أميركا في فكر الإمام الخامنئي

«أميركا هي الشيطان الأكبر»


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-09

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدّمة

مقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

عن الإمام الصادق(عليه السلام): »العالِم بزمانه، لا تهجم عليه اللّوابس[1].«

إنّ أهمَّ معرفة بالزمان معرفةُ العدوّ، خصوصاً الذي يشكّل تهديداً لوجودنا وديننا، فضلاً عن ثرواتنا. وتشكّل الإدارة الأميركيّة ببنيتها التنظيميّة والسياسيّة والثقافيّة رأسَ حربة الشرّ في العالم، وأكبرَ خطرٍ يهدّد وجودَ الإيمان الحقيقيّ والإسلامَ المحمّديّ الأصيل. فالعدوان والغدر ومحاربة القِيم والسطو على الثروات، طبعٌ أصيلٌ متجذِّرٌ في هذه الإدارة المستكبِرة.

لقد كان الإمام الخمينيّ (قدس سره) أبرز من تصدّى لتعرية أميركا، وكشفِ نواياها الخبيثة، وفضحِ مؤامراتها وأساليبها القذرة في منطقتنا والعالم، وحافظ الإمام الخامنئيّ (دام ظله) على هذا النهج، فتصدّى بما يمكله من فكرٍ وقّادٍ وفهمٍ عميقٍ ووعيٍ

 

 


[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص27.

 

11


1

مقدّمة

وثقافة، لمتابعة هذه المهمّة الشريفة، نظراً لما يستشرفه من الخطر الكبير من هذه الدولة المستكبِرة.

لقد خبِر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أميركا، مناضلاً ضدّ نظام الشاه المستبِدّ، إذ كانت أكبرَ داعمي هذا النظام، ثمّ واجه سياساتها رئيساً للجمهوريّة الإسلاميّة، وتصدّى لمؤامراتها قائداً للأمّة، بما ورثه من نهج الإمام الخمينيّ العظيم، مضيفاً إليه إشراقات من اجتهاده وفكره وثقافته وخبرته.

يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): «أميركا هي الشيطان الأكبر»، ويشرح الإمام الخامنئيّ (دام ظله) هذا القول: «أمّا أميركا فتُغوي، وترتكب المجازر، وتفرض الحظر، وتُخادع، وتُرائي، وهي ترفع لواء حقوق الإنسان، وتدّعي مناصرته، لكن بين الحين والآخر، يُقتل في شوارع المدن الأميركيّة شخص بريء أعزل مضرّجاً بدمائه على أيدي الشرطة الأميركيّة، إلى غير ذلك من الجرائم والفجائع التي يرتكبونها، وإلى سلوكهم تجاه إيران في عهد النظام الطاغوتيّ، وإثارتهم للحروب، وتأجيجهم نيرانَ الحرب، وإطلاقهم التيّارات المثيرة لها، كالتي تُمارِس التهديم والدمار في العراق وسوريا وسائر البقاع، هذه كلّها أعمال أميركا»[1].

لقد تصدّى الإمام الخامنئيّ (دام ظله) لفضح أميركا وتبيين خططها وسياساتها من خلال خطبه وكلماته التي يلقيها في المناسبات المختلفة، هادفاً إلى إيقاد شعلة الوعي والبصيرة في عقول الشعوب المستضعَفة، وإذكاء روح الثورة

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مختلف شرائح الشعب، بتاريخ 09/09/2015م.

 

12


2

حقيقة أميركا

أميركا الشيطان الأكبر

يقول الإمام الخمينيّ العظيم: «أميركا هي الشيطان الأكبر». وهي كلمة عميقة في مغزاها. فإنّ زعيم شياطين العالم بأجمعهم هو إبليس، إلّا أنّ العمل الوحيد الذي يستطيع أن يُمارسه إبليس -كما يُصرّح القرآن بذلك- هو إغواء الناس ومخادعتهم والوسوسة لهم لا أكثر، أمّا أميركا فتُغوي، وترتكب المجازر، وتفرض الحظر، وتُخادع، وتُرائي، وهي ترفع لواء حقوق الإنسان، وتدّعي مناصرته، ولكن بين الحين والآخر، يُقتل في شوارع المدن الأميركيّة شخص بريء أعزل مضرّجاً بدمائه على يد الشرطة الأميركيّة، إلى غير ذلك من الجرائم والفجائع التي يرتكبونها، وإلى سلوكهم تجاه إيران في عهد النظام الطاغوتيّ، وإثارتهم للحروب، وتأجيجهم لنيران الحرب، وإطلاقهم التيّارات المثيرة للحرب كالتي تُمارس التهديم والدمار في العراق وسوريا وسائر البقاع، هذه كلّها أعمال أميركا.

أيّ عقل وأيّ ضمير يسمح للإنسان أن يتّخذ قوّة كأميركا صديقة له، وأن يثق بها، وأن ينظر إليها كملاكٍ مُنقذ؟ هذه هي حقيقتهم؛ فإنّ الأميركيّين يظهرون بمظهر أنيق، وثياب

 

17


3

حقيقة أميركا

مكويّة، وربطة عنق، وعطر فوّاح، وبمظاهر تُبهر العيون، ليفتنوا بها عيون البسطاء والسُذّج، هذه هي حقيقة أميركا[1].

أميركا مظهر خرق القوانين

إنّ أميركا لا تجيب عن أبسط أسئلة الرأي العامّ العالميّ في الظرف الراهن. يُسأل الأميركيّون: هل تعلمون بأنّ هناك دولة، منذ عشرة أشهر أو أحد عشر شهراً وهي تُمطر اليمن بالقنابل وتدمّر المدن؟ هل أنتم على علمٍ بذلك أم لا؟ إن كنتم على علمٍ بذلك، فلماذا تدعمون؟ إن كنتم على علمٍ بذلك، فلماذا لا تعترضون؟ إن كنتم على علمٍ بذلك وتعتبرونها جريمة، فلماذا تقوم طائراتكم بتزويد طائراتهم بالوقود؟ لماذا تساعدون؟ لماذا تدعمون؟ أجيبوا أنتم الذين تتشدّقون بحقوق الإنسان عن هذه الأسئلة. ألا يُعدّ قتل الآلاف من الأطفال والنساء والرجال المدنيّين العُزَّل في البيوت والمستشفيات والمدارس إرهاباً؟ ألا يُعدّ هذا أبشع وأقسى أشكال الإرهاب الدوليّ؟ إذاً لماذا تدعمون هذا الإرهاب؟ الأميركيّون لا يجيبون عن هذه الأسئلة، يحدّقون بوقاحة في أعين شعوب العالم! ويتبجّحون بمناصرة حقوق الإنسان!

هذا في الشأن اليمنيّ، وهو يرتبط بالسنة الأخيرة، وأمّا القضيّة الفلسطينية فهي تعود إلى ما قبل 60 أو 65 عاماً. إنّكم تشاهدون ماذا يفعلون بالشعب الفلسطينيّ، وترَون أنّهم يدمّرون منازلهم، ويبيدون مزارعهم، ويبنون المستوطنات،

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في لقاء مختلف شرائح الشعب، بتاريخ 09/09/2015م.

 

18


4

حقيقة أميركا

ويُسكِنون فيها العناصر الصهيونيّة المسلّحة. هذا كلّه يجري على مرأى منكم، إذاً لماذا تدافعون؟ لماذا تنفقون الأموال؟ لماذا تتنازلون دوماً أمام ما تسمونه باللوبي الصهيونيّ داخل أميركا وتتملّقون له؟ لماذا؟ هذه أسئلة بسيطة يطرحها الرأي العامّ، ولكنّهم لا يجيبون عن سؤال واحد من هذه الأسئلة، ومع ذلك يدّعون الصداقة، ويتشدّقون بمناصرة حقوق الإنسان، ويتبجّحون بالحرّيّة.

أيّ حكومة أكثر خرقاً للقانون من الحكومة الأميركيّة؟!

على المستوى الدوليّ يستخدم الأعداء اليوم جميع الأدوات من أجل التشويش على أذهان عموم الناس والشعوب في العالم خواصّهم وعوامهم؛ يفعلون ذلك قدر المستطاع. إنّهم يبذلون جهودهم في هذا الأمر، يتشدّقون بالقانون وحقوق الإنسان ومناصرة المظلومين؛ هذه كلمات جميلة وجذّابة، بيد أنّ الحقيقة شيء آخر. قال رئيس جمهوريّة أميركا قبل أيّام: إنّنا نريد أن تتحمّل الحكومات الخارقة للقانون مسؤوليّاتها. حسناً، أيّ حكومة خارقة للقانون؟ أيّ حكومة أكثر خرقاً للقانون من الحكومة الأميركيّة؟ بأيّ قانون احتلّت الحكومة الأميركيّة العراق وفرضت على الشعب العراقيّ كلّ هذه الخسائر البشريّة والماديّة والمعنويّة؟ على أساس شائعة كاذبة اختلقوها هم بأنفسهم هجموا على العراق، حيث قُتل مئات الآلاف من الشعب العراقيّ في غضون الأعوام القليلة المنصرمة، وشُرّد الملايين من أبنائه. جاء في الأخبار قبل مدّة أنّ خمسمئة وخمسين عالماً عراقيّاً اغتالتهم إسرائيل! هل

 

 

19

 


5

حقيقة أميركا

هذا بالشيء القليل؟! تعبّأت فرق الاغتيال وذهبت واغتالت العلماء العراقيّين واحداً واحداً. هذا نتيجة الاحتلال الأميركيّ. بأيّ قانون دخلتم العراق؟ وبأيّ قانون بقيتم إلى اليوم؟ وبأيّ قانون تتصرّفون مع الشعب العراقيّ بهذه الطريقة المهينة؟ بأيّ قانون احتللتم أفغانستان؟ وبأيّ قانون دوليّ مقبول عقلياً تضاعفون عدد قوّاتكم في أفغانستان؟ كم حدث أن قصفت الطائرات الأميركيّة قوافل الأعراس في أفغانستان؟ حدث هذا مرّات ومرّات طوال الأعوام الماضية. وقُتل العشرات في كلّ واحدة من هذه الأحداث؛ الناس الذين كانوا يشاركون في احتفال عرس. ثم يظهر الضابط الأميركيّ ويقول بكلّ وقاحة: إنّنا نلاحق طالبان! نضرب طالبان أينما وجدناهم! ما شأنكم إذاً وأعراس الناس؟ ما شأنكم وحياة الناس؟ قبل مدّة وجيزة فعلوا مثل هذا في هرات، وقُتل أكثر من مئة شخص، كان خمسون منهم من الأطفال. أنتم مظهر خرق القوانين. الحكومة الأميركيّة اليوم هي الأكثر خرقاً للقانون في العالم. هذه هي حقيقة القضيّة؛ لكن اللغة التي يستخدمونها هي ما ذكرناه، يقولون: إنّنا نعارض خرق القانون! والحكومات الخارقة للقانون يجب أن تتحمّل مسؤوليّاتها! لاحظوا، هذه هي الفتنة. ما الذي يستطيع فضح هذه المؤامرات، وإخراج هذا السيل الموحِل الفاسد من أذهان الرأي العام العالميّ سوى التنوير الذي يحطّم هذه الظلمات. ما الذي يستطيع تحطيم هذا الظلام سوى مصابيح ومشاعل بيان الحقيقة؟ لاحظوا كم المسؤوليّة ثقيلة[1].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من أهالي قم المقدّسة وعلماء الحوزة بمناسبة ذكرى 19 دي، بتاريخ 09/01/2012م.

 

20


6

حقيقة أميركا

أميركا، حياكة المؤامرات

أيّها الشباب الأعزّاء، اقرؤوا وثائق وكر التجسّس، ففيها الدروس والعبر. فطلّاب الجامعات الذين احتلّوا السفارة، وعرفوا أنّها وكرٌ للتجسّس، حصلوا على تلك الوثائق ونشروها بمشقّة كبيرة، حيث قاموا بإعادة إلصاق قطع الأوراق المقطّعة والمبعثرة التي حاول أولئك إتلافها، وقد نُشرت ضمن سبعين أو ثمانين كتاباً. وهي تدلّ على أنّ الأميركيّين كانوا باستمرار يحيكون المؤامرات ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، سواء في ذروة النهضة، أو في فترة انتصار الثورة وتشكيل الجمهوريّة الإسلاميّة. هذه هي حقيقة أميركا[1].

أميركا، تتآمر بكلّ ما أوتيت من قوّة

هكذا بدأ الأميركيّون ممارساتهم ضدّنا ومواجهتهم للثورة الإسلاميّة. وقد واصلوا تآمرهم علينا طيلة هذه الفترة بكلّ ما أوتوا من قوّة، ودعموا كلّ جماعة كان بإمكانها معاداة الثورة. ومن الأمثلة على ذلك تدبير الانقلاب المعروف بانقلاب «مقرّ الشهيد نوجة» في همدان، ومنها دعم الجماعات التي واجهت الثورة في شتّى أنحاء البلاد انطلاقاً من النزعة القوميّة، ومنها تحريض صدّام حسين على الهجوم على إيران ودعمهم له طيلة الأعوام الثمانية من الحرب... هي ثمانية أعوام! حيث أخذت المساعدات الأميركيّة تتزايد، وتمّ تزويده

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

 

21


7

حقيقة أميركا

بالمعدّات والتجهيزات على مدى سنوات الحرب، ولا سيّما بعد السنتَين الثانية والثالثة منها، وسايرهم في ذلك حلفاؤهم الأوروبّيّون مع الأسف[1].

أميركا، تحريض وإخفاء الوجه القبيح

من الأعمال التي يقوم بها الأميركيّون في السنوات الأخيرة: تحريض البعض، ودفعهم إلى تجميل الوجه الأميركيّ وتزويقه، ليُظهروا القضيّة بهذه الصورة: أنّه إذا ما كان الأميركيّون أعداءَ الأمس، فاليوم أقلعوا عن العداء والخصام. هذا هو الهدف: إخفاء وجه العدوّ أمام الشعب الإيرانيّ، ليغفل عن عداوة أميركا له، ولكي يتسنّى لهذا العدوّ ممارسة عدائه وغرز خنجره من الخلف. هذا هو الهدف.

والحقيقة، إنّ أهداف أميركا تجاه الجمهوريّة الإسلاميّة لم تتغيّر على الإطلاق، ولو كان بوسعهم اليوم القضاء على الجمهوريّة الإسلاميّة لما توانَوا لحظة واحدة، ولكنّهم لا يستطيعون ذلك، وبمشيئة الله وفي ظلّ هممكم وتقدّمكم، أنتم الشباب، وتعميق البصيرة وتعزيزها في أبناء الشعب الإيرانيّ، لن يستطيعوا القيام بهذا العمل في المستقبل أيضاً.

إنّ جميع برامجهم مركّزة على هذه القضيّة. بالطبع، في عالم السياسة والمفاوضات يتكلّمون بنحو آخر؛ فحيثما يرَون لزوماً لذلك يُبدون ليونة في الخطاب والتفاوض، إلّا أنّ جوهر

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

 

22


8

حقيقة أميركا

القضيّة هو هذا، هذا هو باطن القضيّة. هذا ما لا ينبغي للشعب الإيرانيّ نسيانه[1].

 

أميركا، ذرف الدموع أمام الكاميرات

في المفاوضات، يُقدّم الأميركيّون أنفسهم على أنّهم معارضون للحرب، ويذرفون الدموع أيضاً! يبكون! وهذا ما شاهدناه في هذه المفاوضات النوويّة نفسها. فالمفاوض الأميركيّ راح يتحدّث عن معارضته للحرب منذ عهد شبابه، وأخذ يذرف الدموع. وقد تثير هذه الظاهرة استغراب (تعاطف) بعضهم عن بساطة وسذاجة، قائلين: حقّاً، إنّ هؤلاء أهل خير وصلاح، و«يا للبشرى فقد أصبحت القطّة من العُبّاد»، بيد أنّ هذا الشخص نفسه الذي يكره الحرب إلى حدّ أنّه يذرف دموعه أمام عدسة الكاميرا عند تذكُّره للحرب، هو نفسه لا يقطّب جبيناً حتّى حينما يشاهد مئات الأطفال في غزّة تُقطّع أوصالهم إرباً إرباً، ويرى الصهاينة وبكلّ قسوة وشدّة يتعاملون مع النساء والأطفال والصغار والكبار والشيوخ والشباب من دون رحمة! فلو كنتَ تكره الحرب إلى هذا المستوى، فاعترض على هذا العنصر الجلّاد، القصّاب، الخبيث، الذي يبيد الناس والأطفال بهذه الطريقة، بكلمة واحدة، واعبس في وجهه، ولكنّهم لا يعبسون، بل يشجّعون! ففي ذلك الوقت الذي كانوا يشنّون على غزّة تلك الهجمات، واليوم أيضاً يُبيدون الناس في الضفّة الغربيّة وفي غزّة بطريقة أخرى، أعلن كبار قادة أميركا مرّات

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

 

23


9

حقيقة أميركا

ومرّات أنّ لـ«إسرائيل» حقّ الدفاع عن نفسها، وهذا يعني أنّ الشعب الفلسطينيّ لا يملك حقّ الدفاع عن نفسه، فإن أبادوا مزرعته، وقتلوا شبابه، وأحرقوا داره، وأضرموا النار في طفله الرضيع مع أبوَيه، لا يحقّ له أن يُبدي أيّ ردّ فعل. واليوم أيضاً يحرّضون الكيان الصهيونيّ ويدعمونه ويقدّمون له المساعدات. إضافةً إلى ذلك: يقبع الشعب اليمنيّ منذ أشهر تحت القصف المكثّف؛ تُهدَم مستشفياته وبيوته، وتُدمَّر بناه التحتيّة، ويُباد أهله بواسطة الطائرات المعتدية، والأميركيّون لا يتفوّهون بكلمة، ولا يرفّ لهم جفن، بل يدعمونهم! هذه هي حقيقة أميركا... فهل بالإمكان اعتبار البكاء أمام عدسة الكاميرا عملاً صادقاً؟ وهل يصدّق ذلك أحدٌ؟[1]

أميركا، لا منطقيّة

إنّ أعداء الشّعب الإيرانيّ، بسبب عدم معرفتهم بهذا الشعب، وأخطائهم في الحسابات، اقترحوا في هذه القضيّة (إنتاج الأدوية الراديويّة في مفاعل طهران) طرقاً معقّدة ومتعرّجة وعجيبة وغريبة، وكان احتمال وصول اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 % عن هذه الطرق صفراً؛ لذلك لم يرضخ النظام الإسلاميّ لهذه الاقتراحات. وقد رسموا خطّة أخرى لتحريض الرأي العامّ العالميّ وأصدقاء إيران، فطالب الرئيس الأميركيّ من رئيسَي تركيا والبرازيل أن يتوسّطا لتقبل إيران حلّاً وسطاً. وقد قلتُ للمسؤولين في ذلك الحين: إنّ متابعة

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

 

 

 

24


10

حقيقة أميركا

هذا الحلّ لا إشكال فيه، لكن اعلموا أنّ الأميركيّين لن يقبلوه، وهذا ما حصل، حيث أراد الأميركيّون الإيحاء للرأي العامّ العالميّ بأنّ إيران لا توافق على الحلول المنطقيّة، لكن ما حدث أثبت حقيقةً مهمّةً، هي لا منطقيّة الأميركيّين أنفسهم[1].

أميركا مركز التآمر وأساس العداء

قلنا إنّ هناك أعداء، فمن هم هؤلاء الأعداء؟ وأين هو الوكر الأصليّ للتآمر ضدّ الشّعب الإيرانيّ؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست صعبة؛ منذ 34 عاماً وذهن الشّعب الإيرانيّ ينصرف إلى الحكومة الأميركيّة متى ما ذُكرت كلمة العدوّ. لا بأس أن يتنبّه السّاسة الأميركيّون إلى هذه النقطة ويفهموها، وهي أنّ الشّعب الإيرانيّ شهد، وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، أموراً ومرّ بمراحل وأطوار جعلته ما أن تُذكر كلمة العدوّ حتى ينصرف ذهنه إلى أميركا. هذه مسألة على جانب كبير من الأهميّة لحكومةٍ تريد أن تحفظ سمعتها وماء وجهها في العالم. إنّها قضيّة جديرة بالاهتمام والتدقيق. عليهم أن يركّزوا على هذه النقطة. هنا مركز التآمر وأساس العداء[2].

أميركا، لا قيمة سوى للمال

المال يحظى في المجتمعٍ الأميركيّ أو في منظومة أخلاقيّة ما باحترامٍ مطلق. وليس من المهمّ من أين يأتي


 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في استقبال أعضاء مجلس خبراء القيادة، بتاريخ 07/03/2013م.

[2]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الحرم الرضويّ الطاهر لمناسبة بدء السنة الإيرانيّة 1392هـ.ش (21/03/2013م).

 

25


11

حقيقة أميركا

هذا المال. قد يكون مصدره استغلال الآخرين، وقد يكون جاء وحصل بفعل ممارساتٍ استعماريّة، أو عن طريق نهبٍ وسلب؛ فلا يختلف الأمر عندهم؛ لأنّه مالٌ (على كلّ حال). طبعاً، إذا جرى التصريح بهذه الأمور في العصر الحاضر -في المجتمعات المبتلاة بهذه الأمور- فقد تُنكر وتستنكر، لكن إذا نظرنا إلى تاريخهم اتّضحت حقيقة القضيّة. ففي أميركا، إنّ أصل جذور الحرّيّة الفرديّة والليبراليّة، التي افتخروا بها ولا يزالون وتُعدّ من القيم الأميركيّة -هي عبارة عن الحفاظ على الثروة الشخصيّة؛ أي إنّه في البيئة التي ظهرت فيها أميركا والناس الذين تجمّعوا في أميركا يوم ذاك، كان الحفاظ على ثمار الأعمال والمساعي المادّيّة بحاجة إلى أن تُعطى الثروة الشخصيّة للأفراد احتراماً مطلَقاً[1].

أميركا، التقدّم الظاهريّ الهشّ

قلنا إنّ عقد التقدّم والعدالة، له معنًى كبير جداً. لنفترض أنّ من المؤشرات المهمّة زيادة الدخل الإجماليّ الوطنيّ للبلدان. فالبلد الفلانيّ دخله الإجماليّ الوطنيّ عدّة آلاف من المليارات، والبلد الفلانيّ لا يساوي دخله سوى معشار دخل البلد الأوّل. إذاً، البلد الأوّل أكثر تقدّماً؛ هذا المنطق ليس صحيحاً. إنّ زيادة الدخل الإجمالي الوطنيّ -أي الدخل العامّ للبلاد- لا يدلّ وحده على التقدّم؛ إنّما ينبغي النظر إلى الكيفيّة التي يجري بها تقسيم هذا الدخل وتوزيعه. لاحظوا ما يأتي

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الجامعيين بمحافظة كردستان، بتاريخ 17/05/2009م.

 

26


12

حقيقة أميركا

في الأخبار: في المدينة الغربيّة الفلانيّة المعروفة -في أميركا مثلاً أو مكان آخر- بلغت درجة حرارة الهواء اثنين وأربعين درجة مئويّة، ومات كذا عدد من الناس بسبب الحر! لماذا يموتون في درجة حرارة اثنين وأربعين؟ معنى ذلك أنّهم بلا مأوى ولا سكن؛ إذا كان هناك أناس يعيشون في المجتمع بلا مأوى، أو عليهم العمل 14 ساعة في اليوم الواحد؛ ليستطيعوا توفير لقمة العيش لأنفسهم؛ لكي لا يموتوا جوعاً، فلن يكون هذا تقدّماً، حتّى لو كان الدخل الإجماليّ الوطنيّ عشرة أضعاف ما هو عليه. هذا ليس تقدّماً في المنطق الإسلاميّ؛ لذلك كانت العدالة على جانب كبير من الأهمّيّة[1].

 

أميركا، لا حقوق للإنسان

والأسوأ والأقبح من كلّ شيء في هذه الغمرة هو الكلام الذي صدر عن هؤلاء الساسة الأميركان بعنوان الحرص على حقوق الإنسان وضدّ العنف والشدّة مع الناس، فقالوا: نحن نعارض أن يكون التعامل مع الناس بهذه الطريقة، وقلقون لذلك! أنتم قلقون على الناس؟! وهل تعترفون بشيء اسمه حقوق الإنسان؟! من الذي أغرق أفغانستان بالدماء، ولا يزال؟ من الذي أهان العراق تحت أحذية جنوده؟ من الذي قدّم كلّ تلك المساعدات السياسيّة والمادّيّة إلى الحكومة الصهيونيّة الظالمة في فلسطين؟ وفي أميركا نفسها -والإنسان ليعجب حقّاً- في زمن حكومة هذا الحزب الديمقراطيّ، وفي

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الجامعيّين بمحافظة كردستان، بتاريخ 17/05/2009م.

 

27


13

حقيقة أميركا

عهد رئاسة جمهوريّة زوج هذه السيّدة التي تصرّح حاليّاً، قد أحرقوا ثمانين ونيّف من أتباع فرقة الداووديّين وهم أحياء؛ هذا ممّا لا سبيل إلى إنكاره. هؤلاء السادة الديمقراطيّون هم الذين فعلوا ذلك. أصبحت فرقة الداووديّين وعلى حدّ تعبيرهم «الديفيديّين»، مورد غضب الحكومة الأميركيّة لسببٍ من الأسباب ولجؤوا إلى منـزل واعتصموا هناك. ولم يخرجوا من هناك على الرغم من كلّ المحاولات. فجاء هؤلاء وأحرقوا المنـزل فاحترق ثمانون رجلاً وامرأة وطفلاً في ذلك البيت وهم أحياء. وهل تفهمون أنتم شيئاً اسمه حقوق الإنسان؟! أعتقد أنّ من واجب هؤلاء المسؤولين والساسة الأوروبّيّين والأميركيّين أن يخجلوا ويستحوا قليلاً[1].

أميركا خرّجت الديكتاتوريّين

لا يجرؤ أحد في يومنا هذا على أن يشكّك في واقعة الهولوكوست الغامضة في العديد من الدول الغربيّة. وبحسب ما أُطلعنا، فإنّ أيّ شخصٍ في أميركا يريد أن يكتب شيئاً وينشره ضدّ الشذوذ الجنسيّ، اعتماداً على قواعد علم النفس وعلم الاجتماع، فإنّه لن يكون قادراً على ذلك، فإنّهم يمنعونه، فكيف يكون هؤلاء ملتزمين بالحرّيّة؟! هناك حيث تتدخّل السياسات الصهيونيّة الخبيثة من أجل إفساد أخلاق الشعوب والأجيال الشابّة لا يوجد أيّ معنى للحرّيّة ولا يجرؤ أحد ولا يحقّ له أن ينشر أيّ شيء ضدّ هذه السياسات الخبيثة

 

 


[1] خطبتا الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في صلاة الجمعة في طهران، بتاريخ 19/06/2009م.

 

28


14

حقيقة أميركا

والرذيلة، أو ضدّ قضيّة كالهولوكوست، لكنّ ذلك مضمونٌ إذا كان في سبيل إهانة المقدّسات الإسلاميّة وتسخيف هذه المقدّسات في أعين شباب الدول الإسلاميّة بحسب زعمهم! لا يوجد من يصدّقهم. لا أحد يصدّق أنّ النظام الأميركيّ الذي كان يدعم بجدّ شخصاً كحسني مبارك طيلة هذه السنوات الثلاثين، ويدعم محمّد رضا البهلوي في إيران طيلة 35 سنة مع كلّ الجرائم التي ارتكبها، هو نظامٌ مؤيّد للديمقراطيّة، ولا أحد يصدّق أنّ هجومهم على العراق وعلى صدّام حسين كان لأجل محاربة الديكتاتوريّة، إنّهم هم الذين يربّون المستبدّين. فكلّ ديكتاتور في منطقتنا الإسلاميّة وعلى مرّ الأزمنة المختلفة استطاع في الماضي وكذلك اليوم -بالاعتماد عليهم- أن يقمع شعبه ويظلمه ويجعله شيعاً[1].

 

أميركا ونظام الهيمنة العالميّة

أقول لكم -أيّها الشباب الأعزّاء- هذه النقطة: أصيب العالم خلال القرن أو القرنين الأخيرين، من خلال بروز ظاهرة الاستعمار المخزية المشؤومة والاستكبار الدوليّ، بآفات كبيرة، وأهمّ هذه الآفات هو نظام الهيمنة. معنى نظام الهيمنة أن تتوزّع الشعوب على الأرض إلى قسمين: القسم الأوّل: مهيمن، والقسم الثاني: خاضع للهيمنة. لقد تعوّدت الحكومات الاستكباريّة على التسلّط والتعسّف واستخدام منطق القوّة والتدخّل -باستكبار وهيمنة- في اقتصاد الشعوب وثقافتهم

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء طلّاب الكلّيّات الحربيّة، بتاريخ 17/09/2012م.

 

29


15

حقيقة أميركا

وسياستهم وتربيتهم، وأسلوب عيشهم، ونمط حياتهم، وأرادت أن يكون كلّ شيء في العالم تحت تصرّفها وفي يدها. لقد تعوّدت الحكومات الغربيّة، والحكومة الأميركيّة على مدى العقود الأخيرة، على هذه الظاهرة البغيضة، وعلى أن تستخدم منطق القوّة والتسلّط، وعلى أن يكون الاقتصاد العالميّ في أيديهم، وعلى أن تكون ثقافات الشعوب في أيديهم وتحت سيطرتهم[1].

 

أميركا لها حقّ التدخّل!

إحدى خصوصيّات النظام الاستكباريّ رؤية النفس أفضل من الآخرين. المجموعات الاستكباريّة -أولئك الأشخاص الذين هم إمّا على رأس بلدٍ ما أو على رأس نظام عالميّ أو مجموعة من البلدان التي تهيمن على القرار- عندما ترى نفسها أفضل من باقي الناس وباقي المجموعات، عندما تعدّ نفسها محوراً وأنّ كلّ ما سواها هو فرع لأصلها، تظهر معادلة خاطئة وخطيرة في العلاقات العالميّة، فعندما يرى أحد أنّه الأفضل وأنّه هو المحور والأصل، فإنّ النتيجة ستكون أن يرى لنفسه الحقَّ في التدخل في شؤون باقي الناس وسائر الشعوب، فما يعتبره قيمة، يجب على الجميع في العالم أن يسلّموا به ويقبلوه ويحنوا له الرقاب. وإذا اعتبر شيئاً ما قيمة ولم يقبله الآخرون، فإنّ هذا يعطيه حقّاً بالتدخّل في شؤونهم، بأن يفرضه عليهم وأن يضغط عليهم ويلزمهم ما يريد بالقوّة. إنّكم تسمعون

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في مراسم تخرّج مجموعة من طلّاب جامعة الإمام الحسين(عليه السلام)، بتاريخ 21/05/2014م.

 

 

30


16

حقيقة أميركا

كلام المسؤولين الأميركيّين والذين يتحدّثون عن الحكومة الأميركيّة وكأنها مالكة زمام جميع البلدان، (يقولون) لا يمكن أن نسمح بهذا العمل، لا يمكن أن ندع الشخص الفلانيّ (يبقى في الحكم أو لا يبقى)! يتحدّثون حول منطقتنا بشكل يوحي بأنّهم أصحاب هذه المنطقة، يتحدّثون عن النظام الصهيونيّ وكأن شعوب هذه المنطقة مضطرة إلى القبول والاعتراف بهذا النظام المزوّر والمفروض[1].

أميركا أمّ الإرهاب

تدّعي أميركا اليوم أنّها تُريد مكافحة الإرهاب، في حين أنّهم هم الذين أوجدوا أخطر التيّارات الإرهابيّة. من الذي أوجد داعش؟ هم يعترفون أنّهم لعبوا الدور الأكبر في إيجاد داعش. من الذي دفع الجماعات الصغيرة والكبيرة من أمثال داعش للهجوم على العراق وسوريا؟ من أين تأتي هذه الرصاصات والمعدّات والدولارات لتدخل في جيوب هذه الجماعة المجرمة القاتلة؟ ومن أين تأتي هذه الأموال؟ من هم هؤلاء الذين يدعمون هذه التيّارات الإرهابيّة الجرّارة الخطيرة في المنطقة بأمر من السياسات الأميركيّة؟

هل يشكّ أحد في أنّ يد الاستكبار كان لها الدور الأكبر في إيجاد الإرهاب وترويج الإرهابيّين ومساعدتهم ومساندتهم في المنطقة؟ فإنّ المرء أينما نظر في جميع بقاع هذه المنطقة، يجد اليد الخبيثة للأعداء تقف وراء إيجاد الإرهاب. من

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أكبر حشد تعبويّ في طهران، بتاريخ 20/11/2013م.

 

31


17

حقيقة أميركا

الذي يدعم الكيان الصهيونيّ اللقيط الذي يُمارس الضغوط الشديدة ضدّ الفلسطينيّين في غزّة والضفّة الغربيّة؟ ومن الذي يعبّد لهم الطريق؟ ومن الذي يقف ظهيراً لهم؟ إنّها القوى الغربيّة وعلى رأسها أميركا، وفي الوقت ذاته يتبجّحون في شعاراتهم وتصريحاتهم بأنّنا نُخالف الإرهاب ونُعارض داعش، ولكنّهم يكذبون ويتكلّمون على غير حقيقة. وهذه هي الجاهليّة التي ظهرت في العالَم المعاصِر[1].

سبب دعمنا للمقاومة اللبنانيّة يعود إلى استقامتها الحقيقيّة أمام الأعداء ودفاعها وشجاعتها وتضحياتها وصمودها أمامهم، ولو لم تكن هذه المقاومة، لكانت إسرائيل -التي كانت قد دخلت يوماً صيدا وما بعد صيدا ووصلت إلى بيروت- لا تزال تحتلّ بيروت ولما بقي من لبنان أثر. هذه المقاومة هي التي وقفت في وجههم ومنعتهم من هذا. وعلى الرغم من هذا يُعبّر الساسة الأميركيّون الصادقون عن هؤلاء بالإرهابيّين وعن إيران بأنّها داعمة للإرهاب بسبب دعمها لهم! ولكنّكم أنتم من دعم الإرهاب، وأنتم من أسّس داعش، وأنتم من أصبح حاضنة للإرهاب، وأنتم من حمى الكيان الصهيونيّ الخبيث الإرهابيّ، وأنتم من يدافع عن الإرهاب، وأنتم من يجب محاكمته لدعمه ومساعدته للإرهاب. والكلام بعينه يجري في اليمن وفي البحرين وفي البلدان الأخرى[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّة، بتاريخ 16/05/2015م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة، بتاريخ 18/07/2015م.

 

32


18

حقيقة أميركا

أوروبّا وأميركا لا تفترقان

ثمّة تجربة أخرى مهمّة أيضاً، وهي تجربة تَماشي أوروبّا مع أميركا في أهمّ القضايا. نحن لا نهدف إلى الصراع مع أوروبّا، ولا نبغي المواجهة والاختلاف والجدال مع هذه الدول الأوروبّيّة الثلاث [بريطانيا وفرنسا وألمانيا]، لكن يجب علينا أن نعرف الحقائق. فقد أثبتت هذه الدول الثلاث أنّها تساير أميركا وتتّبعها في أكثر القضايا حساسيّةً. والكلّ يذكر خطوة وزير الخارجيّة الفرنسيّ الشنيعة أثناء المفاوضات، ففي لعبة «الشرطيّ السيّئ والشرطيّ الجيّد»، قالوا بأنّه لعب دور «الشرطيّ السيّئ»، وهذا بالتأكيد ما حدث بالتنسيق مع الأميركيّين. أو ردّ فعل البريطانيّين إزاء حقّ شراء الكعكة الصفراء، وهو حقٌّ مسلَّمٌ وقطعيٌّ ومذكورٌ في [بنُود] الاتّفاق النوويّ، بأنّه يحقّ لنا شراء الكعكة الصفراء من بعض المراكز والأماكن، غيرَ أنّ البريطانيّين حالُوا دون ذلك؛ وهذا يعني أنّهم [لا يزالون]، إلى اليوم، يتماشون مع أميركا. هذه أيضاً تجربة لا ينبغي لنا نسيانها. فإنّهم في مقام القول، يتفوّهون ببعض الأمور، ولكن في مقام العمل، لم نشهد حتّى هذه اللحظة -أي بحسب رأيي، لا أذكر أنّنا شاهدنا حتّى اليوم- بأنّهم وقفوا في وجه أميركا، ودافعوا عن الحقّ بكلّ ما للكلمة من معنى[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الجمهوريّة الإسلاميّة، بتاريخ 23/05/2018م.

 

33


19

حقيقة أميركا

عدوّ أميركا، النزعة الإسلاميّة

إنهم يعارضون أساس الإسلام. وإنّ حقيقة القضيّة هي تلك التي جرت على لسان الرئيس الأميركيّ السابق بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وانفجار البرجين في نيويورك، حيث وصفها بأنها حرب صليبيّة، وكان محقّاً في قوله، فإنّه إنسان شرّير، لكنّه في كلمته هذه صادقٌ! ذلك أنّ الصراع قائمٌ بين الإسلام والاستكبار، علماً بأنّه ذكر المسيحيّة والحرب الصليبيّة، وقد كذب في ذلك، حيث كان المسيحيّون يعيشون في العالم الإسلاميّ بأمان كامل، وهذا هو حالهم اليوم في بلدنا وفي بعض البلدان الأخرى أيضاً. وكان يقصد من كلامه الصراع بين القوى الاستكباريّة المهيمنة على العالم وبين الإسلام. وهذا هو ذلك الكلام الصحيح الصادق. إنّ هؤلاء السادة المتربّعين على كرسيّ الحكم في أميركا حالياً، والذين يقولون إنّنا نؤيّد الإسلام، ونعارض بعض الفرق الإسلاميّة، إنّما ينهجون منهج الكذب والنفاق والرياء، فإنّهم يعارضون أساس الإسلام، ووجدوا سبيل ذلك في إثارة الصراعات والخلافات والحروب بين المسلمين.

كان هذا الاختلاف في يوم من الأيّام قائماً على أساس العصبّية القوميّة الفارسيّة والتركيّة والعربيّة وما إلى ذلك، ولكنّها لم تتّسم بتلك الفاعليّة المطلوبة، فأخذوا اليوم يعمدون إلى تأجيج الاختلاف والإيقاع بين الشباب باسم الطائفيّة. والناتج من ذلك هو أن تتولّد فِرقٌ إرهابيّة من أمثال داعش بأموال التابعين لأميركا، وبدعمٍ سياسيّ من قِبَل

 

34

 


20

حقيقة أميركا

أميركا، وبمواكبة حلفاء أميركا، وأن تتوافر لها إمكانيّة ممارسة أنشطتها، وترتكب هذه الجرائم في العالم الإسلاميّ. هذه هي النتيجة.

إنّهم يكذبون حين يقولون إنّنا نعارض الشيعة ونؤيّد السنّة. كلّا، هل الفلسطينيّون من الشيعة أم السنّة؟ لماذا يعادونهم إلى هذا الحدّ؟ لماذا لا يندّدون أبداً بالجرائم التي تُرتكب بحقّهم؟ كم قد تعرّضت غزّة للقمع؟ وكم كانت الضفّة الغربيّة وما زالت تتعرّض للضغوط؟ هؤلاء لا ينتمون إلى المذهب الشيعيّ، وإنّما يعتنقون المذهب السنّي. غير أنّ القضّية بالنسبة إلى الأميركيّين ليست قضيّة شيعة وسنّة، إنّما يعادون كلّ مسلم يريد أن يعيش تحت ظلّ الإسلام وفي ضوء الأحكام والقوانين الإسلاميّة ويجاهد في سبيلها وينتهج نهجها.

أُجريت مقابلة مع سياسيّ أميركيّ، فسأله الـمُذيع: من هو عدوّ أميركا؟ فأجابه: عدوّ أميركا ليس الإرهاب، ولا حتّى المسلمون، وإنّما هو «النزعة الإسلاميّة». ما دام المسلم يسير في طريقه غير مبالٍ ولا مكترث ولا تسيّره الدوافع الإسلاميّة، لا يشعرون بالعداء ضدّه، ولكن إذا ما تجلّت الدوافع نحو الإسلام والالتزام بالإسلام وسيادة الإسلام وإرساء تلك الحضارة الإسلاميّة، عند ذاك تبدأ الخصومة والعداء. والحقّ في ما قاله، فإنّ عدوّه هو النزعة الإسلاميّة. لهذا حينما تجتاح العالم الإسلاميّ صحوة إسلاميّة، تلاحظون كم يرتبكون ويتخبّطون ويبذلون الجهود والمساعي من أجل قمعها وإجهاضها، وينجحون في بعض الأماكن أيضاً. ولكن

 

35


21

حقيقة أميركا

أقولها لكم: إنّ الصحوة الإسلاميّة لا يمكن إزالتها وإلغاؤها، وسوف تُحقِّق أهدافها بمشيئة الله وفضله وحوله وقوّته[1].

 

الأجهزة التي ربّت الإرهاب

إنّ ما يبعث على الأسى والأسف أن ينقلب عيد الناس في بعض البلدان إلى عزاء. إذ إنّ هناك مئات العوائل في بغداد قد فُجعت بأحبّتها على يد المجرمين والإرهابيّين الذين يحاولون، بأمر أسيادهم، ترويج الإسلام المزيّف والمزوّر بين الناس. كذلك ما حصل في إسطنبول وفي بنغلادش وفي بعض البلدان الأخرى أيضاً، حيث تعرّض ناسها في أيّام شهر رمضان، وهم صائمون، إلى هجمات إرهابيّة. هذه حصيلة تربية الإرهاب وتنميته على يد الأجهزة الأمنيّة والأيادي الغادرة الأميركيّة والصهيونيّة والبريطانيّة، التي خلقت هذه الظواهر في العالم الإسلاميّ. وبالتأكيد سوف يتضرّرون بأنفسهم أيضاً، وهذا ما باتوا يرَونه بالتدريج، إلّا أن هذه هي خطيئتهم وجريمتهم التي لن تُنسى.

ما يؤسَف له أنّ نيران الحرب في شهر رمضان كانت مشتعلة في بعض الدول الإسلاميّة، في سوريا واليمن وليبيا وبلدان أخرى، وإنّ الإنسان ينتابه الحزن والغمّ حين يرى العالم الإسلاميّ رازحاً تحت وطأة هذه الأوضاع المأساوّية، حيث قام بعضٌ بتبديل الصراعات السياسيّة إلى حرب أهليّة. فالصراع السياسيّ شيء، والحرب الأهليّة شيء آخر، وإنّ

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة، بتاريخ 29/12/2015م.

 

36


22

حقيقة أميركا

القيم الأميركيّة

يوجد اليوم شيء اسمه القيم الأميركيّة. تسمعون في كلام الأميركيّن تعبير القيم الأميركيّة أو قيمنا. حيث إنّ مؤسّسي أميركا المستقلّة، الذين أخرجوا أميركا من سيطرة الاستعمار الإنكليزيّ في القرن الثامن عشر وقدّموا أميركا بعنوان بلد مستقلّ في ذلك الطرف من العالم -أبرزهم حينها جورج واشنطن وبعض رفاقه وخلفائه فيما بعد- قد وضعوا مجموعة قيم وأطلقوا عليها اسم القيم الأميركيّة. هذه القيم نفسها حين يتمّ تقييمها فإنّها تحوي الكثير من المشاكل والاعتراضات عليها، وهي نفسها التي أدّت إلى وضعيّة الهيمنة ونهب العالم التي نشهدها اليوم في نظام السلطة. لَكن حتّى هذه القيم -أي بعض الأمور الجيّدة والإيجابيّة الموجودة فيها- قد تمّ نسيانها وتجاهلها بالكامل في المجتمع الأميركيّ والنظام السياسيّ الأميركيّ في زماننا المعاصر.

أنا العبد لله، كُنتُ أطالع منذ سنوات عديدة أفكار وكلمات هؤلاء السادة الذين أُطلق عليهم اصطلاحاً مؤسّسي أميركا قبل أكثر من مئتي سنة -حيث إنّ كلماتهم وأفكارهم قد جرت صياغتها وتدوينها باسم المنشور الأميركيّ أو منشور القيم الأميركيّة- وقمت بمقارنة تلك القيم ومطابقتها مع سلوك وعمل القادة والزعماء الأميركيّين اليوم، فوجدتُ كيف أنّ أغلب هذه القيم قد تمّ نقضه ومخالفته. خطر في ذهني حينها أنّه من اللازم والمناسب أن يقوم أحدٌ بعرض هذا الأمر وطرحه

 

 

38

 


23

حقيقة أميركا

في وجه الشعب الأميركيّ، أنّ هذه هي القيم التي تدّعونها، لا أثر لها اليوم في سلوك الحكومة الأميركيّة ونظام الولايات المتّحدة الأميركيّة[1].

أميركا منبت المؤامرات

يظنّ بعضٌ أنّ إصرارنا على معاداة أميركا ناجم عن تعصّب، كلّا، إنّما هو نابعٌ عن معرفة تجربة. منذ سبعة وثلاثين عاماً ونحن نجرّب هذا العداء، حيث إنّهم، ومنذ انطلاق الثورة، قد تأهّبوا وشدّوا همّتهم لمعاداة إمامنا الكبير وحركته العظيمة؛ بدؤوا منذ ذلك الوقت بالمؤامرات، وما زالوا هكذا حتّى اليوم، حاولوا تحريض القوميّات الإيرانيّة ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة ولم ينجحوا، حاولوا تحريض العناصر التابعة للخارج ضدّ الشعب ونجحوا في ذلك إلى حدّ ما، إلّا أنّ الناس انتصروا عليهم. وحتّى يومنا هذا، ما زالوا يعملون ويسعَون، لكنّ الشعب واعٍ، والحكومة يَقِظة، والمسؤولين مستعدّون.

ومع الأسف، فإنّهم قد نجحوا بتنفيذ هذه المخطّطات في مناطق وبلدان أخرى، فثمّة من يدعم الإرهابيّين بالمال والاتّصال والأسلحة الحديثة. فمن أين يأتي الإرهابيّون بكلّ هذه الأسلحة المتطوّرة؟ بأيّ أموالٍ يشترونها؟ هذه هي التي أركعت العالم الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة، وهي أمورٌ يجب فهمها ومعرفتها جيداً.

نشاهد اليوم كيف أنّهم يقومون بهذا العمل في مناطق

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء طلّاب الجامعات، بتاريخ 11/07/2015م.

 

39


24

حقيقة أميركا

أخرى أيضاً. نحن لم نتدّخل في قضيّة البحرين، ولن نتدخّل لاحقاً، ولكنّنا ننصحهم؛ هناك أيضاً يوجد اختلاف سياسيّ، وها هم يعملون على تحويل هذا النزاع السياسيّ إلى حربٍ أهليّة، ولو كانوا يتمتّعون بالوعي والمعرفة والتعقّل السياسيّ، فليكفّوا عن هذا العمل؛ لأنّ المعارضة والنزاعات السياسيّة قد تحدث في أيّ بلد، فلماذا يقومون بما يدفع الشعوب نحو العنف، ويحرّض الناس على قتال بعضها؟ هذه، ومع الأسف، أخطاء يشاهدها الإنسان اليوم في بعض البلدان الإسلاميّة الأخرى[1].

 

المسألة الأساس عندهم إرضاء الشبكات الصهيونيّة

يقولون: يجب المحافظة على أمن إسرائيل. أوّلاً، إسرائيل تصبح يوماً بعد يوم أقلّ أمناً، سواءٌ حصل التوافق على الملفّ النوويّ أو لم يحصل، واعلموا أنّ أمن إسرائيل لن يكون مضموناً سواءٌ حصل التوافق أم لا. أمّا أن تقولوا يجب الحفاظ على أمن إسرائيل، فأقول: إنّ هذا كلام غير شفّاف. فإنّ المسألة الأساسيّة بالنسبة للمسؤولين الأميركيّين ليست أمن إسرائيل، المسألة الأساسيّة هي شيء آخر.

إنّ المسألة الأساسيّة لهؤلاء الحضرات (السادة)، هي المحافظة على إرضاء الشبكات الماليّة الصهيونيّة التي بيدها شريان حياتهم. هذه هي المسألة الأساسيّة بالنسبة لهؤلاء، وإلّا، فما أهمّيّة أن تبقى إسرائيل أو لا تبقى بالنسبة إليهم؟ ما هو مهمّ بالنسبة لهم أنّهم وضعوا شريان حياتهم بيد شبكة

 

 


[1] خطبة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في صلاة عيد الفطر السعيد في 06/07/2016م.

 

40


25

حقيقة أميركا

المتموّلين الصهاينة، هؤلاء الذين يقدّمون لهم الرشاوى، ويهدّدونهم أيضاً، يرشونهم -رشاوى ماليّة- ويأخذون منهم الأموال أيضاً، يرشونهم بالمناصب ويعدونهم بها، وإن لم يتواطؤوا مع هؤلاء الذين يمسكون بنبض الاقتصاد في أميركا، فلن يصلوا إلى تلك المناصب الرفيعة -كرئاسة الجمهوريّة، والوزارات وأمثالها- هذه هي المسألة بالنسبة إليهم. إنّهم أيضاً يهدّدون، فإن عَمِل هؤلاء خلافاً لإرادة تلك الشبكة الخطرة، فإنّها تهدّدهم، بإجبارهم على الاستقالة، أو بفبركة الفضائح لهم! حيث شهدتم في هذه السنوات الأخيرة أمثال هذه الأمور في الحياة الأميركيّة، يتّهمون أحدهم، يشوّهون سمعة آخر، يفبركون قضيّة فساد جنسيّ لأحدهم، يجبرون أحدهم على الاستقالة، يغتالون أحدهم، لقد جرى اغتيال بعض من هؤلاء الرؤساء والمسؤولين الكبار.

إنّ هؤلاء (الشبكات الصهيونيّة) أيديهم طائلة! أنتم (أيّها الزعماء الأميركيّون) تخافون منهم! تلاحظون هذا الأمر، المسألة ليست أمن إسرائيل، المسألة مسألة أمنكم. هؤلاء مستكبرون، هكذا يتكلّمون، ونحن أيضاً، لا نتوافق على شيء مع المستكبرين. حسنٌ، إن كان في البين كلام منطقيّ، فإنّنا نقبل، نقبل الكلام المنطقيّ، نقبل القرارات العادلة والحكيمة، أمّا حين يكون الأمر من باب القوّة والتوسّع، فلا، فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة من قاعدتها إلى رأسها، سواءٌ شعبها، أو مسؤولوها، لن يقبلوا، فليعلموا هذا[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين، بتاريخ 27/11/2014م.

 

41


26

من الجرائم الأميركيّة

جرائم أميركا في أفغانستان والعراق

عملت الحكومات الأميركيّة طوال الأعوام الماضية، وخصوصاً رئيس الجمهوريّة الأميركيّ الأبله السابق، وبذريعة محاربة الإرهاب، على احتلال بلدين مسلمين، هما العراق وأفغانستان. وعندما تنظرون إلى أفغانستان ترَون الطائرات الحربيّة الأميركيّة تقصف الناس وتقتلهم مئة [بعد] مئة أو مئة وخمسين [بعد] مئة وخمسين، وليس لمرّة واحدة أو مرّتين أو عشر مرات، بل قصفوا الناس وقتلوهم دائماً طوال السنوات الماضية. طيّب، وماذا يفعل الإرهابيّون؟! هذا هو الشيء نفسه الذي يفعله الإرهابيّون مع فارق أنّ الإرهابيّين يقتلون الناس شخصاً أو شخصين أو عشرة أشخاص، وأنتم تقتلونهم مئةً أو مئةً وخمسين كلّ مرة. أيّة مكافحة للإرهاب هذه؟ في العراق ساندوا العناصر البعثيّة الإرهابيّة -وفقاً لمعلومات أكيدة- وتماشوا معهم، في حين أنّهم رفعوا شعار مكافحة الإرهاب! هذا هو ما يجعل شعوب المنطقة تبغض أميركا، وتسوِّد وجهها وتسقطها[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى العشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2009م.

 

45


27

من الجرائم الأميركيّة

الكذب والتزوير

لاحظوا، كيف أنّ الحكومة الأميركيّة اليوم معروفة ومشهورة على المستوى العالميّ، بأنّها لاعب عنيف ويداه ملطّختان بالإجرام وهذه هي حقيقة الأمر. أميركا اليوم هي هكذا على المستوى العالميّ، لاعب عنيف متورّط بالإجرام ولا يتورّع عن ارتكاب أيّ عملٍ قبيح ونقض حقوق الشعوب والبشر، وكذلك فإنّ الإدارة الأميركيّة في داخل أميركا أيضاً صارت معروفة، كحكومة ونظام، بالكذب والتزوير وعدم الوفاء بالوعود والعهود؛ لذلك فإنّ ثقة الشعب الأميركيّ، بهذه الحكومة وبرئيس الجمهوريّة الحاليّ وكذلك بالرئيس السابق، والتي ظهرت في أدنى مستوياتها وفق استطلاعات الرأي، تشير إلى رفض الناس هناك لهؤلاء ولسياساتهم. هؤلاء هم أعداؤنا، عدوّنا ليس حكومة محترَمة وحكومة ذات ثقة ومصداقيّة، هم هكذا[1].

دعم أميركا لصدّام ضدّ إيران

كان صدّام الجنديّ [المقاتل] الأماميّ في جبهة العدُوّ؛ وقد آزرته كلّ أجهزة عالم الكفر والاستكبار. حتّى لو افترضنا أنّهم لم يشاركوا في هذه المؤامرة منذ البداية، فإنّ مشاركتهم فيها، لاحقاً، كانت واضحة وجليّة. جاء الجميع واصطّفوا خلف صدّام. فقد جاءت أميركا، والسوفيات يوم ذاك جاؤوا، والناتو،

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة في طهران، بتاريخ 06/03/2014م.

 

46


28

من الجرائم الأميركيّة

وجاءت البلدان الرجعيّة التابعة للاستكبار ومنحت الأموال، والمعلومات، والخرائط [الخطط]، والإعلام. تحرّكت هذه الجبهة الهائلة لتقضي على إيران الكبيرة، الرشيدة، الشجاعة، المؤمنة، قضاءً تامّاً. أرادوا بالدرجة الأولى [بدايةً]، إخضاع منطقة تابعة لسياسة الاستكبار، من قبل شخص صغير ومنحطّ مثل صدّام، لتبقى في المرحلة الثانية في قبضة أميركا. فالمصيبة التي أنزلوها طوال مئتي عام ببلادنا، وهذه المشاكل كلّها التي تسبّبوا بها للشعب -أرادوا مواصلتها لمئة عام أو مئتي عام أخرى؛ لكنّ شعبنا وقف وإمامنا الجليل وقف. طبعاً، قدّمنا أرواحاً عزيزة، وشهداءً كباراً، وشباباً محبوبين، لكنّ هذا لم يكن ثمناً باهظاً مقابل ذلك المكسب[1].

أعطوا لصدام الضوءَ الأخضرَ للهجوم على إيران، وكانت هذه خطوة أخرى من قِبل الحكومة الأميركيّة. لو لم يتلقَّ صدّام الضوء الأخضر من أميركا، لكان من المستبعد أن يهاجم حدودنا. فرضوا على بلادنا ثمانية أعوام من الحرب، واستشهد في هذه الحرب قرابة ثلاثمئة ألف من شبابنا وأبناء شعبنا. وقد ساند الأميركيّون طوال هذه الأعوام الثمانية -وفي السنوات الأخيرة منها خصوصاً- صدّاماً دوماً، وقدّموا له العون والمساعدة -مساعدات ماليّة، وتسليحيّة، وخبرات سياسيّة- وزوّدوه بما لديهم من معلومات وتقارير من خلال الأقمار الصناعيّة، وسائر إمكاناتهم الاستخباريّة.

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمع من أهالي مدينة قم المقدّسة في الذكرى السنويّة لانتفاضة التاسع عشر من شهر دي، بتاريخ 08/01/2009م.

 

 

47


29

من الجرائم الأميركيّة

كانت أقمارهم الصناعيّة تسجّل تحرّكات قوّاتنا في الجبهة، ويعطونها في الليلة نفسها لمقرّات صدّام؛ كي يستخدموها ضدّ شبابنا وقوّاتنا[1].

ضرب الكيميائيّ وإسقاط طائرة (300 مسافر)

يدّعون أنّهم من أنصار الإنسانيّة، ثمّ يطلقون الصواريخ على طائرة ركّاب مدنيّة إيرانيّة، يقتلون ثلاثمئة مسافر بريء تقريباً. لا يعتذرون، ليس هذا فحسب، بل يقدّمون ميداليّة لذلك الشخص الذي ارتكب تلك الجريمة! في الأسابيع الأخيرة سمعتم كيف أن الأميركيّين -من رئيس جمهوريّتهم إلى باقي المسؤولين- قد افتعلوا أزمة حول استخدام السلاح الكيمائيّ. أنا لا أقوم بالحكم في المسألة من الذي استخدمه، وإن كانت القرائن تشير إلى أنّ المجموعات الإرهابيّة قد استخدمت هذا السلاح. ولكنّهم (الأميركيّون) قالوا إنّ الحكومة السوريّة قد قامت بذلك، وأحدثوا ضجيجاً وتهويلاً بأنّ استعمال السلاح الكيميائيّ هو خطّ أحمر! لقد قال المسؤولون الأميركيّون هذا عشر مرّات أو أكثر، صحيح! ولكن هذه الحكومة الأميركيّة ونظام الولايات المتّحدة نفسه، حين استخدم صدّام السلاح الكيميائيّ في حملاته الإجراميّة على إيران، ليس فقط أنّهم لم يقوموا بأدنى اعتراض على ذلك، بل زوّدوه بخمسمئة طنّ من الموادّ الكيميائيّة الجاهزة للتبديل بغاز الخردل -حتّى الآن

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الروضة الرضويّة الطاهرة في يوم النوروز، بتاريخ 21/03/2009م.

 

48


30

من الجرائم الأميركيّة

لا يزال الكثير من شبابنا العزيز الذين أصيبوا في تلك الأيّام يعانون من عوارضها ويتحمّلون الأمراض لسنوات متمادية- لقد استوردها صدّام من أميركا التي كانت تدعمه وتساعده، وبالطبع لقد اشترى هكذا أسلحة من أماكن أخرى، ولكن خمسمئة طنّ من المواد الكيميائيّة المنتجة لغاز الخردل قد استخدمها، وحين أرادوا إصدار قرار ضدّه في مجلس الأمن منعتهم أميركا ذلك! هذا هو السلوك المنافق، هنا يصبح السلاح الكيميائيّ خطّاً أحمر، وهناك حيث يُستعمل ضدّ نظام إسلاميّ مستقلّ، ولأنه في مقابل شعب لا يرضى الخضوع لأميركا، يُصبح أمراً جائزاً وينبغي المساعدة عليه! هذا بعض من الخصوصيّات والشواخص، وبالطبع إنّ شواخص الاستكبار أكثر من هذا بكثير. حيث يثير الحروب ويزرع الفتن ويصارع الدول المستقلّة، بل إنّه يصارع حتّى شعبه إذا اختصّت مصالح فئة خاصّة ذلك، في حرب صدّام ضدّ إيران ساعدوه في أنواع الدعم الممكن، طرحت مثال الكيميائيّ، كذلك كانوا يُقدّمون له المعلومات، مدير المخابرات في نظام صدّام صرّح فيما بعد خلال مقابلة بأنّه كان يذهب إلى السفارة الأميركيّة في بغداد ثلاث مرّات في الأسبوع، حيث كانوا يعطونه رزمة مغلقة تحوي كلّ المعلومات الاستخباريّة المصوّرة بالأقمار الصناعيّة المتعلّقة بحركة نقل القوّات المسلّحة الإيرانيّة ومواصلاتهم ليطّلع على تموضعها، كانوا يقدّمون مساعدات كهذه[1].

 

 


[1] خطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أكبر حشد تعبويّ في طهران، بتاريخ 20/11/2013م.

 

49


31

من الجرائم الأميركيّة

إهانة الإسلام ومقدّساته

كلّما مرّ الوقت تزداد وضوحاً أهمّيّة وقيمة السعي في بناء الجمهوريّة الإسلاميّة وترسيخ أركانها. يشعر أعداء الجمهوريّة اليوم بالتراجع في مواجهتهم لهذه الحركة الكبرى المتدفّقة؛ لذلك يعمدون إلى القيام بأعمال جنونيّة، فالحدث الأخير المتمثّل بإهانة الوجه المنوّر لخاتم الرسل(صلى الله عليه وآله) هو من العِبر والدروس في تاريخنا وسيبقى عِبرة. ففي الوقت الذي لا يدين زعماء الأنظمة الاستكباريّة هذا العمل ولا يقومون بواجبهم تجاه هذه الجريمة الكبرى، يسعَون إلى تبرئة أنفسهم منها، فيزعمون أن لا دخل لهم بها. ونحن لا نصرّ على إثبات الجريمة على أشخاص أو مسؤولين أو عاملين، لكنّ سلوك زعماء الاستكبار وسياسيّي أميركا وبعض الدول الأوروبيّة وأسلوبهم أدّى إلى أن تتّجه أصابع الاتّهام من الشعوب إليهم. يجب عليهم أن يبرّئوا أنفسهم ويثبتوا أنّهم ليسوا شركاء في هذه الجريمة الكبرى، والإثبات لا يحصل بالكلام، بل ينبغي أن يثبتوا ذلك عمليّاً وأن يمنعوا مثل هذه الاعتداءات، وبالطبع لن يفعلوا ذلك. ودليل ذلك واضحٌ، فالدافع موجودٌ في الأجهزة الاستكباريّة من أجل إهانة الإسلام ومقدّساته. إنّ ما يحملهم على القيام بهذا العمل الجنونيّ ومثل هذه الأعمال هو الحركة العظيمة للصحوة الإسلاميّة. وعندها يتذرّعون بأنّهم لا يستطيعون أن يمنعوا مثل هذه الذنوب الكبرى التي تصدر عن بعض الأفراد بسبب احترام الحرّيّة. من الذي يصدّق مثل هذا الكلام في العالم؟ من الذي يصدّق أنّه

 

 

50

 


32

من الجرائم الأميركيّة

في تلك الدول التي يوجد فيها خطوطٌ حمر لعدم المساس بمبادئهم الاستكباريّة -حيث يراعون هذه الخطوط الحمر بشدّة وحدّة تامّة ويتوسّلون بكلّ قوّة وشدّة لمنع تجاوزها- أنّهم ملتزمون بحرّيّة التعبير عن الرأي في مجال إهانة مقدّسات الإسلام؟![1].

 

إهانة النبيّ(صلى الله عليه وآله)

أ. الوجه الأوّل: محور الصراع وجود الرسول(صلى الله عليه وآله)

إنّ الظروف تختلف، وفي هذا العام للحجّ ظرفٌ خاصّ، فإنّ تجلّي وظهور عظمة خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله) في أعين الأصدقاء والمحبّين، وكذلك في أعين الأعداء سيكون من خصوصيّات حجّ هذا العام. وما ارتكبته الأيادي المجرمة للأعداء في ما يتعلّق بإهانة محضر هذا العظيم المقدّس في أميركا، قضيّة لها جانبان ووجهان: فمن جهةٍ تظهر عمق البغض والحقد الذي يكنّه الأعداء والمستكبرون وعملاؤهم لنبيّ الرحمة والعزّة والكرامة، والحامل لأسمى وأعلى المحامد الإنسانيّة والبشريّة على مرّ تاريخها وفي عالم الوجود كلّه. إنّ ذلك يُظهر مدى عمق وتجذّر عدائهم للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، فهم من جانب يرتكبون هذه الإهانات، ومن جانبٍ آخر يتّخذ ساستهم بشأن هذه القضيّة موقفاً لا يختلف بتاتاً عن موقف الأعداء! فهذا أحد وجوه القضيّة، وهو أمرٌ مفيدٌ جدّاً للعالم الإسلاميّ، فحتّى أصعب الناس والجماعات

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء طلّاب الكلّيّات الحربيّة، بتاريخ 17/09/2012م.

 

 

51


33

من الجرائم الأميركيّة

والمجموعات تصديقاً وأكثرهم تشكيكاً، أدركوا ما هي حقيقة الاصطفاف ومن هم أطرافه، وما هي النّزاعات التي تدور بين جبهة الحقّ والباطل، وعلى أيّ محور، فقد تبيّن أنّ الصراع يدور حول محور أساس الإسلام وأساس وجود خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله). لقد كانت هذه حادثةً جرت على أيدي العدوّ لكنّ العالم الإسلاميّ استفاد منها؛ لأنّه عرف العدوّ وسبب عدائه ومحور الاختلاف بين الحقّ والباطل. اليوم، نجد أنّ النّزاعات هي هذه، أمّا باقي الكلام الذي يصدره مستكبرو العالم ضدّ الشعوب المسلمة، فهو كلام فرعيّ وكاذب وليس سوى مبرّرات، لقد اتّضح ما هو أساس القضيّة. هذا هو أحد أوجه القضيّة.

ب. الوجه الثاني: غليان العالم الإسلاميّ

الوجه الآخر للقضيّة هو هذه الحركة العظيمة للمسلمين. انظروا اليوم إلى ما يجري في العالم الإسلاميّ، وأيّ حميّة وانتفاضة أظهرتها الشعوب المسلمة. فأكثرهم لم يشاهد هذا الفيلم، بل علموا فقط بصدور مثل تلك الإهانة. انظروا أيّ غليانٍ حدث في العالم الإسلاميّ. فالدول الإسلاميّة وشعوبها ومن دون أن يطلب منها أحد، أو يحرّكها أحد تتحرّك وتأتي وتصرخ من أعماق وجودها وقلوبها لتعبّر عن حبّها لنبيّها، فلهذا أهمّيّة فائقة. لقد حدثت واقعةٌ مدهشة، ففي الدول الغربيّة نفسها، وهناك حيث تتربّع الأصنام الكبرى والمستكبرون والطغاة ويخطّطون ضدّ الإسلام والأمّة الإسلاميّة بنحوٍ متواصل، في أوروبّا وفي أميركا وفي الدّول

 

 

 

52


34

من الجرائم الأميركيّة

غير الإسلامية المختلفة، نزل المسلمون إلى السّاحات وأحياناً غيرهم أيضاً، فهذا أيضاً وجهٌ آخر للقضيّة. إنّ هذه قضيّةٌ مهمّة جداً، وهذا ما يظهر مدى استعداد العالم الإسلاميّ للتحرّك[1].

 

الاستيلاء على ممتلكات إيران

أعطى النظام السابق الأميركيّين أموالاً طائلة لشراء طائرات ومروحيّات وأسلحة منهم. وقد تمّ تجهيز بعض هذه المعدّات هناك، لكنّهم لم يسلّموها حينما قامت الثورة، ولم يعيدوا تلك الأموال التي كانت مليارات الدولارات، والأغرب أنّهم احتفظوا بتلك المعدّات في مخازن، وقرّروا لأنفسهم أجوراً على هذا التخزين، وظهروا بمظهر الدائن، واقتطعوا أجور تخزين لأنفسهم من حساب معاهدة الجزائر! يغتصبون ممتلكات شعب ويحتجزونها عندهم، ثمّ يتقاضون أجور تخزينها! هذا سلوك ابتدأ منذ اليوم الأوّل ولا يزال مستمرّاً إلى اليوم. لا تزال الأموال الإيرانيّة هناك، في أميركا وفي بعض البلدان الأوروبّيّة. وقد تابعناهم لسنوات وطالبناهم بممتلكاتنا التي دُفعت أثمانها، فقالوا: لأنّها تحتاج إلى ترخيص الأميركيّ، فالأميركيّون لا يسمحون بتسليمها ولن نسلّمها لكم، وأبقَوها عندهم. ولا تزال ممتلكات الشعب الإيرانيّ موجودة هناك إلى يومنا هذا[2].

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء القيّمين على شؤون الحجّ، بتاريخ 24/09/2012م.

[2]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الروضة الرضويّة الطاهرة في يوم النوروز، بتاريخ 21/03/2009م.

 

53


35

من الجرائم الأميركيّة

تأجيج الحروب لبيع السلاح

أطلقوا الإعلام العدائيّ ضدّ بلادنا من دون انقطاع. متى ما تحدَّث رؤساء جمهوريّة أميركا -خصوصاً خلال فترة الرئيس الأميركيّ الزائل السابق- طوال هذه الأعوام، عن شعب إيران، وضدّ بلادنا، وضدّ مسؤولينا، وضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة- أهانوا الشعب الإيرانيّ، وأطلقوا كلاماً فارغاً سخيفاً ضدّه. هكذا كان الوضع دائماً على مدى هذه الأعوام. ضعضعوا أمن منطقتنا، وأمن الخليج الفارسيّ، وأفغانستان، والعراق، وأطلقوا سيول التسليح لبلدان المنطقة من أجل مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة، وفي الواقع من أجل مِلء جيوب شركات السلاح. دعموا الكيان الصهيونيّ من دون قيد أو شرط؛ ذلك الكيان الظالم، الذي شاهدتم نموذجاً لظلمه في أحداث غزّة، قبل شهرين أو ثلاثة، ولاحظتم أيّة فاجعة اجترحوا هناك؛ كم قتلوا من الأطفال والرجال والنساء! قتلوا، على مدى 22 يوماً، خمسة آلاف إنسان في غزّة، بقصفهم وصواريخهم ورصاصهم المباشر؛ ومع ذلك، دافعت الحكومة الأميركيّة عن ذلك الكيان إلى آخر لحظة. كلّما أراد مجلس الأمن إصدار قرار ضد الكيان الصهيونيّ، تقدّمت أميركا إلى الأمام، وجعلت من نفسها درعاً يحمي ذلك الكيان، ودافعت عنه، وحالت دون إصدار القرار. هدّدوا بلادنا بمناسبة ومن دون مناسبة. قالوا دوماً: إنّنا سنهجم، وأنّ الخيار العسكريّ على الطاولة، وسنفعل كذا وكذا. هدّدوا شعبنا في كلّ مرة تحدّثوا فيها عن بلادنا. طبعاً لم تؤثّر هذه التهديدات في شعبنا،

 

54

 

 


36

من الجرائم الأميركيّة

لكنّهم أظهروا عداءهم بهذه الوسائل. وجّهوا الإهانات إلى شعب إيران، وحكومة إيران، ورئيس جمهورية إيران مراراً[1].

 

قمع الشعوب واستعبادها

حصلت بعض الشعوب علی العلم وهذا طبيعيّ، والعلم يُتداول بين الشعوب علی مدی التاريخ. ذات يوم كانت مناطق الشرق قطب العلم في العالم، وفي زمن آخر كانت مناطق الغرب مركز العلم. حينما تمكّنت هذه الشعوب من العلم، استخدمته لمصالح [لخدمة] الاستعمار وقمع الشعوب؛ وقد قُمعت الكثير من البلدان وكثير من الشعوب، في شرق العالم وغربه [في أفريقيا وآسيا] وسُحقت واستُعمرت بواسطة «عِلْم» البلدان الغربيّة، وجری [من خلال العلم] أسر الأجيال البشريّة واستعبادها؛ وإنّ السود في أميركا اليوم هم أبناء أولئك المساكين، الذين سيقوا من بلدانهم الأفريقيّة عبيداً علی يد المستعمرين الغربيّين، اصطادوهم من بيوتهم، وحياتهم، ومزارعهم، وبيئتهم؛ كما تصطاد الحيوانات، وشرّدوهم، وأجبروهم علی الأعمال الشاقّة. وقد وقع هذا [الأمر] في جميع أنحاء العالم، في شبه القارّة الهنديّة، وفي آسيا القصوی خلال العهود السوداء. أذلّوا عباد الله وخلقه، وظلموهم، وأفسدوا حياتهم فتراتٍ طويلة بواسطة العلم الذي اكتسبوه، و[هذا العلم] كان موهبة إلهيّة[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الروضة الرضويّة الطاهرة في يوم النوروز، بتاريخ 21/03/2009م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في مراسم تخرّج جامعة الإمام الحسين(عليه السلام) في طهران، بتاريخ 15/04/2009م.

 

55


37

من الجرائم الأميركيّة

إثارة الفتن وتأجيج الحروب

بعد يأسهم من إلغاء الإسلام والشعارات الإسلاميّة، عمدوا إلى إثارة الفتن بين الفرق الإسلاميّة، وراحوا يضعون العقبات والعراقيل في طريق اتّحاد الأمّة الإسلاميّة بمؤامرات التخويف من الشيعة والتخويف من السنّة. إنّهم يخلقون الأزمات في سوريا بمساعدة عملائهم في المنطقة ليصرفوا أذهان الشعوب عن قضايا بلدانها المهمّة والأخطار التي تحدّق بهم، إلى الأحداث الدامية التي ساهموا إسهاماً أساسيّاً في خلقها. إنّ الحرب الداخليّة في سوريا ومقتل الشباب المسلمين على أيدي بعضهم بعضاً جريمة بدأت وتمّ تأجيجها من قبل أميركا والصهيونيّة والحكومات المطيعة لهما. من يمكنه أن يصدّق أنّ الحكومات التي دعمت الدكتاتوريّات السوداء في مصر وتونس وليبيا تحمي الآن مطالبة الشعب السوريّ بالديمقراطيّة؟ قضيّة سوريا قضيّة الانتقام من حكومة وقفت لوحدها طوال ثلاثة عقود أمام الصهاينة الغاصبين، ودافعت عن فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان. إنّنا نناصر الشعب السوريّ ونعارض أيّ تحريض وتدخّل خارجيّ في سوريا. أيّ إصلاح في هذا البلد يجب أن يتمّ على يد الشعب وبأساليب وطنية تماماً. أن يختلق طلّاب الهيمنة الدوليون بمساعدة حكومات المنطقة المطيعة لهم أزمةً في بلد بذريعة من الذرائع، ثمّ يتذرّعوا بوجود تلك الأزمة للسماح لأنفسهم بارتكاب أيّة جريمة في ذلك البلد، فهذا خطر جدّيّ إذا لم تعالجه حكومات المنطقة فعليها أن تنتظر دورها في هذه الخدعة الاستكباريّة[1].

 

 


[1] نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظله) لحجّاج بيت الله الحرام عام 1433هـ.ق (25/10/2012م).

 

56


38

من الجرائم الأميركيّة

الاعتداء على اليمن

اليوم، إنّ ماء وجههم قد أُريق في العالَم كلّه. انظروا إلى الحركة التي تقوم بها الحكومة السعوديّة في اليمن! لا يُمكن تبريرها بأيّ منطق ولا بأيّ بيان. أن يُرسل أحدٌ طائراته لقصف بلد آخر. لأنّكم تؤيّدون الرئيس الفلانيّ ولا تقبلون بالشخص الفلانيّ يُقرّرون الهجوم على شعب وقتله، يُدمّرون البنى التحتيّة، يرتكبون الجرائم ويقتلون النساء والأطفال ويشعلون الحرائق والنار و[يسبّبون] الدمار في كلّ مكان لا تبرير ولا منطق لكلّ هذا. يدعم الأميركيّون هذه الحركة التي لا يُمكن تبريرها وهذه الجريمة الكبرى. هل هناك فضيحة وإراقة لماء الوجه أكثر من هذا؟ لا احترام لأميركا ولا ماء وجه لديها عند شعوب المنطقة؛ الكلّ يشاهد هذا الوضع بوضوح إنّ الأميركيّين يعلنون بكلّ صراحة أنّهم يدعمون هذا العدوان ولا يخجلون أبداً من هذا الدعم، ومع هذا فهم يقولون لنا: لماذا تُساعدون اليمنيّين؟ كنّا نُريد إرسال مساعدات طبّيّة وإسعافات وأدوية للمرضى لم نكن نريد إرسال أسلحة. إنّ اليمنيّين لا يحتاجون إلى أسلحتنا. كلّ ثكنات وقواعد اليمن وجيش اليمن بتصرّف الشَّعب اليمنيّ المكافح والثوريّ، و«أنصار الله» هم ليسوا بحاجة إلى أسلحتنا أردنا إرسال الأدوية لهم. أنتم أتيتم وفرضتم حصاراً ومنعتم الدواء والغذاء عن شعب، منعتم عنهم الطاقة، ثمّ تصرّحون بأنّه يُمنع على أيّ أحد أن يُساعدهم! حتّى الآن لم تسمحوا للهلال الأحمر بأن يقوم بعمله الإنسانيّ في الوقت نفسه يقومون هم [الأميركيّون] من الجهة المقابلة

 

 

57

 


39

من الجرائم الأميركيّة

بتقديم المعلومات العسكريّة للسعوديّين، يمدّونهم بالسلاح والذخائر والتجهيزات وبالدعم والتشجيع السياسيّ. لا احترام ولا ماء وجه للأميركيّين[1].

 

إغضاؤهم عن مجازر السعوديّة

كأنّ الحياءَ قد سُلِبَ منهم! إنّهم يقومون بأعمال، ويُطلِقُون كلاماً، ويتّخذون مواقف تحيّر الإنسان وتدهشه حقّاً، ويتساءل ما طبيعة هؤلاء؟ هل هم بشر؟! على سبيل المثال، لقد شاهدتم في الأسبوع الماضي، وعلى مدى أسبوع واحد، أنّ السعوديّين ارتكبوا جريمتَين مروّعتَين في اليمن؛ ففي بداية هذا الأسبوع، شنّوا هجوماً بالقنابل والصواريخ على مستشفى، وقتلوا فيه عدداً من المرضى، وفي آخر الأسبوع، استهدفوا حافلةً تُقِلُّ أطفالاً تتراوح أعمارهم بين الثامنة والتاسعة والعاشرة، وقتلوا أربعين أو خمسين من الأطفال الأبرياء تقريباً. لاحِظوا كم هي المصيبة كبيرة! ألديكم في البيت طفلٌ في الثامنة أو التاسعة من العمر؟ إنّ قلب الإنسان ليرتجف لذلك! ارتكب السعوديّون هذه الجريمة، واهتزّ العالَم. ضميرُ العالَم اهتزّ، وأطلقَت الحكوماتُ بعضّ التصريحات من باب المجاملة، وأبدوا أسفَهم، وقالوا شيئاً، لكنّ [قلوب] الجميع اهتزّت!

ما الذي فعلته أميركا هنا؟ بدل أن تُدين أميركا هذه الجريمة الواضحة، قالت: إنّ لدينا تعاوناً استراتيجيّاً مع السعوديّين.

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمع من المعلِّمين والتربويّين من جميع أنحاء البلاد، بتاريخ 06/05/2015م.

 

58


40

من الجرائم الأميركيّة

 أليس هذا انعداماً للحياء؟ أليس هذا انعداماً للخجل؟ وهكذا هم في القضايا والشؤون كلّها. الأعمال التي يقومون بها تدلّ على الوقاحة وعدم الحياء[1].

الحرب على غزّة

افرضوا أنّ شخصاً ما قد قُتل في أيّ منطقة من العالم أو حيواناً، فإنّهم يحدثون ضجّة عارمة، ولكن انظروا الآن في الهجوم على غزّة حيث ما زالت الطّائرات منذ عدّة أيّام تقصف وتقتل العشرات -والكثير من هؤلاء من الأطفال المظلومين والأبرياء- فإنّ هذا الأمر لا يعني لهم شيئاً. وليت الأمر أنّه لا يعنيهم بل إنّ أميركا وإنكلترا، كما طالعتم في الأخبار، يدعمون هذه الحملات والهجمات. هكذا هو عالمنا اليوم: يدعم كلّ أمرٍ سيّئٍ ومنحرفٍ ومنحطٍّ وفاسدٍ وقذرٍ ونجسٍ إذا كان لخدمة مصالحهم، ولا يرعوون أبداً. وها هم يواجهون كلّ طهرٍ وقداسة وصدقٍ ويعارضونه. بل يواجهونه بكلّ وحشيّة طالما أنّه لا ينسجم مع مصالحهم، هكذا هو عالمنا اليوم[2].

جعل المعصية أمراً عاديّاً

من خصائص الثقافة الغربيّة جعل المعصيّة أمراً عاديّاً، وكذلك الآثام الجنسيّة. وقد جلب هذا الوضع في يومنا هذا العار للغرب. في البداية، كان الأمر في إنكلترا، ثمّ انتقل إلى

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من مختلف شرائح الشعب الإيرانيّ، بتاريخ 13/08/2018م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، بتاريخ 12/07/2014م.

 

59


41

من الجرائم الأميركيّة

بعض الدّول الأخرى وأميركا. فأصبحت هذه المعصية الكبرى المتعلّقة بالشذوذ الجنسيّ قيمةً، ويتمّ الاعتراض على السياسيّ الفلانيّ؛ لأنّه يخالف الشذوذ أو يعارض الشاذّين! انظروا إلى أين يصل الانحطاط الأخلاقيّ، هذه هي الثقافة الغربيّة. كذلك هناك تفكّك الأسرة وانتشار المشروبات الكحوليّة والمخدّرات[1].

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ كبيرٍ من الشباب والطلّاب في محافظة خراسان الشماليّة، بتاريخ 14/10/2012م.

 

60


42

المسؤولون الأميركيّون

لا تهابوا الأعداء، إنّهم الأسوأ سمعة

من واجباتنا الأساسيّة أيضاً، إنّ علينا أن لا نخاف ولا نرتعب من عداوة الأشرار، العداوة موجودة، شئنا أم أبينا. لا يمكن أن يوجد شعب يتمتّع بالفكر والعقيدة والحركة ويكون مصاناً (بمنأى) من عداوة الأعداء. باعتقادي أنّه اليوم، من سعادة الشعب الإيرانيّ أنّ أعداءه هم الأكثر افتضاحاً والأسوأ سمعة في العالم! لاحظوا، كيف أنّ الحكومة الأميركيّة اليوم معروفة ومشهورة على المستوى العالميّ، بأنّها لاعب عنيف ويداه ملطّختان بالإجرام وهذه هي حقيقة الأمر. أميركا اليوم هي هكذا على المستوى العالميّ: لاعب عنيف متورّط بالإجرام ولا يتورّع عن ارتكاب أي عملٍ قبيح ونقض حقوق الشعوب والبشر، وكذلك فإنّ الإدارة الأميركيّة في داخل أميركا أيضاً صارت معروفة، كحكومة ونظام، بالكذب والتزوير وعدم الوفاء بالوعود والعهود؛ لذلك فإنّ ثقة الشعب الأميركيّ بهذه الحكومة وبرئيس الجمهوريّة الحالي وكذلك بالرئيس السابق، والتي ظهرت في أدنى مستوياتها وفق استطلاعات الرأي، تشير إلى رفض الناس هناك لهؤلاء ولسياساتهم. حسنٌ، هؤلاء هم أعداؤنا، عدوّنا ليس حكومة محترَمة وحكومة ذات ثقة ومصداقيّة، هم هكذا. ولذلك ينبغي على الإنسان أن لا

 

63


43

المسؤولون الأميركيّون

يسمح للخوف (منهم) أن يتسلّل إلى نفسه. والاعتماد على النصرة الإلهيّة هو أمرٌ بالغ الأهمّيّة[1].

 

تأييد الرئيس الأميركيّ لمعارضي النظام الثورة

قُبَيل تلك الأحداث، بعث الرئيس الأميركيّ إليَّ رسالة -وكانت الرسالة الثانية- مشحونة بالتصريحات المؤيّدة لي أنا العبد الحقير، ولنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وكنت عازماً على الإجابة، ولم أكن أنوي عدم الردّ، ولكن بعد حصول تلك الأحداث، اتّخذَ [الرئيس] على الفور موقفاً إلى جانب أولئك الذين نزلوا إلى شوارع طهران لمناهضة النظام والثورة، ومجابهة اسم الإسلام في الجمهورية الإسلامية، وحظيت كلّ أعمال المعارضين بتأييد هؤلاء، علماً بأنّهم كانوا يريدون أن يفعلوا المزيد، ولكنّهم لم يتمكنوا من ذلك. واليوم أيضاً، يقول عددٌ من معارضي الرئيس الأميركيّ الحاليّ، إنّك لم تقدّم الدعم الكامل لأولئك الذين ناهضوا الجمهوريّة الإسلاميّة في عام 2009م. وكيف لا؟ لقد دعمهم، إلّا أنّ الشعب الإيرانيّ تحرّك ونزل إلى الساحة في الوقت المناسب، وقام بالعمل الصحيح. والحاصل أنّ هذا البقاء والخلود أمرٌ يتّسم بالأهمّيّة، ولا بدّ من النظر إليه كهدفٍ، والتفكير في كيفيّة ضمانه وتأمينه. فانظروا وفتّشوا عن عناصر بقاء الثورة وديموميّتها؛ العناصر التي يجب علينا جميعاً تأمينها واحداً بواحد. وقد أشرت إلى أن

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة، بتاريخ 08/02/2014م.

 

64


44

المسؤولون الأميركيّون

تحليل هذه المسألة يقع على عاتقكم أنتم الشباب[1].

 

مرشّحون يتسابقون في الإساءة والعداء

المسألة الواقعيّة الثانية هي أنّ أميركا، ولأسباب واضحة، تعادينا، ونقصد بذلك -كما ذكرنا- الساسة الأميركيّين والسياسات الأميركيّة. ففي قضيّة الاتّفاق النوويّ نكثوا العهود وهدّدونا بفرض عقوبات أخرى. وكما ذكرت، فإنّ وزير الخزانة الأميركيّة راح يبذل مساعيه الدؤوبة للحيلولة دون انتفاع الجمهوريّة الإسلاميّة من نتائج الاتّفاق النوويّ. وهذا هو العِداء بعينه، فإنّهم يهدّدون على الدوام بفرض المزيد من العقوبات. وبعد عدّة أشهر -سبعة أو ثمانية أشهر- ستُجرى الانتخابات الرئاسيّة في أميركا، والحكومة الأميركيّة الحالية تتبدّل بعد تسعة أشهر، ولا توجد أيّة ضمانة تفيد بأنّ الحكومة القادمة ستلتزم بهذه التعهّدات القليلة التي وقّعت عليها الحكومة الحاليّة. والمرشّحون لرئاسة الجمهوريّة في أميركا أخذوا اليوم يتسابقون في خطاباتهم الانتخابيّة في الإساءة إلى إيران، وهذا هو العداء، وهو عداء سافر. ومع ذلك، حينما نقول إنّ أميركا هي العدوّ، ينزعج بعضهم قائلين: لماذا تصفونها بالعدوّ؟ ولكنّها عدوّ، وممارساتها عدائيّة... وهذه أيضاً حقيقة واقعيّة[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في حشدٍ من أهالي قم المقدّسة بمناسبة يوم 19 دي، بتاريخ 09/01/2016م.

[2]  خطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الروضة الرضويّة المقدّسة في أوّل أيّام السنة الهجريّة الشمسيّة 1395هـ.ش (20/03/2016م).

 

65


45

المسؤولون الأميركيّون

هل يوجد وقاحة أبشع من هذا؟

انظروا إلى أين وصلت وقاحة العدوّ. يقف الرئيس الأميركيّ في نظامٍ قبليٍّ متخلّف منحطٍّ بالكامل، إلى جانب رئيس القبيلة، ويرقص معه رقصة السيف، ثمّ يعترض على أربعين مليون صوت أدلى بهم الشعب الإيرانيّ في انتخابات حرّة!

أعداء بهذا المستوى من الوقاحة والتهتّك وقلّة الحياء، يقفون إلى جانب من يقتلون الناس في الشوارع والأسواق في اليمن ليلاً ونهاراً، ثمّ يتحدّثون عن حقوق الإنسان! هل هناك وقاحة أكبر من هذه؟ إنّهم يقصفون اليمن في الليل والنهار منذ سنتين ونصف السنة تقريباً، لا يقصفون المواقع العسكريّة في اليمن، بل المناطق المدنيّة والناس العُزَّل في الأزقّة والأسواق والمساجد والمستشفيات والبيوت. يقتلون الأبرياء، يقتلون النساء والأطفال والكبار، ثمّ يذهبون ويقفون إلى جانبهم ويتبادلون المديح والغزل بعضهم ببعض، ويتشدّقون باسم حقوق الإنسان، ويفرضون الحظر على الجمهوريّة الإسلاميّة بسبب حقوق الإنسان. فهل يوجد وقاحة أبشع من هذا؟ نحن، وفي مقابل عدوٍّ كهذا، نحتاج إلى قدرةِ الثورة على التعبئة والاستقطاب[1].

مرشَّحا أميركا يفضحانها

هل شاهدتم هذه المناظرة بين مرشّحَي رئاسة الجمهورية في أميركا؟ هل رأيتم وسمعتم تلك الحقائق التي يطلقانها

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثامنة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2017م.

 

66


46

المسؤولون الأميركيّون

على لسانهما؟ إنّ هذين المرشّحين قد فضحا أميركا. لقد قالا أضعاف الأشياء التي كنّا نقولها نحن، وكان بعضهم لا يصدقها ولا يريد أن يصدقها. واللافت للنظر أنّ الذي يتكلم بصراحة أكثر قد نال اهتمام وتأييد الأميركيّين أكثر؛ لأنّ ذلك الرجل تحدّث بشكل أوضح وأكثر صراحة، فإنّ الشعب الأميركيّ قد انجذب إليه بشكل أقوى. قالت منافسته: إنّه يمارس خداع العوام والجماهير، وإنّ هذا بوبوليستي، ونهج العوام! لماذا نهج العوام؟ لأنّ الناس يستمعون إلى كلامه فيجدونه صحيحاً! فهم يشاهدون هذا في وقائع حياتهم المُعاشة. إنّ القيم الإنسانيّة قُضي عليها وسُحقت بالأقدام في ذلك البلد؛ حيث يوجد هناك تمييز عنصريّ. منذ أيام قال هذا الرجل في حملته الإعلاميّة الانتخابيّة: إنّكم إن كنتم من ذوي البشرة الملوّنة؛ من البشرة السوداء أو الهنود الحمر، وتسيرون في شوارع نيويورك وشيكاغو وواشنطن وكاليفورنيا وغيرها، فلا يمكنكم الاطمئنان والتأكد من أنّكم ستبقون أحياء بعد عدّة دقائق.

انظروا، هذا الكلام يطلقه من يتوقّع أنّه بعد أيّام سيدخل البيت الأبيض ويقود أميركا؛ هذا هو التمييز العنصريّ في أميركا!

كذلك تحدّث عن فقر الأميركيّين؛ قال: إنّ هناك 44 مليون جائع في أميركا. هو قال والآخرون كذلك قالوا: إنّ أقل من واحد بالمئة من الشعب الأميركيّ يملك تسعين بالمئة من ثروة أميركا. تمّ الدوس على القيم الإنسانيّة هناك؛ التمييز العنصريّ والصراعات والتعصّب العنصريّ، ونقض حقوق الإنسان. ما تصرخون به من شعار الموت لأميركا، وما قاله الإمام (قدس سره): كلّ

 

67


47

المسؤولون الأميركيّون

ما لديكم من صراخ أفرغوه على رأس أميركا، يعني الموت لهذه الأشياء، ولأجل هذا قال الإمام تلك العبارة[1].

ساسة أميركا جعلوا شعبها أسيرَ الصهيونيّة

يزعمون أنّ شعبهم شعب عزيز شامخ. والحكومات الأميركيّة اليوم أذلّت شعبها وضلّلته، كما قال القرآن الكريم عن فرعون: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾[2]، أضلّت الحكومات الأميركيّة شعبها، ولم يُسمح له بالاطلاع على الحقائق. حركة الـ 99 بالمئة والنهضة المعارضة لـ وول ستريت في أميركا جرت، والشعب الأميركيّ غير مطّلع على الكثير من الحقائق، ولو اطّلع ربما لاشتدّت هذه التحرّكات عشرة أضعاف. وضعوا شعبهم في أسر الصهاينة. أليس من العار على حكومة أن يتحدّث المرشح فيها لرئاسة الجمهورية خلال معركته ومناظراته الانتخابيّة بما يدخل السرور على قلوب الصهاينة، ويثبت خدمته وطاعته لهم؟! عندما ترَون في هذه المناظرات الانتخابيّة في أميركا، أنّ كلّ واحدٍ من المرشّحَين الحاليَّين يحاول إبداء الطاعة للمجتمع الصهيونيّ في فلسطين، وللمجتمع الصهيونيّ والرأسماليّ الإسرائيليّ؛ فذلك لأنّهم أسرى الصهاينة. إنّ ساسة مثل هذا البلد الكبير وبمثل هذا التقدّم العلميّ جعلوا شعبهم أسيراً لحفنة من الصهاينة[3].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء التلاميذ والطلّاب الجامعيّين، بتاريخ 02/11/2016م.

[2]  سورة طه، الآية 79.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من طلّاب المدارس والجامعات، بتاريخ 31/10/2012م.

 

68


48

مخطّطات خبيثة

مواجهة الإسلام باسم الإسلام!

ما يلاحظ اليوم، في عالم الإسلام، أنّ أعداء الإسلام يواجهون الإسلام باسم الإسلام، وبلباس الإسلام، هذا التعبير نفسه الذي أطلقه إمامنا العظيم (قدس سره): الإسلام الأميركيّ في قبال الإسلام المحمّدي الأصيل، الإسلام الأميركيّ إسلام ينسجم مع الطاغوت، مع الصهيونيّة، وقد ظهر لخدمة أهداف أميركا، فظاهره الإسلام واسمه الإسلام أيضاً، ولعلّ بعضهم يقيمون الشعائر الإسلاميّة، مع أنّه كما يسمع الإنسان -وحاليّاً لا نعرف بالدقّة- فإنّ الكثير من هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا وبرزوا باسم الإسلام على ذلك النحو من التعصّب في بعض الدول -حالياً في العراق وقبل ذلك في أماكن أخرى- غير ملتزمين بالأحكام والشرائع الدينيّة والواجبات الدينيّة الفرديّة، إلّا أنّ الثابت والمؤكّد أنّهم يتحرّكون في الجهة المخالفة للإسلام 180 درجة. يرى الإسلام أنّ مساعدة أعداء الدين وموافقتهم وولايتهم وولاية المستكبرين هي من الأشياء التي يجب على المؤمنين رفضها وتجنبها: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾[1]. إذا كنتم تتحرّكون في سبيل الطاغوت باسم الإسلام، اعلموا

 

 


[1] سورة النساء، الآية 76.

 

 

71


49

مخطّطات خبيثة

أنّ هذا الإسلام ليس هو الإسلام المنشود والمطلوب، ليس هو الإسلام الحقيقيّ، فيوجد في القضيّة خطأٌ وعيبٌ ما، واليوم الأمر هكذا. بالطبع، يمكن للإنسان أن يلاحظ أيادي العدو، وليكن على ثقة أنّ اليد الخبيثة للأجهزة المخابراتيّة والتجسّسيّة لأنظمة أعداء الإسلام لها دور مؤكّد -مباشر أو غير مباشر- في إيجاد هذا النوع من القضايا والمصائب التي تحلّ بالمسلمين. هؤلاء هم الذين يعدّون الساحة والمجال -مثلما نلاحظ- وإنّ دلائل ذلك وشواهده واضحة وظاهرة أيضاً[1].

 

احذروا الإسلام الأميركيّ!

ينبغي للناشطين المخلصين في العالم الإسلاميّ أن يفرّقوا بنظرة واعية بين الإسلام المحمّدي الأصيل والإسلام الأميركيّ، وأن يحذروا ويحذِّروا من الخلط بين هذا وذاك. لقد اهتمّ إمامنا الراحل لأوّل مرّة بالتمييز بين المقولتين، وأدخل ذلك في القاموس السياسيّ للعالم الإسلاميّ. فالإسلام الأصيل هو إسلام النقاء والمعنويّة، إسلام التقوى والسيادة الشعبيّة، إسلام ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾[2]. إنّ الإسلام الأميركيّ هو تقمّص العمالة للأجانب، ومعاداة الأمّة الإسلاميّة بزيّ الإسلام! إنّ الإسلام الذي يُشعِل نيران التفرقة بين المسلمين، ويضعُ الثقة بأعداء الله بدلاً من الثقة بالوعد الإلهيّ، ويشنّ الحرب على الإخوة المسلمين بدلاً من مكافحة الصهيونيّة والاستكبار ويتّحد مع أميركا المستكبرة

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في جلسة الأنس بالقرآن، بتاريخ 29/06/2014م.

[2] سورة الحجرات، الآية 29.

 

72


50

مخطّطات خبيثة

ضدّ شعبه أو الشعوب الأخرى ليس بإسلام، إنّه نفاق خَطر مُهلك، يجب أن يكافحه كلّ مسلم صادق[1].

 

أميركا تدعم الإسلام العلمانيّ والإسلام المتحجّر

الأصل الأوّل في مدرسة الإمام إثبات الإسلام المحمّديّ الأصيل ورفض الإسلام الأميركيّ. فقد وضع الإمام الإسلام الأصيل في قِبال الإسلام الأميركيّ. فما هو الإسلام الأميركيّ؟ إنّه في عصرنا وفي عصر الإمام وفي جميع العصور -في حدود ما نعلم، وقد يكون الأمر على الشاكلة نفسها في المستقبل أيضاً- لا يخرج عن اتّجاهين: الأوّل الإسلام العلمانيّ، والآخر الإسلام المتحجّر. من هنا، لطالما رأينا الإمام يُدخِل الذين يحملون رؤية علمانيّة ويفصلون المجتمع والسلوك الاجتماعيّ للناس عن الدين الإسلاميّ في عداد الذين ينظرون إلى الدين بنظرة متحجّرة رجعيّة يستعصي على المجدّدين فهمها، والنظرة المتعصّبة لأسس خاطئة، ولطالما وضعهم الإمام إلى جانب بعضهم بعضاً. ولو جُلتم بأبصاركم لوجدتم أنّ كلا هذين التيّارين موجود في العالَم الإسلاميّ، وكلاهما مدعوم من قِبَل قوى الهيمنة في العالَم ومن قِبَل أميركا. واليوم أيضاً نجد أميركا وإسرائيل تدعمان تيّارات منحرفة كداعش والقاعدة وأمثالهما، وتُساندان في الوقت ذاته التيّارات الإسلاميّة في اسمها والغريبة في عملها، ضدّ الإسلام والفقه الإسلاميّ والشريعة الإسلاميّة[2].

 

 


[1]  نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظله) لحجّاج بيت الله الحرام عام 1435هـ.ق (30/09/2014م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2015م.

 

73


51

مخطّطات خبيثة

الأعداء لا فرق لديهم بين السنّة والشيعة

لطالما ذكرت أنّ خبرة البريطانيّين في هذه المسألة واسعة جدّاً، وتفوق خبرة الأميركيّين، وإنّ خبرتهم في بثّ الشقاق بين الشيعة والسنّة أكبر بكثير، وهم يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا لإثارة التناحر بين الجهتين. تراهم أحياناً يتكلّمون وكأنّهم من مناصري أبناء السنّة. لقد شاهدتم أخيراً مصادقة الكونغرس الأميركيّ على مشروع دعم العرب السنّة في العراق! ولكن هل يهمّهم أمر أهل السنّة حقاً؟ إنّهم يُعارضون كلّ شيء يمتّ إلى الإسلام بصلة ولا فرق لديهم بين الشيعة والسنّة، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه. فقضيّة المذهب الدينيّ هي قضيّة مهمّة. من حسن الحظّ أنّهم لا يستطيعون استغلال العامل الكرديّ في إيران، على الرغم من استغلالهم الكبير له في بعض البلدان الأخرى. عجزوا عن استغلال هذا العامل في إيران، لكنّهم طبعاً لا يتوقّفون عن الدعاية الإعلاميّة، ويضربون على وتر الاختلاف المذهبيّ. لدينا قضيّة القوميّة أيضاً. لا بدّ أن نسحب الذرائع منهم.[1]

 

فرّق تسد، من بريطانيا إلى أميركا!

إنّ واحدة من أدوات العدوّ، هي بث التفرقة في صفوفنا. وأنا أصرّ على التأكيد والتشديد على هذا الموضوع. أيّها الإخوة والأخوات، أيّها المسلمون في العالم الإسلاميّ، إن بلغ هذا الصوت مسامعكم، منذ أن طُرِحت قضيّة السنّة

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء لجنة مؤتمر تكريم شهداء قوّات البيشمركة المسلمة الكرديّة، بتاريخ 06/05/2015م.

 

74


52

مخطّطات خبيثة

والشيعة في الأدبيّات الأميركيّة، انتابنا القلق، نحن وكلّ أصحاب الفكر والرأي، فما هي علاقة السنّة والشيعة بأميركا؟ وما شأن ذلك السياسيّ اليهوديّ الصهيونيّ الأميركيّ الذي لا يمكن أن يصدر عنه سوى الشرّ تجاه الإسلام والمسلمين في أن يحكم بين السنّة والشيعة في العالم الإسلاميّ، فيُطلق كلمة بشأن السنّيّ، ويُطلق كلمة أخرى بحقّ الشيعيّ؟ منذ أن ظهرت أدبيّات السنّة والشيعة في كلمات الأميركيّين، شعر هنا أهل البصائر والرؤى الثاقبة بالقلق، وأدركوا أنّ ثمّة مهمّة جديدة على مشارف الظهور والتحقّق. فإنّ إثارة الحروب بين الشيعة والسنّة لها ماضيها، والبريطانيّون مخضرَمون في هذا العمل. وإنّ لدينا نماذج كثيرة ومعلومات وافرة عن هذا الماضي في إثارة الصراع والعداوة والبغضاء بين الشيعة والسنّة بواسطة الأيدي الإنجليزيّة، سواء في هذا البلد، أو في عهد الحكومة العثمانيّة السابقة، أو في البلدان العربيّة، وذلك في سبيل الإيقاع بينهم. بيد أنّ المخطّط الأميركيّ اليوم في هذا المجال أشدّ خطورة. فهل يكون تأييد فرقة ضدّ فرقة أخرى في داخل العالم الإسلاميّ مبعث فرحنا وسرورنا؟ وهل يجب علينا الابتهاج والفرح فيما لو قاموا بتأييدنا ومناصرتنا؟ كلا، بل يجب أن يثير ذلك حزننا واكتئابنا، وأن نفتّش لنرى ما هي نقطة الضعف التي وجدوها فينا حتّى أخذوا يستغلونها ويتخذونها ذريعة لمناصرتنا[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة، بتاريخ 29/12/2015م.

 

75


53

مخطّطات خبيثة

حروب سياسيّة بامتياز

ثمّة اليوم حروبٌ في المنطقة، وأقولها لكم: إنّ أيّاً من هذه الحروب لا تُصنَّف في صنف الحروب العقائديّة، إنّما هي حروبٌ سياسيّة قد اشتعلت نيرانها بشتّى الدوافع السياسيّة والقوميّة وأمثال ذلك، ولا صلة لها بالدين. بيد أنّ العدوّ المتمثّل بأميركا والصهيونية وبريطانيا، يحاول تحويل هذه الصراعات وهذه الاختلافات إلى اختلافات مذهبيّة؛ لأنّكم تعلمون بأنّ الاختلافات المذهبيّة لا تنتهي بهذه السهولة. فلا ينبغي لنا أن نساعد على تحقيق هذا الهدف[1].

التشيّع البريطانيّ والتسنّن الأميركيّ، شفرتا مقصّ واحد!

في المنطقة اليوم توجد إرادتان متعارضتان: إحداهما إرادة الوحدة والأخرى إرادة التفرقة. إرادة الوحدة تختصّ بالمؤمنين، ونداء اتّحاد المسلمين واجتماعهم يعلو من الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى الاهتمام بقواسمهم المشتركة، فلو حدث هذا وتحقّقت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة علی ما هي اليوم عليه، ولاكتسب المسلمون العزّة. لاحظوا كيف أنّ المسلمين اليوم -من أقصى شرق آسيا في ميانمار، إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثالها- وفي كلّ مكان، يُقتلون، في بعض الأماكن على يد البوذيّين، وفي أماكن أخرى على يد بوكوحرام وداعش ومَن شاكلهم، وهناك من يصبّ الزيت على هذه النيران. التشيّع البريطانيّ

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة، بتاريخ 10/03/2016م.

 

76


54

مخطّطات خبيثة

والتسنّن الأميركيّ متشابهان، وهما شفرتان لمقصّ واحد، حيث يسعيان لتنازع المسلمين وتقاتلهم؛ هذه هي رسالة إرادة الفرقة التي هي إرادة شيطانيّة، لكن نداء الوحدة يدعو إلى تجاوز هذه الاختلافات، والاصطفاف معاً، والتعاون بين المسلمين كافّة.

إذا نظرتم إلى التصريحات الصادرة عن المستكبرين والقابضين على المصالح الحيويّة للشعوب، لوجدتم أنّها تدعو إلى التفرقة. لقد قيل عن السياسة البريطانيّة منذ سالف الزمن إنّها سياسة «فَرِّق تَسُد»، حيث كانت هذه سياستهم في الوقت الذي كانوا يمتلكون القوّة، وهي نفسها أصبحت اليوم سياسة القوى المادّيّة في العالم، سواء أميركا، أو بريطانيا من جديد في الآونة الأخيرة. البريطانيّون كانوا دوماً مصدراً للشرور والنكبات على الشعوب. الويلات التي أنزلوها بحياة الشعوب في هذه المنطقة، قلّما أنزلتها قوّة في بقعة من بقاع العالم. ففي شبه القارّة الهنديّة، التي تتضمّن اليوم الهند وبنغلاديش وباكستان، سدّدوا تلك الضربات، وفرضوا على شعوبها تلك الضغوط، وكذلك الحال في أفغانستان وإيران والعراق، كلٌّ بطريقة خاصّة، وأخيراً في فلسطين أيضاً، حيث قاموا بتلك الحركة المشؤومة الخبيثة، وشرّدوا المسلمين، بل شعباً في الحقيقة، وطردوه من دياره، وبالتالي تمّ القضاء -بواسطة السياسة البريطانيّة- على بلدٍ تاريخيّ سُجِّل باسم فلسطين منذ آلاف السنين. وفي هذه المنطقة منذ ما يربو على قرنين -قرنين ونيّف؛ أي منذ العام

 

77


55

مخطّطات خبيثة

1800م وحتّى الآن-، لم يصدر من الإنكليز سوى الشرّ والفساد والتهديد، وإذ بمسؤولٍ إنكليزيّ يأتي إلى هذه المنطقة ليصرّح قائلاً: إنّ إيران مصدر تهديد للمنطقة! هل إيران هي تهديد للمنطقة؟ يجدر بهم أن يكونوا في منتهى الوقاحة كي يعمد أولئك الذين كانوا على مدى الزمان مصدراً للتهديد والخطر والبلاء على هذه المنطقة، إلى رمي بلدنا المظلوم العزيز بهذه التهمة. هكذا هم، وهذه هي حقيقتهم[1].

 

هدف العدوّ تغيير حساباتنا

بالطبع، إنّ هذه ليست أسراراً مخفيّة. في البداية لم يكونوا يصرّحون بهذه الأمور، ولكنّ أعداءنا ومنذ مدّة ينطقون بهذه ويعلنونها. يقولون: نريد أن يغيّر شعب إيران حساباته، هم يقولون المسؤولين، ولكن في الواقع نظرهم هو إلى شعب إيران. لقد اخترنا طريقاً من خلال حساباتٍ ما. فقد حدثت الثورة الإسلاميّة وأوجدت تحوّلات أساسيّة في هذا البلد وبدّلت الملكيّة إلى السيادة الشعبيّة، وبدّلت التبعيّة إلى الاستقلال، والتخلّف التاريخيّ المزمن إلى التطوّر، الذي تشاهدونه، والاستحقار إلى الثقة بالنفس والشعور بالعزّة، كانت هذه إنجازات الثورة. إنّ أعداءنا؛ أي ذلك الجهاز المادّيّ المقتدر والذي كان إلى حين الثورة، مهيمناً على اقتصاد هذا البلد وسياسته وثقافته وثرواته وقرارات مسؤوليه أضحى منزعجاً، ويريد تبديل هذا الأمر، فماذا يفعل؟ بالنسبة إليه

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة، بتاريخ 17/12/2016م.

 

78


56

مخطّطات خبيثة

الطريق الوحيد ينحصر في أن يصل شعب إيران ومسؤولوه في النهاية إلى حسابات يشعرون معها أنّ الاستمرار على هذا الطريق لا ينفعهم. العدوّ يريد فرض هذه الحسابات على أذهانكم، يريد -لي ولكم- أن نصل إلى هذه النتيجة: ليس من المصلحة أن نصمد بقوّة ونقاوم مقابل أميركا والاستكبار والأجهزة السياسيّة التابعة للكارتيلات الاقتصاديّة المتعدّدة، وأن نتخلّى عن بعض هذه الكلمات (المواقف) -كما قالوا- وكفى. في مرحلةٍ ما، ثمّة من قال: دعوا قضيّة إسرائيل والقضيّة الفلسطينيّة، وقضيّة العدالة على المستوى العالميّ، ودعم الشعوب التي تطالب بالعدالة، وتخلّوا عن هذه الكلمات كلّها، فلماذا تتعبون أنفسكم وتصرّون على ذلك؟ هذه هي عمليّة تغيير الحسابات، وهذا ما يريده العدوّ[1].

 

أميركا والمؤمرات المعاصرة ضدّ الشعوب

ما هي الأعمال التي يقوم بها الأميركيّون الآن؟ لم يعد الهجوم العسكريّ بنظر الأميركيّين اليوم أولويّة، لقد أدركوا أنّهم تضرّروا بملفّ العراق وأفغانستان حينما قاموا بالهجوم العسكريّ، وأدركوا أنّ الهجوم العسكريّ يمثّل خطراً في بعض الأحيان على الدولة المهاجمة بالمقدار نفسه الذي يمثّله على الدولة التي تتعرّض للهجوم، لقد فهموا ذلك جيّداً. لذلك يمكن القول بأنّهم صرفوا النظر عن الهجوم والتحرّكات العسكريّة، ولديهم طرقٌ أخرى. إحدى هذه الطرق هو أن

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الطلّاب الجامعيّين، بتاريخ 06/08/2012م.

 

79


57

مخطّطات خبيثة

يوكلوا مهمّة تحقيق أهدافهم داخل الدولة التي يستهدفونها بحملاتهم العدائيّة إلى عناصر داخل تلك الدولة. فالقضيّة لا تنحصر بإيران الِإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة؛ لأنّهم يقومون بهذه الأمور في كلّ مناطق العالم، ونحن نشاهد نماذج منها الآن. فإمّا أن يحصل الأمر بواسطة الانقلاب العسكريّ، حيث يدعمون بعض الأشخاص ليقوموا بهذا الأمر، فيسقطون ذاك النظام أو أجهزة الدولة، حكومة وسياسة، من خلال الانقلاب العسكريّ، عندما لا تستسلم لهم، فهذا هو أحد الطرق. ومن الطرق الأخرى، جرّ قسم من الشعب إلى الشوارع، حيث كانت تلك الثورات الملوّنة في كلّ مكان من هذه المناطق، من هذا القبيل، في السنوات الأخيرة. فتأتي حكومة على رأس الأمور، ومن الطبيعيّ إذا أتت حكومة على رأس الأمور بفضل 60 بالمئة من آراء الشّعب، فإنّ النسبة الباقية لا تكون قد صوّتت لها، فيتوجّه الأميركيّون إلى هذه النسبة الباقية ويختارون من بينها بعض العناصر والقيادات ويحمِلونهم بالتطميع، وبالمال، وبالتهديد، على جرّ تلك النسبة الباقية، أو ما يمكن منها، إلى الشوارع. كذلك هو الأمر بالنسبة للثورات الملوّنة، هذه الثورة البرتقاليّة، وتلك الثورة المزعومة في المناطق المختلفة التي شوهدت في السنوات الأخيرة، كانت أيدي الأميركيّين وراءها. نحن هنا لا نريد أن نحكم بشأن الأحداث التي تجري هذه الأيّام في منطقة من أوروبا، ولكنّ المرء عندما ينظر ويشاهد سناتوراً أو مسؤولاً أميركيّاً، يتساءل ماذا يفعل في مظاهرات أقليّة ضدّ

 

80

 

 


58

مخطّطات خبيثة

الدولة وماذا يمكن أن يفعله بحضوره هناك؟ فمن أعمالهم إسقاط الحكومات من خلال جرّ مجموعة من الناس إلى الشوارع والعصيان المدنيّ؛ لأنّ تلك الحكومة ليست مقبولة عندهم وليست حاضرة للخضوع لابتزازاتهم[1].

 

خطّة أميركا لغرب آسيا

لقد كان لأميركا خطّة لمنطقة غرب آسيا. لاحظوا، أنتم لا تذكرون، مع العلم بأنّ هذا ليس من زمن طويل، بل منذ عشرة أو اثني عشر عاماً -ولكن أنتم شباب، ولا تذكرون تلك الأيّام- قامت وزيرة خارجية أميركا حينها، وقالت: نحن نريد بناء الشرق الأوسط الكبير. أثناء قضيّة لبنان وحرب الـ33 يوماً، ذكرت اسم الشرق الأوسط الكبير. ماذا يعني الشرق الأوسط الكبير؟ إنّهم يطلقون على منطقة غرب آسيا اسم الشرق الأوسط؛ الشرق الأوسط الكبير، يعني المنطقة الممتدّة من حدود باكستان وحتّى البحر الأبيض المتوّسط؛ أي إنّ تمام بلدان هذه المنطقة تشكّل الشرق الأوسط. وأميركا قد وضعت خطّة عامّة لتسيطر على هذه البلدان كلّها وفق محوريّة إسرائيل؛ هذا هو معنى الشرق الأوسط الكبير. واليوم فإنّ وضع هذا الشرق الأوسط الكبير لوزيرة الخارجية تلك -تلك السيّدة المسكينة قالت هذا الكلام- قد وصل إلى درجة قد عجِزت [أميركا] في قضيّة سوريا، وعجزت في قضيّة العراق، وكذلك في لبنان وفي شمال أفريقيا، وفي قضيّة ليبيا غرقوا في الوحول، تدخّلوا في اليمن، وها هم قد

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الـخامسة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2014م.

 

81


59

مخطّطات خبيثة

فشلوا؛ هذا هو الوضع السياسيّ العالميّ لأميركا. هل هناك أزمة أكبر من هذه! أميركا هذه تريد أن تأتي لمساعدتكم! أميركا هذه تريد أن تأتي لتحلّ مشاكل البلاد[1]!

 

 

مثلّثٌ فعّال: خطّة صهيو-أميركيّة، ومال خليجيّ!

لقد كان هناك مثلّثٌ فعّالٌ في هذه الأحداث. والمسألة ليست وليدة اليوم والأمس، بل هي منظّمةٌ ومدروسةٌ. ما أقوله مستندٌ كلّه إلى معطيات ومعلومات أمنيّة، بعضه الآن واضح، وهو كلامهم أنفسهم. وبعضه حصلنا عليه من الطرق الاستخباراتيّة. لقد كانوا عبارة عن مثلّث فعّال: الخطّة خطّة الأميركيّين والصهاينة؛ حيث عملوا هم على إعدادها، وهم يخطّطون أيضاً منذ أشهر. ومقتضى خطّتُهم كان أن نبدأ من المدن الصغيرة، ومن ثمّ ننتقل إلى العاصمة، ونحرّك الناس فيما يتعلّق بهذه المطالب ونؤجّجهم، هذه هي الخطّة التي دُبِّرَت، وكانوا يعملون عليها منذ أشهر. فالخطّة إذاً، هي خطّة الأميركيّين والنظام الصهيونيّ. المال مال إحدى دول الخليج الفارسي الغنيّة، التي لا تعرف کیف تنفق هذا المال. فلهذه الأعمال نفقاتها، وعليهم أن ينفقوا الأموال من أجلها؛ الأميركيّون ليسوا مستعدّين للإنفاق أبداً حين يكون هؤلاء موجودين، فهؤلاء من قدّم المال. هذان ضلعان، والضلع الثالث هو أزلامهم ومرتزقتهم؛ من منظّمة منافقي خلق، تلك المنظّمة الإرهابيّة، لقد كانوا هم الأدوات. كان هؤلاء

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ كبيرٍ مِن أهالي مدينة قمّ بمناسبة ذكرى 19 دي، بتاريخ 09/01/2018م.

 

82


60

مخطّطات خبيثة

مستعدّين منذ أشهر، ولقد اعترفت وسائل إعلام المنافقين أنفسها في هذه الأيّام، وقالت: لقد كنّا منذ أشهر على تواصل مع الأميركيّين في ما يتعلّق بهذه الأحداث؛ بأن يكونوا هم الأدوات، يعملون على تنظيم الأمور، فيذهبون ويلتقون بهذا وذاك، ويشيرون إلى أشخاص في الداخل، ويعثرون عليهم ليؤازروهم ويساعدوهم ويدعوا الناس إلى [التظاهر] -وقد دعوا هم أيضاً الناس إلى التظاهر- ويطلقوا شعارات ضدّ الغلاء. وهذه شعارات تسرّ الجميع، ويجذبون بعض الناس من خلالها، ومن ثمّ يَرِدُون هم الميدان، ويتابعون مخطّطهم وأهدافهم، ويجرّون الناس خلفهم؛ كان هذا هو الهدف[1].

 

العدوّ يحاول اليوم قهرَ شعبِنا بفصله عن النظام

إنَّ خطّة العدوّ اليوم، بعد يأسه من كلِّ أعماله الأخرى، هي خلق هُوَّة بين نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، والشعب الإيرانيّ العزيز. هذه هي حماقتهم. لا يعلمون أنَّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ليس شيئاً سوى الشعب الإيرانيّ. وهذان [شيئان] لا يمكن الفصل بينهما. ليس النظام الإسلاميّ نظاماً بيروقراطيّاً جالساً في القصور، ومنفصلاً عن الشعب. إنّه نظامُ متكوّنٌ من الشعب نفسه، ومعتمدٌ على أبناء الشعب، وعلى إيمان الشعب، وعلى محبّة الشعب، وعواطفه. هذا هو النظام الإسلاميّ. فكيف يريدون فصل هذا النظام عن الشعب؟ طبعاً، كان هناك ستّة رؤساء أميركيّين قبل هذا

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ كبيرٍ مِن أهالي مدينة قمّ بمناسبة ذكرى 19 دي، بتاريخ 09/01/2018م.

 

83


61

مخطّطات خبيثة

الشخص، حاولوا هذا الشيء أيضاً، وخرجوا كلّهم من الساحة، ولم يستطيعوا تحقيق هدفهم الشيطانيّ هذا. وضغوطهم الاقتصاديّة هذه، التي غالباً ما يمارسونها على الشعب، هدفُها أنّه لربّما يستطيعون، [من خلالها]، إنفادَ صبر الناس وإتعابهم. وإنّنا، بحول الله وقوّته، سنزيد ونقوّي ارتباطنا بالشعب يوماً بعد يوم. إنّنا نحافظ على انسجامنا المحطِّم للعدوّ. إنّنا نقوّي الشباب المؤمن المتحفِّز والمقدام، كلّ يومٍ أكثر من الماضي، بحول الله وقوّته[1].

 

رغبة أجهزة الاستكبار بالسيطرة على الشرق الأوسط

كذا الحال بالنسبة إلى قضيّة فلسطين اليوم. أوضاع غزّة التي تلاحظونها ما هي إلّا جزء ظاهريّ من القضيّة. أمّا باطن القضيّة فهو أنّ أجهزة الاستكبار، التي لا تؤمن بأيٍّ من المبادئ الإنسانيّة، ترغب في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط؛ هذه المنطقة الحسّاسة الزاخرة بالثروات وذات الأهمّيّة الجغرافيّة والاقتصاديّة البالغة. وإنّ وسيلتها إلى ذلك هي إسرائيل الغاصبة، الصهاينة المسلَّطون على فلسطين المحتلّة. القضيّة هي أنّ هذه المنطقة يجب أن تكون في قبضة أميركا والاستكبار، والاستكبار طبعاً أعمّ من أميركا، لكنّ مظهره الأبرز والشيطان الأكبر هو الحكومة الأميركيّة. يريد الاستكبار أن يستولي على هذه المنطقة، ويمسك بها في قبضته. الاستكبار بحاجة إلى هذه المنطقة وأداته في

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في حفل تخريج عددٍ من الضبّاط في كلّيّة الإمام الحسين(عليه السلام)، بتاريخ 30/06/2018م.

 

84


62

مخطّطات خبيثة

ذلك هي إسرائيل. هذه الأمور والقضايا كلّها التي جرت خلال هذه السنوات الأخيرة ممكنة التحليل في إطار هذه النظرة. لاحظتم أنّ وزيرة خارجيّة أميركا قالت في حرب الـ33 يوماً: إنّ هذا هو مخاضُ منطقة الشرق الأوسط! أي إنّ موجوداً جديداً سيولد من هذا الحدث، ألا وهو الشرق الأوسط الذي تريده أميركا. طبعاً، تحقّق هذا الحلم الأسود بما نزل على رؤوسهم؛ فالشجاعة، واليقظة، والتضحية، والإيثار، والجهاد لدى الشباب المؤمن في لبنان وجّه صفعةً ليس إلى إسرائيل وحسب، بل إلى أميركا أيضاً، وكلّ حماتهم وأتباعهم. والحال في غزّة من هذا القبيل أيضاً[1].

 

إعداد المؤامرات والإرهابيّين

مع الأسف، يعمل الأميركيّون، خلف حدودنا الغربيّة، على إعداد المؤامرات والإرهابيّين. ثمّة أموالٌ وأسلحةٌ وتنظيمٌ وأعمالٌ يمارسها الأميركيّون، بشكلٍ مباشر، خلف الحدود الغربيّة للبلاد، بهدف إيذاء النظام الجمهوريّ الإسلاميّ، والتطاول عليه ومواجهته. يجب أن نكون متيقّظين!

لدينا معلومات، وليس تحليلات، بأنّ لدى الأميركيّين مخطّطات خطيرة لكردستان، وليس هدفهم الدفاع عن القوميّة الكرديّة؛ إنّما هدفهم السيطرة على القوميّة الكرديّة والتسلّط عليها. أخبرنا أصدقاؤنا الكرد -في الجهة الأخرى لحدودنا الغربيّة- أنّ الضبّاط الأميركيّين كانوا يحملون الأموال إلى

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمع من أهالي مدينة قم المقدّسة في الذكرى السنويّة لانتفاضة التاسع عشر من شهر دي، بتاريخ 08/01/2009م.

 

85


63

مخطّطات خبيثة

أعالي مرتفعات قنديل، ويأخذون المعلومات منهم، مقابل دماء الشباب الكرد، يعطون الأموال لصناعة المرتزقة. هذا ليس من شأن الشاب الكرديّ. يمدّون أيديهم إلى أيّ مكان يتمكّنون منه؛ لينشبوا أظفارهم المخزية الدامية في جسد الكرد. شعبنا والكرد الإيرانيّون واعون، والحمد لله، وأقولها لكم: غالباً ما يرى الكرد، والقوميّة الكرديّة -حتّى في غير إيران- أنفسهم إيرانيّين ويفخرون بإيرانيّتهم. إذا كان بعض الكرد في خارج إيران قد انخرطوا في خدمة الأهداف الأميركيّة، فليعلموا أنّه من الممكن أن يحصلوا على شيء في العاجل، إلّا أنّ لعنة الكرد ستبقى تلاحقهم على المدى البعيد [في الآجل] ولن تتركهم. يجب الحفاظ على حالات التيقّظ هذه. ليس التيقّظ في هذا المجال وحسب؛ في ما يتعلّق باختلافاتنا الداخليّة، أيضاً، على الجميع التحلّي باليقظة والحذر. لقد قلت في سنندج، أيضاً، في اليوم الأوّل، وأكرّر الآن هنا: على المذاهب الإسلاميّة أن تضع يداً بيد، وتتحرّك نحو الأهداف والمبادئ الإسلاميّة العليا، بتعاونٍ وأخوّة. عقد العدوّ أمله على وضع أتباع المذاهب بعضهم في وجه بعض. يجب أن لا يستسلم أحد لهذا المخطّط الخائن الخبيث للأعداء. إنّهم يريدون أن يقف الشيعيّ في وجه السنّي، والسنّي في وجه الشيعي، ويوغروا في القلوب ويؤلبّوها على بعضها؛ لذلك أعلنتُ، وأؤكّد ثانية: إنّ الخط الأحمر، من وجهة نظر النظام الإسلاميّ ومن وجهة نظرنا، عبارة عن إهانة بعضنا مقدّسات بعض. الذين يهينون مقدّسات الآخر، عن جهل أو غفلة وأحياناً

 

86

 

 


64

مخطّطات خبيثة

بسبب العصبيّات العمياء الخاوية، سواء كانوا من السنّة أم من الشيعة، لا يفهمون ماذا يفعلون. هذه أفضل وسيلة للأعداء، وأفضل أداة في يد الأعداء؛ هذا هو الخطّ الأحمر[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أهالي مدينة سقز، بتاريخ 19/05/2009م.

 

87


65

المسؤولون الأميركيّون

ما هو هذا الاستكبار؟

الاستكبار معناه وجود قوّة في العالم أو عدّة قوى تنظر إلى نفسها فتجد أنّها ذات إمكانات ماليّة وتسليحيّة وإعلاميّة؛ لذلك تعطي لنفسها الحقّ في التدخّل في شؤون حياة البلدان والشعوب الأخرى تدخّل المالكين. هذا هو معنى الاستكبار: روح التسلّط. هذا شيء كان قائماً بصورة واضحة في بلادنا قبل الثورة؛ أي إنّ أميركا المتكبّرة قد غرست أظافرها في هذا البلد الكبير وفي هذا الشعب العظيم بما له من تاريخ غنيّ، وراحت تتدخّل في الأمور المهمّة والأساسيّة لبلادنا. والسبب هو أنّ ساسة البلاد كانوا فاسدين، ولم تكن لهم مكانة بين الشعب وكانوا يبحثون لهم عن سند، فاعتمدوا على أميركا. وأميركا لا تعطي لأحد شيئاً بالمجّان، فجعلت دعمهم رهناً بتدخّلها التامّ في شؤون البلاد. ربّما كان غريباً بالنسبة لكم، ولكن اعلموا أنّ الشاه محمّد رضا اضطرّ من أجل عزل رئيس وزراء وتنصيب رئيس وزراء آخر مكانه، للسفر إلى أميركا والبقاء أسبوعين أو ثلاثة ليحصل على موافقتهم في عزل زيد وتنصيب عمرو مكانه! وصلت الأمور في بلادنا إلى هذه الدرجة. وأصبح الأمر أشدّ قباحة في السنوات الأخيرة من الحكم البهلويّ. لم تبقَ القضيّة قضيّة سفر إلى أميركا.

 

91


66

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

كان السفير الأميركيّ والسفير البريطانيّ هنا يذهبان إلى قصر الشاه، ويقولون له: اعمل بالطريقة الفلانيّة في قضيّة النفط، واعمل كذا وكذا في العلاقات الدوليّة. تصرّف هكذا مع الشعب، وتصرّف هكذا مع المعارضين! كانوا يصدرون له الأوامر، والشاه يقبل. حينما يكون رئيس البلاد ضعيفاً وخائراً ومستسلماً أمام الأجانب إلى هذه الدرجة، فما بالك بالآخرين؟ هكذا كان وضع بلادنا؛ وهذا هو معنى الاستكبار.

أميركا مستكبرة بكلّ ما للكلمة من معنى. والقضيّة ليست قضيّتنا فحسب، بل قضيّة العالم؛ قضيّة العالم الإسلاميّ. يحمل الأميركيّون هذه الروح الاستكباريّة حيال أنحاء العالم كلّه[1].

سياسة الاستكبار

نحن أيضاً يجب أن نفهم؛ نحن الشيعة يجب أن نفهم وأن نعلم أنّ سياسة الاستكبار اليوم هي فصل الشيعة عن غير الشيعة، وفصل الجماعات المسلمة بعضها عن بعض، وتأجيج الصراع في ما بينها. يجب ألّا نساعد على هذا الهدف، ينبغي ألّا نسمح للعدو بالوصول إلى هذا الهدف. هذا من واجبنا ومن واجب غير الشيعة؛ أي المسلمين في المذاهب والفرق والجماعات غير الشيعيّة. ليعلم الجميع هذا: إنّ الشيعة اليوم هم الذين يرفعون في إيران الإسلاميّة راية الاقتدار الإسلاميّ والعزّة الإسلاميّة، ويشعر الاستكبار بالعجز أمامها[2].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشد من الطلّاب، بمناسبة 13 آبان في طهران، بتاريخ 03/11/2009م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في بمناسبة عيد الغدير في طهران، بتاريخ 06/12/2009م.

 

92


67

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

فهم التصوّر الأميركيّ لدول العالم

أ. دول العالم أقسام ثلاثة

إنّ أميركا تقسّم دول العالم، حركات العالم، البشر في العالم، إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل هو المطيع لها، الدول المطيعة، الحركات السياسيّة والاجتماعيّة المطيعة، أو الأفراد المطيعين هؤلاء هم المجموعة الأولى. (القسم الثاني) بعض الدول ليست مطيعة، لكن يجب مداراتها، بعض الدول وبعض الشخصيّات وبعض الحركات، هي برأي أميركا كذلك ولكن يجب مداراتها، فثمّة مصالح مشتركة معهم، وبالفعل، تمّ التكيّف معهم بطريقة ما. سأوضّح فيما بعد هذا الأمر. القسم الثالث هي الدول غير المطيعة، لا يخضعون لأميركا، لا يرشون أميركا. برأي الأميركيين إنّ كلّ دول العالم، والحركات السياسيّة والاجتماعيّة والمدنيّة والاقتصاديّة في العالم وكلّ الشخصيّات المعروفة والمهمّة والمميّزة والمشهورة لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة: إمّا سلّموا مصيرهم، وأطاعوا بشكل تامّ، إمّا مستقلّين ويجب مداراتهم وإمّا غير مطيعين، شجعان ومتمّردين إذ يجب التصرّف معهم بشكل مختلف[1].

 

ب. سياسة أميركا ودول العالم

المجموعة الأولى هي الدفاع الكامل عنها. بالطبع، ليس الدفاع المجانيّ، بل يحمونها ويسلبون خيراته، يستغلّون قدراتها في سبيل منافعهم (أميركا). إنّهم يأخذون أجرهم

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الـخامسة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2014م.

 

93


68

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

من هذه الدول، يستخدمونها، وكما قلنا يسلبون خيراتها، ولا يهتمّون بها. ولكن إذا صدر عن هذه الدول سلوكاً معيّناً، يعتبر سيّئاً بالعرف العالميّ، لا تدين أميركا هذا السلوك، بل تدافع عنه وتبرّره. على سبيل المثال بعض الدول المستبدّة، والتي تُدار من خلال أنظمة رجعيّة ومستبدّة إلى أبعد الحدود، لكنّهم جيّدون مع أميركا، يعطون أميركا، يخدمونها، هم من المجموعة الأولى. عندما يريد الأميركيّون وصفهم، لا يقولون إنّها دول ديكتاتوريّة، بل يقولون إنّها دول ذات نظام أبويّ! ما معنى أبويّ في النظام السياسيّ؟ ما معنى هذا؟ بلدان لا مجلس نوّاب فيها، لا انتخابات، لا قدرة على الكلام، لا أقلام حرّة، لا تعبير حرّ، وكلّ مخالفة بسيطة لإرادة الحاكم يتمّ قمعها بكلّ حدّة وشدّة وقسوة. هذا البلد هو بلد أبويّ الحكم؟!

صدّام حسين في فترة من الحياة، كان من أولئك المطيعين، المسلّمين مصيرهم لأميركا. في تلك الفترة قدّموا له أنواع الدعم كلّه، وكانوا تحت أمره، أعطوه أسلحة كيميائيّة، خرائط حركتنا العسكريّة التي تُكشف بالأقمار الصناعيّة، أعطوه خرائط حربيّة؛ لأنّه كان يخدمهم ضدّ النظام المتمرّد للجمهوريّة الإسلاميّة، هذا النظام الإسلاميّ هو من المجموعة الثالثة، هذه إحدى المجموعات.

المجموعة الثانية، كما قلنا هي الدول التي تقتضي سياسة أميركا وخطّتها مداراتها. ما معنى مداراتها؟ أي إنّ هناك مصالح مشتركة يتمّ لحاظها، إنّهم يضعونهم بجانبهم، ولكن كلّما سنحت الفرصة يطعنونهم بالخنجر في قلوبهم، ويسرقون قلبهم، ولا يلتفتون لهم أبداً. مثل أي بلاد؟ كالبلاد

 

94


69

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الأوروبيّة. هذا هو وضع البلاد الأوروبيّة اليوم. أميركا تراعيهم، لا يعني هذا أنّها تهتمّ لمصالحهم، لا بل تركلهم كلّما سنحت الفرصة. يتجسّسون عبر الانترنت والهاتف المحمول على الشخص الأوّل لأحد البلاد الحليفة لهم، من دون أيّ خجل. وحين يتمّ اكتشاف الأمر، يقولون: نعم، أعذرونا حصل هذا الأمر، لم يكن هناك خيار آخر، تمّ الأمر. ليسوا مستعدّين لأيّ اعتذار جدّيّ. فهمي للأمور السياسيّة هو أنّ الأوروبيّين قد وقعوا في خطأ استراتيجيّ كبير، عندما وضعوا أنفسهم في خدمة أميركا. يهتمّون للمصالح الأميركيّة، وأميركا لا تهتمّ لمصالحهم، وسيستمرّ الوضع على هذه الحال إلى ما لا نهاية، هذه هي المجموعة الثانية.

المجموعة الثالثة هي الدول التي لا ترضخ لأميركا. وسياسة أميركا تجاه هذه الدول تتلخّص في الاستفادة من أيّ وسيلة ممكنة ضدّ هذه البلاد غير المطيعة. أيّ وسيلة ممكنة، لا يعرفون حدّاً ولا قيداً. إذا رأيتم أنّ بلداً غير مطيع لأميركا، لكنّها لا تشنّ هجوماً عسكريّاً عليه أو لا تمارس الحظر عليه، فاعلموا أنّ ثمّة إشكالاً ما؛ أي إنّ هناك مانعاً في طريقهم. بلغة مبسّطة، لا تستطيع القيام بهذا الأمر لذلك هي لا تقوم به. لو كانت تستطيع لقامت به. إنّ الجريمة الوحيدة لهذا البلد غير المطيع، غير الحاضر للاستسلام أمام أميركا، أنّه أيضاً غير مستعدّ لتقديم رشوة، ليس حاضراً ليقدّم مصالح أميركا على مصالحه، هذا يعني البلد غير المطيع. الأميركيّون ولكي يُخضعوا هذا البلد، لا يتوانَون عن فعل أيّ أمر. كلّ عمل

 

95


70

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

ممكن بالنسبة إليهم، يقومون به. إذا لم يقدموا على خطوة ما، فلأنّهم غير قادرين[1].

 

أميركا تريد خدماً وأذناباً

بعض الأشخاص يقولون: يا أخي، لا تختلقوا الأعداء لأنفسكم. لا، إنّنا لا نختلق الأعداء لأنفسنا، إنّنا نقول قول الله والرسول والتوحيد، وهذا القول نفسه يخلق مجموعة من الأعداء. العدوّ يصبح عدوّاً بسبب إيجاد الحركة التوحيديّة، وإنهاء عدائه يكمن في أن تتخلّوا عن هذه الحركة والمسيرة، وتعودوا إلى الحال التي يريدونها هم؛ أي عبوديّة الطاغوت، واتّباع الطاغوت، وما إلى ذلك. هذا ما تريده أميركا منّا، وكذلك خدم أميركا في المنطقة وأذنابها كآل سعود؛ ما يقوله أولئك كلّه يكرّره هؤلاء أيضاً، والواقع أنّهم ﴿فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾[2]. هؤلاء هم الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت، ويعملون ويتحرّكون من أجل الطاغوت[3].

 

من السياسات الاستكباريّة إحياء التيّار التكفيريّ

ما يُعدّ من الأمور المهمّة جدّاً كشف دور السّياسات الاستكباريّة لأميركا وإنكلترا، فيجب توضيحها وكشفها، ويجب أن يعلم العالم الإسلاميّ كلّه ما هو دور السّياسات الأميركيّة

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2014م.

[2]  سورة النساء، الآية 76.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي النظام الإسلاميّ وسفراء البلدان الإسلاميّة، بتاريخ 03/04/2019م.

 

96


71

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

في هذا المجال، وما هو دور الأجهزة المخابراتيّة لأميركا وإنكلترا والكيان الصهيونيّ في إحياء تيّار الفتنة التّكفيريّ، يجب على الجميع أن يعلموا هذا، ويجب أن يعلموا ما الذي يفعله هؤلاء ولأجل أيّ شيء، فالتّخطيط منهم، والدّعم منهم، والتّوجيه أيضاً يصدر منهم، كما أنّ المال يُضخّ من قبل عملائهم؛ أي الحكومات الموجودة في هذه المنطقة التي تدعم بالمال وتجرّ هؤلاء إلى سوء العاقبة، وتُوجِدُ للعالم الإسلاميّ كلّ هذه الصّعاب، فمثل هذا يُعدّ أمراً ضروريّا أيضاً، ويجب أن يُنجز[1].

 

التيّار التكفيريّ في خدمة الاستكبار

ثمّة نقطة لا يمكن إنكارها وهي أنّ تيّار التّكفير، والحكومات التي تدعمه وتحميه، إنّما تتحرّك كلّها باتّجاه النّوايا المبيّتة للاستكبار والصهيونيّة، وإنّ كلّ ما يفعلونه إنّما يخدم أهداف أميركا والدّول الاستعماريّة الأوروبيّة والكيان الصهيونيّ المحتلّ، والشّواهد على ذلك تجعل الأمر قطعيّاً. إنّ للتيّار التّكفيريّ ظاهراً إسلاميّا، لكنّه من النّاحية العمليّة ليس سوى خدمة للتيّارات الاستعماريّة والاستكباريّة والسّياسيّة الكبرى التي تعمل ضدّ العالم الإسلاميّ، ويوجد شواهد واضحة في هذا المجال، ولا يمكن الغضّ عنها، وسوف أتعرّض لبعض هذه الشّواهد[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام، بتاريخ 25/11/2014م.

[2]  المصدر نفسه.

 

97


72

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

حرف الصحوة الإسلاميّة عن مسارها

لقد استطاع تيّار التكفير أن يحرف حركة الصّحوة الإسلاميّة. لقد كانت هذه الحركة الإسلاميّة (الصحوة الإسلاميّة) حركة معادية لأميركا والاستبداد وعملاء أميركا في المنطقة، لقد كانت حركة انطلقت من بين عامّة النّاس، في بلدان شمال إفريقيا المختلفة، ضدّ الاستكبار وضدّ أميركا، وقد استطاع تيّار التّكفير أن يغيّر وجهة هذه الحركة العظيمة، المعادية للاستكبار ولأميركا وللاستبداد، إلى حربٍ بين المسلمين واقتتالٍ بين الإخوة. لقد كانت حدود فلسطين المحتلّة تمثّل الخطّ الأماميّ للنّضال في هذه المنطقة، فجاء هذا التيّار التكفيريّ وحوّل هذا الخطّ الأماميّ إلى شوارع بغداد، ومسجد سوريا الجامع ودمشق، وشوارع باكستان والمدن المختلفة في سوريا، بحيث أصبحت هذه الأماكن هي الخطّ الأماميّ للمواجهة. انظروا اليوم إلى أوضاع ليبيا وسوريا والعراق وباكستان، وانظروا ضدّ من تعمل وتُرفع تلك الطّاقات والسّيوف التي يحملها المسلمون! لقد كان من اللازم أن تُستعمل كلّ هذه الطاقات والأسلحة ضدّ الكيان الصهيونيّ، فجاء هذا التيّار التّكفيريّ وبدّل وجهة هذا القتال، ووجّهه باتّجاه البيوت وإلى داخل مدننا وداخل بلداننا الإسلاميّة. لقد فجّروا عبوّة داخل مسجد دمشق الجامع، ووسط تجمّعات النّاس العاديّين في بغداد، وأطلق مئات الأشخاص في باكستان النّار على مئات الأشخاص. وعندما تنظرون إلى ليبيا فسوف تلاحظون هذه الوضعيّة وتشاهدونها، وهذه كلّها ليست سوى بعض جرائم

 

98

 

 


73

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

التيّار التكفيريّ، التي لا يمكن أن تُنسى عبر التّاريخ، والتي أدّت إلى كلّ هذه الأوضاع. لقد قاموا بتبديل هذا التحرّك وجعلوه في خدمة أميركا وإنكلترا، وفي خدمة الأجهزة المخابراتيّة لهذه الدّول وللموساد وأمثاله[1].

 

معاً في مواجهة التيّار التكفيريّ

إنّ التيّار التّكفيريّ، وإن لم يكن أمراً جديداً، حيث أنّه قد امتدّ عبر التّاريخ، وله سوابق تاريخيّة، إلّا أنّه قد اكتسب حياة جديدة وقوّة إضافيّة في السّنوات الأخيرة، بفضل خطّة الاستكبار والأموال التي ضخّتها بعض دُول المنطقة، ومن خلال تخطيط بعض الأجهزة الأمنية والمخابراتيّة للدّول الاستعماريّة، كأميركا وإنكلترا والنّظام الصهيونيّ. إنّ هذا اللقاء، وهذا المؤتمر، وحركتكم هذه، إنّما هي لأجل المواجهة الشّاملة لهذا التّيّار، وليس منحصراً بما يُسمّى اليوم بداعش. إنّ التيّار المعروف اليوم بداعش هو أحد فروع الشّجرة الخبيثة للتّكفير ولا يمثّلها كلّها، إنّ هذا الفساد الذي قامت به هذه المجموعة، وهذا الإهلاك للحرث والنّسل، وكلّ هذا الإهراق لدماء الأبرياء هو جزءٌ من جرائم تيّار التّكفير في العالم الإسلاميّ، ويجب أن ننظر بهذه العين إلى هذه القضيّة. إنّني من قلبي أشعر بالأسف، لأنّنا نحن في العالم الإسلاميّ، الذين ينبغي أن نصرف كلّ طاقاتنا لأجل مواجهة الكيان الصهيونيّ، ومواجهة هذا العمل الذي يتمّ ضدّ القدس الشّريف والمسجد الأقصى،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام، بتاريخ 25/11/2014م.

 

99


74

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

والذي ينبغي أن يهزّ كلّ العالم الإسلاميّ، مضطرّون اليوم للانشغال بتلك المصائب التي أوجدها الاستكبار داخل العالم الإسلاميّ، ولا بدّ من ذلك. في الواقع، إنّ تناول قضيّة التّكفير هو أمرٌ فُرض على علماء العالم الإسلاميّ، ونُخب وحكماء العالم الإسلاميّ أيضاً. إنّ هذا الأمر قد افتعله العدوّ كمشكلة للعالم الإسلاميّ، ونحن مضطرّون لمواجهته، في حين أنّ القضيّة الأساسيّة هي الكيان الصهيونيّ، وهي قضيّة القدس، وهي قضيّة القبلة الأولى للمسلمين والمسجد الأقصى، هذه هي القضيّة الأساسيّة[1].

 

الاستكبار يستهدف إيمان الناس

أنتم تشاهدون اليوم في منطقة غرب آسيا التي أطلقوا عليها اسم الشرق الأوسط، كيف علقت القوى المادّيّة الكبرى في العالم؛ أميركا عالقة اليوم في رمال غرب آسيا. إنّ هؤلاء لديهم أهداف وأعمال ومقاصد في هذه المنطقة، جزء منها عبارة عن تقوية القاعدة الاستكباريّة المتمثّلة بالنظام الصهيونيّ في هذه المنطقة، وجزء آخر عبارة عن السيطرة والتسلّط على جميع مصادر ومعابر الطاقة في هذه المنطقة، وجعل الحكومات والدول تخضع لها وتسير تحت مظلّتها، يستغلون إمكاناتها، ويحكمون المنطقة، ولكنّهم اليوم لا يستطيعون. ما الذي منعهم وَحالَ دون تحقّق أهدافهم؟ إنّه الإسلام الثوريّ، أو الثورة الإسلاميّة، والتعبيران صحيحان،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام، بتاريخ 25/11/2014م.

 

100


75

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الإسلام الثوريّ صحيح، وكذلك الثورة الإسلامية تعبير صحيح، وهو ما تبلور اليوم في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ هذا هو المانع من تحقّق أهدافهم. لولا الإسلام، ولولا الإيمان بالله والإيمان بالمعارف الإسلامية، لولا هذا الالتزام والقيام بالواجبات والمسؤوليّات الدينيّة، لكان نظام الجمهوريّة الإسلاميّة مثله مثل الآخرين، قد خضع لمظلّة نظام الهيمنة هذا، والقدرة الاستكباريّة لأميركا وغير أميركا، تماماً كما خضع الآخرون. بناءً على هذا، فإنّ أهداف هجماتهم هي هذا الشيء الذي يُوجِد هذا البناء الإسلاميّ؛ وهو الإيمان. لو لم يكن الإيمان الإسلاميّ موجوداً، لما كان بالإمكان إحداث تغيير في هذا البلد، ومع ذلك النظام الذي جرّبناه، وعانينا منه، ودفعنا أثماناً من لحمنا وجلدنا وعظمنا بسبب ظلمه وفساده؛ إنّه الإيمان الإسلاميّ، حيث قام مرجع تقليد، مسدّد بالتأييد الإلهيّ والهداية الإلهيّة، وبمعرفته بأصول الكفاح والعمل، فنزل إلى الميدان، ووجّه إيمان الناس نحو ذلك الهدف السامي، فنزل الناس إلى الميدان، وعندما يحضر الناس في الميدان، فلن تستطيع أيّة قوة مادّيّة أن تقوم بأيّ عمل في مقابلهم. الأساس هو حضور الناس، وهذا ما حقّقه الإمام ببركة إيمان الناس، وبالاعتماد على إيمانهم هذا؛ لذلك فإنّ أمواج حملات العدوّ تستهدف إيمان الناس، إيمان الشباب[1].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أئمّة مساجد محافظة طهران، بتاريخ 21/08/2016م.

 

101


76

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الظلم ووجوب الانتفاضة

تحتاج المجتمعات البشريّة إلى التفكير والتأمّل في مكمن تعاسة الإنسان، وهل يوجد شكّ في وجود ظلم، ووجود تمييز، ووجود منطق مزدوج وكيل بمكيالين يسود القوى المهيمنة على العالم؟ الظلم البارز الذي يجري على البشريّة في الوقت الراهن مشهود للجميع. الظلم الذي تمارسه القوى المتسلّطة على الشعوب العُزلاء من أدوات الدفاع قائم أمام أنظار الجميع، وأنتم ترَونه. تنطلق قوّة وتزحف عن بعد آلاف الكيلومترات وتأتي إلى هنا إلى منطقتنا وتفرض سلطتها وهيمنتها بالقوّة على بلد أعزل لا قدرة له ولا إمكانيات، فتبدّل مواكب الأعراس إلى عزاء، وتصبّ مروحيّاتهم الموت على رؤوس الناس، تهدّم بيوت الناس، وليس بوسع أحد أن يقول لهم شيئاً، ولا يعتذرون عن أفعالهم! هذا هو واقع العالم. وهو كذلك حتّى في البلدان المتقدّمة. حين تلاحظون الواقع الاقتصاديّ اليوم تجدون الحالة نفسها. القضيّة في أوروبّا اليوم ليست حلّ مشكلة الناس، بل حلّ مشكلة البنوك وأصحاب الرساميل والثروات الطائلة، هذه هي مشكلتهم اليوم. أبناء البشر والجنس البشريّ ليسوا مهمّين للقوى المهيمنة. هذه حقائق موجودة في العالم. لتفكّر البشريّة في مصدر هذه الحالة، في مصدر نظام الهيمنة، ومصدر وجود قطبين؛ أحدهما مهيمن، والثاني خاضع للهيمنة. فما لم يكن هناك إنسان مهيمن فإنّ نظام الهيمنة سيزول، كذلك إذا لم يقبل الخاضع للهيمنة بهيمنة الأعداء والعتاة فنظام

 

102


77

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الهيمنة سيزول أيضاً. هنا يكون الواجب على عاتق الشعوب. وفي داخل الشعوب يقع الواجب على عاتق النخبة السياسيّة والثقافيّة. حينما يشاهد الشياطين التابعون لأجهزة الاستكبار تحرّكاً كبيراً وتحرّرياً تقوم به الجماهير في أيّ مكان من العالم -ويكون هذا التحرّك خالصاً وأصيلاً- يركّزون طاقاتهم وقدراتهم كّلها على تبديل هذا التحرّك إلى ضدّه أو يبطلون مفعوله. ترَون ما يحدث في منطقتنا حالياً. يثور الناس في البلدان للتحرّر من التبعيّة لأميركا ومن الذلّ في مقابل الهيمنة الصهيونيّة، ولإبداء البغض والكراهية لوجود هذه الغدّة السرطانيّة في قلب البلدان الإسلاميّة، فتنطلق الأجهزة كلّها، السياسيّة والمخابراتيّة والماليّة الاستكباريّة والتابعة لها، لإحباط هذا التحرّك، هذه هي القضيّة[1].

 

السعي في مواجهة ثالوث الشرّ

ها أنتم أتيتم على ذكر مثلّث الشرّ والفساد، نحن لم نذكره ولكنّكم ذكرتموه، أميركا والصهيونيّة وإنكلترا الخبيثة، وفي الواقع هم كذلك. فأجهزتهم الإعلاميّة تسعى في الليل والنهار للتأثير على أذهان شعب إيران، من أجل تبديل حسابات الناس وحسابات النخب، والذي (أي سعيهم) -بحمد الله- يبقى عديم النفع على الرغم من كلّ مساعيهم، فالمستقبل مستقبلٌ واضحٌ، والأفق جيّدٌ، غاية الأمر أنّ هذا لا يعني أن نضع رؤوسنا على وسادة من حرير وننام، بل يجب العمل ويجب السعي،

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء نوّاب المجلس التاسع في طهران، بتاريخ 13/06/2012م.

 

103


78

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

والسعي لا يعرف الوقت ولا يعترف بحدّ، ولا يعرف التقاعد، ففي جميع مراحل حياة الإنسان يبقى المجال للسعي ويجب علينا أن نتعرّف هذا المجال فنتحرّك بعزمٍ وهمّةٍ وجدّية، «قوِّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي»، هذا ما يطلبه أمير المؤمنين (عليه السلام) من الله تعالى في دعاء كميل ويعلّمنا إيّاه، ثمّ يتبعه قائلاً: «وهب لي الجدّ في خشيتك». فلنعلم أنّ الله حاضرٌ وناظر، وليكن مثل هذا الشعور جدّياً وليس مجرّد لقلقة لسان، «والدوام في الاتّصال بخدمتك»، فلا نقطع أوقات الخدمة، بل نوصلها ببعضها بعضاً. وإن شاء الله سيمنحنا شبابنا نحن الشيوخ القوّة والنشاط ويعلّموننا كيف نتحرّك. هؤلاء الشباب الذين يدرسون في هذه الجامعة وغيرهم من التعبويّين الاعزّاء والشباب المؤمنين والمضحّين وطلّاب الجامعات الأخرى، فتية وفتيات، في جميع القطاعات الجامعيّة وطلّابنا الشباب الأعزّاء والشباب في الشرائح المختلفة، من خلال حركتهم وعملهم وسعيهم[1].

 

تبيين الأهداف

ينبغي أن تدرسوا الآفات والمخاطر، وإلى جانب ذلك لا بدّ من تبيين الأهداف وشرحها، إذا لم تتّضح الأهداف فستكون هناك حيرة واضطراب، ينبغي تبيين الأهداف. من أهمّ أهداف هذه الصحوة التحرّر من شرور هيمنة الاستكبار العالميّ، ينبغي ذكر ذلك بصراحة. من الخطأ التصوّر أنّ الاستكبار العالميّ

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من القوّات المسلّحة لمنطقة الشمال وعوائلهم، بتاريخ 19/09/2012م.

 

104


79

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

بزعامة أميركا يمكن أن يتصالح مع الحركات الإسلاميّة، إذا كان ثمّة إسلامٌ وإسلاميّةٌ وإسلاميّون فإنّ أميركا ستحاول بكلّ ما أوتيت من قوّة أن تقضي عليهم، بالطبع، ستبدي لهم ابتساماتها في ظاهر الأمر. ليس أمام الحركات الإسلاميّة من طريقٍ سوى رسم حدودها الفاصلة. لا نقول يجب أن يسيروا لمحاربة أميركا، بل نقول ينبغي أن يعلموا ما هي مواقف أميركا والاستكبار الغربيّ منهم، يجب أن يشخّصوا ذلك بدقّة، وإذا لم يحصل هذا التشخيص فسوف يقعون في شرك خداعهم وحيلهم بالتأكيد[1].

 

كفاح الأعداء

إلى متى سوف يستمرّ هذا الكفاح؟ الكفاح والجهاد بمعنى من المعاني لا ينتهيان؛ فالشيطان موجود دائماً في عالم الدنيا، وبمعنى من المعاني يتغيّر شكل الجهاد حسب المواقع والظروف. إذا استطاعت البلدان والشعوب أن تعقد الهمم وتحرّر المجتمع البشريّ والمجتمع العالميّ من نير كابوس الاستعمار والاستكبار، فإنّ المشكلة سوف تُحلّ؛ بمعنى أنّ المشكلة الأساسيّة للبشريّة هي هذه. الأجهزة الاستكباريّة اليوم وعلى رأسها أميركا نزلت كالكابوس على جسد البشريّة وفكرها وروحها، وأحاطت بها وراحت تعتصرها وتضغط عليها وتمزّقها وتفسد حياتها. إذا استطاعت البشريّة أن تحرّر نفسها من هذه الظلال الثقيلة ومن هذا الكابوس المرعب، عندئذٍ

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء المشاركين في المؤتمر العالميّ لأساتذة الجامعات في العالم الإسلاميّ والصحوة الإسلاميّة، بتاريخ 11/12/2012م.

 

105


80

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

سوف تتنفّس الصعداء. هذا بالطبع، ليس بالعمل السهل، بل هو عمليّة صعبة، وتحتاج إلى كفاح طويل مديد. وقد قطع شعبُ إيران خطواتٍ واسعة في هذا السبيل. كان تأسيس النظام الإسلاميّ نفسه الخطوة الأوسع على هذا الدرب، وكان تشكيل مجلس التشريع الذي يعد تجسيداً للسيادة الشعبية الإسلاميّة، وبدورات متعاقبة متتابعة، من أكبر الأعمال والإنجازات، ونفس تواجدكم وعملكم في هذا الموقع كنوّاب للشعب ومظهر للسيادة الشعبية الدينيّة هو بذاته كفاح، فينبغي معرفة قدر هذا الشيء والتقدّم به إلى الأمام[1].

 

للمظلوم عوناً وللظالم خصماً

لقد دعم الإمام الخمينيّ الجليل على مدى هذه الأعوام الطويلة فلسطين ودافع عنها، كما ودافع عن أفغانستان أيضاً. ففي اليوم الذي دخل الاتّحاد السوفياتيّ أفغانستان، وعلى الرغم من أنّنا كنّا نُعاني في مواجهة عداوة أميركا لنا -والحكومات في مثل هذه الظروف حينما تُعادي طرفاً غالباً ما تتصالح وتنسجم مع الطرف الآخر- بيد أنّ إمامنا العظيم اتّخذ موقفاً حاسماً ضدّ الاتّحاد السوفياتيّ، وهو موقف لم تتّخذه حتّى بعض الحكومات ذات الميول الغربيّة. لكنّ الإمام دعم شعب أفغانستان من دون أيّة ملاحظة ومجاملة، ودعم شعب لبنان، ودعم الفلسطينيّين بكلّ موّدة وصفاء. هذا هو منطق الإمام الخمينيّ في خصوص مواجهة الاستكبار.

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ في طهران، بتاريخ 25/05/2014م.

 

106


81

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

وبهذا المنطق يُمكن اليوم تشخيص قضايا العالَم وفهم الموقف السليم. إنّنا في الوقت الراهن، وبالقدر نفسه الذي نُعارض به السلوك الهمجّي الغاشم لتنظيم داعش في العراق وسوريا، فإنّنا نُعارض السلوك الظالم للشرطة الفيدراليّة الأميركيّة داخل أميركا، وكلاهما شبيهان ببعضهما بعضاً، وبالدرجة نفسها التي نُعارض بها الحصار الظالم ضدّ أهالي غزّة المظلومين، نُعارض قصف الشَّعب اليمنيّ المظلوم الذي لا مأوى له، وبالقدر نفسه الذي نُعارض به التشدّد ضدّ الشَّعب البحرينيّ، نُعارض هجمات الطائرات الأميركيّة من دون طيّار ضدّ شعبي أفغانستان وباكستان. هذا المنطق هو منطق الإمام الخمينّي. ففي أيّ موضع يحلّ الظلم فيه يظهر طرفان: ظالم ومظلوم، نحن نكون للمظلوم عوناً وللظالم خصماً، وهذا موقف كان الإمام الخمينيّ يتّخذه بكلّ صراحة، ويراه من خطوطه الرئيسة. واليوم أيضاً وللسبب ذاته تُعَدّ قضيّة فلسطين بالنسبة إلينا قضيّة أساس، وليعلم الجميع ذلك. إنّ قضيّة فلسطين لن تخرج من لائحة قضايا نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. قضيّة فلسطين هي ساحة جهاد إسلاميّ، واجب وضروريّ، وما من حدث يُمكنه فصلنا عن القضيّة الفلسطينيّة. قد يكون البعض ممّن يوجد في الساحة الفلسطينيّة لا يعمل بواجباته، وهؤلاء لهم حساب آخر، إلّا أنّ شعب فلسطين والمجاهدين الفلسطينيّين هم موضع تأييدنا ودعمنا[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2015م.

 

107


82

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الالتزام بالقضيّة الفلسطينيّة في مواجهة الاستكبار

إنّ الأجهزة الاستكباريّة وسياساتها تسعى بكلّ وجودها من أجل صرف الجمهوريّة الإسلاميّة عن دعم فلسطين. إنّنا نصرّ على الالتزام بقضيّة فلسطين. سعَوا من أجل تضخيم القضيّة المذهبيّة والطائفيّة. الجمهوريّة الإسلاميّة تقف إلى جانب الإخوة المسلمين من أيّ مذهبٍ كانوا، من الشيعة والسنّة والفرق الإسلاميّة المختلفة، فأينما كان هناك حركةٌ إسلاميّة، وأينما كان هناك دفاع عن الهويّة الإسلاميّة، وأينما كان هناك دفاع عن المظلوم، فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ستكون هناك موجودة وحاضرة، ولن تتمكّن أميركا والصهيونيّة والشبكة السياسيّة الفاسدة للمستكبرين من التغلّب على الجمهوريّة الإسلاميّة. إنّنا بتوفيق الله سنقف إلى جانب شعب فلسطين، وإلى جنب الشعوب المسلمة التي نهضت بالثورة، وإلى جانب شعب البحرين المظلوم وإلى جانب كلّ الذين يريدون أن يواجهوا أميركا والصهيونيّة. إنّنا صامدون، وسندافع عنهم، ولن تأخذنا في ذلك لومة لائم[1].

 

لا تقصير في الدفاع عن فلسطين

بدأت المفاوضات مجدّداً بين سلطة الحكم الذاتيّ الفلسطينيّة والصهاينة، والتي لا شكّ أنّها لن تأتي بشيءٍ أكثر ممّا تحقّق في المفاوضات السابقة، وهي عبارة

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء المشاركات في المؤتمر العالميّ للمرأة والصحوة الإسلاميّة في طهران، بتاريخ 11/07/2012م.

 

108


83

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

عن تراجع الفلسطينيّين عن حقوقهم، وتحريض المعتدي على المزيد من الاعتداء، وقمع نضال الشعب الفلسطينيّ الحقّ. ها هم يهدمون البيوت ويبنون العمارات المغصوبة للمحتلّين والغاصبين، ويقولون إنّنا نفاوض! ومع ذلك يعلنون أنّ المفاوضات سرّيّة. إنّ تدخّل الاستكبار في هذه المفاوضات لا شكّ بأنّه سينتهي إلى ضرر الفلسطينيّين. إنّنا نعتقد بأنّ على العالم الإسلاميّ أن لا يقصّر لحظة واحدة في دفاعه المتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة وإدانة الأعمال العدوانيّة لذئاب الصهيونيّة الوحشية وحماتها الدوليّين، لكي لا تؤدّي هذه المفاوضات التي تجري كما يُقال بوساطة أميركيّة -وفي الواقع أنّ أميركا ليست وسيطاً، بل هي أحد أطراف القضيّة، وهي إلى جانب مغتصبي فلسطين من الصهاينة- إلى المزيد من الظلم بحقّ الشّعب الفلسطينيّ وعزل الفلسطينيّين المسلمين المناضلين[1].

 

الشعوب ما تزال حيّة

منذ 65 عاماً والاستكبار العالميّ يسعى بكلّ وجوده وقوّته لفرض واقع النظام الصهيونيّ على الشعوب الإسلاميّة، ولحملهم على القبول هذا الواقع، وقد فشل حتّى الآن. لا تلتفتوا إلى الدول والحكومات المستبدّة -التي لأجل حفظ مصالح أصدقائها الأجانب المعادين للإسلام، تدوس مصالح شعوبها، وتضع مصالح الإسلام طيّ النسيان- فالشعوب

 

 


[1] خطبة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في صلاة عيد الفطر السعيد في طهران، بتاريخ 09/08/2013م.

 

109


84

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

مخالفة للوجود الصهيونيّ! إنّهم يحاولون منذ 65 عاماً محو اسم فلسطين من الذاكرة ولم يفلحوا. وقد أثبتت الشعوب الإسلاميّة والأمّة الإسلاميّة، خلال السنوات الأخيرة في حرب 33 يوماً على لبنان وحرب 22 يوماً على غزّة، وبعدها حرب 8 أيام على غزّة أيضاً، أنّها ما تزال حيّة، واستطاعت على الرغم من رصد أميركا والغرب لميزانيّات ضخمة، أن تحافظ على هويّتها وأن توجّه صفعة قويّة للنظام الصهيونيّ المفروض والمزوّر، ولعرّابي الصهاينة الظالمين وأصدقائهم وحلفائهم، حيث باءت جميع محاولاتهم بالفشل خلال هذه المدّة لحفظ هذا النظام الغاشم والمجرم! فقد أظهرت الأمّة الإسلاميّة أنها لم تنسَ فلسطين، وهذا أمر مهمّ جدّاً[1].

 

مواجهة الاستكبار لا تقبل التعطيل

ما هو تكليفنا تجاه مكافحة الاستكبار بعد المفاوضات؟ حسنٌ، هل يُمكن تعطيل مكافحة الاستكبار؟ إنّ مواجهة الاستكبار ومكافحة النظام المتسلّط هي حركة لا تعرف التوقّف... هذه واحدة من مهامنا الأساس، ومن مباني الثورة. ومعنى ذلك أنّنا إذا توقّفنا عن مكافحة الاستكبار، فلن نكون من أتباع القرآن أساساً. إنّ مواجهة الاستكبار لا تنتهي ولا تتوقّف بالنسبة لمصاديق الاستكبار، فإنّ أميركا هي المصداق الأتمّ للاستكبار. لقد قُلنا للمسؤولين المحترمين الذين يتفاوضون في الشأن النوويّ -إذ أُجيزَ لهم أن يتباحثوا

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظمP والإمام الصادق(عليه السلام)، بتاريخ 19/01/2014م.

 

110


85

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

وجهاً لوجه، وقد سبق أن حدث ذلك ولكن ليس على هذا المستوى، وإنّما في مستويات أدنى، والمفاوضات تجري على هذا المستوى للمرّة الأولى- إنّه يحقّ لكم التفاوض في القضيّة النوويّة فقط، ولا يحقّ لكم أن تتفاوضوا بشأن أيّ قضيّة أخرى، وهذا ما يقومون به بالفعل. الطرف المقابل يطرح أحياناً قضايا المنطقة، بما فيها سوريا واليمن وأمثال ذلك، ومفاوضونا يقولون لهم: لا حوار لنا معكم في هذه المجالات، ولا يتباحثون في ذلك. والمفاوضات لا تجري إلّا في مجال القضيّة النوويّة... إنّ مواجهة الاستبكار لا تقبل التوقّف والتعطيل، وتكليفنا في ذلك واضح، أعدّوا أنفسكم لمتابعة مواجهة الاستكبار[1].

 

أعلنوا المواجهة ولا تخجلوا

نحن نفخر بأنّ شعبَنا وحكومتنا ومسؤولينا وشبابنا ونخبتنا، لم يكونوا غير آبهين حيال هذه الأمور طوال السنوات الماضية؛ بل أعلنوا مواقفهم وأظهروا معارضتهم وإدانتهم. يتوجّب على الشعب الإيراني أن لا يفقد هذه الروح التي يتحلّى بها؛ لا تتركوا هذه الروح، خصوصاً أنتم الشباب. يريد بعضهم قلبَ المفاهيم والأمور رأساً على عقب، فيعترضون قائلين: لمَ ترفعون شعارات الموت لفلان، والموت لفلان؛ ويعترضون: لماذا تطرحون جرائم أميركا والصهاينة وحلفائهم من على المنابر العالميّة علانيةً؟! [والجواب أنّه] يجب أن تُطرح

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء طلّاب الجامعات، بتاريخ 11/07/2015م.

 

111


86

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

هذه الجرائم، ويجب أن نتحدّث بها لتأخذ الشعوب الدروس.

 

اليوم وفي عهد عظمة الإسلام وشموخ النظام الإسلامي وعزّة شعب إيران بفضل مواقفه المناهضة للاستكبار، إذا وقف شخصٌ على المنابر العالميّة وتحدّى أميركا وإسرائيل والصهيونيّة وحلفاءهم، وتحدّث بصراحة، فإنّ بعضهم يخجل ويتأفّف ويقول: لقد أخزيتنا! خجلٌ يشبه ذلك الخجل من أداء الصلاة في أيّام حكم الطاغوت. لماذا نخجل؟! يجب أن لا تتوقّف المواقف الصريحة للشعب الإيرانيّ من الظلم والجور الدوليّ، خصوصاً [مواقف] الشباب[1].

 

أميركا هي هي، الأمس واليوم

إنّ أميركا تسعى وراء إمرار مشاريعها من خلال الهيمنة والتسلّط والإعلام الكاذب، فلا بدّ من الصمود ومقاومة تسلّطها وإعلامها الكاذب. وعلى المسؤولين كافّة، سواء الحكوميّين أو اللجنة المشرفة التي أوصيناها أيضاً، في الظرف الراهن توخّي الحيطة والحذر من لجوء الطرف المقابل إلى الخداع؛ لأنّه أهل الخداع والمكر والاحتيال، ولا يمكن الوثوق بابتسامته وبالقناع الذي يتنكّر به.

 

وأقولها لكم: لا يوجد أيّ فارق واختلاف بين أميركا في عهد ريغان، وأميركا في عهد بوش، وأميركا اليوم. وكما أنّ أميركا في عهد ريغان رأت أنّه من الضروريّ أن تقصف مواقعنا في

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الجامعيّين بمحافظة كردستان، بتاريخ 17/05/2009م.

 

 

112


87

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الخليج الفارسيّ حقداً وغضباً، فإنّها اليوم أيضاً لو استطاعت لقامت بهذا العمل نفسه. هي لم تتغيّر، وسياساتها في مجابهة الإسلام ومواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة، سياسات ثابتة. بالطبع أساليبهم متفاوتة، فواحد يتّبع هذا الأسلوب، والآخر يتّبع أسلوباً آخر، لكنّ أهدافهم واحدة، وهذا ما يجب على الجميع الالتفات إليه.

 

لذا، فإنّهم أهل مكرٍ وخدعة وتحايل؛ فلينتبه الجميع إلى خداعهم، وليدقّقوا بأن يكون ما ينفّذونه مطابقاً لما تعهّدوا بإنجازه بكلّ ما في الكلمة من معنى. ولا ينبغي التغاضي عن تحايل الطرف المقابل، ويجب الردّ عليهم بالمثل متى ما شاهدوا خدعة من جانبهم؛ أي إنّه يتعيّن عليهم الصمود وعدم الالتزام بالاتّفاقات إذا ما شاهدوا الطرف الآخر ينقض عهوده[1].

 

من يعتمد على أميركا يخسر

أدّى المنحى الاستكباريّ، الذي انتهجه الأميركان والذي استمرّوا عليه منذ عشرات الأعوام وإلى اليوم، إلى بروز شعور من الامتعاض وعدم الثقة لدى الشعوب تجاه الحكومة الأميركيّة. وهذا الأمر لا يختصّ ببلادنا. أيّ بلد اعتمد على أميركا ووثق بها تلقّى الضربات وخسر، حتّى الذين كانوا أصدقاء لأميركا. وفي بلادنا وثق الدكتور مصدّق بالأميركيّين واعتمد عليهم واستعان بهم ليستطيع إنقاذ نفسه من ضغوط البريطانيّين، وبدل أن يساعدَ الأميركيّون الدكتور مصدّق الذي

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء القائمين على انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء، بتاريخ 20/01/2016م.

 

 

113


88

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

أحسن الظن بهم، تحالفوا مع البريطانيّين، وأرسلوا مبعوثهم إلى هنا، فدبّر انقلابَ الثامن والعشرين من مرداد. وثق مصدّق بهم وتلقّى ضرباتٍ نتيجة ذلك[1].

 

لا ثقة بالأميركيّين!

اليوم، وفي ما يتعلّق بالملفّ النوويّ والمفاوضات النوويّة التي جرت فيها المباحثات وانتهى هذا المسار الطويل، قال أحد المسؤولين الأميركيّين قبل يومين، ولمرّة أخرى: إنّنا سنعمل على أن لا يجرؤ أحد من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين الكبار في العالم على استثمار أمواله في إيران. لاحظوا العِداء! هذه هي أميركا. إنّ واحداً من أهداف أولئك الذين تابعوا هذه المفاوضات وخاضوا هذا المخاض -والحقّ والإنصاف أنّهم بذلوا الجهود والعناء وصرفوا الوقت والتعب- هو الوصول إلى الانفتاح الاقتصاديّ عبر الاستثمار الأجنبيّ، والأميركيّون اليوم يحولون دون ذلك. لقد كرّروا هذا القول مرّات عدّة، وأعاده شخص آخر قبل يومين أو ثلاثة، قائلاً: إنّنا سنعمل على أن لا يجرؤ أحد من المستثمرين على الاستثمار في إيران. وهذا هو المراد من تأكيدي المتكرّر على أنّه لا يمكن الوثوق بالأميركيّين، وأنّهم غير جديرين بالثقة[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء آلاف الطلبة الإيرانيّين لمناسبـة اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ في طهران، بتاريخ 03/11/2013م.

[2]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود من أهالي آذربيجان الشرقيّة، بتاريخ 17/02/2016م.

 

114


89

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

لن نوقِّع اتفاقاً سيئاً

هم الآن يرفعون الملفّ النوويّ كنموذج، ويحاولون الإيحاء بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة عاجزة في الملفّ النوويّ، ليس الأمر على هذا النحو، وأقول هنا:

أوّلاً: أنا أوافق على الاتّفاق الذي يمكن أن يتمّ ويحصل؛ على أن لا يكون اتّفاقاً سيّئاً بالطبع. دائماً ما يُكرّر الأميركيّون ويقولون: «إنّنا نعتقد أنّ عدم الاتّفاق أفضل من الاتّفاق السيّئ»، نعم، نحن أيضاً نعتقد مثل هذا، نحن أيضاً نعتقد بأنّ عدم الاتّفاق أفضل من الاتّفاق السيّئ، الذي يؤدّي إلى الإضرار بالمصالح الوطنيّة، والذي يؤدّي إلى إهانة الشَّعب الإيرانيّ الكبير والعظيم.

 

ثانياً: ليعلم الجميع أنّ مسؤولينا والوفد الإيرانيّ المفاوض وحكومتنا يبذلون كلّ جهدهم لانتزاع سلاح الحظر من أيدي العدوّ، وإنّ مساعيهم [المسؤولين الإيرانيّين] منصبّة على انتزاع سلاح الحظر من يد هذا العدوّ الغدّار، وحتماً إن استطاعوا انتزاعها فنعمّا هو. وإن لم يستطيعوا، فليعلم الجميع، ليعلم الأعداء والأصدقاء في العالم أيضاً، أنّ في داخل البلاد سبلاً وخيارات كثيرة تجعل سلاح العدوّ كليلاً وغير فعّال. وليست المسألة بأن نتصوّر أنّ سلاح الحظر سلاح قاتل يقيناً، لا، إنّنا إن شحذنا الهمم وركّزنا بصورة صحيحة على ما نمتلكه من إمكانيّات وخيارات -وهذه الروحيّة متوفّرة بحمد الله- نستطيع جعل سلاح الحظر كليلاً وغير فعّال، حتّى لو لم نستطع انتزاعه من يد العدوّ.

 

 

115

 


90

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

ثالثاً: في إطار هذه القضية أشار رئيس الجمهوريّة المحترم في إحدى خطاباته قبل فترة إلى نقطة جيّدة، وهي أنّ المفاوضات تعني أن يحاول الطرفان التوصّل إلى قدر مشترك. حسنٌ، هذا يعني أن لا يريد أحد الطرفين تحقيق كلّ ما يرغب فيه ويتوقّعه. الأميركيّون على هذه الشاكلة، فهم وبعض الدول الأوروبيّة التي تسير خلف أميركا كالأطفال، وهم على خطأ حقّاً، حيث ترتكب هذه البلدان التابعة لأميركا خطأً استراتيجيّاً - يتوقّعون الكثير الكثير، ويقولون إنّه يجب تحقيق ما يريدونه بتفاصيله ومواصفاته. هذا خطأ، وهو ليس طريقاً للتفاوض. لقد قام الطرف الإيرانيّ بأعمال يُمكنها أن تُقرّبه من الاتّفاق. قام بأعمال متعدّدة، فقد أوقف العمل على تطوير أجهزة التخصيب، حسنٌ، لقد رأوا [المسؤولين] بأنّ من اللازم توقيفه لفترة من الزمن، وأوقفوا إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين في المئة -والتوصّل إلى علوم وتقنيّات التخصيب بنسبة عشرين بالمئة عمل ضخم جداً، وقد كان عملاً كبيراً جداً، والمتخصّصون في هذه التقنيّات يعلمون بأنّ الوصول من التخصيب بنسبة 5% إلى التخصيب بنسبة 20%، أكبر بكثير من حيث الأهميّة من الوصول من التخصيب بنسبة عشرين بالمئة إلى ما فوق ذلك؛ هذا إنجاز كبير قام به شبابنا وتقنيّونا الملتزمون- وكان مقتضى التفاوض أن يوقفوا هذا الأمر، وقد أوقفوا حاليّاً العمل بمعمل آراك الذي يُعَدُّ من الأعمال الكبرى جداً والمهمّة تقنياً، ويُعدّ ميّزة تقنيّة ضخمة، وموقع فوردو الذي هو من أرقى الابتكارات، حيث استطاع متخصّصونا المحلّيّون إنشاءه لضمان أمن أجهزة

 

116


91

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

الطرد المركزيّة الإيرانيّة، أُوقِف العمل به حاليّاً. لقد اتّخذوا هذه الخطوات الكبيرة كلّها[1].

 

لا تفاوض تحت شبح التهديد

إذا لم يستطع شعب ما، أن يُدافع عن هويّته وعظمته كما يجب، فإنّه من دون شكّ سيتعرّض للخسارة والضربات القاتلة. في مثل هذا الوضع، لا فرصة للتجارب والاحتمالات المتعدّدة، يجب [على الشعب] معرفة أهمّيّة شخصيّته وهويّته... أنا لا أعرف ماذا تعني المفاوضات تحت شبح التهديد. تفاوض تحت شبح التهديد! وكأنّ هناك سيفاً مصلّتاً فوق الرؤوس! الشَّعب الإيرانيّ ليس من هذا النوع. لا يرضى الشَّعب الإيرانيّ بالمفاوضات في ظلّ التهديدات. لماذا يُهدِّدون؟ لماذا يرتكبون هذه الحماقات كلّها؟ يقولون إنّه إذا لم تُنجز هذه الأمور وتلك الأمور بالطريقة الفلانيّة، فيُمكن أن نشنّ هجوماً عسكريّاً على إيران! أوّلاً: خسئوا! ثانياً: لقد قُلت في زمان الرئيس الأميركيّ السابق -الذي كان يُهدّد في ذلك الوقت أيضاً- لقد انتهى زمن (اضرب واهرب)، وليس الأمر هكذا أن تقولوا نحن نضرب ونُهاجم، ثمّ نرجع من حيث أتينا! كلّا، ستغرق أقدامكم هنا، ونحن سنقوم بما يلزم. الواقع ليس بهذا الشكل؛ أن يسمح الشَّعب الإيرانيّ لأحد بالتعرّض له والاعتداء عليه. نحن سنردّ على أيّ عدوان[2].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من قادة القوّة الجوّيّة والعاملين فيها في يوم القوّة الجوّيّة، بتاريخ 08/02/2015م.

[2]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من المعلِّمين والتربويّين من جميع أنحاء البلاد، بتاريخ 06/05/2015م.

 

117


92

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

إزالة الوجود الأميركيّ من المنطقة

إنّ مهمّة أميركا زعزعة الأمن. كلّ مكان وطأته أقدام الأميركيّين في هذه السنوات [الأخيرة]، زعزعوا فيه الأمن. في أيّ منطقة، سواء في غرب آسيا، حيث نحن، أم في مناطق العالَم الأخرى؛ أينما ذهبوا زعزعوا الأمن، إمّا أثاروا الحروب الداخليّة، أو جعلوا الإخوة يتقاتلون ويقتلون بعضهم بعضاً. أينما ذهبوا، سبّبوا للناس الشقاء والتعاسة. لذلك أيضاً، يجب إزالة الوجود الأميركيّ في منطقة غرب آسيا، ينبغي للأميركان أن يرحلوا عن منطقة غرب آسيا. إنّ الذي يجب أن تُقطع قدمه من هنا هو أميركا، لا الجمهوريّة الإسلاميّة! نحن الجمهوريّة الإسلاميّة، نحن أهل هذه المنطقة، والخليج الفارسيّ ديارُنا، وغرب آسيا منطقتنا، المنطقة منطقتنا، وأنتم الغرباء، أنتم الذين أتيتم من المناطق البعيدة، أنتم أصحاب الأهداف الخبيثة، أنتم تريدون إيجاد الفتنة، أنتم من ينبغي عليه أن يرحل! واعلموا أنّ رِجلَ الأميركيّين ومن شابههم ستُقطع مِن هذه المنطقة[1].

 

مرادنا الهيئة الحاكمة في أميركا

في البلدان المتحالفة مع أميركا في منطقتنا، [بلدان] لا تعرف أصلاً ظاهرة اسمها الانتخابات! ولا يفهمون ما معنى الانتخابات أساساً، وإذا بأميركا التي تنادي بالديمقراطيّة تعقد

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء العمّال بمناسبة يوم العمل والعمّال، بتاريخ 30/04/2018م.

 

 

118


93

مقارعة الاستكبار الأميركيّ

معهم عقد الأخوّة والتحالف الوثيق، كيف هذا؟ هي تدافع عنهم كيفما كان. عدوّنا هو عدوّ كهذا، أميركا هي موجود كهذا. لطالما ذكرتُ أنّ المراد هو الهيئة الحاكمة في أميركا، والمقصود هو النظام الأميركيّ، وإلّا فلا شأن لنا بالشعب الأميركيّ. هذه هي حقيقة النظام الأميركيّ. فإنّهم يرتكبون أبشع الجرائم وأوقح الجنايات، ثمّ يبتسمون في وجه الطرف الآخر، ولا يجيبون أيضاً عن هذه الأسئلة! فإن كان لديهم جواب حقّاً فليجيبوا الرأي العامّ العالميّ[1].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من أهالي قم المقدّسة وعلماء الحوزة بمناسبة ذكرى 19 دي، بتاريخ 09/01/2012م.

 

 

119


94

سبيل المواجهة

الحافزيّة موجودة

لا يمكن فرض الصمود في الميدان على الشباب والأمّة بواسطة القانون. يجب أن تتدفّق المحفّزات من القلب، ويجب أن تكون المحفّزات نابعة من الإيمان. شبابنا اليوم لديهم دوافع أكثر، وليست أقلّ من شباب سنة 57 إذ هجم النظام البهلويّ العميل لأميركا على شبابنا في هذه الشوارع وضرّجهم بالدماء. كما أنّ دوافع شبابنا ليست بأقلّ، إن لم تكن أكثر من اليوم الذي توجَّهَ فيه جمعٌ منهم واحتلّوا السفارة الأميركيّة التي غدت آنذاك مركزاً ومقرّاً للتآمر ضدّ الثورة. والسبب واضح؛ لأنّ ثمّة ثلاثين عاماً من التجارب المتراكمة في تاريخ هذا الشعب. إنّ ذهنيّة الشباب اليقظة وعيونهم المفتّحة تستلهم تلك التجارب وإن لم تشهد تلك الأيام. تزداد تجارب الشعب غنًى وعمقاً وفائدةً، جيلاً بعد جيل[1].

 

المواجهة بقيادة حكيمة

تنقسم الشعوب في مواجهة الأحداث إلى فئتين، فئة تتلمّس الحادثة وتعيش الشدّة والتعذيب، لكن ليس بمقدورها

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشد من الطلّاب بمناسبة 13 آبان في طهران، بتاريخ 03/11/2009م.

 

123


95

سبيل المواجهة

أن تستخلص تحليلاً واستنتاجاً صائباً يدفعها للقيام بحركة مضادّة؛ وأخرى تتمتّع بقيادات جديرة صالحة، فهي تتحمّل الصعاب والشدائد، ولكنّها إلى جانب ذلك، تسعى لاكتساب الوعي والبصيرة، لاجتراح الحلول وتعزيز المعتقدات الصحيحة والمنطقيّة. والشعب الإيرانيّ يدخل في زمرة هذه الشعوب؛ فقد تفضّل الله سبحانه وتعالى على هذا الشعب، ومنحه هبة كبرى تتمثّل بقيادة الإمام الخمينيّ العظيم، الذي بثّ الوعي في الشعب، ومنحه البصيرة، وتحمّل الشدائد بنفسه، فدخل السجن ونُفي ولم يتخلَّ عن نهضته، فعمّت حالة الوعي والبصيرة واتّسعت شيئاً فشيئاً، حتّى تحوّلت هذه النهضة في سنة 1978م و79 إلى حركة عامّة في أوساط الشعب الإيرانيّ. ولم تكن تستهدف هذه النهضة الجهاز الحاكم فحسب، إنّما كانت تستهدف أميركا أيضاً؛ لأنّ الشعب كان قد عرف وأدرك أنّ أميركا هي التي تقف وراء الجرائم التي تُرتَكب بحقّه وبحقّ البلد في الداخل. لقد قال إمامنا الخمينيّ الجليل في بداية اندلاع النهضة الإسلاميّة عام 1963م: إنّ الرئيس الأميركيّ اليوم هو أكثر شخصيّة مكروهة في إيران. لقد طرح هذا المفهوم على الرأي العامّ، وبيّن للناس أنّ أميركا تقف وراء الشرور والمؤامرات كلّها، وقد آتى هذا الجهاد ثماره.

 

أينما تحرّكت الشعوب وصمدت وصبرت واستقامت، لا محالة سيكون النصر حليفها. وهذا أمر يصدق في كلّ مكان. أمّا إشكاليّة العمل الجهاديّ الذي يؤول إلى الهزيمة، فإنّ الشعوب إمّا أن تفقد تحمّلها وصبرها وتتخلّى عن ثباتها

 

124

 

 


96

سبيل المواجهة

وصمودها، وإمّا أنّها تفتقد إلى القيادات القادرة على إدارتها بشكل صحيح. وهذا ما شاهدناه في زماننا خلال السنوات الأخيرة، إذ تحرّكت الشعوب وأظهرت عزيمتها وإرادتها وحقّقت بعض النتائج، لكنّها كانت تفتقد إلى القيادات القادرة على إدارتها وقيادتها بشكل صحيح، والتي تشخّص لها الهدف، وترسم أمامها الطريق؛ لهذا لحقت بها الهزيمة. وهذا ما شاهدتموه جميعاً في السنوات الأخيرة، ولا أريد أن أذكر اسم بلد أو مكان معيّن[1].

 

القضاء على التبعيّة بكلّ أشكالها

يجب أن نقضي على التبعيّة؛ التبعيّة السياسيّة، التبعيّة الاقتصاديّة، التبعيّة الثقافيّة؛ جميع أشكال التبعيّة، وأساسها هو التبعيّة السياسيّة. التبعيّات السياسيّة، بالدرجة الأولى، هي التي تستتبع باقي أنواع التبعيّة.

 

التبعيّة السياسيّة تؤدّي طبعاً إلى التسلّل ونفوذ الثقافة أيضاً، وإلى نفوذ الاقتصاد أيضاً، ويمكن أن تستتبع التبعيّة في القطاعات والجوانب كلّها، بما في ذلك الجانب الأمنيّ. وقد كانت هذه هي الحال خلال فترة الطاغوت (الحكم الشاهنشاهيّ). لقد كنّا تابِعين حتّى في الجانب الأمنيّ، وفي القطاع الاقتصاديّ من بابٍ أَولى، وكذا الحال بالنسبة إلى الجانب الثقافيّ، وقد زالت التبعيّة السياسيّة بفضل

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

 

125


97

سبيل المواجهة

الثورة. أمّا باقي أنواع التبعيّة، فهي صعبة وشاقّة وتحتاج إلى مساعٍ وجهودٍ... نحن تابعون من الناحية الاقتصاديّة، وتابعون من الناحية الثقافيّة، ويجب أن نركّز تفكيرنا ونخطّط لمواجهة هذا الموضوع؛ فالتبعيّة تنتج التعاسة والبؤس.

 

عندما ينظر الإنسان في المذكَّرات المتبقيّة عن أصدقاء (الشاه) محمّد رضا بهلويّ -لقد قرأت الكثير من هذه الكتب- يجد أنّ محمّد رضا، هذا الملك الطاغوتيّ نفسه، يعتريه الغضب بشدّةٍ من الأميركيّين أحياناً، ويكيل لهم السّباب أحياناً، ويشتمهم، طبعاً في الغرف الخاصّة ومع أصدقائه المقرَّبين، تماماً كالذي صعد إلى سطح منزله وراح يشتم حارس تلك المدينة البعيدة، هكذا كان هو أيضاً! يذكرهم بسوءٍ في الغرف الخاصّة المغلقة، لكن في الوقت نفسه، إذا وجّه سفير بريطانيا أو سفير أميركا رسالةً أو تحدّث بالهاتف وأمر بأمرٍ ما، فكان هذا مطيعاً منحنياً، ويده على صدره، جاهزاً لتنفيذ ذلك الأمر. ولم تكن لديه حيلةٌ أو مهربٌ، فقد كان مجبوراً. هذه هي التبعيّة. هذا ما يجب أن يزول.

 

حسناً، لحسن الحظّ، زالت هذه التبعيّة من الناحية السياسيّة، واستؤصلت بالكامل في بلادنا، ولكن ينبغي أن تُبذل جهود كثيرة للقضاء عليها في المجالات الأخرى. والتقدّم العلميّ، الذي يحصل على أيديكم، هو واحدٌ من أهمّ العناصر الأساسيّة للخلاص من هذه التبعيّة[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مجموعة من النخب العلميّة الشابّة، بتاريخ 18/10/2017م.

 

126


98

سبيل المواجهة

صناعة النموذج الخاصّ

لن تنفعنا وصفة أخرى، سواء وصفة التقدّم الأميركيّ أو الغربيّ أو وصفة التقدّم الأوروبيّ الشماليّ، فالبلدان الإسكندنافيّة، هي من نوعٍ آخر مختلف؛ وإنّ أيّاً من هذه النماذج لا يمكن أن يُعدَّ نموذجاً منشوداً للتقدّم في بلدنا. علينا تحرّي النموذج المحلّيّ الخاصّ بنا. وميزتنا (إبداعنا) هي أن نتمكّن من إيجاد النموذج المحلّيّ للتقدّم الذي يتناسب وظروفَنا.

 

إنّ سبيل الوصول إلى النموذج الخاصّ والمتقدّم هو الاعتماد على القدرات والطاقات الذاتيّة وإمكانيّات الشعب الداخليّة، فإنّ لدينا إمكانيّات كبيرة. هذا الشعب لديه طاقات كبيرة وموارد كثيرة لم يتمّ استثمارها[1]...

 

صناعة الوعي

لقد أثبت الشعب الإيرانيّ أنّه شعبٌ واعٍ. فلولا وعي الشعب الإيرانيّ، لسجّلت تلك الحكومات المتزلزلة المهزوزة التي لم تكن تؤمن بالثورة، مصيراً سيّئاً لهذا البلد، من دون أدنى شكّ. لو قُدّر أن يبقى على رأس السلطة أولئك الذين كانوا يقولون صراحةً أنّهم لا يؤمنون بالثورة، وكانوا يقولون إنّهم يخافون من أميركا، والذين كانوا يظهرون التذلّل والخضوع أمام القوى الكبرى لكان شعبنا اليوم في مسارٍ ووضعٍ مختلفين، ولما كانت هذه العزّة وهذا التقدّم وهذه السمعة والشأن العالميّ[2].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الجامعيّين بمحافظة كردستان، بتاريخ 17/05/2009م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أهالي مدينة بيجار، بتاريخ 18/05/2009م.

 

127


99

سبيل المواجهة

الاستعداد والشعور بالمسؤوليّة

إنّ عدوّنا اليوم مشغول من النواحي كلّها بالهجوم علينا؛ فمن الناحية الاقتصاديّة تلاحظون ماذا يفعل، ومن حيث التغلغل المعلوماتيّ والاستخباريّ يعمل ويخطّط ليتغلغل استخباراتيّاً. وفي مجال الفضاء الافتراضيّ، يخطّط لتوجيه ضربة للبلاد عن هذا الطريق. فهو بالتالي عدوّ! وعدوّنا بالدرجة الأولى هو أميركا والصهيونيّة، والأمر لا يختصّ بالحكومة الحاليّة في أميركا، فالحكّام السابقون كانوا على هذا النحو أيضاً، لكن بأشكال مختلفة. المساعدة التي قدّمها لنا هذا الشخص الذي يتولّى الرئاسة الآن -ويجب أن نشكره عليه- هي أنّه عرّى أميركا وأظهرها على حقيقتها. الحكّام السابقون كما قلت سابقاً، كانوا يخفون أياديهم المعدنيّة في قفّاز مخمليّ، والكثيرون كانوا لا يرَون ذلك وتشتبه عليهم الأمور؛ أمّا هذا فلا، هؤلاء عديمو العقل أخرجوا اليد المعدنيّة الصلبة من القفّاز وأظهروها للعالم كافّة. تحرّكاتهم تحرّكات علنيّة واضحة. وقد هجم العدوّ من النواحي كلّها. وعلى مسؤولي البلاد وأبناء الشعب المقتدرين كلّهم وعموم الناس أن يعملوا ما في وسعهم كلّه لمواجهة هذا العدوّ، وأن يعدّوا أنفسهم في القطاعات والمجالات والحقول التي يستطيعون، ويردوا الميدان، ويشعروا بالمسؤوليّة[1].

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشد من المعلّمين، بتاريخ 01/05/2019م.

 

128


100

سبيل المواجهة

العلم أحد أركان الأمن

تتواجد الأمّة الإسلاميّة في منطقة حسّاسة جدّاً من العالم من الناحية الجغرافيّة؛ أي منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسيّ والبحر الأحمر وشمال أفريقيا وجزء من البحر الأبيض المتوسّط، هذه المنطقة الكبيرة. لاحظوا أنّه يوجد ثلاثة معابر مائيّة حسّاسة وحيويّة في هذه المنطقة من مجموع خمسة أو ستّة معابر في العالم: مضيق هرمز، وقناة السويس، وباب المندب. هذه منافذ مهمّة تتوقّف عليها التجارة العالميّة. خذوا خارطة العالم وضعوها أمامكم، وسترون كم هي مهمّة هذه النقاط للتواصل التجاريّ والارتباط الاقتصاديّ في العالم. في هذه المنطقة البالغة الحساسيّة ثمّة قوّة صاعدة تظهر وتصعد يوماً بعد يوم. قوّة تعارض كلّ طلبات الاستكبار وأجهزة الشركات والشبكات الاقتصاديّة العملاقة المفسِدة في الأرض؛ تعارض نظام الهيمنة والتسلّط والتعسّف والظلم؛ فهذه أمور مهمّة جدّاً لأجهزة الاستكبار. ليست أجهزة استكبار الولايات المتحّدة الأميركيّة أو الرئيس الفلانيّ، أو الحكومة الأميركيّة الفلانيّة، أو البلد الأوروبّيّ الفلانيّ وحسب، فأجهزة الاستكبار شبكة أكبر تشمل جميع هؤلاء: الشبكة الصهيونيّة، وشبكة التجّار الدوليّين الكبار، ومراكز المال الكبيرة في العالم؛ هؤلاء هم الذين يضعون خطط المسائل السياسيّة في العالم، وهم الذين يأتون بالحكومات ويسقطونها. توجد داخل هذه المنظومة حكومة الولايات المتّحدة، والحكومات الأوروبّيّة، وكثير من أرباب النفط الأثرياء في المنطقة، وهم

 

129

 

 


101

سبيل المواجهة

يعارضون بشدّة مثل هذه القوّة الصاعدة الآخذة بالنموّ والرفعة. إذاً، يفعلون كلّ ما يستطيعونه من أجل مواجهتها، لم يقعدوا مكتوفي الأيدي طوال هذه الأعوام الثلاثين، ولن يقعدوا كذلك مع مرور الزمن، إلّا إذا عقدتم العزم والهمّة أنتم الشباب ووصلتم بالبلاد من الناحية العلميّة والاقتصاديّة والأمنيّة إلى درجة يقترب فيها احتمال إضرار العدوّ بكم إلى الصفر؛ عندئذٍ سوف ينسحبون وتنتهي المؤامرات. وما تأكيدي المستمرّ طوال الأعوام الماضية على الجامعات بأن تهتمّ اهتماماً خاصاً بقضايا العلم والبحث العلميّ والإبداع والنهضة البرمجيّة والتواصل بين التصنيع والجامعة، إلّا لأنّ العلم هو أحد أركان الأمن الطويل الأمد لبلدكم وشعبكم[1].

 

التربية العلميّة للشباب

يجب على البلدان الإسلاميّة أن تتقدّم من النواحي العلمّية والتقنّية. ذكرتُ أنّ الغرب وأميركا استطاعوا بفضل العلم السيطرة على بلدان العالم، وكان العلم من أدواتهم في ذلك، وقد اكتسبوا الثروة عن طريق العلم، طبعاً اكتسبوا بعض الثروات عن طريق الخداع والخبث والسياسة، لكنّ العلم كان مؤثِّراً أيضاً، يجب اكتساب العلم، ثمّة رواية تقول: «العلم سلطان من وجده صال، ومن لم يجده صيل عليه»، يجب اكتساب العلم. حين تكسبون العلم ستتمتّعون بقبضاتٍ قويّة، وحين تفقدون العلم فإنّ أصحاب القبضات القويّة سيلوون

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الطلبة النخبة في طهران، بتاريخ 26/08/2009م.

 

130


102

سبيل المواجهة

أيديكم. شجّعوا شبابكم على العلم، هذه عمليّة ممكنة، وقد قمنا بها نحن في إيران... بالطبع، لا نزال متأخرين عن العالم كثيراً، سرعتنا أكثر من متوسّط السرعة العالميّة بأضعاف، لكنّنا لا نزال متأخرين، ولو واصلنا هذه السرعة فسوف نصل إلى المراتب المتقدّمة. يجب أن تتواصل هذه الحركة في العالم الإسلاميّ، البلدان الإسلاميّة ذات مواهب وقدرات، وهناك شبابٌ صالحون يمّثلون مواهب جيّدة. ذات يومٍ من أيام التاريخ كان العلم في العالم بأيدي المسلمين، فلماذا لا يكون اليوم أيضاً؟ لماذا لا نتوقّع ونرجو أن يكون العالم الإسلاميّ بعد ثلاثين عاماً مرجعاً علميّاً في العالم، يراجعه الجميع لاكتساب العلوم؟ هذا مستقبلٌ ممكنٌ يتطلّب منا الهمم والجهود. هذا كلّه يحصل ببركة الإسلام والثورة. لقد أثبت النظام الدينيّ أنّ بوسعه أن يحوز على سرعةٍ أكبر[1].

 

تشكيل جبهة طلّابيّة جامعيّة

من المسائل الأخرى التي أعتقد أنّكم قادرون على القيام بها، هي تشكيل جبهة واحدة ضد أميركا والصهيونيّة على مستوى الطلّاب الجامعيّين في العالم الإسلاميّ؛ قوموا بإنجاز هذا العمل. اجلسوا وفكّروا وابحثوا، ثم شكّلوا جبهة متّحدة ضدّ الصهيونيّة وضدّ أميركا. اليوم وسائل الاتّصال والتواصل سهلة، فلا حاجة إلى المراسلات الورقيّة والبريد والتلغراف وما شابه. تواصلوا عبر الفضاء الافتراضيّ،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ كبيرٍ من الشباب والطلّاب في محافظة خراسان الشماليّة، بتاريخ 14/10/2012م.

 

131


103

سبيل المواجهة

وقد حصلت تحرّكات مشابهة في بعض القضايا. وبتعبير هؤلاء المتفرنجين شكّلوا «كامبين» عامّ للعالم الإسلاميّ ضد تسلّط أميركا. وبناءً على معاداة السياسات الأميركيّة والصهيونيّة، سينتسب ملايين الأعضاء إلى هذه المجموعة، ويلتحقون بهذا التيّار الفكريّ، فقوموا بتهيئة الغذاء والوقود المحرِّك لهم، وهم سيبادلونكم الأمر نفسه، ويقدّمون لكم أصنافاً أخرى؛ لأنّ العالم الإسلاميّ يحتوي الكثير من الأفكار الطلّابيّة الجامعيّة الجيّدة؛ أوجِدوا جماعة طلّابيّة عظيمة في العالم الإسلاميّ...

 

فلْتتكامل الاتّحادات والمنظّمات مع بعضها، يحصل أحياناً أنكم تختلفون مع بعضكم، تختلف هذه الاتّحادات حول موضوع ما. حسناً، لا بأس بالاختلاف، لكن في الوقت نفسه، فليكن بينكم تكامل وانسجام وتعاون؛ تمسّكوا بالنقاط المشتركة، فلا تَدعوا الاختلافات تنجرّ إلى المشاكل والصراعات وما شابه. أعتقد أنّ عليكم أن تختلقوا هذه الحالة، الحلم والتحمّل، تحمّل المخالِف لكم[1].

 

الاعتماد على الطاقات الذاتيّة

قارنوا بين الأعوام الثلاثين التي تلت انتصار الثورة الإسلاميّة، وبين السنوات الثلاثين التي شهدها عدد من البلدان التي لا أريد ذكر أسمائها. فقد عاشت بعض الدول ثلاثين عاماً تحت وطأة النفوذ الأميركيّ، بل وحتى كانت

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمع من طلّاب الجامعات والاتّحادات الطلّابيّة، بتاريخ 02/07/2016م.

 

132


104

سبيل المواجهة

تقبض الأموال والنقود من أميركا؛ أي كانت تتقاضى سنويّاً مئات الملايين أو مليارات الدولارات، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ تبيّن بعد ثلاثين سنة، بحسب الإحصائيّات، أنّ في عاصمة ذلك البلد مليوني إنسان مشرّد يعيشون في المقابر؛ هذه هي نتيجة النفوذ الأميركيّ والهيمنة الأميركيّة على أيّ بلد. إذاً، فالأمر المهمّ هو الاعتماد على الطاقات الذاتيّة[1].

 

الحرّيّة والإصلاح

هذه هي أسس النهضات الشعبيّة في البلدان التي رفعت خلال العامين الأخيرين راية الحرّيّة والإصلاح، وتواجدت بأجسامها وأرواحها في سوح الثورة، وهذا ما يمكنه ترسيخ الدعائم الأساسيّة لإصلاح الأمّة الإسلاميّة الكبيرة. الثبات على هذه الأصول الأساسيّة شرط لازم لانتصار الثورات الجماهيريّة في هذه البلدان انتصاراً نهائيّاً. يسعى العدوّ لزعزعة هذه الأركان الأساسيّة. وتستغلّ الأيدي الفاسدة لأميركا والناتو والصهيونيّة بعض حالات الغفلة والتسطيح لحرف المسيرة العارمة للشباب المسلم وإشعال اشتباكات بينهم باسم الإسلام، وتبديل الجهاد المناهض للاستعمار والصهيونيّة إلى إرهاب أعمى في أزقّة العالم الإسلاميّ وشوارعه، حتّى تُراق دماء المسلمين على أيدي بعضهم، ويتخلّص أعداء الإسلام من الطريق المسدود، ويشتهر الإسلام والمجاهدون في سبيله بسوء الصيت والوجه المشوّه[2].

 

 

الاقتدار

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء وفودٍ شعبيّة من مختلف المناطق، بتاريخ 01/08/2016م.

[2] نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظله) لحجّاج بيت الله الحرام عام 1433هـ.ق (25/10/2012م).

 

133


105

سبيل المواجهة

الاقتدار

لتعلم الشعوب الأخرى وترى أنّها إذا أرادت العزّة فإنّ تلك العزّة ليست عند أميركا، وليست في التبعيّة للقوى الكبرى ولا في الإنفاق وإعطاء الأموال لملء أكياس صنّاع السلاح في العالم والشغف بأسلحتهم، إنّما هي في التفتّق من الداخل، وفي الثقة بالنفس، وفي التوكّل على الله والتقدّم في هذه الأمور. يا أبنائي الأعزّاء، أيّها الشباب الأبرار، اعرفوا قدر فترة التعليم هذه، واعرفوا قدر شبابكم، واعرفوا قدر عزّتكم وسمعة الشعب الإيرانيّ الطيّبة، وهذه العظمة السياسيّة التي يتمتّع بها هذا الشعب وهذا البلد وهذا النظام، وأعدّوا أنفسكم لغدٍ أفضل وفتح ميادين أكثر؛ الغد لكم والمستقبل يتعلّق بكم[1].

 

البصيرة

لاحظوا ما هو الأمر الأهمّ من كلّ شيء بالنسبة للإنسان في مثل هذه الظروف؟ إنّه البصيرة. لقد شدّدتُ مراراً على البصيرة، وهذا هو السبب: ليعلم الناس ما الذي يحدث؛ ليرَوا تلك اليد التي تدير العمليّة وتبعثر المشهد ليتمكّن عنصرٌ خائن عميل مدرّب في خضمّ فوضى الناس أن يفعل ما يريدونه ولا يُعثر عليه وسط الناس. هذا ما يريد العدوّ القيامَ به. إنّ أيّة خطوة تؤدّي إلى البصيرة وإلى إمكانيّة تشخيص العنصر الخائن

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في كلّيّة العلوم البحريّة في نوشهر، بتاريخ 06/10/2009م.

 

134


106

سبيل المواجهة

والمسيء من بين أبناء الشعب وجمهوره، هي خطوة جيّدة. وأيّة خطوة تشوّش الأجواء وتضبّبها وتزرع الشكّ والريب بين الناس وتشيع التهم، وتخلط المجرمين بغير المجرمين فهي خطوة ضارّة ومعرقلة. أؤكّد وأصرّ على اتّحاد أبناء الشعب الإيرانيّ والتيّارات السياسيّة المختلفة كلّها بوجه أولئك النفر القلائل المعارضين لأصل الثورة، ولأصل استقلال البلاد، وهدفهم تقديم البلاد لأميركا والاستكبار. لدى العدوّ مثل هذه العناصر بين الشعوب، ومثل هذه العناصر القليلة العدد موجودة في شعبنا أيضاً. ينبغي الفصل بين عموم الشعب، وأبناء الشعب والجماهير الشعبيّة الهائلة من خواصٍّ وعوامٍّ، وبين تلك العناصر القليلة التي باعت نفسها، ينبغي عدم الوقوع في الخطأ[1].

 

لا للانجذاب لأميركا (البصيرة السياسيّة)

من الأشياء الضروريّة والمطلوبة اليوم، البصيرة السياسيّة؛ بصيرة سياسيّة. تأمّلوا، عندما تكون هناك بصيرة، يتمكّن الإنسان من أن يعرف البنية المحيطة به ومحيطه القريب والبعيد؛ هذا معنى البصيرة. عندما لا تكون هناك بصيرة، ينجذب الإنسان لشيء لا جاذبيّة له في الواقع؛ بعضٌ منجذب لأميركا، لكن هذا الانجذاب هو انجذاب كاذب؛ أميركا لا تمتلك أيّ جاذبيّة، هذا ما كنّا نقوله نحن. ثمّ شاهدتم في ما بعد -في هذه الانتخابات (الأميركيّة)- كيف قامت أبرز

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من التعبويّين بمناسبة شهادة الإمام الباقر(عليه السلام) في طهران، بتاريخ 25/11/2009م.

 

135


107

سبيل المواجهة

الشخصيّات السياسيّة في ذلك البلد لتقول الأشياء نفسها التي كنّا نقولها، بل أكثر منها بأضعاف مضاعفة. هذا الرئيس الذي تمّ انتخابه في أميركا [دونالد ترامب] يقول: إنّنا لو أردنا أن ننفق تلك الأموال التي صرفناها نحن الأميركيّين في السنوات الماضية على الحروب، داخل أميركا، لكُنّا تمكّنا من إعادة بناء أميركا لمرّتين، ولَما كان لدينا هذه الجادّات الخربة كلّها، كلّ هذه الجسور والسدود والمدن الخربة، ولما كان لدينا كلّ هؤلاء الفقراء في أميركا. أولئك الأشخاص المنجذبون لتلك النقطة الخياليّة، هل هم مستعدّون لفهم هذا؟ هذا الخراب كلّه في تلك البلاد، ولكن أموالها تُنفَق في أعمال غير شريفة. هل هذه الحروب التي يقول إنّنا أنفقنا عليها تريليونات من الدولارات -يقول نحن صرفنا مليارات عدّة-، هل كانت حروباً شريفة؟ الحرب نوعان: حرب شريفة يحترم الإنسان فيها القوانين الإنسانيّة، يهاجم عدوٌّ ما إنساناً، فيضطر الإنسان إلى أن يقاتل، هذه حرب شريفة، لكن تلك الحرب التي أشعلتها أميركا خلال السنوات الماضية في هذه المنطقة، لم تكن حرباً شريفة؛ هدّموا بيوت الناس، قتلوا آلاف الأبرياء العزَّل، قتلوا النساء والأطفال، ألقوا القذائف والصواريخ، قصفوا مجالس العزاء ومراسم الزفاف، هدّموا البنى التحتيّة لبلدان عدّة. انظروا ماذا فعلوا بليبيا وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان؛ هذه التريليونات صُرفت على هذه الأمور، هذا هو الكلام الذي كنّا نقوله دوماً. البصيرة هي أن تعرف من هو الذي تواجهه، أن تعرف ماذا يفكّر بالنسبة إليك، أن تعلم أنّك

 

136


108

سبيل المواجهة

إن أغمضت عينيك ولم تفكّر، فإنّك ستتلقّى ضربة موجعة؛ هذه هي البصيرة. ما نتوقّعه من النخب السياسيّة وغير السياسيّة في البلاد أن تمتلك هذه البصيرة. ولحسن الحظّ، فإنّ الناس يتمتّعون بهذه البصيرة[1].

 

تشخيص خطّ المواجهة

إنّ البصيرة في هذه المرحلة وفي جميع المراحل تعني أن تشخّصوا خطّ المواجهة مع العدوّ. بعض الأشخاص يشتبه عليهم تحديد مكان المواجهة، فتجدهم يطلقون قذائف مدافعهم باتّجاه نقطة لا يوجد العدوّ فيها، بل الصّديق! بعضهم يعدّ منافسه في الانتخابات شيطاناً أكبر، إنّ الشيطان الأكبر هو أميركا والصهيونيّة، أمّا منافسكم من التيّار الآخر فليس شيطاناً أكبر. فأنا مؤيّد لزيّد وأنت مؤيّد لعمرو، فهل أعتبرك من أجل ذلك شيطاناً؟ لماذا؟ وبناءً على أيّ شيء؟ في حين أنّ كلّاً من زيد وعمرو يدّعي الثّورة والإسلام وخدمة الإسلام والثّورة؛ فلنشخّص خطّ المواجهة مع العدّو! أحياناً هناك من يكون في لباس الخواصّ، لكنّ حنجرته تكرّر حديث الأعداء! حسنٌ، يجب نصحه، وإذا لم يعمل بالنّصيحة فيجب على الإنسان أن يشخّص له الحدود والخطّ الفاصل، وليكن الانفصال. فلو كان المقرّر أن تقفوا في وجه الجمهوريّة الإسلاميّة وتتحدّثوا بتلك المشاعر (العدائيّة) التي يكنّها الكيان الصهيونيّ للجمهوريّة الإسلاميّة -ولو بلحن ولغة مختلفة-،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من أهالي أصفهان، بتاريخ 16/11/2016م.

 

137


109

سبيل المواجهة

فماذا تختلفون عن الكيان الصهيونيّ؟ لو أردتم أن تتعاملوا مع الجمهوريّة الإسلاميّة بذاك المنطق الذي تتعامل به أميركا مع الجمهوريّة الإسلاميّة فماذا تختلفون عن أميركا؟ هذه هي قضيّة الفصل. ولكن أحياناً لا يكون الأمر كذلك. من الممكن أن تكون الخلافات عميقة وكبيرة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يخلط بين العدوّ وغيره، فللعدوّ حسابٌ ولغيره حسابٌ آخر. يجب رسم خطّ المواجهة مع العدوّ وتشخيصه وهذا ما يتطلّب البصيرة. ثمّة جماعةٌ يأتون من هذه الجهة، وجماعة يأتون من تلك الجّهة. ثمّة جماعة تعامل العدوّ معاملة الصّديق ولا تعرف نداء العدوّ؛ لأنّه ينبعث من حجرةٍ أخرى، وجماعة من طرف آخر، تعامل أيّ شخصٍ يختلف معها في السليقة -ولو أدنى اختلاف- معاملة العدوّ. البصيرة هي ذاك الخطّ الوسط والخطّ الصحيح[1].

القوّة السياسيّة

النموذج الآخر لتقدّم الشعب الإيرانيّ هو أن هذا الشعب اليوم أقوى بكثير ممّا كان عليه في بداية الثورة، من حيث الاقتدار السياسيّ، ومن حيث التأثير في أحداث العالم، ومن حيث حضوره في الأحداث الإقليميّة، بل وسائر بلدان العالم. ولهذه القضيّة نماذج متعدّدة وشواهد عديدة. وهذا ما يصرّح به أعداؤنا. يعترف أحد زعماء النظام الصهيونيّ المختلق، وهو العدوّ الأوّل لشعب إيران والثورة الإسلاميّة، يقول -والكلام بعبارته نفسها-: توجد اليوم قوّة مقتدرة تتحرّك خلافاً

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء تعبويّي محافظة خراسان الشماليّة، بتاريخ 15/10/2012م.

 

138


110

سبيل المواجهة

لتوجّهاتنا، وإيران قد أمسكت بقيادة هذه القوّة.

 

هذا السياسيّ العاجز والمتحيّر يعترف ويقول إنّ الخميني يضرب خيامه خلف حدودنا. وأحد السياسيّين الأميركيّين المخضرمين والذي نعرفه جيّداً في إحدى الاجتماعات، قارن بين أميركا في العام 2001م وأميركا في العام 2011م، ويقول -وكلّ هذا الكلام صادرٌ في الشهرين الأخيرين-: أيّ مجنونٍ قد بدّل وضع أميركا، القوّة العظمى في بداية الألفيّة، إلى تلك الظروف المحزنة التي آلت إليها عام 2011م؟! ثمّ يقول: هذه التحوّلات التي وقعت وأفضت إلى هذا الوضع كانت إيران هي المثيرة والمحفّزة لها.

 

معنى هذا أنّ شعب إيران اليوم قد استطاع بحضوره واستقامته وعزّته وصلابته أن يترك بصمات واضحة وعميقة على أحداث العالم المهمّة، وحوادث المنطقة ذات الأهمّيّة. وهذا أحد مؤشِّرات التقدّم، وهو أمرٌ واقعيّ وماثل للعيان[1].

 

عدم الانخداع بالوعود

من المهام الأصليّة التي يجب أن ننهض بها وعلى الجميع التنبّه لها هو أن لا ننخدع بابتسامات العدوّ والوعود الكاذبة لجبهة الأعداء، ولدينا تجارب خلال هذه الأعوام الثلاثين، فقد ابتسموا لنا أحياناً، وفي البداية صدّقهم بعضنا، وشيئاً فشيئاً أدركنا ما الذي يجري وراء الستار. يجب أن لا ننخدع بابتسامات

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 03/06/2012م.

 

139


111

سبيل المواجهة

العدوّ ووعوده الكاذبة. بسهولة تامّة تنكث جبهة القوى المادّيّة المهيمنة على العالم اليوم عهودَها. تنكث عهودَها وأقوالها من دون خجل أو همّ. لا يخجلون من الله، ولا من خلق الله، ولا من الجانب الذي يفاوضونه... يكذبون بكلّ سهولة! لديّ نماذج حيّة ليس هنا موضع مناقشتها... هذه التصريحات نفسها التي أطلقها الأميركان ورئيس جمهوريّة أميركا، والرسالة التي كتبها لنا، والجواب الذي بعثناه، ثمّ ردّ الفعل والخطوة التي قاموا بها مع مضمون هذه الرسائل، هذه أمور سوف تُعرض يوماً ما على الرأي العامّ في العالم -يوم تستدعي الضرورة - وسيرى العالم ما هو حال هؤلاء وواقعهم، وما هي أهمّيّة كلامهم وقيمته، وما هي قيمة وعودهم. إذاً، من مهمّاتنا الأساسيّة أن لا ننخدع بابتساماتهم ووعودهم الكاذبة[1].

 

الحذر من مخطّطات العدوّ

علينا أن نكون يقظين، ها هم الأميركيّون اليوم يستفيدون من تجربة البريطانيّين في إيجاد الخلافات المذهبيّة بين الشيعة والسنّة. الإنكليز متخصّصون في بثّ العداوات بين الفرق والجماعات، بما في ذلك بين الشيعة والسنّة في العالم الإسلاميّ. كان هذا عملهم واختصاصهم منذ مئات السنين. والأميركان الآن يستفيدون من تجاربهم... تأتي قضيّة فلسطين وتحدث قضيّة مصر، وبمجرّد أن يصبحوا مقابل الشعوب حتّى يسارعوا إلى طرح قضيّة مذهبية بطريقة ما وبخدعة معيّنة.


 


[1] خطبتا الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في صلاة الجمعة في طهران، بتاريخ 03/02/2012م.

 

140


112

سبيل المواجهة

فعلى الجميع أن يكونوا يقظين سنّة وشيعة، وعلماء الدين والنُخب الجامعيّة، عليهم أن يكونوا يقظين، وكذلك كلّ أبناء الشعب. فليفهموا ماذا يُفعل، وليعرفوا مؤامرة العدوّ وخطّته، ولا يقدّموا العون والمدد للعدوّ. هذا ما يفعلونه اليوم. بالطبع، إنّ الغربيّين ومنهم الأميركيّون يتحرّكون بطريقة جنونيّة. إنّهم يضخّمون الملف النوويّ من أجل أن يغطّوا على قضاياهم أمام الأنظار. ويجعلون الملفّ النوويّ الإيرانيّ على رأس قضايا العالم، في حين أن القضيّة ليست كذلك. وكذباً يأتون على ذكر السلاح النوويّ، ويضخّمون بأكاذيبهم هذه القضايا في الإعلام، وهدفهم هو صرف الأذهان والرأي العامّ عن الأحداث التي تجري في أميركا نفسها وفي أوروبّا بالذات وحرفها عن ذلك. وبالتأكيد لن ينجحوا في ذلك[1].

 

اعرفوا عدوّكم ولا تُخدَعوا

أنتم قادرون، أنتم تستطيعون أن تتغلّبوا على كيد العدوّ وألاعيبه، يمكنكم أن تعبروا الصعاب، وتتجاوزوا الموانع، وأن تُوصِلوا البلاد إلى تلك المكانة المنشودة التي ترسمها المُثُل الإسلاميّة العليا وأهداف الثورة الإسلاميّة الكبرى. أنتم قادرون! وهذا ما سيحصل إن شاء الله، هذا ما سيتحقّق، رغم أنف العدوّ.

وبالطبع، إنّ لهذا شروطه. أحد شروطه أن تعرفوا العدوّ، أن لا تُخدَعوا. بالتأكيد، إنّ لشعبنا أعداءً، من الكبار والصغار، لكنّ

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 03/06/2012م.

 

141


113

سبيل المواجهة

العدوّ الذي أؤكّد على عداوته بالمعنى الحقيقيّ لكلمة عدوّ، والذي يعتدي ويتصرّف بخبث، هو فقط أميركا. وهذا ليس ناتجاً عن التعصّب، وليس وليد نظرةٍ متشائمةٍ سيّئة الظنّ، هذا ناتجٌ عن تجربة، إنّه فهمٌ صحيحٌ وواقعيٌّ عن رؤية الساحة. ليس الأمر بأنّ الأميركيّين على عداءٍ مع هذا العبد الحقير فقط، أو مع حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة، كلّا، إنّهم مخالِفون معادون لأصل هذا الشعب الذي صمد، هذا الشعب الذي لا يتعب في مواجهة العدوّ. لقد شاهدتم مؤخّراً، قال رئيس جمهوريّة أميركا: إنّ الشعب الإيرانيّ هو شعبٌ إرهابيّ! لاحظوا هذه النظرة، كم هي نظرة حمقاء! يقول عن شعبٍ: إنّه إرهابيّ! لا يقول: إنّ القائد إرهابيٌّ، لا يقول: إنّ الحكومة إرهابيّةٌ، يقول: إنّ الشعب الإيرانيّ إرهابيّ! أليست هذه عداوة؟ قبل عدّة سنواتٍ أيضاً، قال أحد المسؤولين الأميركيّين: إنّنا يجب أن نقتلع جذور الشعب الإيرانيّ ونقضي عليه. أيّها الأحمق، هل يمكن اقتلاع جذور شعب؟ والكلام هنا عن شعبٍ بهذه العراقة التاريخيّة، لديه هذه الشجرة الثقافيّة الوارفة! لاحظوا وانظروا! هذه عداوة؛ عندما يكون هناك عدوّ، وتكون عيون الإنسان مغلقة، فسيكون مثل هذا الإنسان الفاقد للرؤية، تماماً كالأعمى الذي لا يرى، إذ تؤدّي عدم قدرته على إجراء الحسابات الدقيقة إلى خسارته وهزيمته؛ لأنّه لا يستطيع أن يحسب جيّداً، لأنّه لا يعرف الساحة جيّداً؛ فإنّه سيُمنَى بالهزيمة، وقد حدث هذا أيضاً. لقد مضى ما يقارب الأربعين سنةً على انتصار الثورة. منذ اليوم الأوّل، وحين كانت الثورة

 

142


114

سبيل المواجهة

لا تزال شتلةً صغيرةً، حاربوها وهجموا عليها. واليوم، فإنّ الثورة، رغماً عنهم، ولو عميت عيونُهم، أصبحت شجرةً فارعةً غزيرةَ الأوراق والفروع وافرةَ الثمار. فهذا يدلّ على أنّهم لا يستطيعون، ولم يتمكّنوا من مواجهتها، لكنّهم يعادون ويخاصمون، وليس الأمر جديداً[1].

 

القضاء على نقاط الضعف

إنّ تأكيدنا على عداء العدوّ الخارجيّ لا يعني إغماض العين عن حالات ضعفنا الداخليّة. وأقولها لكم أيّها الشباب الأعزّاء: إنّنا نعاني من ضعفٍ داخليّ. وقد استفاد العدوّ في حالات كثيرة من مواضع ضعفنا، ويجب أن نرفع هذا الضعف. لدينا ضعف في رسم السياسات وفي التنفيذ وفي بذل الجهود، وأحياناً نُبتلى بالتقاعس والتكاسل في حركتنا، ونعاني كذلك من ضعفٍ في تحديد أولويّات البلد، وفي بعض الأوقات تدخل مجموعات داخليّة في سجالات على مسائل جزئيّة وقضايا غير ضروريّة، وبذلك نغفل عن العدوّ؛ هذه هي نقاط ضعفنا التي يجب علينا إزالتها. غير أنّ وجود العدوّ -العدوّ اليقظ والذي يصرف الأموال، والذي لا يرتدع عن ارتكاب أيّ جريمة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً-، ليس بالأمر الذي يجوز التغافل عنه. إنّ بعض الناس، وبذريعة هذه المسائل الجزئيّة الداخليّة، يغفلون عن العدوّ الخارجيّ وينسَون أميركا. وإنّ ما دفع بالإمام

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من التلاميذ والشباب على أعتاب اليوم العالَميّ لمواجهة الاستكبار، بتاريخ 02/11/2017م.

 

143


115

سبيل المواجهة

الخمينيّ -رضوان الله عليه- أن يكرّر قائلاً: صبّوا كلّ هتافاتكم ضدّ أميركا، هو أن تقلّلوا من هتافاتكم [اختلافاتكم] بعضكم ضدّ بعض. ولا أقول لكم اتركوا الانتقاد، كلّا، فإنّ المجتمع مجتمع حرّ، ويحمل أفكاراً حرّة، ويحقّ له الانتقاد، وهذا مدعاة للتقدّم، لكن لا ينبغي أن نخلط بين العدوّ الرئيسيّ والعدوّ من الدرجة الثانية، والصديق الذي ليس بعدوّ، إنّما نختلف معه في وجهات النظر. إنّ العدوّ الرئيسيّ يقبع في مكان آخر؛ ذلك العدوّ الذي يحاول أن ينتزع من الشعب الإيرانيّ إنجازه العظيم المتمثّل في حضور الشعب، والسيادة الوطنيّة، ونفوذ التعاليم القرآنيّة والإسلاميّة بين الناس. هذا هو ذلك الإنجاز العظيم الذي يحقّق لنا التقدّم[1].

 

الاستفادة من التجارب

الاستفادة من التجارب، أو التعرّض للدغ مرّتين من جحر واحد، هذه أيضاً قضيّة. في قضيّة مواجهتنا للأعداء الخارجيّين هذه -مع الغرب مثلاً ومع أميركا ومع أوروبّا- لدينا بعض القضايا والشؤون بالتالي، ولدينا قضايا سابقة، وكانت لنا قضايانا منذ بداية الثورة، لكن في الآونة الأخيرة كانت قضيّة الاتّفاق النوويّ والتزامات هؤلاء تجاهه، ثمّ نكثهم لالتزاماتهم، وعدم مراعاتهم لها. حسناً، هذه تجربة. علينا في تعاملنا مع هذا التيّار، الذي تعامل معنا بهذه الطريقة، ولم يعمل بواجباته،

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

 

145


116

سبيل المواجهة

لانطلاق الثورة، تحمل رؤية وحدويّة ونظرة مساواة في مجال الفروقات الطائفيّة. فلقد تعاملنا مع إخواننا الفلسطينيّين وهم سنّة بمثل ما تعاملنا مع الإخوة في حزب الله في لبنان وهم شيعة، وكان تعاملنا واحداً في كلّ مكان. لقد كانت نظرة إمامنا العظيم في داخل البلد وفي العالَم الإسلاميّ وكذلك نظرة الجمهوريّة الإسلاميّة هي نظرة بناء أمّة، ونظرةٌ تستوعب الأمّة الإسلاميّة. وعندما يقوم عملاء أميركا من الدرجة الثانية بطرح قضيّة الهلال الشيعيّ، فذلك مظهر وعلامة لسياسة بثّ الشقاق والفتنة. وحينما يقوم الأميركيّون على الرغم من إعلامهم المدّعي محاربة الإرهاب، بمسايرة الجماعات التكفيريّة التي تُثير الفتن في العراق وسوريا، بل وأحياناً يُساعدونها بصورة سرّيّة خفيّة، فيما عملاؤهم يدعمونها بشكلٍ صريح وواضح، فهذا يدلّ على أنّ زرع الفتنة والتفرقة بنظر أعداء الإسلام والمسلمين وأعداء الجمهورية الإسلاميّة له دور بارز وأساس جداً، وهذا ما يجب على الجميع الالتفات إليه شيعة وسنّة، فلا يسقطوا في فخّ العدوّ وألاعيبه. لا يوجد فرق بين ذلك التسنّن الذي تدعمه أميركا وذلك التشيّع الذي يُصدَّرُ إلى العالَم من مركز لندن، فكلاهما شقيق الشيطان وكلاهما من عملاء أميركا والغرب والاستكبار[1].

 

 

أمّة إسلاميّة واحدة

على جميع المسلمين اليوم من أقصى أنحاء العالم إلى

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة، بتاريخ 29/12/2015م.

 

146


117

سبيل المواجهة

أقصاها أن يفكّروا بالأمّة الإسلاميّة وبالوحدة الإسلاميّة. إذا فكّرنا بالأمّة الإسلاميّة فسوف تتأمّن مصالح بلداننا أيضاً. إنّ مصلحة العدوِّ هي أن يفصل بعضنا عن بعض، وأن يهاجم بلداً ويكسب الحلفاء له من بلد آخر، مصلحة العدوِّ تكمن في هذا، ويجب علينا أن لا نسمح بذلك. من هو العدوّ؟ العدوّ هو الرأسماليّة الأميركيّة والاستكبار العالميّ الذي تقف على رأسه اليوم أميركا والصهاينة والحكومة الصهيونيّة في فلسطين المحتلّة جزء من تلك المجموعة الخطيرة وذلك السرطان الفتّاك الذي أوجده الصَّهاينة في العالم. يجب الوقوف بوجه هؤلاء وينبغي في مواجهتهم العودة إلى الإسلام وإلى نصوص القرآن الکريم[1].

 

الانتخابات صيانةٌ للبلاد

لقد تمّت الإشارة إلى الانتخابات. الانتخابات واحدة من المظاهر المهمّة لحضور الشعب في الميدان. إنّ شعبنا العزيز يرى الانتخابات أمراً واجباً، وعليه أن يراه كذلك؛ فهو واجب وحقّ. الانتخابات وسيلة متعدّدة الأهداف بالنسبة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ فالانتخابات هي شأن الشعب، وحقّ الشعب، تحيي قدرة الشعب في اختيار رأس الحكومة والمسؤولين الإجرائيّين للحكومة، وتمنح الشعب قدرة الانتخاب والاختيار، كما تمنع العدوّ من التعرّض والاعتداء على البلد والشعب. وحضور الشعب هو للحؤول دون تعرّض

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة، بتاريخ 09/01/2015م.

 

147


118

سبيل المواجهة

العدوّ واعتدائه، ولصون البلد. فمعنى حضور الشعب هو أن يقف هذا الشعب العظيم متّحداً. وحين يرى العدوّ هذا، فإنّه يفقد زمام المبادرة والجرأة والقدرة على التحرّك والتعرّض ضدّ الشعب والبلد.

 

على الجميع أن يعلم، وتعلمون أنّ أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة يستفيدون من قدراتهم في كلّ مكان؛ لتوجيه ضربة إليها! كانوا، وما زالوا هكذا إلى الآن. لا فرق بين طاقم وطاقم من أطقم الإدارة الأميركيّة؛ فالذين كانوا على رأس الحكومة من قبل، كانوا دوماً يوجّهون التهديدات، والذين يتربّعون على رأسها اليوم أيضاً، ها هم يهدّدون، لا فرق بينهم. إنّهم جميعاً متشابهون في نواياهم الخبيثة تجاه الشعب الإيرانيّ ودولة إيران ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة[1].

 

مواجهة سياسة الحظر

إنّ الحظر ليس وليد اليوم والأمس، بل كان موجوداً منذ البداية. نعم، لقد تمّت مضاعفته، ولكن لم يؤثّر، ثمّ بعدها فكّروا بإجراء آخر، لكنّه لم يؤثّر. في يومنا هذا، أعداؤنا -سواءٌ أكانت حكومة أميركا أم بعض الحكومات الأوروبّيّة- يربطون الحظر بملفّ الطاقة النوويّة، إنّهم يكذبون؛ ففي ذلك اليوم الذي أقاموا فيه هذا الحظر كلّه، لم يكن من طاقة نوويّة في البلد، ولم يكن هناك أيّ حديث عنها. إنّ ما يغضبهم من

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي النظام وسفراء الدول الإسلاميّة، بتاريخ 25/04/2017م.

 

148


119

سبيل المواجهة

شعب إيران ويحملهم على مثل هذه القرارات هو شموخ شعب إيران، وعنفوانه. فروحيّة الاستقلال هذه، وروحيّة تقدير الذات، وروحيّة عدم الاستسلام التي تحقّقت ببركة الإسلام والقرآن في شعب إيران، هي ما يغضبهم؛ ولأجل هذا الإسلام يسوؤهم، ولأجل هذا يهينون نبيّ الإسلام. إنّهم يعلمون أنّه عندما يرسخ الإسلام في أيّة دولة، فإنّه يوجِد فيها روحيّة الاستقلال بحيث لا يمكن أن تتنازل أو تخضع لهم. إنّهم يأتون بالضعفاء والجبناء على رأس الدول أو ينصّبونهم ليكونوا مطيعين لهم. وعندما يكون ثمّة مكانٌ كبلدنا، يعيّن الشعبُ فيه المسؤولين، ويكون للشعب حضورٌ ومشاركة في جميع الساحات، فماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ فالشعب الذي يؤمن بالمبادئ الإسلاميّة ويستلهم الروحيّة ببركة الإسلام لن يتنازل لهم؛ لهذا هم غاضبون. وها هم اليوم يطلقون عليها اسم الطاقة النوويّة! ويتظاهرون بأنّه لو انصرف شعب إيران عن الطاقة النوويّة، فإنّ الحظر سيرتفع، إنّهم يكذبون. إنّهم يفرضون أنواع الحظر، انطلاقاً من البغض والحقد الموجود فيهم. هذا الحظر كلّه الذي إذا نظر إليه جميع العقلاء والمنصفون في العالم لرأوا أنّها أعمالٌ غير منطقيّة وفي الواقع وحشيّة، هو عبارة عن حرب ضدّ شعبٍ. وبالطبع، إنّ شعب إيران سوف ينتصر بتوفيق الله في هذه الحرب[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أهالي محافظة خراسان الشماليّة (بجنورد)، بتاريخ 10/10/2012م.

 

149


120

سبيل المواجهة

الاقتصاد المقاوم

أ. اقتصادٌ مقاوم في مواجهة الحظر

ما الذي يجب علينا فعله في سبيل مواجهة الحظر؟ العدوّ يضعنا على مفترق طريقين قائلاً: إمّا أن تستسلموا لأميركا وتمتثّلوا لأوامرها بالكامل، وإمّا أن نواصل طريق الضغط والحظر، وقلنا إنّها مغالطة، وهذا المفترق باطل وكاذب، لكن ثمّة مفترق طرق آخر: إمّا أن نتحمّل المشاكل الناجمة عن الحظر، أو أن نصمد عبر الاقتصاد المقاوم. هذا الاستعداد الذي تُبدونه جيّد جداً، ولكن لا يكفي مجرّد الاستعداد لتحقيق الاقتصاد المقاوم؛ لذلك قلنا: إقدام وعمل[1].

 

ب. الاقتصاد المقاوم سبيل العزّة والثقة

يجب أن يكون العمل والنشاط الاقتصاديّان ضمن جدول أعمال المسؤولين وخططهم بشكل جدّي، والحمد لله، إنّ المسؤولين ينشدون هذه الأمور ويتابعونها. يجب تنظيم الأفكار وتشخيص الطريق بصورة صحيحة والتحرّك بطريقة صائبة. رفعنا شعار الاقتصاد المقاوم. معنى الاقتصاد المقاوم أنّنا إذا اعتمدنا على طاقاتنا الداخليّة وإبداعات شبابنا وتوكّأنا على النشاطات الذهنيّة والسواعد في الداخل، فسوف نتحرّر من تفاخر (فوقيّة) أعدائنا الخارجيّين ومنّتهم. هذا هو الطريق الصحيح. معنى الاقتصاد المقاوم هو أن

 

 


[1] خطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الروضة الرضويّة المقدّسة في أوّل أيّام السنة الهجريّة الشمسيّة 1395هـ.ش (20/03/2016م).

 

150


121

سبيل المواجهة

ننظر ونشخّص الإمكانيّات والطاقات اللامتناهية الموجودة في الداخل، ونبحث عنها وننشط ونفعّل هذه الإمكانيّات من خلال البرمجة الصحيحة والدقيقة من أجل توظيف واستخدام هذه المواهب. أين ما اعتمدنا على ابتكارات ومواهب شبابنا تفجّرت الخيرات كالينابيع، وتفتّحت بنحوٍ مفاجئ وازدهرت، في الشؤون المتعلّقة بالطاقة النوويّة، وفي القضايا ذات الصلة بإنتاج الأدوية، وفي قضايا العلاج، وفي الخلايا الجذعيّة، وفي النانو، وفي البرامج الصناعيّة الدفاعيّة، أين ما استثمرنا واعتمدنا على هذه الطاقات الشابّة والراغبة في العمل والمتديّنة والمخلصة في داخل البلاد وقدّرناها، استطعنا التقدّم، يجب أن نولي اهتماماً جدّيّاً لهذا الجانب. وكذا الحال بالنسبة إلى الشؤون الاقتصاديّة، يجب تفعيل الإمكانيّات الاقتصاديّة، هذا طريق تقدّم البلاد...

 

هذا هو الطريق الذي لا تستطيع معه أميركا ارتكاب أيّة حماقة، ولم تستطع ذلك إلى الآن، وكذا الحال بالنسبة للقوى الأخرى، إنّها عاجزة عن ذلك. الحماقة هنا ليست فقط الحماقة العسكريّة، بل هم عاجزون عن ارتكاب أيّة حماقة بالمعنى الجامع للكلمة. لا يستطيعون شلّ الشعب الإيرانيّ وحبسه، ولا يستطيعون فرض التراجع والتخلّف عليه، ولا يستطيعون فرض الضغوط عليه؛ ليجبروه -حسب أوهامهم- على الركوع، الشعب الإيرانيّ لن يركع[1].


 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود أهالي محافظة إيلام، بتاريخ 13/05/2014م.

 

151


122

سبيل المواجهة

مواجهة عنصر الفنّ أداة قويّة لثقافة الغرب

من النقاط التي ينبغي الالتفات إليها في مواجهة عالم الغرب بشكل كامل، هو عنصر الفنّ وأداته التي يستخدمها الغربيّون. لقد استفادوا من الفنّ إلى أقصى الحدود من أجل ترويج الثقافة الخاطئة والمنحطّة والماحقة للهويّات، ولا سيّما الفنون المسرحيّة (الأدائيّة)، والاستفادة من السينما وبأقصى ما يمكن. فهؤلاء يجعلون أيّ شعبٍ تحت الدراسة على شكل مشروعٍ ما، فيكتشفون نقاط ضعفه ويستفيدون من علماء النفس وعلماء الاجتماع والمؤرّخين والفنّانين وأمثالهم، ليكتشفوا طرق الهيمنة على هذا الشعب. ثمّ بعد ذلك، يوصون منتجاً سينمائيّاً أو مؤسّسة فنّيّة في هوليوود لكي تصنع فيلماً. فالكثير من الأفلام التي ينتجونها لنا وللدول هو من هذا القبيل-ليس لديّ اطّلاعٌ على الأفلام المتعلّقة بالدّاخل الأميركيّ- لكنّ ما ينتجونه للشعوب فيه بعدٌ هجوميّ.

قبل عدّة سنوات، نُشر أنّ بعض الدول الأوروبيّة الكبرى قرّرت مواجهة الأفلام الأميركيّة، وهم ليسوا مسلمين، لكنّهم يستشعرون هذا الخطر، خطر الهجوم. بالطبع، إنّ الدول الإسلاميّة، وبلدنا الثوريّ بشكل أخصّ، يستشعرون هذا الأمر أكثر. هم ينظرون ويقيسون الخصائص، ويزنون الأوضاع، وينتجون الأفلام، ويعدّون الأخبار على هذا الأساس، وكذا الإعلام، إنّهم يشكّلونه ويبثّونه وفقاً لذلك. يجب الالتفات إلى هذه الأشياء. إنّهم يصنعون السلائق ويبنون الثقافات، وبعد تبديل السلائق والأذواق، يبدؤون بالدولارات وبإرسال

 

152


123

سبيل المواجهة

القوّات العسكريّة والجنرالات، إذا ما احتاجوا إلى القوّة والهيمنة. هذا أسلوب حركة الغربيّين، ويجب الالتفات إليهم. يجب على الجميع أن يشعر أنّ مسؤوليّة إيجاد الحضارة الإسلاميّة الجديدة هو على عاتقهم، وأحد حدود هذا العمل وثغوره هو مواجهة الحضارة الغربيّة، بحيث لا يكون فيها التقليد[1].

 

الكتابة وصناعة السينما في قضيّة الأسرى

يجب إنتاج أفلامٍ جيّدة، ويجب أن تؤلّف الكتب الجيّدة، ويجب أن تُحكى الذكريات، هذه الذكريات نفسها التي قيلت اليوم فيها عالمٌ من الكلام، كم هو جميلٌ أن تُذاع وتُنشر. برأيي، أن تُذاع هذه الذكريات -التي قيلت اليوم - كما هي في الإذاعة والتلفزيون؛ لكي يستمع الناس، فهذه ذخائرنا وكنوزنا، هي تلك الثروات نفسها التي حفظت الإسلام والشيعة، وأوصلت الجمهوريّة الإسلاميّة إلى القدرة والعزّة، وجعلت شعب إيران مرفوع الرأس، عزيزاً في العالم، هذا أحد أبعاد القضيّة. البعد الآخر للقضيّة هو مسألة العبرة والسنّة الإلهيّة. في النهاية، نحن سنقضي مرحلة عمرنا القصير في هذه الدنيا، عدّة سنوات نعيشها، ونحن نواجه التحدّيات بشكلٍ دائم، وليس التحدّي دائماً مع الاستكبار وأميركا، بل ثمّة تحدّيات مختلفة، لكن في وضع الثورة الإسلاميّة، إنّ التحدّيات الداخليّة وتحدّي الشيطان والنفس الأمّارة والمتسلّطين والمحتكرين

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ كبيرٍ من الشباب والطلّاب في محافظة خراسان الشماليّة، بتاريخ 14/10/2012م.

 

153


124

سبيل المواجهة

والمترفين والمستكبرين، كلّ ذلك موجودٌ أيضاً. نحن بحاجة إلى الاعتبار والتأمّل والتعمّق في هذه السنّة الإلهيّة. لعلّه في ذلك الحين عندما كان أسير الحرب المفروضة عبارة عن شابّ مسلم يرزح في ذلك المعسكر أو في ذلك الوضع، أو في تلك الزنزانة مع كلّ أنواع التعذيب، فإنّه بحسب الظاهر لم تكن أيةّ كوّة أملٍ مفتوحة أمامه، لعلّه كان يتصوّر أنّ مثل هذا الوضع يمكن أن يمتدّ لسنوات طويلة أو أنّه سينتهي إلى موته وقتله. انظروا اليوم إلى الوقائع، لترَوا ماذا يحدث، فأين هم الآن وأين أنتم؟ إنّها عبرةٌ وعلامةٌ ومؤشِّرٌ على صدق الوعد الإلهيّ[1].

 

الكفر بالطاغوت

ثمّة نقطة في المبعث، وهي أنّ إرسال الرسل من أجل هداية البشر يسمّيه القرآن مراراً وتكراراً بالبعثة؛ يعبّر القرآن عن إرسال الرسل بكلمة «بَعَث»؛ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا﴾[2]، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا﴾[3]، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾[4]. النقطة المهمّة هي «البعث»، فالبعث ليس حركة تعليميّة عاديّة، والرسول الذي يظهر في المجتمع لا يظهر لمجرّد أن يعلّم الناس بعض الأشياء، نعم هناك

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من الأسرى المحرَّرين، بتاريخ 15/08/2012م.

[2] سورة آل عمران، الآية 164.

[3] سورة الجمعة، الآية 2.

[4]  سورة النحل، الآية 36.

 

154


125

سبيل المواجهة

﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[1] وهناك ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾[2]، لكن هذا كلّه في إطار البعثة، وفي قالب حركة عظيمة. البعثة معناها البعث، فما هو اتّجاه هذا البعث؟ ما هي جهة ومنحى هذا البعث؟ الاتّجاه عبارة عمّا ذُكر هو أيضاً مراراً وتكراراً في القرآن نفسه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[3]. أوّلاً، عبوديّة الله؛ أي جعل إطار الحياة في خدمة الأوامر والنواهي الإلهيّة، وثانياً، اجتناب الطاغوت. من هو الطاغوت؟ إنّه الظَّلَمة كلّهم، والملوك الخبثاء كلّهم، وفي أيّامنا هذه رؤساء الجمهوريّات من قبيل الموجودين اليوم في أميركا وفي بعض البلدان الأخرى كلّهم، هؤلاء هم الطواغيت. وليس معنى اجتناب الطاغوت أن تبتعد عنه لكي لا تتلوّث، بل معناه أنّ هناك خطّاً مقابل خطّ التوحيد وخطّ عبوديّة الله، هو خطّ الطاغوت. الكفر بالطاغوت مترافق ومتلازم والإيمان بالله، هذا هو اتّجاه بعثة الأنبياء[4].

 

لا يبهرنّكم الغرب!

صحيح أنّ الغربيّين في الوقت الراهن قد سبقونا بكثير من الناحية العلميّة والتقنيّة، لكن لا ينبغي أن يأخذ هذا السبق بمجامع قلوبكم، لماذا؟ لأنّكم أعلى منهم؛ فالغرب الذي

 

 


[1] سورة الجمعة، الآية 2.

[2] سورة الجمعة، الآية 2.

[3] سورة النحل، الآية 36.

[4] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي النظام الإسلاميّ وسفراء البلدان الإسلاميّة، بتاريخ 03/04/2019م.

 

155


126

سبيل المواجهة

تشهدون فيه اليوم التقنيّة المتطوّرة والصناعات والاختراعات وأمثالها، قد شرع بعمله منذ 200 سنة، وأنتم شرعتم بعملكم قبل 35 سنة، فعمر الثورة 35 عاماً، وقد تمكّنتم على مدى هذه الأعوام الخمسة والثلاثين أن تقطعوا خطوات متقدّمة، وأن تحقّقوا حالات من التقدّم بسرعة فائقة. وهذا على خلاف الأعوام الخمسة والثلاثين الأولى لهم بعد استقلالهم، فإنّ أميركا على سبيل المثال بعد 35 عاماً من استقلالها من تحت الهيمنة البريطانيّة، لم تكن شيئاً يُذكر. وإنّ الفارق ما بين أميركا بعد 35 أو 40 سنة من استقلالها وبين إيران بعد 35 سنة من انتصار الثورة الإسلاميّة كالفارق ما بين السماء والأرض، وأنتم تسبقونهم بأشواط. إنّ العمر الذي تحتاجون إليه لبلوغ هذه المرتبة من الحضارة المادّيّة أقلّ بكثير من العمر الذي قضاه الغرب للوصول إليها، هذا فضلاً عن المسائل المعنويّة. فلا يبهرنّكم الغرب، إذ إنّ تمثال الحرّيّة المعروف في أميركا قد صُنع بعد مئة عام من انتصار الأميركيّين على الجيش البريطانيّ واستقلال أميركا، ولم يصنعه الأميركيّون، بل جاء مهندس فرنسيّ، وقام بصنعه -على ما في ذهني، فقد شاهدت هذا الموضوع قديماً-؛ أي إنّ الأميركيّين وبعد مئة عام من استقلالهم، لم يبلغوا من الناحية العلميّة والفنيّة والصناعيّة مرحلة تمكّنهم من صناعة تمثال الحرّيّة، إنّما لا بدّ من أن يأتي مهندس من فرنسا لتصميمه وتصنيعه. لذا، فإنّكم تسبقونهم كثيراً، فلا تنبهروا بهم. وقدراتكم تفوق قدراتهم بالقوّة أضعافاً مضاعفة، فحثّوا خطاكم، وامضوا قُدماً[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من المشاركين في الملتقى الوطنيّ التاسع لـ "نخب الغد"، بتاريخ 14/10/2015م.

 

156


127

سبيل المواجهة

أميركا عدوّكم الأساس، لا تنسَوا!

أبنائي الأعزّاء، شبابي الأعزّاء! تذكّروا، ولا يَغِبْ عن أذهانكم أنّه في هذا الطريق البالغ الأهمّيّة وذي العاقبة السعيدة، الذي تتحرّكون عليه نحو المثل والأهداف السامية -وأنتم قادرون، ولديكم القدرة على تحقيقها- عدوّكم الأساس هو أميركا، لا تنسَوا هذا! يتصوّر بعضهم بأنّنا يجب أن نتنازل ونتساهل في مقابل أميركا، والحال أنّه كلّما تنازلنا، فإنّهم يتجرّؤون أكثر. طريق الحلّ معهم هو المواجهة والمقابلة، الطريق هو الصمود، أن تستمرّ هذه الحركة التي بدأت بالثورة. وعليه، فهذا هو الشرط الأساسيّ.

 

ثمّة شرطٌ آخر أقوله لكم أيّها الشباب: ادرسوا جيّداً، اعملوا جيّداً. العلم وطلب العلم من أهمّ الوسائل والأدوات لاكتساب القوّة والمواجهة للعدوّ والعواصف القاسية والأمواج العاتية وما شابه[1].

 

المطالبة بمعاقبة المجرمين

أيّها الإخوة والأخوات المسلمون في أرجاء المعمورة كلّها، كما إلى جميع الضمائر الحــيّة من كلّ بلد كانوا أو شعب، اشحذوا الهِمم، واكسروا طلسم حصانة المجرمين الصهاينة. اعملوا على محاكمة كلّ من لعب دوراً في مأساة غزّة، من القادة السياسيّين والعسكريّين، في الكيان الصهيوني الغاصب؛ ومعاقبتهم وفق ما يحكم به العقل والعدالة، إنّها

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من التلاميذ والشباب على أعتاب اليوم العالَميّ لمواجهة الاستكبار، بتاريخ 02/11/2017م.

 

157


128

سبيل المواجهة

الخطوة الأولى التي يجب اتّخاذها. لا بدّ من محاكمة القادة السياسيّين والعسكريّين في الكيان الغاصب. فعندما يُعاقَب المجرم، فإنّ طريق الإجرام سيصبح وعِراً وشائكاً لمن لديه دافع ارتكاب الجريمة، ويعاني من جنون الإجرام. إنّ ترك مرتكبي الجرائم الكبرى وإطلاق أيديهم، يشكّل عاملاً مشجّعاً على ارتكاب جرائم أخرى. فلو أنّ الأمّة الإسلاميّة، بعد حرب الـ33 يوماً في لبنان وما انطوت عليه من مآسٍ مروّعة، طالبت مطالبة جادّة بمعاقبة الصهاينة المتسبّبين في تلك المآسي، لو تمّت متابعة هذه المطالبة العادلة كذلك بعد ارتكاب المجازر الدامية في قوافل العرس بأفغانستان، أو بعد ممارسات الجنود الأميركيّين المفضوحة في أبو غريب، لما كنّا اليوم أمام مشهد كربلاء في غزّة. إنّنا بصفتنا الحكومات والشعوب المسلمة، لم نقم في تلك الأحداث والقضايا بالواجب الذي يحكم به القانون والعقل والعدالة، وما نشهده اليوم عياناً هو نتيجة ذلك الموقف[1].

 

انتزاع الشعور بالذلّ والانهزام

إنّ العمل الأوّل والأهمّ الذي قام به إمامنا الجليل في ما يتعلّق بعزّة إيران والإيرانيّين أنّه انتزع من الشعب الإيرانيّ مشاعر الذلّ والهوان، وأخرجها من ساحة روحه، هذه مسألة على جانب كبير من الأهمّيّة. كان يشعر شعبنا منذ مئة وخمسين سنة أو مئة سنة بالذلّ والهوان في داخله بسبب عوامل عدّةة، كان يشعر بالدونيّة والنقص؛ بدءاً بحروب العهد

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في مؤتمر الدفاع عن فلسطين المنعقد في طهران، بتاريخ 04/03/2009م.

 

158


129

سبيل المواجهة

القاجاريّ وتلك الهزائم الصعبة وفقدان مدن عديدة، إلى العهد البهلويّ وزمن رضا خان والدكتاتوريّة والقمع الشديد للشعب الذي أحصى على الناس أنفاسهم. ثمّ الفترة التي تلت عهد البهلويّ الأوّل؛ أي في زمن [ابنه] محمّد رضا. فمع حضور الأميركيّين وتشكيل منظّمة الأمن المعروفة باسم السافاك وسلوكها العنيف مع الناس، شعر الناس أنّه لم يعد لديهم حيلة، شعر الشعب الإيرانيّ بالهزيمة في عدّة قضايا مهمّة، بدءاً بقضيّة الحركة الدستوريّة إذ هُزم الشعب الإيرانيّ بعدما انتصر، إلى قضيّة النهضة الوطنيّة إذ قام الشعب بتحرّك جبّار، إلّا أنّ المتصدّين والمسؤولين لم يستطيعوا الحفاظ على التحرّك، فهُزم الشعب. بعد ذلك، ابتدأت فترة استبداد عصيب منذ العام 1954 إلى العام 1979، استولى على قلوب الجماهير طوال أربع وعشرين سنة، إلى درجة أنّه سلب الشعب الروحيّة والأمل[1].

 

 

الأسرة من عوامل التقدّم

لا يمكن للمجتمع الإسلاميّ أن يتقدّم ما لم ينعم البلد بمؤسّسة أسريّة سليمة وحيويّة ونشيطة. لا إمكان للتقدّم في المجالات المختلفة والمجالات الثقافيّة، خاصّة من دون أُسر جيّدة؛ فالأسرة ضرورة، ولا يتناقض ذلك مع القول بأنّه لا يوجد أسرة في الغرب، ولكن يوجد تقدّم. إنّ ما تظهر مؤشّراته بشكل أكبر يوماً بعد يوم في خراب مؤسّسة الأسرة


 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى العشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2009م.

 

159


130

سبيل المواجهة

في الغرب، سوف يُلقي بظلاله وآثاره (على الغرب). لا داعي للاستعجال، فالأحداث العالميّة والتاريخيّة ليست بالأمر الذي تظهر آثاره فوراً وبسرعة، بل تظهر بشكل تدريجيّ، مع أنّه لا تزال تؤثّر حتّى الآن. في الزمن الذي أنتج الغرب هذا التطوّر كانت الأسرة هناك لا تزال محافظة على بنيانها، حتّى مسألة العلاقة بين الجنسين كانت لا تزال مضبوطة من خلال رعاية الأخلاق الجنسيّة، بالطبع ليس بشكلها الإسلاميّ، إنّما بأسلوبها الخاصّ. من لديه اطّلاع على المعارف الغربيّة، سواءٌ في أوروبّا أو في أميركا يرى ويشاهد هذا الأمر، إذ كانت هناك رعاية للأخلاق بين الجنسين، وكان هناك حياء واجتناب للتهم وما شابه. لقد نشأ هذا الفلتان وهذه الإباحيّة بشكل تدريجيّ، وقد مهّدوا الأرضيّة لهذا في ذلك الزمن، واليوم وصلوا إلى هذا المستوى[1].

 

التوجّه إلى الله

إنّ تاريخ العالم وتاريخ البشريّة اليوم يسير في منعطف تاريخيّ كبير، عصٌر جديد بدأت تلوح معالمه في العالم كلّه. والعلامة الكبرى والواضحة لهذا العصر هي التوجّه إلى الله تعالى، والاستمداد من القدرة الإلهيّة التي لا تزول، والاعتماد على الوحي. لقد تجاوزت البشريّة المدارس والإيديولوجيّات المادّيّة، فاليوم لا الماركسيّة لها جاذبيّة تُذكر، ولا الليبراليّة الديمقراطيّة في الغرب لها مثل هذه الجاذبيّة -وتُلاحظون

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة في طهران، بتاريخ 14/01/2012م.

 

160


131

سبيل المواجهة

ما الذي يحدث في مهد الليبراليّة الديمقراطيّة الغربيّة، في أميركا وأوروبّا، حيث يعترفون بالهزيمة-، ولا القوميّة العلمانيّة لها جاذبيّة، الجاذبيّة الأشدّ بين الأُمّة الإسلاميّة في الوقت الراهن هي للإسلام وللقرآن ولمدرسة الوحي، وقد وعد الله تعالى أنّ بوسع المدرسة الإلهيّة والوحي الإلهيّ والإسلام العزيز أن يُوفّر السعادة للبشر. هذه ظاهرة جدّ مباركة، وعلى جانب كبير من الأهميّة، وذات معنىً ومغزىً عميق[1].

 

التمسّك بالعروة الوثقى

لا ينبغي لنا أن نكون ضعفاء، بل يجب علينا أن نكون أقوياء، والقوّة لا تتلخّص في السلاح والمال، إنّما ترتكز في الأساس على الإيمان بالله والثبات، يقول الله سبحانه: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾[2]. إنّ الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، يستتبع التمسّك بالعروة الوثقى، وهو مدعاة للقوّة والاقتدار. وهذا ما يجب علينا ترويجه وبثّه في ربوع العالم الإسلاميّ، ويجب أن تقوم إرادتنا على ذلك. المؤسف أنّ هناك في العالم الإسلاميّ من يتمسّك بالطاغوت بدلاً من التمسّك بالقرآن، ويسعى لتطبيق السياسات الأميركيّة في المنطقة، ويعمل بما يتوافق مع الميول والآراء والسياسات الأميركيّة -وأميركا هي الطاغوت الأعظم والشيطان الأكبر- ويتمسّك بالطاغوت

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء المشاركين في المؤتمر العالميّ للشباب والصحوة الإسلاميّة في طهران، بتاريخ 30/01/2012م.

[2] سورة البقرة، الآية 256.

 

161


132

سبيل المواجهة

ولا يكفر به. والشرط الأوّل هو الكفر بالطاغوت: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾.

 

إنّ وقوف الشعب الإيرانيّ في وجه أطماع أميركا وجَشَعها، هو العنصر الأساس لاقتدار هذا الشعب، فإنّنا اليوم شعبٌ مقتدر، وقضيّة الإسلام في إيران تختلف عن قضيّة الشخصيّة الدينيّة الفلانيّة أو الشخصيّة السياسيّة الفلانيّة، إنّنا دولة لها إمكانيّاتها، ولها شعبها البالغ ثمانين مليون نسمة، ولها سلاحها واقتصادها وسياستها وعلمها... هذه هي الجمهوريّة الإسلاميّة في الوقت الراهن، والأعداء يخافون من الإسلام المقتدِر الشجاع؛ لهذا تجدهم يهابون الجمهوريّة الإسلاميّة ويهاجمونها. إنّ هجومهم علينا ناجم عن خوفهم وذعرهم وعلمهم بأنّ مواقف الجمهوريّة الإسلاميّة تترك تأثيرها في العالم؛ وذلك لأنّنا نتحدّث إلى الشعوب الإسلاميّة بصدق، ونتعامل معها بصدق، ونعمل بما نقوله ونتابعه، ولم تتمكّن وعود الطواغيت من خداع الجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيرانيّ؛ لا وعودهم خدعتنا ولا تهديداتهم أخافتنا، فإنّنا لا نهاب تهديداتهم ولا تنطلي علينا وعودهم. هذا هو الأمر الضروريّ الذي تجب متابعته، والذي تحتاج إليه الأمة الإسلاميّة: الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ومن يفعل ذلك ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾.

 

والمؤسف أنّ بعض الدول الإسلاميّة تخون شعوبها، وتخون الأمّة الإسلاميّة، وتمهّد الأرضية للتوغّل الأميركيّ، وتمدّ يد العون إلى الطاغوت الأعظم المتمثّل بالولايات

 

 

162

 

 


133

سبيل المواجهة

المتّحدة الأميركيّة، وتتّبع سياساتها. هذه هي الـمُلمّة التي ألـمّت اليوم بالمسلمين وبمنطقتنا، وهي جريمة كبرى يقترفونها[1].

 

شعوبٌ تتوكّل على الله، النصرُ أمامها!

الشعوب التي لديها فكر وهويّة ودافع، والمعتمِدة والمتوكِّلة على الله، تصمد، والله -تعالى- يُعينها، ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾[2]. هذه سُنَّةُ الله؛ فإذا صمد المسلمون وقاوموا، فسوف ينتصرون على آلات القوى الطاغوتيّة والمستكبِرة كلّها. الشعب اليمنيّ اليوم يعاني أشدَّ العذابات التي تفرضها عليه الحكومة السعوديّة وأتباعها وأميركا [التي تساندها]، إنّهم [الشعب اليمنيّ] يصبرون ويتحمّلون، واعلموا أنَّ الشعبَ اليمنيَّ وأنصارَ الله سوف ينتصرون بالتأكيد، فهم لا يُهزَمون، والشعب الفلسطينيّ لا يُهزم، والسبيل الوحيد هو المقاومة، وصمود الشعوب المسلمة هو الذي فرض التخبّطَ اليوم على أميركا وحلفائها، فراحوا يلجؤون إلى الكلام الفارغ والأعمال المغلوطة، وهذا الصمود سوف يؤتي ثماره[3].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة، بتاريخ 18/05/2016م.

[2] سورة الفتح، الآيتان 22 و23.

[3]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مسؤولي النظام والسفراء وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة، بتاريخ 25/11/2018م.

 

163


134

سبيل المواجهة

﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾[1]

لقد وعد الله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾. الذين يسيرون في طريق نصرة دين الله، إذا تحرّكوا وعملوا فسوف ينصرهم الله؛ نعم، إذا كنّا أنصاراً لدين الله ولم نفعل شيئاً، بل نمنا في بيوتنا فلن تكون هناك نصرة. لكن حينما نتحرّك لنصرة دين الله، وقد تكون لذلك تكاليفه، ستكون النصرة يقينيّة. مثلما انتصر الشعب الإيرانيّ منذ بداية الثورة وإلى اليوم في تحديّات متنوّعة، هذه هي النصرة الإلهيّة. في الحرب المفروضة، وقفت تقريباً جميع دول العالم المهمّة آنذاك لمدّة ثمانية أعوام سنداً لعدوّنا، وحاربتنا. ساعدته أميركا، وساعده الاتّحاد السوفياتيّ، وساعده حلف الناتو، وساعده الجيران عديمو الإنصاف... أعطوه المال والإمكانات، ووقفوا جميعهم ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، وكان قصدهم تجزئة إيران وفصل خوزستان واحتلال الأرض لإظهار الجمهوريّة الإسلاميّة وكأنّها غير كفوءة، وإسقاطها. لكنّ الله تعالى صفعهم على وجوههم، ووجّه الشعب الإيرانيّ بصبره وصموده وبصيرته ضربة للأعداء جعلتهم يتراجعون. هذه الإمكانيّة متاحة لكم على الدوام[2].

 

 


[1]  سورة الحجّ، الآية 40.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أهالي جالوس ونوشهر في طهران، بتاريخ 07/10/2009م.

 

164


135

سبيل المواجهة

لا دولة تضاهي أميركا سلبيّاً

لا تثق الشعوب، بل والحكومات بأميركا، بسبب هذا السلوك والمنحى المشهود في سياسات الأميركيّين. كلّ من وثق بأميركا نال جزاءه وتلقّى الضربات عن ثقته (جزاءً لثقته). لذلك يمكن القول حالياً: إنّ أميركا هي المكروهة والمبغوضة لدى الشعوب أكثر من أيّة قوّة أخرى في العالم. لو تمّ إجراء استبيان عادل ونزيه لشعوب العالم، فلا أظنّ أنّ الدرجة السلبيّة لأيّة حكومة يمكنها أن تضاهي الدرجة السلبيّة للحكومة الأميركيّة. هكذا هو وضعهم في العالم اليوم. إذاً، قضيّة مناهضة الاستكبار، واليوم الوطنيّ لمناهضة الاستكبار، قضيّة أساسيّة نابعة من تحليل صحيح وكلام صائب. وأنتم -أيّها الشّباب الأعزّاء وملايين الشّباب من أمثالكم في أنحاء البلاد كلّها- يجب أن يكون لكم تحليلكم الصحيح لهذه القضايا والأمور[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء آلاف الطلبة الإيرانيّين لمناسبـة اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ في طهران، بتاريخ 03/11/2013م.

 

167


136

انهيار أميركا

بغض الشعوب لأميركا

الشعب العراقيّ يُبغضُكم، شباب العراق يكرهونكم، شباب سوريا يُبغضونكم، شباب لبنان يكرهونكم. وفي هذه الجهة من الشرق، شباب أفغانستان يكرهونكم أنتم الأميركيّين، وشباب باكستان يبغضونكم، فما علاقتنا نحن بهذا؟ إنّهم يكرهونكم، وقد يبادرون إلى فعل شيء ضدّكم. نعم، نعم، هذا واقع، فلماذا لا يدرك الأميركيّون هذا الواقع؟ لماذا لا يفهمون كراهيّة الشعوب لهم؟ لماذا لا يدركون [هذا الأمر]؟ لقد أسأتم وقمتم بأعمال قبيحة، وسعيتم إلى السيطرة على هذه البلدان، وأهنتُم هذه الشعوب؛ لذلك هم يكرهونكم. عوامل أُفول أميركا ليست وليدةَ اليوم والأمس القريب؛ لكي يحاول بعضهم معالجتها. إنّما هي حالة تعود إلى امتداد التاريخ، وترتبط به، والعامل والسبب في هذا الوضع الذي يعاني منه الأميركيّون، سببٌ طويل الأمد؛ فقد أوجدوا، على مرّ التاريخ، حالةً هذه نتيجتها، وهي لا تُعالَج بسهولة. هذه سُنَّةٌ إلهيّة، وهم محكومون بالسقوط والأُفول والزوال عن ساحة القوّة العالَميّة[1].

 

شعبهم غير راضٍ عنهم

إنّ شعبَهم (الأميركيّ) غيرُ راضٍ عن أدائهم. وشعبيّة رئيس جمهوريّتهم تتناقص يوماً فيوماً، هذه نتيجة الاحصاءات

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشدٍ من طلبة المدارس والجامعات، بتاريخ 03/11/2018م.

 

168


137

انهيار أميركا

التي يعلنونها هم. حين انتُخب رئيس جمهوريّتهم هذا، كانت شعبيّته واسعة، أمّا اليوم فهي تتناقص يوماً فيوماً. (لأنّ) الناس لا يؤمنون بنظامهم السياسيّ. كانت نسبة المشاركين في الانتخابات الأخيرة في أميركا متدنّية، وقد صرّحوا هم واعترفوا بذلك؛ أي إنّ الشعب غير راضٍ عن هذه التشكيلات وهذا النظام، وقد فقد الثقة به. قارنوا هذا بحضور 65 بالمئة و70 بالمئة من شعبنا أمام صناديق الاقتراع. لديهم الآن مشاكل مع عموم أفراد شعبهم، في قضيّة فرغسون وولاية ميسوري وأمثالها التي سمعتم أخبارها، هم يقاتلون شعبهم! تقول تقاريرهم الإخباريّة إنّ الشرطة الأميركيّة قتلت خلال عام واحد أكثر من 400 مواطن لأسباب مختلفة، الشرطة، ليس الجهاز القضائيّ! وإنّ علاقتهم مع مواطنيهم ليست على ما يرام، وشعبهم أيضاً غير راضٍ عنهم، إنّهم في مأزق، وبحاجة إلى تحقيق نجاح، وإلى انتصارٍ كبير، أمّا نحن فلا[1].

 

الأُفول على طريقة الأرِضة

إنّ جبهة المقاومة اليوم في أكثر أحوالها انسجاماً خلال الأربعين عاماً الماضية، في المنطقة وفي مواقع حتّى خارج المنطقة، هذا واقع. في الطرف المقابل ثمّة القوّة الاستكباريّة، القوّة الاستكباريّة لأميركا وقوّة الكيان الصهيونيّ المثيرة للفتن والخبيثة، والتي تدنّى مستواها وانخفض منذ أربعين عاماً وإلى اليوم. هذا ما ينبغي أن نأخذه في حساباتنا.

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين، بتاريخ 27/11/2014م.

 

169


138

انهيار أميركا

يجب أن نُدخِل في حساباتنا الأحداث والتحوّلات التي جرت وتجري في الواقع السياسيّ الأميركيّ أو الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ الأميركيّ. وهذا ما يقوله بعض الأميركان أيضاً: «الأفول على طريقة الأرِضة»، هذا ما يقوله كاتب أميركيّ، يقول حول أفول الاقتدار الأميركيّ إنّه «أفول كأفول الشيء الذي تأكله الأرِضة»؛ أي إنّ أميركا تتآكل من الداخل مثلما تفعل الأرِضة. هذا ما تقوله المؤسّسات الأميركيّة نفسها، وهذا هو وضعهم من الناحية الاقتصاديّة ومن الناحية الاجتماعيّة ومن الناحية السياسيّة. ثمّة إحصائيّات واضحة بشأن وضع القدرة الاقتصاديّة لأميركا وتأثير أميركا في الاقتصاد العالميّ الذي هبط في العقود الأخيرة بشكل عجيب، والإحصائيّات موجودة وقد سجّلتها، لكن لا ضرورة لذكر التفاصيل. وقد أَفَل اقتدار أميركا في الجانب السياسيّ أيضاً[1].

 

تقلّص النفوذ الأميركيّ

لاحظوا أنّ هذا كلّه هو حالات تراجع إلى الوراء، إنّ نتيجته هي انهيار سمعتهم وذهاب ماء وجههم في العالم. فدائرة نفوذهم في العالم تتقلّص يوماً بعد يوم، وينهزمون في الحروب المهمّة. ففي العراق، لم يصل الأميركيّون إلى أهدافهم وهُزِموا، وكذلك في أفغانستان، وكذا الحال في حربهم التي شنّها الصهاينة المرتبطون بهم ضدّ المقاومة في لبنان، وكذا الحال في مواجهتهم لشعوب شمال أفريقيا،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثلاثين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2019.

 

170


139

انهيار أميركا

هُزِموا في هذه المواقع والنزالات كلّها. طبعاً الكلام كثير في هذا الصدد. ولو أراد المرء ذكر جوانب القضيّة كلّها لطال المقام ربّما لساعات. ولكن ربّما يمكن الاستنتاج، بجملة مختصرة: إنّ الذي هُزِم في هذا الصراع والمواجهة الطويلة التي خاضتها أميركا باقتدارها وحكومتها واستكبارها ضدّ الشعب الإيرانيّ، والتي استمرّت اثنتين وثلاثين سنة، إذ إنّنا الآن في سنة 1391هـ.ش (2012م)، هو الحكومة الأميركيّة المستكبرة المتكبّرة المزهوّة بنفسها. والذي انتصر هو الشعب الإيرانيّ الشامخ المصمّم العازم[1].

 

الاضطراب في المجال الاقتصاديّ

لقد اضطرب هذا السكون في عدّة مجالات: أوّلاً، في المجال الاقتصاديّ، إذ إنّ الميزة الأهمّ لهم كانت التطوّر الاقتصاديّ والنموّ الاقتصاديّ، وأنتم تشاهدون، كيف هو الوضع حالياً: أوروبّا تعاني من أزمة اقتصاديّة، وكذلك أميركا تتعرّض لأزمة اقتصاديّة، ذلك الاقتصاد الذي كان مستقرّاً، ها هو اليوم يرسل إشارات الإفلاس. افرضوا بأنّ حكومة بلدٍ ما عليها ديون أكثر من كلّ إجمالي الدخل القوميّ فيها، هذا هو الوضع الموجود حاليّاً في أميركا. حكومة مَدينة، وعلى ما يبدو لا يوجد تصوّر لسبيل خلاصها من هذه الديون والقروض. لذلك تتوقّف العديد من الخطط والبرامج العامّة لديها، في أميركا نفسها الوضع هكذا. وأمّا في البلدان الكبرى والقويّة

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من طلّاب المدارس والجامعات، بتاريخ 31/10/2012م.

 

171


140

انهيار أميركا

في أوروبّا، فإنّ الوضع فيها كذلك، على الرغم من أنّهم قليلاً ما يعلنون ويصرّحون بهذا. رئيس الجمهوريّة الحاليّ في أميركا نفسها -ومنذ أن وصل إلى الرئاسة في الدورة الأولى- وعد الناس بتأمين خدمات الضمان الصحيّ الشامل والعامّ للجميع، لكن إلى اليوم، وبعد مرور ستة أعوام تقريباً من انتخابه، لم ينجح بالقيام بهذا العمل؛ أي إنّ بلداً يتمتّع بتلك الإمكانات والموارد كلّها، يُطلِق فيه رئيس الجمهوريّة وعوداً للشعب ولا يتمكّن من تنفيذها، هكذا هم، وهكذا هو وضعهم. بناءً على هذا، فهم يواجهون في المجال الاقتصاديّ -والذي كان يمثّل القطاع الأهمّ لبلدان جبهة الاستكبار والقوى التقليديّة في العالم- أزمات ومشاكل[1].

 

الانهيار الاقتصاديّ والاجتماعيّ في أميركا

في داخل أميركا نفسها، المشكلات كثيرة. إنّ وزارة الزراعة الأميركيّة أعلنت رسمياً أنّ 41 مليون شخصٍ في أميركا يعانون الجوع! هذا هو وضع أميركا، وهذا هو واقعها الاقتصاديّ. ولقد بلغت ديون الحكومة الأميركيّة 2200 مليار دولار. 2/2 ترليون وهذا شيء خياليّ، بل لا يمكن تصوّر هذه الأرقام. هذه مشكلاتهم، وإذا بهذا السيّد [ترامب] يبدي حرقة على الشعب الإيرانيّ، ويقول إنّنا نريد السعادة والرفاه للشعب الإيرانيّ وتوفّره على فرص عمل! اذهب وأصلح نفسك وحسّنوا أوضاعكم إن استطعتم. تحتلّ أميركا المرتبة الأول

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة في طهران، بتاريخ 06/03/2014م.

 

172


141

انهيار أميركا

عالميّاً من حيث ارتكاب الجرائم المصحوبة بالعنف. وهي في المرتبة الأولى عالميّاً من حيث تعاطي المخدِّرات. وهي البلد الأوّل في العالم من حيث قتلهم لمواطنيهم، حيث يُقتل الناس على يد الشرطة الأميركيّة. هذا ما تظهره إحصائيّاتهم، ففي الأشهر الثمانية الماضية قُتِل 830 شخصاً من المواطنين الأميركيّين على يد الشرطة في الشوارع. هذا هو الوضع الاجتماعيّ للحكومة التي تهدّد الشعب الإيرانيّ وتتوعّده[1].

 

تهاوي القدرة العسكريّة الأمنيّة

أمّا العامل الثاني الذي كان عامل قدرة سياسيّة واقتصاديّة هو أيضاً قد ثبت بطلانه. إنّ أهمّ أمر أدّى إلى بطلان هذا العامل الثاني هو تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة. في إحدى المناطق القابعة بشدّة تحت سيطرة أميركا، تظهر حركة ثوريّة عظيمة بهذه الأبعاد الوجوديّة، نظام مرتكز على أفكار حاولوا جاهدين القضاء عليها، وهذا النظام -على الرغم من الهجمات المتنوّعة والمتعدّدة الهجمات السياسيّة، الاقتصاديّة، العسكريّة، الأمنيّة وغيرها- لم يضعف، بل على العكس، كان يقوى يوماً بعد يوم، وإلى اليوم نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو نظام مقتدِر بكلّ معنى الكلمة. بالطبع، إنّ النظام الإسلاميّ نظامٌ مقتدر، ومظلوم في الوقت نفسه. لا تتنافى قدرة النظام مع المظلوميّة، في مرّة سابقة قلت: مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) الحاكم القويّ للنظام الإسلاميّ في

 

 


[1]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثلاثين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2019.

 

173


142

انهيار أميركا

زمنه، وفي الوقت نفسه هو أكثر المظلومين مظلوميّة، وهكذا حال نظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ قوّته لا تتنافى مع مظلوميّته، وهذه المظلوميّة اليوم ليست علامة على عدم القدرة، في الواقع. إنّ قوّة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة أمر واضح، حتّى أعداؤه يعترفون بهذا الأمر[1].

 

أفول أميركا سياسيّاً وأخلاقيّاً

لو لم يكن لأفول أميركا سياسيّاً سوى دليل واحد لكفى، والدليل هو انتخاب شخص بصفات السيّد دونالد ترامب في أميركا. هذا الانتخاب نفسه دليل على الأفول السياسيّ لأميركا. مصير أكثر من ثلاثمئة مليون من السكّان بيد شخص يمتلك هذه الصفات والخصائص دليل على الأفول السياسيّ لأميركا. الشخص الذي يوجد في داخل أميركا نفسها هذا الكلام كلّه حول توازنه النفسيّ والفكريّ والأخلاقيّ، عندما يصبح رئيساً لبلد فهذا دليل على أفول ذلك البلد، سياسيّاً وأخلاقيّاً. لطالما دعم هؤلاء جرائم الكيان الصهيونيّ ومذابحه ودافعوا عنها. ودعموا جرائم عدد من الدول في اليمن والمذابح التي يرتكبونها ضدّ الشعب اليمنيّ البريء. إنّهم يدعمون الجريمة، فهل هناك سقوط أخلاقيّ أسوأ من هذا[2]؟

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء، بتاريخ 04/09/2014م.

[2]  كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثلاثين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2019.

 

174


143

انهيار أميركا

مبدأ مقاومة الإمام الخمينيّ يزيل سيطرة الغرب

شاع كثيراً في تعابير الأجانب، وبعد تحرير خرّمشهر هذا المصطلح: «مبدأ مقاومة الإمام الخمينيّ». هذا ما طرحوه وكتبوا المقالات حوله. وقد سجّلت هنا عبارة لإحدى الشخصيّات السياسيّة المعروفة في العالم، وإذا ذكرت اسمه فسيعرفه الجميع، حيث كتب: «إنّ زمن الدور الحصريّ للقوّة العسكريّة والاقتصاديّة في السيطرة العالميّة آخذ بالأفول. أن يكون هناك بلد له قوّة عسكريّة كبيرة وقوّة اقتصاديّة كبيرة ويستطيع مواصلة سيطرته، فهذا شيء في طريقه إلى الأفول، فالعالم قد تغيّر»، ويكتب: «في المستقبل غير البعيد سوف نشهد ظهور قوى تتجاوز حدودها، وهي ليست على درجة عالية جداً من حيث [امتلاك] الآلات الحربيّة، من قبيل القنبلة النوويّة، أو من حيث المشاركة في الإنتاج الصناعيّ العالميّ، لكنّها بقدرتها على التأثير في ملايين البشر سوف تتحدّى السيطرة العسكريّة والاقتصاديّة للغرب». هذا ما يقوله سياسيّ وخبير غربيّ أميركيّ في الشؤون السياسيّة. ثمّ يضيف: «مبدأ مقاومة الخمينيّ يستهدف بكلّ قوّة الشريان الأساسيّ لسيطرة الغرب وأميركا». هذا هو سرّ بقاء الجمهوريّة الإسلاميّة. وهذا هو النهج الذي تركه لنا هذا الإنسان الجليل وعبد الله الصالح، نهج المقاومة والصمود، ونهج معرفة قدر ما نمتلكه[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى الثلاثين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2019.

 

 

175


144
أميركا في فكر الإمام الخامنئي