المقدمة
مقدّمة عامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة ومعلماً للعالمين سيدنا محمد وبعد في خضم تعقد وظيفة التبليغ في هذا العصر لناحية تطور التقنيات أم لناحية طبيعة المستهدفين التي اصبحت غاية في التداخل لجهة الميول والاتجاهات والدوافع المختلفة التي تتنازع انسان اليوم في ظل الثورة الرقمية والاعلامية الهائلة التي تجتاح علمنا، اصبح لزاماً على القيمين والمشتغلين بشؤون إعداد المبلغ التوجه أكثر فأكثر نحو التخصص في الاعداد والتأهيل وصولاً لانتاج كادر تبليغي كفوء ومتمرس.
في هذا الاطار يقوم معهد الامام الباقر بمسؤولية مساعدة المبلغين والاخذ بأيديهم في هذا الطريق عبر تقديم سلسلة من الدورات والمسارات التأهيلية المناسبة التي تخدم وظيفتهم ومنها الدروات المتعلقة بأختصاص التدريس والتعليم وعلمي نفس التعليم والنمو.
وقد حرص المعهد في السنوات الماضية على تقييم تجاربه ومراكمة جهدده للعمل على اصدار متون تدريسية لائقة وموثوقة لتكون بين يدي المبلغين خير معين على وصولهم إلى الاهداف المرجوة من عمليات التأهيل المعتمدة.
وفي هذا السبيل ولثقته بالعمق العلمي والخبرة المتراكمة والتجربة الرائدة طلب المعهد إلى احد رواد هذا العلم وقاماته الشامخة عنينا به الدكتور هاشم عواضة مسؤولية إعداد هذه المتون التدريسية وقد احسن جزاه الله خيراً في انجاز هذه المتون على الوجه الاحسن مبتغياً بذلك الاجر والقبول عند الله سبحانه وتعالى، ونحن اذ نثمن جهوده المباركة نسأل الله له المزيد من التوفيق في هذا السبيل.
ختاماً ونحن نضع بين يديكم هذه السلسلة المباركة من المتون التدريسية لدورات تأهيل المبلغين والمدرسين نسأل العلي القدير أن تسهم غاية الاسهام في تحقيق المأمول منها والوصول بهذه البرامج التأهيلية إلى افضل ما يكون بحيث تكون محلاً لرضا وقبول حضرة بقية الله الاعظم، ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾.
(سورة يوسف: 88)
6
1
المقدمة
مقدّمة
التخطيط لعمليات التعليم والتعلم
تحتوي عمليّات التعليم والتعلّم مكوّنات عديدة مترابطة ومتكاملة فيما بينها، يمكن تمثيلها بالترسيمة الآتية:
لا يمكن المعلّم تنفيذ عمليّة تعليم وتعلّم مثمرة من دون تكوين رؤية كليّة ومنهجيّة تشمل كامل مكوّنات العمليّة. لقد كان المعلّم، حتّى زمن غير بعيد، يقارب العمليّة من زاوية المحتويات (نصوص المادّة المعرفيّة). فكان يقع أسير ما توحيه هذه المحتويات عبر طريقة عرضها وتنظيمها من أهداف تعلّميّة تهتمّ غالباً بالاستيعاب والتذكّر. ولمّا كانت غالبيّة الكتب الدراسية معدّة على أساس التعليم أكثر من التعلّم، ولأنّ هذه النصوص والمحتويات المعرفيّة ليست أكثر من وسائل أو موارد تُستعمل كأدوات أو موادّ تعلّم ينفّذ عليها المتعلّم، بمساعدة المعلّم وتوجيهه، النشاطات التعلّميّة، تحوّل اهتمام التربويّين والتعليميّين إلى التركيز على مقاربة العمليّة من زاوية ما يسعى المعلّم لإكسابه المتعلّمين من قدرات ومهارات ومواقف، أي الأهداف التعلّميّة.
7
2
المقدمة
ونظراً لأنّ هذه المكوّنات مترابطة ومتكاملة، كان لا بدّ من تكوين المعلّم رؤية طوليّة يعي فيها الأهداف التعلّميّة في علاقاتها بالمكوّنات الأخرى كمرجعيّة وأساس لها.
كيف يقارب المعلّم كلاّ من هذه المكوّنات على حدة، ثمّ كيف يقاربها من خلال الرؤية الكليّة والمنهجيّة؟ أو بعبارة أخرى، كيف يخطّط لعمليّة التعليم والتعلّم على مستوى العام الدراسيّ، ثمّ على مستوى الحصّة أو النشاط التعليميّ والتعلّميّ؟
7
3
أوّلاً: التوزيع السنويّ أو الفصليّ لنشاطات التعليم والتعلّم
يُعِدّ التوزيع السنويّ أو الفصليّ لنشاطات التعليم والتعلّم في المادّة التعليميّة (جغرافيا، رياضيات، قرآن كريم...) فريق عمل يضمّ معلّمي المادّة والقيّمين عليهم (مشرف أو منسق أو مدير). يأخذ الفريق بعين الاعتبار عدد الحصص الدراسيّة الأسبوعيّة المخصّصة للمادة ويحصي عددها السنويّ الفعلي، السنويّ أو الفصليّ يحسب الوقت المخصّص للمادّة بدءاً من أوّل العام الدراسيّ أو الفصل إلى نهايته مستثنياً أيام التعطيل والامتحانات والمراجعات.
يُنفّذ العمل قبل بداية التعليم والتعلّم حتّى يُستفاد خلاله من نتائجه. يرجع الفريق إلى الأهداف العامّة للمادّة المعرفيّة والمؤسّسة التربويّة التي تحترم غايات التربية في المجتمع وتتوافق معها كما ذكرنا سابقاً، أي أنها تلتزم بالسياسة التربويّة التي نعرّفها على أنّها "مجموعة القرارات التي تحدّد التوجّهات العامّة والغايات والخيارات الأساسيّة والأولويات في العمل التربويّ".
9
4
تحليل المادّة التعليميّة (المحتويات المعرفيّة)
يقوم فريق العمل بتحليل المحتويات المعرفيّة من أجل:
- الكشف عن تسلسل المفاهيم المعدّة للتعلّم.
- الكشف عن المفاهيم والأسئلة والمنظورات التي تنظّم المعارف داخل المادّة التعليميّة وتضمن وحدتها.
- الكشف عن قيم المادّة الذاتيّة من أجل الرجوع إليها كمعايير في التقييم.
- الكشف عن القيم التي تحويها النصوص (خاصّة في العلوم الإنسانيّة).
- الكشف في المادّة، عن الوقائع والمفاهيم والمبادئ والقوانين والآليّات والمواقف والحركات والاستراتيجيّات العقليّة.
- الكشف، في المادة، عن المفاهيم النواة التي تظهر في غير وضعيّة والتي تُبنى عليها عمليّات تعلّم أخرى.
تساهم هذه العمليّة لدى أعضاء الفريق في:
وعي تصوّراتهم عن معارف المادّة ومدى تمكّنهم من قالب المادّة وبناها الداخليّة.
زيادة القدرة على ترتيب الأولويّات والفرز بين الأساسيّ والثانويّ في معارف المادّة.
تيسير عمليّة كتابة الأهداف التعلّميّة، وتحديد الطرائق المناسبة لاكتسابها. أو عمليّة الإبحار في سلسلة التحويل التعليميّ في عمليّات الذهاب والإياب ما بين المحتويات والأهداف والطرائق.
10
5
كتابة الأهداف التعلّميّة
بعد تحليل محتويات المادّة المعرفيّة وبالرجوع إلى الأهداف العامّة للمؤسّسة التربويّة والمادّة المعرفيّة يقوم الفريق بتحليل كفايات المادّة المعرفيّة ومجالات هذه الكفايات، من أجل التدقيق فيها وفهمها أكثر واستكشاف علاقاتها بالأهداف العامّة. ومن ثَمَّ وبالرجوع إلى مجالات الكفايات وإلى أبعاد شخصيّة المتعلّم (الجوانب العقليّة والعاطفيّة والحركيّة) وإلى تصنيفاتها، يقوم بصياغة الأهداف التعلّميّة مراعياً شرط شمولها لجميع الكفايات ومجالاتها (كالتواصل الخطيّ والشفهيّ في اللغات، ومعرفة العدد والأنشطة العدديّة والقياس والأنشطة الهندسية، وحلّ المسائل في الرياضيّات، وقراءة المستندات، وتحديد المواقع والاتجاهات وكتابة نصّ جغرافيّ في الجغرافيا، واستعمال مفاهيم ومصطلحات، وتحليل مستندات وكتابة نصّ، واتخاذ موقف إيجابيّ في التربية المدنيّة والتنشئة الوطنية...).
إنّ عمليّة تحليل محتويات المادّة المعرفيّة تساعد على كتابة الأهداف الخاصّة أو عناصر الكفايات بشكل دقيق ومتسلسل: فالوقائع تحتاج إلى فهم من قبل المتعلّم وإعطائها معنى ثمّ تخزينها في الذاكرة، والمفاهيم إلى استخلاص التعريفات وإجراء التمارين التدريبية والتطبيق، والمبادئ والقوانين إلى الاكتشاف بالنشاط، والآليات إلى الملاحظة والتمرين، والحركات إلى التقليد والممارسة، والمواقف إلى الوعي والإرادة والفهم والممارسة والعيش والتبنّي...
إنّنا نلفت نظر المعلّمين إلى صعوبة هذا العمل وليس استحالته، وخاصّة عندما تتضافر الجهود ويتعاون الجميع على إنجازه، وعندما نخفّض سقف التوقّعات فيه لنزيد منها مع توالي
11
6
كتابة الأهداف التعلّميّة
السنين وتكرار العمل والاستفادة من الملاحظات المدوّنة خلال التجربة.
ينتج من هذه العمليّة إعادة نظر بالمحتويات المعتمدة لجهة تحويلها من معارف علميّة (خام) إلى معارف معلّمة (أو برسم التعليم). كما وتسمح بالحكم على مدى كفاية المحتويات (المتون) المعتمدة كإسناد أو موارد للاستثمار. وهنا تظهر بوضوح العلاقة الجدلية (التبادلية) بين الأهداف التعلّميّة والمحتويات المعرفيّة. فالأهداف نستخرجها بشكل عامّ من المعارف التعليميّة لنعود، بالرجوع إليها، إلى تكييف هذه المعارف مع الأهداف واستكمالها عند الضرورة.
نشير أيضاً إلى فائدة هذه العمليّة في إعادة النظر بتوزيع الوقت المستقطع في المادّة المعرفيّة لكلّ مجال من مجالات كفايات المادّة، وحتّى ذلك المخصّص للمادّة التعليميةّ ككلّ في البرامج التعليميّة.
بعد إنهاء كتابة الأهداف التعلّميّة تُدوَّن في رأس الجدول لأنّها أساس كلّ مكوّنات عمليّة التعليم والتعلّم ومرجعيّتها كلّها بما فيها المحتويات المعرفيّة.
12
7
تحديد الطرائق ووضعيّات العمل
إنّ طبيعة الهدف التعلّميّ المنشود يوحي بطريقة تناسبه وتيسّر اكتسابه من قبل المتعلّمين في نهاية النشاط التعليميّ والتعلّميّ. فالنصوص تشكّل مادّة أو أداة التعلّم التي ينفّذ عليها المتعلّم النشاط. والمحتوى المعرفيّ الواحد يسمح بغير هدف تعلّمي (قدرة)، بحيث يمكن على سبيل المثال، فيما يخصّ قاعدة من قواعد السير، اعتماد الأهداف التعلّميّة الآتية: القدرة على استذكارها أو فهمها أو تثمين الالتزام بها أو حتّى تطبيقها...
فإذاً، يرجع الأساس في اختيار الطريقة ووضعيّات العمل المطلوب من المتعلّمين (فرديّ، فريقيّ، جماعيّ) إلى ما نريده كهدف تعلّميّ من جهة، ومن جهة أخرى إلى طبيعة المحتوى موضوع التعلّم: وقائع، مفاهيم، آليات وطرائق، مبادئ وقوانين، حركات، مواقف. وهكذا نختار للوقائع طريقة المحاضرة أو العرض الواضح، وللمفاهيم طريقة الاستدلال (الاستقراء أو الاستنتاج)، وللآليات والطرائق طريقة تنفيذ الخطوات وحلّ المسائل، وللمبادئ والقوانين طريقة إكساب المهارات وتنفيذ الخطوات، وللمواقف طرائق النقاش وورشة العمل والمشروع والرحلات التربويّة ووضعيّة العمل الفريقيّ التعاونيّ...
13
8
تحديد النشاطات
نقصد بهذا العنوان كلّ نشاط يطلب المعلّم من المتعلّمين القيام به ويخدم تنفيذه الهدف التعلّمي أو يُدَعِّمُهُ أو يمهّد له أحياناً: جمع معلومات عن موضوع التعلّم، جمع موادّ أو رسوم أو نقود أو عيّنات أو نماذج، مشاهدة فيلم أو شريط مصوّر، القيام برحلة أو زيارة، استطلاع رأي، جمع أمثلة، إعداد لوحة جداريّة أو ترسيمة، دعوة زائر....
يساعد إدراج هذه النشاطات في جداول التوزيع السنويّ على تحضيرها مسبَّقاً وتنسيق تنفيذها عند الضرورة أو الإمكانيّة مع الشُّعَب أو الصفوف أو الموادّ الأخرى.
14
9
تحديد أنواع التقويم
ينسى بعض المعلّمين تقويم نتائج التعلّم بشكل دوريّ، وعندما تطلب منهم الإدارة تقديم العلامات لإدراجها في بطاقات المتعلّمين وإرسالها إلى الأهل وتدوينها في السجلّات، يسارعون إلى إجراء الاختبارات في غير مادّة تعليمية في الوقت نفسه، ممّا يرهق المتعلّمين ولا يعطي صورة دقيقة وعادلة عن المكتسبات المحصّلة من قبل هؤلاء!
يكون تقويم مكتسبات المتعلّمين متواصلاً وتكوينيّاً خلال عملية التعليم والتعلّم. كما ويمكن المعلّم تقييم عناصر الكفاية تقريرياً ووضع العلامات عليها. وعند إنجاز تعليم وتعلّم الكفاية وتقويمها تكوينيّاً، يصل المعلّم إلى حتميّة تقويمها تقريريّاً ووضع العلامات على النتائج، وإصدار الحكم بالرجوع إلى النتائج على المتعلّم بالنجاح أو الإخفاق في اكتسابها.
إنّ تدوين أنواع التقويم (تكوينيّ، تقريريّ، استعلاميّ...) ووقت اللجوء إليه مقابل الأهداف والكفايات في الجدول، يساعد على تنفيذ التقويم في الوقت المناسب وخاصّة التقريريّ منه، كما ويمكّن المعلّم من جدولة الاختبارات زمنياً بالرجوع إلى الأهداف والكفايات.
15
10
عناوين أخرى
يمكن إضافة عناوين أخرى وإدراجها في التوزيع السنويّ:
الوقت أو المدّة المخصّصة لكلّ هدف/ نشاط أو مجموعة أهداف. يساعد هذا العنوان في توزيع الوقت المتاح على الأهداف والنشاطات.
ملاحظات تحتوي على تنبيهات للمعلّم تساعده خلال التنفيذ: تقديم نشاط على آخر، تنفيذ نشاط في مناسبة معيّنة...
ملاحظات ما بعد التنفيذ حتّى يدوّن فيها المعلّم ملاحظاته على التوزيع مباشرة وبشكل مستمرّ كلّما دعت الحاجة. يُستفاد من هذه الملاحظات عند العمل على تطوير التوزيع في ضوء التجربة.
وبعد إنجاز التوزيع السنويّ بشكل أوّليّ والسّعي إلى تأمين التكامل الأفقيّ بين مختلف المكوّنات، يتمّ التأكّد من الشموليّة والتنوّع عموديّاً في كلّ عنوان من العناوين، حيث يسمح الجدول بقراءة الأهداف والتثبّت من تنوّعها وتغطيتها لمختلف مجالات الكفايات وأبعاد الشخصية الإنسانية وتدرّجها في المجال الواحد (العقليّ والعاطفيّ والحركيّ). وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطرائق والنشاطات والتقويم...
إن مشاركة المعلّم في صياغة التوزيع تُعطيه قدرات مهمة جدّاً في التخطيط التربويّ وإعداد وتحليل المناهج التعليميّة، كما وتُشكِّل أداة مرجعيّة في تطوير تعليم وتعلّم المادّة يستفيد منه المعلّم الجديد في المهنة.
16
11
نماذج توزيع سنويّ لنشاطات التعليم والتعلّم
لقد اخترنا، لتوضيح كيفيّة إعداد التوزيع السنويّ لنشطات التعليم والتعلّم، عرض نموذجين حسِّيَّيْن غير مكتملين عنها: توزيع أوّل خاصّ بمادّة الفقه الإسلاميّ وتوزيع ثان خاصّ بمادّة علوم القرآن.
1- توزيع نشاطات التعليم والتعلّم
المــادّة : فقه إسلاميّ.
الكفاية : يؤدّي الصلاة، بخشوع.
الوحدة : الصلاة (عمود الدين).
المحور : العبادات.
18
13