أجوبة الشبهات العقدية (الجزء الثاني)

التمكّن من تحليل أبرز الشبهات ومناقشتها ودحضها وإبطالها.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-09

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

والحمد للَّه ربّ العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى محمّد وآله الطاهرين (عليهم السلام)، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال اللَّه -تعالى- في محكم كتابه العزيز: ﴿وَمَا كَانَ ٱلمُؤمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗ فَلَولَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٖ مِّنهُم طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَومَهُم إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ﴾[1]؛ حيث يؤكّد اللَّه -تعالى- على خصوصيّة التفقّه في الدين؛ والمراد منه إعمال الفهم والفكر في الدين؛ بجميع مجالاته المعرفيّة والعمليّة، لا بقسمٍ خاصٍّ منه؛ كالأحكام -مثلاً-. ولا يتحقّق الإنذار الوارد في الآية، إلا عبر طرح التعاليم الدينيّة ومعطياتها في المجالات كافّة، وليس من خلال الاكتفاء باستعراض الأحكام فقط؛ إذ لا يتّسق مفهوم «الإنذار» مع ذلك، كما لا يتحقّق إلا من خلال عرض الحقائق التي يلزم إدراكها والإيمان بها -أي الاعتقادات- حيث إنّ فهم الصفات الإلهيّة الجلاليّة أشدّ وقعاً في عمليّة الإنذار من معرفة أحكام الطهارة، كما إنّ التعريف بالمعاد أدعى إلى الإنذار أضعافَ المرّات من التعرّف على الطهارة والصوم والصلاة؛ فضلاً عن دور الأخلاق التي لا تقلّ أهمّيّةً في خلق حالة الإنذار؛ إذ لا ينحصر التحذير والإنذار بتلقين الواجبات الدينيّة (الأحكام)، فللتوجيهات التربويّة والسلوكيّة -في أحد أبعادها- وظيفة شبيهة بنظيرتها في الأحكام، لكنّهما لا يبلغان معاً مستوى العقائد في أداء وظيفة الإنذار[2].

 

 


[1] سورة التوبة، الآية 122.

[2] انظر: الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1417هـ، ط5، ج9، ص404.

 

11


1

المقدّمة

من هذا المنطلق، سعى مركز المعارف للمناهج والمتون التعليميّة إلى العمل على الجانب العقديّ من الدين بشكل مركّز؛ نظراً لأهمّيّة العقيدة وموقعها في حياة الإنسان من خلال توجيه حركته وترشيد سلوكه، وإيجاد الدافع لديه للعمل، وضبط أفعاله...، فعمل المركز على إصدار سلسلة من الكتب التدريسيّة التي تُعنى ببيان العقيدة الإسلاميّة وفق الرؤية الإسلاميّة؛ بمحوريّة العقل والقرآن الكريم والسنّة الشريفة، والمساهمة في معالجة جملة من الشبهات العقديّة المطروحة ومناقشتها وردّها وتفنيدها وإبطالها؛ وتمكّن الطالب من تحليل مجموعة من الشبهات العقائدية ومناقشتها ودحضها استناداً إلى البرهان العقلي والنقلي. بأسلوب تعليميّ هادف؛ فكان هذا الكتاب «أجوبة الشبهات العقديّة(2)» الإصدار الثاني من سلسلة عقديّة بعنوان: «أجوبة الشبهات العقديّة (1-3)»؛ تركّز الاهتمام على هذا الغرض، على أن تتبعه بقية الكتب قريباً بإذن الله -تعالى-.

ويتوخّى هذا الكتاب تحقيق الأهداف الآتية:

1. تمكّن الطالب من تمتين عقيدته الإسلاميّة وتحصينها أمام الشبهات المطروحة.

2. التمكّن من تحليل أبرز الشبهات ومناقشتها ودحضها وإبطالها.

3. توثيق الإيمان بقوة المباني العقائدية الإسلاميّة ومنعتها.

عناصر الكتاب

يُراعي هذا الكتاب جملة من العناصر والمعايير وهي:

1. رصد أبرز الشبهات المطروحة قديمًا وحديثًا من كتب العقيدة والكلام...، وتصنيفها بحسب الأصول والفروع العقديّة (أصل الدين، إثبات وجود اللَّه، إثبات التوحيد، إثبات الصفات والأسماء، إثبات الأفعال، إثبات النبوّة، إثبات الإمامة، إثبات البرزخ، إثبات المعاد).

2. وضع تمهيد في بداية كلّ درس كان الغرض منه أن يشكّل مدخلا تمهيديًّا، يؤسِّس

 

12


2

المقدّمة

من خلال الطرح من قبل الأستاذ والنقاش حوله لتناول الشبهات المطروحة ودحضها.

3. تحليل أبرز الشبهات وتفكيكها لتسهيل مناقشتها وردّها وإبطالها.

4. الاعتماد على العقل والقرآن الكريم والسنّة الشريفة في تحليل هذه الشبهات ومناقشتها وإبطالها.

5. وضع خلاصة في نهاية كلّ درس تتضمّن أبرز الأفكار الرئيسة المطروحة فيه.

6. وضع فقرة التقويم تتضمن أسئلة لكلّ درس تتوخّى فحص نسبة استيعاب الطالب له.

7. وضع صفحة مطالعة من وحي مضمون الدرس.

وفي الختام، نضع بين يدي الأساتذة الأفاضل والطلاب الأعزّاء هذا الجهد المتواضع، عسى أن يتقبّله الله -تعالى- بفضله ومنّه إنّه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين

 

13


3

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

1. يتعرّف إلى خصائص الأمر الفطريّ.

2. يحلّل كلا الشبهتين القائلتين، بأن:

أ. منشأ الدين هو جهل الإنسان نفسَه وذاتَه.

ب. منشأ الدين هو العامل النفسيّ.

3. يناقش كلتا الشبهتين مستخدمًا أهم الأدلّة.

 

15


4

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

تمهيد

روي أنه قال رجل للإمام الصادق (عليه السلام): يا ابن رسول اللَّه، دلّني على اللَّه ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيّروني، فقال له: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ فقال نعم. قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث...»[1].

هل تجد علاقة بين الفطرة وكلام الإمام الصادق (عليه السلام) في الحديث؟

خصائص الأمر الفطري

إن الإحساس بوجود اللَّه كامن في كيان الإنسان حيث يوجد في فطرته والخلقة التي جبل عليها؛ إحساسه يهديه بصورة طبيعيّة طوعيّة إلى الله مثلما ينجذب الحديد إلى المغناطيس.

 

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، التوحيد، تصحيح وتعليق: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص231.

 

17


5

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

قال -تعالى-: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[1]؛ فهذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له هو الذي تهتف به الخِلْقة وتهدي إليه الفطرة الإلهيّة التي لا تتبدّل ولا تتغيّر، وليس الدين إلا سنّة الحياة والسبيل الذي يجب على الإنسان أن يسلكه حتّى يسعد في حياته، فلا غاية للإنسان يتّبعها إلّا السعادة...»[2].

وللأمور الفطرية مجموعة من الخصائص نذكر منها التالي:

1. هي ميل تكويني: فالأمور الفطريّة ذات جذور في باطن الإنسان، طبيعيّة، وليست من سنخ المعارف والمفردات والمصطلحات التي تتناقل.

2. لا تحتاج إلى تعليم: فهي ذاتيّة باعتبار أنّ الفطرة تميل، أو تنفر. والميل والنفرة ليسا من المعارف المكتسبة لذلك ليست الأمور الفطريّة ممّا يتعلّم أو يعلّم.

3. لا يختصّ بزمان دون زمان وبقوم: فكون الفطرة أمرًا جِبِليًّا مرتبطًا بالخلقة، فهذا يعني أنّها شاملة للنوع الإنسانيّ. وعليه فلا تختصّ بقوم دون آخرين، ولا بين العالم والجاهل، ولذا كان التديّن الفطريّ عالميًّا.

4. «الفطرة لا تقبل البطلان ما دام الإنسان إنسانًا»[3]، كما أنّ «الفطرة لا تقبل التغيير بمغير»[4]؛ لا تبديل لها وإن أمكن خفاؤها، بسبب توجّه النفس إلى الدنيا والأمور الماديّة والاشتغال بها. وذلك لأنّها نابعة من الطبيعة، وما هو بالطبيعة والجبلّة لا يمكن أن تناله أيدي المحو والتغيير.

 

 


[1] سورة الروم، الآية 30.

[2] العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج16، ص178.

[3]  المصدر نفسه، ج2، ص200.

[4] المصدر نفسه، ج7، ص91.

 

18


6

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

شبهات حول نشوء الدّين ونقاشها

لقد طَرح الملحدون نظريّات عدّة في تفسير نشوء الدين؛ نعرض أبرزها ونناقشها في ما يأتي:

الشبهة الأولى: شبهة أنّ منشأ الدين هو جهل الإنسان نفسَه وذَاتَه
أ. بيان الشبهة:

حاصل هذه الشبهة أنّ الدين ظهر في مراحل بدائيّة من حياة البشريّة، وهو من نسيج تخيّلات الناس، بفعل اغترابهم عن أنفسهم وذواتهم، وجهلهم لما يعرض عليها من حالات نفسيّة وجسديّة، بحيث عجزوا عن إيجاد تفسير لها، فنسبوها إلى الغيب والدين، وهما من صنيعة أوهامهم وتخيّلاتهم، وما هذا الذي عرفوه إلا صفات أنفسهم وذواتهم التي كانوا غريبين عنها! فللإنسان وجودان: وجود خيّر عال وسام، ووجود منحط دان وسافل، وهو بجهله لحقيقة وجوده الخيِّر، وانجرافه تحت ضغوطات البيئة الاجتماعيّة نحو وجوده المنحط، ينظر إلى وجوده الخيّر نظرة ملكوتيّة؛ فيتعلّق بالدين والغيب وينسب إليه هذه الصفات والخصائص التي هي له أساساً، ولكنّه غافل عنها[1]!

ب. نقاش الشبهة:

1. تبتني هذه الشبهة على مبدأ ازدواجيّة وجود الإنسان، وهذا ما يبطله الوجدان؛ حيث يُدرك الإنسان بوجدانه أنّه وجود واحد له شخصيّة واحدة، وخصائص معيّنة! قال -تعالى-: ﴿بَلِ ٱلإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفسِهِۦ بَصِيرَةٞ﴾[2]، وهو موجود خيِّر في

 

 


[1] انظر: أنجلز، فردريك، لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانيّة (مع ملحق كارل ماركس موضوعات عن فورباخ)، موسكو، دار التقدّم، 1967م، ص 64؛ مطهّري، الشيخ مرتضى، الفطرة، ترجمة: جعفر الخليلي، ط2، بيروت، مؤسّسة البعثة، 1412هـ.ق/ 1992م، ص123-138.

[2] سورة القيامة، الآية 14.

 

19


7

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

أصل وجوده: ﴿وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلخَيرِ لَشَدِيدٌ﴾[1]، ﴿وَلَٰكِنَّ حَبَّبَ ٱلإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ ٱلكُفرَ وَٱلفُسُوقَ وَٱلعِصيَانَ﴾[2]، ومفطور على التمييز بين الخير والشرّ: ﴿وَنَفسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَىٰهَا﴾[3].

2. ما هو مدّعى في هذه الشبهة أنّ الإنسان يبدأ غريباً عن وجوده الخيّر، ثمّ يكتشفه مع تقدّم العلم، على خلاف ما نجده واقعاً من أنّ أناساً يمتلكون من الصفات الإنسانيّة العالية على الرغم من عدم تعلّمهم؛ بينما نجد أناساً في انحطاط وسفالة من القيم الإنسانيّة؛ مع كونهم قد بلغوا أشواطاً من العلم والتقدّم التكنولوجي!

3. على الرغم من التلازم الذي أكّدت عليه النصوص الدينيّة بين معرفة النفس ومعرفة اللَّه -تعالى-: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»[4]؛ ولكنّ ذلك لا يعني أنّ الإنسان قد يُصبِح إلهاً! بل تعني أنّ الإنسان من خلال مسيرته التأمّليّة في مكنونات ذاته، واكتشافه لحقيقة نفسه، يستطيع أن يتعرّف على اللَّه -تعالى-، وهذا خلاف ما عليه هذه الشبهة من أنّ معرفة النفس تزيد من ابتعاد الإنسان عن اللَّه والدين! ولو كان الأمر لما دعا الدين وحثّ على ضرورة معرفة النفس؛ إذ كلّما تأصّلت معرفة الإنسان بنفسه؛ كلّما تجذّر الدين فيه!

الشبهة الثانية: شبهة أنّ منشأ الدين هو العامل النفسيّ
أ. بيان الشبهة:

ذهب بعض الملحدين إلى أنّ منشأ التديّن عند الإنسان يرجع إلى عامل نفسيّ يَعتَمِل بداخله؛ وسببه إمّا خوفه من الآخر والظواهر المحيطة به والمجهول...؛ فيتعلّق

 

 


[1] سورة العاديات، الآية 8.

[2] سورة الحجرات، الآية 7.

[3] سورة الشمس، الآيتان 7-8.

[4] ابن أبي جمهور الإحسائي، الشيخ محمد بن علي، عوالي اللآلي، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، ط1، قم المقدّسة، مطبعة سيّد الشهداء، 1405هـ.ق/ 1985م، ج4، ص102.

 

20


8

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

بالدين؛ للخلاص من خوفه حتّى يشعر بالأمان! وإمّا وجود حالة مرضيّة لديه تدفعه نحو التعلّق بأيّ شيء للتخلّص من معاناته وعجزه ونقصه! وخلاص الإنسان من حالته النفسيّة تكمن في العلم وتطوّره!

ب. نقاش الشبهة:

1. لو كان الخوف هو العلّة التامّة لنشوء الدين، فمن المفترض في ضوء قانون العلّيّة، بحكم أنّ المعلول يدور مدار علّته، -وجوداً وعدماً-، أن ينتفي التديّن عند انتفاء الخوف، وأنْ نجد أنّه كلّما ضعف الخوف، زادت النزعة الإلحاديّة، وكلّما زاد الخوف، زاد الإيمان. في حين أنّنا نجد التديّن يزداد عند المطمئنين والآمنين؛ كالأنبياء (عليهم السلام)، والرسل (عليهم السلام)، والأوصياء (عليهم السلام)...! فلو كان الدين وليد مخاوف الإنسان وشعوره بالرعب اتّجاه كوارث الطبيعة؛ لأصبح بذلك أكثر النّاس تديّناً على مرّ التأريخ هم أشدّهم خوفاً وأسرعهم هلعاً[1]!

2. الشعور بالأمان في ظلّ الإيمان باللَّه -تعالى- هو خير دليل على وجوده -تعالى-، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة، بقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكرِ ٱللَّهِ أَلَا بِذِكرِ ٱللَّهِ تَطمَئِنُّ ٱلقُلُوبُ﴾[2]، ﴿فَمَن يُرِدِ أَن يَهدِيَهُۥ يَشرَح صَدرَهُۥ لِلإِسلَٰمِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُۥ يَجعَل صَدرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذَٰلِكَ يَجعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ﴾[3].

3. الشعور بالخوف هو أحد العوامل التي تدفع الملحد نفسه إلى التمسّك باللَّه -تعالى-؛ بفعل تقطّع الأسباب المادّيّة التي كان يتوسّل بها في شعوره بالأمن والأمان، وكانت تحول بينه وبين الله -تعالى-. وهو ما أكّدته تجارب الملحدين التائبين، وأشار إليه القرآن الكريم بقوله -تعالى-: ﴿وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا

 

 


[1] انظر: الصدر، السيد محمد باقر، موجز أصول الدين (المُرسِل - الرسول - الرسالة)، لا.ط، بيروت، دار التعارف، 1412هـ.ق/ 1992م، ص13.

[2] سورة الرعد، الآية 28.

[3] سورة الأنعام، الآية 125.

 

21


9

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

لِجَنبِهِۦ أَو قَاعِدًا أَو قَآئِمٗا فَلَمَّا كَشَفنَا عَنهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّم يَدعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ﴾[1]، ﴿فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلفُلكِ دَعَوُاْ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُم إِلَى ٱلبَرِّ إِذَا هُم يُشرِكُونَ﴾[2].

 

 


[1] سورة يونس، الآية 12.

[2] سورة العنكبوت، الآية 65.

 

22


10

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

المفاهيم الرئيسة

ينجذب الإنسان نحو الدين الإلهيّ ويسعى للبحث عنه، من منطلق ميل فطريّ مركوز فيه في أصل خِلْقته، قوامه حبّه للكمال ونفوره من النقص، ويتجلّى هذا الميل فيه بدوافع عدّ.
طَرح الملحدون نظريّات عدّة في تفسير نشوء الدين، منها: جهل الإنسان نفسَه وذَاتَه، وجهل الإنسان الأشياءَ المحيطة به، وهذه الشبهات مجرّد تحليلات ودعاوى لا دليل عليها، بل الأدلّة من الفطرة والعقل والنقل قائمة على ميل الإنسان وانجذابه إليه مدفوعاً بفطرته الإلهيّة.

تقييم

1. بيّن الرؤية الصحيحة في منشأ الدين.

2. هل يعتبر العامل النفسيّ منشأً للدين؟ ولماذا؟

3. هل يعتبر العامل الاجتماعيّ منشأً للدين؟ ولماذا؟

 

23


11

الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدّين

اقرأ

فطريّة الدين في السنّة الشريفة

وردت في السنّة الشريفة روايات كثيرة تتحدّث عن فطريّة الدين، منها:

- ما رواه عمر بن أذينة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: ﴿حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِۦ﴾[1]، ما الحنيفية؟ قال: «هي الفطرة التي فطر الناس عليها، فطر الله الخلق على معرفته»[2].

- ما رواه زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: ﴿وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُواْ بَلَىٰ﴾[3]؟ قال: «ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف، سيذكرونه يوماً ما، ولولا ذلك لم يدرِ أحد من خالقه ولا من رازقه»[4].

- ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله -عزّ وجل-: ﴿فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا﴾[5]، ما تلك الفطرة؟ قال: «هي الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: ﴿أَلَستُ بِرَبِّكُم﴾، وفيه المؤمن والكافر»[6].

 

 


[1] سورة الحج، الآية 31.

[2]  البرقي، الشيخ أحمد بن محمد، المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين الحسيني، لا.ط، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش، ج2، ص241.

[3] سورة الأعراف، الآية 172.

[4] الشيخ البرقي، المحاسن، مصدر سابق، ج2، ص241.

[5] سورة الروم، الآية 30.

[6] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، طهران، دار الكتب الإسلاميّة؛ مطبعة حيدري، 1363هـ.ش. ج2، ص12.

 

23


12

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله -تعالى-

1. يعدّد بعض طرق معرفة الله -تعالى-.

2. يحلّل الشبهات الآتية:

أ. شبهة نفي وجود المجرّدات.

ب. شبهة عدم إمكانيّة مشاهدة الله -تعالى- (أين هو؟).

ج. شبهة افتقاره -تعالى- إلى علّة.

3. يبطل الشبهات المتقدمة من خلال الأدلة العقليّة والنقليّة.

 

25


13

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

تمهيد

قال -تعالى-: ﴿سَنُرِيهِم ءَايَٰتِنَا فِي ٱلأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ شَهِيدٌ﴾[1].

وقال -تعالى-: ﴿قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ﴾[2]، ﴿ خَلَقَ فَسَوَّىٰ ٢ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾[3].

في ضوء الآيات المباركة: كيف يمكننا التعرف على الله تعالى؟

من طرق معرفة الله -تعالى-

زوّد الله -تعالى- الإنسان في خِلْقَته بما يمكّنه من معرفته -تعالى-؛ من خلال ما خلق فيه من عقل وفطرة، فجعل لكلّ منهما خصائص إدراكيّة تهديه إلى معرفته -تعالى-، ودعاه إلى تفعيلها واستثارة مكنوناتها: ﴿قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ﴾[4]، ﴿ خَلَقَ فَسَوَّىٰ ٢ قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾[5]، حيث أرشد القرآن الكريم العقل إلى ضرورة التفكّر والتدبّر العقليّ في آيات الخَلْق، بوصفها آثاراً ومظاهر تحكي جمال الخالق وجلاله، ودعا إلى إعمال الفطرة في تلمّس الآيات الأنفسيّة الكامنة في

 

 


[1] سورة فصّلت، الآية 53.

[2] سورة طه، الآية 50.

[3] سورة الأعلى، الآيتان 3-2.

[4] سورة طه، الآية 50.

[5] سورة الأعلى، الآيتان 3-2.

 

27


14

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

نفس الإنسان؛ بوصفها فقراً محضاً، واحتياجاً صرفاً، وتمام التعلّق والارتباط بالله -تعالى-؛ ليشهد الحقّ -تعالى- وحده بعين القلب: ﴿سَنُرِيهِم ءَايَٰتِنَا فِي ٱلأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ شَهِيدٌ﴾[1].

فبالطريق المعرفيّ الأوّل، -وهو العقل-، يُدرِك الإنسان وجود الله -تعالى- ووحدانيّته وصفاته وأفعاله، ويمتثل التكاليف الإلهيّة الصادرة منه[2]. وقد حثّ القرآن الكريم على اتّباع هذا الطريق المعرفيّ بالتدبّر في الأرض: ﴿سَنُرِيهِم ءَايَٰتِنَا فِي ٱلأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ شَهِيدٌ﴾، ﴿وَفِي ٱلأَرضِ ءَايَٰتٞ لِّلمُوقِنِينَ﴾[3]، وفي مخلوقاته: ﴿ يَنظُرُونَ ٱلإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت ١٧ وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيفَ رُفِعَت ١٨ وَإِلَى ٱلجِبَالِ كَيفَ نُصِبَت ١٩ وَإِلَى ٱلأَرضِ كَيفَ سُطِحَت﴾[4]، ﴿وَفِي ٱلأَرضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّٰتٞ مِّن أَعنَٰبٖ وَزَرعٞ وَنَخِيلٞ صِنوَانٞ وَغَيرُ صِنوَانٖ يُسقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعضَهَا عَلَىٰ بَعضٖ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَومٖ يَعقِلُونَ﴾[5]، وأكّد على ضرورة الاستفادة من أحوال الماضين؛ من أفراد، وأمم، ومجتمعات، واستلهام الدروس والعبر ممّا جرى عليهم: ﴿قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرضِ فَٱنظُرُواْ كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلمُكَذِّبِينَ﴾[6]، ﴿لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصدِيقَ ٱلَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٖ وَهُدٗى وَرَحمَةٗ لِّقَومٖ يُؤمِنُونَ﴾[7].

وبالنسبة للطريق المعرفيّ الثاني، -وهو الفطرة-، فقد حثّ القرآن الكريم الإنسان على استثارة مكنونات فطرته والنظر في حقيقة نفسه وخصائصها؛ تمهيداً لإدراك نقصه

 

 


[1] سورة فصلت، الآية 53.

[2] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج18، ص373.

[3] سورة الذاريات، الآية 20.

[4]  سورة الغاشية، الآيات 20-17.

[5]  سورة الرعد، الآية 4.

[6] سورة آل عمران، الآية 137.

[7] سورة يوسف، الآية 111.

 

28


15

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

واحتياجه وفقره، ومن ثمّ إدراك وحدانيّة الله -تعالى- وصفاته وأفعاله[1]: ﴿ءَايَٰتِنَا فِي ٱلأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ شَهِيدٌ﴾[2]، ﴿وَفِي ءَايَٰتٞ لِّلمُوقِنِينَ ٢٠ أَنفُسِكُم﴾[3].

شبهات حول وجود الله - تعالى- ونقاشها

طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول وجود الله -تعالى- نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة نفي وجود الله -تعالى- بنفي وجود المجرّدات واقتصار الوجود على المادّيّات
أ. بيان الشبهة:

ظهرت هذه الشبهة قديماً على لسان الملحدين الذين جحدوا دعوات الأنبياء (عليهم السلام) والمرسلين (عليهم السلام) وواجهوها بالتشكيك والإنكار: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ لَولَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَو تَأتِينَآ ءَايَةٞ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِّثلَ قَولِهِمۘ تَشَٰبَهَت قُلُوبُهُم قَد بَيَّنَّا ٱلأٓيَٰتِ لِقَومٖ يُوقِنُونَ﴾[4]، ﴿وَقَالَ فِرعَونُ يَٰٓأَيُّهَا مَا عَلِمتُ لَكُم مِّن إِلَٰهٍ غَيرِي فَأَوقِد لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجعَل لِّي صَرحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلكَٰذِبِينَ﴾[5]، وقد عادت هذه الشبهة وبرزت مع أصحاب الفلسفة المادّيّة في الغرب، لا سيّما مع أصحاب الاتّجاهات الفلسفيّة المادّيّة، الذين أنكروا وجود كلّ ما لا تقع عليه الحواس والتجربة والملاحظة، وبالتالي حصروا الوجود بالوجود المادّي فقط، ونفوا وجود شيء ما وراء المادّة، واعتبروا الكلام عنه مجرّد تصوّرات وهميّة لا واقع لها!

 

 


[1] انظر: العلّامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص171-170؛ ج18، ص374-373.

[2] سورة فصلت، الآية 53.

[3] سورة الذاريات، الآيتان 21-20.

[4] سورة البقرة، الآية 118.

[5] سورة القصص، الآية 38.

 

29


16

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

ب. نقاش الشبهة:

1. يوجد خطأ منهجيّ في الفلسفة المادّيّة يكمن في تحكيمها الأدوات والوسائل الخاصّة بالعالم المادّيّ على عالم آخر من غير سنخ العالم المادّيّ؛ فالأدوات والوسائل الخاصّة بالعالم المادّيّ صالحة لإثبات شيء مادّي أو نفيه، ولا حكم لها على ما هو وراء المادّة، وهي بذلك حياديّة اتجاهه لا يمكنها إثباته ولا نفيه!؛ وأمر إثباته يرجع إلى الأدوات والوسائل التي هي من سنخه،- كالعقل-. وقد قامت البراهين العقليّة على إثبات وجود عالم ما وراء المادّة، وعلى احتياج العالم المادّيّ وغيره من العوالم إلى علّة فاعلة فوقها.

2. تعتمد هذه الشبهة على إنكار وجود المجرّدات؛ لتنفي بذلك وجود الله تعالى، ويكفي في إبطال هذه الشبهة إيراد مصداق من مصاديق المجرّدات. وهذا المصداق هو النفس الإنسانيّة، فقد ثبت بالعلم أنّ خلايا جسم الإنسان تتجدّد باستمرار؛ بحيث لا يبقى منه ما يمكن معه بقاء الهوية الإنسانيّة وانحفاظها بخصوصيّاتها، مع العلم أنّ كلّ إنسان يُدرك بوجدانه انحفاظ نفسه وهويته الإنسانيّة، ووحدتها في جميع مراحل تغيّرات جسمه، وليس ذلك إلا لرجوع وحدة الهويّة الإنسانيّة فيه إلى بُعدٌ آخر كامن فيه،- هو النفس-؛ وهو بُعدٌ مجرّد وراء بُعده المادّيّ المتمثّل بجسده ومغاير له. فإذا ثبت وجود مصداق لوجود ما وراء المادّة، بطلت بذلك الكلّيّة التي تعتمد عليها الشبهة المذكورة، وبالتالي يبطل الاستدلال بها لنفي وجود الله -تعالى-.

الشبهة الثانية: شبهة نفي وجود الله -تعالى- لعدم إمكانيّة مشاهدته (أين هو)؟
أ. بيان الشبهة:

وهي من الشبهات المطروحة قديماً على لسان الملحدين في مواجهتهم دعوات الأنبياء (عليهم السلام) والرسل (عليهم السلام): ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرجُونَ لِقَآءَنَا لَولَآ أُنزِلَ عَلَينَا ٱلمَلَٰٓئِكَةُ أَو

 

30


17

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱستَكبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِم وَعَتَو عُتُوّٗا كَبِيرٗا﴾[1]، كما ظهرت على لسان ضعاف الإيمان من أتباع الأنبياء (عليهم السلام)، كبعض بني إسرائيل: ﴿وَإِذ قُلتُم يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهرَةٗ فَأَخَذَتكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُم تَنظُرُونَ﴾[2]، وتذرّع بها الملحدون لاحقاً، لا سيّما أصحاب الاتّجاهات الفلسفيّة المادّيّة لنفي وجود الله -تعالى-، بأنّه لو كان موجوداً لرأيناه ولعرفنا أين هو!

ب. نقاش الشبهة:

إن استئناس الإنسان بالمادّيّات واستغراقه فيها، وإهماله القوّة الروحيّة والعقليّة الكامنة في حقيقته، كلّها تشكّل مانعاً أمام قبوله الأشياء التي لا تقع عليها خصائص المادّيّات وآثارها،- من طول وعرض وعمق ولون وحركة وتحيّز وغيرها، وقد ثبت في العلم المعاصر والحديث وجود أشياء مادّيّة لا تقبل الرؤية والمشاهدة؛ كالطاقة، والجاذبيّة، وغيرهما. وعلى الرغم من ذلك نجد أصحاب الاتّجاهات الإلحاديّة من علماء الطبيعة والفيزياء والفلك... يثبتون وجودها، وهذا الحكم منهم مخالف لمنهجهم المدّعى في إثبات وجود شيء أو نفيه (تناقض في تطبيقات المنهج = بطلان المنهج).

الشبهة الثالثة: شبهة نفي وجود الله -تعالى- بنفي حاجة العالم المادّيّ إلى علّةٍ فوقه
أ. بيان الشبهة:

أثار أصحاب الاتّجاهات الفلسفيّة المادّيّة هذه الشبهة؛ فزعموا أنْ لا وجود لمبدأ العلّيّة أصلاً فلا يكون بين العلة والمعلول علاقة ذاتية، بل العلاقة يمكن أن تكون اتفاقية بحكم العادة، وعليه فقد جرت العادة على أن تحرق النار، غير أن النار ليست علة الإحراق. وسلّم بعضهم بقانون العلية، ولكنّه ادّعى انحصار جريانه بالعالم المادّيّ، وأرجع نَظْم هذا العالم إلى الصدفة! وليس إلى المنظم الحكيم.

 

 


[1] سورة الفرقان، الآية 21.

[2] سورة البقرة، الآية 55.

 

31


18

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ مبدأ العلّيّة من الأمور البديهية والفطريّة التي لا تقبل الإنكار أو الشكّ؛ فمجرّد تصوّر العقل لموجود ممكن أو حادث يحكم بضرورة وجود علّة وراء وجوده أو حدوثه، وعدم تحقّقه بمحض الصدفة، فمثلاً: عندما يتصوّر العقل النار، ويتصوّر الحرارة، ويتصوّر صدور الحرارة عن النار بنحو دائميّ، يحكم بعلّيّة النار للحرارة. وهذا تصوّر محض للعقل استنتجه من مدركاته البديهيّة قبل اللجوء إلى تجاربه الحسّيّة.

2. إنّ إنكار مبدأ العلّيّة أو القول به مع نفي حاجة العالم المادّيّ إلى علّة فوقه يترتّب عليه نتائج لا يمكن لأصحاب الاتّجاهات الفلسفيّة المادّيّة الالتزام بها، ومنها: كيف يمكن تفسير نشوء الكون، بناءً على إنكار العلّيّة أو إنكار وجود علّة فوق العالم المادّيّ؟!

ومجرّد إرجاعهم ذلك إلى الصدفة -وفق ما ذهب إليه منكرو مبدأ العلّيّة-، أو إلى المادّة -وفق ما ذهب إليه منكرو حاجة العالم المادّيّ إلى علّة فوقه-، لا يصلح حلاً للمعضلة؛ لأنّ القول بالصدفة يتعارض مع العقل والوجدان، اللذان يحكمان بضرورة رجوع هذا النظم العجيب الموجود في الكون إلى منظِّم، ولأنّ المادّة بدورها تحتاج إلى علّة فوقها،- بحسب طبيعتها الإمكانيّة التي يحتاج فيها الممكن إلى علّة فوقه-، تكون غنيّة بنفسها مستغنية عن غيرها.

 

32


19

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

المفاهيم الرئيسة

زوّد الله -تعالى- الإنسان في خِلْقَته بما يمكّنه من معرفته -تعالى-، من خلال ما خلق فيه من عقل وفطرة وقلب، فجعل لكلّ منها خصائص إدراكيّة تهديه إلى معرفته -تعالى-، ودعاه إلى تفعيلها واستثارة مكنوناتها.
طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول إثبات وجود الله -تعالى-، منها: نفي وجود الله -تعالى- بنفي وجود المجرّدات واقتصار الوجود على المادّيّات، ونفي وجود الله -تعالى- لعدم إمكانيّة مشاهدته (أين هو؟) وهذه الشبهات واهية وضعيفة ومجرّد دعاوى لا دليل عليها، بل الدليل قائم على بطلانها وإثبات وجود الله -تعالى- بالفطرة والعقل والنقل والقلب.

تقييم

1. ما هي طرق معرفة الله -تعالى-؟ وما هي خصائصها؟

2. بيّن المراد من شبهة نفي وجود الله -تعالى- بنفي وجود المجرّدات واقتصار الوجود على المادّيّات، مع ذِكْر أبرز الردود عليها.

3. تكلّم عن شبهة نفي وجود الله -تعالى- لعدم إمكانيّة مشاهدته (أين هو)، مع إيراد أبرز الردودو عليها.

 

33


20

الدرس الثاني: شبهات حول وجود الله تعالى

اقرأ

معرفة الله -تعالى- في السنّة الشريفة

ما روي من أنّه سُئِلَ أمير المؤمنين(عليه السلام): بِمَ عرفت ربّك؟ قال: بما عرّفني نفسه، قيل: وكيف عرّفك نفسه، قال: لا يشبهه صورة، ولا يحسّ بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب في بعده، بعيد في قربه، فوق كلّ شيء، ولا يقال شيء فوقه، أمام كلّ شيء، ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، ولكلّ شئ مبتدء»[1].
ما روي في الدعاء عن الإمام الحسين(عليه السلام): «...كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المُظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً...»[2].

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص86-85.

[2]  المجلسي، العلاّمة محمد باقر، بحار الأنوار، ط2، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403هـ.ق/ 1983م، ج64، ص142.

 

34


21

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

1. يشرح شبهة عدم إمكانيّة قيام مدبّر واحد بتدبيرات مختلفة في آن واحد.

2. يحلّل شبهة أنّ إنكار أغلب الناس للتوحيد مؤشِّر على بطلان هذه العقيدة.

3. يتعرّف إلى شبهة أنّ وجود الشرور والخيرات في العالم يقتضي وجود إله للخير وإله للشرّ.

4. يبطل الشبهات المتقدّمة من خلال الأدّلة العقليّة والنقليّة.

 

35


22

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

تمهيد

قال -تعالى-: ﴿لَو كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[1].

بيّن كيف تدل الآية على التوحيد؟

شبهات حول التوحيد ونقاشها

تكمن مشكلة المنكرين للتوحيد في عدم فهمهم لوحدانيّته -تعالى- في الربوبيّة، نظراً لقياسهم التدبيرات الربوبيّة على ما يعهدونه في ما عندهم من قدرات محدودة على التدبير، فيرون أنّ هذه التدبيرات لا يمكن أن تستند إلى مدبّر واحد مع ما يرونه من كثرة التدبيرات وتشعّبها. ومن هنا طرحوا مجموعة من الشبهات في نفي التوحيد، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة نفي وحدانيّة الله -تعالى-؛ لعدم إمكانيّة قيام مدبّر واحد بتدبيرات مختلفة في آن واحد
أ.بيان الشبهة:

طرحت هذه الشبهة قديماً على ألسنة الملحدين في حياة الأنبياء(عليهم السلام) والرسل (عليهم السلام)، حيث استبعدوا إمكانيّة قيام مدبّر واحد بتدبيرات مختلفة على الكون كلّه في آن واحد!: ﴿أَجَعَلَ ٱلأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيءٌ عُجَابٞ﴾[2].

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 22.

[2] سورة ص، الآية 5.

 

37


23

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ استئناس الإنسان بالمادّيّات واستغراقه بها، يجعله يقيس كلّ تدبير صادر عن مدبّر ما، بحسب ما يجده من نفسه أو من غيره من الموجودات المادّيّة، من حاجة إلى الحركة والزمان والمكان...، وهي تقف مانعاً أمام قيامه بأكثر من تدبير في آن واحد. والواقع أنّ الله -تعالى- وجوده مجرّد وهو منزّه عن هذه المحدوديّات الزمانيّة والمكانيّة، فلا تحول دون قيامه بتدبير الكون كلّه في آن واحد، من دون أن تتزاحم تدبيراته في ما بينهما: ﴿بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾[1]، ﴿إِنَّمَا إِذَآ أَرَدنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾[2].

2. إنّ التزاحم في التدبيرات مردّه إلى محدوديّة قدرة المدبّر. والواقع أنّ الله -تعالى-؛ لقدرته المطلقة وإحاطته الكلية بالأشياء؛ فلا يعجزه تدبير عن تدبير، ولا يزاحمه تدبير دون تدبير: ﴿لَهُۥ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ يُحيِۦ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ قَدِيرٌ ٢ هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ﴾[3].

الشبهة الثانية: شبهة نفي وحدانيّة الله -تعالى-؛ بزَعْمِ أنَّ إنكار أغلب الناس للتوحيد مؤشِّر على بطلان هذه العقيدة
أ. بيان الشبهة:

تمسّك بعض الملحدين والمشركين لنفي عقيدة التوحيد، بإنكار أغلب الناس للتوحيد؛ إذ لو كانت هذه العقيدة صحيحة لما أنكرها أغلب الناس على مرّ التاريخ، كما تشهد لذلك الرسالات السماويّة التوحيديّة، وأبرزها القرآن الكريم، الذي يحفل بذِكْر قصص الأقوام الغابرة المنكرة لعقيدة التوحيد والمستبعدة لها: ﴿قَالُواْ يَٰهُودُ مَا جِئتَنَا بِبَيِّنَةٖ وَمَا

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 117.

[2] سورة النحل، الآية 40.

[3] سورة الحديد، الآيتان 3-2.

 

38


24

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

نَحنُ بِتَارِكِيٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَولِكَ وَمَا نَحنُ لَكَ بِمُؤمِنِينَ ٥٣ إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعتَرَىٰكَ بَعضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖ قَالَ إِنِّيٓ أُشهِدُ ٱللَّهَ وَٱشهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشرِكُونَ﴾[1]، ﴿قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَد كُنتَ فِينَا مَرجُوّٗا قَبلَ هَٰذَآ أَتَنهَىٰنَآ أَن نَّعبُدَ مَا يَعبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدعُونَآ إِلَيهِ مُرِيبٖ﴾[2].

ب. نقاش الشبهة:

1. لا تلازم عقليّ بين إنكار أغلب الناس لعقيدة ما وبين بطلانها، وكذلك لا تلازم بين اتّباع أغلبهم لعقيدة ما وبين صحّتها؛ لأنّ معيار صحّة عقيدة ما أو بطلانها يدور مدار الدليل والبرهان، لا الاتّباع.

2. إنّ أغلب المنكرين لعقيدة التوحيد من الأقوام الغابرة يرجع إنكارهم إلى خوفهم من فقدان سلطانهم، وجاههم ومكانتهم الاجتماعيّة، التي تتيح لهم تسلّطهم على رقاب الناس وأموالهم: ﴿فَقَالَ ٱلمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَومِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثلُكُم يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيكُم﴾[3]، أو إلى جهلهم وتقليدهم الأعمى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَل نَتَّبِعُ مَآ أَلفَينَا عَلَيهِ ءَابَآءَنَآ أَوَلَو كَانَ ءَابَآؤُهُم لَا يَعقِلُونَ شَي‍ٔٗا وَلَايَهتَدُونَ﴾[4]. وهذا ما نشهده من أمر المنكرين في الواقع المعاصر، ونستشرفه من أمرهم مستقبلاً؛ بحكم سنن التاريخ: ﴿سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبدِيلٗا﴾[5]، ﴿فَهَل يَنظُرُونَ سُنَّتَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبدِيلٗا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحوِيلًا﴾[6].

 

 


[1] سورة هود، الآيتان 54-53.

[2]  السورة نفسها، الآية 62.

[3] سورة المؤمنون، الآية 24.

[4] سورة البقرة، الآية 170.

[5] سورة الأحزاب، الآية 62.

[6] سورة فاطر، الآية 43.

 

39


25

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

الشبهة الثالثة: شبهة نفي وحدانيّة الله -تعالى-؛ بزَعْمِ أنَّ وجود الشرور والخيرات في العالم يقتضي وجود إله للخير وإله للشرّ
أ. بيان الشبهة:

طُرِحَت هذه الشبهة قديماً على ألسنة أتباع الأديان التي تؤمن بالعقيدة الثنويّة، كالزرداشتيّة وغيرها، والتي ادّعت وجود إلهين اثنين، أحدهما: إله الخير، والآخر: إله الشرّ؛ وذلك في محاولة منها لتبرير وجود الشرور الواقعة في العالم، وتنزيه إله الخير عن نسبة الشرّ إليه!

ب. نقاش الشبهة:

1. تبتني هذه الشبهة على مغالطة من خلال عدّها الشرّ أمراً وجوديّاً!، والصحيح أنّ الشرّ هو أمر عدميّ (أي عدم كمال أو عدم ملكة)؛ فلا يحتاج إلى فاعل مستقلّ يصدر عنه فعله، حتّى يُدّعى وجود إله للشرور!.

2. إنّ ما يراه الإنسان من شرور في العالم المادّيّ يرجع إلى طبيعة هذا العالم حيث تقع فيه المزاحمات والشرور، لكن ترك الخير الكثير أمام الشرّ القليل يتعارض مع إرادة الخير من الله -تعالى- لخلقه ودوام فيضه، فليس من الحكمة ولا العدل أن يترك الله -تعالى- خلق عالم الدنيا لمجرّد وجود شرّ قليل فيه يزول بزوال عالم الدنيا، وهو لا يُقاس بالخير الكثير الموجود فيه والذي يبقى بعد زوال الدنيا وفنائها!.

3. إنّ ما يراه الإنسان من شرور قد تكون -حقيقة- شروراً بالقياس إليه، وليس إلى نفسها؛ كسمّ الأفعى الذي هو شرّ بالقياس إلى الإنسان وليس شرّاً بالقياس إلى الأفعى، أو إلى بعض الموجودات الأخرى كالجمادات. وقد أثبت العلم الحديث فائدة هذا السمّ حتّى بالنسبة للإنسان؛ حيث يدخل في صناعة بعض الأدوية العلاجيّة.

 

40


26

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

المفاهيم الرئيسة

طُرِحَت مجموعة من الشبهات في نفي التوحيد، منها: نفي وحدانيّة الله -تعالى-؛ لعدم إمكانيّة قيام مدبّر واحد بتدبيرات مختلفة في آن واحد، ولأنّ إنكار أغلب الناس للتوحيد مؤشِّر على بطلان هذه العقيدة، ونفي وحدانيّة الله -تعالى-؛ لأنّ وجود الشرور والخيرات في العالم يقتضي وجود إله للخير وإله للشرّ.
هذه الشبهات ضعيفة وواهية، وهي مجرّد دعاوى لا دليل عليها، بل قام الدليل على بطلانها وإثبات وحدانيّته -تعالى- بالفطرة والعقل والنقل.

تقييم

1. تكلّم عن شبهة نفي وحدانيّة الله -تعالى-؛ لعدم إمكانيّة قيام مدبّر واحد بتدبيرات مختلفة في آن واحد، مع إيراد أبرز الردود عليها.

2. هل إنكار أغلب الناس للتوحيد مؤشِّر على بطلان هذه العقيدة؟

3. هل وجود الشرور والخيرات في العالم يقتضي وجود إله للخير وإله للشرّ؟ ولماذا؟

 

41


27

الدرس الثالث: شبهات حول التوحيد

اقرأ

محاججة الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد الزنادقة في إثبات وحدانيّته -تعالى-

ما رواه هشام بن الحكم، في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله(عليه السلام)، وكان من قول أبي عبد الله(عليه السلام): لا يخلو قولك: إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويّين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً، فإنْ كانا قويّين فِلَم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟ وإنْ زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف، ثبت أنّه واحد،- كما نقول-؛ للعجز الظاهر في الثاني، فإن قلت: إنّهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة، أو مفترقين من كلّ جهة؛ فلمّا رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد، ثمّ يلزمك إنْ ادّعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما، فيلزمك ثلاثة، فإنْ ادّعيت ثلاثة، لزمك ما قلت في الاثنين حتّى نكون بينهم فرجة، فيكونوا خمسة، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة.

قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أنْ قال: فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وجود الأفاعيل دلّت على أنّ صانعاً صنعها، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبني علمت أنّ له بانياً، وإن كنت لم ترَ الباني ولم تشاهده، قال: فما هو؟ قال: شيء بخلاف الأشياء ارجع بقولي إلى إثبات معنى، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة، غير أنّه لا جسم ولا صورة، ولا يحسّ ولا يجسّ، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيّره الأزمان»[1].

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص81-80.

 

42


28

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

1. يتعرّف إلى معنى الأسماء الحسنى لله -تعالى-.

2. يحلّل الشبهتين الآتيتين:

أ. شبهة نسبة بعض الصفات السلبيّة إلى الله -تعالى-.

ب. شبهة نسبة الصفات الثبوتيّة الجسمانيّة تقتضي النقص والاحتياج.

3. يبطل الشبهتيـــن المذكورتيـــن مستخدماً أهم الأدلّة العقليّة والنقليّة.

 

43

 

 


29

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

تمهيد

قال -تعالى-: ﴿قُلِ ٱدعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدعُواْ ٱلرَّحمَٰنَ أَيّٗا مَّا تَدعُواْ فَلَهُ ٱلأَسمَآءُ ٱلحُسنَىٰ﴾[1].

ما معنى أن لله -تعالى- الأسماء الحسنى؟

الأسماء الحسنى ومعناها

صرّح القرآن الكريم في كثير من آياته بأنّ لله -تعالى- الأسماء الحسنى: ﴿قُلِ ٱدعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدعُواْ ٱلرَّحمَٰنَ أَيّٗا مَّا تَدعُواْ فَلَهُ ٱلأَسمَآءُ ٱلحُسنَىٰ﴾[2]، ﴿لَهُ ٱلأَسمَآءُ ٱلحُسنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ﴾[3]، ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ ٱلأَسمَآءُ ٱلحُسنَىٰ﴾[4]، ومعنى كونها له -تعالى-، أنّه يملكها لذاته، والذي يوجد منها في غيره، فهو بتمليك منه -تعالى- على حسب ما يريد، كما يدلّ عليه قوله -تعالى- المسوق سوق الحصر فيه -تعالى-: ﴿هُوَ ٱلحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾[5]، ﴿وَهُوَ ٱلعَلِيمُ ٱلقَدِيرُ﴾[6]، ﴿هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾[7]، ﴿أَنَّ ٱلقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا﴾[8]، ﴿فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ لِلَّهِ ﴾[9]، ﴿وَلَا بِشَيءٖ مِّن عِلمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ﴾[10]...، فكون اسم ما من أسمائه -تعالى- أحسن الأسماء دلالته على معنى كماليّ غير مخالط لنقص أو عدم، مخالطة

 

 


[1] سورة الإسراء، الآية 110.

[2] السورة والآية نفسها.

[3] سورة الحشر، الآية 24.

[4] سورة طه، الآية 8.

[5] سورة غافر، الآية 65.

[6] سورة الروم، الآية 54.

[7] سورة غافر، الآية 56.

[8] سورة البقرة، الآية 165.

[9] سورة النساء، الآية 139.

[10] سورة البقرة، الآية 255.

 

45


30

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

لا يمكن معها تحرير المعنى من ذلك النقص والعدم وتصفيته، وذلك في كلّ ما يستلزم حاجة أو عدماً وفقداً[1].

شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة ونقاشها

طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة، ، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة نسبة بعض الصفات السلبيّة والانفعاليّة إلى الله -تعالى-
أ. بيان الشبهة:

ورد في القرآن الكريم نسبة بعض الصفات السلبيّة والانفعاليّة إلى الله -تعالى-، من قبيل: الانتقام، والغضب، والنسيان، والكيد، والمكر، والمقت، والإضلال...، وهي تدلّ على حالات من التحوّل والتغيّر والنقص التي لا تنسجم مع واجبيّة الوجود!

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ ما ورد من تعبيرات في القرآن الكريم تشتبه معانيها في ظاهرها الأوّليّ، لا بدّ فيها من الرجوع إلى الآيات المحكمات؛ ليستبين المراد منها: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ مِنهُ ءَايَٰتٞ مُّحكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞ﴾[2]؛ فالصفات التي يظهر منها بظهورها الأوّليّ معانٍ سلبيّة وانفعاليّة؛ كالانتقام، والغضب، والنسيان، والكيد، والمكر، والمقت، والإضلال...، لا بدّ في فهم المراد منها من إرجاعها إلى آيات محكمة ترفع ظهورها الأوّليّ في نسبة الانفعال والتحوّل والتغيّر -المستلزمة للنقص- إلى الله -تعالى-، وتبيّن مقصودها الحقيقيّ؛ كقوله -تعالى-: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيءٞ﴾[3].

 

 


[1] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص344-342، ج14، ص125-123.

[2] سورة آل عمران، الآية 7.

[3] سورة الشورى، الآية 11.

 

46


31

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

2. إنّ الصفات المذكورة وغيرها ممّن يستظهر منها معانٍ سلبيّة وانفعاليّة، لا بدّ من تفسيرها وفهمها بما ينسجم مع كمال الله -تعالى- فمثلاً: لفظ الانتقام يفهم منه العرف قيام المُعتَدى عليه بالتعامل مع من اعتدى عليه بالمثل، مدفوعاً بشعوره بالسخط عليه. ومثل هذا المعنى يستحيل تصوّره بحقّ الله -تعالى-؛ لأن كماله المطلق يستلزم نفي كلّ نقص واحتياج عن ساحته -تعالى-، ولكنْ لمّا كان الله -تعالى- يريد إقناع المظلومين وطمأنتهم من أنّه ينتقم لهم من ظالميهم، وكذلك ليردع المعتدين عن اعتدائهم، استعمل في ذلك ألفاظاً ذات معانٍ عرفيّة لديهم. وبذلك يرجع معنى الانتقام إلى تنفيذه -تعالى- العقاب بحقّ المعتدين[1]، وهو معنى ينسجم مع كمال الله -تعالى-؛ لعدم خروج شيء عن إرادته وقدرته وحكمه. وعلى ذلك يجري فهم الصفات الأخرى، من خلال تجريدها من شوائب النقص والاحتياج والفعل والانفعال والتغيير، ومن ثمّ نسبتها بعد التجريد إلى ذات الواجب جلّ وعلا، فتعود صفة الغضب إلى عقابه الواقع على المذنبين والعاصين[2]، وصفة النسيان إلى الحرمان من الرحمة والثواب[3]، وصفة الكيد إلى إفشال الله -تعالى- مؤامرات المجرمين والمعتدين وإضلالهم والإملاء لهم واستدراجهم إلى العذاب[4]، وصفة المكر إلى إحاطة الله -تعالى- بالماكرين وخذلانهم ومعاقبتهم على سوء اختيارهم[5]، وصفة المقت إلى الإبعاد من الرحمة والعناية الإلهيّة[6]، وصفة الإضلال إلى خذلانهم وسلبهم التوفيق وحرمانهم من العناية الإلهيّة[7]، وعلى ذلك يجري تفسير وفهم باقي الصفات.

 

 


[1] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج3، ص10.

[2] انظر: الشيخ الصدوق، التوحيد، مصدر سابق، ص170.

[3] انظر: العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق وتصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، لا.ط، طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، لا.ت، ج2، ص96-95.

[4] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج20، ص261.

[5] انظر: المصدر نفسه، ج1، ص96.

[6] انظر: المصدر نفسه، ج17، ص312.

[7]  انظر: المصدر نفسه، ج1، ص96؛ ج6، ص35.

 

47


32

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

الشبهة الثانية: شبهة نسبة الصفات الثبوتيّة الجسمانيّة تقتضي النقص والاحتياج- وهي مندرجة تحت الشبهة السابقة ونفردها لخطورتها-
أ. بيان الشبهة:

ورد في القرآن الكريم نسبة جملة من الصفات الثبوتيّة الجسمانيّة لله تعالى، كالسمع، والرؤية، والتكلّم، واليد، والوجه، والمجيء، والاستواء...، وهي تستلزم المحدوديّة والتحيّز، وبالتالي النقص والاحتياج، بما لا ينسجم الكمال الإلهي ومنشأ هذه الشبهة قديم، حيث أُطلق على من ينسبون هذه الصفات دون تفسيرها تفسيراً دقيقاً، اسم الصفاتيّة والمجسّمة والمشبّهة[1].

ب. نقاش الشبهة:

يرد على هذه الشبهة ما ورد في الردّ على الشبهة السابقة؛ فلا بدّ من الرجوع في فهم هذه الموارد المتشابهة في القرآن الكريم إلى الآيات المحكمة؛ لبيان مراد الله -تعالى- منها. كما ينبغي فهمها وتفسيرها بما ينسجم مع الكمال المطلق لله تعالى، بتجريد هذه الصفات عن كلّ شائبة نقص واحتياج، ثمّ نسبتها إلى الله تعالى. فمثلاً: يفهم السمع بمعنى أنّه إذا وُجِد مسموعاً كان له سامعاً ومجيباً بغير آلة للسمع، وتفهم الرؤية بمعنى أنّه لا يخفى عليه خافية من المبصَرات بغير أداة للإبصار، ويؤول التكلّم إلى إيجاده الكلام في جسم من الأجسام أو إيجاد الأشياء وفعلها، وتؤول اليد إلى القوّة أو القدرة أو العطيّة والنعمة، ويؤول الوجه إلى الذات، ويؤول المجيء إلى الإحاطة أو انقضاء الأمر بانكشاف الحقّ، ويؤول الاستواء إلى الحكم والاستيلاء والتدبير من دون استعانة بأحد..[2].

 

 


[1] انظر: أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل، الإبانة عن أصول الديانة، بيروت، دار العربي، 1990م، ص77.

[2] انظر: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص139-138.

 

48


33

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

المفاهيم الرئيسة

كون اسم ما من أسمائه -تعالى- أحسن الأسماء، يدلّ على معنى كماليّ غير مخالط لنقص أو عدم.
طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة،- منها: نسبة بعض الصفات السلبيّة والانفعاليّة إلى الله -تعالى-، ونسبة الصفات الثبوتية الجسمانيّة يقتضي النقص والاحتياج، والتناقض بين بعض الصفات الإلهيّة، وهذه الشبهات ضعيفة وواهية ترتفع بأدنى تأمل في النصوص الدينيّة وإعمال للعقل. وقد قام الدليل العقلي والنقلي على دحضها وإثبات خلافها.

تقييم

1. ما معنى الأسماء الحسنى؟

2. تحدّث عن شبهة نسبة بعض الصفات السلبيّة والانفعاليّة والجسمانيّة إلى الله، واستلزامه النقص والاحتياج، مبيّناً أبرز الردود عليها.

3. تكلّم عن شبهة التناقض بين بعض الصفات الإلهيّة، مبيّناً أبرز الردود عليها.

 

49

 


34

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

اقرأ

خلق الإنسان طريق إلى التوحيد

روي عن الربيع صاحب المنصور، أنه قال: حضر أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) مجلس المنصور يوماً، وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطبّ، فجعل أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يُنصت لقراءته، فلمّا فرغ الهنديّ قال له: يا أبا عبد الله: أتريد ممّا معي شيئاً؟ قال: لا، فإنّ ما معي خير ممّا معك، قال: وما هو؟ قال: أداوي الحارّ بالبارد، والبارد بالحارّ، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه إلى الله -عزّ وجل-، وأستعمل ما قاله رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأعلم أنّ المعدة بيت الداء والحمية هي الدواء، وأُعوّد البدن ما اعتاد، فقال الهنديّ: وهل الطبّ إلّا هذا؟! فقال الصادق (عليه السلام): أفتراني عن كتب الطبّ أخذت؟ قال: نعم. قال: لا والله ما أخذت إلّا عن الله -سبحانه-، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت؟ فقال الهنديّ: بل أنا، قال الصادق (عليه السلام): فأسألك شيئاً؟ قال: سل، قال (عليه السلام): أخبرني يا هنديّ لِمَ كان في الرأس شؤون؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ جُعِلَ الشَّعر عليه من فوقه؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ خَلَتِ الجبهة من الشَّعر؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ جُعِلت العينان كاللَّوزتين قال: لا أعلم. قال: فلِمَ جُعِلَ الأنفُ فيما بينهما؟ قال: لا أعلم. قال: ولِمَ كان ثقب الأنف في أسفله، قال: لا أعلم. قال: فلِمَ جُعلت الشفة والشارب من فوق الفم؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ احتدّ السنّ وعَرض الضّرس وطال الناب؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ جُعلت اللّحية للرجال؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ خلَت الكفّان من الشعر؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان القلب كَحبّ الصنوبر؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ كانت الرية قطعتين وجعل حركتها في موضعها؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ كانت الكبد حدباء؟ قال: لا أعلم.

 

50


35

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

قال: فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللّوبيا؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ جُعل طيّ الركبتين إلى خلف؟ قال: لا أعلم. قال: فلِمَ تخصّرت القدمان؟ قال: لا أعلم.

فقال الصادق (عليه السلام): لكنّي أعلم. قال: فأجب، فقال الصادق (عليه السلام): كان في الرأس شؤون لأنّ المُجوَّف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع، فإذا جُعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد، وجُعل شعرٌ من فوقه ليوصل بوصوله الأدهان إلى الدماغ، ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ الحرّ والبرد الواردين عليه. وخلت الجبهة من الشعر لأنّها مصبّ النور إلى العينين، وجُعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يُميطه الإنسان عن نفسه، كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه، وجُعل الحاجبان من فوق العينين لِيَردَ عليهما من النور قدر الكفاية؛ ألا ترى يا هندي أنَّ من غلبه النور جعل يده على عينيه ليَردَ عليهما قدر كفايتهما منه؟ وجُعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كلّ عين سواء، وكانت العين كاللَّوزة ليجري فيها المِيل بالدواء ويخرج منها الداء، ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الِمِيل، وما وصل إليها دواء، ولا خرج منها داء، وجُعل ثُقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدِرة من الدماغ، ويصعد فيه الأراييح إلى المشامّ، ولو كان على أعلاه لمَا أنزل داءً، ولا وجد رائحةً، وجُعل الشارب والشفة فوق الفم ليحتبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلَّا يتنغصَّ على الإنسان طعامه وشرابه فيُميطه عن نفسه، وجُعلت اللّحية للرجال ليُستغنى بها عن الكشف في المنظر ويُعلم بها الذكر من الأنثى، وجُعل السنّ حادّاً لأنّ به يقع المضغ، وجُعل الضرس عريضاً لأنَّ به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالأسطوانة في البناء، وخلا الكفان من الشعر لأنّ بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شَعرٌ ما درى الإنسان ما يقابله ويلمسه، وخلا الشعر والظفر من الحياة لأنّ طولهما سَمِجٌ وقصَّهما حسَن، فلو كان فيهما حياةٌ لَأَلم الإنسان بقصِّهما، وكان القلب كحبِّ الصنوبر لأنّه منكَّس فجُعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرية فتروّح عنه ببردها لئلّا يشيط الدماغ بحرّه، وجُعلت الرية قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروّح

 

51


36

الدرس الرابع: شبهات حول الصفات والأسماء الإلهيّة

عنه بحركتها، وكان الكبد حدباء ليثقل المعدة ويقع جميعاً عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار، وجُعلت الكُلْيةُ كحبّ اللّوبيا لأنَّ عليها مصبَّ المنيّ نقطة بعد نقطة فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الأولى إلى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحيّ، إذ المنيّ ينزل من قفار الظهر إلى الكُلْيةُ فهي كالدودة تنقبض وتنبسط، ترميه أوّلاً فأوّلاً إلى المثانة كالبندقة من القوس، وجُعل طيّ الركبة إلى خلف لأنّ الإنسان يمشي إلى بين يديه فيعتدل الحركات، ولولا ذلك لسقط في المشي، وجُعلت القدم مُخصّرةً لأنّ المشي إذا وقع على الأرض جميعه ثقل كثقل حجر الرحى، فإذا كان على حرفه رفعه الصبيّ وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرِّجل.

فقال له الهنديُّ: من أين لك هذا العلم؟ فقال (عليه السلام): أخذته عن آبائي عليهم السلام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل (عليه السلام) عن ربّ العالمين -جلّ جلاله- الذي خلق الأجساد والأرواح، فقال الهنديّ: صدقت، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وعبده، وأنّك أعلم أهل زمانك»[1].

 

 


[1]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ص514-511.

 

52


37

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

1. يميّز بين فعل الله -تعالى- وفعل الإنسان.

2. يتعرّف إلى شبهة التفاوت في الخلق بما يشمل: الجماد والنبات والحيوان والإنسان، والتمايز بين الذكر والأنثى، والقبح والجمال، والغنى والفقر، والقدرات الجسميّة والفكريّة.

3. يناقش شبهة التفاوت في الخلق في جميع المستويات السابقة.

 

53


38

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

تمهيد

قال -تعالى-: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَٰكُم شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ ٱللَّهِ أَتقَىٰكُم إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾[1].

هل تعتبر أن الاختلاف بين المخلوقات هو كمال في بعضها ونقص في بعضها الآخر في ضوء الآية المباركة؟

فعل الله -تعالى- وفعل الإنسان

يوجد فرق بين فعل الله -تعالى- وفعل الإنسان، فالإنسان في إرادته للأشياء وأفعاله التي تصدر منّه، تحكمه مجموعة من القوانين والأصول المأخوذة من الوجود الخارجيّ والعينيّ، بحيث تستتبع منه الفعل؛ فإذا أكل فإنّما يأكل لجوع أصابه حصل له خارجاً؛ فاستتبع صدور فعل الأكل منه، وكذلك إذا شرب فلعطش أصابه، فتستتبع منه فعل الشرب؛ تحصيلاً للشبع وللري؛ وهما جوابه عن سؤال: لم فعل كلّ من فِعل الأكل وفِعل الشرب؟ وأمّا فعله -تعالى-؛ فلمّا كان هو الوجود العينيّ نفسه للأشياء: ﴿إِنَّمَا قَولُنَا لِشَيءٍ إِذَآ أَرَدنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾[2]، فلا سؤال عن فعله -تعالى- بـ «لِمَ» فعله، بمعنى السؤال عن السبب الخارجيّ المستتبع؛ لأنْ يصدر عنه الفعل: ﴿لَا يُس‍َٔلُ عَمَّا

 

 


[1] سورة الحجرات، الآية 13.

[2] سورة النحل، الآية 40.

 

55


39

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

يَفعَلُ وَهُم يُس‍َٔلُونَ﴾[1]، ﴿إِنَّ يَفعَلُ مَا يَشَآءُ﴾[2]، ﴿ٱلحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾[3]؛ إذ لا سبب خارج ذاته -تعالى- يعينه في فعله ويدعوه إلى الفعل، والسؤال إنّما يصحّ وفق الأصول الكلّيّة العقليّة إذا كان الفعل لسبب خارجي متقدّم على الفعل؛ وفعله -تعالى- هو وجود الأشياء نفسها؛ فلا مبرّر للسؤال عن فعله...[4].

شبهات حول الأفعال الإلهيّة ونقاشها

طُرِحَت شبهة التفاوت في الخلق في العديد من المستويات- وهذه الشبهة من الشبهات المطروحة حول الأفعال الإلهيّة- نتعرّض لها، ونفصّلها ونناقشها في عدّة شبهات:

الشبهة الأولى: شبهة التفاوت في خلق الجماد والنبات والحيوان والإنسان
أ. بيان الشبهة:

تتنوّع الموجودات المادّيّة في عالم الدنيا بين جمادات، ونباتات، وحيوانات، وبشر...، وهي تشترك في ما بينها في الوجود المادّيّ، بينما يتفاضل بعضها على بعض بقابليّته للكمال، فنجد وجود الجماد أخسّ رتبة من الوجودات الثلاثة الأخرى؛ لعدم قابليّته لكمالاتها، بينما نجد وجود النبات أخسّ رتبة من وجود الحيوان والإنسان، وكذلك الأمر بالنسبة لوجود الحيوان الذي هو أخسّ رتبة من وجود الإنسان. وعليه، كيف يستقيم ذلك مع عدل الله -تعالى-؛ إذ لو أمكن للجماد أن يتزوّد بما تتزوّد به الموجودات الأعلى منه، لكان مثلهم في نيل الكمال، ولما حُرِمَ منه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الموجودات الأدنى بالقياس إلى الموجودات الأعلى منها؟!

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 23.

[2] سورة الحج، الآية 18.

[3] سورة آل عمران، الآية 60.

[4] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج12، ص249-248؛ ج19، ص87-86.

 

 

56


40

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

ب. نقاش الشبهة:

لكل موجود من موجودات عالم المادة كماله الخاص اللائق به، مثلاً كمال الشجرة أن تُثمر، بينما هذا ليس كمالاً للحيوان أو للإنسان، وكمال بعض الحيوانات أن تفترس، بينما هذا ليس كمالاً للإنسان، وهكذا فإنّ كمال كلّ شيء والغاية التي يسير إليها تكون متناسبة مع خلقته وتكوينه، وبالتالي لم يُخلق الحجر ليكون إنسانًا، ولو صار الحجر إنسانًا لبطل كونه حجرًا، ولم يُخلق الإنسان ليكون ملاكًا، ولو صار كذلك لما بقي الإنسان إنسانًا وعليه فكمال الإنسان يكون ببلوغه تمام الإنسانيّة المتناسبة مع تكوينه، ولن تصير الشجرة حجرًا ولا الحجر شجرة؛ وكلّ شيء يتحرك نحو غايته التي رُسمت له وهذا يشمل الجمادات بأنواعها فتكون حركته لأجل ذلك الكمال، فالحنطة تتحرك نحو السنبلة، وبذرة التفاح تتحرك نحو الشجرة، والنطفة تسير إلى الجنين وهكذا؛ من هنا لا تسير المخلوقات نحو نوع واحد من الكمال وإلّا لكانت كل المخلوقات نوعًا واحدًا بينما نجد أنها أنواع كثيرة في الوجود، وعليه يتنافى ذلك مع العدل الإلهي، ولا يكون من باب الحرمان، لأنه غير معدّ تكوينًا لذلك الكمال الذي للآخر، بل مقتضى العدل هو أن تسير الأشياء نحو كمالاتها اللائقة بها وفق تكوينها، لا أن تسير بالتساوي فيما بينها.

الشبهة الثانية: شبهة التفاوت بين الذكر والأنثى
أ. بيان الشبهة:

يوجد تفاوت بين الذكر والأنثى على مستوى الخصائص الجسميّة والفكريّة والنفسيّة، بحيث تجعل الرجل أفضل من المرأة، بما يؤدّي إلى خضوع المرأة له وتحمّل تبعات هذا التفاوت، في حين لو كانا متساويين في هذه الخصائص لانتفى بذلك التفاوت، وبالتالي الظلم والتعدّي والتسلّط الحاصل من القويّ على الضعيف!، فضلاً عن أنّ عدم المساواة بينهما يجافي العدل!

 

57


41

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ استقامة حياة الإنسان في عالم الدنيا وبلوغه إلى كماله ومبتغاه رهنٌ بوجود بيئة خاصّة تؤمّن له خروج استعداداته الكماليّة من حيّز القوّة إلى حيّز الفعليّة، ومن مقوّمات هذه البيئة وجود الجنسين: الذكر والأنثى،- من الإنسان-، اللذين يترتّب على أصل وجودهما استمرار النسل الإنسانيّ، وعلى اختلافهما في الخصائص اختباره وتكليفه، وبذلك تتحقّق بيئة التكامل.

2. إنّ الاختلاف في الخصائص الجسميّة والفكريّة والنفسيّة بين الذكر والأنثى لا يشكّل مانعاً أمام نيلهما الكمال الإنسانيّ المطلوب، فباب الكمال مشرَّع ومُتَاح أمام الاثنين على اختلافهما في الجنس، ولا يوجد تفاوت بينهما في الخصائص المقوّمة للوصول إلى الكمال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَٰكُم شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ ٱللَّهِ أَتقَىٰكُم إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾[1]، ﴿فَٱستَجَابَ لَهُم رَبُّهُم أَنِّي أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ بَعضُكُم مِّن بَعضٖ﴾[2].

3. يوجد خطأ منهجيّ في تحقيق العدل بالمساواة على نحو العموم، والصحيح أنّ بعض العدل يتحقّق في بعض المصاديق من خلال المساواة بين الأطراف، وفي بعضها الآخر لا يمكن تحقيق العدل بها، وتكون المساواة حينها ظلماً للأطراف، فطرح فكرة المساواة بين الرجل والمرأة -مثلاً- لا يستقيم مع نظام عالم الدنيا، وفيه ظلم لكلّ من الرجل والمرأة أنفسهما؛ لأنّ كلّ منهما قد كُلِّف بتكاليف متناسبة مع ما جُهِّز به في أصل خلقته الدنيويّة على المستوى الجسميّ والنفسيّ والفكريّ. والاختلال في الوظائف والتكاليف بما لا يتناسب مع القدرات والطاقات ظلم: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا لَهَا﴾[3]، ﴿لَا يُكَلِّفُ ُ نَفسًا مَآ ءَاتَىٰهَا﴾[4].

 

 


[1] سورة الحجرات، الآية 13.

[2] سورة آل عمران، الآية 195.

[3] سورة البقرة، الآية 286.

[4] سورة الطلاق، الآية 7.

 

58


42

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

الشبهة الثالثة: شبهة التفاوت بين أفراد الإنسان من حيث القبح والجمال
أ. بيان الشبهة:

وجود تفاوت بين أفراد الإنسان لجهة المظهر الخارجيّ، بين جميل وقبيح، هو بمثابة الداعي لتألّم القبيح من مظهره، وعُجُب الجميل وخيلائه بجماله، في حين لو كانا متساويين في هذه الخصائص لانتفى بذلك التفاوت؛ وبالتالي الآثار السلبيّة الناتجة عنه! فضلاً عن أنّ عدم المساواة بينهما يجافي العدل!

ب. نقاش الشبهة:

1. لقد ثبت في العلوم الفلسفيّة والطبيعيّة، ولا سيّما علم الهندسة الوراثيّة، أنّ هناك مجموعة من العوامل الدخيلة في تحديد المظهر الخارجيّ للإنسان، كاختيار الشريك، وطبيعة الغذاء، والحالة النفسيّة والروحيّة والجسميّة للزوجين...، التي من شأنها أن تؤثّر في تحديد طبيعة الشكل الخارجيّ للأجنّة، بحيث تنتقل الصفات والخصائص الجينيّة للآباء والأمّهات إلى الأولاد؛ وبالتالي فإنّ التفاوت بالمظهر الخارجيّ يرجع إلى مجموعة من العوامل الدخيلة في تحديده وبموجب نظام العلّيّة والسنخيّة لا بدّ من وجود التفاوت، تبعاً لتحقّق هذه العوامل أو عدم تحقّقها.

2. ورد في النصوص الدينيّة ذِكْر مجموعة من العوامل المؤثّرة في تحديد الشكل الخارجي للجنين، منها: «...ما ذكرت من أمر الرجل يشبه ولده أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتى أهله بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب استكنت تلك النطفة في تلك الرحم، فخرج الولد يشبه أباه وأمّه، وإنْ هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرحم، فوقعت على عرق من العروق، فإنْ وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإنْ وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله...»[1].

 

 


[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم، لا.ط، النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، 1385هـ.ق/ 1966م، ج1، ص94 ـ 97.

 

59


43

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

3. إنّ هذا الاختلاف والتفاوت في المظهر الخارجيّ بين أفراد الإنسان لا يشكّل مانعاً أمام وصولهم إلى كمالهم الإنسانيّ، فليس المظهر الخارجيّ بمقوِّم للكمال الإنسانيّ، حتى يكون الجميل حاصلاً على الكمال، والقبيح محروماً منه!.

الشبهة الرابعة: شبهة التفاوت بين أفراد الإنسان من حيث الغنى والفقر
أ. بيان الشبهة:

ينقسم الناس في المجتمع الإنسانيّ بلحاظ حالتهم المادّيّة إلى: فقير، وميسور، وغنيّ، وكلّ منهم على درجات في الفقر واليسر والغنى، وهذا التفاوت والاختلاف ينشأ عنه آثار سلبيّة، لجهة استكبار الغنيّ واستبداداه، وحصول الألم والكآبة واليأس والمقت لدى الفقير، فلو كان جميع الناس متساويين في الحالة المادّيّة، لانتفت بذلك تلك الآثار السلبيّة! فضلاً عن أنّ عدم المساواة بين الغني والفقير يجافي العدل!

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ ما نجده من تفاوت بين الناس في حالتهم المادّيّة يرجع إلى عوامل عدّة دخيلة في حصول الغنى والثروة أو الفقر والاحتياج، وذلك بموجب نظام العلّيّة الجاري في عالم الدنيا. ومن هذه العوامل: السلوك الفكريّ والعمليّ للفرد، لجهة الصلاح والفساد، أو لجهة الذكاء والفطنة والتدبير والتهوّر، أو لجهة النشاط والجهد والكسل والخمول...، وسلوك الآخرين تجاهه سلبيّاً أم إيجابيّاً، لجهة تقديم الدعم والعون والمساعدة له، أو لجهة ظلمه والاعتداء عليه، ووضع بيئته الطبيعيّة، لجهة خصوبتها وغناها بالثروات أو فقرها وتصحّرها: وغيرها من العوامل التي تتسبّب في حصول الغنى أو الفقر لدى الناس.

2. إنّ الدنيا محكومة بسنّة الامتحان والاختبار، ولا يمكن تحقّق بيئة الامتحان والاختبار إلا من خلال وجود تفاوت بين الناس، منها: تفاوتهم في الغنى والفقر...، فيمتحن الغني بماله فيما اكتسبه وفيما يؤدّيه: «إنّ الله -عزّ وجل- يقول: إنّي لم

 

60


44

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

أغنِ الغنيّ لكرامة به عليّ، ولم أفقر الفقير لهوان به عليّ، وهو ممّا ابتليت به الأغنياء بالفقراء، ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنّة!»[1].

3. قد يكون من صلاح حال الإنسان أن يكون فقيراً، وقد يكون من صلاح حاله أن يكون غنيّاً: «إنّ عبادي مَنْ لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لكفر، وإنّ من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغنيته لكفر، وإنّ من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصححته لكفر، وإنّ من عبادي من لا يصلح إلا بالصحة، ولو أسقمته لكفر!»[2].

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص265.

[2]  المتّقي الهندي، علي المتقي بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير بكري حياني، تصحيح وفهرسة صفوة السقا، لا.ط، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م، ج15، ص863-862.

 

61


45

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

المفاهيم الرئيسة

طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الأفعال الإلهيّة، منها: التفاوت في خلق الجماد والنبات والحيوان والإنسان، والتفاوت والتمايز بين الذكر والأنثى، والتفاوت والتمايز بين أفراد الإنسان من حيث القبح والجمال، والتفاوت والتمايز بين أفراد الإنسان من حيث الغنى والفقر...
منشأ هذه الشبهات الجهل بحقائق الأشياء والعلاقات القائمة بينها في النظام الكوني، وقد قام الدليل من العقل والنقل على ضرورة وجود هذا التفاوت والتمايز، بلحاظ نظام العلّيّة الحاكم في الكون، وبلحاظ الأصلح والأنفع للخلق.

تقييم

1. هل وجود التفاوت في خلق الجماد والنبات والحيوان والإنسان يستلزم عدم عدله -تعالى-؟ ولماذا؟

2. هل وجود التفاوت بين الذكر والأنثى يستلزم عدم عدله -تعالى-؟ ولماذا؟

3. هل وجود التفاوت بين أفراد الإنسان من حيث القبح والجمال أو من حيث الغنى والفقر يستلزم عدم عدله -تعالى-؟ ولماذا؟

 

 

62

 


46

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

اقرأ

من مظاهر عدله -تعالى- في فعله

من خطبة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يصف فيها بعضاً من مظاهر عدله -تعالى- في فعله: «...خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض، فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصّنها من الأود والاعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج، وأرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخدّ أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كلّ شيء منها بجلاله وعزّته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه، خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضرّه، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه، هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، وكيف لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها، وما كان من مراحها وسائمها، وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتبلدة أممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنّها مقهورة مقرّة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها، وإنّ الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه، كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شيء إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الأمور، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على الامتناع دام بقاؤها،

 

63


47

الدرس الخامس: شبهات حول الأفعال الإلهيّة

لم يتكاءده صنع شيء منها إذ صنعه، ولم يؤده منها خلق ما خلقه وبرأه، ولم يكوّنها لتشديد سلطان، ولا خوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على ندّ مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضدّ مثاو، ولا للازدياد بها في ملكه، ولا لمكاثرة شريك في شركه، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها، ثمّ هو يفنيها بعد تكوينها، لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها، ولا لراحة واصلة إليه، ولا لثقل شيء منها عليه، لم يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها، لكنّه سبحانه دبّرها بلطفه، وأمسكها بأمره، وأتقنها بقدرته، ثمّ يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا استعانة بشيء منها عليها، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استئناس، ولا من حال جهل وعمى إلى حال علم والتماس، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة، ولا من ذلّ وضعة إلى عزّ وقدرة»[1].

 

 


[1] الشريف الرضي، محمد بن الحسين، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر؛ مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، الخطبة 186، ص126-123.

 

64


48

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

1. يعرف الخصائص التي تتميّز بها النبوّة والرسالة الإلهيّة.

2. يحلّل الشبهتين القائلتين بأن:

أ. الاتصال بالغيب لا ينسجم مع طبيعة الحياة البشريّة المادّية.

ب. ختم النبوة ينتفي معه مقتضى القول بضرورة النبوّة (الاتصال بالغيب).

3. يثبت بطلان الشبهتين السابقتين مدعماً قوله بالأدلة والشواهد.

 

65


49

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

تمهيد

ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال للزنديق الذي سأله: من أين أثبتَّ الأنبياء والرسل؟ قال: «إنّه لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم...»[1].

كيف تثبت الأنبياء والرسل في ضوء جواب الإمام الصادق (عليه السلام)؟

خصائص النبوّة والرسالة

النبوّة حالة إلهيّة غيبيّة في بعض البشر (وهم الأنبياء (عليهم السلام)) يدرك من خلالها المعارف التي ترفع الاختلاف والتناقض الحاصل في الحياة الإنسانيّة. وهذا الإدراك والتلقّي من الغيب هو المسمّى في لسان القرآن بالوحي، والحالة التي يتّخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوّة. ومعنى النبي هو حامل النبأ. وأمّا معنى الرسول فهو حامل الرسالة، فالنبي هو الذي يبيّن للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص168.

 

67


50

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

فِيهِ﴾[1]، وأمّا الرسول فهو الحامل لرسالة خاصّة مشتملة على إتمام حجّة يستتبع مخالفته هلاكاً أو عذاباً أو نحو ذلك: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُ بَعدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا﴾[2]، ﴿وَمَا كُنَّا نَبعَثَ ﴾[3]، فللرسول شرف الطاعة بين الله -سبحانه- وبين خلقه، وللنبي شرف العلم بالله وبما عنده[4].

وقد بيّن القرآن الكريم جملة من الخصائص التي يتميّز بها مقام النبوّة والرسالة الإلهيّة والتي يحكم بها العقل ومضت عليها السنّة الشريفة، وهي:

1. النبوّة والرسالة جعل إلهيّ: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَينَٰهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحُكمَ وَٱلنُّبُوَّةَ﴾[5]، ﴿وَلَقَد أَرسَلنَا نُوحٗا وَإِبرَٰهِيمَ وَجَعَلنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلكِتَٰبَ﴾[6].

2. العصمة عن المعصية: ﴿وَكُلّٗا فَضَّلنَا عَلَى ٱلعَٰلَمِينَ ٨٦ وَمِن ءَابَآئِهِم وَذُرِّيَّٰتِهِم وَإِخوَٰنِهِم وَٱجتَبَينَٰهُم وَهَدَينَٰهُم إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٖ ٨٧ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِن عِبَادِهِۦ وَلَو أَشرَكُواْ لَحَبِطَ عَنهُم مَّا كَانُواْ يَعمَلُونَ﴾[7]، ﴿إِنَّآ أَخلَصنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكرَى ٱلدَّارِ ٤٦ وَإِنَّهُم عِندَنَا لَمِنَ ٱلمُصطَفَينَ ٱلأَخيَارِ﴾[8]، والعصمة في تبليغ الرسالة: ﴿عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦٓ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِۦ رَصَدٗا ٢٧ لِّيَعلَمَ أَن قَد أَبلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِم وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيهِم وَأَحصَىٰ كُلَّ شَيءٍ عَدَدَا﴾[9]، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰٓ ٣ إِن هُوَ

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 213.

[2] سورة النساء، الآية 165.

[3] سورة الإسراء، الآية 15.

[4] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص131 - 140-139، 148-147؛ ج14، ص391 - 392.

[5] سورة الأنعام، الآية 89.

[6] سورة الحديد، الآية 26.

[7] سورة الأنعام، الآيات 88-86.

[8] سورة ص، الآيتان 47-46.

[9] سورة الجن، الآيات 28-26.

 

68


51

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

إِلَّا وَحيٞ يُوحَىٰ﴾[1]، والعصمة في تطبيق الشريعة والشؤون الفرديّة والاجتماعيّة، بمقتضى وثوق الناس بهم وإتمام الحجّة عليهم: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُ بَعدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا﴾[2].

3. التنزّه عن المنفّرات في الخِلْقَة والخُلُق والنسب وغيرها: وهو مقتضى وثوق الناس بهم وانجذابهم إلى دعوتهم الإلهيّة وإتمام الحجّة على الناس: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُ بَعدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا﴾[3]، وقد بيّن القرآن نماذج من علوّ مكارم أنبيائه (عليهم السلام) ورسله(عليهم السلام) وسجاياهم: ﴿ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِن هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ﴾[4]، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾[5].

4. العلم بالمعارف والأحكام الإلهيّة: ﴿أَم يَحسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضلِهِۦ فَقَد ءَاتَينَآ ءَالَ إِبرَٰهِيمَ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَءَاتَينَٰهُم مُّلكًا عَظِيمٗا﴾[6]، ﴿وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُن تَعلَمُ وَكَانَ فَضلُ ٱللَّهِ عَلَيكَ عَظِيمٗا﴾[7].

5. الكفاءة في القيادة: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلمُلكَ وَٱلحِكمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُ﴾[8]، ﴿وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُم رَسُولَ لَو يُطِيعُكُم فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلأَمرِ لَعَنِتُّم﴾[9].

 

 


[1] سورة النجم، الآيتان 4-3.

[2] سورة النساء، الآية 165.

[3] السورة والأية نفسها.

[4]  سورة يوسف، الآية 31.

[5] سورة القلم، الآية 4.

[6] سورة النساء، الآية 54.

[7]  السورة نفسها، الآية 113.

[8] سورة البقرة، الآية 251.

[9] سورة الحجرات، الآية 7.

 

69


52

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

شبهات حول النبوّة ونقاشها

وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول النبوّة العامّة والخاصّة،- قديماً وحديثاً-، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة أن الاتّصال بالغيب لا ينسجم مع طبيعة الحياة البشريّة المادّيّة
أ. بيان الشبهة:

الاتّصال بالغيب مختصّ بالملائكة، ولا يتناسب مع الحياة البشريّة؛ إذ لو تحقّق في واحد من البشر، لتحقّق في غيره؛ لاشتراكهم في الخصائص البشريّة! وقد وردت هذه الشبهة على لسان المنكرين للنبوّة، كما يخبرنا القرآن الكريم: ﴿مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثلُكُم يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيكُم وَلَو شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ ٢٤ إِن هُوَ إِلَّا رَجُلُ بِهِۦ جِنَّةٞ فَتَرَبَّصُواْ بِهِۦ حَتَّىٰ حِينٖ﴾[1]، ﴿وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمشِي فِي ٱلأَسوَاقِ لَولَآ أُنزِلَ إِلَيهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا ٧ أَو يُلقَىٰٓ إِلَيهِ كَنزٌ أَو تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةٞ يَأكُلُ مِنهَا وَقَالَ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسحُورًا﴾[2]، ﴿وَقَالُواْ أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٞ﴾[3].

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ للإنسان بُعدين: بُعد مادّيّ ترابيّ، وهو الجسد، وبُعد معنويّ ملكوتيّ، وهو الروح: ﴿ٱلَّذِيٓ أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُۥ وَبَدَأَ خَلقَ ٱلإِنسَٰنِ مِن طِينٖ ٧ ثُمَّ جَعَلَ نَسلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ ٨ ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ﴾[4]، وبه يحصل الاتّصال بعالم الغيب: ﴿وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلمُنذِرِينَ﴾[5].

 

 


[1] سورة المؤمنون، الآيتان 25-24.

[2] سورة الفرقان، الآيتان 8-7.

[3] سورة الأنعام، الآية 8.

[4] سورة السجدة، الآيات 8-7.

[5] سورة الشعراء، الآيات 194-192.

 

70


53

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

2. إنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت إرسال الرسول من سنخ البشر، لجهة حفظ خصوصيّة اختيار الإنسان في تحديد موقفه وسلوكه من الدعوة الدينية الإلهيّة النازلة إليه عبر الوحي في بيئة التكليف والامتحان (عالم الدنيا)، حتّى ينال كماله المطلوب عن إرادة واختيار منه. فلو أُنزِل الملك على صورته السماويّة، وتبدّل عالم الغيب شهادة بالنسبة للإنسان، كان الأمر حينها من الإلجاء الذي لا تستقيم معه الدعوة الاختياريّة؛ إذ لا يملك عندها للإنسان إلا الإيمان!، ولو أُنزل الملك على الناس بالرسالة بصورته الحقيقيّة الملكوتيّة لم ينفعهم ذلك في رفع اختلافهم وحيرتهم؛ لأنّ الله جاعل الملك عندئذ رجلاً يماثل الرسول في حقيقته البشريّة، حتى يشهدوه ويفهموا كلامه ويأخذوا تعاليم الدين منه؛ فيرتفع بذلك اختلافهم وحيرتهم![1]: ﴿وَقَالُواْ أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٞ وَلَو أَنزَلنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلأَمرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ٨ وَلَو جَعَلنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسنَا عَلَيهِم مَّا يَلبِسُونَ﴾[2].

 

الشبهة الثانية: شبهة انتفاء مقتضى القول بضرورة النبوّة (الاتّصال بالغيب) بفعل ختم النبوّة
أ. بيان الشبهة:

إذا كانت النبوّة اتّصالاً بالغيب، بهدف هداية الناس إلى كمالهم؛ فلماذا حرمت البشريّة من النبوّة والرسالة بعد النبي محمد(صلى الله عليه وآله)؟!

ب. نقاش الشبهة:

إنّ انقطاع النبوّة التشريعيّة (أي الرسالة)، إنّما هو بفعل نزول أكمل الرسالات الإلهيّة وأتمّها إلى الناس: ﴿ٱليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ

 

 


[1] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج7، ص23.

[2] سورة الأنعام، الآيتان 9-8.

 

74


54

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

2. إنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت إرسال الرسول من سنخ البشر، لجهة حفظ خصوصيّة اختيار الإنسان في تحديد موقفه وسلوكه من الدعوة الدينية الإلهيّة النازلة إليه عبر الوحي في بيئة التكليف والامتحان (عالم الدنيا)، حتّى ينال كماله المطلوب عن إرادة واختيار منه. فلو أُنزِل الملك على صورته السماويّة، وتبدّل عالم الغيب شهادة بالنسبة للإنسان، كان الأمر حينها من الإلجاء الذي لا تستقيم معه الدعوة الاختياريّة؛ إذ لا يملك عندها للإنسان إلا الإيمان!، ولو أُنزل الملك على الناس بالرسالة بصورته الحقيقيّة الملكوتيّة لم ينفعهم ذلك في رفع اختلافهم وحيرتهم؛ لأنّ الله جاعل الملك عندئذ رجلاً يماثل الرسول في حقيقته البشريّة، حتى يشهدوه ويفهموا كلامه ويأخذوا تعاليم الدين منه؛ فيرتفع بذلك اختلافهم وحيرتهم![1]: ﴿وَقَالُواْ أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٞ وَلَو أَنزَلنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلأَمرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ٨ وَلَو جَعَلنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسنَا عَلَيهِم مَّا يَلبِسُونَ﴾[2].

الشبهة الثانية: شبهة انتفاء مقتضى القول بضرورة النبوّة (الاتّصال بالغيب) بفعل ختم النبوّة
أ. بيان الشبهة:

إذا كانت النبوّة اتّصالاً بالغيب، بهدف هداية الناس إلى كمالهم؛ فلماذا حرمت البشريّة من النبوّة والرسالة بعد النبي محمد(صلى الله عليه وآله)؟!

ب. نقاش الشبهة:

إنّ انقطاع النبوّة التشريعيّة (أي الرسالة)، إنّما هو بفعل نزول أكمل الرسالات الإلهيّة وأتمّها إلى الناس: ﴿ٱليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ

 

 


[1] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج7، ص23.

[2] سورة الأنعام، الآيتان 9-8.

 

71


55

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

لَكُمُ ٱلإِسلَٰمَ دِينٗا﴾[1]، ﴿وَمَن يَبتَغِ ٱلإِسلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ﴾[2]، فلا حاجة للناس بعد إلى النبوّة التشريعيّة.

وأمّا دور النبوّة التبليغيّ، بمعنى إيضاح تعاليم الدين للناس وتطبيقاته الحقّة، فالنبوّة؛ وإن انقطعت وأوصد بابها، إلّا أنّ الله -تعالى- فتح باب الإمامة التي تتابع دور النبوّة؛ لجهة التبليغ وإراءة طريق الهداية، وتستكمله بالأخذ بيد الناس في تطبيق الدين وإيصالهم إلى التحقّق به: ﴿وَجَعَلنَٰهُم أَئِمَّةٗ يَهدُونَ بِأَمرِنَا وَأَوحَينَآ إِلَيهِم فِعلَ ٱلخَيرَٰتِ﴾ ﴿وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةٗ يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ﴾[3]، فالإمامة ليست مطلق الهداية، بل هي الهداية التي تقع بأمر الله، وهذا الأمر هو الذي بيّنت حقيقته في قوله -تعالى-: ﴿إِنَّمَآ أَمرُهُۥ إِذَآ أَرَادَ شَي‍ًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٖ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ﴾[4]، فالأئمّة (عليهم السلام) يهدون الناس بمصاحبة أمر إلهي ملكوتي هو الوجه الآخر للخلق، يواجهون به الله سبحانه، طاهر مطهّر من قيود الزمان والمكان، خال من التغيّر والتبدّل...، والإمام (عليه السلام) لا يخلو عنه زمان من الأزمنة، وعصر من الأعصار. ومقام الإمامة، على شرافته وعظمته، لا يقوم إلّا بمن كان سعيد الذات بنفسه، إذ الذي ربّما تلبّس ذاته بالظلم والشقاء، فإنّما سعادته بهداية من غيره:
﴿أَفَمَن يَهدِيٓ إِلَى ٱلحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهدَىٰ﴾[5]، فالإمام (عليه السلام) معصوم عن الضلال والمعصية، وإلّا كان غير مهتد بنفسه، وأفعاله خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره، بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي، وتسديد ربّاني[6].

 

 


[1] سورة المائدة، الآية 3.

[2] سورة آل عمران، الآية 85.

[3] سورة السجدة، الآية 24.

[4] سورة يس، الآيتان 83-82.

[5] سورة يونس، الآية 35.

[6] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص274-272.

 

72


56

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

المفاهيم الرئيسة

النبوّة حالة إلهيّة غيبيّة يدرك من خلالها الإنسان المعارف التي بها يرتفع الاختلاف والتناقض في الحياة الإنسانيّة. وهذا الإدراك والتلقّي من الغيب هو المسمّى في لسان القرآن بالوحي، والحالة التي يتّخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوّة.
من الخصائص التي يتميّز بها مقام النبوّة والرسالة الإلهيّة أنّه: جعل إلهيّ، العصمة عن المعصية، التنزّه عن المنفّرات في الخِلْقَة والخُلُق والنسب وغيرها، العلم بالمعارف والأحكام الإلهيّة، الكفاءة في القيادة.

تقييم

1. ما هي خصائص النبوّة والرسالة في القرآن الكريم؟

2. هل الاتّصال بالغيب لا ينسجم مع طبيعة الحياة البشريّة المادّيّة ولا يوجد دليل عليه؟ ولماذا؟

3. إذا كانت النبوّة اتّصالاً بالغيب، بهدف هداية الناس إلى كمالهم؛ فلماذا حرمت البشريّة من النبوّة والرسالة بعد النبي محمد(صلى الله عليه وآله)؟!

 

73


57

الدرس السادس: شبهات حول النبوّة (1)

اقرأ

فلسفة النبوّة والرسالة في السنّة الشريفة

وردت في السنّة الشريفة مجموعة من الروايات التي تبيّن فلسفة إرسال الأنبياء والرسل، منها:

ما روي عن الإمام علي(عليه السلام): «واصطفى سبحانه من ولده (أي وِلْد آدم (عليه السلام)) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقّه، واتّخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدّوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسي نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم الآيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم. ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجّة لازمة، أو محجّة قائمة، رسل لا تقصر بهم قلّة عددهم، ولا كثرة المكذّبين لهم، من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله، على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء، إلى أن بعث الله سبحانه محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإنجاز عدته، وتمام نبوّته، مأخوذاً على النبيّين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده. وأهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطوائف متشتّتة، بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة»[1].

 


[1] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج1، الخطبة1، ص25-23.

 

74


58

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

1. يتعرّف إلى خصائص الوحي الإلهيّ.

2. يحلّل الشبهتين الآتيتين، وهما:

أ. شبهة الوحي النفسيّ للنبيّ(صلى الله عليه وآله).

ب. شبهة استحالة الاتّصال بين البشر وعالم الغيب.

3. يردّ على الشبهتين السابقتين مستفيداً من أبرز الأدلة النقليّة والعقليّة.

 

75


59

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

تمهيد

قال -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحيًا أَو مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذنِهِۦ مَا يَشَآءُ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ﴾[1].

استخرج طرق التكليم الإلهي للبشر بالاستناد إلى الآية الكريمة؟

معنى الوحي وخصائصه

الوحي في اللغة هو: «الإعلام السريع الخفيّ، سواء أكان بإيماءة أم بهمسة أم بكتابة في سرّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك في سرعة خاطفة حتى فَهِمه فهو وحيٌ»[2].

وأمّا في الاصطلاح، فهو: إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قُصِدَ إفهامه. وقد استخدم القرآن الكريم كلمة الوحي ومشتقاتها بمعانٍ مختلفة في موارد عدّة: في حقّ الجماد، والنبات، والحيوان، والجنّ، والإنس، والملائكة، ولكنّ غالبيّة هذه الموارد كان في حقّ الأنبياء (عليهم السلام)، والرسل(عليهم السلام) (في أكثر من ستّين موضعاً)[3] ، وقد قرّر الأدب الدينيّ في الإسلام أنْ لا يُطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل (عليهم السلام) من التكليم الإلهيّ[4].

 

 


[1] سورة الشورى، الآية 51.

[2] انظر: ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، طهران، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1404هـ.ق، ج6، مادّة «وحى»، ص93؛ الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، ط2، قم المقدّسة، طليعة النور؛ مطبعة سليمانزاده، 1427هـ.ق، مادّة «وحى»، ص858.

[3] انظر: روحاني، محمود، المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ط1، مشهد المقدّسة، مؤسّسة الآستانة الرضويّة المقدّسة، 1372هـ.ق/ 1987م، ج1، ص571.

[4] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج12، ص492.

 

77


60

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

وظاهرة الوحي من مختصّات مقام النبوّة، ولم يكن النبيّ محمَّد(صلى الله عليه وآله) بِدعاً من الأنبياء (عليهم السلام) في هذا الاختصاص النبويّ، ولا أوَّل مَن خاطب الناس باسم الوحي السماوي: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَن أَوحَينَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنهُم أَن أَنذِرِ ٱلنَّاسَ﴾[1]. ودفعاً لهذا الاستنكار الغريب، قال -تعالى-: ﴿إِنَّآ أَوحَينَآ إِلَيكَ كَمَآ أَوحَينَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مِن بَعدِهِۦ﴾[2].

ويتحقّق الوحي النبوي على أنحاء ثلاثة، أوردها القرآن الكريم بقوله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحيًا أَو مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذنِهِۦ مَا يَشَآءُ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ﴾[3]، وبيانها:

1. النحو الأول: الإلقاء في قلب النبي(عليه السلام) مباشرة -من دون واسطة-، ومنه: ما رواه زرارة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث سأله عن الغشية التي تصيب النبي (صلى الله عليه وآله) إذا نزل عليه الوحي؟ حيث قال(عليه السلام): «ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذلك إذا تجلّى الله له»[4].

2. النحو الثاني: تكليم النبي(عليه السلام) من وراء حجاب، ومنه قوله -تعالى-: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكلِيمٗا﴾[5]، وقوله -تعالى-: ﴿فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ مِن شَٰطِيِٕ ٱلوَادِ ٱلأَيمَنِ فِي ٱلبُقعَةِ ٱلمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّيٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾[6].

3. النحو الثالث: إرسال مَلَك ليكون واسطة في إيصال الوحي للنبي(عليه السلام)، ومنه قوله -تعالى-: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوحَينَآ إِلَيكَ رُوحٗا مِّن أَمرِنَا﴾[7]، وقوله -تعالى-: ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلبِكَ﴾[8].

 

 


[1]  سورة يونس، الآية 2.

[2] سورة النساء، الآيات 167-163.

[3]  سورة الشورى، الآية 51.

[4]  الشيخ الصدوق، التوحيد، مصدر سابق، ص115.

[5] سورة النساء، الآية 164.

[6] سورة القصص، الآية 30.

[7] سورة الشورى، الآية 52.

[8] سورة الشعراء، الآيتان 194-193.

 

78


61

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

ويقسّم الوحي النبويّ إلى قسمين رئيسين، هما:

1. الوحي المباشر: وهو أصعب أنواع الوحي، وفيه يتّصل النبي(عليه السلام) بكلّ وجوده بالله تعالى من دون توسّط أيّ واسطة. ويحصل ذلك عندما تتهيّأ نفس النبي(عليه السلام)، ويصبح لديه القابلية لهذا الاتّصال المباشر. وقد ورد في الأحاديث المروية عن أهل البيت(عليهم السلام) توصيفاً لثقل هذا الوحي، ومن هذه الأحاديث:

ما روي أنّ الحرث بن هشام سأل النبي(صلى الله عليه وآله): كيف كان ينزل عليك الوحي؟ قال(صلى الله عليه وآله): «أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّ علي، فيفصم عنّي، وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثّل المَلَكُ رجلاً، فيكلّمني، فأعي ما يقول»[1].
ما روي أنّه(صلى الله عليه وآله) كان إذا نزل عليه الوحي يُسمَع عند وجهه دويّ كدويّ النحل، وأنّه(صلى الله عليه وآله) كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وأنّ جبينه لينفصد عرقاً، وأنّه كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك، ويربد وجهه، ونكس رأسه، ونكس أصحابه رؤسهم منه. ومنه يقال: برحاء الوحي؛ أي شدّة ثقل الوحي[2].

2. الوحي غير المباشر: وفيه يتلقّى النبي(عليه السلام) الوحي عبر واسطة تكون صلة وصل بينه وبين الله -تعالى-، كما في الوحي النازل بواسطة المنام والرؤيا، ومنه: قوله -تعالى- -حكاية عن لسان نبيّه إبراهيم(عليه السلام)-: ﴿يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلمَنَامِ أَنِّيٓ أَذبَحُكَ﴾[3]، وكما في تكليم الله -تعالى- لنبيّه موسى(عليه السلام): ﴿وَنَٰدَينَٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيمَنِ وَقَرَّبنَٰهُ نَجِيّٗا﴾[4]، وكما في الوحي النازل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بواسطة جبرائيل: ﴿وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلبِكَ﴾[5].

 

 


[1] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب(عليهم السلام)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، لا.ط، النجف الأشرف، المطبعة الحيدريّة، 1376هـ.ق/ 1956م، ج1، ص41.

[2]  انظر: ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب(عليه السلام)، مصدر سابق، ج1، ص41.

[3]  سورة الصافات، الآية 102.

[4] سورة مريم، الآية 52.

[5] سورة الشعراء، الآيات 194-192.

 

79


62

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

ويستفاد من بعض الروايات أنّ أمر هذا الوحي لم يكنْ ثقيلاً على النبي(صلى الله عليه وآله)، بخلاف الوحي المباشر، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنَّ جبرائيل كان إذا أتى النبي(صلى الله عليه وآله) لم يدخل حتّى يستأذنه، وإذا دخل عليه قعدَ بين يديه قعدة العبد»[1].

شبهات حول النبوّة ونقاشها

وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الوحي،- نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة الوحي النفسيّ للنبيّ(صلى الله عليه وآله)
أ. بيان الشبهة:

بدأت جذور هذه الشبهة في عصر نزول القرآن، حيث نفى كفّار قريش ومشركوها الوحي السماويّ المدّعى من قِبَل النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، وزعموا أنّه مجرّد اختلاق ووهم من نسج خياله: ﴿بَل قَالُوٓاْ أَضغَٰثُ أَحلَٰمِ بَلِ ٱفتَرَىٰهُ بَل هُوَ شَاعِرٞ فَليَأتِنَا بِ‍َٔايَةٖ كَمَآ أُرسِلَ ٱلأَوَّلُونَ﴾[2]، ثمّ طُرِحَت هذه الشبهة لاحقاً بمقاربة وصياغة جديدة، تحت عنوان: الوحي النفسيّ، من قِبَل الذين أنكروا وجود عالم الغيب، وكذلك الاتّصال المدّعى من قِبَل الأنبياء بهذا العالم، فذهبوا إلى أنّ ما يراه مدّعي النبوّة من معانٍ وأفكار حاضرة في أذهانهم هي نتيجة نبوغهم وتفكيرهم العميق بمشاكل الإنسان والمجتمع وحملهم همّ نشر الفضيلة والعدالة بين الناس، فتنقدح نتيجة ذلك الحلول في أذهانهم، فيظنّون أنّها تُلقَى عليهم من خارج أنفسهم عبر ما يسمّونه الوحي السماويّ أو الغيبيّ!

ب. أجوبة الشبهة:

1. قامت الأدلّة العقليّة والقرائن والشواهد التاريخيّة القطعيّة على إثبات صدق النبي(صلى الله عليه وآله) في دعواه الاتّصال بالغيب من خلال الوحي، كإتيانه بالمعاجز التي

 

 


[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، لا.ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، 1405هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص86-85.

[2]  سورة الأنبياء، الآية 5.

 

80


63

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

تحدّى بها الناس وعجزوا عن الإتيان بمثلها، وأبرزها القرآن الكريم: ﴿قُل لَّئِنِ ٱجتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأتُواْ بِمِثلِ هَٰذَا ٱلقُرءَانِ لَا يَأتُونَ بِمِثلِهِۦ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٖ ظَهِيرٗا﴾[1]، ﴿أَم يَقُولُونَ ٱفتَرَىٰهُ قُل فَأتُواْ بِسُورَةٖ مِّثلِهِۦ وَٱدعُواْ مَنِ ٱستَطَعتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُم صَٰدِقِينَ﴾[2]، ﴿أَم يَقُولُونَ ٱفتَرَىٰهُ قُل فَأتُواْ بِعَشرِ سُوَرٖ مِّثلِهِۦ مُفتَرَيَٰتٖ وَٱدعُواْ مَنِ ٱستَطَعتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُم صَٰدِقِينَ﴾[3]، وإخبار الأنبياء (عليهم السلام) والرسل (عليهم السلام) والرسالات السابقة وتبشيرها به(صلى الله عليه وآله): ﴿وَإِذ قَالَ عِيسَى ٱبنُ مَريَمَ يَٰبَنِيٓ إِسرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّورَىٰةِ وَمُبَشِّرَا بِرَسُولٖ يَأتِي مِن بَعدِي ٱسمُهُۥٓ أَحمَدُ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحرٞ مُّبِينٞ﴾[4]، وسيرته(صلى الله عليه وآله) التي اتّصفت بالصلاح والصدق والأمانة والحكمة...، قبل دعواه الاتّصال بالغيب وبعدها، وصبره وتحمّله الأذى الذي لحقه من الدعوة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾[5]، وكذلك سيرة المتّبعين له التي اتّسمت بالصدق والصلاح والتضحية...

2. تختلف العبقريّة عن النبوّة في جملة من الأمور، منها: أنّ العبقريّة تحتاج إلى التعليم والتدريب والممارسة، بخلاف النبوّة التي يتلقى فيها النبي (عليه السلام) الحقائق بالوحي الإلهيّ، وأنّ العباقرة لا يتحدّون الناس في ما يأتون، بخلاف الأنبياء (عليهم السلام) الذين يقدّمون المعاجز للناس ويتحدّونهم في الإتيان بمثلها؛ لإثبات صدقهم في دعوى الاتّصال بالغيب.

 

 


[1] سورة الإسراء، الآية 88.

[2] سورة يونس، الآية 38.

[3] سورة هود، الآية 13.

[4] سورة الصفّ، الآية 6.

[5] سورة القلم، الآية 4.

 

81


64

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

الشبهة الثانية: شبهة استحالة اتّصال البشر بعالم الغيب


أ. بيان الشبهة:

الوحي عبارة عن إلهامات روحيّة تنبعث من داخل نفس النبي(صلى الله عليه وآله)، وليس وارداً عليه من الله -تعالى-؛ لاستحالة الاتّصال بين الله -تعالى- المطلق المجرّد والإنسان المحدود المادّيّ؛ لاستلزامه تحديد الله -عزّ وجل- وتحيّزه![1].

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ عدم فهْم حقيقة الاتّصال الروحيّ الخفيّ بين المَلأ الأعلى وجانب الإنسان الروحي لا يعني إنكار هذا الاتّصال، فالإنسان يتلقّى بروحه إفاضات تأتيه من ملَكوت السماء، وإشراقات نورية تشعّ على نفسه من عالَم وراء هذا العالم المادّي، وليس في ذلك اتّصالاً أو تقارباً مكانيّاً؛ لكي يستلزم تحيّزاً في جانبه تعالى. ولعلّ منشأ هذه الشبهة قياسهم أمور ذاك العالم غير المادّي بمقاييس تخصّ العالم المادّيّ.

2. ورد في النصوص الدينيّة إشارات إلى أنّ نزول الوحي لم يكنْ محصوراً بعدد قليل ونادر جدّاً من البشر: ﴿إِنَّآ أَوحَينَآ إِلَيكَ كَمَآ أَوحَينَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مِن بَعدِهِۦ وَأَوحَينَآ إِلَىٰٓ إِبرَٰهِيمَ وَإِسمَٰعِيلَ وَإِسحَٰقَ وَيَعقُوبَ وَٱلأَسبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيمَٰنَ وَءَاتَينَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا ١٦٣ وَرُسُلٗا قَد قَصَصنَٰهُم عَلَيكَ مِن قَبلُ وَرُسُلٗا لَّم نَقصُصهُم عَلَيكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكلِيمٗا﴾[2]، بل إنّ عدد الأنبياء (عليهم السلام) قد بلغ -على ما ورد في بعض الروايات- مائة وأربعة وعشرون ألف نبيّ؛ وكلّهم من الأشخاص الكمَّل عقلاً وحكمةَ، على شهادة لهم بذلك من قِبَل أقوامهم، فهل يُعقل خطؤهم جميعهم في مصدر الوحي النازل عليهم؟![3].

 

 


[1] انظر: معرفة، الشيخ هادي، التمهيد في علوم القرآن، ط3، قم المقدّسة، مؤسّسة التمهيد؛ مطبعة ستاره، 1432هـ.ق/ 2011م، ج1، ص93-91.

[2] سورة النساء، الآيات 165-163.

[3] انظر: الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص524؛ المفيد، الشيخ محمد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق علي أكبر الغفاري؛ محمود الزرندي، ط2، بيروت، دار المفيد، 1414هـ.ق/ 1993م، ص264.

 

82


65

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

المفاهيم الرئيسة

الوحي من مختصّات مقام النبوّة، ولم يكن النبيّ محمَّد(صلى الله عليه وآله) بِدعاً من الأنبياء(عليهم السلام) في هذا الاختصاص النبويّ، ولا أوَّل مَن خاطب الناس باسم الوحي السماوي.
يتحقّق الوحي النبوي على أنحاء ثلاثة: الإلقاء في قلب النبي(عليه السلام) مباشرة ومن دون واسطة، وتكليم النبي(عليه السلام) من وراء حجاب، وإرسال مَلَك ليكون واسطة في إيصال الوحي للنبي(عليه السلام).
طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الوحي منها: الوحي النفسيّ للنبيّ، واستحالة اتّصال البشر بعالم الغيب. ومنشأ هذه الشبهات الجهل بحقيقة الوحي وحقيقة الوجود الإنسانيّ.

تقييم

1. بين مفهوم الوحي وخصائصه وأنحاءه وأقسامه.

2. هل يستحيل اتّصال البشر بعالم الغيب من خلال الوحي؟ ولماذا؟

 

83


66

الدرس السابع: شبهات حول النبوّة(2)

اقرأ

طرق إثبات الأنبياء والرسل(عليهم السلام)

عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) أَنَّه قَالَ لِلزِّنْدِيقِ الَّذِي سَأَلَه مِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ الأَنْبِيَاءَ والرُّسُلَ: «قَالَ إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً صَانِعاً مُتَعَالِياً عَنَّا وعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وكَانَ ذَلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاهِدَه خَلْقُه ولَا يُلَامِسُوه فَيُبَاشِرَهُمْ ويُبَاشِرُوه ويُحَاجَّهُمْ ويُحَاجُّوه، ثَبَتَ أَنَّ لَه سُفَرَاءَ فِي خَلْقِه يُعَبِّرُونَ عَنْه إِلَى خَلْقِه وعِبَادِه ويَدُلُّونَهُمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ ومَنَافِعِهِمْ ومَا بِه بَقَاؤُهُمْ وفِي تَرْكِه فَنَاؤُهُمْ، فَثَبَتَ الآمِرُونَ والنَّاهُونَ عَنِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي خَلْقِه والْمُعَبِّرُونَ عَنْه -جَلَّ وعَزَّ- وهُمُ الأَنْبِيَاءُ (عليهم السلام) وصَفْوَتُه مِنْ خَلْقِه حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ بِالْحِكْمَةِ مَبْعُوثِينَ بِهَا غَيْرَ مُشَارِكِينَ لِلنَّاسِ -عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْخَلْقِ والتَّرْكِيبِ- فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، مُؤَيَّدِينَ مِنْ عِنْدِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وزَمَانٍ مِمَّا أَتَتْ بِه الرُّسُلُ والأَنْبِيَاءُ مِنَ الدَّلَائِلِ والْبَرَاهِينِ؛ لِكَيْلَا تَخْلُوَ أَرْضُ اللَّه مِنْ حُجَّةٍ يَكُونُ مَعَه عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِه وجَوَازِ عَدَالَتِه»[1].

 

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص168.

 

84


67

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

1. يحدّد مفهوم الإمامة ودورها.

2. يحلّل الشبهات الآتية:

أ. شبهة تكفير من ينكر الإمامة.

ب. شبهة غيبة الإمام تنافي فلسفة ضرورة الإمامة.

ج. شبهة عدم وجود تنصيب للإمامة في القرآن والسنّة.

3. يثبت بطلان الشبهات السابقة مستخدماً الأدلة النقليّة والعقليّة.

 

85


68

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

تمهيد:

قال -تعالى-: ﴿وَإِذِ ٱبتَلَىٰٓ إِبرَٰهِ‍مَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1].

ما هي المعاني التي تستنتجها من الآية الكريمة حول الإمامة؟

مفهوم الإمامة وحقيقتها

اعتنى الإسلام بالإمامة عناية خاصّة، وأولاها اهتمامًا شديدًا؛ لخطورتها، وعظم شأنها، ودورها في تحقّق الإنسانيّة بالمشروع الإلهيّ، من منطلق كونها مسؤوليّة دينيّة وسياسيّة تتمثّل في الولاية العامّة على الناس، وقيادتهم في أمور دينهم ودنياهم، فهي أمانة كبرى، والإمام فيها هو القائد والدليل والقدوة.

وقد اشتدّ الخلاف حول الإمامة، لجهة مفهومها، ومصداقها، وضرورتها، وفلسفتها، وأدلّتها، وخصائصها، ووظائفها، وأبعادها... فعلى مستوى المفهوم: اعتبر أهل السنّة الإمامة من الأمور الشرعيّة، لا العقديّة؛ كما يعتقد الشيعة الإمامية، فكانت عند الشيعة أصلاً من أصول مذهبهم.

وعلى مستوى المصداق: ذهب أهل السنّة إلى تعيين الإمام من خلال نظريّة الشورى أو ولاية الأمّة، بحيث يجري على أساسها اختيار الشخص اللائق بمهام إدارة الدولة

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 124.

 

87


69

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1]. ومقام الإمامة، على شرافته وعظمته، لا يقوم إلّا بمن كان بنفسه سعيد الذات، إذ الذي ربّما تلبّس ذاته بالظلم والشقاء، فإنّما سعادته بهداية من غيره: ﴿أَفَمَن يَهدِيٓ إِلَى ٱلحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهدَىٰ﴾[2]، فالإمام (عليه السلام) معصوم عن الضلال والمعصية، وإلا كان غير مهتد بنفسه، وأفعاله خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره، بل باهتداء من نفسه، بتأييد إلهيّ، وتسديد ربّانيّ[3].

شبهات حول الإمامة ونقاشها

وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الإمامة، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة تكفير من ينكر الإمامة
أ. بيان الشبهة:

عدّ الإمامة من أصول الدين لازمه تكفير كلّ من يعتبرها من المسائل الفرعيّة الفقهيّة[4]!

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ الإمامة أصل من أصول المذهب الإماميّ، مكمّلة لأصل النبوّة، وليست أصلاً من أصول الدين، لذا، فعدم القول بها لا يُخرِج المسلم عن حدّ الإسلام[5].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 124.

[2] سورة يونس، الآية 35.

[3]  انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص274-272.

[4] انظر: الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد گيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص164-146؛ خواجة نصير الدين الطوسي، محمد بن محمد، تلخيص المحصّل، بيروت، دار الأضواء، 1985م، ص408.

[5] انظر: شرف الدين، السيد عبد الحسين، الفصول المهمّة، طهران، المجمع العالميّ للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، 1418هـ.ق، ص153؛ كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، بيروت، دار الأضواء، 2003م، ص101-4.

 

89


70

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

2. هناك فرق بين الإنكار لأصل من أصول الدين عن جحد وتعنّت بعد العلم بأحقّيّة أهل البيت (عليهم السلام) بمقام الإمامة، وبين الإنكار عن جهل وعدم وصول دليل، وأغلب علماء أهل السنّة من المتقدّمين والمتأخرين هم من الطائفة الثانية.

3. بين القول بكون الإمامة فرعاً فقهيّاً أو كونها أصلاً كلاميّاً، لا بدّ من النظر إلى دليل كلّ مدّعى واتّباع ما يسوق إليه الدليل. وقد قامت الأدلّة من العقل والنقل على كون الإمامة مسألة كلاميّة متفرّعة على أصل النبوّة ومكمّلة له.

الشبهة الثانية: شبهة غيبة الإمام تنافي فلسفة ضرورة الإمامة
أ. بيان الشبهة:

إذا كانت الإمامة ووجود الإمام المعصوم -في عقيدة الشيعة الإمامية- ضرورة دينيّة في حياة الإنسان، فكيف ينسجم هذا الطرح مع القول بغيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) عندهم؟!

ب. نقاش الشبهة:

1. قامت الأدلّة العقليّة والنقليّة على ضرورة الإمامة في حياة الأمّة ووجوب وجود الإمام المعصوم (عليه السلام) في كلّ زمان ومكان، ولكنّ هذا الوجود قد يكون حضوراً فعليّاً مباشراً من خلال حضور الإمام(عليه السلام) بشخصه بين الناس، وهو ما يُطلَق عليه زمن الحضور، وقد يكون حضوراً غير مباشر، عبر نواب ووكلاء يتوسّطون بين الإمام(عليه السلام) والناس، نتيجة لظروف معيّنة تحول دون التواصل المباشر للإمام(عليه السلام) مع الناس، وهذا ما يُطلق عليه زمن الغيبة. لكن في كلتا الحالتين، فإنّ الإمام(عليه السلام) موجود وحاضر بين الناس، إمّا بشخصه وإما بواسطة نوّابه ووكلائه الذين يؤدّون عنه إلى الناس.

2. إنّ ضرورة الإمامة في حياة الأمّة تتلخّص في ثلاثة أمور، هي:

الأوّل: الولاية المعنويّة للإمام المعصوم(عليه السلام) على الناس، وهي محفوظة في حضور الإمام (عليه السلام) أو غيبته.

 

90


71

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

الثاني: المرجعيّة العلميّة والدينيّة، وقد تحمّلها الأئمّة (عليهم السلام) في زمن حضورهم، فبيّنوا كلّ ما يحتاجه الناس من كلّيّات المسائل الدينيّة والشرعيّة وتفاصيلها للناس، وأرجعوهم إلى العلماء الجامعين للشرائط في زمن غيبتهم.

الثالث: الحكم وإدارة المجتمع، وقد نهض الأئمّة (عليهم السلام) بهذا الأمر منذ رحيل النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكنّهم أُبعِدوا عن أداء هذا الدور في زمن حضورهم، وقد أسندوا القيام به في زمن غيبتهم إلى الولي الفقيه الجامع للشرائط المحدّدة من قِبَلهم بالتحديد النوعيّ.

3. أشارت النصوص الدينيّة إلى أنّ الأمّة تنتفع بالإمام المعصوم (عليه السلام) في غيبته، كما تنتفع به في زمن حضوره، منها: ما روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم يستضيئون بنوره [أي الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)]، وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس، وإنْ تجلّلها السحاب»[1].

الشبهة الثالثة: شبهة عدم وجود تنصيب للإمامة في القرآن والسنّة
أ. بيان الشبهة:

لو كان تنصيب الإمام بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) واجباً وضروريّاً، للزم التأكيد عليه في القرآن والسنّة، والحال أنّه لا يوجد أيّ نصّ عليه فيهما!، كما أنّ فكرة التنصيب لم تكن مشتهرة بين الصحابة، والمعروف أنّهم عملوا بالشورى بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله)، في حين أنّ القول بالتنصيب ظهر لاحقاً عند متكلّمي الشيعة في القرنين الثاني والثالث الهجريّين![2].

ب. نقاش الشبهة:

1. يوجد آيات كثيرة ظاهرة في التنصيب، ولا سيّما تنصيب الإمام علي (عليه السلام)،

 

 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص253.

[2] انظر: الكاتب، أحمد، تطوّر الفقه السياسيّ الشيعيّ من الشورى إلى ولاية الفقيه، بيروت، دار الجديد، 1998م، ص16.

 

91


72

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

بضميمة روايات أسباب النزول عند الشيعة والسنّة، منها: آية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجسَ أَهلَ ٱلبَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرٗا﴾[1]، وآية الولاية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم رَٰكِعُونَ ٥٥ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلغَٰلِبُونَ﴾[2]، وآية المودّة: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقتَدِه قُل لَّآ أَس‍َٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن هُوَ إِلَّا ذِكرَىٰ لِلعَٰلَمِينَ﴾[3]، وآية التبليغ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغ مَآ أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُۥ وَٱللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلكَٰفِرِينَ﴾[4]، وآية إكمال الدين: ﴿ يَئِسَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُم تَخشَوهُم وَٱخشَونِ ٱليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلَٰمَ دِينٗا﴾[5]، وآية أولي الأمر: ﴿وَأَطِيعُواْ َ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيتُم فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلبَلَٰغُ ٱلمُبِينُ﴾[6]، وآية المباهلة: ﴿فَمَن حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلعِلمِ فَقُل تَعَالَواْ نَدعُ أَبنَآءَنَا وَأَبنَآءَكُم وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلكَٰذِبِينَ﴾[7]، وآية الشهادة: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلنَٰكُم أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدٗا﴾[8]...

2. وردت أحاديث كثيرة مستفيضة (بعضها متواتر، كحديث الغدير) عند الفريقين في وجوب التنصيب للإمامة، ولا سيّما تنصيب الإمام علي (عليه السلام)، منها: حديث بدء الدعوة، حديث المنزلة، وحديث الخلافة، وحديث الغدير، وحديث الدواة

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 33.

[2] سورة المائدة، الآيتان 56-55.

[3] سورة الأنعام، الآية 90.

[4] سورة المائدة، الآية 67.

[5] السورة نفسها، الآية 3.

[6]  السورة نفسها، الآية 92.

[7] سورة آل عمران، الآية 61.

[8] سورة البقرة، الآية 143.

 

92


73

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

والقلم، وحديث دوران الحقّ مع علي (عليه السلام)، وحديث السفينة، وحديث الثقلين، وحديث كلّهم من قريش...

3. ما حصل يوم السقيفة لم يكنْ بإجماع صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) كلّهم ورضاهم!.

4. ما حصل من تسلّم للحكم بعد النبي(صلى الله عليه وآله) لم يكنْ عن شورى إلا في دائرة ضيّقة (المجتمعون في سقيفة بني ساعدة فقط)، وما آل إليه أمر الحكم بعد ذلك لم يكنْ بالشورى، بل بالتعيين (من الخليفة الأوّل إلى الثاني)!، وكذلك الأمر بالنسبة للخليفة الثالث (شورى ضمن ستّة أشخاص فقط)!.

 

93


74

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

المفاهيم الرئيسة

على مستوى مفهوم الإمامة: اعتبرها أهل السنّة من الأمور الشرعيّة، بينما عدّها الشيعة من الأصول، على مستوى المصداق: ذهب أهل السنّة إلى تعيين الإمام من خلال نظريّة الشورى أو ولاية الأمّة...، في حين ذهب الشيعة إلى تعيين الإمام بالنصّ الوحيانيّ على أشخاص معيّنين على نحو التعيين الشخصيّ.
طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الإمامة منها: تكفير من ينكر الإمامة، وغيبة الإمام تنافي فلسفة ضرورة الإمامة، وعدم وجود تنصيب للإمامة في القرآن والسنّة، وهذه الشبهات ضعيفة وواهية، وهي مجرّد دعاوى لا دليل عليها، بل قام الدليل من العقل والنقل على خلافها.

تقييم

1. ما هو مفهوم الإمامة؟

2. بين ضرورة الإمامة وخصائصها.

3. هل يُكفَّر من ينكر الإمامة؟ ولماذا؟

4. هل يوجد تنافي بين غيبة الإمام (عليه السلام) وفلسفة ضرورة الإمامة؟ ولماذا؟

 

94


75

الدرس الثامن: شبهات حول الإمامة

اقرأ

علامَ تجب الولاية والبراءة

دخل ضِرار بن عمرو الضبّي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له: «يا أبا عمرو، هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة؟ فقال ضِرار: هَلُمَّ مَن شئت. فبعث إلى هشام بن الحكم، فأحضرَه. فقال: يا أبا محمّد، هذا ضِرار، وهو مَن قد علمت في الكلام، والخلافُ لك فكلّمه في الإمامة. فقال: نعم، ثمّ أقبل على ضِرار فقال: يا أبا عمرو، خبّرني علامَ تجب الولاية والبراءة، أعَلَى الظاهر أم على الباطن؟ فقال ضِرار: بل على الظاهر؛ فإنّ الباطن لا يُدرك إلّا الوحي.

قال هشام: صدقت، فأخبرني الآن أيّ الرجلين كان أذبَّ عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف وأقتلَ لأعداء الله بين يديه، وأكثرَ آثارًا في الجهاد، أعليُّ بن أبي طالب أم أبو بكر؟ فقال: بل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ولكنّ أبا بكر كان أشدّ يقينًا. فقال هشام: هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه، وقد اعترفت لعليّ (عليه السلام) بظاهر عمله من الولاية، وأنّه يستحقّ بها من الولاية ما لم يجب لأبي بكر. فقال ضِرار: هذا هو الظاهر، نعم.

قال له هشام: أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يُدفع؟! فقال له ضِرار: بلى. فقال له هشام: ألست تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟ قال ضِرار: نعم. قال هشام: أفيجوز أن يقول هذا القول إلّا وعنده في الباطن مؤمن؟ قال: لا. قال هشام: فقد صحّ لعليّ (عليه السلام) ظاهرُه وباطنُه ولم يصحَّ لصاحبك لا ظاهرٌ ولا باطنٌ والحمد لله»[1].

 

 


[1] المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الفصول المختارة، تحقيق: السيد نور الدين جعفريان الإصبهاني، الشيخ يعقوب الجعفري، الشيخ محسن الأحمدي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414 / 1993م، ط2، ص29.

 

95


76

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

1. يستدل على عالم البرزخ وبعض خصائصه بالدليل القرآني.

2. يشرح الشبهات الآتية:

أ. شبهة كيفيّة الاحتضار وانسلاخ الروح.

ب. شبهة كيفيّة قبض الأرواح المتعدّدة في آن واحد.

ج. شبهة سؤال القبر.

3. يبطل هذه الشبهات من خلال عرض الأدلة والشواهد العقليّة والنقليّة.

 

97


77

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

تمهيد:

قال -تعالى-: ﴿ٱلنَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗا وَيَومَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدخِلُوٓاْ ءَالَ فِرعَونَ﴾[1].

كيف نثبت عالم البرزخ بالاستناد إلى الآية الكريمة؟

إثبات عالم البرزخ[2]

كلمة البرزخ تعني الحائل بين شيئين، وسمّي بذلك لأنّه واقع بين الدنيا والآخرة، حيث تجتمع فيه أرواح الأموات التي تبقى حيّة وهناك أدلة قرآنية كثيرة تثبت عالم البرزخ نذكر منها:

الدليل الأول: قوله -تعالى-: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتُ بَل أَحيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشعُرُونَ﴾[3]، قال العلامة الطباطبائي: «...فمعنى الآية -والله أعلم- ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، ولا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم، ومقابلته مع الحياة، وكما يعين على هذا القول حواسكم فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل أحياء ولكن حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به. وإلقاء هذا القول على المؤمنين - مع أنهم جميعاً أو أكثرهم عالمون ببقاء حياة الانسان بعد الموت، وعدم

 

 


[1] سورة غافر، الآية 46.

[2]  انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص114-112؛ ج17، ص294-293؛ ج20، ص148 - 150.

[3] سورة البقرة، الآية 154.

 

99


78

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

بطلان ذاته- إنما هو لإيقاظهم وتنبيههم بما هو معلوم عندهم، يرتفع بالالتفات إليه الحرج عن صدورهم، والاضطراب والقلق عن قلوبهم إذا أصابتهم مصيبة القتل، فإنّه لا يبقى مع ذلك من آثار القتل عند أولياء القتيل إلّا مفارقة في أيّام قلائل في الدنيا وهو هين في قبال مرضاة الله سبحانه وما ناله القتيل من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر...»[1].

الدليل الثاني: قوله -تعالى-: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلمَوتُ قَالَ رَبِّ ٱرجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكتُ كَلَّآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِم بَرزَخٌ إِلَىٰ يَومِ يُبعَثُونَ﴾[2]، والآية ظاهرة الدلالة على أن هناك حياة متوسطة بين حياتهم الدنيوية وحياتهم بعد البعث.

شبهات حول الموت والبرزخ ونقاشها

وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الموت وعالم البرزخ نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة الاحتضار وانسلاخ الروح والانتقال إلى عالم آخر بالموت
أ. بيان الشبهة:

ورد في النصوص الدينيّة أنّ الإنسان عند احتضاره تشرع الروح بالانسلاخ عن البدن من القدمين، ثمّ تخرج منه من الحلقوم بشهقة الموت، وتنتقل إلى عالم آخر،- يسمّى بعالم البرزخ-، وهذا الانسلاخ والخروج قد يكون عسيراً وقد يكون يسيراً. ويُشكَل على ذلك أنّ الإنسان بوجدانه يُدرك أنّه موجود واحد له وحدة ذاتيّة ذات خصائص مادّيّة، وليس موجوداً مركّباً من روح وبدن!، كما أنّ فكرة الانتقال إلى عالم آخر غير عالم الدنيا،

 

 


[1] انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص347.

[2] سورة المؤمنون، الآيتان 99 - 100.

 

100


79

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

غير قابلة للإثبات العلميّ، بل منتفية بالتجربة والملاحظة العلميّتين!، وكذلك فإنّ بعض الناس يموتون من دون أن يشعروا بهذه العلامات!

ب. نقاش الشبهة:

1. نفي وجود عالم آخر وراء عالم الدنيا من خلال الملاحظة والتجربة هو خطأ منهجيّ؛ لأنّ الملاحظة والتجربة العلميّتين صالحتان للحكم في دائرة ما يقبل الملاحظة والتجربة الحسّيّة، وأمّا عالم البرزخ فليس كذلك! وعليه، فلا صلاحيّة لحكم الملاحظة والتجربة الحسّيّتين في إثبات وجود عالم البرزخ أو نفيه!.

2. كون الإنسان ذا بُعدين: مادّيّ ومعنويّ، لا يستلزم كونه ذا وجودين في وجود واحد، بل هو وجود واحد منحفظ في ذاته، ولكنْ لهذا الوجود أبعاد مادّيّة ومعنويّة تظهر آثارها في أفعاله.

3. ما ورد في النصوص الدينيّة من إشارات وعلامات لانسلاخ الروح عن البدن وخروجها منه بالموت: ﴿وَجَآءَت سَكرَةُ ٱلمَوتِ بِٱلحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنهُ تَحِيدُ﴾[1]، ﴿إِذَا بَلَغَتِ ٱلحُلقُومَ ٨٣ وَأَنتُم حِينَئِذٖ تَنظُرُونَ ٨٤ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِنكُم وَلَٰكِن لَّا تُبصِرُونَ﴾[2]، ﴿ٓ إِذَا بَلَغَتِ ٢٦ وَقِيلَ مَن رَاقٖ ٢٧ وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلفِرَاقُ﴾[3]، هو تقريب لحقيقة هذا الانتقال والعبور من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، بمعانٍ مادّيّة مستأنسة للأذهان العرفيّة، وهي بمثابة علامات معهودة في ما بينهم للحياة المادّيّة، من قبيل: بدء انسلاخ الروح من القدمين؛ للإشارة إلى ما يعهدونه في الموجودات النامية المحيطة بهم من علامات الموت، بحيث يبدأ الجفاف من طرف معيّن ويسري منه إلى الكلّ،- كما في الشجر والنبات-، ومعالجة حالة السكرة عند انسلاخ الروح؛ للإشارة إلى حالة الاضطراب التي يعالجها المحتضر،

 

 


[1] سورة ق، الآية 19.

[2]  سورة الواقعة، الآيات 85-83.

[3] سورة القيامة، الآيات 28-26.

 

101


80

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

بفعل انفتاحه على عالم آخر غير ما كان يعهده في عالم الدنيا، ووصول الروح إلى الحلقوم والترقوة قبل خروجها من البدن، وشهقة خروج الروح من البدن؛ للإشارة إلى انقضاء الأمر وتحقّق الانتقال التكوينيّ، بانقطاع آخر علامة من علامات الحياة المادّيّة، وهي التنفّس...

الشبهة الثانية: شبهة كيفيّة قبض الأرواح
أ. بيان الشبهة:

ورد في النصوص الدينيّة اختلاف في تحديد من يُنسب إليه قبض الأرواح، فتارة ينسب القبض إلى الله: ﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَٱلَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيهَا ٱلمَوتَ وَيُرسِلُ ٱلأُخرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَومٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1]، وتارة إلى ملك الموت: ﴿قُل يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلمَوتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُم ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم تُرجَعُونَ﴾[2]، وتارة إلى الملائكة: ﴿ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰٓئِكَةُ أَنفُسِهِم فَأَلقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعمَلُ مِن سُوٓءِ بَلَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُ بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾[3]، وقوله -تعالى-: ﴿ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيكُمُ ٱدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾[4]!، كما أنّ قبض أرواح الموتى في آن واحد، على اختلاف أمكنتهم وعلى كثرتهم، هو أمر مستبعد التحقّق في آن واحد!

ب. نقاش الشبهة:

1. ما ورد في النصوص الدينيّة من تعدّد لنسبة قبض الأرواح إلى الله -تعالى- وملك الموت والملائكة، لا تعارض فيه؛ لأنّ نسبته إلى الله -تعالى- بمقتضى التوحيد الأفعاليّ، من خلال رجوع كلّ فعل مع آثاره إلى الله -تعالى-: ﴿قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ

 

 


[1] سورة الزمر، الآية 42.

[2] سورة السجدة، الآية 11.

[3]  سورة النحل، الآية 28.

[4] السورة نفسها، الآية 32.

 

102


81

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

شَيءٖ وَهُوَ ٱلوَٰحِدُ ٱلقَهَّٰرُ﴾[1]، ﴿ خَلَقَكُم وَمَا تَعمَلُونَ﴾[2]، وأمّا نسبته إلى ملك الموت والملائكة، بمقتضى نظام العلّيّة، ووساطتهما في تدبير هذا الأمر عن الله -تعالى-، وإعانة الملائكة لملك الموت في هذا التدبير: ﴿فَٱلمُدَبِّرَٰتِ أَمرٗا﴾[3].

2. إنّ تدبير قبض الأرواح صادر عن موجودات مجرّدة، كالملائكة، وواقع على وجود موجودات مجرّدة- وهي الأرواح والنفوس-، وما كان بهذه الخصائص لا يمكن تسرية أحكام المادّة عليه، من المحدوديّة الزمانيّة والمكانيّة!.

الشبهة الثالثة: سؤال القبر بين إحياء الميت وآثاره
أ. بيان الشبهة:

ورد في النصوص الدينيّة أنّ الميّت بعد دفنه في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن أصول الدين، فيجيبهم بقدر إيمانه[4]؛ فهل يكون ذلك بإحياء الميّت في قبره؟ وإذا كان كذلك؛ فلماذا لا نشهد آثار تلك الحياة على فرض حصوله؟!

ب. نقاش الشبهة:

1. المقصود من القبر في النصوص الدينيّة ليس هو الصورة المادّيّة الترابيّة التي يدفن بها جسد الميّت، بل الصورة المثاليّة البرزخيّة، والأشكال المذكور هو على المعنى الأوّل، وليس وارداً على المعنى الثاني[5].

2. السؤال هو من موجودات مجرّدة- وهي الملائكة-، والجواب هو من موجود مثاليّ- وهو الإنسان في عالم البرزخ-، وكلا العالمين (عالم المجرّدات وعالم البرزخ)

 

 


[1] سورة الرعد، الآية 16.

[2] سورة الصافات، الآية 96.

[3] سورة النازعات، الآية 6.

[4] انظر: المفيد، الشيخ محمد بن النعمان، أوائل المقالات، تصحيح، واعظ جرندابي، تبريز، مكتبة سروش، 1364هـ.ش، ص56؛ المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، تصحيح اعتقادات الإمامية، تحقيق حسين درگاهي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ / 1993م، ط2، ص98.

[5]  انظر: صدر المتألهين، محمد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، قم المقدّسة، مكتبة المصطفوي، 1368هـ.ش، ج9، ص218-219؛ العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج15، ص68؛ ج19، ص135.

 

103


82

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

وكذلك ما فيهما (كالملائكة والإنسان البرزخيّ) لا يخضعان لمحدوديّة عالم الدنيا الزمانيّة والمكانيّة؛ من التوسّل بالألفاظ واستحضار المعاني للتفهيم والتفاهيم، فجرى تقريب حقيقة ما يلاقيه الإنسان من موقف بعد الموت الدنيويّ؛ بتعابير وصور يألفها الناس ويستأنسونها بأذهانهم المتعلّقة بالحياة المادّيّة وخصائصها

3. ما ذكرته النصوص الدينيّة من سؤال وجواب وضغط للقبر...، هو لتقريب الحقائق البرزخيّة إلى الأذهان، من خلال ما يستأنسونه من معانٍ عرفيّة في ما بينهم، فما يجده الميّت في قبره هي حقائق برزخيّة لأعماله الدنيويّة، كانت محجوبة عنه في حياته الدنيا؛ جرى تقريبها إلى الأذهان بما يألفونه من صور ومعانٍ عرفيّة في ما بينهم[1].

4. إنّ ما يحصل مع الميّت في قبره، يمكن تقريبه إلى الأذهان بحالة النائم الذي يحلم، ومع ذلك لا يشعر من هو قربه بما يعالجه في منامه، فهو يمشي، ويتكلّم، ويفرح، ويتألّم...!.

 

 


[1] انظر: صدر المتألهين، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، مصدر سابق، ج9، ص172.

 

104


83

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

المفاهيم الرئيسة

من الآيات التي يستدلّ بها على ثبوت عالم البرزخ بين الدنيا والآخرة، قوله -تعالى-: ﴿كَيفَ تَكفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُم أَموَٰتٗا فَأَحيَٰكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ﴾، ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثنَتَينِ وَأَحيَيتَنَا ٱثنَتَينِ فَٱعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ﴾.
طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الموت وعالم البرزخ منها: كيفيّة الاحتضار وانسلاخ الروح، وكيفيّة قبض الأرواح، وسؤال القبر، هذه الشبهات ضعيفة وواهية ترتفع بأدنى تأمل ونظر في النصوص الدينيّة، وإعمال للعقل فيها، ومنشأ هذه الشبهات الجهل بحقيقة الإنسان والموت والبرزخ.

تقييم

1. كيف نثبت وجود عالم البرزخ؟

2. بيّن الشبهة التي أثيرت على كيفيّة الاحتضار وانسلاخ الروح وقبض الروح الورادة في النصوص الدينيّة، مع ذِكْر أبرز الردود عليها.

3. بيّن الشبهة التي أثيرت على سؤال القبر الوارد في النصوص الدينيّة، مع ذِكْر أبرز الردود عليها.

 

105

 


84

الدرس التاسع: شبهات حول الموت والبرزخ

اقرأ

أسماء يوم القيامة

يقول السيّد البروجرديّ: «اعلم أنّ للقيامة أسماء كثيرة باعتبار الشؤون الواقعة في ذلك اليوم، وقد ضبطها بعضهم بواحد ومئة يُستفاد أكثرها بالتلويح كيوم النشور، ويوم الفراق، ويوم القضاء، ويوم الزّلفة، ويوم السّكرة، وغيرها المصرّح به منها في الكتاب العزيز أربع وثلاثون منها المجرّد من لفظة اليوم، وهي أحد عشر اسمًا: السّاعة، والحاقة، والطَّامّة، والآزفة، والغاشية، والقارعة، والرّاجفة، والرّادفة، والواقعة، والخافضة، والرّافعة، ومنها المقترنة بها بالإضافة والتّوصيف كاليوم الآخر، ويوم الآزفة، ويوم التّلاق، ويوم تبلى السّرائر، ويوم التّغابن، ويوم التّناد، ويوم الجمع، ويوم الحسرة، ويوم الحساب، واليوم الحقّ، ويوم الخروج، ويوم الخلود، ويوم عبوس قمطرير، ويوم عظيم، ويوم عسير، ويوم الفصل، ويوم القيامة، ويوم معلوم، ويوم مجموع له النّاس، ويوم مشهود، ويوم الوعيد، ويوم الموعود، ويوم الدّين الَّذي قد سمعت وجه تسمية به بمعانيه؛ لكنّه خصّه بإضافة المالك أو الملك إليه مع ثبوت الوصفين له في جميع العوالم والنشآت بكلّ الاعتبارات لإفادة تعظيم ذلك اليوم، فإنّ الانتساب إلى العظيم تنبيه على التّعظيم...»[1].

 

 


[1] البروجردي، السيد حسين، تفسير الصراط المستقيم، انصاريان، إيران - قم، 1416هـ، ط1، ج3، ص 276-275.

 

106


85

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

1. يستدل على المعاد من خلال الدليل العقلي والنقلي.

2. يحلّل الشبهات الآتية:

أ. شبهة فقدان الدليل على المعاد.

ب. شبهة ذهاب جسد الميّت في الأرض وضياعه.

ج. شبهة أنّ الموت فناء للذات وبطلان للشخصيّة.

3. يبيّن عدم صحة هذه الشبهات بالأدلّة العقليّة والنقليّة.

 

107


86

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

تمهيد

قال -تعالى-: ﴿إِنَّآ أَرسَلنَا نُوحًا إِلَىٰ قَومِهِۦٓ أَن أَنذِر قَومَكَ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَهُم عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾[1].

وقال -تعالى-: ﴿وَٱللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ ٱلأَرضِ نَبَاتٗا ١٧ ثُمَّ يُعِيدُكُم فِيهَا وَيُخرِجُكُم إِخرَاجٗا﴾[2].

كيف نثبت وجود المعاد بالاستناد إلى الآية الكريمة؟

إثبات المعاد; في الأدلة العقليّة:

نذكر بعض الأدلة العقلية على إثبات المعاد:

1. حكمة الله -تعالى- تستلزم تحقق المعاد:

نقطة الارتكاز في هذا الدليل هي حكمة الله -تعالى- واستحالة العبث عليه -عزّ وجل-؛ فيكون مسار الدليل وفق النحو التالي: أنّ الله -تعالى- حكيم، والحكيم لا يفعل العبث، فهو تعالى لا يفعل. عبثاً وسفهاً.

فلو لم يكن للإنسان معاد لكان خلقه عبثاً وباطلاً، ولكن الله -تعالى- لا يفعل عبثاً وسفهاً، فالمعاد للإنسان ثابت، وحكمته -تعالى- تقتضي أن يكون للإنسان حياة دائمية، ومعاد في القيامة؛ قال -تعالى-: ﴿أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَٰكُم عَبَثٗا وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ﴾[3]، فالشيء الثابت الذي لا شك فيه بمنطق القرآن أن خلق الإنسان عبث لولا القيامة. والآية تدخل في إطار معرفة الإنسان، فهي تلفت الإنسان لإنسانيّته، وإلى ما ينطوي عليه من الجواهر والاستعداد الاستثنائيّة التي هي بمنزلة البذور لمرحلة الإثمار أبدًا[4].

 

 


[1] سورة نوح، الآية 1.

[2] السورة نفسها، الآيتان 18-17.

[3] سورة المؤمنون، آية 115.

[4] انظر: مطهري، مرتضى، المعاد، ترجمة جواد علي كسار، ط2، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، بيروت، 1422هـ، ص 111.

 

109


87

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

إنّ القول بفناء الإنسان وانعدامه بعد فترة عمره، يعني كون خلقه عبثًا، وهو مستحيل على الله -تعالى- فلا يصدر عن الحقّ إلّا الحقّ لا الباطل والعبث لأنّ العبث يساوي الباطل، وكلاهما لا ينشآن عن الحقّ[1]، وبالتالي: لو تصوّر الإنسان أنّه ينتهي في هذه الحياة، وبهذا البدن والأعضاء والجوارح، إذ ينتهي كلّ شيء في مدّة (60-70) سنة يكون كمن افترض خلقه عبثًا. فوجود الإنسان ينطوي على أجهزة واستعدادات لا تتناسب مع هذه الدنيا (ولا أقول ضدّها)، بل هي تتناسب مع حياة أخرى بعد هذه الحياة، وتلك هي استعدادات ووسائل الأبدية التي جهز بها[2].

2. مقتضى العدالة الإلهية تحقّق المعاد:

إنّ الله -تعالى- عادل، ومقتضى عدله تعالى أن لا يسوّي بين الظالم والمظلوم، بل يعاقب الظالم وينتصف للمظلوم، قال -تعالى-: ﴿أَم حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجتَرَحُواْ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ أَن نَّجعَلَهُم كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَآءَ مَا يَحكُمُونَ﴾[3].

فلو لم يكن للإنسان معاد، لزم التسوية بين الظالم والمظلوم، ولزم إقدار الظالم على المظلوم، ولكنه تعالى منزّه عن تلك الأمور فالمعاد ثابت للإنسان حتى يجزي كل إنسان بما يستحقّه.

شبهات حول المعاد ونقاشها

وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات النافية أو المشكّكة في المعاد نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:

الشبهة الأولى: شبهة فقدان الدليل على المعاد
أ.بيان الشبهة:

قال أصحاب هذه الشبهة بعدم وجود دليل على المعاد؛ إذ غاية ما يمكن الوصول إليه في مسألة المعاد هو الظنّ! كما حكى القرآن الكريم دعواهم تلك: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ

 

 


[1] الشيخ مطهري، المعاد، مصدر سابق، ص99.

[2] المصدر نفسه، ص108.

[3] سورة الجاثية، الآية 21.

 

110


88

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

وَعدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيبَ فِيهَا قُلتُم مَّا نَدرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحنُ بِمُستَيقِنِينَ﴾[1].

ب.نقاش الشبهة:

1. المعاد حقّ لا ريب فيه؛ لأنّه غاية الخِلْقة، فالله -تعالى- حكيم في فعل الخلق، حيث خلق خلقه لغاية إيصالهم إلى ما أراد لهم من كمال، كلّ مخلوق بحسب الكمال اللائق به والمستعدّ له في أصل خِلْقته، وقد خلق الإنسان في الحياة الدنيا، لغرض إيصاله إلى نشأة أخرويّة هي الغاية من خلقه في النشأة الدنيويّة: ﴿قَٰلَ كَم لَبِثتُم فِي ٱلأَرضِ عَدَدَ سِنِينَ ١١٢ قَالُواْ لَبِثنَا يَومًا أَو بَعضَ يَومٖ فَس‍َٔلِ ٱلعَآدِّينَ ١١٣ قَٰلَ إِن لَّبِثتُم إِلَّا قَلِيلٗا لَّو أَنَّكُم كُنتُم تَعلَمُونَ ١١٤ أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَٰكُم عَبَثٗا وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ﴾[2].

2. لأنّ الله -تعالى- هو الحقّ المطلق، يتحقّق كلّ شيء- ومنه المعاد-، فهو السبب الأوحد في أصل وجود هذه المخلوقات والنظام الجاري فيها، فهي متعلّقة تمام التعلّق والارتباط به في أصل وجودها وفي استمرارها، وفي ابتدائها منه بالخلق وفي رجوعها إليه بالمعاد: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلحَقُّ وَأَنَّهُۥ يُحيِ ٱلمَوتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ قَدِيرٞ ٦ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٞ لَّا رَيبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبعَثُ مَن فِي ٱلقُبُورِ﴾[3].

3. لو تأمّل الإنسان في نظام الخلق والتكوين، لتبيّن له من دون أدنى شكّ ولا ريب أنّ المعاد حقّ؛ فكّل ما في عالم الخِلْقة والنظام الجاري فيه يرشد الإنسان إلى وجود المعاد: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُم فِي رَيبٖ مِّنَ ٱلبَعثِ فَإِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطفَةٖ ثُمَّ مِن عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُم وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخرِجُكُم طِفلٗا ثُمَّ لِتَبلُغُوٓاْ أَشُدَّكُم وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرذَلِ ٱلعُمُرِ لِكَيلَا يَعلَمَ مِن بَعدِ عِلمٖ شَي‍ٔٗا﴾[4].

 

 


[1] سورة الجاثية، الآية 32.

[2] سورة المؤمنون، الآيات 115-112. وانظر: سورة الأنبياء، الآيتان 17-16.

[3] سورة الحجّ، الآيتان 7-6.

[4] السورة نفسها، الآيتان 6-5. وانظر: سورة فاطر، الآية 9؛ سورة الأعراف، الآية 57.

 

 

111


89

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

4. المعاد هو مقتضى العدل الإلهيّ؛ لأنّ النشأة الدنيويّة لا يتحقّق فيها العدل من حيث التفريق بالمصير للمطيع والعاصي، لذا، لا بدّ من وجود نشأة أخرويّة يتحقّق فيها عدله تعالى بالمجازاة بالثواب للمطيع والعقاب للعاصي: ﴿أَم نَجعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلمُفسِدِينَ فِي ٱلأَرضِ أَم نَجعَلُ ٱلمُتَّقِينَ كَٱلفُجَّارِ﴾[1].

5. صرّح القرآن الكريم بوعد المؤمنين بالنعيم المقيم الدائم، والكافرين بالعذاب الأليم المؤبّد، والحال أنّ الدنيا ليست ظرفاً لتحقّق هذا الوعد والوعيد، والله -تعالى- لا يخلف وعده ووعيده لمن استحقّه عقلاً. لذا، فلا بدّ من نشأة أخرويّة لتحقّق ذلك: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُم كُفَّارٌ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيهِم لَعنَةُ ٱللَّهِ وَٱلمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجمَعِينَ ١٦١ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنهُمُ ٱلعَذَابُ وَلَا هُم يُنظَرُونَ﴾[2]، وقال -تعالى-: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدخِلُهُم جَنَّٰتٖ تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗا لَّهُم فِيهَآ أَزوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَنُدخِلُهُم ظِلّٗا ظَلِيلًا﴾[3]، ﴿إِنَّ لَا يُخلِفُ ٱلمِيعَادَ﴾[4].

6. المعاد مقتضى الرحمة الإلهيّة بالخلق، من خلال إيصال كلّ مخلوق إلى كماله المستعد له في أصل خِلْقته، ولكنّ نيل هذا الكمال في الموجودات المُختارة المُستَكملة؛ كالإنسان والجنّ رهن بإيمانها وعملها في الحياة الدنيويّة التي هي نشأة امتحان واختبار وخروج لاستعداداتها الكماليّة إلى حيّز الفعليّة: ﴿كَتَبَ عَلَىٰ نَفسِهِ ٱلرَّحمَةَ لَيَجمَعَنَّكُم إِلَىٰ يَومِ ٱلقِيَٰمَةِ لَا رَيبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم فَهُم لَا يُؤمِنُونَ﴾[5]، وقوله -تعالى-: ﴿فَٱنظُر إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ ِ كَيفَ بَعدَ مَوتِهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحيِ ٱلمَوتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ قَدِيرٞ﴾[6].

 

 


[1] سورة ص، الآية 28. وانظر: سورة القلم، الآيتان 36-35؛ سورة الجاثية، الآية 21؛ سورة يونس، الآية 4.

[2] سورة البقرة، الآيتان 162-161.

[3] سورة النساء، الآية 57.

[4] سورة آل عمران، الآية 9.

[5] سورة الأنعام، الآية 12.

[6] سورة الروم، الآية 50.

 

112


90

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

الشبهة الثانية: شبهة ذهاب جسد الميْت في الأرض وضياعه
أ. بيان الشبهة:

تعتمد الشبهة على التشكيك في القدرة على إعادة الأموات بالمعاد!: ﴿وَإِذَا تُتلَىٰ عَلَيهِم ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ مَّا كَانَ حُجَّتَهُم إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئتُواْ بِ‍َٔابَآئِنَآ إِن كُنتُم صَٰدِقِينَ﴾[1]، ﴿يَومَ تَشَقَّقُ ٱلأَرضُ عَنهُم سِرَاعٗا ذَٰلِكَ حَشرٌ عَلَينَا يَسِيرٞ﴾[2]، ﴿وَضَرَبَ لَنَا خَلقَهُۥ قَالَ مَن يُحيِ ٱلعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ﴾[3]، فبالموت يتحلّل الإنسان إلى إجزاء مختلطة بالتراب، ومعه تصير إعادة الأجزاء الرميمة غير ممكنة!: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُل بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأتِيَنَّكُم عَٰلِمِ ٱلغَيبِ لَا يَعزُبُ عَنهُ مِثقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلأَرضِ وَلَآ أَصغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ﴾[4].

ب. نقاش الشبهة:

1. منشأ هذه الشبهة هو الجهل بصفاته -تعالى- الذاتية والفعليّة، ومنها: القدرة المطلقة على الخلق والإحياء، وعلمه -تعالى- المطلق بالأشياء: ﴿مَّا خَلقُكُم وَلَا بَعثُكُم إِلَّا كَنَفسٖ وَٰحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُ بَصِيرٌ﴾[5].

2. إنّ تأمّل الإنسان في خلق نفسه وما يحيط به والنظام الجاري فيهما، يقوده إلى الإذعان بقدرته -تعالى- على الإحياء بالمعاد: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلقَهُۥ قَالَ مَن يُحيِ ٱلعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُل يُحيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ ٧٩ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَوَ لَيسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخلُقَ مِثلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلخَلَّٰقُ ٱلعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَي‍ًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾[6].

 

 


[1] سورة الجاثية، الآية 25.

[2] سورة ق، الآية 44.

[3] سورة يس، الآية 78.

[4] سورة سبأ، الآية 3.

[5] سورة لقمان، الآية 28.

[6] سورة يس، الآيات 83-78.

 

113


91

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

الشبهة الثالثة: شبهة أنّ الموت فناء للذات وبطلان للشخصيّة
أ. بيان الشبهة:

موت الإنسان هو فناء لذاته وبطلان لشخصيّته، ومعه تستحيل إعادته!: ﴿وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلنَا فِي ٱلأَرضِ أَءِنَّا لَفِي خَلقٖ جَدِيدِ﴾[1].

ب. نقاش الشبهة:

1. إنّ الموت ليس فناء لذات الإنسان وانعداماً لشخصيّته، بل انتقال وعبور لنفسه من النشاة الدنيويّة إلى النشأة الأخرويّة، مع انحفاظ نفسه وروحه في جميع النشآت حتى يرجع إلى الله -تعالى-: ﴿بَل هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِم كَٰفِرُونَ ١٠ ۞قُل يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلمَوتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُم ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم تُرجَعُونَ﴾[2].

2. منشأ هذه الشبهة الجهل بحقيقة الإنسان وأنّه وجود متحوّل من نشأة إلى نشأة: ﴿وَلَقَد خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ ١٢ ثُمَّ جَعَلنَٰهُ نُطفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ ١٣ ثُمَّ خَلَقنَا ٱلنُّطفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقنَا ٱلعَلَقَةَ مُضغَةٗ فَخَلَقنَا ٱلمُضغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَونَا ٱلعِظَٰمَ لَحمٗا ثُمَّ أَنشَأنَٰهُ خَلقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحسَنُ ٱلخَٰلِقِينَ ١٤ ثُمَّ إِنَّكُم بَعدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥ ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ تُبعَثُونَ﴾[3].

 

 


[1] سورة السجدة، الآية 10.

[2] السورة نفسها، الآيتان 11-10.

[3] سورة المؤمنون، الآيات 16-12.

 

114


92

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

المفاهيم الرئيسة

المعاد هو رجوع الروح في النشأة الأخرويّة إلى بدن الإنسان نفسه الذي كان عليه في نشأته الدنيويّة، بعد أن فارقته بالموت.
طُرِحَت مجموعة من الشبهات النافية أو المشكّكة في المعاد، منها: استبعاد المعاد، وفقدان الدليل على المعاد، وتعارض القيامة مع معطيات علم معرفة الكون، وذهاب جسد الميّت في الأرض وضياعه، وكون الموت فناءً للذات وبطلاناً للشخصيّة.
هذه الشبهات ضعيفة وواهية وهي مجرّد تحليلات ودعاوى لا دليل عليه، بل الدليل من العقل والنقل على خلافها، فإنّ الكون المحيط بالإنسان حافل بنماذج المعاد التي تقوده إلى الإذعان بالمعاد بأدنى تأمّل يجريه فيها.

تقييم

1. هل المعاد مستبعد ولا دليل عليه؟ ولماذا؟

2. بيّن شبهة نفي المعاد؛ لذهاب جسد الميّت في الأرض وضياعه، مع ذِكْر أبرز الردود عليها.

3. هل الموت هو فناء للذات وبطلان للشخصيّة؟ ولماذا؟

 

115

 


93

الدرس العاشر: شبهات حول المعاد

اقرأ

في دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في التأوه والمناجاة

«...آه وا نفساه كيف لي بمعالجة الأغلال غدا؟! آه وا نفساه مما حملتني عليه جوارحي من البلايا. آه وا نفساه كلما حدثت لي توبة عرضت لي معصية أخرى. آه وانفساه أقبلت على قلبي بعد ما قسا. آه وا نفساه إن قضيت الحوائج وحاجتي لم تقض. آه وا نفساه إن غفرت ذنوب المجرمين وأخذني ربي بذنوبي بين الملأ. آه وا نفساه من الكتاب وما أحصى، ومن القلم وما جرى. آه وا نفساه من موقفي بين يدي الرحمن غدا. آه وا نفساه من يوم يشتغل فيه عن الأمهات والآباء. آه وا نفساه من أهوال يوم القيامة وشدائد شتى. آه وا نفساه لو كان هولاً لكفى. آه وا نفساه من نار حرها لا يطفأ ودخانها لا ينقطع أبداً. آه وا نفساه من نار تحرق الجلود وتنض الكلى. آه وا نفساه من نار جريحها لا يداوى. آه وا نفساه من دار لا يعاد فيها المرضى، ولا يقبل فيها الرشا، ولا يرحم فيها الأشقياء. آه وا نفساه من نار وقودها الرجال والنساء. آه وا نفساه من نار يطول فيها مكث الأشقياء. آه وا نفساه من ملائكة تشهد عليّ غداً. آه وا نفساه من نار تتوقد ولا تطفأ. آه وا نفساه من يوم تزل فيه قدم وتثبت فيه أخرى. آه وا نفساه من دار بكى أهلها بدل الدموع دما. آه وا نفساه إن حرمت رحمة ربي عليّ غداً. آه وا نفساه إن كنت ممقوتاً في أهل السماء. آه وا نفساه إن كانت جهنم هي المقيل والمثوى. آه وا نفساه لا بد من الموت ووحشة القبر والبلاء. آه وا نفساه إن حيل بيني وبين محمد المصطفى. آه وا حزناه من تجرع الصديد وضرب المقامع غداً. آه وا حزناه أنا الذي أطعتك يا سيدي صباحاً ونقضت العهد مساءً. آه وا حزناه كلما طلبت التوابين وقفت مع الأشقياء. آه وا حزناه كم عاهدت ربي فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءً! آه وا حزناه إذا عرضت على الرحمن غداً. آه وا حزناه عصيت ربي وأنا أعلم أنه مطلع يرى. آه وا حزناه عصيت من ليس أعرف منه إلا الحسنى. آه وا حزناه استترت من الخلائق وبارزت بذنوبي عند المولى. آه وا حزناه استترت بعملي وبارزت ربي بالذنوب والخطايا. آه وا حزناه ليتني لم أك شيئاً أبداً. آه وا حزناه من ملائكة غلاظ شداد لا يرحمون من شكا وبكى. آه وا حزناه من رب شديد القوى. آه وا حزناه أنا جليس من ناح على نفسه وبكى. آه وا حزناه ما أبعد السفر وأقل الزاد غداً. آه وا حزناه أنا المنقول إلى عسكر الموتى. آه وا حزناه أين المفر من ذنوبي غداً...»[1].

 

 


[1]  الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(عليه السلام)، تحقيق: السيد محمد باقر الموحد الابطحي الإصفهاني، مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)/ مؤسسة الأنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قم، 1411هـ، ط1، ص429 - 432.

 

116


94

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع

1. القرآن الكريم.

2. ابن أبي جمهور الإحسائي، الشيخ محمد بن علي، عوالي اللآلي، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، ط1، قم المقدّسة، مطبعة سيّد الشهداء، 1405هـ.ق/ 1985م.

3. ابن شهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب(عليهم السلام)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، لا.ط، النجف الأشرف، المطبعة الحيدريّة، 1376هـ.ق/ 1956م.

4. ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، طهران، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1404هـ.ق.

5. أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل، الإبانة عن أصول الديانة، بيروت، دار العربي، 1990م.

6. أنجلز، فردريك، لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانيّة (مع ملحق كارل ماركس موضوعات عن فورباخ)، موسكو، دار التقدّم، 1967م.

7. البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين الحسيني، لا.ط، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش.

8. البروجردي، السيد حسين، تفسير الصراط المستقيم، انصاريان، إيران - قم، 1416هـ، ط1.

9. خواجة نصير الدين الطوسي، محمد بن محمد، تلخيص المحصّل، بيروت، دار الأضواء، 1985م.

10. الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، ط2، قم المقدّسة، طليعة النور؛ مطبعة سليمانزاده، 1427هـ.ق.

11. روحاني، محمود، المعجم الإحصائي لألفاظ القرآن الكريم، ط1، مشهد المقدّسة،

 

117


95

قائمة المصادر والمراجع

مؤسّسة الآستانة الرضويّة المقدّسة، 1372هـ.ق/ 1987م.

12. شرف الدين، عبد الحسين، الفصول المهمّة، طهران، المجمع العالميّ للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، 1418هـ.ق.

13. الشريف الرضي، محمد بن الحسين، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر؛ مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش.

14. الشهرستاني، أبو الفتح: الملل والنحل، بيروت، دار المعارف، ج1، الفصل السادس، ص146-164؛ الطوسي، نصير الدين: تلخيص المحصّل، بيروت، دار الأضواء، 1985م.

15. الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(عليه السلام)، تحقيق: السيد محمد باقر الموحد الابطحي الإصفهاني، مؤسسة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه) / مؤسسة الأنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قم، 1411هـ، ط1.

16. صدر المتألهين، محمد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، قم المقدّسة، مكتبة المصطفوي، 1368هـ.ش.

17. الصدر، السيد محمد باقر: موجز أصول الدين (المُرسِل - الرسول - الرسالة)، لا.ط، بيروت، دار التعارف، 1412هـ.ق/ 1992م.

18. الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، لا.ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، 1405هـ.ق/ 1363هـ.ش.

19. الصدوق، الشيخ محمد بن علي، التوحيد، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، لا.ت، لا.ط.

20. الصدوق، الشيخ محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم،

 

118


96

قائمة المصادر والمراجع

لا.ط، النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، 1385هـ.ق/ 1966م.

21. الصدوق، محمد بن علي، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1403ه / 1362ش، لا.ط.

22. الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1417ه‏، لا.ط.

23. العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق وتصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، لا.ط، طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، لا.ت.

24. الكاتب، أحمد: تطوّر الفقه السياسيّ الشيعيّ من الشورى إلى ولاية الفقيه، بيروت، دار الجديد، 1998م.

25. كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، بيروت، دار الأضواء، 2003م.

26. الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، طهران، دار الكتب الإسلاميّة؛ مطبعة حيدري، 1363هـ.ش.

27. المتّقي الهندي، علي المتقي بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير بكري حياني، تصحيح وفهرسة صفوة السقا، لا.ط، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م.

28. المجلسي، العلاّمة محمد باقر، بحار الأنوار، ط2، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403هـ.ق/ 1983م.

29. مطهّري، مرتضى: الفطرة، ترجمة: جعفر الخليلي، ط2، بيروت، مؤسّسة البعثة، 1412هـ.ق/ 1992م.

 

119


97
أجوبة الشبهات العقدية (الجزء الثاني)