل له هيكله ويزداد وضوحاً.

7. دراسة هذه الآيات دراسةً موضوعيّةً متكاملةً، تجانس بينها، وتوافق بين عامّها وخاصّها، مطلقها ومقيّدها، وتؤاخي بين متعارضها، وتحكم بناسخها على منسوخها؛ حتّى تلتقي جميع هذه النصوص في مصبّ واحد دون تباين أو اختلاف أو إكراه لبعض الآيات على معانٍ لا تحتملها[1].

الاتّجاه الاجتماعيّ في التفسير الموضوعيّ

لقد تقدّم أنّ عرض موضوع ما من خارج النصّ القرآنيّ على القرآن لاستخراج نظريّة القرآن، هو الاتّجاه الذي يمثّل أبرز روّاده السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر، على ما نقلنا عنه.

وعند مراجعة الدراسات والأبحاث والتجارب التفسيريّة للسيّد الشهيد ومن تابعه في الاتّجاه الاجتماعيّ؛ كالأستاذ زياد خليل الدغامين، والأستاذ عبد الباسط الرضيّ، نجد أنّ أبرز معالم المنهج لدى هذا الاتّجاه -وهو النظر خارج النصّ القرآنيّ أو النّظر الواقعيّ-، يمكن ترتيبها وَفق خطوتين زمنيّتين:

1. مرحلة قبل الدخول إلى النصّ القرآنيّ: فهم الواقع: إنّ فهم طبيعة المرحلة التي تمرّ بها الأمّة الإسلاميّة من النواحي الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، مطلب أساسيّ مسبّق لدى هذا الاتّجاه؛ لما له من أثر في انتخاب الموضوعات الأهمّ التي تمسّ واقع الأمّة، وتساعده في إيجاد الحلول له بعد إرجاع هذه المواضيع إلى القرآن الكريم واستخراج نظرته إليها، مضافاً إلى أنّ ذلك يساعد المفسّر في عرض ما استخلصه من القرآن الكريم بأسلوب يناسب هذا الواقع.


[1]  راجع: الدكتور الفرماويّ، عبد الحي، البداية في التفسير الموضوعيّ، 1976م، ط1، ص62.

 

50


36

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

2. المرحلة اللّاحقة للنظر في النصّ القرآنيّ: استيعاب حصيلة الفكر البشريّ: بعد استنتاج المفسّر لنظرة القرآن الكريم الكلّيّة تجاه الموضوع المطروح، يعود المفسّر إلى الواقع ليعقد مقارنة بين حصيلة نظر الأفكار البشريّة في الموضوع المطروح، وبين نظرة القرآن له؛ وهذا يكون أبلغ في إظهار كمال الإسلام وشموليّته وقدرته على إيجاد الإجابات والحلول لأسئلة البشريّة ومشاكلها الأصعب، وإظهار وعيّ التجربة البشريّة عن استبدال الهدايات السماويّة بالنظريّات الأرضيّة[1].

 

 


[1]  راجع: الرضيّ، عبد الباسط، المنهج الموضوعيّ في تفسير القرآن: دراسة تحليلية ونقدية، رسالة دبلوم دراسات عليا، آداب ابن مسيك: جامعة الحسن الثاني المحمدية، 2000م، ص273 بتصرّف.

 

51


37

الدرس الثالث: تاريخ التفسير الموضوعيّ- 2 -

المفاهيم الرئيسة

- يمكن تأريخ بداية الدراسات الموضوعيّة ذات البُعد المنهجيّ ببدايات القرن العشرين على يد بعض المستشرقين.

- ظهر أوّل منهج متكامل للتفسير الموضوعيّ على يد أمين الخوليّ رائد الاتّجاه الأدبيّ في التفسير، واستمرّ تلامذته على الطريق نفسه، وأبرزهم تلميذته وزوجته (بنت الشاطئ).

- تتابعت -بعد أمين الخوليّ- الدراسات التي عنيت بوضع أسس لمنهج التفسير الموضوعيّ، فكتب في ذلك علماء أزهريّون عدّة، أمثال: محمّد حجازيّ وعبد الحيّ الفرماويّ.

- يُعدّ النظر خارج النصّ القرآنيّ أحد أبرز معالم المنهج لدى الاتّجاه الاجتماعيّ في التفسير الموضوعيّ.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. ما هو المشترك أو المشتركات بين المناهج المطروحة ضمن استعراض حركة تطوّر المناهج؟

2. قارن بين المناهج المطروحة، واستخرج الإضافات النوعيّة للمناهج اللّاحقة إلى تلك السابقة.

3. ما هما مرحلتا النظر خارج النصّ القرآنيّ لدى الاتّجاه الاجتماعيّ في التفسير الموضوعيّ؟

 

52


38

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يلخّص الأسباب الداعية إلى التوجّه نحو التفسير الموضوعيّ.

2. يشرح أثر نمو العلوم الإنسانية في التفسير الموضوعي.

3. يتعرّف إلى أقسام التفسير الموضوعيّ.

 

53


39

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

تمهيد

بيّنّا في الدروس السابقة مفهوم التفسير الموضوعيّ، وميّزناه عن التفسير التجزيئيّ، وتعرّفنا إلى المسار التاريخيّ لهذا النوع من التفسير. وفي هذا الدرس نريد سنسلّط الضوء على العناوين الآتية:

- ما هي الأسباب والعوامل التي دعت الباحثين في مجال الدراسات القرآنيّة إلى التوجّه نحو الدراسات الموضوعيّة؟

- ما هي أقسام التفسير الموضوعيّ؟

 

الأسباب الداعية إلى التوجّه نحو التفسير الموضوعيّ

ثمّة عوامل وأسباب متعدّدة جعلت الأبحاث التفسيريّة تتوجّه صوب الأبحاث الموضوعيّة والتفسير الموضوعيّ، سنشير إلى أهمّها:

1. التدرّج في بيان المعارف القرآنيّة:

يرى مجموعة من المفسّرين والباحثين المتخصّصين في مجال الدراسات القرآنيّة، أنّ القرآن الكريم عرض لكلّ موضوع من موضوعاته بصيغة متفرّقة، وبثّها في سور مختلفة، فتكفَّل ببيان بُعد من أبعاد ذلك الموضوع في كلّ موضع من مواضع هذه السور الكريمة، ومن ثَمّ تتمثّل الطريقة الوحيدة التي تفضي إلى الإحاطة الكاملة برؤية القرآن تجاه موضوع ما، باستقصاء جميع الآيات ذات الصلة بالموضوع، وتبويبها، ثمّ دراستها، واستخراج النظريّة القرآنيّة في هذا المجال.

وقد عزا هؤلاء المفسّرون هذا الأسلوب القرآنيّ في نشر أجزاء الموضوع في سور 

 

55


40

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

مختلفة، إلى النزول التدريجيّ للقرآن، وتنوّع المخاطبين بالقرآن الكريم في عصر البعثة، وكذلك تنوّع الموضوعات المطروحة في القرآن الكريم وتكثّرها، وخاصّةً في السور الطوال.

ولذا نرى العلماء يسعون لجمع الآيات القرآنيّة المتعلّقة بالموضوع، ثمّ بيانها وشرحها بطريقة موضوعيّة تتناسب مع استخراج النظريّة القرآنيّة حيال الموضوع المحدّد. ومن الروّاد الأوائل لهذا النمط من التفسير العلّامة المجلسيّ، فنراه قد تصدّى لجمع الآيات كلّها ذات العلاقة بالموضوع عند دخوله فی كلّ فصل من فصول بحار الأنوار، ثمّ يلقي عليها نظرة شاملة، وينقل أحياناً آراء المفسّرين، ويسعى لتوضيح ما يذكره من الآيات[1].

وقد ربط علماء آخرون التنوّع والتدرّج بالهدف الأساس الذي من أجله نزل القرآن الكريم؛ وذلك باعتبار أنّ الهدف الرئيس من نزول القرآن هو إيجاد عمليّة التغيير الاجتماعيّ الجذريّ، وخلق القاعدة الثوريّة المناسبة لحمل الرسالة مع بيان المنهج الصحيح لهذه العمليّة.

وقد انعكس هذا الهدف بآثاره وظلاله على القرآن الكريم، وأثّر في أسلوبه ومنهجه في عرض الأفكار والمفاهيم.

ومن هنا، نجد أنّ القرآن الكريم لم يوحَ من قبل الله -تعالى- إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) مصنّفاً، كما هو متّبع في الكتب العلميّة المصنّفة إلى فصول وأبواب، ولكلّ باب موضوعه الخاصّ به، وهكذا...

 

 


[1] راجع على سبيل المثال: العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68 من بحار الأنوار حينما تكلّم العلّامة عن القلب، والسمع، والبصر، ومعنى کلٍّ منها فی القرآن. وفي الجزء 58 في باب حقيقة الرؤيا. وفي الجزء 22 فی الباب الأوّل عندما بحث عن ما جرى لليهود والنصارى والمشرکين بعد الهجرة. وقد اتّبع هذا المحقّق الكبير الأسلوب نفسه في الفصول الأُخرى من الکتاب.

 

56


41

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

فلم يتناول القرآن -مثلاً- مسألة التوحيد في سورة، والنبوّة في أخرى، وهكذا...، بل طرح الموضوعات والمفاهيم طرحاً متداخلاً ومزدوجاً، فنجده في مقطع من السورة، بل في آية واحدة أحياناً، يتعرّض إلى مسألة التوحيد والوحي وخبر نبيّ ما، وتهديد قوم ما، وبشارة آخرين...

وفي أحيان كثيرة يكرّر القرآن الكريم هذه المفاهيم كلّها أو بعضها، وفي مواضع متعدّدة، وبأشكال مختلفة.

وقد شكّلت هذه الطريقة في عرض المفاهيم والأفكار سِمة من سمات القرآن الكريم، ولم تكن مسألة عاديّة، بل هو منهج استهدف القرآن من خلاله هدفاً معيّناً، وهو هدف التغيير الاجتماعيّ الجذريّ؛ وذلك لأنّ طرح الأفكار والمفاهيم على الإنسان بهذا الشكل يؤثّر عليه تأثيراً خاصّاً، ويبني روحه ونفسه بناءً محكماً متداخلاً من خلال عمليّة تربويّة موضوعيّة يعيشها الإنسان أثناء تفاعله مع القرآن الكريم ومفاهيمه.

وقد كان للقرآن الكريم -مضافاً إلى هذه الطريقة العامّة في العرض- أسلوب خاصّ في العرض أيضاً. هذا الأسلوب الذي جعل الآيات مقطّعة وبهذا الشكل، وذات بداية ونهاية معيّنتين[1].

2. نموّ العلوم الإنسانيّة:

إنّ نموّ العلوم الإنسانيّة والتجريبيّة وتطوّرهما بشكل هائل، ولّدا فروعاً معرفيّة متعدّدة لهذه العلوم، وأحدثا نظريّات علميّة جديدة في مجالي العلوم الإنسانيّة والتجريبيّة. وبتوافر هذه الأبحاث والكفاءات العلميّة، تحقّقت المقوّمات لظهور جملة من النظريّات والمسائل القرآنيّة لم تكن قد خطرت على أذهان الباحثين

 


[1] الحكيم، السيد محمد باقر، تفسير سورة الحمد، مجمع الفكر الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1420هـ.ق، ط1، ص106.

 

57


42

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

والمفسّرين في العصور السابقة؛ وذلك بسبب عدم وجود هذه المعلومات والأدوات البحثيّة الجديدة. ومن هنا، أصبح الباحث المعاصر بحاجة ماسّة إلى آليّات ومنهجيّات بحثيّة تمكّنه من إعطاء الأجوبة المناسبة عن هذه التساؤلات المعاصرة، سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو التربية أو الإدارة أو غيرها من المجالات. وبما أنّ التراث الإسلاميّ المكتوب، وبالأخصّ في مجال تفسير القرآن الكريم، لا يلبّي هذه الحاجات المعاصرة، لجأ الباحثون إلى طرق أكثر شموليّة. ومن هنا، بدأت الأبحاث التفسيريّة تتّجه صوب الدراسات الموضوعيّة، وأصبحنا نلحظ مئات الدراسات في هذا المجال؛ من قبيل «الحرّيّة في القرآن»[1]، «الإدارة الإنسانيّة في ضوء القرآن»[2]، «الحرب النفسيّة في القرآن»[3]، «الصلح في ضوء القرآن الكريم»[4]، «الأخلاق في القرآن»، «المجتمع والتاريخ في الرؤية القرآنيّة»‏، «الحقوق والسياسة في القرآن»، «الحرب والجهاد في القرآن، الإمامة والولاية في القرآن الكريم»[5].

3. السعي لإبراز الرؤى والنظريّات الاجتماعيّة للإسلام:

حين انحسر الإسلام عن التطبيق في مجتمع المسلمين، وواجه النظريّات العقائديّة المختلفة (سواء منها ما تعلّق بالنّظرة الكونيّة كدعاوى الإلحاد والمادّيّة، أو تلك المتعلّقة بالمذاهب الاقتصاديّة والاجتماعيّة كالرأسماليّة والاشتراكيّة)، ظهرت الحاجة الملحّة إلى البحث الموضوعيّ القرآنيّ في المجالات المختلفة؛ وذلك لأنّ الإسلام أصبح

 


[1] الصدر، الشهيد السيد محمد باقر، الحرية في القرآن الكريم، مجلّة الأضواء، السّنة الثانية - العدد الأوّل، النجف الأشرف، ربيع الأول 1381هـ.ق.

[2] حلس، محمّد عثمان، الإرداة الإنسانيّة في ضوء القرآن الكريم(دراسة موضوعية)- رسالة ماجستير قدّمت للجامعة الإسلاميّة في غزّة، 2009م- 1430هـ.

[3] عارف، الدكتور معن بن عبد الحقّ، الحرب النفسية في ضوء القرآن الكريم، السعودية-الرياض، 2007م - 1428هـ.

[4] طه حمد، طه عابدين، الصلح في ضوء القرآن الكريم، مجلة الجامعة الإسلامية، السعودية - المدينة المنورة، 1430هـ.ق - 2009م، لا.ط.

[5] هذه الكتب هي من المؤلّفات القيّمة للشيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ في مجال الدراسات الموضوعيّة.

 

58


43

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

بحاجة إلى أن يُعرض كـ‍(نظريّة) عقديّة سماويّة لها نظرتها المستقلّة في مختلف شؤون الحياة؛ وذلك من أجل مواجهة النظريّات الأخرى، ولكي يتّضح مدى صلاحيّته، نظريّاً أوّلاً ثمّ عمليّاً، لمعالجة مشاكل الحياة المعاصرة.

إنّ سعي جملة من المفكّرين والباحثين وعنايتهم بردّ الشبهات الغربيّة والاستعماريّة على الإسلام عامّة وعلى القرآن الكريم خاصّة، جعلاهم يهتمّون بالتفسير الموضوعيّ؛ وذلك لاستخراج النظريّات الإسلاميّة، وبلورة الرؤى التربويّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة بطريقة تُبعد عن الدين الإسلاميّ شبهة العزلة عن المجتمع والطقوسيّة والفرديّة.

فالحاجة إلى التفسير الموضوعيّ، في هذا العصر، تنبع -في الحقيقة- من الحاجة إلى عرض الإسلام ومفاهيم القرآن عرضاً نظريّاً، يتكفّل بناء الأساس الذي تنبثق منه جميع التفصيلات الأخرى، ومنها الأحكام الشرعيّة[1].

4. ردّ شبهات المستشرقين على القرآن الكريم:

يرى فريق من المستشرقين، أنّ القرآن هو بيانات متفرّقة ومشتّتة ولا يجمعها جامع منطقيّ ولا وحدة في النظم. ويرجع بعض هؤلاء الباحثين هذا التشتّت والاضطراب المزعوم في مطالب القرآن، إلى قصد رفع الملل والتعب عن قارئ القرآن، والحدّ من تنفّره عند القراءة، وعَزَتْه مجموعةٌ أخرى إلى العيب والنقص في طريقة الصحابة في ترتيب آيات كلّ سورة من سور القرآن[2].

 


[1] راجع: الحكيم، السيد محمد باقر، علوم القرآن، مجمع الفكر الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، ربيع الثاني 1417هـ.ق، ط3، ص348.

[2] راجع: أجنتس، غولدتسهير، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ترجمة: عبد الحليم النجّار، مكتبة الخانجي - مصر؛ مكتبة المثنى - بغداد، 1374هـ.ق - 1955م، لا.ط، ص4.

 

59


44

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

ولرفع هذه الشبهات وغيرها، لجأ علماء المسلمين من الفريقين إلى التفسير الموضوعيّ كأداة تظهر النظرة المنسجمة للقرآن الكريم تجاه الموضوع الواحد، وإن تعدّد التعرّض له في سور مختلفة باختلاف المناسبات، ومن ثَمَّ ظهرت نظريّة الوحدة الموضوعيّة لسور القرآن الكريم؛ من أجل التأليف بين الموضوعات المختلفة المذكورة في السورة الواحدة، وبيان هدف ومقصد عامّ تتّجه الآيات المتعدّدة على اختلاف موضوعاتها نحوه. وفي السياق نفسه، تنامى الاتّجاه القائل بالوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم كلّه ردّاً على هذه المزاعم المذكورة.

أقسام التفسير الموضوعيّ

ثمّة تقسيمات عدّة للتفسير الموضوعيّ، وذلك حسب لحاظ كلّ باحث ومحقّق في هذا المجال، فهو يتعدّد تارة بلحاظ منشأ بحث الموضوع، من حيث كونه مستخرجاً من القرآن الكريم أو مطروحاً عليه لاستلهام نظرته إليه بعد عرضه عليه[1]، وأخرى بلحاظات أخرى، كالتي بين التفسير الموضوعيّ العامّ والتفسير الموضوعيّ الخاصّ، فاللّحاظ بينهما هو نوع الوحدة بين مصاديق الموضوع في القرآن الكريم، فالتفسير الموضوعيّ العامّ هو الذي بين أفراده وحدة عامّة، ومثال ذلك تفاسير آيات الأحكام، حيث تتنوّع المواضيع والقضايا من الصلاة والزكاة والحجّ والطهارة والزواج...، والجامع العامّ بينها هو الأحكام الشرعيّة القرآنيّة.

أمّا التفسير الموضوعيّ الخاصّ، فهو الذي يكون بين أفراده وحدة خاصّة. والوحدة هنا أخصّ وأقرب من تلك التي في التفسير الموضوعيّ العامّ، فإطار البحث في هذا القسم يُحدَّد بالحدود الدقيقة للمفهوم والمعنى؛ ومثال هذا القسم: «اليهود

 


[1] راجع: معرفت، الشيخ محمّد هادي، التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، إيران - مشهد، 1426هـ.ق - 1384هـ.ش، ط2، ج2، ص1042 - 1043.

 

60


45

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

في القرآن»، «الصبر في القرآن»، «اليقين في القرآن» إلخ...[1].

وثمّة لحاظ ثالث للتقسيم، هو الأهمّ، وهو التقسيم بلحاظ نوع الموضوع. وأهمّيّته تنبع من تأثيره على المنهج المتّبع في التفسير الموضوعيّ؛ إذ بتغيّر الموضوع تتغيّر طبيعة المنهج المستعمل والنتائج المتوقّعة.

ويقسّم الموضوع عادة إلى ثلاثة أقسام، فقد يكون الموضوع المبحوث مصطلحاً قرآنيّاً أو مفردة قرآنيّة[2]، وقد يكون هو الهدف من السورة الواحدة أو المحور العامّ لها، وقد يكون موضوعاً قرآنيّاً، سواء كان مطروحاً في سورة واحدة أو سور مختلفة من القرآن الكريم.

والقسم الثالث يقسّم بدوره بلحاظ نوعه إلى قسمين:

1. التفسير الموضوعيّ الاتّحاديّ: الذي يهتمّ ببحث أحد المواضيع القرآنيّة (كالنبوّة، الإمامة، المعاد...). وهذا هو المعروف في الدّراسات الموضوعيّة المعاصرة.

2. التفسير الموضوعيّ الارتباطيّ للموضوعات: حيث يتناول مواضيع القرآن المختلفة من حيث علاقتها ببعضها. فهو يهتمّ ببحث ودراسة الارتباط بين المواضيع القرآنيّة؛ فعلى سبيل المثال، بعد بحث موضوع «الإيمان»، و«التقوى» و«العمل الصالح» كلٍّ على حدة في التفسير الموضوعيّ الاتّحاديّ، تتمّ عمليّة بحث علاقة هذه المواضيع الثلاثة بعضها ببعض من خلال الاعتماد على الآيات والملاحظات الواردة فی ذلك[3]. وبعبارة أخرى، إنّ الموضوع في التفسير الموضوعيّ الارتباطيّ


 


[1] راجع: سعيد، عبد الستّار فتح الله، المدخل إلى التفسير الموضوعيّ، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر - القاهرة، لا.ت، لا.ط، ص24 - 25.

[2] بناءً على دخول مباحث المفردة القرآنيّة في التفسير الموضوعيّ، وقد يشكل على دخولها في التفسير الموضوعيّ لعدم انطباق مفهومه عليها.

[3] راجع: الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، نفحات القرآن، مصدر سابق، ج1، ص6؛ الرضائيّ الأصفهانيّ، محمّد عليّ، مناهج التّفسير واتّجاهاته - دراسة مقارنة في مناهج تفسير القرآن، تعريب: قاسم البيضائي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، لبنان - بيروت، 2008م، ط1، ص395.

 

61


46

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

هو نوع الارتباط (بعد الفراغ من وجود أصل الارتباط) بين المواضيع القرآنيّة المبحوثة في التفسير الاتّحاديّ. ولذا، فإنّ التفسير الموضوعيّ الارتباطيّ مترتّب على الاتّحاديّ، ومتأخّر رتبةً عنه.

 

 

62

 


47

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

المفاهيم الرئيسة

- أهمّ الأسباب الداعية إلى التوجّه نحو التفسير الموضوعيّ:

· التدرّج في بيان المعارف القرآنيّة.

· نموّ العلوم الإنسانيّة.

· السعي لإبراز الرؤى والنظريّات الاجتماعيّة للإسلام.

· ردّ شبهات المستشرقين على القرآن الكريم.

- يقسّم التفسير الموضوعيّ بلحاظ منشأ بحث الموضوع إلى:

· ما كان موضوعه مستخرجاً من القرآن الكريم.

· ما كان موضوعه معروضاً على القرآن الكريم لاستنباط نظرة القرآن الكريم حوله.

- يقسّم التفسير الموضوعيّ بلحاظ نوع الوحدة بين مصاديق الموضوع في القرآن الكريم إلى:

· التفسير الموضوعيّ العامّ.

· التفسير الموضوعيّ الخاصّ.

- يقسّم التفسير الموضوعيّ بلحاظ نوع الموضوع إلى:

· ما يكون الموضوع المبحوث فيه مصطلحاً قرآنيّاً أو مفردة قرآنيّة.

· ما يكون الموضوع المبحوث فيه هو الهدف من السورة الواحدة أو المحور العامّ لها.

· ما يكون الموضوع المبحوث فيه موضوعاً قرآنيّاً.

- يقسّم التفسير الموضوعيّ بلحاظ نوع التفسير إلى: التفسير الموضوعي الاتحادي، والتفسير الموضوعي الارتباطي.

 

63


48

الدرس الرابع: التفسير الموضوعيّ الدّوافع والأقسام

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. عدّد أهمّ الأسباب الداعية إلى التوجّه نحو التفسير الموضوعيّ، مع توضيح كلٍّ منها باختصار.

2. عدّد اللّحاظات المختلفة لتقسيم التفسير الموضوعيّ.

3. اذكر الأقسام المترتّبة على التقسيم بهذه اللّحاظات.

4. ما هي أقسام التفسير الموضوعيّ الذي يكون الموضوع المبحوث فيه موضوعاً أو قضيّة قرآنيّة؟

 

64

 

 


49

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1.يتعرّف إلى علم المناسبات وصلته بالتفسير الموضوعيّ للسورة.

2. يشرح مفهوم وحدة السورة القرآنيّة وآثارها والقائلين بها، والمنكرين لها.

3. يبيّن مفهوم التفسير الموضوعيّ للسورة.

 

67


50

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

تمهيد

تقدّم في أقسام التفسير الموضوعيّ، تنوّع مناهجه باختلاف نوع الموضوع المبحوث عنه في القرآن الكريم. ومقصد السورة أو محورها العامّ هو أحد نوعَي الموضوع المبحوث في الدراسات الموضوعيّة، خصوصاً الحديثة منها. وقبل الخوض في منهج التفسير الموضوعيّ للسورة، لا بدّ من بيان الأصل النظريّ الذي يرتكز عليه التفسير الموضوعيّ للسورة، ألا وهو وحدة السورة القرآنيّة.

علم المناسبات والتفسير الموضوعيّ للسورة

المناسبات لغةً: جمع مناسبة، وهي مصدر من ناسب يناسب مناسبة، ومادّتها: «(النون والسين والباء)، كلمة واحدة قياسها اتّصال شيء بشيء، منه النسب، سمّي لاتّصاله وللاتّصال به»[1].

وفي اصطلاح علماء القرآن، «إنّ مناسبات القرآن هي علل ترتيب أجزائه بعضها ببعض، أو هي: المعنى الذي يربط بين سوره وآياته»[2].

إنّ مهمّة الباحث، في تفسير السورة الواحدة، تتجلّى في الكشف عن المقصد العامّ للسورة، بعد الوقوف على مجموعة من الأمور. وهذا النوع من التفسير الموضوعيّ وثيق الصلة بعلم المناسبة، كون التسليم -أوّلاً- بوجود مناسبة بين الآيات في الجملة

 


[1] ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط 1، ج5، ص423.

[2] انظر: بازمول، محمد بن عمر بن سالم، علم المناسبات في السور والآيات، المكتبة المكية، السعودية - مكة المكرمة، 1423هـ.ق - 2002م، ط1، ص27.

 

69


51

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

مقدّمة تصديقيّة ضروريّة للقول بوحدة السورة القرآنيّة[1]؛ لبداهة استحالة القول بوحدة السورة مع عدم وجود مناسبة بين الآيات (مهما كان نوعها) تخدم هدف أو محور السورة الرئيس، وهو في المقام الثاني من الأدوات التي يستعملها المفسّر للكشف عن محور السورة الأساس. ولذا، ذهب بعض الباحثين إلى أنّه لا بدّ عند تفسير السـورة تفسيراً موضوعيّاً من الإلمام -أوّلاً- بعلم المناسبات بين الآيات في السورة الواحدة[2]. وما يعني المفسّر للسورة موضوعيّاً هو المناسبة بين الآيات لا تلك التي بين السّور[3]، وإنّ ربط بعض الباحثين بين المناسبة بين السورة المبحوث فيها وسابقتها في منهجه.

وقد ظهر علم المناسبات على يد أبي بكر النيسابوريّ(ت324هـ) في بغداد، وكان أبو بكر ابن العربيّ(543هـ) يشير إلى المناسبات في تفسيره «أحكام القرآن»، ومن المهتمّين بها كذلك الرازيّ(626هـ) في تفسيره «مفاتيح الغيب». وعندما جاء الزركشيّ لجمع علوم القرآن في مؤلَّف واحد، خصَّ علم المناسبات بالدرس، وضرب أمثلة عن المناسبات بين السور وبين الآيات في السورة الواحدة، إلى أن قام برهان الدّين البقاعيّ (885هـ) بتفسير القرآن كلّه على أساس فكرة المناسبات في عمله الضخم «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»[4].

وفي مقابل هذا الاتّجاه، ظهر اتّجاه مناوئ ينكر القول بالتناسب، وكان على رأسه تاريخيّاً العزّ بن عبد السلام(ت 660هـ)، الذي قال: «إنّ من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض، ويتشبّث بعضه ببعض، لئلّا يكون مقطّعاً مبتّراً، وهذا شرط أن يقع الكلام في أمر متّحد، فيرتبط أوّله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط


 


[1] لذلك يمكن القول: إنّ المنكرين له منكرون لوحدة السورة من باب أولى، وإن لم يصّرحوا بذلك بالضرورة.

[2] راجع: مسلم، مصطفى، مباحث في التفسير الموضوعيّ، دار القلم، لا.م، 1426هـ.ق - 2005م، ط4، ص57.

[3] لعدم وجود دليل على توقيفيّة ترتيب السور.

[4] مسلم، مباحث في التفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص66 - 67.

 

70


52

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

فيه ارتباط أحد الكلامَين بالآخر، ومن ربط ذلك فهو متكلّف لِما لم يقدر عليه إلّا بربط ركيك يصان من مثله حسن الحديث، فضلاً عن أحسنه، فإنّ القرآن نزل على الرسول (صلى الله عليه وآله) في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرّعت لأسباب مختلفة غير مؤتلفة، وما كان كذلك لا يتأتّى ربط بعضه ببعض؛ إذ ليس بحسن أن يرتبط تصرّف الإله في خلقه وأحكامه بعضه ببعض، مع اختلاف العلل والأسباب»[1].

 

وحدة السورة القرآنيّة

يعدّ القول بنظم كلّيّ تلتئم فيه مواضيع السورة الواحدة المبدأَ التصديقيّ الذي يقوم عليه التفسير الموضوعيّ للسورة، فبدونه تغدو السورة مجموعة من المواضيع والأحداث والقضايا المتفرّقة دون أن يجمع بينها أيّ مناسبة أو تؤدّي إلى غرض واحد أو تدور حول محور واحد.

وبناءً على ذلك، فلا مناصّ من إثبات وحدة ما تجمع متفرّق آيات السورة الواحدة، أو التسليم بذلك كأصل موضوعيّ قبل خوض غمار هذا القسم من التفسير الموضوعيّ.

وقد عرّفها بعض الباحثين بقوله: «هي أمر كلّيّ تتعانق حوله موضوعات السورة القرآنيّة الواحدة، وتنشدّ إليه، وتجتمع حوله الآيات»[2].

وبذلك يظهر الفرق بين القول بوحدة السور القرآنيّة والقول بوجود التناسب بين الآيات، فعلى الرغم من أنّ القول بوحدة السور القرآنيّة يستلزم في رتبة أسبق التسليم بوجود المناسبة بين آيات السورة الواحدة، غير أنّ العكس غير صحيح، فلا

 


[1] عبد السلام، أبو محمّد عزّ الدين عبد العزيز، الإشارة على الإيجاز في بعض أنواع المجاز، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1995م، ط1، ص338.

[2] علان، عليّ عبد الله عليّ، منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ - عرض ونقد وتجديد، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، الأردن - عمان، 1433هـ.ق - 2012م، لا.ط، ص227.

 

71


53

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

يستلزم القول بوجود التناسب بين الآيات القولَ بوجود أمر كلّيّ مستهدف من خلال هذا الربط والتناسب، فقد تتناسب الآيات من حيث تقدّم موقعها في السورة أو تأخّره أو غيرها من وجوه المناسبة مع الحفاظ على تعدّد مواضيع السورة أو محاورها.

وعلى الرغم من اتّفاق كثير من علماء التفسير (على مستوى النظريّة والتطبيق) بتحقّق وحدة معيّنة للسورة الواحدة، غير أنّهم اختلفوا في طبيعة هذه الوحدة، فمنهم من رآها في موضوع السورة فسمّاها وحدة موضوعيّة، ومنهم من رآها في مقاصدها أو أهدافها...، ومنهم من رآها مِن خلال اتّساقها وانسجام قضاياها وموضوعاتها فسمّاها وحدة نسقيّة. ويمكن استخلاص قاسم مشترك عامّ بينهم يقوم على عنصرين رئيسين:

1. تماسك مكوّنات السورة وتناسقها وتناسبها، وهذا الذي يساعد فيه علم المناسبة.

2. وجود المعطى العامّ الكلّيّ المراد من النّظم الخاصّ للسورة، بصرف النظر عن طبيعة هذا المعطى، فقد يكون هو المقصد أو الهدف العامّ للسورة، كما قد يقال في سورة (الإخلاص) من أنّها تهدف إلى تقرير الوحدانيّة لله سبحانه، أو المحور العامّ لها، كما في سورتي (الزلزلة) و(القارعة) اللّتين تدوران حول أحداث الحشر والقيامة، أو سورة (الغاشية) التي تتناول أحوال الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، وتستدلّ على حكمة الله -تعالى- وقدرته من خلال تدبّر المخلوقات. أو غير ذلك من محاور الوحدة المتصوّرة[1].

 


[1] راجع: رشوانيّ، منهج التفسير الموضوعيّ - دراسة نقديّة، مصدر سابق، ص242؛ مسلم، مباحث في التفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص47.

 

72


54

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

وحدة السورة القرآنيّة بين الإثبات والنّفي

اتّضح ممّا سبق، أنّ إنكار التناسب بين الآيات يستلزم إنكار وحدة السور القرآنيّة، وكان الداعي إليه، كما نقلنا آنفاً عن العزّ بن عبد السّلام، هو النزول التدريجيّ للقرآن الكريم. وفي ما يلي بقيّة الأدلّة التي استدلّ بها منكرو وحدة السورة:

1. تحديد موضوعات السور أمر اجتهاديّ: ذهب بعض الباحثين إلى إخراج بحث التفسير الموضوعيّ للسورة عن مباحث التفسير الموضوعيّ؛ وذلك لكون موضوع السورة المبحوث فيها أمراً اجتهاديّاً ظنّيّاً يختلف فيه الباحثون والمفسّرون[1]، وذهب بعضهم -بعد استعراض عشرة آراء لمفسّرين حول الإطار العامّ لسورة الحجر- إلى إنكار الوحدة الموضوعيّة للسورة، فقال: «الناظر في هذه ﺍﻷقوﺍﻝ جميعاً يسعه ﺃﻥ ينكر ما يسمّى بـ(الوحدة الموضوعيّة) ﻓـﻲ سور القرآن الكريم؛ نظراً إلى تباين هذه الأقوال، وتباعدها، وطريقة تقسيمها»[2].

2. إغفال بعض موضوعات السورة: يعتقد الدكتور رجب البيوميّ أنّ انطلاق الباحث من مبدأ الوحدة الموضوعيّة للسورة سوف يؤدّي به -عن قصد أو غير قصد- إلى إغفال بعض المواضيع الموجودة في السورة ليسقط الموضوع الذي في ذهنه (الذي يعتقده موضوع السورة الأساس) على نسق آيات السورة وسياقها، فيكون الباحث بذلك قد انطلق في بحثه العلميّ من موقع متحيّز[3].

أمّا المثبتون، فمنهم من استدلّ بأنّ:

 


[1] راجع: سعيد، المدخل إلى التفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص25.

[2] ﺍﻟﺪﻏﺎﻣﻴﻦ، ﻣﻨﻬﺠﻴّﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮعيّ، مصدر سابق، ص150.

[3] راجع: البيوميّ، محمّد رجب، البيان القرآنيّ، الدار المصرية اللبنانية، 2005م، ط2، ص195.

 

73


55

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

1. الشتات الموضوعيّ لا يلائم أسلوب القرآن الكريم؛ حيث إن تشتّت المواضيع دون إطار واحد يجمعها أمر مستهجن في أساليب التعبير لدى الحكماء، ويشوّش ذهن القارئ؛ لذا يجب تنزيه كلام سيّد الحكماء عنه[1].

2. توزيع الآيات في السور تمّ وفقاً لوحدة الموضوع، فالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أمر بتوزيعها على خلاف ترتيب نزولها؛ لمراعاة كون آيات السورة تدور حول موضوع واحد[2].

 

آثار القول بوحدة السورة القرآنيّة

للقول بوحدة السورة موضوعيّاً أو نسقيّاً أو بغير ذلك من محاور للوحدة آثار عدّة على عمليّة التفسير والمنهج المتّبع فيها وغيرها من الأمور، نذكر منها:

1. التأثير على تفسير آيات السورة نفسها بطريقة تتّسق مع المحور العامّ لوحدة السورة، ومثال ذلك ما ذكره الرازيّ في تفسيره الكبير حول تفسير قوله -تعالى-: ﴿قُل هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَاءٞ﴾[3]، فبعد أن شرح المقصد العامّ من السورة بنظره بقوله: «وقد ظهر من كلامنا في تفسير هذه السورة أنّ المقصود في هذه السورة هو ذكر الأجوبة عن قولهم: ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدعُونَا إِلَيهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقرٞ وَمِن بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٞ فَٱعمَل إِنَّنَا عَٰمِلُونَ﴾[4]، ذكر أنّ قوله -تعالى-: ﴿قُل هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَاءٞ﴾[5] متعلّق بقولهم: ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدعُونَا إِلَيهِ﴾، حيث قال: «وكلّ من أنصف ولم يتعسّف عَلِم أنّا إذا

 


[1] راجع: آل موسى، عليّ، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم - قراءة في المنهجين: التجميعي والكشفي، دروس ألقاها: الشيخ علي آل موسى، كتبها: عبد العزيز حسن آل زايد - محمد حسن آل زايد - موسى سعيد البحارنة، دار كميل للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، 1430هـ.ق - 2099م، ط1، ص218.

[2] راجع: آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص218.

[3]  سورة فصّلت، الآية 44.

[4] السورة نفسها، الآية 5.

 

74

[5] السورة نفسها، الآية 44.


56

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

فسّرنا هذه الآية على الوجه الذي ذكرناه صارت هذه السورة من أوّلها إلى آخرها واحداً منتظماً مسوقاً نحو غرض واحد»[1].

2. ذهب بعض الباحثين[2] إلى الاشتراط على المفسّر بالتفسير الموضوعيّ القرآنيّ أن يعرف علاقة موضوع بحثه بمحور السورة أو مقصدها العامّ (أو مقاصدها)، أو بعبارة أخرى بناء التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ في المنهج على التفسير الموضوعيّ للسور المرتبطة بموضوع البحث، كما بني التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ منهجيّاً على التفسير الترتيبيّ للآيات المرتبطة بموضوع البحث، وعلى معرفة مناسباتها بما سبق ولحق من الآيات؛ إذ إنّ معرفة محور السورة ومقصدها يعين المفسّر على معرفة معلومات حول موضوعه مختلفة عن تلك التي يحصل عليها بمجرّد استقراء الآيات المرتبطة بموضوعه دون النّظر في موقعها من محاور السور التي وقعت فيها تلك الآيات أو مقاصدها، فلو أخذنا محور سورة البقرة -مثلاً- بافتراض أنّه «الاستخلاف في الأرض»، قد يظهر للمفسّر الموضوعيّ الباحث عن «الرّبا في القرآن الكريم» -بعد ربطه لآيات الرّبا بمحور السورة وبالآيات التي تحدّثت عن سبب زوال خلافة بني إسرائيل- أنّ أثر الرّبا لا يقتصر في الدنيا على ما ذكرته الآيات بشكل مباشر من محق المال والتعرّض لحرب الله ورسوله، بل هو من أسباب زوال الخلافة الإلهيّة.

ويذهب بعض آخر إلى أبعد من ذلك، ليرى أنّ السورة تبقى تؤدّي الغرض والهدف العامّ منها ما روعي الترتيب النسقيّ التوقيفيّ للآيات الذي يخدم هذا الغرض، فإذا تمّ تقطيع السورة إلى وحدات موضوعيّة قضي على الهدف المرجوّ من السورة؛ ولذا فإنّه يرى أنّ التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ عمل نافع من

 


[1] الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، تفسير الرازي، لا.م، لا.ن، لا.ت، ط3، ج27، ص134.

[2]  انظر: علان، منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ، مصدر سابق، ص22.

 

75


57

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

الحيثيّة العلميّة، غير أنّه ليس كذلك من الناحية الإرشاديّة[1]؛ لأنّه مبنيّ على إغفال هذا الترتيب النسقيّ للسورة.

3. بيان وجه جديد للإعجاز وللردّ على شبهات المستشرقين بعدم وجود الترابط بين آيات القرآن الكريم، ذلك أنّ جمع القرآن الكريم لموضوعات عدّة تصبّ في محور واحد، وتؤدّي إلى هدف واحد في سورة مع تباعد زمن نزول هذه الموضوعات أمر عجيب[2]، ومصداق ظاهر لقوله -تعالى-: ﴿ يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱختِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾[3].

مفهوم التفسير الموضوعيّ للسورة

بناءً على ما تقدّم، تبيّن أنّ التفسير الموضوعيّ للسورة قسم من التفسير الموضوعيّ، يقوم على أساس القول بوحدة معيّنة بين آيات السورة الواحدة تشكّل نظماً كليّاً، ويكون هدف المفسّر حينها اكتشاف هذا النظم الكلّيّ في السورة الواحدة، ثمّ معرفة ما وراء هذا النظم الخاصّ، سواء أكان وراء هذا النظم مقصد عامّ للسورة أم محور لها أم غير ذلك؛ لذا عدل بعض الباحثين في هذا العلم عن تعريف التفسير الموضوعيّ للسورة بما مضمونه أنّه لون من التفسير الموضوعيّ يبحث فيه عن الهدف الأساس في السورة الواحدة، ويكون هذا الهدف هو محور التفسير الموضوعيّ للسورة[4]، إلى تعريف عامّ لجميع أنواع النظم المحتملة، فعرّفه بأنّه: «النظر الخاصّ في السورة القرآنيّة من حيث كلّيّتها ونظمها، لا من حيث الدلالة التفصيليّة لآياتها»[5].

 

[1] راجع: كسّار، جواد عليّ، المنهج الترابطيّ ونظريّة التأويل: دراسة في تجربة التفسير الكاشف، دار الصادقين، إيران - قم المشرّفة، 1420هـ.ق - 2000م، ط1، ص61 - 62.

[2] راجع: عبد المطّلب، فوزي، الوحدة الموضوعيّة للسور القرآنية، كلية التربية، السعودية - المدينة المنورة، 1402هـ.ق - 1982م، ط2، ص5.

[3]  سورة النساء، الآية 82.

[4] راجع: مسلم، مباحث في التفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص28.

[5] رشوانيّ، منهج التفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص243.

 

76


58

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

المفاهيم الرئيسة

- علم المناسبة هو العلم بعلل ترتيب أجزاء القرآن الكريم (من الآيات والسّور) بعضها ببعض.

- يرتبط علم المناسبة بالتفسير الموضوعيّ للسورة عن طريق: أنّ التسليم بوجود المناسبة بين الآيات مقدّمة تصديقيّة للقول بوحدة السورة موضوعيّاً، وكونه أداة للكشف عن محور السورة أو مقصدها.

- وحدة السورة القرآنيّة هي انشدادها نحو أمر كلّيّ تتعانق حوله موضوعات السورة القرآنيّة الواحدة، وتجتمع حوله الآيات.

- القاسم المشترك بين الأقوال المختلفة في طبيعة وحدة السورة يرتكز على: تماسك مكوّنات السورة وتناسقها وتناسبها، ووجود المعطى العامّ الكلّيّ المراد من النّظم الخاصّ للسورة، واستدلّ القائلون بوحدة السورة بأنّ: الشتات الموضوعيّ لا يلائم أسلوب القرآن الكريم، وتوزيع الآيات في السور تمّ وفقاً لوحدة الموضوع.

- استدلّ النافون لوحدة السورة بأنّ: تحديد موضوعات السور أمر اجتهاديّ، والعمل وَفق مبدأ وحدة السورة يودّي إلى إغفال بعض موضوعات السورة.

- تعريف التفسير الموضوعيّ للسورة هو: «النظر الخاصّ في السورة القرآنيّة من حيث كليّتها ونظمها، لا من حيث الدلالة التفصيليّة لآياتها».

 

77

 


59

الدرس الخامس: مقدّمات تأسيسيّة في التفسير الموضوعيّ للسورة

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. كيف يرتبط علم المناسبة بوحدة السورة وبالتفسير الموضوعيّ للسورة بالنتيجة؟

2. ما هي وحدة السورة، وما هو الأساس الذي ترتكز عليه؟

3. ما هي أدلّة القائلين بوحدة السورة، وما هي أدلّة النفاة لها؟

4. اذكر بعض آثار القول بوحدة السورة؟

5. اذكر التعريف الأشمل للتفسير الموضوعيّ للسورة؟

6. ﻣﺎ الفرق بين (الهدف ﺍﻟﻌﺎﻡّ) للسورة وبين (ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡّ) ﻟﻬﺎ؟

 

 

78


60

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يحدّد معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة.

2. يبيّن كيفيّة جمع المعلومات العامة حول السورة.

3. يعدّد خطوات منهج التفسير الموضوعيّ للسورة.

 

79

 

 


61

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

تمهيد

تقدّم في الدرس السابق، بيان أهمّ الأسس التي يقوم عليها التفسير الموضوعيّ للسورة، وحان الوقت الآن لاتّباع ذلك بعرض أهمّ المعالم المشتركة في المنهج بين الباحثين والمفسّرين المنظّرين لمنهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة.

معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة

سبق أن عرضنا في الدرس السابق مفهوم التفسير الموضوعيّ للسورة، وذكرنا أنّه يدور حول معرفة الهدف أو المحور العامّ للسورة وربطه بنظم الآيات فيها؛ لذا فإنّ أيّ خطوة في أيّ منهج للتفسير الموضوعيّ للسورة سيكون غرضها الأساس الكشف عن هدف السورة أو محورها العامّ، وسنعرض لأهمّها في ما يأتي:

أوّلاً: جمع معلومات عامّة حول السورة (اسم السورة، تاريخ النزول، سبب النّزول، خصائصها، فضائلها):

اختلفت أنظار الباحثين في المعلومات حول السورة (من خارج نصّها) التي يمكن أن تعين الباحث على استخلاص محورها العامّ، فتبنّى بعضهم إمكان الاستعانة بـ:

1. اسم السورة لمعرفة مقصودها، قال البقاعيّ في كتاب «نظم الدرر»: «... وقد ظهر لي باستعمالي لهذه القاعدة بعد وصولي إلى سورة سبأ في السنة العاشرة من ابتدائي في عمل هذا الكتاب، أنّ اسم كلّ سورة مترجم عن مقصودها؛ لأنّ اسم كلّ شيء يظهر المناسبة بينه وبين مسماة عنوانه الدالّ إجمالاً على تفصيل ما فيه؛ وذلك هو الذي أنبأ به آدم (عليه السلام) عند العرض على الملائكة عليهم الصلاة

 

81


62

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

والسلام، ومقصود كلّ سورة هادٍ إلى تناسبها، فأذكر المقصود من كلّ سورة، وأطبّق بينه وبين اسمها»[1].

وخالف البقاعيّ في هذا النّظر من المعاصرين الشيخ الغزاليّ، فقال: «أسماء السور شيء غير موضوعاتها، فالموضوعات غالباً متشعّبة مستفيضة، أمّا الأسماء فذات دلالات جزئيّة»[2]، فضلاً عمّا يرد على هذه الطريقة من تنوّع أسماء السّور، وعدم توقيفيّتها بأجمعها. وفي هذا الصدد يقول العلّامة الطباطبائيّ: «وتسمية السور تتناسب مع موضوع ذكر فيها أو جاء الإسلام نفسه فيها، كسورة البقرة وسورة آل عمران وسورة الإسراء وسورة التوحيد، وفي نسخ القرآن القديمة كثيراً ما كانوا يكتبون سورة تذكر فيها البقرة وسورة يذكر فيها آل عمران. وربّما تكون جملة من سورة معرّفة لها، كسورة اقرأ باسم ربك، وسورة إنّا أنزلناه، وسورة لم يكن وأشباهها. وأحياناً يكون وصف السورة معرّفاً لها، كسورة فاتحة الكتاب وسورة أمّ الكتاب والسبع المثاني وسورة الإخلاص وأمثالهما.

إنّ هذه الأسماء والنعوت كانت موجودة في الصدر الأوّل؛ بشهادة الآثار والتاريخ، وحتّى أسماء بعض السور جاءت في الأحاديث النبويّة، كسورة البقرة وسورة آل عمران وسورة هود وسورة الواقعة. ولهذا يمكن القول إنّ كثيراً من هذه الأسماء تعيينيّة (كذا في المصدر، ولعلّ الصحيح تعيّنيّة) من زمن الرسول نتيجة لكثرة الاستعمال، وليس شيء منها توقيفيّاً شرعيّاً»[3].

 

 


[1] البقاعيّ، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتاب الإسلامي، مصر - القاهرة، 1404هـ.ق - 1984م، لا.ط، ج1، ص18 - 19.

[2] الغزالي، الشيخ محمّد، نحو تفسير موضوعيّ لسور القرآن الكريم، دار الشروق، 1420هـ، 2000م، ط4، ج1، ص71.

[3]  الطباطبائيّ، العلامة السيّد محمد حسين، القرآن في الإسلام، تعريب: السيّد أحمد الحسينيّ، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص153 - 154.

 

82


63

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

2. بيئة النزول: كان للنّظر في تاريخ نزول السورة (ولو إجمالاً بتحديد كونها مكّيّة أو مدنيّة) دور مهمّ لدى باحثين كثر في معرفة أعمق لبيئة النّزول وملابساتها المحيطة عقائديّاً واجتماعيّاً، التي بدورها تساعد في تشكيل خلفيّة فكريّة لدى المفسّر، تعبّد له الطريق لتحديد محور السورة أو مقصدها العامّ، وتكوّن ميزاناً عامّاً لقياس الأدّلة الأخرى التي قد يظنّ الباحث كونها مؤشّراً نحو هدف السورة؛ وذلك من خلال دراسة ملاءمتها لبيئة النزول من عدمها، ﻓﺎلسوﺭ المكّيّة ﺗﺮﻛّﺰ ﻋﻠﻰ موضوعات العقيدة (ﺍﻹيماﻥ باﻟﻠﻪ، ﺍﻹيماﻥ بالرساﻻﺕ ﺍﻟﺴـﻤﺎﻭيّة، ﺍﻹيماﻥ بالبعث ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺩ)، والدعوة ﺇﻟﻰ ﺃمّهاﺕ ﺍﻷخلاﻕ؛ ﻭﻣﻦ ثَمّ، ﻓﺈﻥ كانت السورة مكّيّة، فلن تخلو -ﻏﺎﻟﺒﺎً- ﻣﻦ أحد هذه الموضوعات. والسور المدنيّة ﻏﺎﻟﺒـﺎً ما تستهدف بناء ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹسلاميّ ﻋﻠﻰ أسس ﺍﻹيماﻥ والطاعة ﻭﺍﻟﺘﺸـﺮيعاﺕ التفصيليّة ﻓﻲ شؤﻭﻥ ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ، ﻭحماية ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹسلاميّ ﻣﻦ الأخطار الداخليّة والخارجيّة؛ بكشف مخطّطات المنافقين والكفّار، مضافاً ﺇﻟﻰ حديثها ﻋﻦ شؤون ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ (ﺍﻟﻤﺆمنين)، وشؤون الدولة الإسلاميّة. فكون سورة (الكافرون) مكّيّة، يضعنا ﻓﻲ صورة المواجهة العقديّة التي تمّت بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك القرشيّة، وحملت عنصر (البراء/ البراءة) من عقيدة الشرك. وكون (سورة الأنفال) -مثلاً- مدنيّة، يضعنا أمام صورة ما يحتاج إليه ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ المسلم ﻓـﻲ المدينة ﻣﻦ حاجاﺕ تناسب الدولة ورعاياها وتشريعاتها الضابطة، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻭﻗﻊ القسم الأكبر منها ﻓﻲ هذه السورة حول الحرب، وما يتفرّع عنها من الغنائم والأنفال والأسرى[1].

وممّا يساعد في تكوين نظرة أدقّ إلى بيئة النزول الإحاطة بـ«سبب النّزول»، فهو من جهةٍ يعين على تحديد زمن أدقّ لوقت نزول السورة -بدلاً من التقسيم الإجماليّ المرتكز على المدنيّ والمكّيّ فقط، فيحدّد في أيّ فترة زمنيّة من هاتين المرحلتين نزلت

 


[1] راجع: آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص450.

 

83


64

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

السورة-، ومن جهةٍ أخرى يساعد على معرفة وجه نظم الآيات في السورة بالطريقة التي نظمت فيها. ولا يخفى أنّ سبب النّزول قد يكون للسورة بكاملها أو لمقاطع معيّنة منها، فيختلف ربط سبب النّزول حينها بوجه النظم وَفق هذا الاختلاف. فسبب النّزول لمقطع من السورة له دلالة جزئيّة تربط وجه نظم هذه المجموعة من الآيات بما سبقها أو ما تلاها على نحو كون الأحكام أو الوقائع والأحداث الواردة في هذه الآيات صغريات لكليّات سابقة في السورة أو أمثلة تقرّب إلى الذهن مضامين ومقاصد السورة إلخ...، أمّا سبب نزول السورة بكاملها فهو أقرب وأدلّ على مقصود السورة ومحورها العامّ من ذلك الذي لمقاطع من السورة.

3. خصائص السورة وفضائلها: قد يشير بعض خصائص السورة وفضائلها الواردة في الروايات إلى معانٍ ومعلومات تفيد الباحث في تحديد موضوع السورة أو محورها العامّ. والمثال على ذلك، ما ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق(صلى الله عليه وآله) في فضل سورة النّصر، فقد روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من قرأ هذه السورة أُعطي ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ من الأجر كمن شهد ﻣﻊ النبيّ(صلى الله عليه وآله) يوم ﻓﺘﺢ مكّة، ومن قرأها في صلاة وصلّى بها الحمد، قبلت منه صلاته أحسن قبول»[1]. ﻭﺭﻭﻱ ﻋـﻦ ﺍﻹماﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ (عليه السلام) أنّه قال: «مَنْ قَرَأَ ﴿إِذَا جَاءَ نَصرُ ٱللَّهِ وَٱلفَتحُ﴾ فِي نَافِلَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ، نَصَرَهُ اللهُ عَلَى جَمِيعِ أَعْدَائِهِ، وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ كِتَابٌ يَنْطِقُ، قَدْ أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ جَوْفِ قَبْرِهِ، فِيهِ أَمَانٌ مِنْ جسر جَهَنَّمَ وَمِنَ النَّارِ، وَمِنْ زَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَلاَ يَمُرُّ عَلَى شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ بَشَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ بِكُلِّ خَيْرٍ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَيُفْتَحُ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَتَمَنَّ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِهِ»[2].

 


[1] السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج5، ص783.

[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1368ه.ش، ط2، ج1، ص155.

 

84


65

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

ﻭهذه ﺍﻷحاديث ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﺍلسوﺭﺓ تتفاﻋﻞ مع مجموعة ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎئق ﺍﻟﺘﻲ حفّت ﺍﻟﻨصّ ﺍلقرانيّ، ﺃﻭ انتظمت ضمن آياته. ﻭﻣﻦ ﺫلك: ﺃﻥّ جملة «ﻣﻦ ﻗﺮﺃ هذﻩ ﺍلسوﺭﺓ ﺃُعطي ﻣﻦ ﺍﻷﺟﺮ كمن شهد ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺒﻲّ (صلى الله عليه وآله) ﻳﻮﻡ ﻓﺘﺢ مكّة»، تشير -ﺑﺪﻻﻟﺔ خفيّة ضمنيّة- ﺇﻟﻰ ﻇﺮﻑ حصوﻝ هذﻩ ﺍلسوﺭﺓ، ﻭﺃنّها عند ﻓﺘﺢ مكّة ﺍﻟﻤﻜﺮمة، ﻭﻣﻦ ﺛَﻢ كاﻥ ﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﺃﻫﺎ كمن شهد مع ﺍﻟﻨﺒﻲّ(صلى الله عليه وآله) يوم ﻓﺘﺢ مكّة، ﻻ ﻓﺘﺢ ﺍلطاﺋﻒ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ...

وكذلك جملة «ﻣﻦ ﻗﺮﺃ ﴿إِذَا جَاءَ نَصرُ ٱللَّهِ وَٱلفَتحُ﴾ ﻓﻲ ناﻓﻠﺔ ﺃﻭ ﻓﺮيضة نصرﻩ ﺍلله ﻋﻠﻰ جميع ﺃعدائه، ﻭجاء ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎمة ﻭمعه كتاﺏ ينطق»، تشير ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺼـﺮ ﺍلظاﻓﺮ ﺍلذﻱ تحقّق بفتح مكّة، ﻭيعمّم ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻻنتصاﺭ ﺇﻟﻰ ﺍلدنيا حيث النّصر ﻋﻠﻰ ﺍﻷعدﺍﺀ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﺓ حيث يربح في ساحة ﺍﻟﻤﺤﺸﺮ، ﻭينعم بالجنة، ﻭقد شهد ﻟﻪ كتابه ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ[1].

 

ثانياً: موضوعات السورة وتناسب آياتها (النّظر الداخليّ في السورة):

يشكّل ما مرّ من النّظر في الأمور العامّة حول السورة -على أهميّته- ممهّداً للنّظر في نصّ السورة، حيث يتركّز البحث الأساس لاستخراج محور السورة وموضوعها العامّ. والنّظر في نصّ السورة وموضوعاتها الجزئيّة يحتاج -بنظر فريق أساسيّ من الباحثين- إلى استعمال علم المناسبة[2]؛ وذلك بغية اكتشاف الروابط الفرعيّة بين الآيات؛ لما يشكّله من خطوة كبيرة تجاه تحديد محور السورة أو هدفها. وهذه الموضوعات الجزئيّة تنتظم في محاور خاصّة داخل السورة ترتبط بالمحور العامّ للسورة، وهنا يأتي دور علم المناسبة لاكتشاف تناسب الآيات داخل المحور الخاصّ مع بعضها، ومع هدف المحور الخاصّ نفسه، ثمّ التناسب بين المحاور الخاصّة وبينها

 


[1] راجع: آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص446.

[2] بينما يرى فريق آخر على رأسه البقاعيّ أنّ معرفة مقصود السورة جزء من علم المناسبة وأداة من أدواته. راجع: البقاعيّ، إبراهيم بن عمر، مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، تحقيق: الدكتور عبد السميع محمد أحمد حسنين، مكتبة المعارف، السعودية - الرياض، 1408هـ.ق - 1987م، ط1، ج1، ص149.

 

85


66

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

وبين المحور العامّ، مضافاً إلى بعض التناسبات الاستطراديّة التي تساعد في إكمال صورة النظم العامّ للسورة، كالتناسب بين مطلع السورة وختامها. وبناءً على هذا المنهج، يستلزم البحث في موضوع السورة من الباحث تقسيم ﺍلسوﺭﺓ ﺇﻟﻰ محاﻭﺭ خاصّة تتناﻭﻟﻪ، واكتشاف المحاور الخاصّة يستلزم تقسيم ﺍلسوﺭﺓ ﺇﻟﻰ مقاطع، بغية ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ المنطقيّ ﻟﻶياﺕ، ﻭتسهيل العمليّة الدراسيّة، حيث يوضع ﻓﻲ ﻛﻞ مقطع ﺍﻵياﺕ ﺍﻟﺘﻲ تجتمع ﻓﻲ ﻓﻜﺮﺓ ﻭجاﻧﺐ ﻭﺍحد، ثمّ تتمّ عمليّة ﺍﻟﺮﺑﻂ بين ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﻭﺍﻵياﺕ، فتربط المقاطع بهدف ﺍلسّوﺭﺓ، ﻭباﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة، ﻭتربط ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة ببعضها، وﺁياﺕ ﺍلمحوﺭ ﺍلوﺍﺣﺪ ببعضها[1].

نموذج للخطوات في منهج التفسير الموضوعيّ للسورة

1. الاستعانة بالمقدّمات الضروريّة للوصول إلى اسم السورة (التوقيفيّ والاجتهاديّ حسب مبنى الباحث في ذلك)، وبيئة نزولها وخصائصها وفضائلها.

2. تقسيم السورة إلى مقاطع وَفق منهجيّة منطقيّة مبرّرة.

3. دراسة علاقة الآيات في المقاطع ببعضها، واستخلاص المحور الخاصّ لكلّ مقطع.

4. دراسة علاقة المقاطع ببعضها، ثمّ ربط محاورها الخاصّة ببعضها.

5. محاولة استخلاص الرابط أو النّظم العامّ أو المحور العامّ الذي يجمع بين المقاطع.

6. استخلاص غرض السورة (لمن يقول بوجوده وراء المحور العامّ للسورة)، وربط هذا الغرض بأغراض القرآن الكريم الأساس، وهي الهداية والرحمة بالمؤمنين، ورفع الاختلاف والموعظة[2].

 


[1]  راجع: آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص470.

[2] ﴿هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ سورة آل عمران، الآية 138، ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ سورة النحل، الآية 64.

 

86


67

الدرس السادس: معالم منهج التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة

المفاهيم الرئيسة

- المعلومات العامّة حول السورة (من خارجها) التي يمكن أن تعين الباحث على استخلاص محورها العامّ هي: اسم السورة، سبب النزول، بيئة النزول، تاريخ النزول، خصائص السورة وفضائلها.

- يحتاج النظر الداخليّ في السورة ضمن أشياء أخرى إلى استعمال علم المناسبة، واكتشاف المحاور الجزئيّة للسورة، وربط هذه المحاور بالمقصد أو المحور العامّ للسورة.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. هل يمكن الارتكاز على اسم السورة في تحديد محورها العامّ أو مقصدها مع العلم بعدم توقيفيّة تلك الأسماء؟ لماذا؟

2. ﻟدينا ﺳﻮﺭ ﻧﺰلت ﺃﺟﺰﺍﺅﻫﺎ ﻓﻲ ﺃكثر ﻣﻦ حدث، ﻭبعضها ﻧﺰﻝ ﻣﺮتين، فكيف يمكن الأخذ بسبب النزول كممهّد؟

 

87

 


68

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يطبّق أسس التفسير الموضوعي للسورة.

2. يتعرّف التفسير الموضوعي تطبيقاً في سورة الضّحى.

3. يشرح العلاقة بين محاور سورة الضحى من خلال المنهج الموضوعي.

 

89


69

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

المحور العامّ والمحاور الخاصّة في سورة الضّحى[1]

يقوﻝ ﺍﻟﻠﻪ -تباﺭﻙ ﻭتعاﻟﻰ- ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻀﺤﻰ: ﴿وَٱلضُّحَىٰ ١ وَٱلَّيلِ إِذَا سَجَىٰ ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ٣ وَلَلأخِرَةُ خَيرٞ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ ٤ وَلَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَىٰ ٥ أَلَم يَجِدكَ يَتِيمٗا فَ‍َٔاوَىٰ ٦ وَوَجَدَكَ ضَالّٗا فَهَدَىٰ ٧ وَوَجَدَكَ عَائِلٗا فَأَغنَىٰ ٨ فَأَمَّا ٱليَتِيمَ فَلَا تَقهَر ٩ وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلَا تَنهَر ١٠ وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾.

عندما نقرأ هذه السورة بهدف استكشاف محورها العامّ ومحاورها الخاصّة، يواجهنا احتمالان؛ ﻗﺪ يكوﻥ محوﺭﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡّ هو: التغيّر، أو التغيّر ﺍﻟﺬﻱ حصل ﻓﻲ حياﺓ ﺍﻟﺮسوﻝ(صلى الله عليه وآله) بانقطاﻉ ﺍﻟﻮحي.

ﻭﻟﻮ ﺃخذنا ﺍﻷﻭّﻝ (التغيّر) ﺑﻮصفه ﺍلمحوﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡّ للسوﺭﺓ، فسنجد ﺃﻥ لهذا المحوﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡّ محوﺭﻳﻦ خاصيّن، ﻫﻤﺎ: ﺃﻧﻮﺍﻉ التغيّر ، ﻭالدوﺭ تجاﻩ التغيّر ﺍﻻجتماﻋﻲّ.

في المحور الخاص الأوّل (أنواع التغيّر)، ذكرﺕ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ثلاثة ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ التغيّر:

أوّلاً: التغيّر التكوينيّ:

اﻵيتاﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴـﺎﻥ ﴿وَٱلضُّحَىٰ ١ وَٱلَّيلِ إِذَا سَجَىٰ﴾ ﻟﻴﺴـﺘﺎ مجرّﺩ قَسَم، ﺑﻞ ﻫﻤﺎ تتكلّمان ﻋـﻦ التغيّر ﻓﻲ ﺍﻷموﺭ ﺍﻟﺘﻜﻮينيّة، ﻭمنه: ﺍختلاﻑ ﺍﻟﻀﺤﻰ، حيث ﺇشرﺍﻗﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺍﻟﻀﻴـﺎﺀ ﺍلمفعم باﻟﺤﺮكة ﻭﺍﻟﻨﺸـﺎﻁ ﻭطلب ﺍﻟﺮﺯﻕ، ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﺴـﺎجي ﺍﻟﺴـﺎﻛﻦ ﺍلمظلم، حيث ﺍلهدﻭﺀ ﻭﺍﻟﺴﻜﻮﻥ يعمّ ﺍﻷﺭجاﺀ.

 

 


[1] راجع: آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص466 - 470.

 

91


70

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

ﻭﺍﻟﻮﺍﻗـﻊ ﺍﻟﺘﻜﻮينيّ لا جمود فيه، ﻓﺎﻟﻀﺤﻰ ﺍﻟﻮضّاﺀ ﺍﻟﻤـﺰﺩﺍﻥ باﻟﺤﺮكة ﻭﺍلحيويّة ﻭﺍﻟﻨﺸـﺎﻁ، يتلوﻩ ﻟﻴـﻞ مظلم يتمدّد ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺴـﻜﻮﻥ ﻭﺍلخدﺭ ﻭﺍلنوﻡ ﻭﺍﻟﺮﺍحة. ﻭهذﺍ ﺍلليل ﺍﻟﺴـﺎﻛﻦ ﻻ يبعث على ﺍلحزﻥ ﻭﺍﻟﻴﺄﺱ، ﻓﺴـﻮﻑ يعقبه ﻋﻮﺩﺓ ﻟﻠﻀﺤﻰ بحيويته ونشاطه مرّﺓ ﺃﺧﺮى. ﻭتلك ﺍلحيويّة ﻭما ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ جهد ﻭضجيج يقترنان باﻟﻨﻬﺎﺭ لن تكون مدعاةً للاضطراب والقلق؛ ﻷنّها ستزﻭﻝ بمجيء ﻟﻴﻞ يحمل الهدﻭﺀ ﻭﺍﻟﺮﺍحة ﻟﻺنساﻥ، ﻭهكذﺍ ﺩﻭﺍليك...

 

ﻓﺎﻵيتان قَسَمان: ﺃﻭّﻟﻬﻤﺎ باﻟﻨﻬـﺎﺭ ﻭالنوﺭ، ﻭثانيهما: باﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍلظلمة، ﻭﻫﻤﺎ يناسباﻥ محتوى ﺍلسوﺭﺓ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱّ، فالنّهار مثل نزول الوحي على قلب النبيّ(صلى الله عليه وآله)، والليل كانقطاع الوحي المؤقّت.

 

ثانياً: التغيّر التشريعيّ:

ﻭﺫﺍﻙ ﺍلتغيّر ﺍﻟﺘﻜﻮينيّ ﺍلذﻱ نقرﺅﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍلطبيعة ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ، ﻫﻮ مقدّمة ﻟﻠﻨﻔﺎﺫ ﺇﻟﻰ ﺍلتغيّر ﺍﻟﺘﺸـﺮيعيّ، ﻭﺇﺑﻼﻍ ﺍﻟﺮسوﻝ ﺍﻷﻛﺮﻡ(صلى الله عليه وآله) بأﻥّ ﺣﺮكة ﺍﻟﻮحي قد يتخلّلها ﺍنقطاع ﺟﺰئيّ، وذاك الانقطاع ليس دليل مقت من الله المحبّ الرحيم، وليس انقطاعاً دائماً، وإنّما هو كالغياب المؤقّت للشّمس ﺍﻟﺬﻱ سيعقبه ﺑﺰﻭﻍ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺍﻟﻤﺸﺮﻕ ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ﴾.

 

ﻭﻻ يقتصر التغيّر ﺍﻟﺘﺸـﺮيعيّ ﻋﻠـﻰ ﺍنقطاﻉ ﺍﻟﻮحي، ﺑﻞ يشمل تغيّر ﺍﻟﺤﻴـﺎﺓ ﺍلدنيا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻭتبدﻝ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ تشريع ﻭﻓﻌﻞ، ﺇﻟﻰ ﻋﺎلم ﺭﺿﻮﺍﻥ ﻭﺟﺰﺍﺀ. ﻭﺍنتقاﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ(صلى الله عليه وآله) من هذه الدّنيا الفانية سيكون تغيّراً نحو الأفضل، حيث وعده ربّه أن ينال حتّى يرضى: ﴿وَلَلأخِرَةُ خَيرٞ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ ٤ وَلَسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَىٰ﴾.

 

ثالثاً: التغيّر الاجتماعيّ:

ﻭثمّة ﻧﻮﻉ ثالث ﻣﻦ ﺍلتغيّر ﻫﻮ ﺍلتغيّر ﺍﻻجتماﻋﻲّ؛ ﺇﺫ تتغيّر ﺍلصوﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ (ﻓﺮﺩ/ جماعة) ولا تستقرّ ﻋﻠﻰ حاﻝ، ﻭﻗﺪ حصل هذﺍ ﺍلتغيّر ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍلشخصيّة

 

92


71

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

ﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺒﻲّ ﺍﻷﻛﺮﻡ(صلى الله عليه وآله) ﴿أَلَم يَجِدكَ يَتِيمٗا فَ‍َٔاوَىٰ ٦ وَوَجَدَكَ ضَالّٗا فَهَدَىٰ ٧ وَوَجَدَكَ عَائِلٗا فَأَغنَىٰ﴾، كما يحصل ﻓـﻲ حياﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ففيهم ﺍليتيم ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﴿فَأَمَّا ٱليَتِيمَ فَلَا تَقهَر ٩ وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلَا تَنهَر﴾.

ﻭﺍلمحوﺭ ﺍﻟﺨﺎصّ ﺍﻟﺜﺎني ﻓﻲ ﺍلتغيّر هو: ﺍلدﻭﺭ تجاﻩ ﺍلتغيّر ﺍﻻجتماﻋـﻲّ ﻓﻲ حياﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ، التي ﻗﺎلت ﻋﻨﻪ ﺍﻵياﺕ ﺍﻟﻜﺮيمة: ﴿فَأَمَّا ٱليَتِيمَ فَلَا تَقهَر ٩ وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلَا تَنهَر ١٠ وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾.

ﻭﺍﻵيتاﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﻥ ﻫﻨﺎ تتحدّثاﻥ ﻋﻦ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ(صلى الله عليه وآله) ﻭقد ﺃمرﻩ ﺍلله ﺃلّا يقهر ﺍليتيم ﺍﻟﻤﺤﺘـﺎﺝ إلى الحنان ﺍﻷﺑﻮﻱّ ﺍلذﻱ ﺍفتقدﻩ ﺑﻮﻓﺎﺓ ﻭﺍلدﻩ، ﻭﺃلّا ينهر ﺍﻟﺴﺎﺋﻞ ﺍلذﻱ غصّته ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺃﻟﺠﺄته ﺍﻟﻔﺎﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻭجعلته يسألهم بعض حاجيّاته.

ﻭﺍﻵية ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ هذﻩ ﺍﻵياﺕ (ﺍﻷخيرﺓ ﻓﻲ ﺍلسوﺭﺓ) ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ(صلى الله عليه وآله) تجاﻩ ﺍلتغيّر الشخصيّ ﺍلذﻱ حصل ﻓﻲ حياته، حيث تغيّر ﺍليتيم ﺇﻟﻰ ﺇيوﺍﺀ، ﻭﺍﻟﻀﻼﻝ ﺇﻟﻰ هدى، ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻨﻰ. ﻭيكمن ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻨﺒﻲّ(صلى الله عليه وآله) تجاﻩ هذﻩ ﺍلتغيّرﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼثة ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺮﺕ ﻓـﻲ حياته ﻓﻲ شكر تلك ﺍلنعم ﺍﻹلهيّة المسبَغة ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺍلتحدّﺙ بفضل اللَّه ﻋﻠﻴﻪ ﴿ وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾.

 

العلاقة بين محاور السورة

ﻭﻓﻲ سعينا ﻻكتشاﻑ محوﺭ ﺍلسوﺭﺓ، ينبغي ﺃﻥ نكتشف ﺍﻵتي:

أوّلاً: تناسب الآيات داخل المحور الخاصّ:

ﻓﺎﻵياﺕ ﺩﺍﺧﻞ سياﺝ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺫﺍﺕ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻮﺍشجيّة متلاحمة، ﻓﺂياﺕ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻷوّﻝ: ﻛﻞ مجموﻋﺔ منها ﺫﻛﺮﺕ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍلتغيّر، ﺑﻞ ﻭﺍﻵياﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﺍلنوﻉ ﺍلوﺍﺣﺪ -ﻭﻫﻮ محطّ ﺍﻟﺸﺎهد- متلاحمة، ﻓﺎلتغيّر ﺍﻟﺘﻜﻮينيّ نفسه تحدّثت ﻋﻨﻪ ﺍﻵيتاﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﻥ ﻟﺒﻴﺎﻥ انتقاﻝ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﻞ، ﻭهكذا...

 

93


72

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

ثانياً: تناسب الآيات مع المحور الخاصّ:

ﻭﺍﻵياﺕ ﻓـﻲ ﺍﻟﻤﺤـﻮﺭ ﺍﻟﻮﺍحد (ﺍﻟﺨـﺎصّ / ﺍﻟﺘﻔﺮيعيّ) ليست ﺭكاماً متناثرﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼحظاﺕ ﺍﻟﺠﺰئيّة، ﺑﻞ بينها خيط ناظم يجعل آيات المقطع الواحد ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﻓﻜﺮﺓ جامعة، ﻓﻤﺤـﻮﺭ (ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلتغيّر) ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺁيتيه ﺍﻷﻭﻟﻴﻴﻦ (1 - 2) ﺍلتغيّر ﺍﻟﺘﻜﻮينيّ، حيث ينتقل ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺇﻟﻰ ﻟﻴﻞ ساج، ﻭﺍﻵياﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻘﺒﺘﻬﺎ (3 - 5) تحدّثت ﻋﻦ ﻧﻮﻉ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍلتغيّر ﻫﻮ التغيّر ﺍﻟﺘﺸـﺮيعيّ، ﻭﺍﻵياﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻘﺒﺘﻬـﺎ (6 - 8) ﺫﻛﺮﺕ التغيّر ﺍﻻجتماﻋﻲّ ﻓﻲ حياﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ، ﻭﺍﻟﺘﻲ بعدﻫﺎ (9 - 10) ﺫﻛﺮﺕ ﺍلتغيّر ﺍﻻجتماﻋﻲّ ﻓﻲ حياﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻭهكذﺍ ننفذ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﺜﺎني ﻭﺁياته؛ ﺃﻱ ما يتناﻭﻝ (ﺍلدﻭﺭ اتجاﻩ ﺍلتغيّر الاجتماعيّ).

ثالثاً: التناسب بين المحاور الخاصّة:

ﻭﺍﻟﻤﺤـﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة ﻓﻲ ﺍلسوﺭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁنيّة بينها تكامل، ﻭﻓﻲ سوﺭﺓ ﺍﻟﻀﺤﻰ تكلّم ﺃﺣﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلتغيّر، ﻭﺍﻟﺜﺎني ﺣﻮﻝ ﺍلدور ﺍلمطلوﺏ تجاﻫﻪ.

رابعاً: تناسب المحاور الخاصّة مع المحور العامّ:

إنّ اﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡّ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁنيّة يتناﺳﺐ مع ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﺨﺎصّة ﺍﻟﻔﺮعيّة ﺍﻟﺘﻲ تنبثق منه، فسورة الضحى التي تتحدّث عن سنّة التغيّر تحدّثت ﻋﻦ محورَين خاصيّن ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡّ؛ ﻫﻤﺎ: ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍلتغيّر، ﻭﺍلدﻭﺭ ﺍﻟﻤﺮتجى تجاﻩ ﺍلتغيّر.

خامساً: تناسب المحور العامّ مع الآيات:

ﻭبهذﺍ تكوﻥ ﺍﻵياﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺴـﻮﺭﺓ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌـﺎﻡّ، ﻭﺇنّما تأﺧﺬ مكانها ﻓﻲ محوﺭﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹّ ﺍﻟﻤﺸﺘﻖّ ﻣﻦ ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡّ، كما تأخذ النافذة ﻭﺍﻟﺒﺎﺏ، ﻭﺍﻟﺤﺎﺋﻂ، ﻭ... مكانها ﻓـﻲ ﺍلغرﻓﺔ، ﺛﻢّ تأﺧﺬ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ مكانها ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨـﺰﻝ، حيث تجاﻭﺭﻫﺎ ﻏﺮﻑ ﺃﺧﺮى ﻭﻏﻴﺮ ﺫلك، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ تنشأ ﺍﻟﻬﻮيّة ﺍﻟﻌﺎمّة ﺍلمعبّرﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻣﻞ.

 

94


73

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

المفاهيم الرئيسة

استلزم اكتشاف المحور العام تقسيم السورة إلى محاور خاصة تتناوله، واستلزم اكتشاف المحاور الخاصة تقسيم السورة إلى مقاطع، بغية التفصيل المنطقي للآيات، وتسهيل العملية الدراسية، حيثُ وضع في كل مقطع الآيات التي تجتمع في فكرة وجانب واحد، ثّم تمت عملية الربط بين المحاور والآيات، فرُبطت المقاطع بهدف السورة، وربطت المقاطع بالمحور العام، وربطت المقاطع بالمحاور الخاصة، وربطت المحاور الخاصة ببعضها، وربطت آيات المحور الواحد ببعضها.

أُجيب عن الأسئلة الآتية

اختر سورة من القرآن الكريم وحاول تطبيق خطوات التفسير الموضوعي للسورة لاكتشاف المحور العام والمحاور الخاصّة والعلاقة بينها كما ظهر في التطبيق على سورة الضحى.

 

95

 


74

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى معنى الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم.

2. يشرح أدلّة الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم.

3. يعرف معالم منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآنيّ.

 

99

 

 


75

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

تمهيد

إنّ التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ هو المتبادر عند الإطلاق (وعدم ذكر قيد يعيّن نوع التفسير الموضوعيّ المقصود) من أنواع التفسير الموضوعيّ، وهذا قد يفسّر إعراض بعض الباحثين، كالشهيد الصدر في كتاب «المدرسة القرآنيّة»، عن التعرّض للأقسام الأخرى التي ذكرت للتفسير الموضوعيّ، وإخراج بعضهم الآخر لمثل التفسير الموضوعيّ للسورة القرآنيّة من أقسام التفسير الموضوعيّ.

وقد مرّ معنا في درس «الدراسات الموضوعيّة في العصر الحديث وأثرها على تطوّر منهج التفسير الموضوعيّ» استعراض إجماليّ لأبرز معالم منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ، وسنتناول في هذا الدرس بالتفصيل ما تناولناه هناك بالإجمال، ونعرض لنموذج معدّل من الخطوات المطلوبة لإنجاز بحث تفسيريّ في موضوع قرآنيّ، وقبل ذلك لا بدّ من عرض المبدأ التصديقيّ الذي تقوم عليه الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآنيّ وهو الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم.

 

الوحدة الموضوعيّة

أوضحنا سابقاً، وفي الدروس الأولى من هذا المتن، المبادئ التصوّريّة للتفسير الموضوعيّ، والآن نشرع في بيان المبدأ التصديقيّ الذي يُبنى عليه التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ، ألا وهو الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم. ومن دون إثبات هذا المبدأ أو التسليم بصحّته لا يمكن للمفسّر البناء على النتائج التي يستخلصها من النظر الموضوعيّ في القرآن الكريم كما سيتّضح.

 

101


76

الدرس السابع: نموذج تطبيقيّ للتفسير الموضوعيّ للسورة (المحور العامّ لسورة الضّحى)

والوحدة الموضوعيّة للقرآن تعني أنّ القرآن الكريم يعدّ نصّاً واحداً من حيث المعنى والمضمون، ولا يصحّ التجزئة في استخلاص نظر القرآن الكريم في موضوع ما من خلال آية واحدة أو مجموعة من الآيات دون استيفاء البحث والتدقيق في باقي الآيات التي يحتمل صلتها بالموضوع.

وبناءً على ذلك، يتّضح بناء التفسير الموضوعيّ على هذا الأصل؛ إذ لو بني على الاستقلال المعنويّ للآيات التي تبحث موضوعاً واحداً في سور شتّى لما أمكن القول إنّ للقرآن الكريم نظرة موحّدة تجاه الموضوع الواحد، بل سيكون عندها مطروحاً في كلّ سورة بطريقة تخصّها دون النّظر إلى باقي الآيات.

والأدلّة على الوحدة الموضوعيّة كثيرة، نذكر منها:

1. ذكر الموضوع غير تامّ في السورة الواحدة: إنّ الموضوع الواحد نادراً ما يستوفى في السورة الواحدة، فلو لم توجد وحدة موضوعيّة لما أمكن التدبّر والعمل بما يرشد إليه القرآن في الموضوعات التي يطرحها، وهذا لا ينسجم مع الأمر بالعمل بالقرآن الكريم في القرآن نفسه وفي السنّة الشريفة، ويعارض كونه كتاب هداية.

2. الاستفادة من القرآن الكريم أنّ آياته ناظرة إلى بعضها: لقد استفاد العلّامة الطباطبائيّ وكذلك العلّامة جوادي الآمليّ من مفهوم كلمة «مثاني» في قوله -تعالى-: ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ ٱلحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا

 

102


77

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

مَّثَانِيَ﴾[1] أنّ المثاني صفة للقرآن، بمعنى أنّ بعض آيات القرآن ناظر إلى بعضها الآخر.

والمثاني جمع مثنية، اسم مفعول من الثني بمعنى اللّوي والعطف والإعادة، كما قال -تعالى-: ﴿يَثنُونَ صُدُورَهُم﴾[2]، وسمّيت الآيات القرآنيّة مثاني؛ لأنّ بعضها يوضّح حال بعضها الآخر ويلوي وينعطف عليه، كما يشعر به قوله كتاباً ﴿مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ﴾، حيث جمع بين كون الكتاب متشابهاً يشبه بعض آياته بعضاً وبين كون آياته مثاني[3].

3. استفادة ذلك من الروايات الشريفة: يستفاد من بعض الروايات نظر آيات القرآن إلى بعضها ممّا يشير إلى ارتباطها موضوعيّاً، فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «كِتَابُ الله تُبْصِرُونَ بِه، وتَنْطِقُونَ بِه، وتَسْمَعُونَ بِه، ويَنْطِقُ بَعْضُه بِبَعْضٍ، ويَشْهَدُ بَعْضُه عَلَى بَعْضٍ...»[4].

معالم منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآنيّ

أوّلاً: مرحلة الاستقراء[5]:

يقوم منهج التفسير الموضوعيّ في موضوع قرآنيّ -بعد اختيار الموضوع- على استقراء الآيات والمعاني -المستخدمة في القرآن الكريم- المرتبطة بالموضوع المختار، ولكن في النصّ القرآنيّ عقبات تحول دون ذلك وعناصر معينة تساعد عليه، وعلى الباحث تخطّي الأولى والاستعانة بالثانية، وسنناقش ذلك ضمن النقاط الآتية:

1. ألفاظ البحث: لقد استخدم القرآن الكريم اللغة العربيّة ﴿كِتَٰبٞ فُصِّلَت ءَايَٰتُهُۥ قُرءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَومٖ يَعلَمُونَ﴾[6]، لكنّ أسلوبه الخاصّ وتطوّر اللّغة في مدّة أربعة عشر قرناً يحولان بين الباحث وطرح الموضوع على القرآن الكريم للبحث بصيغته البدويّة؛ وذلك لأنّ المصطلح القرآنيّ بالمضمون نفسه لموضوع الباحث قد يختلف

 


[1] سورة الزمر، الآية 23.

[2] سورة هود، الآية 5.

[3] راجع: العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج12، ص191؛ ج1، ص66؛ ج3، ص20.

[4]  الرضي، الشريف محمد بن الحسن، نهج البلاغة (خطب الإمام علي Q)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا. ن، لبنان - بيروت، 1387هـ.ق - 1967م، ط1، الخطبة 133، ص192.

[5] سوف يأتي في الدرس اللاحق باقي المعالم.

[6] سورة فصّلت، الآية 3.

 

103


78

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

التعبير عنه في القرآن الكريم لفظاً. ومن ثَمّ، فإنّ الباحث مطالب بالاستعانة خلال مرحلة جمع الآيات بـ:

- الكلمات القريبة في المعنى (أو المرادفة)؛ ليكون بحثه عن الآيات شاملاً لكلّ ما يحتمل اتّصاله بالموضوع، فلا يكفي للباحث في موضوع (الإنسان) -مثلاً- البحث في الآيات التي تحتوي على لفظ الإنسان فقط، بل عليه الاستعانة بمرادفاتها من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم كـ(النّاس، البشر، بني آدم...).

- استخراج بعض الكلمات المفتاحيّة من النصّ القرآنيّ؛ لتخطّي عائق تطوّر اللّغة والمصطلحات الغربيّة والمستحدثة، فالمصطلح المطروح صنفان؛ صنف يتداول اليوم ويوجد في القرآن الكريم بالمعنى نفسه، كلفظَي الحديد والذّهب[1]، وهذا يكفي فيه البحث اللفظيّ المصطلحيّ في المراحل الأولى من جمع الآيات؛ وصنف يحتاج إلى التعديل المذكور، كلفظ (المجتمع) مثلاً، ففي هذه الحالة يقوم الباحث باستخراج كلمة أو كلمات من القرآن الكريم توازي هذا المصطلح المستحدث، وفي المثال المذكور تكون ألفاظ كـ(أمّة، قرية، قوم...) هي المرشّحة لذلك.

- الكلمات المقابلة؛ فإنّها تساعد في جلاء كثير من الصور لمفاهيم قرآنيّة، ومثال ذلك:

الأرض/ السماء: ﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَاءَ بِنَاءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءٗ فَأَخرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزقٗا لَّكُم فَلَا تَجعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُم تَعلَمُونَ﴾[2].

 

 


[1] ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ﴾، سورة الحديد، الآية 25.

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ﴾، سورة التوبة، الآية 34.

[2] سورة البقرة، الآية 22.

 

104


79

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

الخلق/ الأمر: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱستَوَىٰ عَلَى ٱلعَرشِ يُغشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمسَ وَٱلقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِ بِأَمرِهِۦ أَلَا لَهُ ٱلخَلقُ وَٱلأَمرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾[1].

- التطبيقات القرآنيّة (المصاديق)؛ فإنّها مفيدة جدّاً في الوصول إلى كلّيّات القرآن الكريم واستجلاء جوانبها الغامضة، فلو كان البحث الموضوعيّ في (الجزاء الدنيويّ للأمم الكافرة في القرآن الكريم) مثلاً، فإنّ دراسة نماذج قوم عاد وقوم لوط وغيرهما من الأقوام، ستعين الباحث على استخراج السنن الإلهيّة في التعامل مع التكذيب والجحود من الإنسان أو المجتمع.

- معاجم الموضوعات؛ فهي توفّر الجهد على الباحث في إيجاد الآيات المرتبطة بموضوع بحثه. ولا يخفى أنّه يجب على الباحث عدم الاقتصار على العنوان المطروح كموضوع لبحثه، بل عليه البحث تحت المفردات الأخرى المرتبطة بالموضوع بأحد الارتباطات التي ذكرناها، ومن المعاجم الموضوعيّة ما أشرنا إليه سابقاً في الدروس الأولى، وهو تفصيل آيات القرآن الحكيم للمستشرق الفرنسيّ جول لابوم[2].

وعلى الرغم من الفائدة الجمّة التي قد يحصّلها الباحث من المعاجم الموضوعيّة، غير أنّ ذلك يجب أن لا يدفعه إلى إهمال الروابط الأخرى بين الآيات، والتي قد تكون روابط غير لفظيّة، فيضيع قسم من الآيات التي قد يكون لها دور رئيس في توضيح نظر القرآن الكريم تجاه الموضوع المبحوث.

2. دراسة المفردة القرآنيّة: يبدأ عصر الاهتمام بدراسة الاستعمالات القرآنيّة للمفردة القرآنيّة من القرن الثاني الهجريّ عند مقاتل بن سليمان البلخيّ (ت 150هـ) في كتابه «قاموس القرآن» أو «إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم»، ويمرّ

 


[1] سورة الأعراف، الآية 54.

[2] راجع: آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص241 - 257.

 

105


80

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

بتطوّرات مهمّة عبر علماء كثر وتصانيف عدّة، منهم الحكيم الترمذيّ (ت 320هـ) في «تحصيل نظائر القرآن»، وليس آخرهم الراغب الأصفهانيّ (ت 502هـ) في «المفردات في غريب القرآن».

وفي العصر الحديث، أبرز بعض الباحثين اهتمامهم بهذا النّوع من الدّراسات إلى درجةٍ عدّه من ضمن أنواع التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم[1]، تحت عنوان «التّفسير الموضوعيّ للمصطلح القرآنيّ».

وما يهمّ الباحث من الدراسة الاستقرائيّة لاستعمال المفردة القرآنيّة -بعد معرفة المعنى اللّغوي من المعاجم المختصّة- هو أنّها تمكّن من ملاحظة التنوّعات الدلاليّة الدقيقة للمفردة القرآنيّة، وتساعد على تكوين خلفيّة لدى الباحث حول الكلمات المفتاحيّة المحتملة في موضوع بحثه، وحول تنوّع أساليب القرآن الكريم واستعماله للمفردات المناسبة في التعبير عن المطالب المختلفة؛ فإنّ المفردات ذات الجذر الواحد أو المعنى الجوهريّ المشترك، وإن عادت إلى أصل مشترك، غير أنّ هذه الفروقات الزائدة -المحصّلة عن طريق استقراء الاستعمالات القرآنيّة- لا يمكن تحصيلها من مجرّد مطالعة المعاجم اللغويّة. ويستعين الباحث لتحصيل هذا الغرض بالمعاجم المختصّة بالألفاظ القرآنيّة، مثل «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» لمحمّد فؤاد عبد الباقي، وبالكتب التي عنيت بالدراسة الدّلاليّة للمفردة القرآنيّة، مثل كتاب الراغب الأصفهانيّ المذكور آنفاً «المفردات في غريب القرآن».

 


[1] راجع: مسلم، مباحث في التّفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص23؛ الخالديّ، صلاح عبد الفتّاح، التفسير الموضوعيّ بين النّظرية والتطبيق، دار النفائس، الأردن - عمان، 1433هـ.ق - 2012م، ط3، ص59.

 

106


81

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

بتطوّرات مهمّة عبر علماء كثر وتصانيف عدّة، منهم الحكيم الترمذيّ (ت 320هـ) في «تحصيل نظائر القرآن»، وليس آخرهم الراغب الأصفهانيّ (ت 502هـ) في «المفردات في غريب القرآن».

وفي العصر الحديث، أبرز بعض الباحثين اهتمامهم بهذا النّوع من الدّراسات إلى درجةٍ عدّه من ضمن أنواع التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم[1]، تحت عنوان «التّفسير الموضوعيّ للمصطلح القرآنيّ».

وما يهمّ الباحث من الدراسة الاستقرائيّة لاستعمال المفردة القرآنيّة -بعد معرفة المعنى اللّغوي من المعاجم المختصّة- هو أنّها تمكّن من ملاحظة التنوّعات الدلاليّة الدقيقة للمفردة القرآنيّة، وتساعد على تكوين خلفيّة لدى الباحث حول الكلمات المفتاحيّة المحتملة في موضوع بحثه، وحول تنوّع أساليب القرآن الكريم واستعماله للمفردات المناسبة في التعبير عن المطالب المختلفة؛ فإنّ المفردات ذات الجذر الواحد أو المعنى الجوهريّ المشترك، وإن عادت إلى أصل مشترك، غير أنّ هذه الفروقات الزائدة -المحصّلة عن طريق استقراء الاستعمالات القرآنيّة- لا يمكن تحصيلها من مجرّد مطالعة المعاجم اللغويّة. ويستعين الباحث لتحصيل هذا الغرض بالمعاجم المختصّة بالألفاظ القرآنيّة، مثل «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» لمحمّد فؤاد عبد الباقي، وبالكتب التي عنيت بالدراسة الدّلاليّة للمفردة القرآنيّة، مثل كتاب الراغب الأصفهانيّ المذكور آنفاً «المفردات في غريب القرآن».

 


[1] راجع: مسلم، مباحث في التّفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص23؛ الخالديّ، صلاح عبد الفتّاح، التفسير الموضوعيّ بين النّظرية والتطبيق، دار النفائس، الأردن - عمان، 1433هـ.ق - 2012م، ط3، ص59.

 

106


82

الدرس الثامن: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (1)

المفاهيم الرئيسة

- الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم هي كون النصّ القرآنيّ نصّاً واحداً يعتمد بعضه على بعض ويحيل بعضه على بعض.

- أهمّ أدلّة الوحدة الموضوعيّة هي:

1. ذكر الموضوع الواحد غير تامّ في السورة الواحدة.

2. استفادة نظر الآيات إلى بعضها من القرآن الكريم نفسه.

3. استفادة نظر الآيات إلى بعضها وشهادتها على بعض من الروايات الشريفة.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. ما معنى الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم؟

2. ما هي الأدلّة على الوحدة الموضوعيّة للقرآن الكريم؟

3. تحدّث اختصارًا عن مرحلة الاستقراء في منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآنيّ.

 

107


83

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يتعرّف إلى بقيّة معالم منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآنيّ.

2. يشرح الأمور المفيدة في عملية تصنيف الآيات الكريمة وترتيبها.

3. يفسّر أنحاء العلاقة بين الآيات بعد ترتيبها.

 

109

 

 


84

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

ثانياً: تصنيف الآيات وترتيبها

عقب جمع الآيات والدراسة الدلاليّة لها، لا بدّ من فرز الآيات وتصنيفها وَفق محاور وتصنيفات (سنشير إلى أهمّها في هذه الفقرة)؛ ليسهل على الباحث استخلاص النظر الكلّيّ منها. وحيث إنّ الترتيب الموجود في المصحف الشريف هو الترتيب التوقيفيّ المملى من قِبَل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، سواء في ذلك ترتيب الآيات أو المواضيع داخل الآية الواحدة (لخدمة غرض القرآن الكريم وهو الهداية، فتجد الآية الواحدة والسورة الواحدة تتناول العقائد والأخلاق والأحكام)، فإنّ الباحث الموضوعيّ عليه أن يحاول الاستفادة من ثلاثة أمور على الأقلّ، هي:

1. أسباب النّزول وملابسات الآية: ضرورة نظر الباحث الموضوعيّ في أسباب النّزول لا تنبع من الأضواء التي تلقيها على الآية نفسها -كمعرفة الحكمة الباعثة على تشريع حكم أو فهم العبرة بشكل أفضل في حادثة رواها القرآن الكريم، أو كتخصيص حكم بقضيّة خارجيّة أو تعميمه إلى سواها (فإنّ ذلك كلّه يرجع إلى فهم الدّلالة الجزئيّة للآيات وإيضاحها، ولا ميزة منهجيّة فيه للتفسير الموضوعيّ، بل يقع في سياق مقدّماته كما تقع سائر لواحق التفسير التجزيئيّ)-، بل من الأضواء التي يمكن أن تلقيها على السياق الكلّيّ للآيات عبر فهم حركة تدرّج نزول الوحي في موضوع ما بالاستعانة -أيضاً- بما سيأتي الكلام عنه في الترتيب النّزوليّ، أو المساعدة في فهم علاقة الآيات في ما بينها ضمن هذا السياق الكلّيّ في القرآن الكريم؛ فإنّ معرفة سبب النّزول في مثل قوله -تعالى-: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُۥ وَٱللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ

 

111


85

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

ٱللَّهَ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلكَٰفِرِينَ﴾[1] يبني للباحث الخلفيّة التاريخيّة حول الأجواء التي كانت موجودة عشيّة نزول آيات الإمامة والخلافة على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويفسّر خوف النبيّ(صلى الله عليه وآله) المبرّر على الرسالة من أثر تبليغ هذا الأمر الخطير؛ وهذا كلّه يساعد في فهم أسلوب آيات الإمامة وعدم تصريحها بأسماء أُولي الأمر الذين فرضت طاعتهم وقرنتها بطاعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمرِ مِنكُم﴾[2].

2. الترتيب النّزولي (التاريخيّ): إنّ تحديد تاريخ دقيق لنزول آية أو مجموعة آيات لهو من عويصات العلم، ولا طريق يقينيّ إليه في ما بين أيدينا من روايات تأريخ النّزول، لكنّ الإلمام بتاريخ النّزول، على الرغم من ذلك، ولو إجمالاً (بتمييز المكّيّ عن المدنيّ مثلاً)، يعطي الباحث في موضوع قرآنيّ أداة إضافيّة بين يديه تساعده على ترتيب الآيات وتقديم بعضها على الآخر في النتائج، ولا سيّما في آيات الأحكام، يقول السيوطيّ في هذا الصدد: «ومن فوائد معرفة ذلك العلم بالمتأخّر فيكون ناسخاً أو مخصّصاً على رأي من يرى تأخير المخصّص‏»[3].

يضاف إلى ما ذكرناه من الفائدة في مجال آيات الأحكام، معرفة الباحث للجوّ العامّ لنزول الآية أو الآيات، والحالة التي كان عليها المسلمون حينها من الظروف الخارجيّة والمرحلة التي كان عليها الدّين في مراحل تطوّر تبليغه عبر نزوله التدريجيّ في المجالات المختلفة؛ من عقائد وشريعة وأخلاق وتوجيهات خارجيّة تجاه العلاقة مع المشركين وأهل الكتاب وغيرهم، فالباحث في آيات الجهاد -مثلاً- لن يجد آية مكّيّة تحثّ عليه؛ ذلك أنّ الجهاد الدفاعيّ شُرِّع في أوائل الهجرة الشريفة بقوله

 

 


[1] سورة المائدة، الآية 67.

[2] سورة النساء، الآية 59.

[3] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: سعيد المندوب، دار الفكر، 1416هـ.ق - 1996م، ط1، ج1، ص34.

 

 

112


86

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

-تعالى-: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصرِهِم لَقَدِيرٌ﴾[1]، وكذلك المهتمّ بتفاصيل الشريعة؛ لأنّ ما أُنزل بمكّة كان في الأعمّ الأغلب يتعلّق بأسس عامّة غير محدّدة الجوانب، كالأمر بالإنفاق أو الزكاة أو الإحسان، بينما حدّدت معالم هذه التشريعات في المرحلة المدنيّة[2].

3. الترتيب الموضوعيّ: يعدّ الترتيب الموضوعيّ للآيات الممهّد الرئيس في منهج الموضوع القرآنيّ لاستفادة نظر القرآن الكلّيّ. فعلى الباحث ترتيب الآيات وَفق موضوعات جزئيّة لتسهيل مهمّته، فينظّمها -مثلاً- ضمن مجموعة التعاريف أو المفاهيم، ومجموعة الأسباب، ومجموعة النتائح إلخ... وبعد ترتيب الآيات موضوعيّاً كمحطّة تمهيديّة، يحاول الباحث الخروج بنظام منطقيّ يجمع بين علاقاتها المختلفة دون تضارب أو تنافر، سواءٌ في ذلك العلاقات بين هذه الآيات المرتبطة بالموضوع، أو العلاقات بين كلٍّ من هذه الآيات مع الآيات الأخرى في السورة ذاتها ضمن إطار المحور العامّ لكلّ سورة. وبهذه الطريقة يكون النّظام المنطقيّ المستنتج هو الأقربَ والأوفقَ بالسّياق الكلّيّ للآيات المرتبطة بموضوع البحث.

والعلاقة بين الآيات بعد ترتيبها -هذه العلاقة التي تحدّد طبيعة النّظام المنطقيّ- تُتصوّر على أنحاءٍ، أهمّها:

- المحكم والمتشابه: يقول الله -عزّ وجلّ-: ﴿هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ مِنهُ ءَايَٰتٞ مُّحكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنهُ ٱبتِغَاءَ ٱلفِتنَةِ وَٱبتِغَاءَ تَأوِيلِهِۦ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُۥ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلعِلمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ ٱلأَلبَٰبِ﴾[3].


[1] سورة الحج، الآية 39.

[2] راجع: مسلم، مباحث في التّفسير الموضوعيّ، مصدر سابق، ص37؛ آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص265.

[3] سورة آل عمران، الآية 7.

 

113


87

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

قال الراغب الأصفهانيّ: «المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى».[1]

وقال: «والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره، إمّا من حيث اللّفظ أو من حيث المعنى، فقال الفقهاء: المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده»[2]. والمثال على العلاقة بين الآيات المحكمة والمتشابهة إرجاع بعض آيات الصفات المتشابهة، كقوله -تعالى-: ﴿وَقَالَتِ ٱليَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشَاءُ﴾[3] إلى الآية المحكمة في صفاته -تعالى-: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيءٞ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ﴾[4].

ووظيفة الباحث الموضوعيّ (بما هو موضوعيّ) -بعد فرض جمعه لجميع الآيات المتعلّقة بالموضوع- ليست إرجاع المتشابه منها إلى المحكم وفهمه على ضوء المحكم؛ فإنّ ذلك مقدّمة ضروريّة خلال تفسيره التجزيئيّ أو التحليلي لكلّ آية منها على حدة وفي سياقها الخاصّ، بل تحديد موقعيّة كلّ منها في السياق الكلّي للقرآن الكريم الذي ستكون فيه الآيات المتشابهة محكومة لأمومة الآيات المحكمة.

- الناسخ والمنسوخ: عرّف النسخ في الاصطلاح بأنّه: «رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه، سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفيّة أم الوضعيّة، وسواء أكان من المناصب الإلهيّة أم من غيرها من الأمور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنّه شارع»[5]. والنسخ بهذا المعنى يؤول إلى أنّ الحكم المنسوخ المجعول مقيّدٌ بزمان خاصّ معلوم عند الله، فهو في الحقيقة تقييد لإطلاق الحكم من حيث

 


[1] الراغب الأصفهانيّ، المفردات في غريب القرآن، مصدر سابق، ص128.

[2] المصدر نفسه، ص254.

[3] سورة المائدة، الآية 64.

[4] سورة الشورى، الآية 11.

[5] الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1395هـ.ق - 1975م، ط4، ص277 - 278.

 

114


88

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

الزمان؛ فإنّ المصلحة قد تقتضي بيان الحكم على جهة العموم أو الإطلاق، مع أنّ المراد الواقعيّ هو الخاصّ أو المقيّد، ويكون بيان التخصيص أو التقييد بدليل منفصل يكون هو المعبّر عن الناسخ[1].

والنسخ بهذا المعنى ممكن قطعاً، ويختصّ بالتشريع، سواء في الأحكام الولائيّة أو الشرعيّة. ومثاله (آية النجوى) التي أمرت المسلمين بدفع الصدقة قبل لقاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال -عزّ وجلّ-: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَٰجَيتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَينَ يَدَي نَجوَىٰكُم صَدَقَةٗ ذَٰلِكَ خَيرٞ لَّكُم وَأَطهَرُ فَإِن لَّم تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾[2]. وبعد أن انقطع الصحابة كلّهم أو أغلبهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خلا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) نسخت حكمَها الآيةُ التي تلتها، فقال -عزّ وجلّ-: ﴿ءَأَشفَقتُم أَن تُقَدِّمُواْ بَينَ يَدَي نَجوَىٰكُم صَدَقَٰتٖ فَإِذ لَم تَفعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيكُم فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱللَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ﴾[3].

والمعوّل في معرفة النّاسخ والمنسوخ، بعد تحقّق نظر الآية النّاسخة إلى إبطال حكم الآية المنسوخة، هو الترتيب النزوليّ للآيتين، كما سبقت الإشارة إليه، فلا يمكن للآية المكّيّة -مثلاً- نسخ حكم الآية المدنيّة.

- العامّ والخاصّ: عرّف الفخر الرازيّ العامّ اصطلاحاً في كتابه «المحصول» بقوله: «هو اللّفظ المستغرِق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد؛ كقولنا: (الرجال)؛ فإنّه مستغرق لجميع ما يصلح له، ولا تدخل عليه النكرات؛ كقولهم: رجل؛ لأنّه يصلح لكلّ واحد من رجال الدنيا ولا يستغرقهم، ولا التثنية ولا الجمع؛ لأنّ لفظَي (رجلان ورجال) يصلحان لكلّ اثنين وثلاثة ولا يفيدان الاستغراق، ولا ألفاظ العدد؛ كقولنا: خمسة؛ لأنّه يصلح لكلّ خمسة ولا يستغرقه. وقولنا: بحسَب وضع واحد،

 


[1]  راجع: السيد الخوئي، البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ص280.

[2]  سورة المجادلة، الآية 12.

[3]  السورة نفسها، الآية 13.

 

116


89

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

احترازٌ عن اللّفظ المشترك، والذي له حقيقة ومجاز؛ فإنّ عمومه لا يقتضي أن يتناول مفهومَيه معاً»[1].

وعرّف الشهيد الصدر العموم في الحلقة الثالثة بأنّه: «الاستيعاب المدلول عليه باللّفظ»[2]. وقيّده بقوله (باللّفظ) ليخرج الإطلاق الشموليّ الذي يفيد الاستيعاب أيضاً، ولكن بمعونة قرينة الحكمة.

وعُرّف التخصيص بأنّه: «إخراج بعض الأفراد عن شمول الحكم العامّ بعد أن كان اللّفظ في نفسه شاملاً له لولا التخصيص»[3].

وعلى هذا، فإنّ الخاصّ يتقوّم بعنصرين؛ اللّفظ، والدّلالة على الاستثناء من حكم العموم. ومثال العامّ المخصّص في القرآن الكريم، قوله -تعالى-: ﴿وَٱلمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوءٖ﴾[4]، فإنّ «الْمُطَلَّقَاتُ لَفْظُ عُمُومٍ[5]، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فِي الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، وَخَرَجَتِ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِآيَة الْأَحْزَابِ ﴿فَمَا لَكُم عَلَيهِنَّ مِن عِدَّةٖ تَعتَدُّونَهَا﴾[6]، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُوْلَٰتُ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ  ﴾[7]»[8].

المطلق والمقيّد: نقل الشوكانيّ في تعريف المطلق اصطلاحاً أنّه: «ما دلَّ على


 


[1] الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، المحصول، تحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1412هـ.ق، ط2، ج2، ص309 - 310.

[2] الصدر، الشهيد السيد محمد باقر، دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة)، دار الكتاب اللبناني، لبنان - بيروت، 1406هـ.ق - 1986م، ط2، ج2، ص93.

[3] المظفّر، محمّد رضا، أصول الفقه، ج1، ص190.

[4] سورة البقرة، الآية 228.

[5] لا يخفى أنّ عدّ لفظ (المطلّقات) لفظ عموم إنّما هو بناء على كون الجمع المحلّى بالألف واللّام من أدوات العموم.

[6] سورة الأحزاب، الآية 49.

[7] سورة الطلاق، الآية 4.

[8] القرطبيّ، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردونيّ - إبراهيم أطفيش، دار الكتب المصريّة، مصر - القاهرة، 1384هـ.ق - 1964م، ط2، ج3، ص112.

 

116


90

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

الماهيّة بلا قيد من حيث هي هي، من غير أن تكون له دلالة على شيء من قيوده»[1].

والمقيَّد اصطلاحاً: «هو ما دلّ على الماهيّة بقيد من قيودها، أو ما كان له دلالة على شيء من القيود»[2].

وبعبارة أوضح، وبنحو شرح الاسم نقول: «المراد بالمطلق في القرآن الكريم، هو اللّفظ الذي لا يقيّده قيد، ولا تمنعه حدود، ولا تحتجزه شروط، فهو جارٍ على إطلاقه. والمقيّد بعكسه تماماً، فهو: الذي يقيّد بقرينة لفظيّة دالّة على معنى معيّن بذاته لا تتعدّاه إلى سواه»[3]. مثال ذلك عتق الرقبة في كفّارة اليمين وكفّارة الظهار، فقد وردت مطلقة في كفّارة اليمين في قوله -تعالى-: ﴿فَكَفَّٰرَتُهُۥ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِن أَوسَطِ مَا تُطعِمُونَ أَهلِيكُم أَو كِسوَتُهُم أَو تَحرِيرُ رَقَبَةٖ﴾[4]، وكذلك في كفّارة الظهار في قوله -تعالى-: ﴿وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَائِهِم ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُم تُوعَظُونَ بِهِۦ وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٞ﴾[5].

أمّا في كفّارة قتل الخطأ، فقد وردت مقيّدة في قوله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلَّا خَطَ‍ٔٗا وَمَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَ‍ٔٗا فَتَحرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهلِهِۦ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَومٍ عَدُوّٖ لَّكُم وَهُوَ مُؤمِنٞ فَتَحرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤمِنَةٖ وَإِن كَانَ مِن قَومِ بَينَكُم وَبَينَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهلِهِۦ وَتَحرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤمِنَةٖ

 


[1] الشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1356هـ.ق - 1937م، ط1، ص164.

[2] المصدر نفسه، ص164.

[3]  الحجار، الدكتور عدي جواد، الأسس المنهجيّة في تفسير النصّ القرآنيّ، كربلاء-العتبة الحسينية المقدّسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، تقديم اللجنة العلمية: محمد علي الحلو، 1433هـ، 2012م، ط1، ص144  - 145، نقله عن: الصّغير، محمّد حسين عليّ، (مصطلحات أساسيّة في علوم القرآن/5)، محاضرات أُلقيت على طلبة الدراسات العليا -2006م- جامعة الكوفة.

[4]  سورة المائدة، الآية 89.

[5] سورة المجادية، الآية 3.

 

114


91

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

فَمَن لَّم يَجِد فَصِيَامُ شَهرَينِ مُتَتَابِعَينِ تَوبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾[1].

فحمل بعض المفسّرين المطلق على المقيّد[2] وقالوا: لا تجزي الرقبة الكافرة، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه[3].

ومن الواضح ابتناء البحث في المطلق والمقيّد، كما في العامّ والخاصّ والنّاسخ والمنسوخ، على متبنّيات الباحث في علم أصول الفقه، وإن لم يختصّ البحث في القرآن الكريم بالأحكام؛ لعدم اختصاص كثير من قواعد علم الأصول بالأحكام الشرعيّة كما لا يخفى.

المجمل والمفصَّل: المجمل المقابل للمفصّل هو «الموجز المختصر، والمفصّل هو المسهب الموسّع، فقوله -تعالى-: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمنَا مَا قَصَصنَا عَلَيكَ مِن قَبلُ وَمَا ظَلَمنَٰهُم وَلَٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ﴾[4] يحتوي على جملة ﴿حَرَّمنَا مَا قَصَصنَا عَلَيكَ مِن قَبلُ﴾، وهي إحالة على آية أخرى فصّلت ما أجملته هذه الآية، وهي قوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖ وَمِنَ ٱلبَقَرِ وَٱلغَنَمِ حَرَّمنَا عَلَيهِم شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَت ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلحَوَايَا أَو مَا ٱختَلَطَ بِعَظمٖ ذَٰلِكَ جَزَينَٰهُم بِبَغيِهِم وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ﴾[5]. وتحتوي ﺍﻵيتاﻥ ﻋﻠﻰ كلمة مفتاﺡ ﻭﺍﺣﺪﺓ تصلح ﻟﻠﺮﺑﻂ بين الآيتين، وفكّ ﺍﻟﻤﺴـﺘﻐﻠﻖ ﻣـﻦ ﺍﻹجماﻝ، ﻭﻫﻲ قوﻟﻪ -تعالى-: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمنَا﴾، التي جاءت بالنصّ ﺫﺍته ﻓﻲ ﺍﻵيتين»[6].

 


[1]  سورة النساء، الآية 92.

[2] يجدر بالذّكر أنّ هذا الرأي شاذّ وفقاً للمشهور في أصول الفقه.

[3] راجع: الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1، ج3، ص568.

[4] سورة النحل، الآية 118.

[5]  سورة الأنعام، الآية 146.

[6] آل موسى، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص281 - 282.

 

118


92

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

المجمل والمبيّن: عرّفوا المجمل -المقابل للمبيّن- اصطلاحاً بـ‍: «أنّه ما لم تتّضح دلالته»، ويقابله المبيّن. والمقصود من المجمل على كلّ حال: ما جهل فيه مراد المتكلّم ومقصوده إذا كان لفظاً، وما جهل فيه مراد الفاعل ومقصوده إذا كان فعلاً. ومرجع ذلك إلى أنّ المجمل هو اللّفظ أو الفعل الذي لا ظاهر له؛ وعليه، يكون المبيّن ما كان له ظاهر يدلّ على مقصود قائله أو فاعله على وجه الظنّ أو اليقين، فالمبيّن يشمل الظاهر والنصّ معاً»[1].

والمجمل أنواع، منها: اللّفظ المشترك، وهو ما وضع لأكثر من معنى، كالقرء للطهر والحيض، وكالعين للباصرة والجارية...، ومنها مرجع الضمير إذا احتمل رجوعه إلى أكثر من معنى، كما في قول الله -تعالى-: ﴿فَلَا تَعضُلُوهُنَّ﴾[2]، فيحتمل رجوعه إلى الأهل والأولياء، ويحتمل رجوعه إلى الأزواج السابقين...إلخ.

والوظيفة في تبيين المجمل ألقيت على عاتق السنّة الشريفة: ﴿وَأَنزَلنَا إِلَيكَ ٱلذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ﴾[3]، لكنّ هذا خارج عن مميّزات البحث الموضوعيّ في القرآن الكريم، ويتساوى فيه التفسير الموضوعيّ مع التفسير التحليليّ التجزيئيّ، والمطلوب من الباحث الموضوعيّ توظيف السياق الكلّيّ الذي يستنبطه من القرآن الكريم لاستجلاء غوامض الآيات ومجملاتها.

ونضرب مثالاً على ذلك من قوله -تعالى-: ﴿وَنَضَعُ ٱلمَوَٰزِينَ ٱلقِسطَ لِيَومِ ٱلقِيَٰمَةِ فَلَا تُظلَمُ نَفسٞ شَي‍ٔٗا وَإِن كَانَ مِثقَالَ حَبَّةٖ مِّن خَردَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ﴾[4]. هل هذا الميزان مشابه لموازين الدنيا؟ هل يمكن تساوي الحسنات والسيّئات بعد الوزن؟

 


[1] المظفر، الشيخ محمد رضا، أصول الفقه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط، ج1، ص248.

[2] سورة البقرة، الآية 232.

[3] سورة النحل، الآية 44.

[4] سورة الأنبياء، الآية 47.

 

119


93

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

الجواب لدى المفسّر الموضوعيّ أنّه: إذا دقّقنا النظر في أحكام يوم القيامة يصبح هذا المعنى غير وارد، فالله -تعالى- قد وصف الميزان هناك بأنّه الحقّ، فقال: ﴿وَٱلوَزنُ يَومَئِذٍ ٱلحَقُّ﴾[1]، وجعل الثقل في الميزان للحسنات والخفّة للسيّئات، فقال: ﴿ فَمَن ثَقُلَت مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ ١٠٢ وَمَن خَفَّت مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم فِي جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ﴾[2]، فلا معنى للتساوي عندئذٍ؛ إذ إنّ الميزان إذا ثقل بغلبة الحسنات كان الإنسان في عداد الناجين، وإن خفّ بغلبة السيّئات كان صاحب الأعمال ممّن خسر نفسه، وافتراض تساوي الميزان -بتشبيهه بالموازين في عالم الدنيا من ذي الكفّتين وغيره- وهمٌ ناشئ من قياس ما هنا على ما هنالك على خلاف ما تقتضيه ظواهر آيات الموازين[3]؛ وهذا كلّه على فرض إقامة الوزن للعمل، أمّا الطوائف التي لا يُقام وزن لأعمالهم، كالكفّار مثلاً، فإنّها خارجة تخصّصاً (لا تخصيصاً) عن أحكام موقف الميزان؛ وذلك لقوله -تعالى-: ﴿أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِم وَلِقَائِهِۦ فَحَبِطَت أَعمَٰلُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ وَزنٗا﴾[4].

خطوات منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ

1. اختيار الموضوع.

2. استقراء الآيات بطرق الاستقراء التي صوّرناها، ودراسة الاستعمالات القرآنيّة للمفردات المفتاحيّة في البحث.

 


[1] سورة الأعراف، الآية 8.

[2] سورة المؤمنون، الآيتان 102 - 103.

[3]  إشارة إلى أمثال الآيات: ﴿وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٨ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ﴾ (سورة الأعراف، الآيتان 8 - 9)؛ ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ﴾ (سورة القارعة، الآيات 6 - 9).

[4] سورة الكهف، الآية 105.

 

120


94

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

3. تصنيف الآيات بتصنيفَي الترتيب النّزولي والموضوعيّ، واستخراج الموضوعات الجزئيّة.

4. تفسير الآيات تفسيراً تجزيئيّاً، ثمّ الاستفادة من علاقتها مع الآيات المحيطة من خلال علم المناسبة، ومع محاور السورة ومحورها العامّ من خلال الاستعانة بالتّفسير الموضوعيّ للسورة التي تقع فيها.

5. وضع الفرضيّات للنّظام المنطقيّ الأوفق بالسياق الكلّيّ للآيات وبترتيبيها النزوليّ والموضوعيّ وبأسباب النّزول وملابسات الآيات.

6. دراسة الروايات المرتبطة بالموضوع وبتفسير الآيات دراسة موضوعيّة حسب منهج الباحث المتّبع لديه في دراسة الروايات.

7. اختبار ثمّ اختيار النظام المنطقيّ الأوفق بالسياق الكلّيّ للآيات، عبر دراسة توافق المحور العامّ للنّظام مع السياق للموضوعات الجزئيّة، ودراسة توافقه مع مبادئ القرآن الكلّيّة ونظيراتها في السنّة الشريفة.

8. الخروج بالنّظريّة العامّة التي يعتقد الباحث أنّها الأقرب إلى نظر القرآن الكريم تجاه الموضوع.

 

121


95

الدرس التاسع: منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ (2)

المفاهيم الرئيسة

معالم منهج الدراسة الموضوعيّة للموضوع القرآنيّ:

- مرحلة الاستقراء: في هذه المرحلة يهدف الباحث إلى تجميع كلّ ما يمسّ موضوعه من القرآن الكريم، وذلك عبر تحديد ألفاظ البحث والكلمات المفتاحيّة أوّلاً بالطرق التي أوضحناها، ودراسة استعمالاتها في القرآن الكريم، ثمّ جمع الآيات.

- تصنيف الآيات وترتيبها: في هذه المرحلة يهتمّ الباحث بتصنيف الآيات وترتيبها وَفق ترتيبها النزوليّ والموضوعيّ، ثمّ الاستعانة بأسباب النزول وغير ذلك ممّا توافر من الممهّدات تمهيداً لاكتشاف السياق الكلّيّ للآيات الذي ينظّم علاقة الآيات في ما بينها من: إحكام وتشابه، وعموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وإجمال وتفصيل وتبيين، وأولويّة بعضها على الآخر.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

1. ما ﻫﻲ التطبيقات ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻳﻖ القرآنيّة ﺍﻟﺘﻲ تتناسب ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ الآتية:

أ. حبّ الذات. ب. التطهير العرقيّ. ج. العفاف. د. الثورة.

2. ما ﺍﻟﻔﺮﻕ بين ﺃﻥ نجمع آيات تدور ﺣﻮﻝ العنصريّة ﻭبين جمع ﺁياﺕ ﺃﺧﺮﻯ تتحدّث ﻋﻦ الربوبيّة ﻣﻦ حيث:

أ. عدد ﺍﻵياﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺮجة. ب. صعوبة البحث. ج. الجِدة والحداثة.

3. ما ﺍﻟﻔــﺮﻕ بين ﻓﺮﺯ أو تصنيف ﺍﻵياﺕ ﻭبين ترتيبها؟ ﻭﻫﻞ يسبق أحدهما ﺍﻵﺧﺮ بالضرورة؟

 

122


96

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

 

نموذج تطبيقيّ أوّل للتفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يطبق قواعد التفسير الموضوعي للموضوع القرآني.

2. يتعرّف إلى موضوع الذكورة والأنوثة بطريقة تفسير الموضوع القرآني.

3. يختار موضوع من القرآن الكريم ويطبق عليه المنهج الموضوعي للموضوع القرآني.

 

123


97

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

الدلالة المعنويّة في القرآن [1]

يرى القرآن -من حيث المحتوى- أنّ الكمالات الإنسانيّة تكمن في معرفة المبدأ والمعاد والوحي والرسالة؛ أي إنّ الكمال هو في الرؤية الكونيّة الإلهيّة. وهذه المعرفة هي بمعنى أنّ للعالم بداية باسم (الله وأسمائه الحسنى)، وله نهاية باسم (المعاد) والقيامة وجهنّم والجنّة و...، وبين هذه البداية والنهاية صراط مستقيم، وإنّ مسألة الوحي والنبوّة هي هذا الصراط المستقيم.

ولأنّه -في العالم كلّه- لا يوجد سوى المبدأ والمعاد والعلاقة بين المبدأ والمعاد. لذا، فأصول الدين ليست غير هذه الأصول الثلاثة: الأوّل، معرفة المبدأ؛ الثاني، معرفة المعاد؛ الثالث، معرفة النّبيّ.

 

لغة القرآن، لغة ثقافة الحوار

على الرغم من أنّ الله -تعالى- قال في شأن جزاء الأعمال: ﴿كُلُّ ٱمرِيِٕ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ﴾[2]، ولكن (امرىء) هذه ليست في مقابل (امرأة)، بل نّ طريقة الحوار هي أن يذكر الإنسان بصفة إنسان وليس بصفة رجل في مقابل المرأة.

عندما تحضر المرأة والرجل في ساحة الثورة، يُقال: إنّ أهل إيران ثاروا، أو إذا كان لدى امرأة ورجل سؤال عن موضوع يُقال: إنّ (النّاس) يقولون هكذا؛ أي (جماهير النّاس) لا خصوص الرجل أو المرأة. بناءً على هذا، ليس المقصود في آية: ﴿كُلُّ ٱمرِيِٕ

 


[1]  هذا الدرس منقول بتصرّف من: جوادي آملي، الشيخ عبد الله، جمال المرأة وجلالها، دار الهادي، لبنان -بيروت، 1415هـ.ق - 1994م، ط1، ص71 - 80.

[2] سورة الطور، الآية 21.

 

125


98

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ﴾ هو الرجل في مقابل المرأة، حيث إنّ هذا المعنى بيّنه -تعالى- في آية أخرى بتعبير (نفس)، وقال: ﴿كُلُّ نَفسِ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ﴾[1]. وأحياناً يعبّر بـ(الإنسان)، ويقول: ﴿وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ٣٩ وَأَنَّ سَعيَهُۥ سَوفَ يُرَىٰ ٤٠ ثُمَّ يُجزَىٰهُ ٱلجَزَاءَ ٱلأَوفَىٰ﴾[2]. ولذا، فإنّ مسألة الجزاء ومسألة المعاد لا تختصّ بمجموعة خاصّة، ولأنّ المعاد هو عودة إلى المبدأ فكلّ إنسان مسؤول تجاه عمله، وهنا لا مدخليّة للذكورة والأنوثة، وكذلك في معرفة المبدأ والتقرّب إليه. هذه تعابير معنويّة في القرآن الكريم.

 

الدلالة اللّفظيّة في القرآن

يذكر القرآن الكريم في بعض الأحيان معارفَ معنويّة مع بيان ألفاظ خاصّة؛ لأجل أن يفهمنا أنّ لغة الحوار أعمّ من المذكّر والمؤنّث. وإذا بيّن أحياناً مسألة بلغة النّاس، فليس المقصود هو الرجل في مقابل المرأة. فلننظر إلى آيات مثل آيات سورة آل عمران التي تتعلّق بهجرة المهاجرين في صدر الإسلام؛ لأنّه عندما هاجر الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كانت معه الفواطم، وهاجرت بعض النساء معه أيضاً.

قال -تعالى- في ذيل بحث الهجرة: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ﴾[3].

فالمرأة إذا هاجرت تكون مأجورة والرجل -أيضاً- إذا هاجر فهو مأجور. إنّه حكم بتساوي المرأة والرجل في فضيلة الهجرة، ولكنّ الله اختار لفظاً بنحو يفهمنا أن سائر الألفاظ إذا كانت مذكّرة، فليس المقصود بها الرجل في مقابل المرأة؛ لأنّه قال في هذه الآية: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ﴾، فعبارة (من ذكر أو أنثى)

 


[1] سورة المدّثر، الآية 38.

[2] سورة النجم، الآيات 39 - 41.

[3] سورة آل عمران، الآية 195.

 

126


99

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

هذه، بيان المقصود من كلمتَي (عامل) و(منكم)؛ إذ لو كان المراد بهما خصوص العامل الذكر في مقابل العاملة لا يصحّ القول: (عامل من ذكر أو أنثى). وإذا كان (منكم) في مقابل (منكنّ) فعند ذلك لا يصحّ القول: (من ذكر أو أنثى)، فيتّضح أنّه يجب عدم تفسير (عامل) بأنّه في مقابل (عاملة)، وكذلك (منكم) في مقابل (منكنّ). وهذا شاهد جيّد على هذا الادّعاء، وهو أنّه إذا جاءت التعابير القرآنيّة بصورة مذكّر فهي على أساس لغة الحوار، وليس على أساس الأدبيّات الكتابيّة.

وقال -تعالى- في سورة النّحل المباركة: ﴿مَن عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنٞ فَلَنُحيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ﴾[1]، حيث بيّن في هذه الآية ثلاثة ألفاظ، جاءت كلّها مذكّرة، ولكنّ بقيّة قوله -تعالى-: ﴿مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ﴾ لا ينسجم مع القسم السابق في الآية ولا مع القسم اللاحق له؛ لأنّه جاء في أول الآية (من عمل صالحاً)، حيث بيّن كِلَا اللفظين (من) و(عمل) بصورة مذكّر. وما يمكن أن يُقال في شأن (من) إنّها تشمل المرأة والرجل لا يستقيم مع استعمال لفظ (عمل) فهو خاصّ بالمذكّر.

ثمّ قال -تعالى-: ﴿مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنٞ فَلَنُحيِيَنَّهُۥ﴾. هنا أيضاً لفظ (مؤمن)، وضمير (هو) والضمير المفعوليّ في فلنحيينّه جاء مذكّراً، وفي الحقيقة ذكر في الآية أربعة ألفاظ مذكّرة لفظاً قبل (من ذكر أو أنثى) وثلاثة ألفاظ مذكّرة بعد ذلك.

بناءً على هذا، يجب البحث عن أنّ (من ذكر أو أنثى) هذه، بيان لأيّ لفظ؟ لو كانت بياناً لـ(عمل)، فـ(عمل) تشمل المذكّر فقط، وضمير المذكّر اللاحق الذي يقول: (فلنحيينّه) يعود إلى خصوص المذكّر، فقوله -تعالى-: ﴿مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ﴾ في وسط الآية لا ينسجم مع المذكّر السابق ولا مع المذكّر الذي يأتي بعد ذلك.

فالجواب الصحيح هو أنّ الله -تعالى- يريد أن يفهمنا هنا أنّه عبّر بصورة مذكّر على أساس لغة الحوار، لا أنّ العمل يكون خاصّاً بالرجل. وبناءً على ذلك، يجب

 


[1] سورة النحل، الآية 97.

 

127


100

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

عدم الوقوع في مشقّة تفسير قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»[1]، وأنّه لماذا لم يقل (مسلمة)، مع أنّ في بعض الروايات أضيفت كلمة (مسلمة)، أو أنّ بعض المحدّثين روى (مسلمة أيضاً).

إنّ القرآن الكريم، في الوقت نفسه الذي يعرّفنا بعظمة ذلك المعنى، يرشدنا -أيضاً- إلى خاصيّة لغة الحوار، ويقول: إنّ الكلام إذا كان عن المذكّر، فهو ليس من أجل أنّ هذا الوصف هو وصف للمذكّر، بل من أجل أنّه يعبّر هكذا في مقام اللفظ.

الخلاصة: إنّ تلك الشواهد المعنويّة، وهذه الشواهد اللّفظيّة تثبت أنّ ما يعود إلى العلم وإلى العمل في المعارف والكمالات ليس الكلام فيه عن الذكورة والأنوثة. 

حالات من التساوي في الاستفادات المادّيّة والمعنويّة

يمكن -أحياناً- أن يحكم القرآن الكريم بالتساوي، ولكن في حالات هي من باب القضيّة الموجبة الصادقة بصدق الموضوع والمحمول، وبإيجاب الموضوع والمحمول، كما في قوله -تعالى-: ﴿سَوَاءً ٱلعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلبَادِ﴾[2]، هنا حقيقةً (العاكف) قِسمٌ، و(الباد) قِسمٌ آخر.

إنّ أهل المدينة قِسمٌ، وإنّ أهل (البدو) والبادية قِسمٌ آخر. هنا يصحّ القول: ﴿سَوَاءً ٱلعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلبَادِ﴾؛ لأنّ هذا يعود إلى الجسم؛ لأنّ السكن في المدينة أو البادية لا يعود إلى روح الإنسان. التقسيم إلى قارّة أو إقليمٍ جغرافيّ أو إلى الخصائص المدنيّة أو القرويّة يتعلّق بجسم الإنسان وليس بروح الإنسان، فروح الإنسان ليست مدنيّة ولا قرويّة، لا هي عرب ولا عجم، ولا فارسيّة ولا تركيّة، ولا عبريّة ولا عربيّة؛ لأنّها جاءت من عالم ليس فيه حديث عن العبرّية والعربيّة، أو الفارسيّة والسريانيّة، أو الروميّة والتركيّة وأمثال ذلك. في الروح لا يكون الكلام قطعاً على العاكف والباد،

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص30.

[2] سورة الحج، الآية 25.

 

128


101

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

ولكنّ جسم الإنسان يقطن أحياناً في المدينة وأحياناً في القرية. لذا، قال الله -سبحانه-: إنّ الشخص الذي جاء من البادية له استفادة من الحرم، والشخص الساكن في المدينة ويقطن في مكّة، له أيضاً استفادة ﴿سَوَاءً ٱلعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلبَادِ﴾.

في قسم آخر، حكم القرآن الكريم -أيضاً- بالتساوي، وهذا الحكم بالتساوي إذا كان متعلّقاً بالمسائل الماديّة، فإنّ الأبدان متساوية، وإذا كان متعلّقاً بالمسائل المعنويّة، فالأرواح متساوية، فقال بشأن الرزق مثلاً: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقوَٰتَهَا فِي أَربَعَةِ أَيَّامٖ﴾[1]، ثمّ قال: ﴿سَوَاءٗ لِّلسَّائِلِينَ﴾. إنّ المقصود من السؤال هنا هو السؤال العمليّ والاستيعابيّ. كلّ من لديه قابليّة كسب وقدرة على الاستفادة من المصادر الأرضيّة يمكنه الاستفادة بدون امتياز ﴿سَوَاءٗ لِّلسَّائِلِينَ﴾.

والأمر كذلك في ما يتعلّق بالمعارف أيضاً؛ إذ إنّ كلّ من سأل أخذ الجواب. وعلى الرغم من أنّه -تعالى- قال في هذه الآية: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقوَٰتَهَا فِي أَربَعَةِ أَيَّامٖ﴾، لكنّه قال في سورة عبس:

﴿فَليَنظُرِ ٱلإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦ﴾[2]. هذا الطعام قُسِّم إلى مصداقين وطُبّق على مصداقين؛ أحدهما هو الطعام المصطلح، والآخر هو طعام الروح، حيث روى المرحوم الكلينيّ في ذيل هذه الآية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: آية ﴿فَليَنظُرِ ٱلإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦ﴾؛ أي: «علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه»[3].

فالطعام قسمان، والله -تعالى- قال: ﴿سَوَاءٗ لِّلسَّائِلِينَ﴾؛ أي كلّ من سأل طعام البدن فله حقّ التسلّم في مقابل السؤال، وكذلك بالنسبة إلى طعام الروح.

 

 


[1] سورة فصّلت، الآية 10.

[2] سورة عبس، الآية 24.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص50.

 

129


102

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

في مثل هذه الحالات، ثمّة محلّ للتساوي، ولكن لا يوجد أيّ اختلاف بين الأرواح، لا أنّ الأرواح بعضها مذكّر وبعضها مؤنث، والمذكّر والمؤنث متساويان -كما مرّ سابقاً من كونها سالبة بانتفاء الموضوع-. وهذه الآيات المذكورة التي كان قسم منها في سورة النّحل المباركة وقسم آخر في سورة آل عمران تتعلّق بهذا الموضوع، وأن ليس في الأمر أنوثة وذكورة.

يمكن -أحياناً- أن يُفهم أنّ القرآن يثمّن الذكور أكثر، ويرى الغلبة للذكور، وعندما يمدح امرأة بمقام فضيلة يعدّها في زمرة الرجال، لا أن يفتح للمرأة حساباً منفصلاً، والشاهد على هذا هو أنّه قال في شأن مريم عليها السلام: ﴿وَصَدَّقَت بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَت مِنَ ٱلقَٰنِتِينَ﴾[1]، ولم يقل: «وكانت من القانتات». لقد وصفت مريم O بأنّها تصدّق بالكلمات الإلهيّة، وتؤمن بالكتب الإلهيّة، ومن أهل القنوت والخضوع، ومع هذا فإنّ الله -سبحانه- يعطي الرجال استقلالاً، ويذكر مريم تحت غطاء اسم الرجال، ويقول: ﴿وَكَانَت مِنَ ٱلقَٰنِتِينَ﴾ لا (من القانتات).

جواب هذا التوهّم هو أنّ لغة الحوار غير لغة الأدبيّات الدراسيّة والكتابيّة. القرآن الكريم يشخّص في سورة الأحزاب أنّ المرأة والرجل متساويان في هذه الفضائل، ويعدّ كثيراً من الفضائل الأخلاقيّة، ويعطي لكلّ من هذين الصنفين استقلالاً، على الرغم من أنّه قال في سورة آل عمران: ﴿ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلقَٰنِتِينَ وَٱلمُنفِقِينَ وَٱلمُستَغفِرِينَ بِٱلأَسحَارِ﴾[2]. ويبيّن الجميع بصورة مذّكر، لكنّه يقول في سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ ٱلمُسلِمِينَ وَٱلمُسلِمَٰتِ وَٱلمُؤمِنِينَ وَٱلمُؤمِنَٰتِ وَٱلقَٰنِتِينَ وَٱلقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلخَٰشِعِينَ وَٱلخَٰشِعَٰتِ﴾، ثمّ يقول: ﴿وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغفِرَةٗ وَأَجرًا عَظِيمٗا﴾[3].

 


[1]  سورة التحريم، الآية 12.

[2] سورة آل عمران، الآية 17.

[3] سورة الأحزاب، الآية 35.

 

130


103

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

إنّ الله -تعالى- يعبّر بطريقة تفهّمنا المعنى، وتفهّمنا أنّه يتكلّم بثقافة الحوار وليس بالثقافة الأدبيّة، ومع أنّه صرّح وقال: ﴿إِنَّ ٱلمُسلِمِينَ وَٱلمُسلِمَٰتِ وَٱلمُؤمِنِينَ وَٱلمُؤمِنَٰتِ﴾، ولكنّه حين يخبر لا يقول: (أعدّ الله لهم ولهنّ)، بل يقول: (أعدّ لهم)؛ أي لا تفكّروا أنّه كلّما ورد كلام عن (كم) و(هم) فالمقصود هو الرجل (إلّا بقرينة التقابل)؛ وعليه، فالشخص العارف بثقافة القرآن لا يخطر في ذهنه أنّه لماذا ورد في تلك الرواية: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»، حتّى يكون في فكر الجواب ما دام مستأنساً بالقرآن، ويفهم أنّ الله يذكر بصراحة الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات بشكل مشروح في آية واحدة.

بناءً على ذلك، فإنّ قوله -تعالى-في شأن مريم O: ﴿وَصَدَّقَت بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَت مِنَ ٱلقَٰنِتِينَ﴾، لا لأجل أنّه ليس لدينا قانتات؛ لأنّه قال صريحاً في سورة الأحزاب: ﴿وَٱلقَٰنِتِينَ وَٱلقَٰنِتَٰتِ﴾، بل لأجل حفظ ثقافة الحوار، وعلامته أنّه هكذا في جهة العكس أيضاً، ففي جهة العكس يعدّ المرأة الخاطئة في زمرة الرجال الخاطئين على أساس طريقة الحوار، ويقول في سورة يوسف: ﴿وَٱستَغفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلخَاطِ‍ِٔينَ﴾[1]، لا (من الخاطئات). وهذا لا لأنّه ليس لدينا خاطئات، بل لأجل أنّه يتكلّم على أساس لغة الحوار.

بناءً على ما مضى ذكره، يمكن تقسيم آيات القرآن الكريم بهذا الصّدد إلى طوائف عدّة:

الطائفة الأولى: هي الآيات التي لا تختصّ بصنف خاصّ، مثل الآيات التي طرح فيها الناس أو الإنسان، أو ذكرت بلفظ (مَن).

 


[1]  سورة يوسف، الآية 29.

 

131


104

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

الطائفة الثانية: هي الآيات التي تتكلّم على الرجل، مثل الآيات التي استعمل فيها ضمير جمع المذكّر السالم، والآيات التي استفيد المذكّر فيها من لفظ (ناس)، وأمثال ذلك، كأن يقول: (يعلّمكم، يعلّمهم).

ولكنّ هذا هو على أساس لغة الحوار، فيجب عدم الاستنتاج أنّ القرآن له قاموس مذكّري من كيفية التعبير الرائجة في قاموس الحوار والأدب.

الطائفة الثالثة: هي الآيات التي استعمل فيها لفظ الرجل والمرأة، وهي تصرّح بأنّه في هذه الناحية ليس في الأمر امرأة ورجل أو أنّهما لا يختلفان، مثل قوله -تعالى-: ﴿مَن عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنٞ فَلَنُحيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ﴾[1].

اتّضح -إذاً- أنّ هذه الأصناف ليس لها دور في المناهج التعليميّة ومناهج التزكية في القرآن الكريم؛ ولذا يقول -تعالى- إنّ بدنكم هذا (البشر الأوّليّ) من التراب ﴿إِنِّي خَٰلِقُ بَشَرٗا مِّن طِينٖ﴾[2]. تارةً يقول من التراب، وطوراً يقول: ﴿مِّن حَمَإٖ مَّسنُونٖ﴾، وأخرى ﴿ مِن صَلصَٰلٖ﴾، وأحياناً من (طين) وأمثال ذلك، وأحياناً يقول إنّ امرأة ورجلاً دخيلان في ظهوركم (البشر الثانويّ). بناءً على ذلك، بماذا تفخرون؟ وإذا أردتم أن تتفاخروا، فإنّ فخركم هو في عدم الفخر. عامل الفخر هي التقوى فقط، وهي ترافق عدم الفخر وعدم التفاخر. هذه الآية المعروفة في سورة الحجرات تتولّى قسم البدن وقسم الروح أيضاً. إنّ قوله -تعالى-: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ﴾؛ أي الناس الذين جاء القرآن لهدايتهم، ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ﴾[3]؛ أي إنّكم إذا أردتم الفخر بالبدن، فإنّ الرجل خلق من امرأة ورجل، والمرأة -أيضاً- ولدت من امرأة ورجل، لا أنّ خلق بدن الرجل أفضل من خلق بدن المرأة ولا العكس، حيث إنّه إذا أراد شخص أو صنف أو عرق التفاخر على عرق آخر، يُقال له أيضاً: إنّ كلّ فريق منكم هو من امرأة ورجل.


 


[1] سورة النحل، الآية 97

[2]  سورة ص، الآية 70.

[3] سورة الحجرات، الآية 13.

 

132


105

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

والأمر كذلك من حيث مسألة العرق واللّغة أيضاً، حيث قال: إنّها عامل للتعارف والهويّة الطبيعيّة، فالإنسان لا يستطيع أن يحمل معه هويّة بلده إلى أيّ مكان يذهب. الوجوه، الهياكل، اللّغات واللّهجات هي هويّة طبيعيّة للإنسان، وهي تعود إلى البدن أيضاً، وإلّا فالروح لا شرقيّة ولا غربيّة، لا عرب ولا عجم و... ﴿وَجَعَلنَٰكُم شُعُوبٗا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ﴾[1].

 


[1] سورة الحجرات، الآية 13.

 

133


106

الدرس العاشر: (الذكورة والأنوثة في القرآن الكريم وتأثيرها في الخطابات الإلهيّة)

المفاهيم الرئيسة

- بيّن القرآن الكريم أنّه يخاطب أرواح الناس، والأرواح ليست مذكّرة ولا مؤنّثة.

- إنّ موضع الذكورة والأنوثة هو بدن الإنسان، والبدن ليس له علاقة بالفضائل والمعارف.

- إنّ آيات القرآن وكلام الله يجب حمله على أساس لغة الحوار إذا لم تكن ثمّة قرينة خاصّة في الكلام أو لم تقتضِ القوانين الأدبيّة غير ذلك.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

كيف نجمع بين الآيات:

1. ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَافَّةٗ﴾[1].

2. ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشهُرُ ٱلحُرُمُ فَٱقتُلُواْ ٱلمُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُّمُوهُم وَخُذُوهُم وَٱحصُرُوهُم وَٱقعُدُواْ لَهُم كُلَّ مَرصَدٖ﴾[2].

3. ﴿تَعرُجُ ٱلمَلَٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيهِ فِي يَومٖ كَانَ مِقدَارُهُۥ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٖ﴾[3].

4. ﴿يُدَبِّرُ ٱلأَمرَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى ٱلأَرضِ ثُمَّ يَعرُجُ إِلَيهِ فِي يَومٖ كَانَ مِقدَارُهُۥ أَلفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[4].

5. ﴿وَيَستَعجِلُونَكَ بِٱلعَذَابِ وَلَن يُخلِفَ ٱللَّهُ وَعدَهُۥ وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[5].

 


[1] سورة البقرة، الآية 208.

[2] سورة التوبة، الآية 5.

[3] سورة المعارج، الآية 4.

[4] سورة السجدة، الآية 5.

[5] سورة الحج، الآية 4.

 

134


107

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

نموذج تطبيقيّ ثان للتفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يطبّق منهج التفسير الموضوع للموضوع القرآني على السنن التاريخية في القرآن الكريم.

2. يتعرّف إلى نماذج من السنن التاريخيّة المذكورة في القرآن الكريم.

3. يفسّر قواعد السنن التاريخيّة في القرآن الكريم.

 

135


108

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

نماذج من السنن التاريخيّة في القرآن الكريم[1]

إنّ حقيقة وجود سنن وقوانين للتاريخ حقيقة واضحة لمن يتتبّع الآيات القرآنيّة، فقد ذكر -تعالى- ذلك بأساليب وألسنة مختلفة، وسنعرض هنا لنماذج من تلك الآيات مع إيضاح مختصر.

فمن الآيات الكريمة التي ظهرت فيها هذه الفكرة كقانون كلّيّ هما الآيتان المباركتان: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُم لَا يَستَأخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَستَقدِمُونَ﴾[2]؛ ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُم فَلَا يَستَ‍ٔخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَستَقدِمُونَ﴾[3].

نلاحظ في هاتين الآيتين الكريمتين، أنّ الأجل أُضيف إلى الأمّة، أو الوجود المجموعيّ للناس، لا إلى هذا الفرد أو ذاك الفرد بالذات. إذاً، يوجد وراء الأجل المحدود المحتوم لكلّ إنسان بوصفه الفرديّ، أجلٌ وميقات آخر للوجود الاجتماعيّ للأفراد؛ أي للأمّة بوصفها مجتمعاً ينشئ ما بين أفراده العلاقات والصلات القائمة على أساس مجموعة من الأفكار والمبادئ المسندة بمجموعة من القوى والقابليّات. هذا المجتمع الذي يعبّر عنه القرآن الكريم بالأمّة موجود تاريخيّ حيّ، له أجل، له موت، له حياة، له حركة. هذه الحياة شبيهة بحياة الفرد في مظاهرها العامّة. فكما أنّ الفرد يتحرّك فيكون حيّاً ثمّ يموت، كذلك الأمّة تكون حيّة ثمّ تموت، وكما أنّ موت الفرد يخضع لأجلٍ وقانون، كذلك الأمم -أيضاً- لها آجالها المضبوطة وقوانينها. وثمّة نواميس تحدّد لكلّ أمّة هذا الأجل.

 


[1] هذا الدرس منقول بتصرّف من: الشهيد الصدر، المدرسة القرآنية، مصدر سابق، ص41 - 65.

[2] سورة الأعراف، الآية 34.

[3] سورة يونس، الآية 49.

 

137


109

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

نموذج آخر هو في قوله -تعالى-: ﴿قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرضِ فَٱنظُرُواْ كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلمُكَذِّبِينَ﴾[1].

تؤكّد هذه الآية على السنن، وتؤكّد على ضرورة التتبّع لأحداث التاريخ من أجل استكشاف هذه السنن، ثمّ الاعتبار بها: ﴿وَلَقَد كُذِّبَت رُسُلٞ مِّن قَبلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَىٰهُم نَصرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ وَلَقَد جَاءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلمُرسَلِينَ﴾[2].

هذه الآية تثبّت قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتحدّثه عن التجارب السابقة، وتربطه بقانونها، وتوضح له أنّ ثمّة سنّة تجري عليه وتجري على الأنبياء الذين مارسوا هذه التجربة من قبله، وأنّ النصر سوف يأتيه، ولكن للنصر شروطه الموضوعيّة؛ كالصبر، والثبات، وغير ذلك ممّا فصّلته آيات أُخر. هذا هو طريق الحصول على هذا النصر؛ ولهذا تقول الآية:

﴿فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ أَتَىٰهُم نَصرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ﴾[3]. ‏فالنتيجة أنّ ثمّة كلمة لله لا تتبدّل على مرّ التاريخ، هي علاقة قائمة بين النصر وبين مجموعة من الشروط والقضايا والمواصفات وُضّحت من خلال الآيات المتفرّقة، وجُمعت على وجه الإجمال هنا. إذاً، هذه سنّة من سنن التاريخ.

قواعد السنن التاريخيّة في القرآن الكريم

ثمّة نماذج أخرى من الآيات تؤكّد على ثلاث قواعد عامّة في السنن التاريخيّة، وهذه القواعد هي:

1. الاطّراد: بمعنى أنّ السنّة التاريخيّة ليست علاقة عشوائيّة، وليست رابطة قائمة

 


[1] سورة آل عمران، الآية 137.

[2] سورة الأنعام، الآية 34.

[3] السورة والآية نفسها.

 

138


110

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

على أساس الصدفة والاتّفاق، وإنّما هي علاقة ذات طابع موضوعيّ لا تتخلّف في الحالات الاعتياديّة التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامّة. وكان التأكيد على طابع الاطّراد في السنّة تأكيداً على الطابع العلميّ للقانون التاريخيّ؛ لأنّ أهمّ ما يميّز القانون العلميّ عن بقية المعادلات والفروض هو الاطّراد والتتابع وعدم التخلّف. ولعلّ هدف القرآن الكريم من خلال التأكيد على طابع الاطّراد في السنة التاريخيّة هو أن يؤكّد على الطابع العلميّ لهذه السنّة، وأنْ يخلق في الإنسان المسلم شعوراً تجاه جريان أحداث التاريخ، متصبِّراً لا عشوائيّاً، ولا مستسلِماً ولا ساذَجاً.

يمكن استنباط هذه القاعدة العامّة الإلهيّة التاريخيّة من خلال آيات عدّة، نذكر منها: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَستَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرضِ لِيُخرِجُوكَ مِنهَا وَإِذٗا لَّا يَلبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا ٧٦ سُنَّةَ مَن قَد أَرسَلنَا قَبلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحوِيلًا﴾[1].

تؤكّد الآية الكريمة الثانية القاعدة العامّة ﴿وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحوِيلًا﴾، فهذه سُنّة سَلَكْناها مع الأنبياء من قبلك، وسوف تستمرّ، ولنْ تتغيّر.

وليس المقصود منْ: ﴿لَّا يَلبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ أنّه سوف يَنزل عليهم عذاب الله -سبحانه وتعالى- من السماء؛ لأنّ أهل مكّة أخرجوا النبيَّ(صلى الله عليه وآله) بعد نزول هذه السورة، فخرج(صلى الله عليه وآله) من مكّة إلى المدينة ولم ينزل عذاب من السماء على أهل مكّة.

وإنّما المقصود -في أكبر الظنّ- من هذا التعبير أنّهم لا يمكثون كجماعةٍ صامدةٍ معارِضةٍ؛ أي لا يمكثون كموقعٍ اجتماعيً، وليس كأفراد. وهذا ما وقع فعلاً، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين أُخرج منْ مكّة لم يمكثوا بعده إلّا قليلاً؛ إذ فقدت المعارَضة في مكّة موقعَها، وتحوّلتْ مكّة إلى جزءٍ من دار الإسلام بعد سنين معدودة.

 


[1] سورة الإسراء، الآيتان 76 - 77.

 

139


111

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

وما يهمّنا من الآيتين موضع الشاهد على اطّراد السنن التاريخيّة، وهو ﴿وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحوِيلًا﴾.

ومن الشواهد على قاعدة الاطّراد في السنن التاريخيّة الآيات الآتية:

﴿فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِيرٞ مَّا زَادَهُم إِلَّا نُفُورًا ٤٢ ٱستِكبَارٗا فِي ٱلأَرضِ وَمَكرَ ٱلسَّيِّيِٕ وَلَا يَحِيقُ ٱلمَكرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهلِهِۦ فَهَل يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبدِيلٗا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحوِيلًا﴾[1].

﴿وَلَو قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ٢٢ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَد خَلَت مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبدِيلٗا﴾[2].

وثمّة نمط آخر من الآيات يستنكر على جماعة من النّاس أن تظنّ أنها مستثناة من سنّة من السنن التاريخيّة، وذلك مثل قوله -تعالى-: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُم مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَاءُ وَٱلضَّرَّاءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾[3].

ربّانيّة السنن التاريخيّة

بمعنى أنّ كلّ قانونٍ من قوانين التاريخ، هو كلمةٌ من الله -سبحانه وتعالى-، وهو قرار ربّانيّ. هذا التأكيد مِن القرآن الكريم على ربّانيِّة السُنّة التاريخيّة وعلى طابعها الغيبيّ يستهدف ربط الإنسان (الذي دعاه القرآن الكريم إلى العمل وَفق قوانين هذه السنن) بالله -سبحانه وتعالى-، وإشعاره بأنّ الاستعانة بالنظام الكامل لمختلف الساحات الكونيّة، والاستفادة مِن مختلف القوانين والسنن التي تتحكّم في هذه الساحات، ليسا انعزالاً عن الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنّ الله -تعالى- يمارِس قدرتَه من

 


[1] سورة فاطر، الآيتان 42 - 43.

[2] سورة الفتح، الآيتان 22 - 23.

[3] سورة البقرة، الآية 214.

 

140


112

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

خلال هذه السُنن، ولأنّ هذه السنن والقوانين هي إرادة الله، وهي مُمثِّلَةٌ لحكمة الله وتدبيره في الكون.

إنّ القرآن الكريم حينما يسبغ الطابع الربّانيّ على السنّة التاريخيّة، يريد أنْ يؤكّد أنّ هذه السنن ليست خارجةً عن قدرة الله -سبحانه وتعالى-، وإنّما هي تعبير وتجسيد وتحقيق لقدرة الله، هي كلماته وسننه وإرادته وحكمته في الكون؛ لكي يبقى الإنسان دائماً مشدوداً إلى الله، لكي تبقى الصلة الوثيقة بين العِلم والإيمان، فهو في الوقت نفسه الذي ينظر فيه إلى هذه السنن نظرةً علميّة، ينظر أيضاً إليها نظرةً إيمانيّة.

وقد بلغ القرآن الكريم في حرصه على تأكيد الطابع الموضوعيّ للسنن التاريخيّة، وعدم جعلها مرتبطة بالصُّدف، أنّ العمليّات الغيبيّة نفسها أناطها القرآن في كثيرٍ من الحالات بالسنّة التاريخيّة نفسها، وذلك مثل عمليّة الإمداد الإلهيّ الغيبيّ بالنصر الذي يساهم في كسب النصر. هذا الإمداد جعله القرآن الكريم مشروطاً بالسنّة التاريخيّة، مرتبِطاً بظروفها، غير مُنْفَكٍّ عنها، وهذه الروح أبْعَد ما تكون روحاً تفسِّر التاريخ على أساس الغيب فحسب، وإنّما هي روح تفسّر التاريخ على أساس المنطق والعقل والعلم.

تقدّم معنا صيغةٌ من صِيَغ السنن التاريخيّة للنصر، وهي قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُم مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَاءُ وَٱلضَّرَّاءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾[1].

وثمّة صيغ أخرى نلاحظ فيها كيف أنّ هذه الآيات ربطتْ هذا الإمداد الإلهيّ الغيبيّ بتلك السنّة نفسها أيضاً: ﴿إِذ تَقُولُ لِلمُؤمِنِينَ أَلَن يَكفِيَكُم أَن يُمِدَّكُم

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 214.

 

141


113

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلمَلَٰئِكَةِ مُنزَلِينَ ١٢٤ بَلَىٰ إِن تَصبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأتُوكُم مِّن فَورِهِم هَٰذَا يُمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلمَلَٰئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ١٢٥ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشرَىٰ لَكُم وَلِتَطمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦ وَمَا ٱلنَّصرُ إِلَّا مِن عِندِ ٱللَّهِ ٱلعَزِيزِ ٱلحَكِيمِ﴾[1].

ثمّة إمداد غيبيّ، ولكنّه شُرط بسنّة التاريخ، شُرط بقوله -تعالى-: ﴿بَلَىٰ إِن تَصبِرُواْ وَتَتَّقُواْ﴾.

إذاً، فمن الواضح أنّ الطابع الربّانيّ الذي يُسبِغه القرآن الكريم على السنن التاريخيّة ليس بديلاً عن التفسير الموضوعيّ لها، وإنّما هو ربْط لهذا التفسير الموضوعيّ بالله -سبحانه وتعالى-؛ من أجل إتمام اتّجاه الإسلام نحو التوحيد بين العلم والإيمان في تربية الإنسان المسلم.

2. اختيار الإنسان ضمن عوامل السنن التاريخيّة: الحقيقة الثالثة التي أكّد عليها القرآن الكريم من خلال النصوص المتقدِّمة هي حقيقة اختيار الإنسان، وإرادة الإنسان. فقد أكّد الله -سبحانه وتعالى- على أنّ المحور في تسلسل الأحداث والقضايا إنّما هو إرادة الإنسان.

ومن نماذج الآيات التي جعلت إرادة الإنسان محور السنن التاريخيّة: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم﴾[2].

التغيير هنا أُسنِد إلى المجتمع، فهو فِعْلهم، إبداعهم وإرادتهم. والنتيجة لتغييرهم ما بأنفسهم هو التغيير في بناء المجتمع بأكمله. والسنّة التاريخيّة هنا صيغت بِلُغة القضيّة الشرطيّة، ويُمثِّل إبداع الإنسان واختياره موضوع الشرط في هذه القضية الشرطيّة. وعليه، ففي مثل هذه الحالة تصبح هذه السنّة متلائمةً تماماً مع اختيار

 

 


[1] سورة آل عمران، الآيات 124 - 126.

[2]  سورة الرعد، الآية 11.

 

142


114

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

الإنسان، بل إنّ السنّة حينئذٍ تقضي اختيار الإنسان، وتزيده اختياراً وقدرةً وتمكُّناً من التصرّف في موقفه، كما أنّ ذلك القانون الطبيعيّ لغليان الماء يَزيد مِن قُدرة الإنسان؛ لاطّراده وقدرة الإنسان على الاستفادة منه؛ لأنّه يستطيع حينئذٍ أنْ يتحكَّم في الغليان، بعد أنْ عَرِفَ شروطه وظروفه. كذلك السنن التاريخيّة ذات الصِيَغ الشرطيّة، فهي في الحقيقة ليست على حساب إرادة الإنسان، وليستْ نقيضاً لاختيار الإنسان، بل هي مؤكِّدة لاختيار الإنسان، وتوضِّح للإنسان نتائج؛ لكي يستطيع أنْ يقتبِس ما يريده من هذه النتائج.

وكذا الحال في آيات أُخر، كقوله -تعالى-: ﴿وَأَلَّوِ ٱستَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَٰهُم مَّاءً غَدَقٗا﴾[1].

وقوله -تعالى-: ﴿وَتِلكَ ٱلقُرَىٰ أَهلَكنَٰهُم لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلنَا لِمَهلِكِهِم مَّوعِدٗا﴾[2].

وهكذا، فإنّ السنن التاريخيّة لا تجري من فوق يد الإنسان، بل تجري من تحت يده، فإنّ الله ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم﴾، ﴿وَأَلَّوِ ٱستَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَٰهُم مَّاءً غَدَقٗا﴾.

إذاً، ثمّة مواقف إيجابيّة للإنسان تمثِّل حريّته واختياره وتصميمه، وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن التاريخيّة جزاءاتها ومعلولاتها المناسبة. وعلى هذا، فإنّ اختيار الإنسان له موضعه الرئيس في التصوّر القرآنيّ لسنن التاريخ.

 

 


[1] سوةر الجن، الآية 16.

[2] سورة الكهف، الآية 59.

 

143


115

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

المفاهيم الرئيسة

- تبنّى القرآن الكريم فكرة وجود سنن للتاريخ وذكر نماذج منها.

- بعض قواعد السنن التاريخيّة في القرآن الكريم هي:

الاطّراد.
ربّانيّة السنن التاريخيّة.
كون اختيار الإنسان ضمن عوامل السنن التاريخيّة.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

اذكر نموذجا أو اثنين من السنن التاريخيّة التي ذكرت في القرآن الكريم غير المذكورة في المتن.

 

144


116

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

الدرس الثاني عشر: (السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم) (2)

نموذج تطبيقيّ ثان للتفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ

 

على المتعلّم، في نهاية الدرس، أن:

1. يشرح كيفية تطبيق المنهج الموضوعي للموضوع القرآني على السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم.

2. يتعرّف إلى دور الدين كسنّة تاريخيّة في الصيغة الاجتماعيّة كما طرحها القرآن الكريم.

3. يعدّد عناصر المجتمع في القرآن الكريم.

 

145


117

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

الدّين سنّة تاريخيّة[1]

قال -سبحانه وتعالى-: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[2].

يُبَيِّن الله -تعالى- الدّين هنا كسنّةٍ من سنن التاريخ، وقانوناً داخلاً في صميم تركيب الإنسان وفطرته. الدّين هنا ليس مُجرَّد قرارٍ وتشريعٍ من أعلى، كما في قوله -تعالى-: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِۦ إِبرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَن أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلمُشرِكِينَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ ٱللَّهُ يَجتَبِي إِلَيهِ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي إِلَيهِ مَن يُنِيبُ﴾[3]، وإنّما الدّين هنا فطرةٌ للنّاس، لا يمكن تبديله بأمر آخر. وكما أنّه لا يُمكن أنْ يُنْتَزع من الإنسان أيّ جزءٍ من أجزائه التي تقوِّمه، كذلك لا يُمكن أنْ يُنْتزع من الإنسان دينه. الدّين ليس مقولةً حضاريّةً مُكْتسَبة على مرِّ التاريخ، يمكن إعطاؤها والاستغناء عنها؛ لأنّها في حالةٍ من هذا القبيل لا تكون فطرةَ الله التي فطر الناس عليها، ولا تكون خلق الله الذي لا تبديل له، بل تكون من المكاسِب التي حصل عليها الإنسان، من خلال تطوُّراته المدنيَّة والحضاريّة على مرِّ التاريخ.

القرآن يريد أنْ يقول إنّ الدين ليس مقولةً من المقولات التي اصطنعها الإنسان، بل الدّين خلق الله، فطرة الله التي فطر الناس عليها. و (لا) الواردة في ﴿لَا تَبدِيلَ

 


[1] هذا الدرس منقول بتصرّف من: الشهيد الصدر، المدرسة القرآنية، مصدر سابق، ص93 - 103.

[2] سورة الروم، الآية 30.

[3] سورة الشورى، الآية 13.

 

147


118

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

لِخَلقِ ٱللَّهِ﴾ ليست ناهيةً، بل نافيةٌ؛ أي إنّ هذا الدين لا يُمكن أنْ ينفكَّ عن خلق الله ما دام الإنسانُ إنساناً.

 

عناصر المجتمع في القرآن الكريم

قال -تعالى-: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلأَرضِ خَلِيفَةٗ قَالُواْ أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ ٱلدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ﴾[1].

حينما نستعرض هذه الآية الكريمة، نجد أنّ الله -سبحانه وتعالى- يخبر الملائكة بأنّه قرَّر إنشاء مجتمع على الأرض. وثمّة ثلاثة عناصر يمكن استخلاصها من العبارة القرآنيّة المتقدّمة:

العنصر الأوّل: الإنسان.

العنصر الثاني: الأرض أو الطبيعة على وجهٍ عامّ ﴿إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلأَرضِ خَلِيفَةٗ﴾، فتوجد أرض أو طبيعة على وجه عامّ، ويوجد الإنسان الذي جعله الله سبحانه وتعالى على الأرض.

العنصر الثالث: العلاقة المعنويّة التي تربط الإنسان بالأرض وبالطبيعة، وتربط من ناحية أخرى الإنسان بأخيه الإنسان. هذه العلاقة المعنويّة التي سمّاها القرآن الكريم بالاستخلاف.

هذه هي عناصر المجتمع: الإنسان والطبيعة والعلاقة المعنويّة التي تربط الإنسان بالطبيعة من ناحيةٍ، وتربط الإنسان بأخيه الإنسان من ناحيةٍ أخرى، وهي العلاقة التي سُمِّيَتْ قرآنيّاً بالاستخلاف.

 


[1] سورة البقرة، الآية 30.

 

148


119

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

ونحن، حينما نلاحظ المجتمعات البشريّة، نجد أنّها جميعاً تشترك في العنصر الأوّل والعنصر الثاني، فلا يوجد مجتمع من بلا إنسان يعيش مع أخيه الإنسان، ولا يوجد مجتمع بلا أرض أو طبيعة يمارس الإنسان عليها دوره الاجتماعيّ. وفي هذين العنصرين تتّفق المجتمعات التاريخيّة والبشريّة.

وأمّا العنصر الثالث، وهو العلاقة، ففي كلِّ مجتمعٍ علاقةٌ كما ذكرنا، ولكنّ المجتمعات تختلف في طبيعة هذه العلاقة، وفي كيفيّة صياغتها. فالعنصر الثالث هو العنصر المَرِن والمتحرِّك من عناصر المجتمع، وكلّ مجتمع يبني هذه العلاقة بشكل قد يتّفق وقد يختلف مع طريقة بناء المجتمع الآخر لها.

وهذه العلاقة لها صيغتان:

إحداهما: صيغة رباعيّة: هي الصيغة التي ترتبط بموجبها الطبيعة والإنسان مع الإنسان -هذه أطراف ثلاثة-، ولكن مع افتراض طرف رابع -أيضاً- للعلاقة الاجتماعيّة. وهذا الطرف الرابع ليس داخلاً في إطار المجتمع، وإنّما خارج عن إطاره، مع كونه مقوِّماً من المقوِّمات الأساسيّة للعلاقة الاجتماعيّة. هذه الصيغة الرباعيّة للعلاقة الاجتماعيّة ذات الأبعاد الأربعة هي التي طرحها القرآن الكريم تحت اسم: «الاستخلاف».

الاستخلاف إذاً: (هو العلاقة الاجتماعيّة من زاوية نظر القرآن الكريم). وعند تحليل الاستخلاف، نجد أنّه ذو أربعة أطراف؛ لا بدّ من مستخلِفٍ، ومستَخْلَفٍ عليه، ومستخلَف. إذاً، مضافاً إلى الإنسان وأخيه الإنسان والطبيعة، يوجد طرفٌ رابع في طبيعة وتكوين علاقة الاستخلاف وهو المستخلِف؛ إذ لا استخلاف بدون مستخلِف، فالمستخلِف هو الله سبحانه وتعالى، والمستخلَف هو الإنسان وأخوه الإنسان؛ أي الإنسانيّة ككلّ أو الجماعة البشريّة، والمستخلَف عليه هي الأرض وما عليها ومَن عليها.

 

149


120

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

هذه الصيغة الاجتماعيّة الرباعيّة الأطراف، التي صاغها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف، ترتبط بوجهة نظرٍ معيّنة نحو الحياة والكون، بوجهة نظرٍ تقول: إنّه لا سيّد ولا إلهَ للكون وللحياة إلّا الله -سبحانه وتعالى-، وإنّ دور الإنسان في ممارسة حياته إنّما هو دور الاستخلاف والاستئمان. وأيّ علاقة تنشأ بين الإنسان والطبيعة فهي في جَوهرها ليست علاقة مالك بمملوك، وإنّما هي علاقة أمين على أمانة استُؤمِنَ عليها. وأيّ علاقة تنشأ بين الإنسان وأخيه الإنسان -مهما كان المركز الاجتماعيّ لهذا أو لذاك- فهي علاقة استخلاف وتفاعل بقدر ما يكون هذا الإنسان مؤدِّياً لواجب هذه الخلافة، وليست علاقة سِيَادَة أو ألُوهِيَّة أو مالكيّة.

في مقابل هذه الصيغة، يوجد للعلاقة الاجتماعيّة صيغة ثلاثيّة الأطراف، صيغة تربط بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والطبيعة، ولكنّها تقطع صلة هذه الأطراف مع الطرف الرابع. تُجرّد تركيب العلاقة الاجتماعيّة عن البُعد الرابع، عن الله سبحانه وتعالى، وبهذا تتحوّل نظرة كلّ جزء إلى الجزء الآخر داخل هذا التركيب وداخل هذه الصيغة.

وبعد أن عُطّل البُعد الرابع، وبَعْد أنْ افتُرض أنّ البداية هي الإنسان وجدت الألوان المختلفة للمِلْكية والسيادة، سيادة الإنسان على أخيه الإنسان بأشكالها المختلفة التي استعرضها التاريخ. حينئذٍ تنوّعتْ على مسرح الصيغة الثلاثية أشكال المِلكية وأشكال السيادة، سيادة الإنسان على أخيه الإنسان.

وبالتدقيق في المقارنة بين الصيغتين، الصيغة الرباعيّة والصيغة الثلاثيّة، يتّضح أنّ إضافة الطرف الرابع للصيغة الرباعيّة ليس مجرّد إضافة عدديّة، وليس مجرّد طرف جديد يُضاف إلى الأطراف الأخرى، بل إنّ هذه الإضافة تُحدِث تغييراً نوعيّاً في بُنْية العلاقة الاجتماعيّة، وفي تركيب الأطراف الثلاثة الأخرى نفسها. ليس الأمر مجرّد عمليّة جمع لثلاثة بإضافة واحد، بل هذا الواحد الذي يُضاف إلى الثلاثة سوف

 

150


121

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

يُعطي للثلاثة روحاً أُخرى ومفهوماً آخر، سوف يُحدث تغييراً أساسيّاً في بُنْية هذه العلاقة ذات الأطراف الأربعة كما رأينا؛ إذ يعود الإنسان مع أخيه الإنسان مجرّد شركاء في حمل هذه الأمانة والاستخلاف، وتعود الطبيعة -بكلّ ما فيها مِن ثروات وبكلّ ما عليها ومَن عليها- مجرّد أمانة، لا بدّ من رعاية واجبها وأداء حقّها. هذا الطرف الرابع هو في الحقيقة مُغيِّر نوعيّ لتركيب العلاقة.

الصيغة الرباعيّة هي صيغة الدّين وسنّة من سنن التاريخ

عدّ القرآن الكريم هذه الصيغة الرباعيّة صيغةَ الدّين في الحياة، وسنّةً من سنن التاريخ.

هذه الصيغة الرُباعيّة عرضها القرآنُ الكريم على نَحوَين:

النحو الأوّل: عرضها تارةً بوصفها فاعليّة ربّانيّة مِن زاوية دَور الله سبحانه وتعالى في العطاء. وهذا هو العرض الذي نقرأه في قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلأَرضِ خَلِيفَةٗ﴾. وهذه العلاقة الرُباعيّة معروضة في هذا النصّ الشريف باعتبارها جَعْلاً من الله يُمثِّل الدور الإيجابيّ والتكريميّ من ربِّ العالمين للإنسان.

النحو الثاني: وعرض الصيغة الرباعيّة نفسها تارةً أخرى بنحو ارتباطها مع الإنسان بما هي أمر يتقبّله الإنسان؛ أي عرضها من زاوية تقبّل الإنسان لهذه الخِلافة، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا عَرَضنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱلجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا﴾[1].

الأمانة هي الوجه التقبُّلي للخلافة، والخلافة هي الوجه الفاعليّ والعطائيّ للأمانة.

وهذه الأمانة التي تقبَّلها الإنسانُ وتحمَّلها حينما عُرضت عليه، لم تُعرض عليه بوصفها تكليفاً أو طلباً، وليس المقصود من تقبّل هذه الأمانة هو تقبّل هذه الخلافة

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 72.

 

151


122

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

على مستوى الامتثال والطاعة بقرينة أنّ هذا العرض كان معروضاً على الجبال أيضاً، وعلى السماوات والأرض أيضاً، ومن الواضح أنّه لا معنى لتكليف السماوات والجبال والأرض. نعرف من ذلك أنّ هذا العرض عرض تكوينيّ وليس عرضاً تشريعيّاً. هذا العرض معناه أنّ هذه العَطيّة الربّانيّة كانت تبحث عن الموضع المنسجِم معها بطبيعته وبفطرته. الجبال لا تنسجم مع هذه الخلافة، والسماوات والأرض لا تنسجم مع هذه العلاقة الاجتماعيّة الرباعيّة، أمّا الإنسان فهو الكائن الوحيد الذي -بحكم تركيبه، وبحكم بُنْيته، وبحكم فطرة الله التي تقدّمت في الآية السابقة- ينسجِم مع هذه العلاقة الاجتماعيّة ذات الأطراف الأربعة، وبهذا تصبح أمانة وخِلافة.

وبما أنّ العرض والقبول تكوينيّان، فهذا يدلّ على أنّ هذه العلاقة الرباعيّة بين الإنسان وأخيه والطبيعة والخالق هي سنّة تاريخيّة مركوزة في فطرة الإنسان. ونستخلص من الآية السابقة ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[1] أنّ الدين سنّة من سنن الحياة، ومن سنن التاريخ بحسب منطق القرآن الكريم.

بناءً عليه، تكون الآية الأولى (الروم 30)، والآية الثانية (الأحزاب 72) متطابقتين تماماً في مفادهما؛ لأنّه في الآية الأولى قال: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ﴾؛ إذ التعبيرُ بالدّين القيِّم تأكيدٌ على أنّ ما هو الفطرة، وما هو داخل في تكوين الإنسان وتركيبه وفي مسار تاريخه، هو الدين القيِّم؛ أي أنْ يكون هذا الدِّين قيِّماً على الحياة، وأنْ يكون مُهَيْمِناً عليها. هذه القيمومة في الدّين هي التعبير المجمَل في الآية الأولى عن العلاقة الاجتماعيّة الرباعيّة التي طُرِحَتْ في الآيتين؛ أي في آية ﴿إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلأَرضِ خَلِيفَةٗ﴾، وآية ﴿إِنَّا عَرَضنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ﴾.

 

 


[1] سورة الروم، الآية 30.

 

152


123

الدرس الحادي عشر: السنن والقوانين التاريخيّة في القرآن الكريم (1)

المفاهيم الرئيسة

الدين سنّة من سنن الحياة والتاريخ، والدّين هو الدّين القيّم، والدّين القيّم هو التعبير عن العلاقة الاجتماعيّة الرباعيّة الأطراف التي يدخل الله فيها بُعْداً رابِعاً؛ لكي يحدث تغييراً في بُنْيَة هذه العلاقة، لا لكي يكون مجرّد إضافة عدديّة.

 

أُجيب عن الأسئلة الآتية

اختر موضوعاً قرآنياً وعالجه حسب المنهج الذي ذكرناه في التفسير الموضوعي للموضوع القرآني.

 

153


124

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع

1. القرآن الكريم.

2. ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط 1.

3. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط.

4. أجنتس، غولدتسهير، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ترجمة: عبد الحليم النجّار، مكتبة الخانجي - مصر؛ مكتبة المثنى - بغداد، 1374هـ.ق - 1955م، لا.ط.

5. الأصفهانيّ، الراغب الحسين بن محمد، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، لا.م، دفتر نشر الكتاب، 1404هـ.ق، ط2.

6. آل موسى، عليّ، التدبّر الموضوعيّ في القرآن الكريم - قراءة في المنهجين: التجميعي والكشفي، دروس ألقاها: الشيخ علي آل موسى، كتبها: عبد العزيز حسن آل زايد - محمد حسن آل زايد - موسى سعيد البحارنة، دار كميل للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، 1430هـ.ق - 2099م، ط1.

7. الأندلسيّ، أبو حيّان محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ عليّ محمّد معوّض، شارك في التحقيق: د.زكريّا عبد المجيد النوقيّ - د.أحمد النجوليّ الجمل، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1422هـ.ق - 2001م، ط1.

8. بازمول، محمد بن عمر بن سالم، علم المناسبات في السور والآيات، المكتبة المكية، السعودية - مكة المكرمة، 1423هـ.ق - 2002م، ط1.

9. البقاعيّ، إبراهيم بن عمر، مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، تحقيق: الدكتور عبد السميع محمد أحمد حسنين، مكتبة المعارف، السعودية - الرياض، 1408هـ.ق - 1987م، ط1.

10. البقاعيّ، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتاب الإسلامي، مصر -

 

155

 


125

قائمة المصادر والمراجع

القاهرة، 1404هـ.ق - 1984م، لا.ط.

11. البيوميّ، محمّد رجب، البيان القرآنيّ، الدار المصرية اللبنانية، 2005م، ط2.

12. الجبريّ، عبد المتعال، الضالّون كما صوَّرهم القرآن الكريم، مكتبة وهبة، مصر - القاهرة، 1984م، ط2.

13. الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1.

14. جعفر، عبد المقصود عبد الهادي، تفسير القرآن بالقرآن أصوله ومنهجه، المعهد العالي للتربية الرياضية، 1985م، لا.ط.

15. جوادي آملي، الشيخ عبد الله، جمال المرأة وجلالها، دار الهادي، لبنان -بيروت، 1415هـ.ق - 1994م، ط1.

16. الحجار، الدكتور عدي جواد، الأسس المنهجيّة في تفسير النصّ القرآنيّ، كربلاء-العتبة الحسينية المقدّسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، تقديم اللجنة العلمية: محمد علي الحلو، 1433هـ، 2012م، ط1.

17. حجازي، الدكتور محمّد، الوحدة الموضوعيّة في القرآن الكريم، دار الكتب الحديثة، 1970م، ط1.

18. الحكيم، السيد محمد باقر، تفسير سورة الحمد، مجمع الفكر الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1420هـ.ق، ط1.

19. الحكيم، السيد محمد باقر، علوم القرآن، مجمع الفكر الإسلامي،إيران - قم المشرّفة، ربيع الثاني 1417هـ.ق، ط3.

20. حلس، محمّد عثمان، الإرداة الإنسانيّة في ضوء القرآن الكريم(دراسة موضوعية)- رسالة ماجستير قدّمت للجامعة الإسلاميّة في غزّة، 2009م- 1430هـ.

21. الخالديّ، صلاح عبد الفتّاح، التفسير الموضوعيّ بين النّظرية والتطبيق، دار النفائس، الأردن - عمان، 1433هـ.ق - 2012م، ط3.

22. الخوليّ، الشيخ أمين، دراسات إسلامية، مطبعة دار الكتب المصرية، لا.م، 1996م، لا.ط.

 

156


126

قائمة المصادر والمراجع

23. الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1395هـ.ق - 1975م، ط4.

24. الدغامين، زياد خليل محمّد، منهجيّة البحث في التفسير الموضوعي، دار البشير، الأردن-عمان، 1995م، ط1.

25. الدكتور الفرماويّ، عبد الحي، البداية في التفسير الموضوعيّ، ب.ن، 1976م، ط1.

26. الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، المحصول، تحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1412هـ.ق، ط2.

27. الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، تفسير الرازي، لا.م، لا.ن، لا.ت، ط3.

28. رشوانيّ، سامر، منهج التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم - دراسة نقديّة، دار الملتقى، سوريا- حلب، 2009م، ط1.

29. الرضائيّ الأصفهانيّ، محمّد عليّ، مناهج التّفسير واتّجاهاته - دراسة مقارنة في مناهج تفسير القرآن، تعريب: قاسم البيضائي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، لبنان - بيروت، 2008م، ط1.

30. الرضي، الشريف محمد بن الحسن، نهج البلاغة (خطب الإمام علي (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا. ن، لبنان - بيروت، 1387هـ.ق - 1967م، ط1.

31. الرضيّ، عبد الباسط، المنهج الموضوعيّ في تفسير القرآن: دراسة تحليلية ونقدية، رسالة دبلوم دراسات عليا، آداب ابن مسيك: جامعة الحسن الثاني المحمدية، 2000م.

32. الزبيدي، السيد محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1994م، لا.ط.

33. الزُّرْقانيّ، محمّد عبد العظيم، مناهل العرفان في علوم القرآن، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر - القاهرة، 1326هـ.ق - 1943م، لا.ط.

34. الزركشي، محمد بن عبدالله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاءه، لا.م، 1376هـ.ق - 1957م، ط1.

35. سعيد، عبد الستّار فتح الله، المدخل إلى التفسير الموضوعيّ، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر - القاهرة، لا.ت، لا.ط.

 

157


127

قائمة المصادر والمراجع

36. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: سعيد المندوب، دار الفكر، 1416هـ.ق - 1996م، ط1.

37. الشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1356هـ.ق - 1937م، ط1.

38. الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، نفحات القرآن، مؤسسة أبي صالح للنشر والثقافة، لا.م، لا.ت، لا.ط.

39. الصدر، الشهيد السيّد محمّد باقر، المدرسة القرآنيّة، دار الكتاب الإسلامي، لا.م، 1434هـ.ق - 2013م، ط2.

40. الصدر، الشهيد السيد محمد باقر، دروس في علم الأصول، دار الكتاب اللبناني، لبنان - بيروت، 1406هـ.ق - 1986م، ط2.

41. الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1368هـ.ش، ط2.

42. الصغير، الدكتور محمد حسين، المستشرقون والدراسات القرآنيّة، دار المؤرخ العربي، لبنان - بيروت، 1420هـ.ق - 1999م، ط1.

43. الطباطبائيّ، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط.

44. الطباطبائيّ، العلامة السيّد محمد حسين، القرآن في الإسلام، تعريب: السيّد أحمد الحسينيّ، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.

45. الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيّين، مؤسسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1.

46. الطريحي، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضوي، لا.م، 1362هـ.ش، ط2.

47. طه حمد، طه عابدين، الصلح في ضوء القرآن الكريم، مجلة الجامعة الإسلامية، السعودية - المدينة المنورة، 1430هـ.ق - 2009م، لا.ط.

 

158


128

قائمة المصادر والمراجع

48. الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، محرّم الحرام 1413هـ.ق، ط1.

49. عارف، للدكتور معن بن عبد الحقّ، الحرب النفسية في ضوء القرآن الكريم، السعودية-الرياض، 2007م -1428هـ.

50. عبد الرحمن، عائشة، التفسير البيانيّ للقرآن الكريم، دار المعارف، لا.م، 1990م، ط7.

51. عبد السلام، أبو محمّد عزّ الدين عبد العزيز، الإشارة على الإيجاز في بعض أنواع المجاز، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1995م، ط1.

52. عبد المطّلب، فوزي، الوحدة الموضوعيّة للسور القرآنية، كلية التربية، السعودية - المدينة المنورة، 1402هـ.ق - 1982م، ط2.

53. علان، عليّ عبد الله عليّ، منهج التفسير الموضوعيّ للموضوع القرآنيّ - عرض ونقد وتجديد، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، الأردن - عمان، 1433هـ.ق - 2012م، لا.ط.

54. الغزالي، الشيخ محمّد، نحو تفسير موضوعيّ لسور القرآن الكريم، دار الشروق، 1420هـ، 2000م، ط4.

55. القرطبيّ، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردونيّ - إبراهيم أطفيش، دار الكتب المصريّة، مصر - القاهرة، 1384هـ.ق - 1964م، ط2.

56. كسّار، جواد عليّ، المنهج الترابطيّ ونظريّة التأويل: دراسة في تجربة التفسير الكاشف، دار الصادقين، إيران - قم المشرّفة، 1420هـ.ق - 2000م، ط1.

57. الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363هـ.ش، ط5.

58. المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط2.

59. مسلم، مصطفى، مباحث في التفسير الموضوعيّ، دار القلم، لا.م، 1426هـ.ق - 2005م، ط4.

 

159


129

قائمة المصادر والمراجع

60. المظفر، الشيخ محمد رضا، أصول الفقه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط.

61. معرفت، الشيخ محمّد هادي، التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، إيران - مشهد، 1426هـ.ق - 1384هـ.ش، ط2.

 

160


130
التفسير الموضوعي المفهوم والمنهج