المقدمة
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وبعد.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "من أُعْطِيَ الدعاء, أُعْطِيَ الإجابة... ثمّ قال عليه السلام: أتلوتَ كتابَ الله عزّ وجلّ:... وقال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[1]"[2].
حقيقة الاستجابة تكمن في الإقبال على الله تعالى بالدعاء بلسان القلب والفطرة، بحيث لا يخيب معها سائل. قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[3].
وأمّا علّة مطلوبية الدعاء, فلأنّ الدعاء مَظْهَرُ فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[4]. ومن المعلوم أنّ الفقر صفة دائمة في الإنسان (لأنّه صفة مشبّهة), يعني: كما أنّ الممكن في حدوثه يحتاج إلى المؤثّر, فكذلك في بقائه, فكلّ شأن من شؤون الممكن يحتاج
1
المقدمة
إلى مدبّر غني، وما هو إلّا الله تعالى.
ومن هذا المنطلق، ينبغي المواظبة على قراءة الأدعية المأثورة عن المعصومين عليهم السلام، وأن نتدبّر مليّاً في مضامينها وحقائقها النورانيّة، حتى تنعكس كمالات ومظاهر جمالية في نفوسنا، وأن نتعلّم منها آداب الكلام مع الله تعالى، وكيف ندعوه، وماذا نطلب منه.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "إنّ لحظات الدعاء، ومناجاة الله، والتضرّع لخالق هذا الكون والجمال والمُطَمْئِن الوحيد للقلوب والأرواح وقاضي الحاجات، هي أفضل وأنجع وأجمل وأنفع لحظات حياة الإنساني"[1].
وإنّ المؤمنين يطلبون الأنس بالله تبارك وتعالى ومناجاته عشقاً، ويعتبرون ذلك من مستلزمات وجودهم المحتاج والتابع والغارق في الفقر. مع أنّ للدعاء والمناجاة فوائد عظيمة وباقية، إلّا أنّ التقرّب إلى ذات الحقّ تعالى وطلب رضاه، وتبييض صفحة الأعمال الملوّثة بالذنب والغفلة، أو لوث الحياة المادّية، يبقى أفضل ما يحصل عليه المرء بالدعاء.
والدعاء مفتاح الخزائن الإلهيّة، سلاح المؤمن، وأفضل عبادة, يدفع البلاء ويجلب النعمة والرحمة الإلهيّة. وإنّ ثمار الدعاء الوفيرة جعلته مخّ العبادة وأفضلها، ومن يعش دون هذا السلاح، تكن حياته ضياعاً وعجزاً ويبقى بلا مأوى. جاء في حديثٍ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأصحابه: "ألا أدلّكم على سلاحٍ ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: تدعون ربّكم بالليل والنّهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء"[2]. فمن أراد السعي، عليه أن يحمل سلاح الدعاء، ومن وقع في سجال مع عدوّ أو في حادثة أو بليّة، فعليه بسلاح الدعاء.
2
المقدمة
"وإنّ صلة الدعاء، هي علاقة قلبكم مع الله، فالدعاء يعني الطلب، ومناداة الله, والطلب يعني الأمل. وما لم تشعروا بالأمل فإنّكم لن تطلبوا من الله شيئاً. فالدعاء إذاً هو الأمل, أي إنّه المترافق مع الأمل بالإجابة، وهو ما يُشعل القلوب ويبقيها مستنيرة. إنّها بركة الدعاء التي تعطي المجتمع الحيويّة والنشاط"[1].
"وإنّ الروحانيّة، المناجاة مع الله، اتّصال القلوب بالله المتعال، اتّخاذ الله هدفاً، عدم الانخداع بالمظاهر، وترك التعلّق بالمال وزينة الدنيا وزخارفه, هذه العناصر كلّها هي التي تصنع فئةً مؤمنة, وعندها تتحقّق: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ﴾[2], حتّى وإن كنتم قلّة، عندما تكونون مسلّحين بذلك البعد المعنوي، فإنّكم ستلحقون الهزيمة بالفئة الكثيرة رغماً عنهم...."[3].
ونظراً لأهمّية الدعاء في الإسلام نجد بأنّ أئمتنا عليهم السلام قد حرصوا على تعليم أصحابهم وشيعتهم الأدعية المرتبطة بالزمان والمكان والمناسبات الدينية...، وما ذلك إلا ليبقى الإنسان على صلة يومية ودائمة مع الدعاء، ما يعزّز البنية الإيمانية والوجدانية في النفس، ويقوّي الروح والإرادة في مختلف مراحل الحياة ومتطلّباتها.
لهذا كلّه عمد مركز نون للتأليف والترجمة إلى تخصيص متن تعليمي جديد ومتفرّد في موضوعه ودروسه يتناول في مضامينه الدعاء والزيارة في الإسلام، وذلك بأسلوب ولغة تعليمية تعين المعلّم والمتعلّم على معرفة أبواب خزائن وأسرار أدعية أهل البيت عليهم السلام وزياراتهم.
مركز نون للتأليف والترجمة
3
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
الفصل الأوّل
الأبعاد العقائدية والتربوية
للدعاء والزيارة
الكفايات
1- يحدّد المعنى المفاهيمي للدعاء في القرآن الكريم والروايات الشريفة.
2- يفهم خصوصية الدعاء المأثور والدعاء في الصلاة.
3- يفهم الأبعاد العقائدية والتربوية والمعنوية للشفاعة والتوسّل ويجيب عن الإشكالات الواردة على بعضها.
4- يؤدّي الدعاء والزيارة بخشوع.
19
4
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
الدرس الأول: الدّعاء في القرآن الكريم
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى معنى الدُّعاء في اللغة والاصطلاح القرآني.
2- يعرف عناصر الرؤية القرآنية للدعاء.
3- يطلّع على نماذج من أدعية الأنبياء ويحلِّلها.
21
5
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
أوّلاً: معنى الدُّعاء
1- الدُّعاء في اللغة:
قد يظهر من كلام بعض المحقّقين أنَّ "الدُّعاء بمعنى النداء، وأنَّ النِّداء هو الأصل"[1]، ثمّ يجري على معانٍ عدَّة ومنها الدُّعاء، والذي يستخدم بدوره في معانٍ أُخر: "كالاستغاثة، الاستحضار، الابتهال، الرَّغبة، وأمثالها"[2].
وبالتَّالي، يكون التعريف الأنسب للفظ الدُّعاء هو "أن تَميل الشيءَ إليك بصوتٍ
[1] المصطفوي، حسن: التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج3، ص217، طهران، مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي، 1417 هـ، ط1.
- وكذلك قاله الراغب في المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن، ص169، قم، دفتر نشر الكتاب، 1404 هـ، ط2.
[2] م.ن، ص218. ويقول أبو هلال العسكري:" الفرق بين الدُّعاء والنداء: الأول قد يكون بعلامة من غير صوت ولا كلام، ولكن بإشارة تنبئ عن معنى: تعال، ولا يكون النداء إلا برفع الصوت، وامتداده": العسكري، أبو هلال: الفروق اللغوية، ص535، مؤسسة النشر الإسلامي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1412هـ، ط1.
- وهذا ما قاله الطبرسي في مجمع البيان: الشيخ الطبرسي، الفضل بن الحسن: مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص424، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1995 م، ط1.
22
6
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
وكلام يكون منك"[1]، مع الالتفات إلى أنَّ الدُّعاء الذي يطلبُ به الدَّاعي إمالةَ المدعوّ إليه، قد يكون بغير الصّوت، كأن يكون بإشارةٍ ما، كحركة العين أو اليدين وغير ذلك. وتستطيع أن تلاحظ أنَّ هذا التَّعريف مطلقٌ، لا يحدِّدُ أطرافَ العلاقة في الدُّعاء، ولا يساعد على توضيح المعنى المراد من الدُّعاء.
2- الدُّعاء في الاصطلاح:
ونقصد بالاصطلاح هنا، هو معنى "الدُّعاء" كلفظ أريد به معنىً محدّداً في القرآن الكريم، وقد يوافق هذا المعنى المعنى اللغوي أو يفرق عنه، ومعرفة المراد من المصطلح تعيننا على تحديد الأبعاد المختلفة التي أرادها الإسلام من وراء وضع هذا المصطلح.
فما هو المقصود من لفظ "الدُّعاء" إذاً؟
يعرِّف العلّامة الطّباطبائي الدُّعاء في سياق شرحه لآية: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾[2]، فيقول: "الدُّعاء والدعوة توجيه نظر المدعوّ إلى الدَّاعي، ويتأتَّى غالباً بلفظٍ أو إشارة. والاستجابة والإجابة إقبال المدعوّ على الدَّاعي عن دعائه"[3]، والجهة التي ينبغي أن يتوجّه إليها الدُّعاء هو الله سبحانه وتعالى، كما في
[1] ابن فارس، أحمد بن فارس: معجم مقاييس اللغة، ج2، ص279. عبد السلام هارون (تحقيق)، مكتبة الإعلام الاسلامي، 1404 هـ، ط1.
- لاحظ التعريف الذي اعتمده السيد الطباطبائي قدس سره: "ولكن الرأي الأصح هو أنَّ الدُّعاء أعمّ من النّداء، فإنّ النّداء يختص بباب اللفظ والصَّوت، والدُّعاء يكون باللفظ والإشارة وغيرهما، والنِّداء إنَّما يكون بالجهر، ولا يقيِّد الدُّعاء".
- الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، ج10، ص38، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ط2.
[2] سورة الرعد، الآية 14.
7
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
سياق الآية (له)، وتقديم ما حقُّه التَّأخير (له) هنا يفيد اختصاص الدُّعاء به تعالى دون غيره من الجهات.
ثانياً: الدُّعاء في الرّؤية القرآنية
نقف هنا على مسألةٍ مهمَّة، وهي أنَّ تحديد مفهوم الدُّعاء وحقيقته وأبعاده ينبغي أن يؤخذَ من خلال القرآن الكريم، كونه المصْدر الأول للتَّشريع الإسلامي، ولأنّه أيضاً يطفح بالشَّواهد العديدة التي ورد فيها ذِكرُ الدُّعاء وحقيقته والشُّروط التي توجب تحقُّق الاستجابة له. والذي يدفعنا إلى التوجُّه للقرآن الكريم للبحث عن نظرة الإسلام للدّعاء، كون الدُّعاء مسألةً من أهمّ المسائل التي تظهر فيها العلاقة القويَّة بين العبد والله تعالى، وبالتّالي, ولخصوصيّة أمر العلاقة بين الله وعباده، فإنَّه ينبغي أن يكون الحديث عن الدُّعاء جارياً تحت نظر القرآن الكريم.
ولو اعتمدنا على التَّعريف المتقدِّم للدُّعاء، لوجدنا عدة أركانٍ يتقوّم بها الدُّعاء هي:
1- "المدعوّ: وهو الله تعالى.
2- والداعي: وهو العبد.
3- والدُّعاء: وهو طلب العبد من الله تعالى.
4- والمدعوّ له: وهو الحاجة الّتي يرفعها العبد بالدُّعاء إلى الله تعالى"[1].
ولكي نحدّد الرّابط الذي يجمع هذه الأركان الأربعة للدّعاء، لا بدّ لنا من أن نقوم بالبحث عن جوهر الدُّعاء وروحه.
[1] الآصفي، محمد مهدي: الدُّعاء عند أهل البيت، ص5، النجف الأشرف، مطبعة مجمع أهل البيت عليهم السلام النجف الأشرف، 2009م، ط1.
24
8
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
ولو عُدنا إلى القرآن الكريم، وجدنا أنَّ جوهر الدُّعاء هو "قيام الدَّاعي بنصب نفسه في مقام العبودية والمملكوية، والاتّصال بمولاه بالتَّبعية والذلّ، ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه"[1].
إذاً، نحن أمام عددٍ من المقدِّمات التي تشكل عناصر الرؤية القرآنية للدُّعاء:
المقدّمة الأولى: الإنسان مملوكٌ لله تعالى
لا شيء في هذا الوجود خارجٌ عن ملك الله تعالى، ولا يملك أحدٌ شيئاً إلا بإذنه، مهما كان هذا الشَّيء حقيراً أو خطيراً، يقول تعالى:﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ﴾[2]. والإنسان هو أحد الموجودات التي يقع عليها هذا "الملك"، فالإنسان بنفسه مملوك لله تعالى، وكلّ يملكه فإنَّما يملكه على نحو الادِّعاء لا الجدّ، فالله تعالى "يملك عباده ملكاً طلقاً محيطاً بهم لا يستقلّون دونه في أنفسهم، ولا ما يتبع أنفسهم من الصِّفات والأفعال"[3]. وهذا يعني أنَّ الإنسان يعيش مملوكيةً كاملةً لله تعالى.
المقدّمة الثانية: المملوكية تعني الفقر
إنّ هذا الموجود الذي يعيش المملوكية المطلقة لله تعالى، ولا يستطيع أن يتصرَّفَ أو يقومَ بأيٍّ من الأفعال على نحو الاستقلال، يفتقر دائماً إلى من يوجده في البدء، ويديم عليه النِّعم بعد إيجاده، ويصرف عنه أنواع النقص والحاجة، بل الإنسان ما دام إنساناً فإنَّه يحمل في جبلّته الفقر الذَّاتي إلى الله تعالى، وهو معنى العبودية الحقيقية لله تعالى[4]، و"معنى العبودية أنّ العبد لا يملك مع سيده شيئاً"[5].
9
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
ويقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[1].
ومن هنا كان الإنسان، وأمام كلّ موقف يستشعر فيه الضعف والنقص والحاجة والفقر، يبحث -بدافع من جبلَّته- عن مصدرٍ غني مترفِّع دائماً عن النّقص، وهو الله تعالى.
المقدّمة الثالثة: الدُّعاء أقرب الطّرق لنفي الفقر
فإذا قلنا بأنّ الإنسان مملوكٌ لله، وأنَّه عبدٌ له يعيش النقص، وأنّه إذا أراد أن يجبر نقصه عليه أن يتوجّه إلى مصدر الغنى الذي لا ينفد، فأيُّ الوسائل يستخدم؟
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[2]. ومفهوم القرب مفهوم قرآنيّ يشمل كلّ أنواع النِّسب، فلو كانت نسبة الشيء إلى الإنسان حقيقيةً كنسبة النَّفس والبدن والسَّمع والبصر إليه، أو نسبةً اعتبارية كالزَّوجة والولد والدَّار والمال، فإنَّ الله تعالى وحده يملك الإذن في استقرار النِّسبة بينه وبين ما يملك، وبالتالي يكون الله تعالى هو الحائل بين الإنسان ونفسه، والحائل بينه وبين ما يملك، وهو ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[3]، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾[4].
إذاً، ملك الله تعالى لعباده ملكٌ حقيقي، وكونهم عبادَه موجبٌ لكونه تعالى قريباً منهم، وهذا "الملك الموجب لجواز كلّ تصرف، شاء كيفما شاء، من غير دافع ولا مانع, يقضي أنَّ لله سبحانه أنْ يُجيب أيّ دعاءٍ دعا به أحدٌ من خلقه، ويرفع بالإعطاء والتصرُّفِ حاجتَه التي سأله فيها"[5].
10
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
المقدمة الرابعة: إجابة الدُّعاء مشروطةٌ
قد يحصل وهمٌ ما عند بعض الناس نتيجة الكلام السّابق، فيتوهّم أنّ إجابة الله تعالى للدعاء ينبغي أن تتحقَّق دائماً، فالإنسان دائماً هو مملوك لله، وهو مفتقر إليه حتماً، والله قريب منه دائماً، فمتى ما دعاه أجابه؟
يؤكّد القرآن الكريم على "شرط صدق الدُّعاء"، فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[1]، يشتمل على إجابة الدُّعاء، ولكنّه أيضاً يوضح علَّة الإجابة بقوله: "إِذَا دَعَانِ".
فالاستجابة للدعاء، إذاً، مبنيَّةٌ على مقدِّمات: أن يكون الدَّاعي عبداً لله تعالى، وكونه عبداً يعني أنَّه قريبٌ من الله تعالى، والقرب منه هو الموجب للإجابة. فكلُّ قريبٍ عابدٌ لله داعٍ له، دعوتُه مستجابة. وكلُّ عبدٍ لا يكون قريباً لله فإنَّ دعوتَه غيرُ مستجابة.
يقول العلامة الطباطبائي قدس سره: "وعد الإجابة المطلقة، إنَّما هو إذا كان الدَّاعي داعياً بحسب الحقيقة مريداً بحسب العلم الفطري والغريزي، مواطئاً لسانُه قلبَه، فإنَّ حقيقةَ الدُّعاء والسُّؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أُديرَ صدقاً أو كذباً، جدّاً أو هزلاً، حقيقةً أو مجازاً"[2].
المقدّمة الخامسة: الدُّعاء عبادَةٌ
يؤكّد القرآن الكريم على أنّ الدُّعاء في حقيقته هو أجلى صور العبادة، وأنقى أسلوب يعتمل به كيان الإنسان في إبراز العبودية لله تعالى. وهذا الأمر - أي الدُّعاء - يعدُّ ميزاناً حقيقياً لقياس عبودية الإنسان لله تعالى، فالإنسان الذي يأتي بالدُّعاء على وجهه وشروطه وتتحقّق له الاستجابة هو إنسانٌ بلغ في العبودية مداها الأوسع.
11
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[1]، نلاحظ أنّ الآية الكريمة قد دعت إلى الدُّعاء بالمعنى الذي تقدَّمَ شرحُه، ثمَّ جعلت الذين يرفضون هذا الدُّعاء خارجين عن معنى العبودية لله تعالى، فالدُّعاء هنا هو العبادة، والعبادة هي الدُّعاء[2]. وهذه الآية تؤكّد التّرابط الشّديد الذي بيّناه حول العلاقة بين العبوديّة والمملوكيّة والفقر والقرب، وأثر ذلك في تحقيق التَّواصُل الأسمى بين الله وعباده.
ولا يخفى أنَّ غايةَ الإنسان في وجوده هي تحقيق العبادة لله تعالى، وذلك مؤدَّى قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[3]، فالدُّعاء بمعناه المتقدّم, هو المحرِّك الأساس في حركة العبوديَّة اتّجاه الله جلّ وعلا.
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "الدُّعاء هو العبادة التي قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[4]".
ثالثاً: الدُّعاء في حركة الأنبياء عليهم السلام
يفرد لنا القرآن الكريم شواهدَ كثيرةً من حياة الأنبياء العظام عليه السلام، تنبئنا عن أهميّة الدُّعاء في حياتهم الرّسالية والشّخصية، ومن هذه النّماذج:
1- آدم عليه السلام وحواء عليها السلام:
إنّ قصّة آدم وحواء عليها السلام التي انتهت بخروجهما من جنتهما، قد بيّنها القرآن الكريم وأوضح لنا حجم الأسى الذي ركب قلبيهما لارتكابهما مخالفة الأمر الإلهي
12
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
"الإرشادي"[1]، إذ قالا: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[2]. وهذه الآية من آيات الأدعية التي دعا بها الأنبياء عليهم السلام.
نلاحظ في هذا الدُّعاء أموراً:
- وقف النّبي آدم عليه السلام وزوجه موقفَ الالتجاء إلى الله تعالى، ولم ييئسا من زوال النعمة، بل بادرا إلى التعلّق به تعلّق العبد بالمالك، والفقير بالغني المطلق.
- الدُّعاء يبدأ بنداء الله تعالى بصفة الرَّبوبية[3], لأنَّ صفة الرُّبوبية تشتمل على كلّ ما يدفع به الشرُّ ويُـجْلب به الخير.
- ويذكر الدُّعاء أنَّ السَّبب الذي دفعهما إلى الدُّعاء والالتجاء إلى الله تعالى، هو أنَّهما استشعرا الخسران الوشيك الذي أطلّ برأسه عليهما. وهذه الحالة من الشّعور بالخسارة ناجمةٌ عن الشّعور بالنَّقص والفقر الشّديد الذي لا يمكن أن يجبرَه أحدٌ سوى الله تعالى.
- والواضح أنَّ النَّبي آدم عليه السلام وحواء يُظهران أدَباً كبيراً مع الله في توبتهما وطلبهما العفو والغفران منه تعالى, فلم يقولا "ربّنا اغفر لنا"، بل قالا: ﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا﴾، وكأنَّهُ طلبٌ غيرُ مباشرٍ للمغفرة، فيه الكثيرُ من الحياءِ والخجل.
- لم يبقَ بعد الإقرار بالذَّنب، والفقرِ والنَّقص، والإذعان بالربوبيَّة لله والعبوديَّة، إلا طلب المغفرة من الذَّنب الحاصل، وكذلك الرَّحمة الجابرة لما فاتَ والتي تفتح لهما بوَّابة القرب الإلهي مجدَّداً[4].
13
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
والذي يدّقق في هذا الدُّعاء المختصر، يجد أنَّه يتضمَّن كلّ العناصر التي سبق أنْ قدَّمناها في الرُّؤية القرآنية، والتي حقَّقت الإجابة الإلهية لدعائهما، إذ قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[1].
2- دعاء النبي إبراهيم عليه السلام:
يقول تعالى حكاية عن النبي إبراهيم عليه السلام: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾[2].
يعدُّ هذا الدُّعاء من الأدعية الجميلة التي نقلت عن الأنبياء عليهم السلام، وبالخصوص عن أبيهم إبراهيم عليه السلام، والذي جاء القرآن بدعائه لنا من أجل أن نتعلَّم من أدب إبراهيم عليه السلام في مخاطبة الله ودعائه.
- أوّل ما نلاحظه في هذا الدُّعاء هو الأسلوب الذي بدأ به إبراهيم عليه السلام في الدُّعاء، إذ بدأ بثناء جامع أدرج فيه عناية ربّه به، من بدء خلقه إلى أن يعود إلى ربّه، وأقام فيه نفسه مقام الفقر والحاجة كلّها، ولم يذكر لربّه إلا الغنى والجود المحض.
- ومن جملة ذلك الأدب أنَّه راعى في بيانه نسبةَ المرض إلى نفسه في قوله: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ فنسب المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربّه، بدعوى أنَّه لا يصدر منه إلا الجميل.
14
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
- صُدِّر الدُّعاء بالإذعان بالربوبية، وهو مفتاح نجاح كلّ دعاء كما رأينا، ثمَّ يطلب إبراهيم عليه السلام من الله تعالى أنْ يعطيه (الحكم)، والذي هو عبارة عن "الحكمة" المقترنة بالاستعداد للتنفيذ والعمل. ولا شكّ أنّ إبراهيم عليه السلام كان يتمتَّع بمقام "الحكم"، لكنّه كان يطلب المزيد, لأنَّه ليس للحكمة حدٌّ معيّن. وقد يفهم من الآية أنّ إبراهيم عليه السلام يعلم أنّ "الحكم" نعمةٌ قد يسلبها الله في أيّ وقت, ولذلك هو يؤكّد على دوامها من الله تعالى.
- ثمّ لنلاحظ ما اختاره لنفسه من الطّلبات، "إذ اختار ما هو أعظم وأفخم، فسأل الحكم وهو الشَّريعة واللحوق بالصَّالحين، وسأل لسان صدق في الآخرين، وهو أن يبعث الله بعده من يقوم بدعوته، ويروّج شريعته، وهو في الحقيقة سؤالٌ أنْ يخصّه بشريعةٍ باقيةٍ إلى يوم القيامة، ثم سأل وراثة الجنّة ومغفرة أبيه وعدم الخزي يوم القيامة"[1].
- ثمّ لنلاحظ كلمة (تخزني)، وهي مأخوذة من مادّة (خزي) والذي "معناه الذلّ والانكسار الروحي الذي يظهر على
وجه الإنسان من الحياء المفرط"[2]، أو من جهة الآخرين حين يحرجونه ويخجلونه. وهذا التعبير من إبراهيم عليه السلام، بالإضافة إلى أنَّه درسٌ للآخرين، هو دليلٌ على منتهى الإحساس بالمسؤولية والاعتماد على لطف الله العظيم[3].
15
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
مفاهيم رئيسة
1- يعرَّف الدُّعاء في اللغة بكون الدَّاعي على حالةِ "أن تَميل الشيءَ إليك بصوتٍ وكلام يكون منك".
2- يعرّف الدُّعاء في الاصطلاح بأنّه عبارة عن توجيه نظر المدعوّ إلى الدَّاعي، ويتأتَّى غالباً بلفظٍ أو إشارة.
3- تتلخّص النظرة القرآنية للدعاء بأنّه عبارة عن: "قيام الدَّاعي بنصب نفسه في مقام العبودية والمملكوية، والاتّصال بمولاه بالتَّبعية والذلّ، ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه".
4- تتشكّل الرؤية القرآنية للدعاء بعدد من المقدّمات أهمّها:
- يعيش الإنسان مملوكيةً كاملةً لله تعالى، فالإنسان ما دام إنساناً فإنَّه يحمل في جبلّته الفقر الذَّاتي إلى الله تعالى، وهو معنى العبودية الحقيقية لله تعالى.
- إنّ ملك الله تعالى لعباده ملكٌ حقيقي، وكونهم عبادَه موجبٌ لكونه تعالى قريباً منهم، وهذا يقضي أنَّ لله سبحانه أنْ يُجيب أيّ دعاءٍ دعا به أحدٌ من خلقه.
- الدُّعاء مشروط بأن يكون الدَّاعي صادقاً صدقاً قلبيا ولفظيا.
- الدُّعاء هو العبادة، والعبادة هي الدُّعاء، وبالتالي يعد الدُّعاء ميزاناً حقيقياً لقياس عبودية الإنسان لله تعالى، فالإنسان الذي يأتي بالدُّعاء على وجهه وشروطه وتتحقّق له الاستجابة هو إنسانٌ بلغ في العبودية مداها الأوسع.
5- نجد في القرآن الكريم نماذج جميلة من أدعية الأنبياء، كالدعاء الذي دعا به النبي آدم عليه السلام وحواء عليه السلام بعد إخراجهما من جنّتهما، ودعاء ابراهيم عليه السلام.
32
16
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة
للمطالعة
الدعاء، طلب عون الخالق في العمل والبناء
لا يظنّنّ أحد أنْ لا دور للدعاء والمناجاة في حياة الشعب الذي يعيش نهضة إعمار! على العكس، إنّ شعباً يختار طريقاً صعباً، ويريد أن ينجز عملاً جبّاراً، عليه أن يفتح ـ إلى جانب العمل والجهد والسعي ـ باباً واسعاً للدعاء والإقبال على الله وطلب العون منه. عندما تنظرون إلى تاريخ الإسلام، ترون أنّ المعصومين عليهم السلام، ومنهم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء والتوسّل في ساحات الحرب، وفي الشدائد وعظائم الأمور. لا يحقّ لأحد أن يقول: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين في صدر الإسلام لم يعملوا أو يكدّوا، فليس هناك جهد أكبر ممّا بذلوه. لقد كانت تلك السنوات العشر التي كان الرسول فيها حاكماً للمجتمع الإسلامي، سنواتٍ ملؤها العمل والكدّ، ولكن في الوقت نفسه، إلى جانب العمل والكدّ، كان لدعاء ربّ العالمين والتضرّع والإنابة إليه واستغفاره والطلب منه والسؤال مكانة خاصّة. إذا أراد شعبٌ أن يكون موفّقاً في الطريق الذي يسلكه، فعليه إصلاح علاقته مع الله، وإذا أراد إنجاز أعمالٍ عظيمة، يجب أن يطلب المدد من الله. وإذا أراد الإنسان إزالة خوف الأعداء من قلبه، فعليه التخلّص من خوفه من القوى العظمى, فإنّ سبب تعاسة الشعوب خوفها من الأقوياء والمتعنّتين والسفّاحين الدوليّين...
إذا أراد الإنسان أن لا يخاف من القوى العظمى، فعليه أن يخاف الله. إنّ قلباً تملؤه مخافة الله ومحبّته، ويملؤه الإقبال على ربّه، سوف لن يخاف من أيّ قوة, ففائدة الدعاء هي هذه. إنّ السرّ الأكبر لنجاح إمامنا الخمينيّ العظيم ـ الذي كان كما رأيتم، واقفاً ثابتاً كالجبل ـ هو صموده تحديداً, وهو ما حصل عليه من خلال علاقته بالله تعالى, هذه هي فائدة العلاقة مع الله[1].
17
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
يتعرّف إلى معالم الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام.
يفهم العلاقة بين الدُّعاء والقدر.
يفهم كيف يستجيب الله الدعاء ولا يرّده.
35
18
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
تمهيد:
الدُّعاء هو روح العبادة وحقيقتها، وقد مرّ معنا في الدرس السابق شرح حقيقة الدُّعاء في القرآن الكريم، ونجد هذه الحقيقة الساطعة أيضاً عند أهل البيت عليهم السلام، الذين يشكّلون الدعامة الثانية التي يقوم عليها الطريق إلى الله تعالى، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"[1]. وبالتالي سيكون هدفنا في هذا الدرس هو عرض أهمّ معالم الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام.
معالم الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
1- الدُّعاء ضرورة
يعيش الإنسان في هذه الدُّنيا وهو معرَّضٌ لأنواع من النّقص، والضرر المادية منها والمعنوية. وإذا كان دفع الضَّرر ورفع النّقص متيسِّراً له، فإنّ العقل وكذلك السنّة يحكمان بضرورة دفع الضرر، وجبر النقص. والدُّعاء, من الوسائل التي ثبت
[1] العاملي، الشيخ الحرّ: وسائل الشيعة، ج27، ص34، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 هـ، ط2.
36
19
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
في الشَّرع الشّريف أنّها تستطيع أن تدفع الضرر عن الإنسان, لأنّها تربطه بمسبّب الأسباب النَّافع الضّارّ عزَّ وعلا، فلا بدّ للإنسان من أن يعتمد على الدُّعاء في كلّ ما فيه ضرر ويشوبه نقص.
وأمّا الضّرورات فإنَّها مختلفة بحسب اختلاف النَّاس، ومواقعهم في سلّم السير والسلوك إلى الله تعالى، فضرورات العوام غالباً لا تخرج عن كونها من ضرورات المطعم والمشرب والملبس وغير ذلك، وضرورات أهل المعرفة تكون من باب طلب المعارف، وضرورات أهل المحبّة هي لقاء المحبوب ومعرفة شؤونه. ولا يرفع ضررَ كلّ طائفةٍ بحسبها شيءٌ مثل الدُّعاء.
فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّه قال: "ما من أحد ابتُلي، وإن عظمت بلواه، أحقّ بالدُّعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء"[1]، يقول الشيخ الجليل ابن فهد الحلي في التعليق على هذه الرواية: "ظهر من هذا الحديث احتياج كلّ أحد إلى الدُّعاء، معافى ومبتلى. وفائدته رفع البلاء الحاصل ودفع السوء النازل، أو جلب نفع مقصود، أو تقرير خير موجود ودوامه ومنعه من الزوال"[2].
وقد قال الله تعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾[3]، فالدُّعاء أمرٌ مطلوب في كلّ أحوال الإنسان الذي لا تخرج أحواله عن حالتي الخوف والرجاء، فالدُّعاء ضرورةٌ حثّ عليها أهل البيت عليهم السلام في موارد كثيرة.
2- الدُّعاء والمعرفة
إنَّ حاجة الإنسان الدائمة إلى سدِّ النَّقص فيه ودفع الضَّرر عنه، تجعله يبحث عمّن يستطيع أن يؤمّن له هذه الحاجة في كلّ زمان ومكان، وهذا ما نسمّيه بدافع
20
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
المعرفة. فلا يمكن للإنسان أن يرفع حاجاته وعناوين نقصانه إلى جهة مجهولة غير معلومة إطلاقاً أو جزئياً، بل مقتضى العقل أن يبحث الإنسان عن أفضل من يقدر على ملء فراغ احتياجه وإرواء ظمأ نقصه. والله سبحانه وتعالى هو الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تؤمِّن لكلّ الناس، باختلاف مواقعهم، احتياجاتِهم المتنوّعة. ومعرفته تعالى على أنَّه هو السَّبب الأساس والعلّة الرَّئيسة في تقدير كلّ الأمور، معرفة لا بدّ منها لكي يوجَّه الإنسان بها دعاءه.
عن الرَّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال لأبي ذر رضوان الله عليه: "احفظ الله يحفظك الله، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله, فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، ولو أنّ الخلق كلّهم جهدوا على أن ينفعوك بما لم يكتبه الله لك ما قدروا عليه"[1]، فالرّواية الشَّريفة هذه تبيِّن لنا حصريَّة النفع والإعانة والحفظ بالله تعالى. وموضع الشاهد هنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم "تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة" فعلى الإنسان أن يدعو الله في الرَّخاء ولا ينساه، فإذا جاء وقت الشدّة استجاب دعاءه ولم ينسه. وذلك أنَّ نسيان الله في الرَّخاء يعني أنَّ الإنسان يذعن بأنَّه لا حاجة لله تعالى في الرَّخاء، وأنّه يتّكل على الأسباب دون الله تعالى. ثمّ لو دعا ربّه في الشدّة، فإنّ معنى ذلك أنَّه يُذعن بالرّبوبية في حال الشدّة فقط، وعلى هذا التقدير، يكون الإنسان متوجِّهاً إلى ربٍّ ينفع وقت الشدَّة دون وقت الرَّخاء "وليس تعالى على هذه الصِّفة، بل هو ربّ في كلّ حال وعلى جميع التَّقادير, فهو لم يدْعُ ربَّه"[2].
21
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
3- الدُّعاء يقوِّي المعرفة
عندما يتَّجه الإنسان إلى الله تعالى فإنَّه سوف يبدأ بالتَّفكير بأنَّ الله قادرٌ وعالم بما خفي عنَّا وبما ظهر وبأنَّه محيطٌ بجميع الأسرار، وهذا ما سوف يرفع من مستوى معرفة الإنسان، بخاصّةٍ إذا كانت الأدعية المقروءة من الصّحيفة السّجادية أو المناجاة الشَّعبانية أو الصَّباح أو كميل أو النُّدبة، التي تضمّ أرقى الدُّروس المعرفيّة والإلهيّة. وعلى هذا، فالدُّعاء يوقد نورُ المعرفة في قَلْبِ الإنسان.
وقد يأتي سؤال مشروع حول عبارة الدُّعاء في شهر رجب: "يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه"[1]، فكيف يعطي الله من لم يعرفه؟ فما فائدة المعرفة والدُّعاء؟
"الجواب: إنّ لفيض الله وبركاته أقساماً وأنواعاً:
- قسم يمنحه الله لجميع البشر، مثل الغيث، فالجميع من الكافر والمؤمن والعارف وغيره يفيدون منه.
- وقسم من البركات تُمنح للعارفين والمؤمنين ولا تشمل غيرهم.
- وقسم من البركات والفيضِ يُمنح للداعين فقط دون غيرهم"[2].
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله بعضهم عن سبب عدم استجابة الدُّعاء أنَّه أجابهم: "لأنّكم تدعون من لا تعرفونه"، فالمعرفة مرتبطةٌ بحقيقة الدُّعاء وجوهره ارتباطاً جذرياً.
4- الدُّعاء والعبادة
إنَّ النقطتين السّابقتين يوصلانا إلى نتيجةِ أنّ حقيقةَ الدُّعاء هي دفع الإنسان نحو إلهٍ واحدٍ تنحصرُ به جهة المساعدة ودفع الضرر، ونفي أيِّ قدرةٍ لغيره تعالى
22
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
في أن يقوم بهذه الدّور. فالدُّعاء بهذا المعنى ظلُّ العبادة، بل هو نفسها, لأنَّ الدَّاعي حقيقةً لا يمكن له أن يتوجَّه إلى غير الله تعالى، والعبادة أيضاً تحصرُ جهةَ العبودية به تعالى، فكلُّ دعاءٍ عبادةٌ، وكلُّ عبادةٍ دعاءٌ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "الدُّعاء مخّ العبادة"[1].
ولذلك كثرت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام التي تجعل الدُّعاء بموازاة العبادة، فلا يجوز أن يدّعي إنسان العبودية لله ثم يترفَّع عن الدُّعاء, لأنّ الترفُّع عن الدُّعاء يُخفي في حقيقته استقلال الإنسان بحاجته عن الله، والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء﴾[2].
والقرآن الكريم صريح وواضح في أنَّ العبادة هي الغاية من خلق الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[3]. وقد أوضحت آية أخرى حقيقة العبادة الدُّعاء في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[4]، فالآية "تجعل مطلق العبادة دعاء، حيث إنّها تشتمل الوعيد على ترك الدُّعاء بالنار, والوعيد بالنار إنَّما هو على ترك العبادة رأساً لا على ترك بعض أقسامه دون بعض، فأصلُ العبادة دعاء"[5].
5- الدُّعاء أقوى من القدر
من المعالم البارزة للدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، حقيقة أنّ الله تعالى جعل الدُّعاء حاكماً على القدر، بل هو من القدر إلا أنَّه أعلى مرتبة من غيره من
23
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
التقديرات. فإذا كان أمرٌ ما مقدَّر الحصول، بل كان وشيكَ الوقوع مُبرَماً، لما ردَّه وبدّل مساره إلا الدُّعاء لله تعالى، فقد روي عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال لزرارة: "ألا أدلّك على شيء لم يستثن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: بلى، قال: الدُّعاء يرد القضاء وقد أُبرم إبراماً - وضم أصابعه -"[1].
وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "عليكم بالدُّعاء, فإنَّ الدُّعاء والطلب إلى الله عزّ وجلّ يردّ البلاء، وقد قدّر وقضى، فلم يبقَ إلّا إمضاؤه فإذا دُعي الله وسُئل، صرَفَ البلاء صرفاً"[2]. وهذه الروايات وغيرها تؤكّد حقيقةً راسخةً, وهي أنّ الله سبحانه وتعالى قد فتح أبواب رحمته إلى حدود واسعة، ولم يبقَ على الإنسان إلا أن يلتفت إلى ضرّه وفاقته، ويبادر نفسَه بالدُّعاء قبل وقوع القضاء ونزول القدر.
إشكال وردّ
قد يُشكل بعض الناس حول علاقة الدُّعاء بالقدر، إذ قد يقول بأنّ الحاجة المدعوّ لها إذا كانت مقدّرةً فهي واجبة الحصول، وإن لم تكن مقدّرة فلا يمكن أن تحصل، فما فائدة الدُّعاء؟
ويجيب السيّد الطباطبائي قدس سره على ذلك بقوله: "إنَّ فرض تقدير وجود الشَّيء لا يُوجب استغناءه عن أسباب وجوده، والدُّعاء من أسباب وجود الشَّيء, فمع الدُّعاء يتحقّق سببٌ من أسباب الوجود فيتحقَّق المسبَّبُ عن سببه، وهذا هو المراد بقولهم: إنّ الدُّعاء من القدر"[3].
فرتبة الدُّعاء في مقام حصول الأشياء وعدمها إن لم تكن في رتبةِ الأسبابِ الأُخرى نفسها، فهي مقدَّمةٌ عليها كما ظهر في النُّصوص المتقدِّمة، وبالتالي فإنّ
24
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
الدُّعاء متى ما وقع كان سبباً مستقلّاً لحصول الحاجة المدعوّ لها، ويتغيَّر لذلك مجرى القدر إلى قدرٍ جديد، ولذلك كان "الدُّعاء من القدر".
6- الدُّعاء لسان الفقر ونفي الأنا
يعتبر وعي الفقر الذاتي الذي جُبل عليه الإنسان من الأمور المهمَّة التي يستثيرها الدُّعاء، وذلك أنّ من طبيعة الحياة الدُّنيا أنَّ الإنسان فيها يعاني من مرضٍ شرسٍ وهو مرضُ الغفلة، يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾[1]، والغفلة تولِّدُ مرضاً آخر، واسمه مرض حبّ النفس وتوهُّم استقلالها في النّفع والضّرر. يثيرُ الدُّعاء في الإنسان حقيقةَ الفقر الكامل الذي ينبغي أن يقف عنده في هذه الدُّنيا، وأن يتوجَّه إلى الغنيّ الذي لا تنفد خزائنه.
يقول الله تعالى: ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾[2]، فالله هو القيوم على هذا العالم، ويعني هذا أنَّ عالم الوجود مرتبط به سبحانه.
"وإدراك هذا الغنى واجبٌ، كما أنّ إدراك فقر الإنسان واجب أيضاً. إذا أدرك الإنسان "الفقر" فلن تأتي "الأنانية" إلى الوجود. والروح الفرعونية موجودةٌ في الجميع. وإذا تهيَّأت الأرضيّة المناسبة فإنّ أكثر الناس تقول: "أنا ربّكم الأعلى" إلا من استطاع كسر أنانيته"[3].
إنّ الدُّعاء والمناجاة مع الله يقلع جذور هذه الأنانية من الإنسان، فيرى نفسه ضئيلاً أمام الله، وفي الوقت نفسه، الذي يطلب فيه شيئاً من الله فإنَّه يثبت الغنى المطلق لله تعالى والفقر المطلق لنفسه عملياً.
نستطيع من خلال وعي الحاجة والفقر أن نكتشف علاقة الدُّعاء بالاستجابة،
25
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
ونفهم كيف يكون الدُّعاء مفتاحاً لرحمة الله، وكيف يستنزل الدُّعاء رحمة الله تعالى. يجسّد كلّ دعاءٍ درجةً من وعي الفقر، ويعبِّر عن مرتبةٍ من مراتب وعي الحاجة إلى الله. وبقدر ما يكون وعي العبد لحاجته إلى الله أكثر يكون دعاؤه أقرب إلى الاستجابة، وتكون رحمة الله أقرب إليه. فليس مِن شحٍّ ولا بُخلٍ في رحمة الله تعالى، وإنَّما يختلف حظُّ النّاس من رحمة الله لاختلاف أواني نفوسهم و أوعيتها. وعي الحاجة والفقر هو وعاء الإنسان الذي ينال به رحمة الله، وكلّما يكون وعيه لفقره إلى الله أكثر، يكون وعاؤه الذي ينال به رحمة الله أكبر.
"والله تعالى يعطي كلّاً بقدر وعائه, وكلّ ينال من رحمة الله بقدر ما يتَّسع له وعاؤه، وكلَّما كان وعاؤه أكبر كان حظُّه من رحمةِ الله أعظم"[1]. ويمكننا في هذا السِّياق أن نختصر علاقة الدُّعاء بالفقر في ثلاث كلمات:
أ- "الفقر إلى الله.
ب- الوعي لافتقاره إلى الله.
ج- رفع الفقر ونشره وبثّه بين يدي الله"[2].
والفقر غير وعي الفقر، فقد يكون الإنسان، وهو الفقير إلى الله في كلّ شيءٍ، غيرَ واعٍ لفقره إلى الله، وقد يكون واعياً لفقره إلى الله، ولكنّه لا يحسن أنْ يرفع فقرَه إلى الله وينشره ويبثُّه بين يديه، ولا يُحسن السُّؤال والطَّلب والدُّعاء من الله، وعندما تجتمع هذه الكلمات الثَّلاث يتحقَّق الدُّعاء. إذاً، الحاجة والفقر من منازل رحمة الله تعالى، وحيثُ يكون الفقرُ وتكونُ الحاجة تجدُ رحمةَ الله تعالى.
وهذا المعنى من الفقر، والوعي له، ونشره بين يدي الغني المطلق، تجده في مناجاةٍ بليغةٍ ومؤثرةٍ للإمام السجاد عليه السلام، يقول فيها:
26
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
"مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المَوْلى وَأَنا العَبْدُ، وَهَلْ يَرْحَمُ العَبْدُ إِلاّ المَوْلى؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المالِكُ وَأَنا المَمْلُوكُ، وهَلْ يَرْحَمُ المَمْلُوكَ إِلاّ المالِكُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ العَزِيزُ وَأَنا الذَّلِيلَ، وَهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إِلاّ العَزِيزُ. مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ الخالِقُ وَأَنا المَخْلُوقُ، وَهَلْ يَرْحَمُ المَخْلُوقَ إِلاّ الخالِقُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ العَظِيمُ وَأَنا الحَقِيرُ، وهَلْ يَرْحَمُ الحَقِيرُ إِلاّ العَظِيمُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ القَوِيُّ وَأَنا الضَّعِيفُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الضَّعِيفَ إِلاّ القَوِيُّ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَأَنا الفَقِيرُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الفَقِيرَ إِلاّ الغَنِيُّ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المُعْطِي وَأَنا السَّائِلُ، وَهَلْ يَرْحَمُ السَّائِلُ إِلاّ المُعْطِي"[1].
7- الدعوة والاستجابة
يَظهر من روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ دعاء الله سبحانه دائماً ما يكون له حظٌّ من الاستجابة. وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى لا يمكن أنْ يرُدّ دعاء عبدٍ يطلب منه حاجةً, لأنّ ردّ الله للدعاء فيه يستطبن إنكار شّيء من ربوبيته عزّ وعلا، والله يأبى أن تنتزع الربوبية منه وتعطى لغيره، وبالتّالي كان لا بدّ له تعالى أنْ يستجيب لدعاء الدَّاعي طالما أنَّه يدعو لحاجات مشروعة. من الممكن أن لا تكون الاستجابة حالّةً، أو أنْ تكونَ على طبق المدعوّ له، ومن الممكن أن تكون كذلك أيضاً، والمعيار في نوعية الاستجابة يذكره سيّد المتّقين الإمام علي عليه السلام فيما روي عنه في نهج البلاغة، في وصية لابنه الإمام الحسين عليه السلام: "ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِه، بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيه مِنْ مَسْأَلَتِه، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعاء أَبْوَابَ نِعْمَتِه، واسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِه، فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِه، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، ورُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لأَجْرِ السَّائِلِ، وأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ، ورُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلَا تُؤْتَاه، وأُوتِيتَ خَيْراً
[1] الإمام علي بن الحسين عليهما السلام, الصحيفة السجادية، ص387، السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الأصفهاني (تحقيق)، قم، نمونه، 1411هـ، ط1.
44
27
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
مِنْه عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَه فِيه هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَه، فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُه، ويُنْفَى عَنْكَ وَبَالُه"[1].
وموضع الشاهد هنا قوله عليه السلام "فإنّ العطيّة على قدر النيّة", لأنّها تعني أنّ الاستجابة تطابق الدّعوة، "فما سأله السّائل منه تعالى على حسب ما عقد عليه حقيقةَ ضميره وحمله ظهر قلبه هو الذي يؤتاه، لا ما كشف عنه قوله وأظهره لفظه، فإنّ اللفظ ربّما لا يُطابق المعنى المطلوب كلّ المطابقة كما مرَّ بيانه، فهي أحسن جملة وأجمع كلمة لبيان الارتباط بين المسألة والإجابة"[2].
وفي الرّواية الشَّريفة إشارات لطيفة لموارد عدّة قد يظهر للدّاعي فيها عدم استجابة الدُّعاء، ولكنّه تخلّفٌ ظاهريٌّ لا غير، وحقيقةُ الأمر أنَّ الله تعالى له تدبيرٌ حكيمٌ في كيفيَّة الاستجابة وتوقيتها.
فالقاعدة إذاً، تقتضي أنّ الدُّعاء الموافق للشُّروط، دعاءٌ يعود على صاحبه بالنَّفع يقيناً، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "مَا أَبْرَزَ عَبْدٌ يَدَه إِلَى الله الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ إِلَّا اسْتَحْيَا الله عَزَّ وجَلَّ أَنْ يَرُدَّهَا صِفْراً حَتَّى يَجْعَلَ فِيهَا مِنْ فَضْلِ رَحْمَتِه مَا يَشَاءُ, فَإِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَرُدَّ يَدَه حَتَّى يَمْسَحَ عَلَى وَجْهِه ورَأْسِه"[3].
28
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
مفاهيم رئيسة
يقوم الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام على دعائم أساسية عدة، لا بد للداعي وأن يتلفت إليها في مقام الدُّعاء، خاصة أن الالتزام بإرشادات أهل البيت عليهم السلام هو من دواعي الهداية.
كون الإنسان يعيش في عالم النقص ويتعرض فيه للضرر، فلا بد له من دفع الضرر، والدعاء هو من الوسائل الشَّريفة التي جعلها الله تعال رافعة للضرر ومتممة للنقص.
حاجة الإنسان وسد النقص، تدفعه للبحث عن الجهة التي بمقدورها أن تسد هذا النقص وترفعه، وبالتالي لا يمكن أن يتوجه الإنسان بالدعاء إلى جهة مجهولة، بل لا بد له أن يتعرف عليها، وكلما ازدادت معرفته بها، كلما تمّ دعاؤه.
إنّ حقيقةَ الدُّعاء هي دفع الإنسان نحو إلهٍ واحدٍ تنحصرُ به جهة المساعدة ودفع الضرر، ونفي أيِّ قدرةٍ لغيره تعالى في أن يقوم بهذه الدّور. فالدُّعاء بهذا المعنى ظلُّ العبادة بل هو نفسها، لأنَّ الدَّاعي حقيقةً لا يمكن له أن يتوجَّه إلى غير الله تعالى.
لقد جعل الله تعالى الدُّعاء حاكماً على القدر، بل هو من القدر إلا أنَّه أعلى مرتبة من غيره من التقديرات. فإذا كان أمرٌ ما مقدَّر الحصول، بل كان وشيكَ الوقوع مُبرَماً، لما ردَّه وبدّل مساره إلا الدُّعاء لله تعالى.
إنّ الدُّعاء والمناجاة مع الله يقلع جذور هذه الأنانية من الإنسان، فيرى نفسه ضئيلاً أمام الله، وفي نفس الوقت الذي يطلب فيه شيئاً من الله فإنَّه يثبت الغنى المطلق لله تعالى والفقر المطلق لنفسه عملياً.
إن الله يستجيب الدُّعاء إذا كان دعاءً صحيحاً، لأن الله لا يمكنه أنَّه يرد الدُّعاء، لأنه إذا ردّه دفع بالإنسان إلى أن يبحث عن ربّ غيره، وهو محال.
46
29
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام
للمطالعة
الدّعاء سلاح المؤمن، وأفضل عبادة
إنّ الدعاء مفتاح الخزائن الإلهيّة، سلاح المؤمن، وأفضل عبادة, يدفع البلاء ويجلب النعمة والرحمة الإلهيّة. إنّ ثمار الدعاء الوفيرة جعلته مخّ العبادة وأفضلها، ومن يعش دون هذا السلاح، تكن حياته ضياعاً وعجزاً يبقَ بلا مأوى.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأصحابه: "ألا أدلّكم على سلاحٍ ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: تدعون ربّكم بالليل والنّهار, فإنّ سلاح المؤمن الدعاء"[1].
فمن أراد السعي، عليه أن يحمل سلاح الدعاء، ومن وقع في سجال مع عدوّ أو في حادثة أو بليّة، فعليه بسلاح الدعاء.
وعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: الدُّعاءُ يدْفَعُ الْبَلاءَ النّازِلَ وَما لَمْ ينْزِلْ"[2]. يعني إذا لم تدعوا، سيصيبكم البلاء.
فقد أعطى الله تعالى الإنسان وسيلةً، يستطيع من خلالها أن يحصل على ما يريد وهي الطلب من الله تعالى.
نُقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "...ثمّ جعل في يدِكَ مفاتيحَ خزائنه، بما أَذِنَ فيه من مسألته"[3]. فالإذنُ الذي أعطاهُ الله تعالى لك لتطلُبَ منه ما بدا لك، هو مفتاحُ جميع الخزائن الإلهيّة. فإذا استخدم الإنسان هذا المفتاح (أي الطلب من الله) على النحو الصحيح، فلا شكّ أنّ الله سيعطيه ما يطلبه. عن الإمام علي عليه السلام: "...فمتى شئت استفتحت بالدُّعاء أبواب نعمته"[4].[5]
30
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أهمّ مميزات الدُّعاء المأثور، وأفضليّته على سائر الأدعية.
2- يفهم القواعد الأساسية للدعاء المأثور.
3- يحلِّل معنى المعصية والتوبة في الدُّعاء المأثور.
49
31
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
أولاً: ما هو الدُّعاء المأثور؟
الأَثْرُ في اللغة: "مصدر قولك أَثَرْتُ الحديث آثُرُه إِذا ذكرته عن غيرك. ومنه قيل: حديث مأثور, أي ينقله خلف عن سلف"[1]. وبالتالي، يكون الدُّعاء المأثور، هو الدُّعاء الذي وصل إلينا من السلف الصَّالح، وهو عبارة عن[2]:
1- الدُّعاء المأخوذ من القرآن الكريم: وهي كلّ الأدعية التي ذُكرت في القرآن الكريم: من قبيل قوله تعالى: ﴿وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[3]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[4].
2- الدُّعاء المأخوذ من الحديث المنتهي إلى أهل البيت عليهم السلام: وذلك بأن يكون الدُّعاء من جملة آثارهم عليهم السلام، وهو ما لا حصر له، فلا تُطالع كتاباً حديثياً أو تفسيرياً إلا وتجد فيه الأدعية حاضرة بقوّة، فضلاً عن المصنفَّات الخاصّة بذلك.
32
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
فالدُّعاء المأثورُ إذاً هو كلّ دعاءٍ وصلَ إلينا من الأدعية التي وردت في القرآن الكريم، وعن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطَّاهرين عليهم السلام، حصراً.
ثانياً: لماذا التأكيد على الدُّعاء المأثور؟
لقد تقدَّم في الدروس الماضية الحديث عن أهمّية الدُّعاء من خلال القرآن الكريم والسنَّة الشَّريفة, في علاقة الإنسان بخالقه وفي كافّة مستويات السير والسلوك إلى الله تعالى. فهل للدُّعاء المأثور خصوصيَّة ما تفرق عن غيره من أصناف الدُّعاء؟ والحقّ، أنّ الدُّعاء المأثور يتمتّع بميّزات فريدة منها، أنَّ الدُّعاء المأثور:
1- مساحة لبيان العقائد: ونعني بذلك، أنّ الدُّعاء يقوم بمهمَّة وصفِ طيفٍ واسعٍ من المسائل العقائدية وعرضها كالتَّوحيد بأقسامه، وخصائص النبوة، وميّزات الإمامة والأئمّة عليهم السلام، ويوم القيامة وأحواله، وجملة أخرى من المسائل الهامّة التي توضح الإطار العقائدي الذي ينبغي أن يمارسه الفرد والأمّة. ودعاء المعصوم هو الأفضل في ميدانه في وصف تلك المعارف, لأنّ "الوصف فرع المعرفة، ومن الواضح بأنَّ المعصوم عليه السلام هو الأعظم معرفةً منَّا بالله تعالى"[1]. والعقائد ينبغي أن تكون يقينيَّة, لأنَّ الظنَّ في العقائد موجب للهلاك، فإنَّ ﴿الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾[2]، ويقول العلامة الحلي قدس سره في ذلك: "دعاء الإمام مفيدٌ لليقين، ولا شيء من دعاء غير المعصوم بمفيد لليقين، فلا شيء من الإمام بغير معصوم"[3].
2- يوافق الشَّريعة: فالأدعية المأثورة، هي أدعيةٌ خرجت من مكمن الوحي ومعدن الرّسالة، فلا يمكن أن تحتوي على ما يخالف الشّريعة، أو تحضَّ على أمرٍ يعارض
33
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
في روحه جوهرَ الشّريعة، ولا يضمن هذا الأمر، إلا نصٌّ وضعَهُ من له المعرفة التامّة بأحكام الله ودينه، ولا تجد ذلك إلا في دعاءٍ مأثورٍ من القرآن، وكذلك من السنَّة الشَّريفة.
3- مهذّب النُّفوس: الدُّعاء المأثور، قيِّمٌ على تهذيب النُّفوس بحسب الموازين الإلهيّة التي تضمن شفاء كلّ داءٍ معنويّ، وتتميم كلّ نقصٍ روحيّ، وغير خافٍ أنّ تهذيبَ النُّفوس وإشباعها بالأخلاق الربّانية والمعاني الإلهية - كلّ بحسبه - من المقاصد الأساسية الشَّريفة للدين الإسلامي. ويُشْعِر بذلك العديد من الآيات والروايات من قبيل: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[1]، إذ قدَّم التَّزكِيَةَ القلبيةَ على الحكمة العقليّة لعظيم خطر القلب. ولا نجد بعد القرآن الكريم ونصوص أهل البيت عليهم السلام -ومنها الدُّعاء المأثور- ما يضمن تحقيق هذا الهدف العظيم.
4- قدرته على تحقيق الأهداف: إنَّ الغاية من الدُّعاء هي: "تحقيقُ أهدافه بأقصر الطرق، وذلك من خلال الألفاظ المؤثِّرة المشحونة بالتواضع والعاطفة، التي تُثير شفقة ورحمة الباري سبحانه، ولتحقيق هذا الهدف لابدَّ من الأخذ بأدعية المعصوم عليه السلام، فهي الأوفر حظّاً فيما ذكرنا"9.
ثالثاً: قواعد أساسيّة في الدُّعاء المأثور
هناك علاماتٌ أساسيّةٌ تحيطُ بمفهوم الدُّعاء المأثور، وهي تخفي في داخلها طابعاً إشكالياً, ولذلك لا بدّ من عرضها لما فيها من فائدةٍ ودرءٍ للشبهات:
1- الأصل هو الدُّعاء بكلّ لسان: المراد من ذلك أنَّه لا دليل على وجوب كون الدُّعاء مقتصراً على الأدعية المأثورة، إذ يصحّ أن يكون الدُّعاء من تأليف الدَّاعي. والدليل على ذلك ما روي عن إسماعيل بن الفضل، قال: "سألت أبا عبد
34
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
الله عليه السلام عن القنوت، وما يقال فيه قال: "ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئاً موقّتاً"[1]، والمروي عن زرارة، قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: علّمني دعاء، فقال: إنَّ أفضلَ الدُّعاء ما جرى على لسانك"[2]. فإذا جاء التَّرخيص في قنوت الصَّلاة، فهو في غيره أصرح. وبالتالي، يمكن أن يدعو الدَّاعي بأيّ كلام يخرج على لسانه, لأنّ المطلوب هو دفع المكلفين إلى إبداء الذلّة والمسكنة إلى الله تعالى، وقد يكون في تقييد الدُّعاء بالقيود - مثل لغة خاصّة أو نصّ معين - الكثير حرمان للكثير من الناس من فوائده.
2- أصالة تقديم الدُّعاء المأثور: تقدَّم قبل قليلٍ جوازُ الدُّعاء بكلِّ لسانٍ وأنَّه يمكن الدعاء بما يجري على اللسان، لكن ذلك لا يمنعُ من وجودِ أصلٍ للدعاء ينبغي مراعاته، وهو ينصُّ على الاستحباب المؤكّد للالتزام بالدُّعاء المأثور. روي عن عبد الرحيم القصير، قال: "دخلت، على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت: جعلت فداك، إنّي اخترعت دعاء، قال عليه السلام: دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: كيف أصنع؟ قال: تغتسل وتصلّي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة، وتشهد تشهّد الفريضة، فإذا فرغت من التشهّد وسلّمت، قلت: اللهمّ أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام..."[3]. فقد أمر الصادق عليه السلام بترك الدُّعاء المخترع، وعلّم صاحبَه دعاءً بعينه. وقد تكرَّر هذا الأمر في عددٍ آخر من المواقف يظهر فيها تشديدُ أهل البيت عليهم السلام على ضرورة الالتزام بالدعاء المأثور، كما في هذه الرواية: عن عبد الله بن سنان، قال: "قال أبو عبد الله عليه السلام: "ستصيبكم شبهةٌ فتبقون بلا علمٍ يُرى ولا إمام هدى، ولا
[1] الإحسائي، ابن أبي جمهور: عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية، ج2، ص45، السيد شهاب الدين النجفي المرعشي (تقديم)، الحاج آقا مجتبى العراقي(تحقيق)، قم، مطبعة سيد الشهداء، 1983م، ط1.
[2] العاملي، الشيخ الحرّ: هداية الأمّة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، ج3، ص126، قسم الحديث في مجمع البحوث الإسلامية (تحقيق)، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، 1412هـ، ط1.
[3] - الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص476.
53
35
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، فقلت: "يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبِّت قلبي على دينك"، قال: "إنّ الله عز وجل مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك، يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك"[1]. وبالتَّالي، فإنَّه لا بدَّ للدَّاعي - إذا أراد أن يقرأ الدُّعاء المأثور- بأن يدعو به كما جاء لفوائد مرَّت قبل قليل.
3- الدُّعاء بالمأثور سيِّد الأدعية: لقد ورد في الآيات الكريمة والروايات الشَّريفة الأمر باتّباع أهل الذّكر عليهم السلام كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[2]، وقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾[3] والذّكر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ﴾[4]. وقد ورد في الروايات الأمر بقراءة الأدعية المروية عنهم، وذكرت المثوبات الموعودة المترتّبة عليها المضبوطة في كتب الدعوات، مضافاً إلى ذكرهم ونقلهم الأدعية الواردة عن كلّ واحد، "ليقطع بأفضلية الدّعوات المأثورة عنهم على غيرها، مضافاً إلى أنّ شرف الكلام بقدر شرف المتكلّم, ولهذا قيل: إنَّ كلام الملوك ملوك الكلام. والحاصل أنَّ تقدُّمَ اختيار ما ورد عنهم من الأدعية على الدُّعاء الذي يؤلِّفه الشَّخص بسليقته ولسانه ممَّا لا ريب فيه ولا شبهةَ تعتريه"[5].
[1] الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي الحسين بن بابويه القمي: كمال الدين وتمام النعمة، ص352، علي أكبر الغفاري (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، 1405م، ط1.
[2] سورة آل عمران، الآية 31.
[3] سورة الأنبياء، الآية 7.
[4] سورة الطلاق، الآيتان 10-11.
[5] الأصفهاني، ميرزا محمد تقي، مكيال المكارم: ج2، ص54، السيد علي عاشور(تحقيق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1421هـ، ط1.
54
36
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
4- حكم الزيادة في الدُّعاء المأثور: عرفنا أنَّ الأدعية المأثورة هي نصوصٌ مرويةٌ عن أهل البيت عليهم السلام والقرآن الكريم، وبالتالي فالزيادة فيها كما قد يفعل بعض الناس فيها وجهان:
الأول: إذا كانت الزّيادة بمعنى الورود والإضافة على نصّ المعصوم، فإنَّها ممّا لا يجوز.
الثَّاني: أن تكون الزيادة بمعنى كونها ذِكراً، فإنه لا حرمة فيه, لأنَّ "ذكر الله حسنٌ على كلّ حال"[1]، غاية الأمر أنَّه منهي عنه نهياً إرشادياً كما تقدَّم في رواية عبد الله بن سنان. فالأولى أن يتمسَّك الدَّاعي بالنَّص المأثور من دون الزّيادة عليه, لأنّه قد يُدخل في الدُّعاء ما لا داعي منه، أو ما قد يُفسده.
5- المحافظة على الترتيب في الأدعية المأثورة: الظَّاهر أنَّ الوجه في النَّهي - بمعنى الكراهة - عن الإخلال بتركيب الأدعية، ما قد يُقالُ بأنَّ لكلِّ دعاءٍ وذكرٍ أثراً خاصّاً: "كالأدوية والعقاقير، لكن لا يحصل الأثرُ المقصودُ منها إلا بالتَّرتيب والتَّركيب المأخوذ عن الطبيب الحاذق، وإن كان لها أثر أيضاً بغير ذلك الترتيب، فكذلك الدعوات والأذكار لا يحصل الأثر الخاصّ منها إلا بمراعاة الكيفية الخاصَّة المأثورة عن الأئمّة الطاهرين الذين هم أطبّاء النّفوس, ولذلك قال عليه السلام: "ولكن قل كما أقول لك"[2] وعلى هذا يكون الأمر إرشادياً فلا ينافي أدّلة الجواز، أو يحمل على الأفضل.
6- عدم اللحن في قراءة الدُّعاء المأثور: الأساس في الدُّعاء هو أن يخرج من قلبٍ محترقٍ معترفٍ بالحاجة والاستكانة لله تعالى، وأما سلامة ألفاظ الدُّعاء وخلوّها من الخلل في النّحو والتركيبات، فهو يأتي في المقام الثاني بعد نورانيَّة القلب،
37
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
إذ قد ينشغل الدَّاعي بالاهتمام بالألفاظ ولا يلتفت إلى المعاني فلا يحصل من الإجابة على شيء. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "تجد الرَّجل لا يخطئ بلام ولا واو، خطيباً مِصْقَعاً[1]، ولقلبه أشدّ ظلمةً من الليل المظلم"[2]. نعم، إنَّ إغفال جانب اللفظ وحسن التعبير في الدُّعاء يحطّه عن مرتبة الكمال اللازم في كلّ جوانب الدُّعاء من لفظه ومعناه، ولابدّ للدّاعي العارف المتمكِّن من ذلك، أن يتَّصف به، فيكون دعاؤه بمستوى ما يطلب من المقام الرَّفيع المنشود، فالاهتمام باللفظ السّليم والصَّحيح، دليلٌ على اهتمام الدَّاعي بآداب الدُّعاء، وقد روي عن الإمام الجواد عليه السلام قوله: "ما استوى رجلان في حسبٍ ودينٍ قطّ إلا كان أفضلهما عند الله آدَبَهُمَا"[3].
رابعاً: شموليّة الدُّعاء المأثور
قد يطرأ على بال المرء أنّ الأبواب التي لم يرد فيها الدُّعاء المأثور كثيرة، وبالتالي يمكن له أن يلجأ إلى اختراع أدعية فيها. والصَّحيح، أنّ الاطلّاع الوافي على الأبواب التي جاء فيها الدُّعاء المأثور، يوقفنا على حقيقة أنَّ الشَّريعة جعلت لكلِّ بابٍ من أبواب الحوائج دعاءً خاصاً، فيكاد المرء لا يخطو خطوةً أو يقوم ويقعد أو يكون في حلّ أو ترحال، أو غير ذلك من أحوال، فرداً كان أم جماعة، إلا وهنالك أدعيةٌ مأثورةٌ. وعلى سبيل المثال نذكر النَّماذج الآتية من كتاب وسائل الشّيعة:
من الدُّعاء المأثور الدُّعاء: "عند النظر إلى الماء، وعند الاستنجاء والمضمضة والاستنشاق، وغسل الأعضاء، وفي الحمام، والاطلاء بالنّورة والغسل، وعند رؤية الجنازة وحملها، وعند زيارة القبور، وعند القيام إلى الصَّلاة، وعند القيام من النّوم، وعند سماع صوت الدّيك، وعند النّظر إلى السّماء، وعند الوضوء، وعند
38
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
القيام إلى صلاة الليل، وفي السّجود وبين السّجدتين، وعند النّوم، وإذا انقلب على جنبه، وفي المسير، ولمن سافر وحده، أو بات وحده، وعند الإشراف على المنزل، وعند النّزول، ولمن ركب البحر، وعند الحجر الأسود، وبعد ركعتي الطّواف، وقبل القتال[1]، وعند دخول السّوق، وقبل الأكل وبعده..."[2].
ويكفيك أن تراجع بعض كتب الدّعوات كمفاتيح الجنان، وغيره، لكي تجد طيفاً واسعاً من الدعوات لكلّ حالات الإنسان وأوضاعه الماديّة والمعنويّة المختلفة.
وفضلاً عن ذلك، قام أهل البيت عليهم السلام بوضع عددٍ كبيرٍ من الأدعية التي تشكّل بنفسها مدخلاً هاماً لطلب الحوائج من الله مهما كانت هذه الحوائج، كدعاء السّمات والمشلول وغيرهما على سبيل المثال.
وبالتالي، إذا أراد الإنسان، أنْ يدعوَ الله سبحانه وتعالى في أيّة حالة من حالاته التي ورد فيها دعاءٌ مأثورٌ، فإنَّ له في الأدعية المأثورة ما يغنيه. وإنْ أراد أنْ يطلب حاجةً بعينها، ولم يكن وردَ فيها دعاءٌ مأثور، فإنَّه سيجدُ عدداً وافياً من الأدعية المأثورة التي قيلت في سياق طلب الحوائج من الله سبحانه وتعالى، فعلى أيّ الأحوال يستطيع الإنسان أن يتّكل في دعائه على المأثور من الأدعية، طالما أنَّها مظنَّة الفلاح.
خامساً: الذنب والتوبة في الدُّعاء المأثور
قد يتساءلُ الإنسانُ عن سرِّ وجود ذلك الكمِّ الكبير من الأدعية التي لا تخلو من اعترافٍ بالذَّنب، والنَّدم على المعاصي، وارتكاب للسيئات، وغير ذلك من الأفعال
[1] ومنه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء الأمير عليه السلام:"لمّا توافق الناس يوم الجمل، خرج عليّ صلوات الله عليه حتى وقف بين الصفّين، ثمّ رفع يده نحو السماء، ثمّ قال: يا خير من أفضت إليه القلوب، ودُعي بالألسن، يا حسن البلايا، يا جزيل العطاء، احكم بيننا وبين قومنا بالحقّ، وأنت خير الحاكمين". الميرزا النوري، ميرزا حسين: مستدرك الوسائل، ج11، ص108، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، بيروت، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1987م، ط1.
39
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
والمفردات المستلزمة لتوهّم الخدش في عصمة المعصوم الذي أُثرت عنه تلك الأدعية. فهل ذنوب الإمام كذنوبنا، فيها المخالفة لأوامر الله سبحانه، وفيها المعصية ومخالفة الشريعة؟! إنّ هذه الذّنوب هي أمور أخرى، وبلحاظٍ آخر يختلف عن ذنوب العوام؟!
من المسلّم به أنّ المعصوم حين يتوجّه بالدعاء ويدعو، يكون الدُّعاء منه حقيقياً وواقعياً, لأنّه لا مجاز في الدُّعاء، فكلّ ما يدعو به يكون على نحو الحقيقة والطَّلب الحقيقي، ولو كان الدُّعاء الصادر منهم فيه جنبةٌ تعليميَّة وتربويّة على طريقة "إياكِ أعني واسمعي يا جارة". فكيف نجيب عن ذلك؟
إنّ اعتقادنا الراسخ بوجوب العصمة في الأئمّة والأنبياء عليهم السلام وضرورتها لهم, لأنّهم يتحدّثون إلى الخلق عن الله سبحانه وتعالى، يدفعنا إلى القول بأنّ الأدعية التي وردت عن المعصوم عليه السلام والتي تضمنّت الاعتراف بالذنوب والخطايا، وتضمنّت الاستغفار وطلب التوبة والاستقالة منها، لا شكّ ولا ريب أنّها تعني معنىً غير الذي نفهمه ونعرفه من أنفسنا حين نغرق في الذّنوب والخطايا، وحين نطلب العفو والاستقالة منها. فالمعصوم عليه السلام ولشدّة كماله وانقطاعه إلى الله يرى أنَّه يجب أن تكون أوقاته مستغرقة ومتمحّضة دائماً وأبداً في خدمة الله وطاعة الله، ففي أيّة لحظة من لحظات وجوده وحياته، كان أيُّ انشغالٍ منهم - في مأكل أو مشرب أو أيّ عمل غير العبادة من الأمور المباحة والضرورية الحياتيّة - يعتبره ذنباً ويعدّه انشغالاً عن عبادة الله المحضة، وإنْ كانت الانشغالاتُ المتعلِّقةُ بأمور المعاش ومصاحبة العباد عبادةً وطاعةً من جهة أخرى كما لا يخفى. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللَّهُمَّ إِنْ يَكُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إِلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ النَّادِمِينَ، وإِنْ يَكُنِ التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إِنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبِينَ، وإِنْ يَكُنِ الِاسْتِغْفَارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإِنِّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ. اللَّهُمَّ، فَكَمَا أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ، وضَمِنْتَ الْقَبُولَ،
58
40
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
وحَثَثْتَ عَلَى الدُّعَاءِ، ووَعَدْتَ الإِجَابَةَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، واقْبَلْ تَوْبَتِي، ولَا تَرْجِعْنِي مَرْجِعَ الْخَيْبَةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ، والرَّحِيمُ لِلْخَاطِئِينَ الْمُنِيبِينَ"[1].
فالذَّنب في فلسفة الكمال الإلهي يعني ترك الارتقاء في السلّم الكمالي والانحدار بلا توقُّف، وبذلك يكون تارك المندوب وفاعل المكروه مُنحدراً بلا توقُّف، وهذا الانحدار حاصل حتماً، سواء أكان الُمذنب متعمّداً أم مجبراً، فالمريض إذا ترك الدواء عمداً، أو سهواً كما لو انشغل عنه بانشغالات ما، أو اضطراراً فالنتيجة واحدة، وهي عدم التماثل للشفاء. و "إذا كان الأمر كذلك، فإنَّ نظرة العبد للطاعة والمعصية سوف تختلف تماماً، بل سوف يحصل انقلاب في حركته التَّكامليّة، وعندئذٍ سوف نفهم بعمقٍ معنى ندم الإنسان في الدَّار الآخرة على كلّ نَفَسٍ تنفَّسَه بغير ذكرِ الله تعالى"[2].
ومن هنا كان الدّعاء كمالاً للداعي المعصوم، وزيادة في تعلّقه بالله تعالى، وتثبيتاً لنيّة التقرّب إلى الله تعالى في كلِّ انشغالٍ وعملٍ يقوم به. على ما في هذه الأدعية من فائدة جلى في تربية النَّاس على ضرورة العودة والأوبة إلى الله تعالى كلّما غرقوا في ذنبٍ ووقعوا في معصيةٍ، وفي كلِّ تراجعٍ لهم عن نيلِ كمالٍ أو زيادةٍ في اكتمال.
وهذا الجواب، هو من أهمّ الأجوبة التي أخذ بها علماؤنا وتلقّوها بالقبول والرضا، وهو من إفاضات العلامة الأربلي[3].
41
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
مفاهيم رئيسة
1- الدُّعاء المأثور هو الدُّعاء الذي وصل إلينا من السلف الصَّالح، ويؤخذ هذا الدعاء من مصدرين: القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشَّريفة، وتراث أهل البيت عليهم السلام.
2- يتمتّع الدُّعاء المأثور بميزات مهمّة، ومنها أنّ الدعاء: هو مساحة لبيان العقائد، وأنّه يوافق الشَّريعة، وأنّه يهذّب النُّفوس، وأنّ لديه القدرة على تحقيق الأهداف.
3- لا بدّ وأن نلتفت إلى عدد من المقدمات التي تعيننا في فهم موقعية الدعاء المأثور: أن القاعدة تقتضي الدُّعاء بكلّ لسان، ولكن حينما يكون هناك دعاء مأثورٌ فمن المستحسن الدعاء به, لأنّ الدُّعاء بالمأثور سيِّد الأدعية، وأنّه لا يجوز الزيادة فيه إن ترتّب عليه الزيادة العمدية أو النقصان في كلام المعصوم.
4- لقد وصلت إلينا مجموعة ضخمة من الأدعية المأثورة النافعة في أغلب - إن لم نقل كلّ - الموارد التي يحتاج إليه الإنسان.
5- لا بدَّ وأنّ فهم قضيَّة الذّنب الذي يستغفر منه المعصوم يكون بمعنى ترك الارتقاء في السلّم الكمالي، والذي هو انحدارٌ بلا توقُّف، سواء أكان المذنِبُ متعمِّداً أم مجبوراً.
60
42
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور
للمطالعة
الدعاء عامل مناعة ضدّ كمائن الأعداء
إنّ كلّ عمل حسن تقومون به من إحسان، إطعام، مساعدة شخصٍ ما، سؤال شخص مستحقّ عن أحواله، القيام بشيء من أجل المحرومين، تقديم شيء للمجتمع الإسلاميّ، أو عمل شيء لتطوير حياة النّاس، يُعتبر عبادة.
لدينا العبادات الفرديّة، الاجتماعيّة، والسياسيّة. ولدينا عبادات أصيلة خالصة لآناء الليل، وما يختصّ بأوقات الدعاء والمناجاة وأوقات الكلام مع الله والتضرّع. ولكلٍّ من هذه العبادات درجة. كلّ واحدة من هذه تجعلكم أقوياء كالفولاذ المصقول، وتجعل هؤلاء الشباب أشدّاء، محمييّن من الخطأ، لا يضرّهم تسلّل الشيطان أو العدوّ أو عوامل الفساد، صامدين في وجه الغزو الثقافي. كما تجعلهم يقفون في وجه الخدع الثقافيّة ـ التي يستخدمها البعض لجذب قلوب بعض البسطاء ـ والمصائد التي يرمونها على طريق الشباب. كما إنّ هناك بعض الإغراءات التي لا تقوم بها إلا "النفس" بعينها! قد يكون المال، الشهوة، المنصب، أو قد تكون لذّة لا يرضاها الله تعالى, لا شيء يجبركم على هذه الأمور سوى النّفس، التي هي أعدى أعدائكم."أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك"[1]، والدعاء يحميك من كلّ هذه الأمور, فلتدركوا قدر هذا الشهر ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾...
وهكذا يكون الحضور أمام الله. عندما تصلّي ستشعر بالطمأنينة، ستنجو من اضطراب وتلاطم أمواج الروح. عندما تناجي وتتضرّع لله ستُنقّي روحك وتُضفي عليها صفاءً، وتُبعد عنها الخبائث. عندما تصومون، فإنّكم تجعلون أنفسكم كالفولاذ أقوياء مصقولين، فإنّ ما يمكن أن نحصل عليه من خلال العبادات هو شيءٌ ثمينٌ للغاية"[2].
43
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية الدرس أن:
1- يتعرّف إلى معنى الشَّفاعة وأركانها.
2- يبيّن علاقة الشَّفاعة والتوسُّل بالدعاء.
3- يعرف الشفعاء وشروط الشفاعة.
63
44
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
مدخل
التوسُّل والشَّفاعة من المفاهيم العقائدية التي درج على الاعتقاد بها جمهرة المسلمين[1]، وهي وإن لم تكن من أصول الدين التي يوجب عدم الاعتقاد بها الخروج من الإسلام، إلا أنّها من الأمور المهمّة في بناء العلاقة التوحيدية مع الله تعالى. ويلتقي الحديث على الدُّعاء مع التوسُّل والشَّفاعة، في أنّ الكثير من الأدعية والأذكار التي تقرأ في مناسبات مختلفة، وكذلك في أماكن مختلفة كالمساجد وقبور المسلمين، تتضمّن التوسُّل والشَّفاعة. وبالتَّالي، سنقوم في هذا الدرس بإضاءةٍ مركَّزة على حقيقة التوسُّل والشَّفاعة، وأهمِّيتهما في الدُّعاء إلى الله تعالى.
1- الشَّفاعة لغةً واصطلاحاً
الشَّفاعة في اللغة معناها: "الشيءُ صيّرَه شفعاً أي زوجاً" و"ضمُّ الشيء إلى مثله"[2]، يقال كان وتراً فشفّعهُ بآخر "أي قرنهُ به".
45
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
وأمّا التعريف الاصطلاحي فإنّه لم يخرج عن الدّلالة اللغوية كثيراً, إذ الشَّفاعة هي: "عبارة عن طلبه (الشفيع) من المشفوع إليه أمراً للمشفوع له، فشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره عبارة عن دعائه الله تعالى لأجل الغير وطلبه منه غفران الذَّنب وقضاء الحوائج، فالشَّفاعة نوع من الدُّعاء والرجاء"[1].
فالشَّفاعة هي انضمام فردٍ ناقص إلى فردٍ أتمّ منه، وغاية الفرد المستشفِع أن ينالَ من الشفيع تلك الوسيلة الناقصة التي تَجبُر ما لدى المستشفع من النَّقص والحاجة والضَّرر، فيتقوَّى بها. فالشَّفاعة، من الأمور التي نستعملها "لإنجاح المقاصد، ونستعينُ بها على حوائج الحياة، وجلُّ الموارد التي نستعملُها فيها: إمّا موردٌ يُقصد فيه جلب المنفعة والخير، وإمّا موردٌ يطلبُ فيه دفع المضرّة والشرّ"[2].
2- العناصر المكوّنة لمفهوم الشَّفاعة:
يتمحور مفهوم الشَّفاعة حول طلب الوسيلة من الشَّفيع من أجل جلب منفعةٍ أو دفع مضرّة، ولكن لا بدَّ من أن نقفَ عندَ عددٍ من العناصر التي يتألَّف منها هذا المفهوم:
أ- مورد الشَّفاعة:
تنفع الشَّفاعة في الموارد التي يريد فيها الإنسان أن يحصل على كمالٍ وخيرٍ مادّيّ أو معنوي، أو يدفع عنه ضرراً مادّياً أو معنوياً، ولكنّه لا يملك المؤهّلات والأسباب التي تسمح له بالحصول على الخير أو الأمن من الضَّرر، لتأتي الشَّفاعة وتحقِّقَ له ذلك.
46
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
ب- ضرورة وجود اللياقة لتلقّي الشَّفاعة:
إذا كان الإنسان طالباً خيراً أو كمالاً أو هارباً من ضررٍ أو شرّ، فهو يكون مورداً للشّفاعة، ولكن بشرط أن يتمتّع باللياقة المناسبة والشُّروط الذّاتية التي تؤهِّله للحصول على الشَّفاعة. فالأميّ - مثلاً - "الذي يريدُ تقلُّدَ مَقامٍ علمي، أو الجاحدُ الطَّاغي الذي لا يخضع لسيِّده أصلاً، لا تنفع عنده الشَّفاعة"[1].
ج- الشَّفاعة تتمِّم الناقص:
لا تكون الشفاعة من أجل إيجاد الخير والكمال من العدم، وعند من لا يملكها بالكلّية، وإنَّما تأتي الشَّفاعة لتتمِّم النَّاقص من الكمالات وأنواع الخير، أو لتكمّل ما نقصَ من أسباب دفع الشرّ "فالشَّفاعة متمِّمةٌ للسَّبب لا مستقلةٌ في التَّأثير"[2].
د- حكومة الشَّفاعة:
تنفعُ شفاعة الشَّفيع بعد أن يَخرجَ موضوعُ الشَّفاعة - من خيرٍ أو ضررٍ - من كونه مورداً للحكم الأوّل ويدخل في مورد الحكم الثاني، وهذا ما يسمى بالحكومة "ونعني بالحكومة أن يخرج مورد الحكم عن كونه مورداً بإدخاله في مورد حكم آخر، فلا يشمله الحكم الأوّل لعدم كونه من مصاديقه، لا أن يشملَه فيبطل حكمُه بعد الشمول"[3].
والذي يتحصَّلُ هنا، أنَّ الشَّفاعة إنَّما هي من تطبيقات قانون السَّببية, لأنَّها عبارةٌ عن إدخال سببٍ جديدٍ بين السَّبب الأصلي والمسبَّب الخاص به. ومن هنا يظهر أنَّ الشَّفاعة متى ما وقعت كان لها القدرة على التَّغيير في مجريات الأسباب ومسبّباتها، فهي من جنس الأسباب وليست من سنخ خوارق العادة.
47
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
هـ- الشَّفاعة لا تغيِّر في إرادة الله تعالى:
قد يفهم بعض الأشخاص أن الشفاعة هي عبارة عن حملِ الشافعِ المشفوعَ عنده على فعل أو ترك، فلا تتحقّق الشفاعة
إلا بترك الإرادة ونسخها لأجل الشفيع، والعادة تقضي أن يكون تغيّر الإرادة مترتّباً على تغيّر العلم بالمصلحة المستجدّة. والله سبحانه وتعالى يستحيل عليه ذلك, لأنّ إرادته على حسب علمه، وعلمه أزليّ لا يتغيّر، وبالتالي فلا صحّة للقول بالشفاعة. والحقّ أنّ الشفاعة عنده ليست ناشئة من التغيّر في الإرادة والعلم، بل إنّما هو تغيُّرٌ في "المراد والمعلوم، فهو سبحانه يعلم أنّ الإنسان الفلاني ستحوّل عليه الحالات، فيكون في حين كذا على حال كذا لاقتران أسباب وشرائط خاصّة فيريد فيه بإرادة، ثمّ يكون في حين آخر على حال آخر جديد يخالف الأوّل لاقتران أسباب وشرائط أُخر، فيريد فيه بإرادة أخرى، وكلّ يوم هو في شأن، وقد قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[1]"[2].
3- الدَّور التوحيدي للشَّفاعة:
تظهر فوائد الشَّفاعة في الدور التربوي الذي تمارسه عبر تطهيرِ النَّاس وإيقاظهِم ودفعهِم نحو الله تعالى، فضلاً عن تحقيق الحوائج من كسبِ كمالٍ أو دفعِ مضار، لأنَّ الشَّفاعة لا يمكن أن تحصلَ إذا لم يحصِّلْ المشفوع له المؤهّلات واللياقات اللازمة، وسيأتي معنا مجموعة من الشروط التي ينبغي أن يتحلَّى بها الفردُ لنيلِ الشَّفاعة. فالشَّفاعة بهذا المعنى، تمارس دوراً توحيدياً كاملاً في ربط المشفوع له بالله سبحانه وتعالى[3]، وتجلية اعتقاده من كلّ مؤثّر ومسبّب سواه، وإن كان للشّفعاء
48
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
من دورٍ في هذا الأمر فإنَّما هو دور الوساطة التي لا تنفع إلا بإذن الله تعالى، كما سوف يأتي.
4- أنواع الشَّفاعة
تنقسم الشَّفاعة باعتبار موضوعها إلى قسمين:
أ- الشَّفاعة التّكوينية: "وهي توسُّط الأسباب في التكوين"[1]، والذي يظهر من خلال القرآن الكريم وجود العديد من الأسباب والوسائط التي تمارس أفعالاً وتدبيراتٍ تكوينيةً، كإرسالِ الرياح، وبعث المطر، وتسيير الكواكب، والتدبير في الرزق، وقبض الأرواح، وغيرها، بل إنّ كلّ تأثير في العالم المادّي أوكله الله تعالى إلى غيره وبالخصوص الملائكة[2]، فهم "وسائط بينه تعالى وبين الأشياء بدءاً وعوداً على ما يعطيه القرآن الكريم، في العالم المشهود قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده. أمّا في العود أعني حال ظهور آيات الموت وقبض الروح وإجراء السؤال وثواب القبر وعذابه وإماتة الكلّ بنفخ الصور وإحيائهم بذلك والحشر، فوساطتهم فيها غنيّ عن البيان"[3]. وكلّ ذلك بإذن الله تعالى بالتصرف والتدبير، وإلا فهم فقراء إلى الله تعالى، والله هو الغني!
والشَّفاعة التكوينية تعد من خصوصيات أهل الشَّفاعة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، كما في قوله جلّ وعلا: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[4]، والذين هم النَّبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليه السلام. فمن الطبيعي أن يكون التوجّه إليهم بالشَّفاعة من أجل الطلب من الله تعالى تقديم سببٍ تكوينيٍ على سببٍ آخر، والدُّعاء لطالب الشَّفاعة عند الله تعالى بتبديل
49
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
حال ضرّه إلى منفعته، ونقصه إلى كماله. وهذا المورد هو من موارد تفسير الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾[1] بأهل البيت عليهم السلام[2].
ب- الشَّفاعة التَّشريعيَّة: وهي عبارة عن "التوسُّط في مرحلة المجازاة التي تثبتها الكتاب والسنّة في يوم القيامة"[3]، والمقصود من ذلك أنَّه بعد أن أرسل الله سبحانه الكتب والأنبياء مبيناً للإنسان تكاليفه والشرائع التي ينبغي له أن يسير عليها، والأوامر والنواهي، والثواب والعقاب، فلو أخطأ الإنسان وخالف ما نهي عنه أو لم يقم بما أمر به، فهل يبقى هناك مجال لرفع تبعات المخالفة؟ بل هل من الممكن أن تزاد درجات الثواب لمن أُمر فأطاعَ ونُهي فانتهى؟ يثبت القرآن الكريم وجود الشَّفاعة التشريعية الرافعة للعقاب في العديد من الآيات، كمثل قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾[4]، وقوله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾[5]. والآيات تثبت الشَّفاعة بعد الإذن والارتضاء، وهو "تمليك ولله الملك وله الأمر فلهم أن يتمسّكوا برحمته وعفوه ومغفرته، وما أشبه ذلك من صفاته العليا، لتشمل عبداً من عباده ساءت حاله بالمعصية، وشملته بليّة العقوبة، فيخرج عن كونه مصداقاً للحكم الشامل، والجرم العامل"[6], أي يخرج هذا العبد المذنب - بعد قبول الشَّفاعة - من كونه مصداقاً للعقاب، إلى حُكمٍ جديدٍ قوامه العفو ببركة الشَّفاعة.
50
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
5- على من تجري الشَّفاعة؟
قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾[1].
تظهر هذه الآيات الكريمة، معياراً لمن يمكن أن تناله الشَّفاعة. فالأنفس، كلّ نفسٍ، مرهونةٌ يوم القيامة بما كسبت من الذّنوب، إلا أصحاب اليمين الذين نالوا شرفَ الفكاك من الرهن فاستقرّوا في الجنان، وكان سبب ذلك أنَّهم نزّهوا أنفسهم عن الصِّفات التي اتَّصف بها غيرهم فكانوا مجرمين يستحقّون النار، وحُرموا الشَّفاعة، وهذه الصفات هي:
أ- كونهم من المصلين، والمراد من الصَّلاة هنا "التوجّه العبادي الخاصّ إلى الله سبحانه فلا يضرُّه اختلاف الصَّلاة كمّاً وكيفاً باختلاف الشَّرائع السَّماويَّة الحقَّة"[2]، وبالتالي فإنّ هؤلاء المستحقّين لسقر، كانوا يرفضون التوجّه بالعبادة إلى الله تعالى بكافّة أنواع التوجّهات، ومنها الصَّلاة والدعاء وغيرهما.
ب -إطعام المسكين، وهو عبارة عن مطلق الإنفاق على المحتاج في سبيل الله.
ج - والخوض هو الغور في ملاهي الحياة وزخارف الدنيا الصارفة للإنسان عن الإقبال على الآخرة.
د - ذكر الحساب يوم الدين.
51
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
وعدم التلبُّس بهذه الصفات الأربع، يهدم أركان الدين, لأنّها تستلزم الخلل في بقية الأركان كالتوحيد والنبوة وغيرها. يقول السيد الطباطبائي قدس سره مبيّناً الجهة التي تستفيد من الشَّفاعة التشريعية انطلاقاً من الآيات الكريمة المتقدِّمة: "أصحاب اليمين هم الفائزون بالشَّفاعة، وهم المرضيّون ديناً واعتقاداً سواء كانت أعمالهم مرضيّة غير محتاجة إلى شفاعة يوم القيامة أو لم تكن، وهم المعنيّون بالشَّفاعة، فالشَّفاعة للمذنبين من أصحاب اليمين، وقد قال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا﴾[1]، فمن كان له ذنب باقٍ إلى يوم القيامة فهو لا محالة من أهل الكبائر، إذ لو كان الذنب من الصغائر فقط لكان مكفّراً عنه، فقد بان أنّ الشَّفاعة لأهل
الكبائر من أصحاب اليمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل[2]"[3].
6- الشفعاء:
وسائط الشَّفاعة التي يصحّ التوجّه إليها أصناف عدّة، ومنها:
أ - العمل الصالح: قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[4].
ب - الأنبياء والرسل: قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾[5].
52
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
ج - الأنبياء والعلماء والشهداء: في الخصال: عن علي عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء"[1].
7- التوسُّل والشَّفاعة
التوسُّل من اتِّـخاذ الوسيلة، والتي هي عبارةٌ عن "ما يُتقرَّبُ به إلى الغير"[2]، وبالتالي يكون التوسُّل إلى جهةٍ معينة عبارةً عن اتِّخاذها وسيلةً للتقرُّب بها إلى جهةٍ أخرى أعلى، من أجل قضاء الحوائج على اختلاف أنواعها. ولذلك نجد أنَّ معنى التوسُّل قريبٌ جداً من معنى الشَّفاعة، وأما القول بأن الشَّفاعة مختَّصة بالعصاة[3]، يعارضه ما ذهب إليه السيد الطباطبائي قدس سره[4] من أن الشَّفاعة التكوينية وكذلك التشريعيَّة هما لله تعالى، ومن بعده للعديد من الجهات التي منها من لا يصدر منه الذَّنب كالأنبياء والأئمّة مثلاً. وبالتالي، فالتوسُّل هو من أفراد الشَّفاعة، وأحد التعبيرات المعبّرة عنها. فالتوسُّل يفيدُ فائدة الشَّفاعة في الأمور التكوينيَّة وكذلك التشريعيَّة، بالمعنى المتقدّم آنفاً.
8- الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
يكثر في الأدعية المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام ذكر الشَّفاعة والتوسُّل، بل وفي الرِّوايات المرويَّة عنهم كذلك، ومن ذلك:
[1] الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: الخصال، ص156، علي أكبر الغفاري(تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة،1403هـ، ط2.
[2] الجوهري، الصحاح، ج5، ص1841.
[3] كما يذهب إليه: العقائد الإسلامية، ج4، ص251، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية (إعداد)، قم، مهر، 1419 هـ، ط1.
53
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ادعُ للحج في ليالي شهر رمضان بعد المغرب: اللهمّ بك أتوسَّل ومنك أطلب حاجتي، اللهمّ بذمة الإسلام أتوسّل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبحبّي للنبي الأمي القرشي الهاشمي العربي التهامي المكّي المدني، صلواتك عليه وآله أرجو الزلفة لديك، فلا توحش استيناس إيماني، ولا تجعل ثوابي ثواب من عَبَدَ سواك"[1].
- ومن الأدعية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام في أدعية يوم عرفة: "فبك أمتنع وأنتصر، وإليك ألجأ وبك أستتر، وبطاعة نبيّك والأئمّة عليهم السلام أفتخر، والى زيارة وليّك وأخي نبيِّك أبتدر، اللهمّ فبه وبأخيه وذريته أتوسَّل، وأسأل وأطلب في هذه العشية فكاكَ رقبتي من النار، والمقرَّ معهم في دار القرار، فإنَّ لك في هذه العشيّة رقاباً تعتقها من النَّار"[2].
- وفي زيارة الأربعين المروية عن صفوان بن مهران قال: "قال لي مولاي الصّادق عليه السلام في زيارة الأربعين: أنا يا مولاي عبد الله وزائرك جئتك مشتاقاً، فكن لي شفيعاً إلى الله، يا سيّدي، استشفع إلى الله بجدِّك سيّد النبيين، وبأبيك سيّد الوصيّين، وبأمّك سيّدة نساء العالمين، السَّلام عليك يا ابن رسول الله، السَّلام عليك يا ابن أمير المؤمنين سيّد الأوصياء"[3].
- وفي الدُّعاء ليلة النّصف من شعبان بعد أداء الركعتين: "اللهمّ صلّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ شجرةِ النُّبوَّة وموضع الرِّسالة ومختلفِ الملائكة ومعدنِ العلم وأهل بيت الوحي، وأعطني في هذه الَّليلة أمنيتي وتقبّل وسيلتي، فإنِّي بمحمَّد وعليٍّ وأوصيائهما إليك أتوسّل، وعليك أتوكّل، ولك أسأل"[4].
54
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
وأمّا الأخبار المروية عن السلف الصالح في استشفاعهم وتوسُّلهم بالله تعالى والأنبياء والأئمّة والصالحين، فكثيرةٌ، ويستشهد بها العديد من العلماء المسلمين على سيرة المتشرِّعة منذ زمن الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وصولاً إلى يومنا هذا، ومن هذه الأخبار:
روى سعيد بن جبير، قال: "قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريقٍ من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد - أمّ أمير المؤمنين عليه السلام- وكانت حاملةً لتسعة أشهر، وقد أخذها الطَّلق، فقالت: ربِّ، إنِّي مؤمنةٌ بك، وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام، وأنَّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت العتيق، وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسَّرت عليَّ ولادتي. قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت قد انفتح عن ظهره، ودخلتْ فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، والتصق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنَّ ذلك أمرٌ من الله تعالى، ثم خرجَت بعد الرابع، وبيدها علي بن أبي طالب صلوات الله عليه"[1].
[1] ابن حمزة الطوسي، عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي: الثاقب في المناقب، ص198، نبيل علوان(تحقيق)، قم، الصدر(مطبعة)، مؤسسة أنصاريان(نشر)، 1411هـ، ط1.
74
55
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
مفاهيم رئيسة
1- للشَّفاعة معنىً لغويٌ مفادُه ضمُّ الشَّيء إلى مثله، فمن يشفّع شيئاً بآخر، يعني أنَّه يضمّه إليه ويقرنه به.
2- للشَّفاعة تعريفٌ اصطلاحي مفاده أنّ الشَّفاعة هي عبارة عن طلبٍ من المشفوع إليه أمراً للمشفوع له، وفي خُصوص دِيننا الإسلامي تكون الشَّفاعة نوعاً من الدُّعاء والرَّجاء.
3- هناك جملة من العناصر المكوّنة لمفهوم الشَّفاعة منها: أنّ للشَّفاعة مورداً قوامه إرادة الإنسان أن يحصل على كمالٍ وخيرٍ ماديّ أو معنوي، أو أن يدفع عنه ضرراً مادياً أو معنوياً.
وكذلك ضرورة وجود لياقة خاصّة لتلقِّي الشَّفاعة. ومنها أن الشَّفاعة لا تغيِّر القدَر، بمعنى أنّ الشَّفاعة إنَّما تتبعُ التغيير الذي يصيب حالة المشفوع له، والظروف والشروط والمؤهّلات التي تستجدّ عنده، فيمارس الشفيع دوره في التوسُّط في رفع المشفوع له إلى وضع أفضل.
- تنقسم الشَّفاعة باعتبار موضوعها قسمين: الشَّفاعة التّكوينية: "وهي توسُّط الأسباب في التكوين". والشَّفاعة التَّشريعيَّة: والتي هي عبارةٌ عن: "التوسُّط في مرحلة المجازاة التي تثبتها الكتاب والسنّة في يوم القيامة".
4- من الوسائط التي لها مرتبة الشَّفاعة: الأنبياء والرسل، والشهداء في سبيل الله.
5- التوسُّل هو عبارةٌ عن "ما يُتقرَّبُ به إلى الغير"، وهو من أفراد الشَّفاعة وأحد التعبيرات المعبّرة عنها. والتوسُّل يفيدُ
فائدة الشَّفاعة في الأمور التكوينيَّة وكذلك التشريعيَّة.
75
56
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء
للمطالعة
نوِّروا قلوبكم بذكر الله
أعزّائي، عليكم بتقوية علاقتكم بالله أكثر فأكثر! ولا سيّما في هذين الشهرين المباركين ـ شهري رجب وشعبان ـ الذين هما شهرا الدعاء والاستغاثة، شهرا إنشاء علاقة مع الله، وشهرا مناجاة المعشوق الحقيقي لكلّ إنسان. عليكم أن تُعدّوا أنفسكم فيهما للجلوس على مائدة الضيافة الإلهيّة في شهر رمضان.
اسعوا لتنوير قلوبكم أكثر فأكثر بذكر الله في كلّ أيّام وليالي شهر رمضان، لتتهيّؤوا للدخول إلى الساحة القدسيّة لليلة القدر, فـ ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾[1]، إنّها الليلة التي تصل فيها الملائكة السماء بالأرض، وتنير القلوب والمحيط الذي نعيش فيه بنور لطف الله وفضله. إنّها ليلة السلام والسلامة المعنويّة: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[2]، إنّها ليلة سلامة القلوب والأرواح، ليلة شفاء الأمراض الأخلاقيّة، والأمراض المعنويّة، والأمراض الماديّة، والأمراض العامّة والاجتماعيّة، التي ابتُليت بها اليوم ـ للأسف ـ كثير من شعوب العالم، ومن جملتها المسلمون! إنّ السلامة من جميع هذه الأمور ممكنة في ليلة القدر وميسّرة, بشرط أن تأتي علينا ليلة القدر، ونحن جاهزون.
إنّ دعاءكم أيّها الشباب الأعزّاء وإقبالكم وذكركم لله بقلوبكم الطاهرة النورانيّة يصنع المعجزات، فإنّ علاقتكم هذه مع الله تقوّي فيكم الصفاء والإخلاص، والصفاء والإخلاص هما مفتاح حلّ العقد في جميع الأمور"[3].
57
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية الدرس أن:
يعرف فضل القنوت وثوابه في الصلاة.
يعرف فضل التعقيبات وثوابها.
يحفظ أهم التعقيبات المأثورة.
77
58
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
الصَّلاة بوابة العبودية للّه تعالى
تعدّ الصَّلاة من أهمّ الفرائض التي جاء بها الإسلام، وخصّصها بذلك الكمّ الكبير من الأحكام والآداب والأسرار، وجعلها الطّريق الضَّروري لإظهار عبوديّة الإنسان لله تعالى واعترافه بذلّه ومسكنته وحاجته إليه تعالى, ولذلك كانت الصَّلاة أحبّ الأعمال لله تعالى، فعن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصَّلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء"[1]، والله سبحانه وتعالى أكدَّ على هذه الفريضة في العديد من الآيات الكريمة، كما في قوله تعالى: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾[2]، فالأمر في هذه الآية أتى بالحفاظ على الصَّلاة، وهو أمرٌ يعمّ الإتيان بها على أي وجهٍ، بل المقصود منها هو الحفاظ عليها في وقتها وحدودها وآدابها وغاياتها، والتي منها قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾[3].
59
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
ومن المفاهيم الرئيسة التي تتمحور حولها فريضة الصَّلاة، والتي تعبِّر عن الحكمة من تشريع الصَّلاة وعلّته، كون الصَّلاة مجلىً حقيقياً للعبودية لله تعالى. فالصلاة بمظهرها الخارجي تحكي عن الاعتراف الكامل للإنسان بوجوب التوجّه إلى من فطر السموات والأرض في جميع حركات الإنسان وسكناته فيها، وبباطنها تحكي عن مسيرة الإنسان التوحيدية وسفره نحو الله تعالى[1]. والصلاة، لها درجاتها المتفاوتة بحسب الإقبال المعرفي للإنسان، وبالتالي تعكس الصَّلاة علاقة العبد بربّه على قدر ما يعرفه هذا العبد من المضامين التوحيدية, ولذلك روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام لما سُئِل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة، أجاب: "ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصَّلاة"[2].
وعن الإمام الرض عليه السلام في فلسفة الصَّلاة: "إنّها إقرار بالربوبية لله عزّ وجلّ، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبّار جلّ جلاله بالذلّ والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطّلب للإقالة من سالف الذُّنوب، ووضع الوجه على الأرض كلّ يومٍ خمس مرّات إعظاماً لله عزّ وجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطرٍ، ويكون خاشعاً متذلّلاً راغباً طالباً للزّيادة في الدّين والدّنيا، مع ما فيه من الانزجار والمداومة على ذكر الله عزّ وجلّ بالليل والنَّهار، لئلا ينسى العبد سيّدَه ومدبّرَه وخالقَه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربّه وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً من أنواع الفساد"[3].
[1] لاحظ: الآداب المعنوية للصلاة، الإمام الخميني قدس سره، ص453، السيد أحمد الفهري (تعريب وشرح وتعليق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي،1986هـ، ط2. وغيره من المواضع الكثيرة في هذا الكتاب، والتي تحكي عن حقيقة السفر التوحيدي في الصَّلاة بمراتبه المتعددة.
[2] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص694.
[3] الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: علل الشرائع، ج2، ص317، النجف، المكتبة الحيدرية، 1966م، ط1.
79
60
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
وهذا بعض من كلام كثير عن فضل الصَّلاة، وإذا كانت على هذه المرتبة من الأهمّية، فلا بدّ أن نعلم بأنَّ الدُّعاء في الصَّلاة، وهو الذي يُسمّى بالـ "القنوت" له المرتبة العالية بين أفعال الصَّلاة والأسرار اللطيفة بين أسرارها.
أولاً: فضل القنوتُ في الصَّلاة
القنوت، كما يعرّفه الإمام الخميني قدس سره، هو عبارةٌ عن: "رفع اليد حذاء الوجه، وبسط باطن الكفّين نحو السماء، والدعاء بالمأثور أو غير المأثور، ويجوز الدُّعاء بكلّ لسان، عربياً كان أم غير عربي، والعربي أحوط وأفضل"[1].
وقد جاءت روايات كثيرة في فضل القنوت، والتأكيد على لزوم الإتيان به في كلّ صلاة، إلى درجة تُشعر بوجوبه، وإن لم يفْتِ الأكثرُ[2] بوجوبه، إلا أنّ هذه الروايات الكثيرة الآمرة به، تدلُّ على شدة اهتمام الشارع بإتيان القنوت في الصَّلاة. وقد جاء عن مولانا الإمام الحسين عليه السلام أنَّه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقنت في صلاته كلَّها، وأنا يومئذٍ ابن ستّ سنين"[3]، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من ترك القنوت متعمّداً، فلا صلاة له"[4] بمعنى أنَّه "لا كمال لها"[5].
وبالتالي، إذا كانت الصَّلاة تهدي إلى النّظام التّكويني القائم على الطّاعة التَّامة لله تعالى[6] والهداية[7]، فإنّ الدُّعاء له وظيفةٌ هامّة في إظهار هذه المعاني السّامية والمقاصد العالية للصّلاة.
[1] الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، ص564.
[2] قال الشهيد الثاني: "ويستحب القنوت استحباباً مؤكّداً، بل قيل بوجوبه".(والقائل بالوجوب الشيخ الصدوق رحمه الله).
الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي: الزبدة الفقهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج1، ص632، محمد كلانتر (تحقيق)، النجف الأشرف، منشورات جامعة النجف الدينية، 1398هـ، ط2.
[3] ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي، ج2، ص219.
[4] الشيخ الصدوق، الهداية، ص127.
[5] آملي، الشيخ عبد الله جوادي أسرار الصَّلاة، ص73، بيروت، دار الصفوة، 2009م، ط1.
[6] يقول تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ سورة آل عمران، الآية 83.
[7] يقول تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ سورة طه، الآية 50.
80
61
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
يقول الإمام الخميني قدس سره: "مع أنَّ الصَّلاة جميعها إظهار للعبودية وثناء على الله، فإنّ الذَّات المقدَّسة للحقّ جلّ وعلا فتحَ باب المناجاة والدّعاء للعبد بالخصوص في حال القنوت، وهو حالُ المناجاة والانقطاع إلى الحقّ، وشرّفه بهذا التشريف. إنّ القنوت هو قطع اليد عن غير الحقّ والإقبال التام على عزّ الربوبية، ومدّ يد السؤال خالية الكفّ إلى الغني المطلق"[1].
إذاً، وظيفة القنوت في الصَّلاة، أنَّه يُظهر أجلى معاني العبودية والانقطاع المطلق إلى الله تعالى، وكفّ اليد عن غيره، وهذا يعني إعلان القطع مع كلّ الأرباب ومدّعي الاستقلالية من دونه، وبالتالي تنفتح بوابة الإجابة لدعاء الدَّاعي في هذا المقام بما لا حدّ له، لخلوّ النفس إلا من الله تعالى والتوجّه إليه، وهذا هو مفتاح الإجابة[2].
ومن الأدعية الشَّريفة في القنوت والتي لها فضلٌ عظيمٌ، دعاء "يا من أظهر الجميل"[3]. وهو مشتملٌ على آداب مناجاة العبد لله تعالى، وهو "مشتمل على تعداد العطايا الكاملة الإلهية الذي يناسب حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقِّ مناسبةً تامةً، وهو من كنوز العرش وتحفةُ الحقّ تعالى لرسول الله، ولكلٍّ من فقراته فضائل وثواب كثير"[4].
[1] الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص565.
[2] م.ن، ص566.
[3] "يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كلّ نجوى، ويا منتهى كلّ شكوى يا كريم الصفح، يا عظيم المن يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها يا ربنّا ويا سيّدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا، أسألك يا الله أن لا تشوّه خلقي بالنار". الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: التوحيد، ص222، السيد هاشم الحسيني الطهراني (تحقيق)، قم، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ط1.
62
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
ثانياً: فضلُ التعقيبات
التَّعقيب بعد الصَّلاة من المستحبَّات المؤكَّدة، وقد وردت العديدُ من الأدعية والأذكار والأفعال التي تجري مجرى التَّعقيب للصَّلاة. فلا بدَّ للمصلّي وبعد فراغه من صلاته، أن يراعي آداب التَّعقيب، ويستفيد منه في التفكّر في نقصه وأحوال علاقته بالله سبحانه وغفلته عنه بعد انفتاله من الصَّلاة, لأنّ الصَّلاة في حقيقتها ذكر وحضور لله، فلا ينبغي للمصلي أنْ يرجع إلى الغفلة بعد صلاته. ومن هنا، فإنّ الله سبحانه وتعالى فتح للعبد بوّابة التقرّب منه، والاستجابة له بعد الفراغ من الصَّلاة.
وقد قال الله سبحانه ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾[1], أي إذا فرغت من صلاتك فانصب نفسك لإدامة العبادة بتعقيبها، ولتكن رغبتك إليه تعالى دون ما عداه. وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال في شرح
هذه الآية: "إذا قضيت الصَّلاة... فانصب في الدُّعاء"[2].
وحيث إنّ التَّعقيب كلفةٌ زائدةٌ على الصَّلاة الواجبة الَّتي هي بنفسها تكون كبيرةً إلَّا على الخاشعين، مع ما له من الأثر الهامّ في دوام العبادة، فقد ورد في حقّ التَّعقيب عن الإمام الصّادق عليه السلام: "ما عالج الناسُ شيئاً أشدّ من التَّعقيب"[3].
ومن هنا جاء التأكيد على أهمّية التَّعقيب في الروايات الشَّريفة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من أدّى لله تعالى مكتوبة فله في أثرها دعوة مستجابة"[4].
وعن الإمام الصّادق عليه السلام: "ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدُّعاء عن الله
63
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
تعالى: في أثر المكتوبة، وعند نزول المطر، وظهور آية معجزة لله في أرضه"[1].
وقال عليه السلام أيضاً: "من صلَّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى، فهو ضيف الله عزّ وجلّ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه"[2].
وأما ترك التَّعقيب، فهو منهي عنه, لأنّه قد يشي باستغناء العبد عن الله تعالى، إذ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا فرغ العبد من الصَّلاة ولم يسأل الله حاجته، يقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي، فقد أدّى فريضتي ولم يسأل حاجته منّي، كأنّه قد استغنى عنّي، خذوا صلاته فاضربوا بها وجهه"[3].
1- من آثار التَّعقيب:
أ- يزيد في الرزق: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "التَّعقيب بعد الصَّلاة، أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد"[4].
ب- أن يكون في ضيافة الله: وعن أبي عبد الله عليه السلام: "من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله، وحقٌّ على الله أن يكرم ضيفه"[5].
ج- الستر من النار: روي عن الإمام الحسن عليه السلام قال: "من صلّى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشّمس كان له ستراً من النار"[6].
د- غفران الذّنوب: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له"[7].
[1] الراوندي، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله: الدعوات، ص35، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (تحقيق)، قم، أمير، ط1.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص341.
[3] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج5، ص29.
[4] الشيخ الصدوق، الهداية، ص168.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص341.
[6] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص458.
64
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
هـ- يُعطى أجر الشهيد: فقد روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من قرأ آية الكرسيّ عقيب كلّ فريضة تولَّى الله - جلّ جلاله - قبض روحه، وكان كمن جاهد مع الأنبياء عليهم السلام حتّى استشهد"[1].
2- أهمّ التعقيبات:
أ- سجدة الشكر: وهما سجدتان بعد الانتهاء من الصَّلاة، ويتأكّد فيهما تعفير الجبينين بالتراب، وقد نقل في توقيع مولانا صاحب العصرعجل الله تعالى فرجه الشريف أنّ: "سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل: إنّ هذه السجدة بدعة إلَّا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة". وفي الحديث عن سبب اصطفاء موسى الكليم عليه السلام هو توغَّله في التذلَّل لله، المتجلَّي ذلك بإلصاقه - عليه السلام - خدّه الأيمن والأيسر بالأرض بعد الصَّلاة، وحيث علم موسى عليه السلام أنّ الله اصطفاه لتذلله زاد في ذلَّته فخرّ ساجدا، وعفر خدّيه في التراب، فأوحى الله إليه: "ارفع رأسك يا موسى، وأمرّ يدك موضع سجودك، وامسح بها وجهك، وما نالته من بدنك فإنّه أمان من كلّ سقم وداء وآفة وعاهة"[2].
ب- التكبير ثلاثاً: روي عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: "إذا سلَّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً"[3].
ج- تسبيح السّيدة الزهراء عليها السلام: روي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنَّه قال: "إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة"[4]. وهي على الترتيب الآتي: تكبير أربع وثلاثون مرة، والتحميد ثلاث وثلاثون مرّة، والتسبيح ثلاث وثلاثون مرّة.
65
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
د- قراءة آية الكرسي: عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام أنَّه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أعواد هذا المنبر، وهو يقول: من قرأ آية الكرسيّ عقيب كلّ فريضة ما يمنعه من دخول الجنّة إلَّا الموت، ولا يواظب عليه إلَّا صدّيق أو عابد، ومن قرأها عند منامه آمنه الله في نفسه وبيته وبيوت من جواره"[1].
هـ- الدُّعاء بالمأثور: روى معاوية بن وهب البجليّ قال: "وجدت في ألواح أبي بخطَّ مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام: أنّ من وجوب حقّنا على شيعتنا: أن لا يثنوا أرجلهم من صلاة الفريضة، أو يقولوا: اللَّهمّ ببرّك القديم ورأفتك ببريّتك اللطيفة، وشفقتك بصنعتك المحكمة، وقدرتك بسترك الجميل وعلمك صلِّ على محمّد وآل محمّد، وأحيي قلوبنا بذكرك، واجعل ذنوبنا مغفورة، وعيوبنا مستورة، وفرائضنا مشكورة، ونوافلنا مبرورة، وقلوبنا بذكرك معمورة، ونفوسنا بطاعتك مسرورة، وعقولنا على توحيدك مجبورة، وأرواحنا على دينك مفطورة، وجوارحنا على خدمتك مقهورة، وأسماءنا في خواصّك مشهورة، وحوائجنا لديك ميسورة، وأرزاقنا من خزائنك مدرورة، أنت الله الذي لا إله إلَّا أنت، لقد فاز من والاك، وسعد من ناجاك، وعزّ من ناداك، وظفر من رجاك، وغنم من قصدك، وربح من تاجرك، وأنت على كلّ شيء قدير، اللَّهمّ وصلِّ على محمّد وآل محمّد، واسمع دعائي كما تعلم فقري إليك، إنّك على كلّ شيء قدير"[2].
3- من أسرار التعقيبات
للتّعقيبات أسرارٌ ذكرها أهل البيت عليهم السلام وبسطها العلماء رضوان الله تعالى عليهم، ومن ذلك سرُّ التأكيد على أهمية التَّعقيب بعد صلاة الصّبح. والسرّ أنّ
66
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
فترة الصّباح هي فترة النّشاط والعمل والإقبال على الدّنيا ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾[1]، وبالتالي يكون قلب الإنسان أكثر عرضةً لانشغاله بالدّنيا وشجونها عن الباري عزّ وجلّ، مع أنَّه تعالى هو الذي يريد من الإنسان أن يستفيد من فترة النهار بالعمل من أجل تحصيل معاشه، إلا أنَّه تعالى بالمقابل لا يترك الإنسانَ فريسةَ حبِّ الدُّنيا والغرق في بحرها المُظلم, لذلك خصّه بمجموعةٍ من التّعقيبات الهامّة التي يجد الإنسان في المواظبة عليها ثماراً في سعة الرزق. فوقت الصباح، وقت شريفٌ ينبغي أن لا تفوت الإنسانَ فرصة التّأسيس فيها لنهاره على أرض طاعة الله ومحبّته. فعن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزّ وجلّ: يا بن آدم، اذكرني بعد الفجر ساعة، واذكرني بعد العصر ساعة، أكفك ما أهمّك"[2].
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ الصبح افتتاح الاشتغال بالكثرات والورود على الدنيا، والإنسان مواجه لمخاطرة الاشتغال بالخلق والغفلة عن الحقّ، فينبغي للإنسان السالك اليقظان (...) أن يتوسّل بعد صلاة الصبح للورود في هذا البحر المهلك الظلماني والمصيدة المهيبة الشيطانية بخُفَراء[3] ذلك اليوم، ويسأل الحقّ تعالى رفع شرَّ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء بشفاعتهم، فإنّهم مقرّبون لجناب القدس"[4].
[1] سورة النبأ، الآية 11.
[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص429.
[3] تذكر كتب الأدعية أنّ لكل يومٍ توسلاً بمعصوم بعينه "فيتعلّق يوم السبت بالوجود المبارك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويوم الأحد لأمير المؤمنين عليه السلام، ويوم الاثنين للإمامين الهمامين السبطين عليهما السلام، ويوم الثلاثاء للحضرات السجاد والباقر والصادق عليه السلام، ويوم الأربعاء للحضرات الكاظم والرضا والتقيّ والنقيّ عليه السلام، ويوم الخميس للعسكري عليه السلام، ويوم الجمعة لوليّ الأمر عجّل الله فرجـه الشريف". الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص569.
67
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
4- من سنن التَّعقيب
أ- التَّعقيب بعد الفريضة أفضل: عن محمد بن مسلم عن أحدهم عليه السلام قال: "الدُّعاء دبر المكتوبة أفضل من الدُّعاء دبر التطوعّ كفضل المكتوبة على التطوّع"[1].
ب- التَّعقيب بتسبيح الزهراء عليها السلام وتعجيله قبل أن يثني رجليه: قال أبو عبد الله عليه السلام "من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجله من صلاة الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير"[2].
ج- استحباب رفع اليدين فوق الرأس عند الفراغ من الصَّلاة والتكبير ثلاثاً والدعاء بالمأثور: عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - لما فتح مكّة - صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود، فلمّا سلّم رفع يديه وكبر ثلاثاً، وقال: "لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شيء قدير". ثمّ أقبل على أصحابه فقال: "لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كلّ صلاة مكتوبة، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم، وقال هذا القول، كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الإسلام وجنده"[3].
د- استحباب البقاء على طهارة في حال التَّعقيب وفي حال الانصراف: عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن معقّب ما دام على وضوئه"[4].
68
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
هـ- استحباب الجلوس بعد الصبح حتى تطلع الشمس: عن الحسن بن علي عليه السلام أنَّه قال: "من صلّى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له ستراً من النار"[1].
و- استحباب الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم السلام بعد كلّ صلاة: عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "قل في دبر كلّ صلاة فريضة: رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبالكعبة قبلة، وبعلي وليا وإماما، وبالحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام، اللهمّ إنّي رضيت بهم أئمّة فارضني لهم، إنّك على كلّ شيء قدير"[2].
ز- استحباب طلب الجنّة والتعوّذ من النار: عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "ثلاث أُعطين سمع الخلائق: الجنّة والنار والحور العين, فإذا صلّى العبد فقال: اللهمّ، أعتقني من النار وأدخلني الجنّة وزوجني من الحور العين قالت النار: يا ربّ إنّ عبدك قد سألك أن تعتقه منّي فأعتقه. قالت الجنّة: يا ربّ إنّ عبدك قد سألك إياي فأسكنه. وقالت الحور العين: يا ربّ، إنّ عبدك قد خطبنا إليك فزوّجه منّا، فإن هو انصرف من صلاته ولم يسأل الله شيئاً من هذا، قلن الحور العين: إنّ هذا العبد فينا لزاهد، وقالت الجنّة: إنّ هذا العبد فيّ لزاهد، وقالت النّار: إنّ هذا العبد بي لجاهل"[3].
69
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
مفاهيم رئيسة
1- الصَّلاة أحبّ عمل لله تعالى، وقد ورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصَّلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء".
2- القنوت بحسب تحديد الإمام الخميني قدس سره، هو عبارةٌ عن: "رفع اليد حذاء الوجه وبسط باطن الكفين نحو السماء والدعاء بالمأثور أو غير المأثور، ويجوز الدُّعاء بكل لسان، عربياً كان أم غير عربي، والعربي أحوط وأفضل".
3- يعدّ التَّعقيب بعد الصَّلاة من المستحبَّات المؤكَّدة، وقد وردت العديدُ من الأدعية والأذكار والأفعال التي تجري مجرى التَّعقيب للصَّلاة، ومنها ما روي عن الإمام الصّادق عليه السلام: "ما عالج الناسُ شيئاً أشدّ من التَّعقيب".
4- من الآثار التي جاء ذكرها في الروايات حول فضل تعقيب الصلاة: أنّه يزيد في الرزق، ويجعل المعقّب في ضيافة الله، وأنّه يستر من النار، وأنّه يسبب غفران الذّنوب، وأنّ المعقّب يُعطى أجر الشهيد...
5- من أهمّ التعقيبات الواردة: سجدة الشُّكر، التَّكبير ثلاثاً، تسبيح السّيدة الزهراء عليها السلام، قراءة آية الكرسي، الدُّعاء بالمأثور.
6- من سنن التَّعقيب: أن يكون التَّعقيب بعد الفريضة مباشرة، التَّعقيب بتسبيح الزهراء عليها السلام وتعجيله قبل أن يثني رجليه، استحباب رفع اليدين فوق الرأس عند الفراغ من الصَّلاة والتكبير ثلاثاً والدعاء بالمأثور، استحباب البقاء على طهارة في حال التَّعقيب وفي حال الانصراف، استحباب الجلوس بعد الصبح حتى تطلع الشمس، استحباب الشهادتين والإقرار بالأئمة عليهم السلام بعد كلّ صلاة، استحباب طلب الجنّة والتعوّذ من النار... .
89
70
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)
للمطالعة
عبادة الإمام الخميني قدس سره
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "أنا على يقين أنّ ذلك الرجل المسنّ النورانيّ المعنويّ، العالم الزاهد والعارف، الذي بنى هذه الثورة بيده القديرة، وبها كان غرسها وسقياها وقطاف ثمارها، لولا أنّه كان في شبابه له تلك المناجاة، وتلك العبادات، والتفكّر والتوسّل، لما حصل على ذلك القلب المؤمن النورانيّ، ولما أنجز هذه الأعمال العظيمة، إنّ المرحوم الحاج ميرزا جواد آغاي طهراني ـ وهو من العلماء أصحاب الإيمان القوي، ومن الزاهدين الخالصين، وكان يعرفه الكثيرون
في مشهد ـ قال لي قبل ما يقرب من ثلاثين سنة: "لقد ذهبتُ إلى قمّ أيّام الشباب للدراسة، ورأيتُ الإمام الخميني قدس سره في ذلك الزمان في الحرم المطهّر. لم أكن أعرف من هو. رأيت سيّداً طالب علم شابّاً نورانيّاً واقفاً في الحرم، قد تحنّك بعمامته، يصلّي ويذرف الدموع ويتضرّع". يقول الحاج ميرزا جواد آغاي طهراني: "مع أنّي لم أعرفه، إلّا إنّي أُخذتُ به، وسألتُ بعض الموجودين من هو هذا السيّد النورانيّ؟ فقالوا: هذا السيّد روح الله الخمينيّ". فإذا كان السيّد روح الله قد ذخر رأس المال هذا في شبابه، فإنّه سيصبح في سنّ الثمانين الإمام والمؤسّس لدولة الجمهوريّة الإسلاميّة.
عادةً ما يتقاعد المسنّون في عمر أقلّ من هذا, ولا يطيقون حتّى إدارة حياتهم الشخصيّة. أمّا الإمام، فإنّه في ذلك السنّ يبني بناءً عظيماً لا يوصف، ويقف في وجه العدوّ، بحيث يُصعَق الإنسان لما يراه من شجاعته وثباته في وجه الحوادث والمصائب[1].
[1] الإمام القائد الخامنئي دام ظله، لقاء مع رجال الدين وطلّاب العلم الإيرانييّن والأجانب في ساحة مدرسة الفيضيّة في قم،7/12/1995.
90
71
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى معنى الانتظار للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
2- يفهم حقيقة الدُّعاء بتعجيل فرج الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وفوائده.
3- يعدِّد الأدعية الخاصة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ويحفظ ثلاثة منها.
91
72
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
معنى الانتظار للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لقد تضافرت الروايات حول أهميّة انتظار الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف, فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة"[1].
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"[2].
والانتظار عملٌ، بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي"[3] وهو لا يعني السَّلبية والامتناع عن أيّ عملٍ، بل الانتظار لكلِّ أمرٍ يستتبع استعداداً متناسباً مع ذلك الأمر المنتظر. فانتظار سفرٍ قصيرٍ يستتبعُ استعداداً معيّناً، يختلفُ عن الاستعداد الذي يستلزمه انتظارُ سفرٍ طويل. ومن الواضح أنّ المنتظِر للإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف ينتظر قائداً إلهياً سيقود مسيرة تحفُّ بها الملائكة، وجمهورها الأساس أهل التَّقوى والعبادة، وسيخوض المعارك الحامية الوطيس والمتتالية.
73
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ، وما طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا السيف، والموت تحت ظلّ السيف"[1].
فإذا كان المنتظِر له عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يهتمّ بتهذيب نفسه وتزكيتها، فهل باستطاعته الانسجام مع مسيرة المنتظرين والممهِّدين؟ بل هل يمكنه تحقيق هذا الانسجام والتناسب، إذا لم يكن يحمل روح الجهاد متشوّقاً إلى الشّهادة في سبيل الله بما يستلزمه ذلك من إعدادٍ عسكري يمكّنه أن يجاهد بين يدي الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
فالاعتقادُ بوجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبيعتُه، وتجديد البيعة، أو الالتزام بقيادته عبر بيعة نائبه وطاعته، وانتظارُه، والمواظبة على آداب الغيبة، كلّ ذلك لا ينفع صاحبه شيئاً إذا لم يكن يسير كلّ ذلك تحت شعار "التقوى".
وممّا يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق وهو منتظرٌ، فإنْ ماتَ وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا"[2].
وبديهي أنّ التقوى واجبة في كلّ حال، إلا أنّ المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الانتظار، وفائدة ذلك أنْ يدرك من يغلب عليه الطابع الحركي العملي، ويحسب أنَّه من جنود المهدي دون شكّ! إلا أنّ هذا البعد وحده لا يكفي.
ولا شكّ أنّ الوقوف مع الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أثناء غيبته إنَّما يتحقَّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع
74
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
نائبه الفقيه الجامع للشرائط، انطلاقاً من الاهتمام بأمور المسلمين، ومواجهة الطواغيت الذين يريدون ليطفئوا نور الله تعالى.
وبالتالي يكون الارتباط بالإمام الحجّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس مجرّد ارتباط بفكرة عقيدية غيبية، بل بإنسان كامل حيٍّ جسداً وروحاً، ولولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فهو أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، كما ورد في الأحاديث المأثورة عنهم عليهم السلام.
حقيقة الدُّعاء بتعجيل الفرج
لقد ورد في الدُّعاء المأثور حول الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني"[1].
فمن أهمّ آداب عصر الغيبة والذي حثّ عليها أهل البيت عليهم السلام الدُّعاء للإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف، وقد وردت أدعية كثيرة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مثل دعاء النّدبة المستحب في الأعياد بما في ذلك كلّ يوم جمعة، ودعاء العهد، وفي دعاء الافتتاح المستحب في كلّ ليلة من شهر رمضان المبارك وردَ مقطعٌ خاصٌّ بالدّعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. وجاء في عدّة روايات الحثّ من الإمام للشِّيعة على الدُّعاء لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد ورد عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نفسه في أهمّية الدُّعاء بتعجيل فرجه: "وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السَّحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبوابَ السُّؤال عمَّا لا يعنيكم ولا تتكلَّفوا علم ما قد كُفيتم وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجُكم"[2].
75
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
فوائد الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنَّ فوائد الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كثيرةٌ وجليلةٌ، ومنها:
1- تأكيد المعرفة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:
لأنّ الدُّعاء للإمام يستبطن مقدمات عديدةً، أهمّها "معرفة الإمام"، لأنّ الدَّاعي لا بدّ وأن يكون على معرفة بشخص المدعو له، وصفاته وعلاماته، وأهمّية كونه الصلة بين الله تعالى وعباده ومظهراً تاماً لدين الله تعالى، ومن هنا نفهم شيئاً مهمّاً من الدُّعاء: "اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"[1].
2- إظهار المحبة الباطنية:
فالحبّ وإن كان أمراً خفيّاً قلبياً، ولكن له آثار ظاهرة، وفروع متكاثرة، فهو "كشجرة أغصان، ولكلّ غصن من الورد أفنان، فبعض آثاره يظهر في اللسان، وبعضٌ في سائر جوارح الإنسان، فكما لا يمكن منع الشجر عن إبراز أزهاره، لا يمكن منع ذي الحبّ عن ظهور آثاره"[2]. ومن آثار الحبّ في اللسان ذكر المحبوب في كلّ مكان وزمان، والاهتمام في الدُّعاء بتعجيل فرج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إظهاراً للحبّ له باللسان المنبئ عن المحبّة الكامنة بالقلب.
3- استجابة الدُّعاء تنجي من الفتن:
والدليل على ذلك ما ورد عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، إذ قال: "دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال عليه السلام لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلِ الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به
76
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض. قال: فقلت له: يا بن رسول الله عليه السلام فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمّة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبّته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه"[1].
4- استحقاق دعاء الإمام له بالنصرة:
فالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يدعو للداعي له بالفرج والنصر، ويدلّ على ذلك قوله عجل الله تعالى فرجه الشريف: "واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيّدين، وفي سبيلك مجاهدين وعلى من أرادني وأرادهم بسوءٍ منصورين"[2].
فمن يدعو للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فإنّه ينال من الإمام الدُّعاء بالتّأييد والنّصرة والمنعة والكرامة، وغير ذلك من أنواع التّوفيقات.
5- تعجيل الفرج:
إنّ الاهتمام والمداومة في طلب فرج مولانا صاحب الزمان عليه السلام من الله تعالى بشروطه الموجبة لقبول الطّلب والدّعاء، يصير سبباً لقرب وقوعه. ففي توقيع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى إسحاق بن يعقوب: "وأكثروا الدّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ في ذلك فرجكم"[3].
77
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
6- الأمن من العقوبات الأخروية:
ومن الفوائد أيضاً الأمن من العقوبات الأخروية، وأهوال يوم القيامة ويشهد لذلك آيات عديدة، منها: قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[1] بناءً على أن يكون المراد باليوم الآخر هو زمان دولة القائم عليه السلام.
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾[2] أنَّه قال: "معرفة أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام، ﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ قال: نزيده منها... ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ قال عليه السلام: ليس له في دولة الحقّ مع القائم عليه السلام نصيب"[3].
7- نيل الحظوة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
فالدّعاء بتعجيل الفرج للإمام، والطَّلب من الله تعالى أن يكون من أنصاره والشاهدين على دولته والقيام بين يديه، ما يفرح قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بشّر صلى الله عليه وآله وسلم القوم الذين يدركون القائم بمبّشرات عدة، كالمروي عن الإمام الصادق عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو مقتدٍ به قبل قيامه يتولّى وليّه، ويتبرّأ من عدوّه ويتولَّى الأئمّة الهادية من قبله، أولئك رفقائي، وذوو ودِّي ومودَّتي، وأكرمُ أمّتي عليّ"[4].
78
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
نماذج من أدعية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
دعاء الغريق: عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى، ولا إمام هدى، ولا ينجو إلا من دعا بدعاء الغريق. قلت: كيف دعاء الغريق، قال: يقول: يا الله يا رحمان يا رحيم، يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك. فقلت: يا الله يا رحمان يا رحيم، يا مقلّب القلوب والأبصار، ثبِّت قلبي على دينك. قال: إنَّ الله عزَّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قُلْ كما أقول لك: يا مقلِّب القلوب ثبّت قلبي على دينك"[1].
دعاء العهد: ورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: "من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، وإن مات أخرجه الله إليه من قبره، وأعطاه الله بكلّ كلمةٍ ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة"[2].
3- دعاء النُّدبة: وهو مذكور في مختلف كتب الأدعية، والمشهور من أوقات قراءته، أنَّه يُقرأ كلّ يوم جمعة، إلا أنّ المروي
هو استحباب قراءته في الأعياد الأربعة.
دعاء الحجّة: "اللهمّ كن لوليك الحجّة بن الحسنِ صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، ولياً وحافظاً..."[3].
5 - دعاء آخر: الإمام الحسن العسكري عليه السلام في دعائه له عجل الله تعالى فرجه الشريف: "اللهمّ أعذه من شرّ كلّ طاغٍ وباغٍ، ومن شرّ جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، واحرسه وامنعه أنْ يصلَ إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل، وأيّده بالنّصر"[4].
79
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
6- زيارة آل ياسين: ولا سيما زيارة آل ياسين الواردة عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث يعلمنا فيها كيف نشعر بحضوره فنقول: "السّلام عليك حين تقوم، السّلام عليك حين تقعد، السّلام عليك حين تقرأ وتبيّن، السلام عليك حين تصلّي وتقنت، السّلام عليك حين تركع وتسجد..."[1].
7- التوسّل به: وقد ورد في بعض الرّوايات توسّلٌ بالإمام صاحب العصر، والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، منها: "اللهمّ إنّي أسألك بحقّ وليّك وحجّتك صاحب الزمان إلا أعنتني به على جميع أُموري، وكفيتني به مؤونة كلّ مؤذ وطاغ وباغ، وأعنتني به، فقد بلغ مجهودي وكفيتني كلّ عدوّ وهمّ وغمّ ودين، وولدي وجميع أهلي وإخواني ومن يعنيني أمره وخاصتي، آمين رب العالمين"[2].
8- الصَّلاة عليه: فقد ورد استحباب الصَّلاة عليه في أكثر من موردٍ كما في دعاء الافتتاح. وكالصّلاة الواردة عن الإمام العسكري عليه السلام: "اللهمّ صلّ على وليّك وابن أوليائك، وليّ الأمر المنتظر الحجّة بن الحسن، اللهمّ صل على وليّك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم"[3].
80
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
مفاهيم رئيسة
1- الانتظار هو عملٌ قوامه الاعتقادُ بوجود الإمام المهدي عليه السلام، وبيعتُه، وتجديد البيعة، أو الالتزام بقيادته عبر بيعة نائبه وطاعته، وانتظارُه، والمواظبة على آداب الغيبة.
2- من المهمّ أن يعرف المنتظِر للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أنّ الوقوف مع الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أثناء غيبته إنَّما يتحقَّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع للشرائط.
3- من أهمّ آداب عصر الغيبة هو الدُّعاء للإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف، وقد وردت أدعية كثيرة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مثل دعاء النّدبة المستحب في الأعياد بما في ذلك كلّ يوم جمعة، ودعاء العهد، وفي دعاء الافتتاح المستحب في كلّ ليلة من شهر رمضان المبارك وردَ مقطعٌ خاصٌّ بالدّعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
4- من فوائد الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: هو تأكيد المعرفة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإظهار المحبّة الباطنية له، وكذلك يؤدِّي التمسُّك به إلى النجاة من الفتن، أنّ الإمام يدعو له بالنصرة، وتعجيل الفرج، وكذلك الأمن من العقوبات الأخروية، ونيل الحظوة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
5- من نماذج الأدعية للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف التي وردت عن طريق أهل البيت عليهم السلام: دعاء الغريق، دعاء العهد، دعاء النُّدبة، دعاء الحجّة، دعاء التوسّل به، والصَّلاة عليه.
100
81
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
للمطالعة
لذّة الدعاء
لذّة الدعاء يعرفها من تذوّقها، وكثيراً ما تذوّق المجاهدون حلاوة ولذّة الدعاء في سنّي المقاومة والدفاع، ويبقى الأمل أن لا تفسد حلاوة الدنيا ولذّتها وغفلتها هذه اللذّةَ وتُضعِفَها.
إذا عبدتم الله، ودعوتم بخشوع، وأقمتم الصلاة بقلب حاضر، وأنفقتم المال للمستحقّ، ستعرفون ما هي اللذّة التي ستحصلون عليها. وهذه ليست كاللذّة التي يحصل عليها المرء بالأكل. إنّ الإنسان الذي تذوّق طعم العبوديّة لله ـ وهي حالات يشعر بها كلّ إنسان مؤمن في حياته قليلاً أو كثيراً ـ في لحظة الإقبال على الله تلك، عبادة الله، المناجاة، البكاء للّه وأمام الله، يشعر بلذّة معنوية يصبح معها على استعداد للتضحية. ولكنّ الماديّات تخرج الإنسان من هذه الحالة التي تحصل من وقت لآخر...
يريد الإسلام أن يرفعنا نحن البشر، وينوّر قلوبنا، وينتزع السيّئات من صدورنا ويرمي بها بعيداً، كي نشعر بهذه الحالة من اللذّة المعنويّة في كلّ لحظات حياتنا، وليس فقط في محراب العبادة، بل حتّى في مكان العمل، في الدراسة، في ساحة الحرب، في التعليم والتعلّم، وفي البناء. وهذا هو المقصود من القول "هنيئاً لأولئك الذين هم في حالةٍ دائمة من الصلاة", عندما يعملون ويتاجرون فهم مع الله، عندما يأكلون ويشربون فهم ذاكرون لله. هذا هو النوع من البشر الذين يبعثون النّور حيثما يعيشون، وفي العالم أيضاً. إذا استطاع العالم تربية هذا النوع من البشر فستُقتلع جذور هذه الحروب والمظالم، وانعدام المساواة والخبائث والأرجاس، هذه هي الحياة الطيّبة"[1].
82
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أدلّة مشروعية زيارة أهل البيت عليهم السلام من خلال القرآن والسنّة.
2- يتعرّف إلى فوائد الزيارة.
3- يعدِّد أنواع الزيارات الواردة.
103
83
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
تمهيد
تُعدُّ زيارة أولياء الله سبحانه وتعالى من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والصدّيقين والشهداء وأولي العلم والفضل، في حياتهم ومماتهم، وعن قرب وعن بعد، من الشعائر الإلهية التي درج عليها المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا هذا. وقد أُسّس لمفهوم الزِّيارة وأدبها وحدودها في الإسلام بالعديد من الأدلّة النّقلية الثَّابتة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، وكذلك فيما روي عنهم عليهم السلام وعن المسلمين في صدر الإسلام وإلى يومنا هذا في زيارتهم للقبور وتبرُّكهم بساكنيها والاستشفاع بهم إلى الله تعالى. وهو ما سوف نتعرَّض له في درسنا بالعرض والتَّحليل بإذن الله تعالى.
أولاً: معنى الزِّيارة
الزِّيارة في اللغة: "من الزَّور، والزَّورُ: أعلى الصدر. وزرت فلاناً: تلقيته بِزَوري, أي بصدري. أو قصدتُ زَوره, أي صدره... وزار فلانٌ فلاناً: مال إليه"[1].
84
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
وأمّا المعنى الاصطلاحي للزيارة، فإنّه "لا يكاد يخرج عن المعنى العرفي"[1]، وإن كان المتبادر هو "زيارة القبور غالباً"[2], لأنّ الزِّيارة، عبارةٌ عن قيام شخصٍ بالتوجُّه نحو المَزور الميِّت، إمّا بقطع المسافة إلى قبره فتسمّى "بالزّيارة عن قرب"، وإمَّا بالتّوجُّه إلى شخص المزور من دون قطع المسافة، وتسمّى "بالزيارة عن بعد".
ثانياً: الأدلّة على مشروعيّة الزِّيارة
إنَّ استحبابَ زيارة القُبور من الأمور التي أجمعت الأمّة الإسلامية عليها، بلا فرق بين مذاهبها المختلفة اللهم إلا من شذَّ وندر، ومارس ذلك كبيرهم وصغيرهم، وسيأتي في الرّوايات ما يكفي للقطع بذلك، وإنَّما نذكرها من باب التأكيد على ذلك وترسيخه في النفوس.
1- أصل الحياة بعد الموت:
إنَّ أحد الأمور الأساس التي أقرَّها الإسلام بالعقل والنَّقل، هو وجودُ الحياة بعد الموت، وأنَّ الأرواحَ تعيشُ في عالمٍ برزخيٍّ بين الدُّنيا والآخرة[3]، فيه النِّعم وفيه العذاب. فعن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الموتى تزورهم؟ قال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إي والله، إنّهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم، ويستأنسون إليكم"[4]. فدلّ ذلك على أنّ هناك باباً مفتوحاً بين الأحياء والأموات، وقد أرشدت الشّريعةُ النّاس إلى طَرْقِه، لغاياتٍ وأهدافٍ نبيلةٍ وشريفةٍ.
[1] عبد المنعم، محمود عبد الرحمن: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، ج2، ص220، القاهرة، دار الفضيلة، ط1.
[2] عبد الحميد، صائب: الزِّيارة والتوسل، ص15، قم، مركز الرسالة، 1421هـ، ط1.
[3] يقول تعالى: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. سورة المؤمنون، الآية 100
85
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
2- الزِّيارة وعلاقتها بالتَّوحيد:
إنَّ التوجُّه بالزِّيارة لقبور أولياء الله تعالى، كقبر الرَّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم السلام، إنَّما هو توجُّهٌ لوجودهم المبارك في التوسُّلِ بهم والاستشفاع بهم إلى الله تعالى، إذ أثبتنا في الدرس الماضي حقيقة الشَّفاعة التشريعيّة والتكوينيّة، وأنّ هناك وسائط بين الله والخلق أعطاهم فضيلة الشَّفاعة لمن هو أهل لها. وبما أنّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم هو حيٌّ في عالم الآخرة ويسمع الدُّعاء والسَّلام، ويحيط بأعمال أمته، فإن التوجّه إليه بالزيارة
للسلام عليه والتبرّك به والتشفّع لديه وطلب الاستغفار، أمر محبوب حثّ عليه القرآن بقوله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾[1]، وصدّقه قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من زارني بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي، وكنت له شهيداً وشافعاً يوم القيامة"[2]. ومن كلّ ما ذكرناه، نجد أنّ روح التوحيد ونفي عبادة غير الله تعالى، بل والتوجّه إلى الشفعاء يعزّز من مفهوم الارتباط بالله من حيث أمر الله. إذاً، ففي زيارة القبور المشرَّفة سببٌ قويٌّ في تقوية العلاقة بالله تعالى، من باب التَّوبة أولاً، ومن باب محبَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو واسطة الشَّفاعة ثانياً، ويثبت بذلك أنَّ الزِّيارة من الشّعائر الربّانية التي تقوّي أصلَ الاعتقاد بوحدانيَّة الله تعالى وترفَعُ من مقامِ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة عليهم السلام.
3- الأدلّة على مشروعيّة الزِّيارة من القرآن الكريم:
أ- الوقوف على قبور المؤمنين: من الأدلة القرآنية التي يُستدلّ بها على مشروعيّة زيارة القبور قوله تعالى:
86
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾[1]. فالمراد بالصَّلاة هنا هو خصوص الصَّلاة على الميت، وموضع الاستدلال لدينا على المطلوب هو قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾ إذ ذهب كثيرٌ من المفسِّرين[2] إلى أنّ المراد يتجاوز الوقوف عنده وقت الدفن، إلى عموم الأوقات. ويستفاد من الآية المذكورة جواز الوقوف على قبور المؤمنين والدعاء لهم والترحّم عليهم, لأنّ النَّهي الوارد في الآية مختصٌّ بالمنافقين، وعلى هذا فإنَّ الآية تعني بمفهومها جوازَ زيارة قبور المؤمنين, أي الوقوف على قبورهم والدعاء لهم. فالآية تدلُّ على: "مشروعيّة الوقوف على قبور الموتى من المؤمنين والترحّم عليهم وزيارة قبورهم والتردّد إليها"[3].
ب- أهل الكهف: قوله تعالى في شأن أصحاب الكهف: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾[4]. تعدّ هذه الآية من الآيات القرآنية الواضحة في أنّ بناء القبور واتّخاذها مزارات ومساجد بمعنى كونها مكاناً لعبادة الله وتذكّر اليوم الآخر، كان أمراً جرى عليه المؤمنون منذ القدم. ولعل الآيات التي تحدّثت عن أهل الكهف أتت لتفيد معنى احترام الأولياء في حياتهم، وكذلك بعد مماتهم,
[1] سورة التوبة، الآية 84.
[2] المحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد: زبدة البيان في أحكام القرآن، ص118، محمد الباقر البهبودي (تحقيق)، المكتبة المرتضوية (نشر)، ط1.
و: الشيخ الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن: تفسير جوامع الجوامع، ج2، ص85، مؤسسة النشر الإسلامي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة، 1418هـ، ط1. وغيرهما كذلك.
[3] المقداد السيوري، جمال الدين المقداد بن عبد الله: كنز العرفان في فقه القرآن، ج1، ص181، الشيخ محمد باقر شريف زاده (تعليق)، محمد باقر البهبودي (تصحيح)، طهران، المكتبة المرتضوية، 1384هـ، ط1. وكذلك: الشيرازي الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج6، ص155.
[4] سورة الكهف، الآية 21.
107
87
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
لما في ذلك من فوائد معنوية بالغة. "ولو كان بناء المسجد على قبورهم أو قبور سائر الأولياء أمراً محرّماً لتعرَّض عند نقل قولهم بالرّد والنقد لئلّا يضلّ الجاهل"[1].
ج- زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾[2]. وقد قال الإمام السبكي: "دلّت الآية على الحثّ على المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم، وذلك وإن كان ورد في حال الحياة، فهي رتبة له لا تنقطع بموته، تعظيماً له"[3]. وقد روي من طرق الخاصّة، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في آداب دخول المدينة المنورة وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك (...) على محمد عبدك ورسولك ونبيّك (...) اللهمّ إنّك قلت: ﴿أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ وإنّي أتيت نبيّك مستغفراً تائبا من ذنوبي، وإنّي أتوجّه بك إلى الله ربّي وربّك ليغفر لي ذنوبي"[4]، فالآية تدلّ على جواز المجيء إلى قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل الاستغفار، وطلب التّوبة عند جنابه الشَّريف[5].
[1] السبحاني، الشيخ جعفر: التوحيد والشرك في القرآن، ص202، بيروت، دار الولاء، 2004م، ط1.
[2] سورة النساء، الآية 64.
[3] الإمام السبكي، علي بن عبد الكافي: شفاء السقام، ص181، السيد محمد رضا الحسيني الجلالي (تحقيق)، 1419هـ، ط4.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص551.
[5] راجع: الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص700.
وكذلك: السبحاني، الشيخ جعفر: في ظلال التوحيد، ص264، معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحج، 1412هـ، ط1.
108
88
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
4- الأدلّة على المشروعيّة من السنّة الشريفة:
في النّصوص النّبوية الشَّريفة والرّوايات المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام تأكيدٌ واضحٌ على أهميَّة زيارة القبور والدُّعاء عندها، والنُّصوص كثيرةٌ وقطعيَّةُ الدَّلالة، نذكر منها:
أ- الإجازةُ النَّبوية في زيارةِ القبور: وهذا الحديثُ من الأحاديث المشهورة بين الفريقين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ولا تقولوا ما يسخط الرب"[1].
ب- الأمر بزيارة الوالدين الميّتين: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "زوروا موتاكم، فإنَّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلبْ أحدُكم حاجتَه عند قبر أبيه وعند قبر أمِّه بما يدعو لهما"[2].
ج- استحباب زيارة قبور المؤمنين: عن الإمام الرِّض عليه السلام: "ما من عبدٍ زارَ قبرَ مؤمنٍ" فقرأَ عندَه "إنَّا أنزلناه في ليلة القدر" سبع مرات إلا غفر الله له ولصاحب القبر"[3].
د- الدُّعاء والاستغفار للميت عند قبره: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّ الميّت ليفرح بالترحّم عليه والاستغفار له كما يفرح الحيّ بالهديّة تُهدى إليه"[4].
هـ- معرفة الميت بزواره: عن الإمام أبي الحسن عليه السلام قال: "قلت له: المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال: نعم، لا يزال مستأنساً به ما زال عند قبره، فإذا قام وانصرف من قبره، دخله من انصرافه عن قبره وحشة"[5].
89
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
و- زيارة الميت من حقوق الأخوة: عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "من حقّ المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره" إلى أن قال: "وإذا مات فالزيارة له إلى قبره"[1].
ثالثاً: الزيارات المخصوصة
نستطيع أن نقول ممّا سبق، أنَّ الشريعة رخّصت في زيارة القبور، بل جعلت ذلك سنّة متّبعة، وفي عرض ذلك خصَّصت الشَّريعة بعض القبور دونَ غيرها باستحبابٍ مؤكَّدٍ وندبٍ شديدٍ. وفيما يأتي نماذج من الذين حثّت الروايات على زيارتهم، بل وصرّحت بعض الروايات بزيارة قبورهم، وجعل التوجّه إليها شعيرةً من شعائر الله سبحانه.
1- زيارة قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من زار قبري بعد موتي، (كان) كمن هاجر إليّ في حياتي"[2].
2- زيارة السيدة فاطمة عليها السلام: روي عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: "إذا صرت إلى قبر جدّتك، فقل: يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك به صابرة..."[3].
3- زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: تستحبّ زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لقول الصادق عليه السلام: "زيارة أبي - علي عليه السلام - تعدل حجّتين وعمرتين"[4].
4- زيارة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك حيّاً أو ميّتاً، أو زار أخاك حيّاً أو ميّتاً، أو زارك حيّاً أو ميّتاً، كان حقّاً عليَّ أنْ أستنقذه يوم القيامة"[5].
90
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
5- زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام: فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام, فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مواقع السوء، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ (له) بالإمامة من الله"[1].
6- زيارة الإمام الصادق عليه السلام: وقد روي عنه أنَّه قال: "من زارني غُفرت له ذنوبه، ولم يمت فقيراً"[2].
7- زيارة الإمام الرّض عليه السلام: فقد روي عن الإمام الرِّض عليه السلام: "من زارني على بعد داري ومزاري، أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتَّى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً، وعند الصِّراط، والميزان"[3].
وقد روي استحباب زيارة أبي الفضل العباس عليه السلام و "زيارة سلمان الفارسي وله زيارة منقولة، وزيارة أبواب الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، كعثمان بن سعيد والسمري"[4]، فضلاً عن الشُّهداء في سبيل الله وأعاظم صحابة الرسول عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام كرشيد الهجري، وحجر بن عدي الكندي، وعمار بن ياسر، وغير أولئك كثير. هذا بالإضافة إلى زيارة أبناء الأئمّة عليهم السلام، حيث ورد لبعضهم زيارات مخصوصة، ومنها: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد، عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام أنّه قال: "يا سعد، عندكم لنا قبر؟ قلت له: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى عليه السلام، قال: نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنة، فإذا أتيت القبر عند رأسها مستقبلاً القبلة، وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة، ثمّ قل (الزِّيارة)"[5].
[1] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص413.
[2] الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، ص474، مؤسسة النشر الإسلامي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1410هـ، ط2.
[3] م.ن، المقنعة، ص479.
[4] العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر: تذكرة الفقهاء، ج8، ص456، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414هـ، ط1.
91
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
رابعاً: أنواع الزِّيارة
إنّ زيارة قبور الأولياء عليهم السلام عن قرب من المستحبّات الأكيدة، وقد جاءت الروايات الكثيرة في فضل الزِّيارة عن قرب، وفي الآداب الواجب اتّباعها قبل الدخول إلى المراقد المشرّفة وأثناء ذلك وحين الخروج منها. ولكن، حثّت الروايات على المداومة على زيارة الأولياء عليهم السلام، ولو كان عن بعد، في حال عدم القدرة على السفر أو وجودها، إذ إنّ التواني عن الزِّيارة بقسميها من علامات الجفاء.
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "مَن زارَ قَبري بَعدَ مَوتي، كانَ كَمَن هاجَرَ إلَيَّ في حَياتي، فَإِن لَم تَستَطيعوا، فَابعَثوا إلَيَّ بِالسَّلامِ فَإِنَّهُ يَبلُغُني"[1].
وقد قال الكفعمي رحمه الله: "يستحب زيارة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في كلّ مكان وزمان، والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه (...) ويستحبّ زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام كلّ جمعة، ولو من البعد"[2].
وروي كذلك عن الباقر عليه السلام قال: "من زار الحسين بن عليّ عليه السلام في يوم عاشوراء من المحرّم، يظلّ عنده باكياً، لقى الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة وألفي عُمرة وألفي غزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع الأئمّة الرّاشدين، قال: قلت:جعلت فداك، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها، ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟ قال: إذا كان كذلك، برز إلى الصّحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ إليه بالسّلام، واجتهد في الدُّعاء على قاتليه، وصلّى من بعد ركعتين، وليكن ذلك في صدر النّهار قبل أن تزُول الشّمس، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقم في داره المُصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعزِّ فيها بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام"[3].
92
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
خامساً: فوائد الزِّيارة
إنّ كلّ الأهداف المتعلّقة بالزيارة هي مستفادة بشكل مباشر من السنّة النبوية المطهّرة، ومن ذلك يمكن أن نجمل هذه الأهداف بما يأتي:
1- الخشوع وتذكّر الموت والآخرة: لا شكّ في أن الوقوف بين القبور بتأمّل، أو عند قبر خاصّ، له أكبر الأثر في القلوب. فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر، أوصيك فاحفظ، لعلّ الله ينفعك به: جاور القبور تذكر بها الآخرة، وزرها أحياناً بالنّهار، ولا تزرها بالليل"[1].
2- الدُّعاء للميت: وهو سلوك أخلاقي رفيع، يحفظ كرامة المسلم في مجتمعه حتى بعد موته، ويربّي في المسلمين روح الإخاء والحبّ والمودّة وأداء حقوق الآخرين، التي لا تنقطع برحيلهم من الدنيا، لهو واحد من الجوانب التربوية والاجتماعية الراقية التي تميّز بها نظام الأخلاق في الإسلام. ينقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّه إذا دخل المقبرة قال: "السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة، والمحالّ المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات... اللّهمّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم..."[2].
3- أداء حقوق الموتى: وهذا ما نلحظه بوضوح في فحوى الخطاب في الحديث النبوي الشريف: "ألا فزوروا إخوانكم، وسلّموا عليهم"[3]، ففيه إشارة في غاية الوضوح إلى أنّ لإخواننا الموتى حقوقاً علينا، ينبغي علينا أداؤها بزيارتهم والتسليم عليهم. وهذا ما أكّده حديث أهل البيت عليهم السلام في هذا الشأن: فعن الإمام الرض عليه السلام قوله: "إنّ لكلِّ إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء، زيارة قبورهم"[4].
93
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
4- اكتساب الأجر ورضا أهل البيت عليهم السلام: فعن داود الصرمي قال: "قلت له (يعني أبا الحسن العسكري عليه السلام): إنّي زرت أباك، وجعلت ذلك لكم، فقال "لك من الله أجر وثواب عظيم، ومنّا المحمدة"[1].
5- الحفاظ على الأضرحة وعمارتها: وهو من الأمور المهمّة في أداء واجب المحبّة والولاية لله تعالى وللرسول وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين، ومن ذلك ما رواه عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز، قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمدLفقلت له: يا ابن رسول الله، ما لمن زار قبر أمير المؤمنين وعمَّر تربته؟ قال: "يا أبا عامر، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليهما السلام: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: والله، لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها، فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله، مودّةً منهم لرسوله، أولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنّة"[2].
6- غفران الذّنوب: فعن الإمام الرض عليه السلام: "ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده "إنّا أنزلناه في ليلة القدر" سبع مرات إلا غفر الله له ولصاحب القبر"[3]. وروي كذلك عن الإمام الباقر عليه السلام: "من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة، ووضع يده على القبر، فقرأ "إنا أنزلناه في ليلة القدر" سبع مرات أمن من الفزع الأكبر"[4].
94
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
7- نيل الشَّفاعة: يوم القيامة، إذ روي عن الباقر عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من زارني حيّاً وميّتاً، كنت له شفيعاً يوم القيامة"[1].
8- تخفيف العذاب عن الموتى: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من دخل المقابر وقرأ سورة "يس" خفّف الله عنهم يومئذٍ العذاب، ورفعه"[2].
9- إسعاد الموتى: روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه سُئِل: "يا رسول الله، إنّا نتصدّق عن موتانا، ونحجّ عنهم، وندعو لهم، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال: "نعم، لَيَصِل ذلك إليهم، ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه"[3].
[1] الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص83، السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان (تقديم)، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368هـ.ش، ط2.
[2] الشاهرودي، الشيخ علي النمازي: مستدرك سفينة البحار، ج9، ص465، الشيخ حسن بن علي النمازي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1418هـ، ط1.
[3] نقله: الأميني، عبد الحسين أحمد النجفي: الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج5، ص177، بيروت، دار الكتاب العربي، 1977م، ط4.
115
95
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
مفاهيم رئيسة
1- الزِّيارة هي عبارةٌ عن قيام شخصٍ بالتوجُّه نحو المَزور الميِّت، إمّا بقطع المسافة إلى قبره فتسمّى "بالزّيارة عن قرب"، وإمَّا بالتّوجُّه إلى شخص المزور من دون قطع المسافة وتسمّى "بالزيارة عن بعد".
2- هناك أدلّة عديدة على مشروعيّة الزِّيارة، ومنها الأدلّة من القرآن الكريم:
- قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾.
- قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾.
3- الأدلّة على المشروعيّة من السنّة:
- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ولا تقولوا ما يسخط الرب".
- أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "زوروا موتاكم، فإنَّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلبْ أحدُكم حاجتَه عند قبر أبيه وعند قبر أمِّه بما يدعو لهما".
4- هناك زيارات مخصوصة أكّد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام على أهمّية زيارتها، ومنها: زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، زيارة السيدة فاطمة عليها السلام، زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، زيارة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، زيارة الإمام الحسين عليه السلام.
5- الزِّيارة قد تكون عن قرب لمن يستطيع، وعن بعد لمن بعدت عليه، أو أراد الزِّيارة طلباً للاستحباب.
6- للزيارة فوائد عدة، منها: الخشوع وتذكّر الموت والآخرة، الدُّعاء للميت، أداء حقوق الموتى، اكتساب الأجر ورضا أهل البيت عليهم السلام، غفران الذّنوب، نيل الشَّفاعة، تخفيف العذاب على الموتى، إسعاد الموتى.
116
96
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله
للمطالعة
الدعاء ليس خصم الوسائل الماديّة
"إذا كان للدعاء هذا الدور الشبيه بالمعجزة، فعلامَ هذه الوسائل الدنيويّة وهذه التقنيّات والعلم والصناعة وغيرها؟ والجواب: إنّ الدعاء لا يعارض الوسائل الماديّة, فإذا أراد الإنسان أن يسافر، فليس مخيّراً بين أن يركب السيّارة والقطار والطائرة، وبين أن يذهب بالدعاء! الدعاء يعني أن تطلب من الله أن يهيّئ لك هذه الوسائل. عندها، ستأخذ كلّ واحدة من العلل الماديّة مكانها، هكذا يُستجاب الدعاء. عندما تدعون لكي تقضى إحدى حاجاتكم ويستجيب الله لكم، يكون الله تعالى قد يسّر الوسائل الماديّة والعاديّة لهذه الحاجة.
جميع الوسائل في العالم من هذا القبيل. وعليه، فالدعاء لا يستوجب تكاسل أحد. ولا يعني أن يغسل الإنسان يديه من العلم والأسباب الماديّة والمعلول الطبيعي. كلا، ليس الدعاء في مقابل هذه الأمور, ولكنّه في سلسلتها.
طبعاً، غالباً ما يكون الأمر كذلك، ولكن في بعض الأحيان، يُظهر الله المعجزة، وهذا موضوع آخر. فالمعجزة تحدث في الظروف الاستثنائيّة, وفي غير هذه الظروف، يتيسّر بالدعاء المجرى الطبيعي للأمور. عندما تطلبون من الله أن يُحدث شيئاً ما تحتاجونه، عليكم أن تستغلّوا قدراتكم أيضاً إلى جانب الدعاء. فإذا شعرتم بالكسل مثلاً، ودعوتم الله تعالى أن يكشف عنكم هذا الشعور، عليكم أن تتحلّوا بالإرادة والهمّة إلى جانب الدعاء. إذاً، فهنا توجد أيضاً وسيلة ماديّة ووسيلة طبيعيّة أخرى، وهي شدّ الهمّة. لا يتصوّرنّ أحد، أنّ الله سيقضي حاجتنا إذا جلسنا في المنزل، ولم نسعَ أو نُقدم على شيء، ولم نتحلّ بالإرادة حتّى، بل اشتغلنا بالدعاء فقط. كلا، لا يمكن أن يحصل شيءٌ كهذا! فالدعاء إذاً يُرافق العمل، وهو معه. أحياناً، لا يُوصل الكثير من السعي إلى نتيجة، ولكن حين تدعون، ستصلون إلى نتيجة"[1].
97
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى فضل زيارة أهل البيت عليهم السلام عن قرب.
2- يتعرّف إلى أهمّ الزّيارات وبيان ثوابها: (زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام علي عليه السلام، الإمام الحسين عليه السلام...).
3- يعدِّد أحكام الزيارة وآدابها.
119
98
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
أوّلاً: أهمّية زيارة آل البيت عليهم السلام
لقد تعرّفنا على مشروعيّة زيارة القبور، وخصوصاً أفضلها, أي زيارة المشاهد المشرّفة للأنبياء العظام عليهم السلام والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الطاهرين عليهم السلام. وبقي أن نشير إلى أهمّية هذه الزيارات من جهات عدّة ومنها أنّها:
1- تمثِّلُ العلاقة الرُّوحية مع المعصوم: فالزيارة تمثّل تجسيداً عملياً وروحياً للرابطة بين الإنسان المؤمن والمعصومين عليهم السلام، حيث يعتقد الزائر أنَّه يرد على بيت الإمام الذي هو من بيوت الله التي ﴿أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾[1], وأنّه يتحدّث في هذه الزِّيارة مع الإمام الذي يسمع كلامه ويفهمه ويردّ جوابه. ونجد في الاستئذان للدخول إلى مشاهدهم ما يعبّر عن هذه الحقيقة: "اللّهمّ، إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك صلواتك عليه وآله... اللّهمّ، إنّي أعتقدُ حرمةَ صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته، كما أعتقدها في حضرته، وأعلم أنّ رسولك وخلفاءك عليه السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي ويسمعون كلامي ويردّون سلامي، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم"[2].
99
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
2- تتضمّن أبعاداً عقائدية وتوحيدية: فالزيارات المنقولة تشتمل على مضامين مشتركة لها أبعاد عقائدية توحيدية إسلاميّة وروحية، مثل التكبير مئة مرة، والشهادتين، وكذلك السلام على الأئمّة الأطهار عليهم السلام وعدّهم واحداً بعد آخر، وغير ذلك من مراسيم الشكر للّه تعالى على التوفيق والحمد والتقديس. وهي تمثّل دروساً عقائديّة وأخلاقيّة وروحيّة مباشرة. وعلى سبيل المثال، ما رواه يونس الكناسي عن الإمام الصَّادق عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: "إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام فأتِ الفرات، واغتسل بحيال قبره وتوجّه إليه وعليك السكينة والوقار حتّى تدخل إلى القبر من الجانب الشرقي، وقل حين تدخله: "السلام على ملائكة الله المنزلين، السلام على ملائكة الله المردفين، السلام على ملائكة الله المسومين، السلام على ملائكة الله الذين هم في هذا الحرم مقيمون" فإذا استقبلت قبر الحسين عليه السلام، فقل: "السلام على رسول الله، السلام على أمين الله على رسله وعزائم أمره والخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته" ثمّ تقول: "اللهمّ، صلّ على أمير المؤمنين، عبدك وأخي رسولك الذي انتجبته بعلمك وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك، وديّان الدين بعدلك، وفصل قضائك بين خلقك، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته... اللهمّ، صلّ على الحسن بن علي عبدك وابن الذي انتجبته بعلمك، وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك، وديّان الدين بعدلك وفصل قضائك بين خلقك والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته". ثمّ تصلّي على الحسين وسائر الأئمّة عليهم السلام كما صلّيت وسلّمت على الحسن عليه السلام ثمّ تأتي قبر الحسين عليه السلام فتقول: "السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، صلّى الله عليك يا أبا عبد الله، أشهد أنّك قد بلّغت عن
121
100
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
الله عزّ وجلّ ما أمرت به، ولم تخشَ أحداً غيره، وجاهدت في سبيله، وعبدته صادقاً حتى أتاك اليقين..."[1].
3- إحياء لذكرهم: وهو من الأمور الثابتة في اعتقادنا, لأنّ في إحياء ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام إحياء لشعائر الدين وعقائده، وبه تسمو الروح لارتباطه بتلك القمم الشامخة في عالم السير والسلوك، فهم القدوة والأسوة، حيث يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[2]. وعن الباقر عليه السلام: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"[3].
ثانياً: فضل زيارة أهل البيت عليهم السلام
إنَّ الزِّيارة لأهل البيت عليهم السلام نوعان: زيارة عن قرب، وزيارة عن بعد. والنوع الأول - أي عن قرب - له الفضلُ الأكبر، لأنّ في الزِّيارة عن قرب دلالة أكبر على تعلّق المؤمن وشوقه وإرادته وبذله الجهد والمال وقطع المسافات لزيارة المعصوم عن قرب. وفيما يلي نورد أهمّ الميزات والفضائل الخاصة بالزِّيارة عن قرب، (والتي يظهر أنَّه تصح للزائر عن بعد أيضاً في بعض الحالات):
1- فضل زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
عن زيد الشحام قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: كمن زار الله عزّ وجلّ فوق عرشه، قال: قلت فما لمن زار أحداً منكم؟ قال: كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"[4].
101
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
2- فضل زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من زار علياً بعد وفاته، فله الجنة"[1]. وعنه عليه السلام أيضاً: "إنّ أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزّائر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فلا تكن عن الخير نوّاما"[2].
3- فضل زيارة الإمام الحسن بن علي عليه السلام:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه أنّهم قالوا: "بينا الحسن ذات يوم في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفع رأسه، فقال: يا أبت، ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بنيّ، من أتاني زائراً بعد موتي، فله الجنة، (...) ومن أتاك زائرا بعد موتك، فله الجنة"[3].
4- فضل زيارة الإمام الحسين بن علي عليه السلام:
عن الإمام الباقر عليه السلام: أنَّه قال: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام, فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله"[4].
وعن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "ربما فاتني الحجّ، فأعرف عند قبر الحسين عليه السلام؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجّة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مئة حجّة ومئة عمرة ومئة غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عدل"[5].
102
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
5- فضل زيارة أئمة البقيع عليهم السلام:
روى الشيخ المفيد في (المقنعة) روايات عدّة في زيارة أئمّة البقيع عليهم السلام: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار إماماً من الأئمّة، وصلّى عنده أربع ركعات، كتبت له حجّة وعمرة"[1].
وقيل للصادق عليه السلام: "ما حكم من زار أحدكم؟ قال: يكون كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"[2]، وقد حمل الشيخ المفيد رحمه الله هذين الحديثين على كونهما في خصوص أئمّة البقيع عليهم السلام.
6- فضل زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام:
عن الحسين بن محمد القمي، قال: "قال الرض عليه السلام من زار قبر أبي ببغداد، كمن زار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنّ لرسول الله ولأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما"[3].
7- فضل زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام:
روي عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: "من زار قبر أبي بطوس، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال: فحججت بعد الزِّيارة فلقيت أيّوب بن نوح، فقال لي: قال أبو جعفر الثاني عليه السلام: من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وبنى الله له منبراً في حذاء منبر محمد وعلي عليه السلام حتى يفرغ الله من حساب الخلائق. فرأيته وقد زار، فقال: جئت أطلب المنبر"[4].
103
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
وعن الإمام الرض عليه السلام قال: "من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن، حتى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالاً، وعند الصراط، وعند الميزان"[1].
8- فضل زيارة الأئمة عليهم السلام أجمعين:
روى أبو علي الأشعري، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرض عليه السلام يقول: "إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبور هم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة"[2].
9- فضل زيارة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام:
تستحبّ زيارة قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام بقم، فقد سئل الرض عليه السلام عن زيارتها، فقال: "من زارها، فله الجنّة"[3].
ثالثاً: من أحكام الزِّيارة
في الأحكام العامّة للزيارات، وهي ثمانية[4]:
1- يتأكَّد استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام. فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنَّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثمّ يأتونا، فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم"[5]. وعنه عليه السلام أيضاً: "تمام الحجّ لقاء الإمام"[6].
[1] الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: الأمالي، ص183، قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة، قم، مؤسسة البعثة، 1417هـ، ط1.
[2] الشيخ المفيد، المقنعة، ص474.
[3] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص576.
[4] تمام هذه الروايات قد استفيدت من كتاب: هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، ج5، ص453 -457.
[5] الحرّ العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، ج5، ص453.
104
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
2- تستحبّ عمارة مشاهد الأئمّة عليهم السلام، وكثرة زيارتها: فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عليّ، إنّ الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم، فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله تعالى، ومودّة منهم لرسوله، أولئك يا - عليّ - المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة. يا عليّ، من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنَّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم، عدل ذلك له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام"[1].
3- يستحبّ زيارة كلّ واحد منهم عليه السلام بالزيارة المأثورة الخاصّة أو الجامعة (وسوف يأتي ذكر بعضها).
4- لا يجوز السجود للمعصوم ولا على قبره: فقد روي عن صاحب الزمان عليه السلام: "أمّا سجود على القبر فلا يجوز في فريضة ولا نافلة ولا زيارة، ولكن يضع خدّه الأيمن على القبر"[2].
5- يستحبّ التبرّك بمشاهدهم عليه السلام.
6- لا ينبغي السفر إلى زيارة شيء من القبور غير قبور الأنبياء والأئمّة عليهم السلام. فعن الإمام الرض عليه السلام: "لا تشدّ الرحال إلى شيء من القبور إلَّا إلى قبورنا"[3].
يستحبّ زيارتهم عليه السلام من بعد عند تعذّرها من قرب: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا تعذّرت لأحدكم، ونأت به الدار. فليصعد أعلى منزله وليصلِّ ركعتين، وليؤمّ بالسلام إلى قبورنا، فإنّ ذلك يصل إلينا"[4].
105
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
7- يكره ترك زيارتهم: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من لم يأتِ قبر الحسين عليه السلام حتّى يموت، كان منتقص الإيمان منتقص الدين، إنّ أُدخل الجنّة كان دون المؤمنين فيها"[1].
8- يستحبّ زيارة النساء للأئمّة عليهم السلام: ولو من سفر بعيد لما مرّ من العموم، وللروايات الخاصة، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال لامرأة أرادت زيارة قبور الشهداء: "ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عليه السلام، قالت: إنّي امرأة، قال: لا بأس بمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزوره، قالت: أيّ شيء لنا في زيارته؟ قال: كعدل حجّة وعمرة، واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامها، وخير منهما"[2].
رابعاً: آداب الزِّيارة
لقد وردت عن آل البيت عليهم السلام جملة من الآداب التي يُستحسن للزَّائر أن يتحلَّى بها، إذ إنَّ التَّحلِّي بها يعكِسُ إرادةً جدّيةً عند الزائر في إظهار ارتباطه الحقيقي بالمزور وعلاقته المعنوية به، ومن هذه الآداب:
1- الصَّلاة عنده: روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار إماماً من الأئمّة، وصلّى عنده أربع ركعات كتبت له حجّة وعمرة"[3].
2- اختيار الأوقات الشَّريفة: حيث جاء في الروايات تحديد أوقات عديدة لزيارة الأئمّة عليهم السلام، إذ ورد استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام على سبيل المثال ليلة عرفة ويوم عرفة ويوم العيد (الأضحى)، وأوّل رجب ونصفه، وفي نصف
106
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
شعبان، ليلة القدر، وفي شهر رمضان خصوصاً أوّل ليلة وآخر ليلة وليلة النصف، وفي ليلة الفطر والأضحى ويوم عاشوراء وليلته، وغير ذلك من الأوقات الشَّريفة التي أكّدت عليها الروايات، وفي خصوص زيارة الإمام الحسين ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "زوروه في كلّ وقت، وفي كلّ حين"[1].
3- زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بعد إتمام الحجّ: فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "أتمّوا بزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجّكم، فإنّ تركه بعد الحجّ جفاء. وبذلك أمرتم بالقبور التي ألزمكم الله عزَّ وجلَّ حقّها وزيارتها"[2].
4- استحباب المشي في زيارته ذاهباً وعائداً، إذ روي عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "من زار جدّي عارفاً بحقّه، كتب الله له بكلّ خطوة حجّة مقبولة وعمرة مبرورة. واللَّه، ما تطعم النار قدماً تغيّرت في زيارة قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ماشياً كان، أو راكباً"[3].
5- استحباب وضع الطيب ولبس ثوبين طاهرين: فعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "إذا أردت ذلك، فاغتسل والبس ثوبيك طاهرين غسيلين أو جديدين، ونل شيئاً من الطيب، فإن لم تنل، أجزأك"[4].
6- الاغتسال: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أتيت مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فاغتسل غسل الزِّيارة"[5].
107
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
7- المشي بالسكينة والوقار: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "والبس أنظف ثيابك، وشمّ شيئا من الطيب، وامشِ وعليك السكينة والوقار"[1]. وروي أيضاً: "أنَّه يتحفّى، ويقصّر خطاه، ويلقي ذقنه إلى الأرض"[2].
8- زيارته بهيئة حزينة: فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام فزره وأنت حزين مكروب، شعث مغبر، جائع عطشان، وسله الحوائج وانصرف عنه ولا تتّخذه وطنا"[3].
9- استحباب الانفاق في السفر إليه والإقامة عنده: فقد قيل للصادق عليه السلام: "هل يزار والدك؟ قال: نعم، ويصلَّى عنده، وقال: يصلَّى خلفه ولا يتقدّم عليه، قيل: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلّ يوم بألف شهر، قيل: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: كلّ درهم بألف درهم، قيل: فما لمن تجهّز إليه ولم يخرج لعلَّة تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلّ درهم ينفقه مثل أحد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفق"[4].
10- الاستئذان للدخول في الروضات الشَّريفة: حيث يستحب أن يستئذن في الدخول إلى الروضات الشَّريفة، ومما روي من الاستئذان: "اللّهُمَّ إِنِّي وَقَفْتُ عَلى بابٍ مِنْ أَبْوابِ بُيُوتِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَقَدْ مَنَعْتَ النَّاسَ أَنْ يَدْخُلُوا إِلاّ بِإِذْنِهِ، فَقُلْتَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾، اللّهُمَّ، إِنِّي أَعْتَقِدُ حُرْمَةَ صاحِبِ هذا المَشْهَدِ الشَّرِيفِ فِي غَيْبَتِهِ كَما أَعْتَقِدُها فِي حَضْرَتِهِ، وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَكَ وَخُلَفائَكَ عليه السلام أَحْياءٌ عِنْدَكَ يُرْزَقُونَ، يَرَوْنَ مَقامِي وَيَسْمَعُونَ كَلامِي وَيَرُدُّونَ سَلامِي، وَأَنَّكَ حَجَبْتَ عَنْ سَمْعِي كَلامَهُمْ
108
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
وَفَتَحْتَ بابَ فَهْمِي بِلَذِيذِ مُناجاتِهِمْ، وَإِنِّي أَسْتأْذِنُكَ يا رَبِّ أَوَّلاً، وَأَسْتَأْذِنُ رَسُولِكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ثانِياً، وَأَسْتَأْذِنُ خَلِيفَتَكَ الإمام المُفْرُوضَ عَلَيَّ طاعَتُهُ "فُلانَ بْنِ فُلانٍ". واذكر اسم الإمام الذي تزوره واسم أبيه[1].
11- استحباب قراءة القرآن عنده: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثمّ صلّ أربع ركعات صلاة الزِّيارة بسلامين، واقرأ فيها ما شئت من السور، فإذا فرغت فسبح تسبيّح الزهراء عليها السلام"[2].
109
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
مفاهيم رئيسة
1- تمثِّل زيارة المعصومين عليهم السلام التجسيد العملي والروحي للرابطة بين الإنسان المؤمن والمعصومين عليهم السلام, لأنّ الزائر يعتقد أنّه حينما يزور أنَّه يرد على بيت الإمام وروحه ووجوده.
2- تتضمَّن الزِّيارة أبعاداً عقائديّة وتوحيديّة، من حيث إنّها من شعائر الله تعالى ومظهر للارتباط به من خلال إظهار التعلّق بحبل الولاية.
3- تشكّل زيارة المعصومين عليهم السلام فرصةً لإحياء لذكرهم، كأحد أنواع الإحياء التي أمر بها أهل البيت عليهم السلام.
4- لقد ذكرت الروايات الشريفة عن آل البيت عليهم السلام فضل زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي عليه السلام، والإمام الحسن عليه السلام، والإمام الحسين عليه السلام، وسائر الأئمّة من ولد الإمام الحسين عليه السلام.
5- هناك طيف واسعٌ من الأحكام المتعلّقة بزيارة المراقد الشريفة، ومنها:
- يتأكَّد استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام.
- يستحبّ زيارة كلّ واحد منهم عليهم السلام بالزيارة المأثورة الخاصّة.
- يستحبّ زيارتهم عليهم السلام من بعد عند تعذّرها من قرب.
6- من آداب زيارة المعصوم عليه السلام: الصَّلاة عنده، واختيار الأوقات الشَّريفة، ومن الأدب زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بعد إتمام الحجّ، والمشي في زيارته ذاهباً وعائدا، والغسل، ووضع الطيب، ولبس ثوبين طاهرين، والمشي بالسكينة والوقار، وزيارته بهيئة حزينة، والانفاق في السفر إليه، والإقامة عنده، والاستئذان للدخول في الروضات الشَّريفة، وقراءة القرآن عنده.
131
110
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها
للمطالعة
اطلبوا الحاجات الأكبر من الله
هناك أمرٌ مهم في الدعاء، وهو أنّه بالنسبة لقضاء الحاجات، ليس هناك حاجة كبيرة، بحيث نقول: هذه حاجة لا يمكن طلبها من الله, لأنّها كبيرة جداً. كلا، إذا لم تكن الحاجة على خلاف الطبيعة وسنّة الخلق، ولم تكن مستحيلة، فلا مشكلة, اطلبوها من الله مهما كبرت. إنّكم تقولون في كلّ يوم من شهر رمضان بعد الصلاة، على ما هو مأثور: "اَللّـهُمَّ اَدْخِلْ عَلى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ، اَللّـهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقير"[1]، فأنتم تطلبون من الله أن يغني كل فقير, أي كلّ فقراء الإسلام، وما المانع من أن نطلب؟! إذا رفعت الموانع عن طريق اغتناء الفقراء فما الذي يمنع تحقّق هذا الأمر؟! فالفقر ليس بأمرٍ ذاتيٍّ للمجتمع!
كذلك تقولون في هذا الدعاء: "اَللّـهُمَّ اَشْبِعْ كُلَّ جائِع، اَللّـهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيان"[2]، يستطيع الإنسان أن يطلب حاجة عظيمة كهذه من الله! في دعاء سحر يوم الجمعة، وهو دعاء مستحبّ، قصير، ولكن ممتاز. إذا وُفّقتم، فمن الضروري أن تقرؤوا هذا الدعاء. في الدعاء، تطلب بعض الحاجات من الله, ثم تأتي هذه العبارة: "طُمُوحُ الآمالِ قَدْ خابَتْ إِلاّ لَدَيْكَ وَمَعاكِفُ الهِمَمِ قَدْ تَعَطَّلَتْ إِلاّ عَلَيْكَ"[3]. إلهي قافلة حوائجنا لن تتحرّك، إلّا إذا دخَلَت في كنف بيتك. فالله لا يخاف من حاجة الإنسان الكبيرة! فلتطلبوا من الله حوائجكم مهما كبرت. وليحذر الإنسان أن يقول في يوم من الأيّام: "حسناً, لو أنّي أردت هذا الشيء لنفسي فقط لكان ممكناً، أمّا أن أطلب العافية لجميع النّاس، فهذا كبيرٌ جداً. فكيف أطلب هذا من الله؟!" اطلبوا, اطلبوا هذا للبشر, اطلبوا هذا الشيء لكلّ إنسان, هناك بعض الأشياء التي يجب أن تطلبوها للمسلمين. فالعبارة: "اللّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فاسِدٍ مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ"[4]، تختصّ بالمسلمين"[5].
111
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الآثار الدّنيوية والأخروية للزيارة.
2- يتعرّف إلى أهمّ نماذج الزِّيارة عن قرب لأهل البيت عليهم السلام.
3- يفهم أدلة مشروعية الزِّيارة عن بعد لأهل البيت عليهم السلام.
133
112
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
أولاً: الآثار الدنيوية والأخروية لزيارة آل البيت عليهم السلام
1- من الآثار الدّنيوية:
ورد في الأخبار العديد من الآثار الدنيوية للزيارة، منها:
أ- عدم الابتلاء عند الموت: روي عن العسكري عليه السلام أنَّه قال: "من زار جعفراً وأباه لم يشتكِ عينه، ولم يصبه سقمٌ، ولم يمُتْ مبتلى"[1].
ب- لطلب الرّزق: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "أموا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرجتم إلى بيت الله الحرام، فإنَّ تركه جفاءٌ وبذلك أمرتم، وألمّوا بالقبور التي ألزمكم الله حقّها وزيارتها، واطلبوا الرزق عندها"[2].
ج - الأمن من الفقر والفاقة: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زارني، غُفرت ذنوبه ولم يمت فقيراً"[3].
113
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
2- من الآثار الأخروية:
أ- عناية الملائكة به: عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين عليه السلام، شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم ملك يقال له منصور، فلا يزوره زائر إلّا استقبلوه، ولا يودّعه مودع إلّا شيّعوه، ولا يمرض إلّا عادوه، ولا يموت إلّا صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته"[1].
ب- المغفرة: فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا كان النصف من شعبان نادى منادٍ من الأفق الأعلى: ألا زائري قبر الحسين، ارجعوا مغفوراً لكم، وثوابكم على ربّكم ومحمد نبّيكم"[2].
ج- الثواب الجزيل: عن صالح النيلي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه، كتب الله له أجر من أعتق ألف نسمة، وكمن حمل على ألف فرس مسرجة ملجمة في سبيل الله"[3].
د- أفضل من الحجّ والعمرة المندوبين: عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "زيارة قبر الحسين عليه السلام تعدل عشرين حجّة، وأفضل من عشرين عمرة وحجّة"[4].
هـ- الشَّفاعة يوم القيامة: عن الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من زارني حيّاً أو ميّتاً، كنت له شفيعاً يوم القيامة"[5].
114
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
و- الأجر الجزيل: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عارفاً بحقّه، غير متجبّر ولا متكبّر، كتب الله له أجر مئة ألف شهيد، وغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر"[1].
ثانياً: زيارات الأئمة عليهم السلام من قرب[2]
لقد ورد العديد من الروايات التي ذَكَرت نصوص وآداب زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن قرب، منها:
1- زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "قف عند قبره عليه السلام، واجعل وجهك تلقاء وجهه - والقبلة بين كتفيك - وقل: السلام عليك يا رسول الله،لسلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا أمين الله، أشهد أنّك قد نصحت لأمّتك، وجاهدت في سبيل ربّك، وعبدته مخلصاً حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيّاً عن أمّته. اللهمّ، صلِّ على محمد وآل محمد أفضل ما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد!"[3].
2- زيارة السيدة الزهراء عليها السلام: روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أردت زيارتها، فتوجّه إلى القبلة في الروضة، وقل: السلام عليك يا رسول الله، السلام على ابنتك الصدّيقة الطاهرة، السلام عليكِ يا فاطمة بنت رسول الله، السلام عليكِ أيّتها البتول الشهيدة الطاهرة (...) صلّى الله عليكِ يا بنت رسول الله، وعلى أبيك، وبعلك، وولدك الأئمّة الراشدين، عليكِ و عليه السلام ورحمة الله وبركاته"[4].
115
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
3- زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: فقد روي عن الإمام عليه السلام: "تجعل القبلة بين كتفيك، وتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا حجّة الله، السلام عليك يا سيّد الوصيين، السلام عليك يا خليفة رسول ربّ العالمين، أشهد أنّك قد بلّغت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حمّلك، وحفظت ما استودعك، وحلّلت حلال الله، وحرّمت حرام الله، وتلوت كتاب الله، وصبرت على الأذى في جنب الله محتسباً، حتّى أتاك اليقين، لعن الله من خالفك، ولعن الله من قتلك، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي به، أنا إلى الله منهم براء"[1].
4- زيارة الإمام الحسن عليه السلام: تقول: "السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا بقيّة المؤمنين وابن أوّل المسلمين، أشهد أنّك سبيل الهدى، وحليف التقوى، وخامس أصحاب الكساء، غذّتك يد الرحمة، وتربّيت في حجر الإسلام، ورضعت من ثدي الإيمان، فطبت حيّاً وميّتا، صلّى الله عليك، أشهد أنّك أدّيت صادقاً، ومضيت على يقين (..) أتيتك زائراً، عارفاً بحقّك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربك"[2].
5- زيارة الإمام الحسين عليه السلام: فقد جاء في زيارته: "أنَّه إذا أتيت مشهده عليه السلام فاغتسل قبل أن تدخله، والبس أطهر ثيابك، وقف على القبر، واستقبله بوجهك، واجعل القبلة بين كتفيك، وقل: "السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، السلام عليك يا بن الصدّيقة الطاهرة، سيّدة نساء العالمين، السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته (..) أشهد أنّ الذين خالفوك، وأنّ الذين حاربوك، وأنّ الذين خذلوك، والذين قتلوك ملعونون على لسان النبيّ الأمّي... أتيتك يا مولاي يا ابن رسول الله زائرا،
116
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
عارفاً بحقّك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، مستبصراً بالهدى الذي أنت عليه، عارفاً بضلالة من خالفك، فاشفع لي عند ربك. ثمّ انكبّ على القبر وقبّله، وضع خدّك عليه"[1].
6- زيارة جامعة لكل الأئمة عليهم السلام في زيارتهم من قرب: فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنَّه قال: "يجزيك في الزِّيارة لكل إمام أن تقول: السلام على أولياء الله وأصفيائه، السلام على أمناء الله وأحبّائه، السلام على أنصار الله وخلفائه، السلام على محالّ معرفة الله، السلام على معادن حكمة الله، السلام على مساكن ذكر الله، السلام على عباد الله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، السلام على مظاهر أمر الله ونهيه، السلام على الأدلّاء على الله، السلام على المستقرّين في مرضات الله، السلام على الممحّصين في طاعة الله، السلام على الذين من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، أشهد الله أنّني حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم، مؤمن بما آمنتم به، كافر بما كفرتم به، محقّق بما حقّقتم، ومبطل ما أبطلتم، مؤمن بسرّكم وعلانيتكم، مفوّض في ذلك كلّه إليكم، والحمد لله رب العالمين، لعن الله عدوّكم من الجنّ والإنس، وضاعف عليهم العذاب الأليم ثمّ تصلّي صلاة الزِّيارة، وتدعو بعدها بما شئت. وقد تمّت زيارتك إن شاء الله"[2].
ثالثاً: مشروعية الزِّيارة من بعد وكيفيتها
إنّ الزِّيارة من بعد من الأمور التي أوصى بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام محبّيهم ممّن لا يستطيع الزِّيارة من قرب، وقد وردت العديد من الروايات عنهم سلام الله عليهم في ذلك، ومنها:
117
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
1- السلام من بعد: روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام، فإنّه يبلغني"[1].
وروى يونس بن ظبيان فقال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، إنّي كثيراً ما أذكر الحسين عليه السلام, فأيّ شيء أقول؟ قال: قل: "صلّى الله عليك يا أبا عبد الله"، تعيد ذلك ثلاثا, فإنّ التسليم يصل إلينا من قريب ومن بعيد"[2].
2- عند عدم القدرة أو بُعد الدار: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "إذا بعدت بأحدكم الشقة، ونأت به الدار، فليعلُ أعلى منزله، ويصلّي ركعتين، وليؤمّ بالسلام إلى قبورنا, فإنّ ذلك يصل إلينا"[3].
3- زيارة القائم عليه السلام: إذ إنّ القائم عليه السلام ممّن مدّ الله تعالى في عمره، فلا قبر له لكي يزار فيه، وإنَّما "يستحب زيارته في كلّ مكان وزمان"[4].
4- زيارة الإمام الحسين عليه السلام: في زيارة عاشوراء المشهورة، حيث ورد استحباب قراءتها ولو من بُعد، فقد روي عن علقمة أنَّه قال: "قال أبو جعفر عليه السلام: إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزِّيارة من دارك فافعل، ولك ثواب جميع ذلك"[5].
كيفية الزِّيارة من بعد
روي عن الإمام الرض عليه السلام: "من زارني على بعد داري، أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتّى أخلَّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً، وعند الصراط، وعند الميزان"[6].
[1] الشيخ المفيد، المقنعة، ص375.
[2] م.ن، ص491.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص587.
[4] العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر: تحرير الأحكام، ج2، ص126، الشيخ جعفر السبحاني(إشراف)، الشيخ إبراهيم البهادري(تحقيق)، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1420هـ، ط1.
[5] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد، ص776 - 777.
118
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
فإذا أراد الإنسان وهو في بلده أن يزور آل البيت عليهم السلام، فقد ورد إلينا منهم عليه السلام كيفيّة ذلك، والآدب الواجب مراعاتها في الزِّيارة، وهي:
1- فعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "من أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، وقبور الحجج عليه السلام وهو في بلده، فليغتسل في يوم الجمعة، وليلبس ثوبين نظيفين، وليخرج إلى فلاة من الأرض، ثمّ يصلَّي أربع ركعات، يقرأ فيهنّ ما تيسّر من القرآن، فإذا تشهّد وسلَّم، فليقم مستقبل القبلة، وليقل: السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام عليك أيّها النبيّ المرسل، والوصيّ المرتضى، والسيّدة الكبرى، والسيّدة الزهراء، والسبطان المنتجبان والأولاد والأعلام والأمناء المنتجبون، جئت انقطاعاً إليكم وإلى آبائكم وولدكم الخلف على بركة الحقّ، فقلبي لكم سلم، ونصرتي لكم معدّة، حتّى يحكم الله بدينه، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي لمن القائلين بفضلكم، مقرّ برجعتكم، لا أنكر لله قدرة، ولا أزعم إلَّا ما شاء الله، سبحان الله ذي الملك والملكوت، يسبّح الله بأسمائه جميع خلقه، والسّلام على أرواحكم وأجسادكم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وفي رواية أخرى: افعل ذلك على سطح دارك"[1].
2- الزِّيارة من بُعد "المعدَّلة": عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا بعدت بأحدكم الشقة، ونأت به الدار فليعلُ على منزله وليصلّ ركعتين، وليؤمّ بالسلام إلى قبورنا, فإنّ ذلك يصل إلينا، ولتسلّم على الأئمّة عليهم السلام من بعيد كما تسلّم عليهم من قريب، غير أنّك لا يصحّ أن تقول: أتيتك زائرا، بل تقول موضعه: قصدتك بقلبي زائراً إذ عجزت عن حضور مشهدك، ووجّهت إليك سلامي لعلمي بأنّه يبلغك صلّى الله عليك، فاشفع لي عند ربّك عزّ وجلّ، وتدعو بما أحببت"[2].
119
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
3- طريقة ثانية للزيارة من بعد: عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "يا سدير، تكثر زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام؟ قلت: أنَّه منّي بعيد، فقال: ألا أعلّمك شيئاً إذا أنت فعلته كتبت لك بذلك الزِّيارة؟ قلت: بلى، قال: اغتسل في منزلك، وانزل إلى سطح دارك، وأشر إليه بالسلام تكتب لك بذلك الزِّيارة"[1].
رابعاً: الزِّيارة التطوّعية
من الأمور المستحبة أيضاً في زيارة الأئمّة عليهم السلام، أن يقوم الزائر بالتطوّع عمّن يريد إن كان في الحجّ أو في زيارة الآل عليهم السلام، وقد روى جعفر بن محمد المشهدي في كتابه "المزار"، باب "ثواب الحجّ والزِّيارة عن الإخوان بالأجر" رواية عن أجر التطوع في الحجّ والزيارة، فقال: "إنّ أبا عبد الله عليه السلام أرسل إلى بعض الشيعة فقال: خذ هذه الدراهم، فحجّ عن ابني إسماعيل، يكن لك تسعة أسهم من الثواب ولإسماعيل سهم واحد"[2].
وفيما يقول الزائر عن أخيه تطوّعاً: "فإذا زرت عن أبيك وأخيك وأمّك تطوّعاً، فسلّم على الإمام على نسق التسليم، فإذا فرغت فصلِّ ركعتين، فإذا سلمت منهما فاسجد، وقل في سجودك: اللهمّ لك صلّيت يا ربّ، ولك ركعت، ولك سجدت, لأنّه لا ينبغي الصَّلاة إلا لك، لأنّك أنت الله ربّ العالمين. اللهمّ وقد جعلت ثواب صلاتي وسلامي وزيارتي هذه، وهاتين الركعتين هدية منّي إلى -فلان بن فلان- فتقبّل ذلك منّي، وأجرني عليه خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، إنّك على كلّ شيء قدير"[3].
[1] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص578.
[2] المشهدي، محمد بن جعفر: المزار، ص595، جواد القيومي الأصفهاني (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419هـ، ط1.
[3] الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المزار، ص211، السيد محمد باقر الأبطحي (تحقيق)، بيروت، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1993م، ط2.
141
120
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
مفاهيم رئيسة
1- إنّ لزيارة أهل البيت عليهم السلام جملة من الآثار الدنيوية والأخروية التي وردت فيها نصوص منهم عليهم السلام.
2- من الآثار الدّنيوية للزيارة، أنّها تورث: الشّفاء من الأمراض، وتزيد في الرّزق، وتؤمن من الفقر والفاقة.
3- من الآثار الأخروية للزيارة، أنّها تورثُ: عناية الملائكة به، والمغفرة، والثواب الجزيل، وأنّها أفضل من الحجّ والعمرة المندوبين، وأنّها تورث الشَّفاعة يوم القيامة، والأجر الجزيل.
4- لقد وردت العديد من الأدلّة على مشروعية الزِّيارة من بعد، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام، فإنّه يبلغني".
5- تستحب الزِّيارة عند عدم القدرة أو بُعد الدار: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "إذا بعدت بأحدكم الشقة، ونأت به الدار فليعلُ أعلى منزله، ويصلي ركعتين، وليؤمّ بالسلام إلى قبورنا، فإنّ ذلك يصل إلينا".
6- وقد وردت كيفية الزِّيارة من بعد تطوعاً، فقد روى جعفر بن محمد المشهدي فقال: "إنّ أبا عبد الله عليه السلام أرسل إلى بعض الشيعة فقال: خذ هذه الدراهم، فحجّ عن ابني إسماعيل، يكن لك تسعة أسهم من الثواب ولإسماعيل سهم واحد".
142
121
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد
للمطالعة
اطلبوا الحاجات الصغيرة من الله
يجب أن لا تتمنّعوا عن طلب الحاجة لصغرها. فلتطلبوا حاجاتكم الصغيرة جداً من الله كذلك. روي عن الإمام الباقر عليه السلام، أنّه قال: "لا تحقّروا صغيراً من حوائجكم، فإنّ أحبّ المؤمنين إلى الله أَسأَلهم"[1].
حسناً، إذا احتاج الإنسان إلى شيء صغير، يستطيع أن يذهب إلى الدكّان ويشتريه, فهل هذا بحاجة إلى الدعاء؟! أجل! عندما تشعرون بالحاجة إلى هذا الشيء الصغير، توجّهوا بقلوبكم إلى الله، وقولوا: "إلهنا، يسّر لنا هذا الشيء!". أمّا التسلسل، كيف هو؟ فيتمّ على الشكل الآتي: أضع المال في جيبي، أذهب إلى الزقاق، أشتري من الدكّان، ومن ثمّ أستخدمه. على أيّ حال، يجب أن تطلبوا من الله، فإنّكم حتّى لو ذهبتم إلى الدكان ودفعتم المال واشتريتم هذا الشيء، فإنّ الله هو الذي أعطاكم هذا الشيء. وليس هناك من شيء يصل إلى يد الإنسان إلّا من الله. ما من شيء يصلنا، إلّا والله تعالى هو الذي يعطينا إيّاه.
كما علينا أوّلاً، أن نطلب ما يعطينا الله إيّاه. علامَ نطلب؟ إنّ أحد الأسباب التي لأجلها أمرونا أن نطلب الحاجات الصغيرة من الله، هي أن نلتفت إلى حوائجنا وعجزنا وحقارتنا وعوزنا، لندرك كم نحن فقراء. لو أنّ الله تعالى لم يساعدنا أو يعطنا القدرة والإمكانية، ولم يعطنا التفكير والابتكار، ولم يعطنا الوسائل، لما تمكّنا حتّى من الحصول على هذا الشيء الصغير أو الحقير.
... كانت هذه أيضاً إحدى المسائل في موضوع الدعاء, وهو أنّ على الإنسان أن يحصل على حاجاته عن طريق الدعاء[2].
122
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
الفصل الثاني
آداب الدعاء، والزيارة
وشروطهما[1]
1- يحدِّد الآداب الظاهرية والمعنوية للدعاء.
2- أن يميّز الشّروط الخاصة بقبول الدعاء وموانعه.
3- يستفيد من الأمكنة والأزمنة التي يستجاب بها الدُّعاء.
4- يعرف أهمّ آثار الدعاء في الدنيا والآخرة ويتفاعل معها.
[1] ملاحظة: نعني بالآداب، الآداب الظاهرية والمعنوية المتعلّقة بالداعي وقراءة الدعاء وكذا الزيارة. ونعني بالشروط، الشروط التي يقع عنها قبول الدعاء والزيارة بناءً لرأي الشهيد مطهري في كتابه الدعاء.
145
123
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
الدرس العاشر: آداب الدعاء (1)
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعدِّد جملة من آداب الدّعاء.
2- يتعرّف إلى أهميّة الطهارة وأثرها في الدعاء.
3- يفهم السرّ في الثناء على الله وذكر الأسماء الحسنى في الدعاء.
147
124
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
تمهيد:
لقد حدَّدت النصوص الإسلامية الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت عليهم السلام آداباً للدّعاء، لا بدّ للدّاعي أن يراعيها كي يتقرّب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه، ويتحقّق مطلوبه من الدُّعاء، وإذا أهملها الدَّاعي فقد لا تتحقّق له الاستجابة المرجوّة من الدُّعاء، ولا تحصل له نورانيّة القلب، وتهذيب النّفس، وسموُّ الرّوح الناتجة
عن الدُّعاء.
آداب الدعاء
1- الطهارة
من آداب الدُّعاء أن يكون الدَّاعي على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، ولاسيما إذا أراد الدُّعاء عقيب الصَّلاة، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "يا مسمع، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أنْ يتوضَّأ ثم يدخل مسجده، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما، أما سمعت الله يقول: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾[1].
125
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
وإنَّ الاهتمام بالطّهارة الجسديّة والمعنوية للداعي، من قبيل رفع القاذورات والنّجاسات، ورفع الحدث الوضوء، من الأمور الهامّة في آداب الدَّاعي. ذلك أنَّ الإقدام على رفع القذارة الجسدية بالماء، والتي لا يرفعها غيره، يشكّل مقدّمة أدبيّة لرفع القاذورات المعنوية، فعن الإمام الصّادق عليه السلام أنَّه قال: "إذا أردت الطّهارة والوضوء فتقدّم إلى الماء تقدّمك إلى رحمة الله فإنّ الله, قد جعل الماء مفتاح قُربته ومناجاته ودليلاً على بساط خدمته، وكما أن رحمة الله تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهّرها الماء لا غير"[1].
وللوضوء الكثير من الآثار منها:
أ- الوضوء طريق للإخلاص: في الحديث المتقدّم يذكر الإمام الصادق عليه السلام كيفيَّة تعامل السَّالك مع الحقّ تعالى، فيقول: "ولتكن صفوتك مع الله في جميع طاعتك كصفوة الماء حين أنزله من السماء وسمّاه طهوراً"[2]. ويشرح الإمام الخميني قدس سره ذلك فيقول: "يلزم للسالك إلى الله أن يكون خالصاً من تصرُّف الطَّبيعة ولا يكون لكدورتها وظلمتها طريقٌ إلى قلبه، وتكون جميع عباداته خالية عن جميع الشرك الظاهري والباطني، وكما أنَّ الماء في وقت نزوله من السماء طاهر وطهور وما امتدّت إليه يد تصرّف القذارات، كذلك قلب السالك الذي نزل من سماء عالم غيب الملكوت"[3].
ب- الوضوء طريق لتحصيل التقوى واليقين: بعد هذا يبيّن عليه السلام وظيفة هامّة، إذ يقول: "وطهّر قلبك بالتقوى واليقين عند تطهير جوارحك بالماء". وفي هذا إشارة إلى مقامين شامخين لأهل المعرفة. "الأول: التقوى، وكماله ترك غير الحقّ. والثاني: اليقين، وكماله مشاهدة حضور المحبوب"[4].
126
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
وبالتالي يكون الوضوء قبيل الدُّعاء، طريقاً لتحصيل الطّهارة الجسديّة، وكذلك مدخلاً هامّاً لتهيئة القلب لتلقّي الفيض الرّباني والرحمة الإلهية.
2- الصَّلاة
يستحبّ أنْ يصلِّي الدَّاعي ركعتين قبل أنْ يشرَع بالدَّعاء، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ صلّى ركعتين، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما، ثمّ سلَّم وأثنى على الله عزَّ وجلّ وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سأل حاجته فقد طلب الخير في مظانِّه، ومن طلب الخير في مظانِّه لم يَخبْ"[1].
وقد روي عنه عليه السلام أيضاً أنَّه قال: "إنّ رجلاً دخل المسجد، فصلَّى ركعتين، ثمّ سأل الله عزّ وجلّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعجل العبد ربّه. وجاء آخر فصلّى ركعتين، ثمّ أثنى على الله عزَّ وجلّ، وصلَّى على النبي وآله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: سَلْ تُعطَ"[2].
3- البسملة
ومن آداب الدُّعاء أن يبدأ الدَّاعي دعاءه بالبسملة، لما روي من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه: "لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم"[3].
على أنّ لهذا الأدب الظاهري شروطاً معنوية ينبغي الالتفات إليها، كي يتحقَّق أثره في الاستجابة. منها ما روي عن الرض عليه السلام حين سئل عن تفسير البسملة أنَّه قال: "معنى قول القائل بسم الله، أي أسِمُ على نفسي سمةً من سمات الله، وهي العبادة. قال الراوي: فقلت: ما السمة؟ قال: العلامة"[4].
127
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
يقول الإمام الخميني قدس سره "تسمية السالك عبارة عن الاتّصاف بالسمات الإلهية. والأدب أن نَسِمَ القلب بسمة العبودية وكيّها عند التسمية، ونعلن القلب من سمات الله والعلامات الإلهية، وألّا نكتفي بلقلقة اللسان"[1].
وأمَّا الطَّريق لتحصيل هذا التسمية على وجهها المطلوب: "إذا أراد السالك أن تكون تسميتة حقيقيّة، فلا بدّ له أن يوصل مراحم الحقّ تعالى إلى قلبه، ويتحقَّق بالرّحمة الرحمانية والرحيمية, وعلامة حصول نموذج منها في القلب أنَّه ينظر إلى عباد الله بنظر العناية والتلطُّف، ويطلب الخير والصلاح للجميع"[2].
4- الثناء على الله تعالى
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أنْ يحمد الله ويثني عليه، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدُّعاء. والثناء على الله سبحانه اعتراف بالوحدانية، وتحقيق للانقطاع التامّ إلى الله تعالى دون سواه.
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّه قال: "الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله"[3]، وعن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً أنَّه قال: "إذا طلب أحدكم الحاجة فَليُثنِ على ربّه، وليمدحه"[4].
وقد أعدَّ الله تعالى لمن يمدحه ويُمَجِّده على حسن آلائه جزيل الثَّواب بما يفوق رغبة السَّائلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تشاغل بالثناء على الله، أعطاه الله فوق رغبة السائلين"[5].
128
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
أمّا ما يجزي من الثَّناء على الله سبحانه قبل الشُّروع بالدُّعاء، فقد رُوي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنَّه سُئل عن ذلك فقال: "تقول: اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظَّاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وأنت العزيز الكريم"[1].
5- الدُّعاء بالأسماء الحسنى
على الدَّاعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى لقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[2].
وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾[3].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لله عز وجل تسعة وتسعون اسماً، من دعا الله بها استجيب له"[4].
وقد ورد في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام تأكيدٌ كثيرٌ على الدُّعاء بالأسماء الحسنى، وأنَّ الله تعالى يستجيبُ لعبده المؤمن إذا دعاه بأسمائه الحسنى، خصوصاً في حال السجود.
وعنه عليه السلام أنَّه قال: "إذا قال العبد وهو ساجد: يا الله يا ربّاه يا سيّداه، ثلاث مرّات، أجابه تبارك وتعالى: لبيك عبدي، سلّ حاجتك"[5].
وقال عليه السلام: "كان أبي إذا لجّت به الحاجة يسجد من غير صلاة ولا ركوع، ثمّ يقول: يا أرحم الراحمين، سبع مرات، ثم يسأل حاجته، ثم يقول: ما قالها أحد سبع مرات إلاّ قال الله تعالى: ها أنا أرحم الراحمين، سلْ حاجتك"[6].
129
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
6- الصَّلاة على النبيّ وآله عليهم السلام
لا بدّ للدّاعي أنْ يصلّي على محمّد وآله بعد الحمد والثّناء على الله سبحانه، وهي تؤكّد الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأهل بيته المعصومين عليهم السلام الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى, لذا فهي من أهمّ الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدُّعاء.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال الدُّعاء محجوباً حتى يصلّي عليَّ وعلى أهل بيتي"[1].
أمّا في كيفيّة الصَّلاة على النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روي بالإسناد عن بريدة، قال: قلنا: يا رسول الله، قد عُلِّمنا كيف نسلِّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "قولوا: اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد، كما جعلتها على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد"[2].
ومن نماذج الصَّلاة على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في الدُّعاء ما روي بالإسناد عن حريز، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، كيف الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
فقال: "قل: اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين ألهمتهم علمك، واستحفظتهم كتابك، واسترعيتهم عبادك، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبّهم ومودّتهم، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته، الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيّك صلّى الله عليه وعلى أهل بيته"[3].
130
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
7- التوسّل بمحمد وأهل بيته عليهم السلام
وينبغي للداعي أن يلِج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها، وأهل البيت عليهم السلام هم سفن النجاة لهذه الأمَّة، فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسّل إلى الله بهم عليهم السلام، ويسأله بحقّهم، ويقدّمهم بين يدي حوائجه.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأوصياء منّي بهم تُنصر أُمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع الله عنهم، وبهم استجاب دعاءهم"[1]، وعن الإمام الباقر عليه السلام: "من دعا الله بنا أفلح، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك"[2].
ومن لطيف ما تذكره الكتب، ما ذكره الثعلبي في قصصه، في قصّة النّبي يوسف عليه السلام إذ يقول: "فلمّا كان في اليوم الرابع أتاه جبريل عليه السلام قال: يا غلام، من طرحك ها هنا في هذا الجبّ؟
قال: إخوتي لأبي. قال: ولِمَ؟ قال: حسدوني على منزلتي من أبي.
قال: أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ؟ قال: نعم.
قال: قل: يا صانع كلّ مصنوع ويا جابر كلّ مكسور، ويا حاضر كلّ ملأ، ويا شاهد كلّ نجوى، ويا قريباً غير بعيد، ويا مؤنس كلّ وحيد، ويا غالباً غير مغلوب، ويا علّام الغيوب، ويا حيّاً لا يموت، ويا محيي الموتى، لا إله إلاّ أنت سبحانك، أسألك يا من له الحمد، يا بديع السماوات والأرض، يا مالك الملك، ويا ذا الجلال والإكرام، أسألك أن تُصلّي على محمّد وعلى آل محمّد، وأن تجعل لي من أمري ومن ضيقي فرجاً ومخرجاً، وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب. فقالها يوسف، فجعل الله له من الجبّ مخرجاً، ومن كيد إخوته فرجاً، وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب"[3].
131
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
8- المسألة وتسمية الحوائج
وينبغي للدَّاعي أن يذكر - بعد الثَّناء على الله تعالى والصّلاة على النبي وآله عليهم السلام والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدّنيا والآخرة، وأن لا يستكثر مطلوبه, لأنَّه يطلب من ربِّ السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كلّ شيء.
وعليه أيضاً أن لا يستصغر حاجةً صغيرةً لصغرها، لما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "ولا تتركوا صغيرة لصِغَرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار"[1]، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "ليسأل أحدكم ربّه حاجته كلّها، حتّى يسأله شسع نعله إذا انقطع"[2].
ويستحبّ للدّاعي إذا كان دعاؤه عبادةً خالصةً يتقرّب بها إلى مولاه أن يسأل ما يبقى جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلى الله تعالى التي يتساوى فيها جميع البشر.
والله سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج، وتُسمَّى بين يديه تعالى، وذلك كي يُقبل الدَّاعي إلى ربه، محتاجاً إلى كرمه، فقيراً إلى لطفه ومغفرته.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، لكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك"[3].
وكذلك روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "إنَّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعا، ولكنّه يحبّ أن يبثّ إليه الحوائج"[4].
132
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
9- التختّم بالعقيق والفيروزج
ويستحبّ في الدُّعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج، لما روي عن الإمام الصّادق عليه السلام قوله: "ما رفعت كف إلى الله عزَّ وجلّ أحبُّ إليه من كفّ فيها عقيق"[1].
ولقوله عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عزَّ وجلّ: إنّي لأستحي من عبد يرفع يده، وفيها خاتم فيروزج، فأردّها خائبة"[2].
10- الاجتماع في الدُّعاء
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[3]. وروى أبو خالد عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا، فدعوا الله في أمر، إلّا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعين، فأربعة يدعون الله عشر مرّات إلّا استجاب الله عزّ وجلّ لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرّة يستجيب الله العزيز الجبار له"[4].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "كان أبي إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان، ثمّ دعا وأمّنوا"[5].
133
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
مفاهيم رئيسة
1- من آداب الدُّعاء أن يكون الدَّاعي على وضوء، لاسيما إذا أراد الدُّعاء عقيب الصَّلاة.
2- يستحبّ أن يبدأ الدَّاعي دعاءه بالبسملة، لما روي من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه: "لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم".
3- ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أنْ يحمد الله ويثني عليه، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدُّعاء.
4- على الدَّاعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى لقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾.
5- الصَّلاة على النبي وآله عليهم السلام من آداب الدعاء، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال الدُّعاء محجوباً حتى يصلّى عليَّ وعلى أهل بيتي".
6- التوسّل بمحمد وأهل بيته عليهم السلام من آداب الدعاء، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأوصياء منّي بهم تُنصر أُمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع الله عنهم، وبهم استجاب دعاءهم".
7- ينبغي للدَّاعي أن يذكر - بعد الثَّناء على الله تعالى والصّلاة على النبي وآله عليهم السلام والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدّنيا والآخرة، وأن لا يستكثر مطلوبه.
8 - يستحب في الدُّعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج، وقد روي عن الإمام الصّادق عليه السلام قوله: "ما رفعت كفّ إلى الله عزَّ وجلّ أحبُّ إليه من كفّ فيها عقيق".
9 - الاجتماع في الدُّعاء من آداب الدعاء، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "كان أبي إذا حزنه أمر، جمع النّساء والصّبيان ثمّ، دعا وأمّنوا".
157
134
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1
للمطالعة
علّة عدم استجابة الدعاء
أحياناً, مهما دعا الإنسان لا يُستجاب له. فما العلّة؟ لقد حلّت لنا الروايات في ديننا هذه المشكلة. فقد جاء في رواية أنّ الإمام علي عليه السلام قال: "قلت: اللهمّ، لا تحوجني إلى أحد من خلقك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، لا تقولنّ هكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من أحد إلا وهو محتاج إلى النّاس، قال: فقلت: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قل اللهمّ لا تحوجني إلى شرار خلقك، قلت: يا رسول الله، ومَن شرار خلقه؟ قال: الذين إذا أعطوا منّوا، وإذا منّوا عابوا"[1].
وهل يمكن أن لا يحتاج إنسان إلى الآخرين؟ لا تقل إلهي لا تحوجني إلى أيٍّ كان, فهذا خلاف الطبيعة البشريّة وخلاف السنّة الإلهيّة، وخلاف ما أودعه الله في وجود الإنسان. لماذا تقول إلهي لا تحوجني إلى أحد؟ فهذا دعاء لا يستجاب. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قل لا تحوجني إلى شرار خلقك", أي قل لا تحوجنا إلى الأشرار من الناس، لا تحوجنا إلى اللّئام من الناس. هذا هو الصحيح، هذا ما يمكن أن يتحقّق، هذا ما يُطلب من الله. فإذن، لن يستجاب الدعاء عندما نطلب من الله تعالى شيئاً لا يمكن أن يتحقّق، ويتعارض مع السنن القائمة في العالم.
إنّ أحد شروط استجابة الدعاء هو أن نقرأه بحضور قلب. أحياناً يكون الدعاء لقلقة لسان، جملاً من قبيل: "يا ربّ سامحنا!"، "يا ربّ وسّع علينا رزقنا!" "يا ربّ اقضِ ديننا". قد يدعو الإنسان عشر سنوات هكذا، دون أن يستجاب له أبداً. هذا لا يفيد. فمن شروط الدعاء هو ما تفضّل به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "اعلموا أنّ الله لا يقبل الدعاء عن قلب غافل"[2].[3]
135
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء (2)
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعدِّد ثمانية من آداب الدّعاء.
2- يفهم أهميّة البكاء والتباكي في الدعاء وميّزاته.
3- يعرف آداب ما بعد الدعاء.
159
136
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
آداب الدعاء: القسم الثاني
1- التوجّه إلى القبلة
من الآداب التي ينبغي للدَّاعي أن يراعيها، أن يتوجّه أثناء الدُّعاء إلى القبلة ببدنه، ويترك استدبارها بل التلفّت يمنة ويسرة. فقد جاء في الروايات أنَّ: "رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى الموقف بعرفة، واستقبل القبلة، ولم يزل يدعو حتّى غربت الشّمس"[1].
ولهذا الأدب أبعاد معنويّة لطيفة، أهمّها: أن يتوجّه الإنسان بقلبه كما يتوجّه ببدنه إلى القبلة، ويتوجّه إلى "مركز العبادة ونقطة التوحيد"[2] وينقطع بهذا التوجُّه عن غير الله سبحانه وتعالى. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "اذا استقبلتَ القبلة فآيس من الدُّنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كلّ شاغل يشغلك عن الله تعالى، وعاين بسرّك عظمة الله تعالى، واذكر وقوفك بين يديه يوم تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحقّ، وقف على قدم الخوف والرَّجاء"[3].
137
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
- البكاء والتباكي
فإنّ خير الدُّعاء ما هيّجه الوجد والأحزان، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله، الذي هو سيّد آداب الدُّعاء وذروتها, ذلك لأنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه، والدمعة سفير رِقَّةِ القلب الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير: "إن خفتَ أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ بالله ومَجِّدهُ واثنِ عليه كما هو أهله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وَسَل حاجتَكَ، وتباكَ ولو مثل رأس الذباب، إنّ أبي كان يقول: إنّ أقربَ ما يكون العبدُ من الرّب عزَّ وجل وهو ساجدٌ باكٍ"[1].
وفي البكاء من خشية الله من الخصوصيات والفضائل ما لا يوجد في غيره، فهو رحمةٌ مزجاة من الخالق العزيز لعباده، تقرِّبُهُم من منازل لطفه وكرمه، وتتجاوز بهم عقبات الآخرة وأهوالها.
وإذا كان البكاء يفتح القلب على الله تعالى، فإن جُمُودَ العين يُعبِّرُ عن قساوة القلب التي تطرد العبد من رحمة الله ولطفه وتؤدّي إلى الشقاء، وكان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي عليه السلام: "يا علي، أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبُعد الأمل، وحبّ البقاء"[2].
وما يجب أن يُلتفت إليه أنَّ البكاء إلى الله سبحانه فرَقاً من الذّنوب، هو أمرٌ محبوب، لكنّه غير مجدٍ مع عدم الإقلاع عنها، والتّوبة منها، وقد روي عن سيّد العابدين عليه السلام أنَّه قال: "وليس الخوف من بكى وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجزه عن معاصي الله، وإنَّما ذلك خوف كاذب"[3].
138
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
ومن ميّزات البكاء, أمور منها:
أ- أنَّه دليلٌ على رقّة القلب: وهو دليلُ الإخلاص الذي عنده تحصل الإجابة. قال الصادق عليه السلام: "إذا اقشعر، جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك، فدونك دونك فقد قصد قصدك". ولأنّ جمود العين من قساوة القلب على ما ورد به الخبر وهو يؤذن بالبعد من الله سبحانه وتعالى.
ب- أنَّه دليل على الانقطاع إلى الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبّ الله عبداً نصب في قلبه نائحة من الحزن, فإنّ الله يحب كلّ قلب حزين، وإنّه لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن إلى الضرع، وأنه لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في منخري المؤمن أبدا"[1].
ج- موافقته أمر الحقّ سبحانه وتعالى في وصاياه لأنبيائه: حيث يقول لعيسى عليه السلام: "يا عيسى، هب لي من عينيك الدموع، ومن قلبك الخشية، وقم على قبور الأموات، فنادهم بالصوت الرفيع، فلعلّك تأخذ موعظتك منهم، وقل: إنّي لاحق في اللاحقين، صبّ لي من عينيك الدموع، واخشع لي بقلبك. يا عيسى، استغث بي في حالات الشدّة, فإنّي أغيث المكروبين وأجيب المضطرين، وأنا أرحم الراحمين"[2].
د- الجزاء العظيم للبكاء: فقد روى أنّ بين الجنّة والنار عقبة لا يجوزها إلا البكّاؤون من خشية الله تعالى. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "إنّ ربّي تبارك وتعالى أخبرني، فقال: وعزّتي وجلالي، ما أدرك العابدون مما أدرك البكّاؤون عندي شيئاً، وإنّي لأبني لهم في الرّفيع الأعلى قصراً لا يشاركهم فيه غيرهم"[3].
[1] ابن فهد الحلي، عدة الدَّاعي، ص116.
[2] الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: الأمالي، ص236، علي أكبر الغفاري (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، دار المفيد للطابعة والنشر والتوزيع (ناشر، بيروت)، 1993م، ط2.
[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص76.
162
139
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لمّا كلّم الله موسى عليه السلام قال: "إلهي، ما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك؟ قال: يا موسى، أقي وجهه من حرّ النّار، وآمنه يوم الفزع الأكبر"[1]. وعن الإمام الصّادق عليه السلام: "ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عينٌ بكت من خوف الله، وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا حرَّم الله سائر جسده على النار، ولا فاضت على خدّه فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلّة، وما من شيء إلا وله كيلٌ أو وزنٌ، إلا الدمعة فإنَّ الله يطفئ باليسير منها البحار من النّار، ولو أن عبداً بكى في أمَّةٍ لرحمَ الله تلك الأمَّةَ ببكاءِ ذلك العبد"[2].
3- العموم في الدُّعاء
ومن آداب الدُّعاء أنّ لا يخصَّ الدَّاعي نفسه بالدُّعاء، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وهذا من أهمِّ آداب الدُّعاء, لأنَّه يدلُّ على التَّضامن ونشر المودَّة والمحبّة بين المؤمنين، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم.
وذلك من منازل الرحمة الإلهية، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدُّعاء، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "إذا دعا أحدكم فليعمَّ، فإنّه أوجبُ للدّعاء"[3].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "إذا قال الرجل: اللهمّ، اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم وجميع الأموات، ردَّ الله عليه بعدد ما مضى ومن بقي من كلّ إنسان دعوة"[4]، وعنه عليه السلام: "دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزق، ويدفع المكروه"[5].
140
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "إذا دعا أحد فليعمّ، فإنّه أوجب للدعاء، ومن قدّم أربعين رجلاً من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه استجيب له فيهم وفي نفسه"[1].
4- التضرّع ومدّ اليدين
ومن آداب الدُّعاء إظهار التضرّع والخشوع، فقد قال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾[2]، وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرَّعون إليه في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾[3].
وعن أبي عبد الله الحسين عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا، كما يستطعم المسكين، والتضرُّع من أسباب استجابة الدُّعاء"[4].
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "الرغبة: تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة: بسط يديك وتظهر ظهرهما، والتضرُّع: تُحَرِّك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً، والتَبَتُّل: تُحَرِّك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلاً وتضعها، والابتهال: تبسط يديك وذراعيك إلى السماء، والابتهال حين ترى أسباب البكاء"[5].
5- رفع اليدين بالدعاء
يستحبّ رفع اليدين أثناء الدُّعاء، وهو يمثّل حالة معنوية لدى الدَّاعي يظهر منه فيها الخشوع والمسكنة، فعن الإمام الصّادق عليه السلام في قوله تعالى: "﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾: التّضرّع رفع اليدين"[6]. وقد يسأل بعض الناس عن سرّ التوجلّه بايدين
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص462.
[2] سورة الأعراف، الآية 205.
[3] سورة المؤمنون، الآية 76.
[4] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص46.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص482.
[6] الشيخ الصدوق، أبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: معاني الأخبار، ص369، علي أكبر الغفاري(تصحيح)، قم، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1379هـ، ط1.
164
141
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
إلى السّماء، إذ إنَّ وجود الله لا يُحدُّ بحدٍّ ولا يكون في اتجاه دون آخر، وقد سأل زنديق الإمام الصادق عليه السلام فقال له: ما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السّماء، وبين أن تخفضوها إلى الأرض؟ فقال: "ذلك في علم الله وإحاطته سواء، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السّماء نحو العرش, لأنّه معدن الرّزق"[1].
وعلى كلّ حال، فإنّ رفع اليدين لله تعالى من دلائل العبودية لأنّه يستبطن معنى التّذلُّل والفاقة له تعالى، وهو معنى العبوديّة، وعن الرّض عليه السلام: "إنّ الله استعبد خلقه بضروب من العبادة، استعبدهم عند الدُّعاء والطَّلب والتّضرّع ببسط الأيدي ورفعها إلى السّماء"[2].
وقد وردت في الرّوايات الشَّريفة وظائف متعدّدة لليدين في حال الدُّعاء، إذ إنّ شكل التوجّه باليدين يختلف مع حال الدَّاعي وتوجّهه المعنوي. فعن الإمام الصّادق عليه السلام: "الرّغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما. والرّهبة تظهر ظهرهما. والتّضرّع تحرّك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً. والتّبتّل تحرّك السّبابة اليسرى ترفعها في السّماء رسلاً وتضعها. والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السّماء، والابتهال حين ترى أسباب البكاء"[3].
وقد روي في الدُّعاء على العدوّ: أنَّه يرفع يديه ويضعهما على منكبيه، ثمّ يبسطهما، ثمّ يدعو بسبّابته.
6- الإسرار بالدعاء
يستحب أن يدعو الإنسان خفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً، فقال تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾[4].
142
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
وعن الإمام الرض عليه السلام: "دعوة العبد سِرّاً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية"[1]، وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها"[2].
وفي رواية مهمّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبيّن فيها مقام العمل، سراً لله تعالى، فيقول: "إنّ ربّك يباهي الملائكة بثلاثة نفرٍ: رجلٌ يصبحُ في أرضٍ قفرٍ فيؤذّن ويقيمُ ثمّ يصلِّي، فيقول ربُّك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلِّي ولا يراه أحدٌ غيري فينزلُ سبعون ألف ملكٍ يصلُّون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجلٌ قامَ من الليل يصلِّي وحده فسجد ونام وهو ساجدٌ، فيقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسَدُه ساجدٌ لي، ورجلٌ في زحف فيفرُّ أصحابه ويثبتُ وهو يقاتل حتى قُتل"[3].
7- التريُّث بالدُعاء
ومن آداب الدُّعاء أن لا يستعجل الدَّاعي في الدُّعاء، بل يدعو مترسِّلاً، وذلك لأنَّ العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجّه إلى الله تعالى، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقّة، كما أنّ العجلة قد تؤدّي إلى ارتباكٍ في صورة الدُّعاء أو نسيانٍ لبعض أجزائه.
وقد روى عبد العزيز الطويل عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ العبد إذا دعا لم يزلْ الله تعالى في حاجته ما لم يستعجل"[4]. وعنه عليه السلام أنّه قال: "إنّ العبد إذا عجّل فقام لحاجته، يقول الله تبارك وتعالى: أما يعلم عبدي أنّي أنا الله الذي أقضي الحوائج؟!"[5].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر، ما دمت في الصَّلاة فإنّك تقرع باب الملك، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له. يا أبا ذر، ما من مؤمن يقوم إلى الصَّلاة إلا تناثر عليه
143
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
البرُّ ما بينه وبين العرش، ووكل الله به ملكاً ينادى: يا بن آدم، لو تعلم مالك في صلاتك ولمن تناجى لما سئمت، ولا التفت إلى شيء. وفيما أوحى الله تعالى إلى ابن عمران: يا موسى، عجّل التوبة وأخِّر الذنب، وتأنّ في المكث بين يدي في الصَّلاة، ولا ترجُ غيري، واتّخذني جُنَّةً للشّدائد، وحصناً لملمّات الأمور"[1].
8- تكرار الدُّعاء
يُستحبّ معاودة الدُّعاء وكثرة تكراره مع تأخّر الإجابة، بل معها أيضاً. والسرُّ في ذلك هو أنّ الله سبحانه يحبُّ أن يرى في عبده الإصرارَ على طلب الحاجات منه وحده، حتَّى لو تأخَّرت الإجابة، أو يكون ذلك بداعي محبَّة الله لسماع صوت ذلك المؤمن الباكي، فعن أبي جعفر عليه السلام: "إنَّ المؤمن ليسأل الله حاجةً فيؤخّر عنه تعجيلَ إجابته، حبّاً لصوته واستماع نحيبه"[2].
وعنه عليه السلام: "ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرّخاء نحواً من دعائه في الشّدّة، ليس إذا أعطي فتر"[3]. وعنه عليه السلام كذلك: "إنّ العبد ليدعو فيقول الله للملكين: قد استجبت له، ولكن احبسوه بحاجته فإنّي أحبّ أن أسمع صوته، وإنّ العبد ليدعو فيقول الله: عجّلوا حاجته، فإنّي أبغض صوته"[4].
الآداب المتأخّرة عن الدُّعاء
وهناك جملة آداب يؤتى بها حين الانتهاء من الدُّعاء، أَكَّدَت عليها النصوصُ الإسلامية، وفيما يأتي أهمّها:
1- يُستحبُّ أن يقال بعد الدُّعاء: "ما شاء الله، لا قوة إلا بالله"، وفي هذه الكلمة فضل عظيم لما تنطوي عليه من إقرار العبد بالمشيئة المطلقة، وانقطاعه عن جميع
144
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
الأسباب، وتعلّقه بحول الله وقوّته، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دعا رجل فقال بعدما دعا: ما شاء الله، لا حول ولا قوّة إلا بالله، قال الله عزَّ وجل: استَبسَلَ عبدي واستَسلَمَ لأمري، اقضوا حاجتَهُ"[1]. وعنه عليه السلام: "ما من رجل دعا فختم دعاءه بقول: ما شاء الله لا قوّة إلا بالله، إلا أجيب صاحبه"[2].
2- أن يصلّي الدَّاعي على النبي وآله: فعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "من كانت له إلى الله عزَّ وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمد وآل محمّد، فإنَّ الله عزَّ وجل أكرم من أن يقبل الطَّرفين ويدع الوسط"[3].
3- أن يمسح الدَّاعي وجهه ورأسه بيديه: فمن الآداب المتأخرة عن الدُّعاء أن يمسح الدَّاعي وجهه ورأسه بيديه، فروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبّار إلا استحيا الله عزَّ وجل أن يردَّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يَرُدُّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه"[4]، وفي دعائهم عليهم السلام: "ولم ترجع يد طالبة صفراً من عطائك، ولا خائبة من نحل هباتك"[5].
4- أن يقول الدَّاعي في حالة استجابة دعائه: "الحمد لله الذي بعزّته تتمّ الصالحات"[6] وأن يصلّي صلاة الشكر.
5- أن يقول الدَّاعي في حالة أبطأت عليه الاستجابة: "الحمدُ لله على كلّ حال"[7] وأن لا يسأم من الدُّعاء.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص521.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص266.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص494.
[4] م.ن، ج2، ص471.
[5] السيد ابن طاووس، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد: جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع، ص237، جواد قيومي الجزه اي الأصفهاني (تحقيق)، مؤسسة الآفاق، 1371هـ.ش، ط1.
[6] الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص35.
145
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
مفاهيم رئيسة
1- من آداب الدعاء، أن يتوجّه إلى القبلة ببدنه، ويترك استدبارها، بل التلفّت يمنة ويسرة.
2- من آداب الدعاء، البكاء والتباكي، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إنّ أبي كان يقول: إنّ أقربَ ما يكون العبدُ من الرّب عزَّ وجلّ، وهو ساجدٌ باكٍ".
3- من آداب الدُّعاء، أنّ لا يخصَّ الدَّاعي نفسه بالدُّعاء، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
4- من آداب الدُّعاء، إظهار التضرّع والخشوع، فقد قال تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾.
5- من آداب الدعاء، رفع اليدين بالدعاء، وهو يمثّل حالة معنوية لدى الدَّاعي يظهر منه فيها الخشوع والمسكنة.
6- من آداب الدعاء، الإسرار بالدعاء، إذ يستحب أن يدعو الإنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء.
7- ومن آداب الدُّعاء أن لا يستعجل الدَّاعي في الدُّعاء، بل يدعو مترسِّلاً، وذلك لأنَّ العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجّه إلى الله تعالى، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقّة، كما أنّ العجلة قد تؤدّي إلى ارتباكٍ في صورة الدُّعاء أو نسيانٍ لبعض أجزائه.
8 - ومن آداب الدعاء، تكرار الدُّعاء، إذ يُستحبّ معاودة الدُّعاء وكثرة تكراره مع تأخّر الإجابة, بل معها أيضاً.
9- من الآداب المتأخِّرة عن الدُّعاء:
- أن يصلّي الدَّاعي على النبي وآله.
- أن يقول الدَّاعي في حالة استجابة دعائه: "الحمد لله الذي بعزته تتمّ الصالحات".
- أن يقول الدَّاعي في حالة أبطأت عليه الاستجابة "الحمدُ لله على كلّ حال".
169
146
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2
للمطالعة
أفضل الأدعية
إنّ الأدعية الأفضل هي تلك التي تنشأ عن معرفة وعشق لله، وعن بصيرة عارفة بحاجات الإنسان, وهذا ما لا تعثر عليه سوى في مدرسة نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، الذين هم أوعية علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وورثة حكمته ومعرفته. ولدينا بحمد الله ذخرٌ هائلٌ من الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، التي تورث من يأنس بها صفاءً ومعرفةً وكمالاً، وتطهّر البشر من الخبائث"[1].
إنّ الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام هي من جملة الكنوز العظيمة التي نملكها, خاصّة الأدعية المأثورة عن الإمام السجّاد، علي بن الحسين عليه السلام، وهي أدعية ذات مضامين عالية. وأنا لم أرَ في الواقع في الأدعية الرائجة بين المسلمين، أدعية تشابهها من جهة سمو اللّفظ والمعنى.
... فالمناجاة الشعبانيّة مثلاً ـ التي كانت معروفة عند أهل البيت عليهم السلام وكان جميع هؤلاء العظماء يقرؤونها ـ هي مناجاة ممتازة, أو مثلاً بعض الأدعية من شهر رمضان المبارك الممتازة أيضاً. أو بعض الأدعية الخاصّة بشهر رجب, أدعية جميلة جداً وقصيرة, فيها عبارات عجيبة واقعاً. لقد خطر على بالي الآن هذه الجملة: "يا مَنْ سَما فِي العِزِّ فَفاتَ نَواظِرَ الأَبْصارِ وَدَنا فِي اللُّطْفِ فَجازَ هَواجِسَ الأَفْكارِ يا مَنْ تَوَحَّدَ بِالمُلْكِ فَلا نِدَّ لَهُ فِي مَلَكُوتِ سُلْطانِهِ وَتَفَرَّدَ بِالآلاِء وَالكِبْرِياءِ فَلا ضِدَّ لَهُ فِي جَبَرُوتِ شَأنِهِ، يا مَنْ حارَتْ فِي كِبْرياءِ هَيْبَتِهِ دقائِقُ لَطائِفِ الأَوْهامِ وَانْحَسَرَتْ دُونَ إدْراكِ عَظَمَتِهِ خَطائِفُ أَبْصارِ الأَنامِ"[2]. إنّها عبارات جميلة مليئة بالمعاني اللطيفة، وقد قيلت بخشوع وتوجّه"![3].
147
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
- يدرك أهمية وضرورة تحقّق الآداب المعنوية في الدعاء.
- يفهم معنى الإقبال على الله تعالى في الدعاء
- يعدّد ويشرح أربعة من الآداب المعنوية للدعاء.
171
148
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
أولاً: الدُّعاء بوابة مفتوحة
إنَّ علاقةَ الإنسانِ بالله سبحانه وتعالى تتضمّن معاني الحاجة والفقر المطلق لله تعالى، ورحمته وعونه. ولا يمكن أن يُتصوّر - ولو للحظة - كون الإنسان مستقلّاً عن الله سبحانه في تدبير شؤونه وتيسير أموره، ودفع الشّرور عنه، وجلب المصالح إليه، شاء الإنسان ذلك أم أبى. وقد فتح الله سبحانه بالدّعاء باباً لعباده لقضاء الحوائج، صغيرها وكبيرها، وفي كلّ مكان وزمان، ذلك أنّ الدُّعاء إذعانٌ من العبد بمولوية الله واعتراف منه بقدرته وسلطانه، وهذا الخضوع من العبد هو مظنّة الاستجابة من قبل الله تعالى.
يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة أنَّه قال: "فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته"[1]. فالدّعاء مطلوب في كلّ حال، ومتى ما شاء الإنسان، وفي هذا من الرّحمة له ما يعجز دونه العقل.
هذه القواعد الإلهيّة في رسم علاقةٍ مفتوحةٍ بين البشر وخالقهم دون حدودِ الزّمان والمكان، أمرٌ أكّدت عليه آياتُ الكتاب ونصوصٌ إسلاميّة كثيرة، فقد جاء في
149
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[1]، والأمر بالدعاء جاء مطلقاً دون قيود. وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الحثّ على الطلب من الله تعالى واللجأ إليه ودعائه: "فاستفتحوه واستنجحوه، واطلبوا إليه واستمنحوه، فما قطعكم عنه حجاب، ولا أغلق عنكم دونه باب، وإنّه لكلِّ مكان، وفي كلّ حين وأوان، ومع كلّ إنس وجانّ، لا يثلمه العطاء، ولا ينقصه الحباء، ولا يستنفده سائل، ولا يستقصيه نائل، ولا يلويه شخص عن شخص، ولا يلهيه صوت عن صوت، ولا تحجزه هبة عن سلب"[2].
ثانياً: الآداب المعنوية للدعاء
للدعاء مقدمات وآداب معنويةٌ لطيفة لا بدّ للداعي وأن يحسن الالتزام بها وتقديمها بين يدي دعائه، كي تتحقّق مقدمات استجابة الباري لدعائه، ومن هذه الآداب:
1- حسن الظنّ بالله تعالى
إنّ حُسن الظنّ بالله من شُعب معرفته سبحانه، فعلى الدَّاعي أن يحسن الظّن باستجابة دعائه، ويرى العبد أنّ ربّه صادقٌ في قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[3]، وقوله: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾[4].
ويرى أيضاً أنَّه تعالى لا يخلف الميعاد حتى يُستجاب دعاؤه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"[5]، وقال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دعوت فَأَقبِل بقلبك، وظُنَّ حاجتك بالباب"[6].
150
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنَّ رجلاً كان في بني إسرائيل، قد دعا الله أنْ يرزقه غلاماً، يدعو ثلاثاً وثلاثين سنة، فلما رأى أنّ الله تعالى لا يجيبه، قال: يا ربّ، أبعيد أنا منك فلا تسمع مني؟ أم قريب أنت فلا تجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: إنّك تدعو الله بلسان بذيّ، وقلب غلق عاتٍ غير نقي، وبنيّة غير صادقة، فاقلع من بذائك، فليتقّ اللهَ قلبُك، ولتحسن نيتك، قال: ففعل الرجل ذلك، فدعا الله عزّ وجلّ، فولد له غلام"[1]، وهذه الرواية فيها عدد من الآداب ومن ضمنها حسن الظنّ بالله تعالى.
وعنه عليه السلام: "إنَّما هي المدحة، ثمّ الإقرار بالذنب، ثمّ المسألة"[2].
2- العمل بما تقتضيه المعرفة
على الدَّاعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره، وهما من أهمّ الشّروط في استجابة الدُّعاء.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال له رجل: "جعلت فداك، إن الله يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا! قال عليه السلام: "لأنّكم لا توفون بعهد الله، لو وفيتم لوفى الله لكم"[3].
وعن أبي حمزة، قال: "إن الله أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود إنَّه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلا أعطيته قبل أن يسألني، واستجبت له قبل أن يدعوني"[4].
151
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
3- الإقرار بالذنوب
على الدَّاعي أن يعترف بذنوبه مقراً، مذعناً، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا، وما ارتكبه من ذنوب، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّما هي مدحة، ثمّ الثناء، ثمّ الإقرار بالذنب، ثمّ المسألة، أنَّه والله ما خرج عبد من ذنب إلّا بالإقرار"[1].
وكان من دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام المروي عن كميل بن زياد: "وقد أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي، معتذراً نادماً، منكسراً مستقيلاً، مستغفراً منيباً، مقراً مذعناً معترفاً، لا أجد مفراً مما كان مني، ولا مفزعاً أتوجّه إليه في أمري، غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك، اللهمَّ فاقبل عذري، وارحم شدة ضري، وفُكَّني من شدِّ وثاقي!"[2].
4- الإقبال على الله تعالى
من أهم آداب الدُّعاء هو أن يقبل الدَّاعي على الله سبحانه بقلبه، وعواطفه، ووجوده، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدّنيا، فهناك اختلافٌ كبيرٌ بين مجرّد قراءة الدُّعاء، وبين الدُّعاء الحقيقي الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تامّاً مع القلب، فَتَهتَزُّ له الرّوح، لكي تحصل فيه الحاجة.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوت فأقبِل بقلبك، ثمّ استيقن بالإجابة"[3].
ويذكر المولى المازندراني حقيقة سهو القلب في محضر الله سبحانه وتعالى، فيقول: "لو تحرّك لسانه بقلبٍ ساه كان حرياً بعدم الاستجابة لوجوه:
152
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
الأوّل: أنّ الدُّعاء من أفضل الأعمال وإنَّما الأعمال بالنيات، ولا يتصوّر النّية مع سهو القلب.
الثّاني: أنّ دعاءه حينئذٍ شبيه بالاستهزاء، وهو يوجب البعد عن الرّحمة، فكيف يكون موجباً للإجابة؟!
الثّالث: أنّ اللسان ترجمان للقلب، والترجمان إذا قال شيئاً لم يخطر ببال الأصل ظهر منه الخيانة، واستحقّ به الطّرد والمنع عن الحضور.
الرّابع: أنّ القلب أعرض عنه جلّ شأنه واشتغل بغيره فقد اتَّخذ إلهاً غيره، كما قال عزّ شأنه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ فحقيقٌ بأنْ يكله إلى ذلك الغير.
الخامس: أنّ العاشق إذا أعرض عن المعشوق مع كمال ألطاف المعشوق وإكرامه فالمعشوق أولى بأن يعرض عنه"[1].
والحقُّ, "أن ّمن لا يُقبل عليك لا يستحقّ إقبالك عليه، كما لو حادثك من تعلم غفلته عن محادثتك وإعراضه عن محاورتك فإنّه يستحقّ إعراضك عن خطابه واشتغالك عن جوابه"[2].
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أراد أن ينظر منزلته عند الله، فلينظر منزلة الله عنده, فإنّ الله ينزل العبد مثل ما ينزل العبدُ الله من نفسه"[3].
وروى سيف بن عميرة عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دعوت الله فأقبلْ بقلبك"[4].
وفيما أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: "لا تدعني الا متضرِّعاً إليّ وهمّك همّاً واحداً, فإنّك متى تدعني كذلك أجبك"[5].
153
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
ومن سنن إدريس عليه السلام: "إذا دخلتم في الصَّلاة فاصرفوا إليها خواطركم وأفكاركم، وادعوا الله دعاءً ظاهراً متفرّجاً، واسألوه مصالحكم ومنافعكم بخضوع وخشوع وطاعة واستكانة"[1].
5- ترقيق القلب والخشوع
يستحب الدُّعاء عند استشعار رقّة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر, وذلك لأنّ رقَّة القلب سببٌ في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اغتنموا الدُّعاء عند الرقّة, فإنّها رحمة"[2].
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "بالإخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدَّ الفزغ، فإلى الله المفزع"[3]، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا رقَّ أحدكم فَليَدعُ، فإن القلب لا يَرقُّ حتى يخلص"[4].
فكلما رقَّ قلب الدَّاعي كلما كان مهيّئاً لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية، وتحقّق قصده في الاستجابة، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا اقشَعَرَّ جلدك، ودمعت عينك، ووجل قلبك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك"[5].
وأما القلب القاسي بكثرة الذّنوب والمعاصي، والقلب اللاهي عن ذكر الله، المتعلّق بعرض الدنيا وزخرفها، فكلاهما مطرودان عن رحاب الله تعالى ورحمته، ولا يستجاب لهما دعاء, لأنّه ليس ثَمَّةَ انسجام بين القلب واللسان، فقد جاء في وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ عليه السلام: "لا يقبل اللهُ دعاءَ قلبٍ ساهٍ"[6].
154
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
وقد أجاز الشّرع توسّل بعض الوسائل من أجل تحصيل رقّة القلب، فقد قيل للإمام الصّادق عليه السلام: "أكون أدعو فأشتهي البكاءَ ولا يجيئني، وربّما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرقّ وأبكي، فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم، فتذكّرهم فإذا رققت فابكِ وادعُ ربّك"[1].
وممّا يرتبط بترقيق القلب، هو تحصيل أدب الخشوع عند الداعي والذي يعدّ من الآداب الأساسية في الدُّعاء, لأنّه يكشف عن الكثير من المقدّمات الأساسية التي ينبغي أن تنطوي عليها سريرة الدَّاعي من أجل نيل المطلوب. ولو أردنا أن نتعرّف على حقيقة الخشوع، لأرشدنا إليها الإمام الخميني قدس سره: "عبارة عن حالة قلبية تحصل للقلب من إدراك الجلال والجمال، وبمقدار ما يدرك القلب منهما تزول عنه الإنّيّة والأنانية فيخضع ويسلّم لصاحب الجلال والجمال. وبهذه العناية نسب الخشوع إلى الأرض والجبال، فإنّ الأرض مسلّمة للعوامل الطبيعية وليس لها إرادة في إنبات النبات، بل هي تسليم محض، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾[2].
وهكذا الجبل بالنسبة إلى نزول القرآن فإن أنيّة الجبل تندكّ ولا يمكنه المقاومة، قال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾[3]"[4].
ويفسّر الإمام قدس سره غياب حالة الخشوع بسببين: "نقص الإيمان، أو فقدانه"[5].
وأمّا عن تحصيلها فإنّه يكون عبر "البرهان أو بيان الأنبياء عليهم السلام"، فإذا حصل الدَّاعي بهذين الطريقين اللذين على المعرفة بعظمة الله وجماله وجلاله، فلا بدّ أنْ "يذكِّر القلب بها حتى يدخل الخشوع شيئاً فشيئاً في القلب بواسطة التذكُّر
155
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
والتوجّه القلبي والمداومة على ذكر عظمة الله وجلاله حتّى تحصل النتيجة المطلوبة"[1]. فإذا حصل الدَّاعي على مرتبة الخشوع على وجه الحقيقة، كشف ذلك عن انقطاعه لله سبحانه وتعالى، وتوجّهه التامّ إليه، وافتقاره الكامل له، وصار دعاؤه مستجاباً بإذن الله تعالى.
والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾[2].
وفى دعائهم عليهم السلام: "ولا يُنْجي منك إلا التضرّع إليك"[3].
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: "يا موسى، كن إذا دعوتني خائفاً مشفقاً وجلاً، وعفِّر وجهك في التُّراب، واسجد لي بمكارم بدنك، واقنت بين يدي في القيام، وناجني حيث تناجيني بخشيةٍ من قلب وجل"[4].
وكذلك فيما أوحى إلى عيسى عليه السلام: "يا عيسى... وأسمعني منك صوتاً حزيناً"[5].
وقد روى أحمد بن فهد الحلّي في عدة الدَّاعي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ابتهل ودعا كان كما يستطعم المسكين"[6].
156
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
مفاهيم رئيسة
1- الدُّعاء في حقيقته هو إذعانٌ من العبد بمولوية الله واعتراف منه بقدرته وسلطانه، وهذا الخضوع من العبد هو مظنّة الاستجابة من قبل الله تعالى.
2- لقد فتح الله تعالى بوابة الإجابة، ففي أيّ وقت يريده الإنسان فإنّه يستطيع أن يدعو الله، عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّه قال: "متى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته".
3- على الدَّاعي أن يحسن الظّن باستجابة دعائه، فيجب أن يرى العبد أنّ ربّه صادقٌ في قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
4- ينبغي على الدَّاعي أن يعمل بمعرفته بالله تعالى، وذلك بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره، وهذا شرط هامّ في استجابة الدُّعاء.
5- على الدَّاعي أن يعترف بذنوبه مقراً، مذعناً، تائباً عمَّا اقترفه من ذنوب وخطايا.
6- من أهم آداب الدُّعاء هو أن يقبل الدَّاعي على الله سبحانه بقلبه، وعواطفه، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدّنيا، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة".
7- لا بدّ للدّاعي أن يتوجّه إلى الله تعالى توجُّه المضطر الذي لا يرجو غيره، فقد روي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام: "ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث. يا عيسى، سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدُّعاء ومني الإجابة".
8- يستحب الدُّعاء عند استشعار رقّة القلب, لأنّ رقَّة القلب سببٌ في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اغتنموا الدُّعاء عند الرقة, فإنّها رحمة".
180
157
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية
للمطالعة
دعاء كميل والمناجاة الشعبانية
... لقد جمع علماء كبار الصحيفة العلويّة، وفيها المأثور من أدعية أميرالمؤمنين عليه السلام، أحدها دعاء كميل[1] الذي تقرؤونه ليالي الجمعة. سألتُ إمامنا العظيم الراحل قدس سره: أيّ الأدعية تفضّلون وتعظّمون أكثر من بين هذه الأدعية الموجودة؟ فتأمّل وقال: أحدها دعاء كميل، والآخر المناجاة الشعبانيّة. والأرجح أنّ المناجاة الشعبانيّة مصدرها أمير المؤمنين عليه السلام, لأنّه قد ورد في الروايات أنّ الأئمّة كانوا يناجون ربّهم بهذه المناجاة. ولديّ حدسٌ قويّ بأنّها من أمير المؤمنين عليه السلام، فكلماتها ومضامينها شبيهة بكلمات ومضامين دعاء كميل. أمّا دعاء كميل فدعاءٌ عجيبٌ أيضاً, فالدعاء يبدأ بالاستغفار، والقَسَم على الله بعشرة أشياء: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِرحَمتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء"[2]، يقسم على الله برحمته، بقدرته، بجبروته ـ بعشرة من صفات الله الكبرى ـ ثم بعد أن يقسم على الله بهذه العشرة، يقول: "اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعاءَ"[3]. يذكر أميرالمؤمنين عليه السلام خمسة أنواع من الذنوب أمام الله: الذنوب التي تحبس الدعاء، الذنوب التي تنزل البلاء و... فالدعاء من أوّله استغفار, ويدوم هذا الاستغفار إلى آخر الدعاء. إنّ المضمون الأساسي في دعاء كميل هو طلب المغفرة والعفو، إنّها مناجاة محرقة في طلب العفو من الله. هذا هو أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا هو الاستغفار"[4].
158
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى جملةٍ من الآداب المعنوية للدعاء.
2- يحلِّل معنى الاضطرار إلى الله في الدعاء.
3- يشرح فكرة عدم القنوط في الدعاء وأثرها.
183
159
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
الآداب المعنوية للدعاء: القسم الثاني
1- عدم القنوط
على الدَّاعي أن لا يقنط من رحمة الله، ولا يستبطئ الإجابة فيترك الدُّعاء, لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدُّعاء، وهو بذلك أشبه بالزّارع الذي بذر بذراً فأخذ يتعاهده ويرعاه، فلما استبطأ كماله وإدراكه أهمله.
فعن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدُّعاء، فقلتُ: كيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة"[1].
وعليه، يجب على الدَّاعي أن يفوِّض أمره إلى الله، واثقاً بربه، راضياً بقضائه سبحانه، وأن يحمل تأخّر الإجابة على المصلحة والخيرة التي حباها إياهما مولاه، وأن يبسط يد الرجاء معاوداً الدُّعاء لما فيه من الأجر الكريم والثواب الجزيل.
160
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
وعن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنَّ المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلَّ في حاجته فيقول الله عزَّ وجلَّ: "أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله عزَّ وجلَّ: عبدي، دعوتني فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنّى المؤمن أنَّه لم يستجب له دعوة في الدُّنيا ممَّا يرى من حسن الثّواب"[1].
2- الإلحاح بالدعاء
الإلحاح لغةً من "أَلحَّ الجَملُ: حَرَنَ ولَزِمَ مكانَه، فلم يَبْرَح كما يَبْرَحُ الفَرَسُ"[2]، وإنَّما أحبّ الله تعالى الملحّين من عباده لدوام ملازمتهم ببابه، وإنزال فقرهم وفاقتهم بعزّ جنابه، ونشر آمالهم ومهمّاتهم لديه، ورفع حاجتهم وضروريّاتهم إليه، ورجوعهم إليه في جميع الحاجات، ولوذهم بكرمه في جميع الحالات، سواء أكانوا في ضيقٍ ومحنةٍ، أم في سعةٍ ونعمةٍ, لا يقطعهم المحن عن الرجوع إليه، ولا يشغلهم النّعم عن الإقبال إليه. ومن فوائد الإلحاح أنّ "فيه اعتراف بحقيقة التوحيد والمجد والكرم، وإقرارٌ بأنّه مالك العزّ والجود والنعم"[3].
فعلى الدَّاعي أن يواظب على الدُّعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها, لأنّ ترك الدُّعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾[4]، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لرجل يَعِظُهُ: "لا تكن ممن إن أصابه بلاء دعا مضطراً، وإن ناله رخاء أعرض مغترّاً"[5].
161
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
أمّا في حال تأخّر الإجابة فيجب معاودة الدُّعاء وملازمة المسألة، لفضيلة الدُّعاء في كونه مخُّ العبادة، ولأنّه سلاح المؤمن الذي يقيه شر أعدائه من الشيطان، وحُبُّ الدنيا، وهوى النفس والنفس الأمَّارة، ولربما كان تأخير الإجابة لمصالح لا يعلمها إلا من يعلم السرّ وأخفى، فيكون الدُّعاء خيراً للعبد في الآجلة، أو يدفع عنه بلاءً مقدّراً لا يعلمه في العاجلة.
ولعل تأخير الإجابة لمنزلته عند الله سبحانه، فهو يحب سماع صوته والإكثار من دعائه، فعليه أن لا يترك ما يحبّه الله سبحانه، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: "إنّ المؤمن يسأل الله عزَّ وجل حاجة فيؤخّر عنه تعجيل إجابته حُبّاً لصوته واستماع نحيبه"[1].
وعليه، فيجب الإلحاح بالدّعاء في جميع الأحوال، ولما في ذلك من الرحمة، والمغفرة، واستجابة الدعوات، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله عبداً طلب من الله عزَّ وجل حاجَةً فَأَلَحَّ في الدُّعاء، استجيب له أو لم يستجب"[2].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله عزَّ وجل كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحبَّ ذلك لنفسه، إن الله عزَّ وجل يحب أن يُسأل ويُطلب ما عنده"[3].
3- التقدُم في الدُّعاء
من آداب الدُّعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة، لما في ذلك من الثّقة بالله، والانقطاع إليه، ولفضله في دفع البلاء، واستجابة الدُّعاء عند الشدّة، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشّدة، فليكثر الدُّعاء في الرخاء"[4].
162
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
وكان من دعاء الإمام السجاد عليه السلام: "ولا تجعلني ممن يبطره الرخاء، ويصرعه البلاء، فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة، ولا يذكرك إلا عند وقوع جانحة، فيضرع لك خدَّه، وترفع بالمسألة إليك يده"[1].
4- التّقديم في الدُّعاء قبل الحاجة
روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي ذر رحمه الله: "يا أبا ذر، ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله عزّ وجلّ بهنّ، قال: بلى يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرّخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، ولو أنّ الخلق كلّهم جهدوا على أن ينفعوك بما لم يكتبه الله لك، ما قدروا عليه"[2].
وروى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الدُّعاء في الرخاء ليستخرج الحوائج في البلاء"[3]. وعنه عليه السلام: "من تخوّف بلاء يصيبه فتقدّم فيه بالدعاء لم يره الله عزّ وجلّ ذلك البلاء أبدا"[4]. وقال سيد العابدين عليه السلام: "الدُّعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع به"[5].
5- أن يكون عالي الهمّة فيما يطلب
لقد مرّ معنا في جملة الآداب أنْ يطلب الإنسان من ربّه كلّ حاجاته، الصّغيرة منها والكبيرة، غير أنَّه يظهر من بعض الروايات، أنّ الإنسان متى ما حصّل في نفسه قابلية استجابة الدعوات، أن يدعو الله سبحانه وتعالى بمعالي الأمور التي لا يمكن تحصيلها إلا ببذل الهمم وخوض اللجج. فقد نقل عن الإمام علي عليه السلام في وصيِّته
163
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
إلى ابنه الحسن عليه السلام أنَّه قال: "ولتكن مسألتك فيما يعنيك ممّا يبقى لك جماله وينفي عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له"[1].
وعن الإمام الكاظم عليه السلام أنَّه قال: "بكى أبو ذر من خشية الله حتى اشتكى بصره، فقيل له: لو دعوت الله يشفي بصرك، فقال: إنّي عن ذلك مشغول وما هو بأكبر همّي، قالوا: وما يشغلك عنه؟! قال: العظيمتان الجنّة والنار"[2].
ومن القصص الجميلة ما روي عن ربيعة بن كعب أنَّه قال: "قال لي ذات يوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ربيعة، خدمتني سبع سنين أفلا تسألني حاجة؟ فقلت: يا رسول الله، أمهلني حتى أفكّر، فلمّا أصبحت ودخلت عليه، قال لي: يا ربيعة، هاتِ حاجتك، فقلت: تسأل الله أن يدخلني معك الجنّة، فقال لي: من علّمك هذا؟ فقلت: يا رسول الله، ما علّمني أحد، لكني فكّرت في نفسي، وقلت: إن سألته مالاً كان إلى نفاد، وإن سألته عمراً طويلاً وأولاداً كان عاقبتهم الموت، قال ربيعة: فنكس رأسه ساعةً، ثمّ قال: أفعل ذلك، فأعني بكثرة السجود"[3].
6- الاضطرار إلى الله تعالى
لا بدّ للدّاعي أن يتوجّه إلى الله تعالى توجُّه المضطر الذي لا يرجو غيره، وأن يرجع في كلّ حوائجه إلى ربِّه، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرّاً ولا نفعاً، فإذا لجأ الدَّاعي إلى ربِّه بقلبٍ سليمٍ وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جادّاً، وكان مدعوُّه ربُّه وحده لا شريك له، تحقّق الانقطاع الصّادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرطٌ في قبول الدُّعاء.
ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيته لولده
164
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
الحسن عليه السلام: "وألجئ نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك, فإنّك تُلجئها إلى كهفٍ حريز، ومانع عزيز، فالمسألة لربّك، فإنّ بيده العطاء والحرمان"[1].
روي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام: "ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث. يا عيسى، سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدُّعاء ومنّي الإجابة"[2].
ويقول الله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾[3]. مع أنّ الله - يجيب دعاء الجميع عند تحقّق شروط الدُّعاء، إلّا أنّ في الآيات آنفة الذكر اهتماماً خاصّاً بالمضطَّر, وذلك لأنّ من شروط إجابة الدُّعاء أن يقطع الإنسان أمله من كلّ سببٍ سوى الله سبحانه، وأن يجعل قلبه وروحه بين يدي رحمة الله، وأن يرى كلّ شيء منه وله، وهذا هو معنى الاضطرار.
نعم، من المهمّ أن يسعى الإنسان لنيل المطالب بأسبابه، لكن عليه دائماً أن يرتبط بمسبّب الأسباب الذي لا يخرج شيء في هذا الوجود من تحت دائرة سلطانه. والطَّريف أنَّه قد ورد في بعض الرّوايات تفسير هذه الآية بقيام المهدي صلوات الله وسلامه عليه!
ففي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: "والله، لكأنّي أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد الله حقّه... قال: والله، هو المضطر في كتاب الله في قوله: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ﴾[4].
165
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
ربّما من أجل أنّ "الأبواب في زمانه موصدة، والفساد عمّ البسيطة، والبشرية في طريق مسدود، وحالة الاضطرار ظاهرة في جميع العالم. فعندئذٍ يظهر الإمام في أقدس بقعة فيطلب كشف السوء، فيلبّي الله دعوته، ويجعله بداية "الظهور" المبارك في العالم، ويستخلفه في الأرض هو وأصحابه، فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ﴾[1].
وعلى كلّ حال، فإنّ هذا الأدب هو من صلب حقيقة الدُّعاء, لأنّ الدُّعاء بمفهومه الإسلامي ينبغي أن يتوجّه نحو جهة وحيدة وحصرية هي الله سبحانه وتعالى (بخلاف معنى التوسّل والتشفّع), فلذلك يكون التوجّه الحقيقي بالحوائج إلى الله تعالى، والاعتماد على تحقيقها عليه وحده تعالى أمراً أساساً في استجابة الدعوات.
يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[2].
وروى حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلَّهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلا أعطاه"[3].
وفيما وعظ الله به عيسى عليه السلام: "يا عيسى، ادعني دعاء الحزين الغريق الَّذي ليس له مغيث. يا عيسى، سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدُّعاء ومنّي الإجابة، ولا تدعني إلا متضرّعاً إليّ وهمّك همّاً واحداً، فإنّك متى تدعني كذلك أجبك"[4].
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله عزّ وجلّ: "ما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي، إلا ضمنت السماوات والأرض رزقه، فإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن استغفرني غفرت له"[5].
166
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
مفاهيم رئيسة
1- ينبغي على الداعي عدم القنوط، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدُّعاء، فقلتُ: كيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة"
2- يحبّ الله تعالى الملحّين من عباده، لأنّهم يلازمون بابه وينزلون فقرهم وفاقتهم بعزّ جنابه.
3- من آداب الدُّعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة، لما في ذلك من الثّقة بالله، والانقطاع إليه، ولفضله في دفع البلاء، واستجابة الدُّعاء عند الشدّة، وقد روي الإمام الصادق عليه السلام: "من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشّدة، فليكثر الدُّعاء في الرخاء"
4- ينبغي على الداعي أن يتقدّم في الدُّعاء قبل الحاجة، وروى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إن الدُّعاء في الرخاء ليستخرج الحوائج في البلاء".
5- ينبغي على الداعي أن يكون عالي الهمّة فيما يطلب، فعلى الإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى بمعالي الأمور التي لا يمكن تحصيلها إلا ببذل الهمم وخوض اللجج.
6- ينبغي على الداعي أن لا يعتمد في حوائجه على غير الله سبحانه، إذ يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.
لا بدّ أن يتحلّى الداعي بالخشوع, لأنّه من المقدّمات الأساسية التي ينبغي أن تنطوي عليها سريرة الدَّاعي من أجل نيل المطلوب.
191
167
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية
للمطالعة
معارف أهل البيت عليهم السلام
كم هو جميلٌ أن نتنبّه بدقّة وتأمّل إلى المعارف التي في متناول أذهاننا ببركة هداية أهل البيت عليهم السلام. إنّ دعاء الندبة هو خطبة غرّاء، وبيان مختصر لتاريخ هذا الفكر، وجذور هذه الحركة عبر عصور الرسالات (السماويّة). إذا أمعنتم النظر في هذا الدعاء ستجدون أنّه خالٍ من تلك النقاط المثيرة للاختلاف بين الشيعة والسنّة، والتي أدّت إلى إشعال حروب على أيدي أصحاب الدوافع المختلفة، وقد بُيّنت فيها مسألة الإمامة والولاية بطريقة استدلاليّة. إذ كان هو المنذر ولكلّ قومٍ هاد, أي إنّ النبيّ كان حائزاً لمقام الرسالة والإنذار والتبشير، كان الفاتح للطريق والكاشف للأفق أمام البشريّة"[1].
[1] الإمام القائد الخامنئي دام ظله، من كلمته في تجمّع كبير لزوّار الإمام علي بن موسى الرض عليه السلام 3/3/2002.
192
168
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يشرح معنى حضور القلب في الدعاء.
2- الإيمان بأنّ الدعاء لا يقبل إلا بشروط:
3- أن يعدِّد ستة من شروط قبول الدعاء.
193
169
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
تمهيد:
روى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام أنَّه قَالَ: "قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: إِيَّاكُمْ ودَعْوَةَ الْمَظْلُومِ, فَإِنَّهَا تُرْفَعُ فَوْقَ السَّحَابِ حَتَّى يَنْظُرَ الله عَزَّ وجَلَّ إِلَيْهَا فَيَقُولَ ارْفَعُوهَا حَتَّى أَسْتَجِيبَ لَه وإِيَّاكُمْ ودَعْوَةَ الْوَالِدِ، فَإِنَّهَا أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ"[1].
وقد استظهر بعض الأفاضل من هذه الرواية أنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم "فإنّها ترفع فوق السحاب" أن في "السحاب كناية عن موانع إجابة الدُّعاء، أو الحجب المعنوية الحائلة بينه وبين ربّه، ويمكن حمله على السحاب المعروف، على الاستعارة التمثيلية، لبيان كمال الاستجابة، والمراد بالنظر، نظر الرحمة والعناية وإرادة القبول"[2]. وبالتالي فإنّ البحث عن كيفيّة تحقّق استجابة الدُّعاء لا بدّ وأن يمرّ بالشروط اللازمة لذلك، وكذلك بالموانع والحجب التي تمنع الدُّعاء من التحقّق والاستجابة. ولا بدّ من أن نشير إلى أنّ فقدان الشَّرطِ يعدُّ مانعاً من قبول الدُّعاء, ولذلك أوردنا الشروط فيما يلي على نحوٍ يُفهَم أنَّ فقدان أحدها يصيّره مانعاً من الموانع البتة.
170
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
أوّلاً: شروط قبول الدُّعاء
1- أن يكون عن معرفة بالله:
قال العلامة الحلي رضوان الله عليه: "من شروط حسن الدُّعاء علم الدَّاعي كون ما يطلبه بدعائه مقدوراً لمن يدعوه، وهذا يتضمّن أنّ من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته، فعلى الدَّاعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية، وبأنّه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته، وأنّ باب رحمته لا يغلق أبداً"[1].
وهذه المعرفة تكون بحسب حال الدَّاعي، فليس كلّ الداعين لديهم درجة المعرفة بالله نفسها، بل تتفاوت هذه المعرفة بحسب أحوال الداعين من حيثُ توجّههم لتحصيل المعارف الإلهية وترسيخها في القلب وتثبيتها بالعمل، فإذا كان الدُّعاء مقروناً بالمعرفة، فإنّ الدُّعاء المرسوم في القرآن أفضل الأدعية، لأنّ قائله هو الله تعالى وهو الأعلم بذاته عزّ وعلا، ويليه دعاء المعصوم، وهو أفضل أدعية البشر لخصوصية علم المعصوم، وهكذا.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "لو عرفتم الله حقّ معرفته، لزالت لدعائكم الجبال"[2].
وعلى كلّ حال، لا يُعدم الدَّاعي من معرفة أوّلية بالله تعالى وصفاته، خاصّة من جهة ربوبية الله ورزّاقيته وكونه الضار والنافع، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله عزَّ وجل: من سألني وهو يعلم أنّي أضرُّ وأنفع، استجبت له"[3]، وقيل للإمام الصادق عليه السلام: "ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟! قال عليه السلام: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه"[4].
171
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
2- أن تكون دعوةً حقَّةً:
وذلك بأنَّ يتوجَّه الدَّاعي إلى جهة قادرة ذات أهليةٍ تامّة لاستجابة الدُّعاء، فالدعاء لا يمكن أن يكون حقيقةً إلا إذا "كان المدعو ذا نظر يمكن أن يوجّه إلى الدَّاعي، وذا جدّة وقدرة يمكنه بهما استجابة الدُّعاء، وأمّا دعاء من لا يفقه أو يفقه ولا يملك ما ترفع به الحاجة فليس بحقّ الدُّعاء وإن كان في صورته"[1]. وقد قال الله تعالى في كتابه المعظّم: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾[2].
وقد ذكر القرآن الكريم في هذه الآية التقابل بين دعوتين: دعوة الحق، ودعوة الضلال، وهو التقابل بين قوله "لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ" وبين قوله "وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ"، ثم يذكر بعد ذلك أن هذا الدُّعاء خالٍ عن الاستجابة، بل هو في ضلال، ونعلم بالتالي أن المراد بقوله دعوة الحقّ الدعوة الحقّة غير الباطلة، وهي الدعوة التي "يسمعها المدعو ثمّ يستجيبها البتة، وهذا من صفاته تعالى وتقدّس فإنّه سميع الدُّعاء قريب مجيب، وهو الغنيِّ ذو الرحمة، وقد قال: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[3] وقال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[4] فأطلق ولم يشترط في الاستجابة، إلا أن تتحقق هناك حقيقة الدُّعاء وأن يتعلّق ذلك الدُّعاء به تعالى لا غير"[5].
وربّما تجد في هذه الآية الشَّريفة أن الدُّعاء وكأنّه مقتسم بين الحقّ والباطل: فقسم منه للحقّ وهو الذي لا يتخلّف عن الاستجابة، وقسم منه للباطل وهو الذي لا يهتدي إلى هدف الإجابة، كدعاء من لا يسمع أو لا يقدر على الاستجابة.
172
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
3- شرطية النيّة الصادقة والقلب المخلص:
من الشّروط المهمّة لإجابة الدُّعاء هو النّية الصّادقة والطّاهرة والقلب المخلص والعاري عن الرّياء, ذلك أنّ الدعاء عبادة والشرط فيها يقتضي خلوصها من الأغيار. وفي هذا المجال يقول الإمام الصّادق عليه السلام: "إنّ العبد إذا دعا الله تبارك وتعالى بنيّةٍ وقلبٍ مخلصٍ استجيب له بعد وفائه بعهد الله عزّ وجلّ"[1].
إنَّ العمل بعهد الله والوفاء به - والذي هو صفاء القلب والإخلاص في النية - هو شرط قبول الدُّعاء. ينبغي الالتفات إلى كيفية تربية الدُّعاء للإنسان، إنَّا نطرق باب الله لقضاء الحاجة وحلّ المشاكل، إلّا أنَّه علينا أن نعلم بعدم إمكانية الاستجابة إلّا بالإخلاص وصفاء القلب، لذلك كان علينا السعي في التزكية وتهذيب النفس.
4- شرط طيبُ الكسب:
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أطب كسبك تستجب دعوتك, فإنّ الرجل يرفع إلى فيه حراماً فما تستجاب له دعوة أربعين يوماً"[2].
إذ قد تتلوّث أموال بعض الناس ومكاسبهم بالحرام، وذلك بالتطفيف والربا وظلم الآخرين وعدم أداء الواجبات المالية، ومع ذلك يتوقّعون من الله الإجابة.
والمستفاد من الكلام الثَّمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أنَّ الدُّعاء عامل مهمّ في تربية الإنسان، ويحضُّ الإنسان على رعاية الحلال والحرام.
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من وضع الخمر على كفّه، لم يقبل الله له دعوة، ومن شربها لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، ومن أدمن عليها كُتِب
173
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
من أهل الخبال"[1]، ويظهر من الرِّواية أنَّ من مصاديق وضع الخمر على الكفّ هي التّجارة به والكسب، فضلاً عن الشّرب، يمنع من قبول الدعوات، وكذلك الصلاة. وكذا يكون طيب الكسب والمأكل طريقاً لاستجابة الدعاء وفتح أبواب القبول.
5- حضور القلب:
من الشروط المهمّة لاستجابة الدُّعاء هو حضور القلب، ومن الواضح أنَّه شرط ذات أهميّة وقيمة, لما جاء في رواية: سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اسم الله الأعظم؟ فقال: "كلّ اسمٍ من أسماء الله أعظم, ففرِّغ قلبك من كلّ ما سواه، وادعه بأيّ اسم شئت"[2].
من المهمّ أن نشير إلى حقيقة مهمّة يومئ إليها بعض علمائنا، وهي أن جوهر الدعاء مرتبط بالاسم الإلهي، فبحسب حال الاسم الذي ارتبط به الدعاء يستجاب دعاء الداعي. يقول السيد الطّباطبائي قدس سره: "حقيقة الدعاء بالاسم، فعلى حسب حال الاسم الذي انقطع إليه الداعي يكون حال التأثير خصوصاً وعموما، ولو كان هذا الاسم هو الاسم الأعظم انقاد لحقيقته كلّ شيء واستجيب للداعي به دعاؤه على الإطلاق"[3].
6- التلازم بين الدُّعاء والأمر بالمعروف:
وذلك بأنْ لا يفترق الدُّعاء عن الجهاد المستمرّ ضدّ كلّ ألوان الفساد عبر فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّ الله لا يستجيب لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلّطَنَّ اللهُ شَرَارَكُمْ عَلَى خِيَارِكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ"[4].
174
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
لأنّ ترك هذه الفريضة الإلهية (فريضة المراقبة الاجتماعية) يؤدّي إلى خلوّ الساحة الاجتماعية من الصالحين، وتركها للمفسدين، وعند ذاك لا أثر للدعاء، لأنّ هذا الوضع الفاسد نتيجة حتمية لأعمال الإنسان نفسه.
7- العمل بالمواثيق الإلهيّة:
بما يعنيه ذلك من الإيمان والعمل الصالح والأمانة والصلاح التي تشكّل شروطاً لاستجابة الدُّعاء، فمن لم يفِ بعهده أمام بارئه لا ينبغي أن يتوقَّع من الله استجابة دعائه. فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، وشكا له عدم استجابة دعائه، فقال الإمام: "إنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَال:
أَوَّلُهَا: إنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ، فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيئاً.
وَالثَانِيَةُ: إنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ، وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إيَمانِكُمْ؟!
وَالثَّالِثَةُ: إنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، ثُمَّ خَالَفْتُمْ!
وَالرَّابِعَةُ: إنَّكُم قُلتُم تَخَافُونَمِنَ النَّارِ، وَأنْتُم فِي كلّ وَقتٍ تَقدُمُونَ إلَيها بِمَعاصِيكُم، فَأينَ خَوفُكُم؟!
وَالْخَامِسَةُ: إنَّكُمْ قُلْتُمْ تَرْغَبُونَ في الْجَنَّةِ، وأَنْتُمْ في كلّ وَقْتٍ تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْها، فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا؟
وَالسَّادِسَةُ: إنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ الْمَوْلى فَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا!
وَالسَّابِعَةُ: إنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِعَداوَةِ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾، فَعَادَيْتُمُوهُ بِلَا قَوْلٍ، وَوَاليَتمُوهُ بِلَا مخَالَفَةٍ.
199
175
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
وَالثَّامِنَةُ: إنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ النَّاسِ نَصْبَ أَعْيُنِكُمْ وَعُيْوبَكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْلَوْمِ مِنْهُ, فَأَيُّ دُعَاءٍ يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذا، وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ؟ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُمْ وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَن الْمُنْكَرِ فَيَسْتَجِيبُ اللهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ"[1].
وهذا الحديث يقول بصراحة: إنّ وعد الله باستجابة الدُّعاء وعدٌ مشروطٌ لا مطلق. مشروط بتنفيذ المواثيق الإلهيّة، وإنّ عمل الإنسان بهذه المواثيق الثَّمانية المذكورة فله أنْ يتوقّع استجابة الدُّعاء، وإلّا فلا.
8- أن يكون التوجّه إلى الحقّ غير ملتبسٍ بأمورٍ وهمية:
إنّ التوجّه إلى الله تعالى بالدعاء لا يتخطى الإجابة، فما لا يستجاب من الدُّعاء ولا يصادف الإجابة فقد فقَد أحد أمرين، وهما اللذان ذكرهما الله تعالى بقوله: دعوة الداَّع، وإذا دعان.
وههنا حالتان:
- إمّا أنّ الدُّعاء لم يقع أصلاً، وإنَّما التبس الأمر على الدَّاعي التباساً كأن يدعو الإنسان فيسأل ما لا يكون وهو جاهل بذلك، أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الأمر مثل أن "يدعو ويسأل شفاء المريض لا إحياء الميت، ولو كان استمكنه ودعا بحياته كما كان يسأله الأنبياء لأعيدت حياته ولكنّه على يأس من ذلك، أو يسأل ما لو علم بحقيقته لم يسأله، فلا يستجاب له فيه"[2].
- وإمّا أنّ السؤال متحقّق لكن لا من الله وحده: كمن يسأل الله حاجة من حوائجه وقلبه متعلَّق بالأسباب العادية، أو بأمور وهمية توهَّمها كافية في أمره أو مؤثّرة في شأنه فلم يخلص الدُّعاء لله سبحانه فلم يسأل الله بالحقيقة "فإنّ الله
176
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره، لا من يعمل بشركة الأسباب والأوهام"[1].
9- أن لا يدعو بعد تحتُّم القضاء:
والمثال على ذلك ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في قوله: ﴿وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾[2] فهو دعاء الكافرين في جهنم لكشف عذابها وتخفيفه عنهم، "ومن المعلوم أنّ الدُّعاء مع تحتُّم الحكم وفصل القضاء لا يتحقَّق بحقيقته"[3], أي لا يمكن أن يقع، والدُّعاء بأن لا يبعث الله الخلق أو لا يعذّب أهل جهنَّم فيها، هو على حدِّ أن ينزل
من الله سبحانه بمنزلة أن يسأل الله سبحانه أن لا يكون هو الله سبحانه: "فإنَّ من لوازم معنى الألوهية أن يرجع إليه الخلق على حسب أعمالهم، فلمثل هذه الأدعية صورة الدُّعاء فقط دون حقيقة معناها، وأمّا لو تحقّق الدُّعاء بحقيقته بأن يدعو حقيقة، ويتعلّق ذلك الدُّعاء بالله حقيقة كما هو ظاهر قوله: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ الآية، فإن ذلك لا يردّ البتّة"[4].
177
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
مفاهيم رئيسة
1- إنّ استجابة الدُّعاء متعلّقة بالشروط اللازمة، وكذلك بالموانع والحجب التي تمنع الدُّعاء من التحقّق، وبالتالي لا بدّ للدّاعي وأن يعرفها.
2- من الشروط المهمّة:
- أن يكون الدعاء عن معرفة بالله، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "لو عرفتم الله حقّ معرفته، لزالت لدعائكم الجبال".
- أن تكون دعوةً حقَّةً، إذ ينبغي أن يتوجَّه الدَّاعي إلى جهة قادرة لاستجابة الدُّعاء، يقول تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾.
- لا بدّ من النيّة الصادقة والقلب المخلص, ذلك أنّ الدعاء عبادة، والشرط فيها يقتضي خلوصها من الأغيار.
- شرط طيبُ الكسب، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أطب كسبك تستجب دعوتك، فإنّ الرجل يرفع إلى فيه حراماً فما تستجاب له دعوة أربعين يوماً".
- شرط حضور القلب، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اسم الله الأعظم؟ فقال: "كلّ اسمٍ من أسماء الله أعظم, ففرِّغ قلبك من كلّ ما سواه، وادعه بأيّ اسم شئت".
- شرط التلازم بين الدُّعاء والأمر بالمعروف، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلّطَنَّ اللهُ شَرَارَكُمْ عَلَى خِيَارِكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ".
- شرط العمل بالمواثيق الإلهيّة، بما يعنيه ذلك من الإيمان والعمل الصالح والأمانة والصلاح التي تشكّل شروطاً لاستجابة الدُّعاء.
- أن يكون التوجّه إلى الحقّ غير متلبس بأمور وهمية، لا يمكن أن تتحقّق.
- أن لا يدعو بعد تحتُّم القضاء، وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم في قوله: ﴿وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾[1] فهو دعاء الكافرين في جهنّم لكشف عذابها وتخفيفه عنهم، وهو ما لا يمكن أن يحصل.
178
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه
للمطالعة
حالة التوجّه في قراءة الدعاء
لا ضير بأن تعرفوا هذا الأمر، عندما أنظر إلى الأدعية بعينٍ أدبيّة، أراها من أجمل كلام العرب, سواء دعاء كميل أم دعاء الإمام الحسين يوم عرفة أو دعاء أبي حمزة (الثماليّ)، أو المناجاة الشعبانيّة. إنّها من أجمل النصوص الأدبيّة، وفي غاية الجمال, طبعاً، هذه نصوص قديمة، وأنتم تعرفون أن اللغة في تحوُّل.
فإنّ المفاهيم المودعة في الصحيفة السجّاديّة مثلاً على قدر من الجمال، بحيث إنّ الإنسان يحتار أحياناً، أيّ عقل وراء هذه العناصر، والذي استطاع ترتيبها بعضها مع بعض، وأن يسبك تعابير كهذه!
لذا وصيّتي هي: أن يكون ما يتقرّب به الأخوة إلى الله أعمال يسودها حضور القلب والخشوع, فعندما يقرؤون الدُّعاء، فليقرؤوه بحالةٍ من التوجّه والخشوع، وليعلموا مع أيّ وجود يتحدّثون وماذا يطلبون، وليعلموا أنّ هذا الطلب يتبعه إجابة. لقد قال لنا القرآن هذا في عدّة موارد: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[1]، وفي مورد آخر: ﴿وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ﴾[2]. هذه وعود إلهيّة, وليس هناك أصدق من الوعود الإلهيّة. وإذا ما سألتم الله فإنّ الله سيجيبكم حتماً. إذا صرتم تشعرون بالأنس، فسترون أنّ كثيراً من الإجابات هي ما يُعطى لكم في تلك اللّحظة نفسها، يجب أن لا يتوهّم الإنسان أنّ استجابة الدعاء هي حتماً ذلك المال الذي طلبه من الله، ويجب أن يحصل عليه!
أحياناً يكون الجواب هو بالضبط ما تحصلون عليه في تلك اللحظة بعينها, تشعرون بالنورانيّة في صدوركم حتّى لتشعرون كأنّكم أخذتم الجواب الآن. هي حالة تحصل للإنسان في الدعاء، بحيث يشعر بأنّه لا يريد شيئاً غيرها. عندما يحيا ذكر الله في قلب الإنسان هكذا سيكون"[3].
179
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الصور المختلفة لاستجابة الدعوات.
2- يحفظ نماذج مختلفة من الدعوات المستجابة.
3- يبيّن شروط استجابة الدعاء وأسباب عدم قبوله.
205
180
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
أولاً: صور الاستجابة
قد تطابق استجابة الدُّعاء الموضوعَ الذي دعا به الدَّاعي، وقد تختلف مطلقاً، أو بنحوٍ من الأنحاء، في صور مختلفة تحُدّدها المصلحة والمسار الذي عليه الدَّاعي، ومن هذه الصّور:
الصورة الأُولى: أن يتحقّق المطلوب كما هو، كمن أراد الزواج بامرأة معيّنة، فيُستجاب له ذلك، وهذا هو المعنى المرتكز في ذهن الدَّاعي عادة، وهو المعنى الذي يتوهّم الدَّاعي من خلاله أنَّ المدعوّ به بدون تحقّق هذا الأمر لم يُسْتجب له، وهذا وهم كبير، كما سيتّضح.
الصورة الثانية: أن يتحقّق المطلوب، ولكن بصورة أُخرى غير متوقّعة من الدَّاعي، من قبيل من طلب وظيفةً معيّنةً، فاستُجيب له بأصل الوظيفة، ولكن ليس الوظيفة التي كان يرجوها بحسب الأنسب له بالمقاييس الإلهية.
الصورة الثالثة: أن يتحققَّ أمرٌ آخر لم يكن مقصوداً للداعي أصلاً، وذلك لمصلحة كان الدَّاعي غافلاً عنها، كمن قصد الحجَّ في دعائه وكان موفور الحال، فوُفِّق للزواج بامرأة صالحة، فيكون قد استُجيب له بما هو أصلح له، وإن كان غير مُلتفت لذلك.
206
181
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
الصورة الرابعة: أن يتحقُّق أمرٌ أُخروي، كمن كان يدعو بدعاءٍ عامٍّ فيقول: اللهمَّ وفقني لما فيه خير وصلاح لي، وكان يستحضر عملاً ما، يظنُّ فيه الخير والصلاح له، فيختار الله تعالى ما هو أصلح له، لا ما في ذهنه، فيُكفَّر له عن كبيرة، أو تُرفع له درجة، وما شابه ذلك، وهنا يظنُّ الدَّاعي بأنَّ الله تعالى لم يَسْتَجِبْ له، فيَظُنُّ بالله تعالى السُّوء، وهذا من آثار قلِّة المعرفة بالله تعالى[1].
وهذه الصُّوَرُ وغيرها، إنَّما تتعدّد وتحصل واقعاً بحسب اختلاف كمال الدَّاعي ونقصه، وكذلك بحسب فضل الله وعدله ولطفه بعباده. ولذلك إن لم يتحقّق للداعي ما يؤمّله من دعائه، فإنّ هذا لا يعني أنّ دعاءه غير مستجاب، بل قد ينطبق عليه أحد الصور المتقدّمة أو غيرها من صور استجابة الدُّعاء، فلا ينبغي للداعي أن يقنط من رحمة الله تعالى.
ثانياً: الدُّعاء المستجاب
عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى: دعاء الوالد لولده إذا برّه، ودعوته عليه إذا عقّه، ودعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر منه، ورجلٌ مؤمنٌ دعا لأخ مؤمن واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه، واضطرار أخيه إليه"[2].
وفي هذه الرّواية الشَّريفة نماذج ثلاثة لدعوات مستجابة نتعرَّض لها فيما يأتي:
1- دعاء الوالد لولده
إذا برّه، ودعوته عليه إذا عقه"، لم تخلُ سيرة الأنبياء عليهم السلام من خصوصية الدُّعاء للولد والذرّية، فهذا شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام يربِّينا على ذلك، ليِسِّجل لنا الإشراقة الأوُلى في هذا المجال، حيث يقول في حكاية القرآن عنه: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي
182
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾[1]، فهو يدعو لولده وعموم ذرّيته بإقامة الصَّلاة، أي بالحصن الذي يقيهم من الفحشاء والمنكر، حيث ورد: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾[2]، فكرَّمه الله تعالى بأن جعل من ذرّيته أنبياء وأئمّة وأولياء وصالحين، بل وجعله أباً لكلّ المسلمين، واستجاب الله تعالى له دعوته في النبيّ الخاتم، حيث كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا دعوة إبراهيم، قال وهو يرفع القواعد من البيت: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾"[3].
وقد ترك لنا أهل البيت عليهم السلام نماذج عظيمة من الأدعية في مثل هذا المورد، ولعلَّ من أروع وأبلغ ما وقفنا عليه دُعاء للإمام علي زين العابدين عليه السلام في حقِّ أولاده، يقول فيه: "اللهمّ ومُنّ عليّ ببقاء ولدي، وإصلاحهم لي وبإمتاعي بهم، إلهي امدد أعمارهم، وزد لي في آجالهم، وربِّ لي صغيرهم، وقوِّ لي ضعيفهم، وأصحَّ لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم، وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم، وفي كلّ ما عنيت به من أمرهم"[4].
وهناك، إلى جانب دعوات الوالد الإيجابية المستجابة، دعواتٌ على الولد، وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقّوا دعوة الوالد, فإنّها تُرفع فوق السحاب، واتّقوا دعوة الوالد فإنها أحدُّ من السيف"، فإنَّ أغلب مواردها تنشأ من حالة العقوق التي تُلازم بعض الأولاد، وهو من الكبائر العظام، بل هو من الكبائر التي على حدِّ الشرك وإدمان شرب الخمر، فقد ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "إنّ الله يرحم عصاة أمّتي في الليلة المباركة - ليلة القدر-... إلا ثمانية نفر: المشرك، والكاهن، والساحر، والعاقّ، وآكل الربا، ومدمن الخمر، والزاني، والماجن"[5].
183
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
2- دعاء المظلوم
وهو قوله عليه السلام: "ودعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر منه"، وقد ورد في هذا المعنى كثيراً في الروايات الشَّريفة عن أهل البيت عليهم السلام، ومنها المروي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "أربعة لا تردّ لهم دعوة:(...) والمظلوم، يقول الله جل جلاله: وعزّتي وجلالي، لأنتصرنّ لك، ولو بعد حين"[1].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم, فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة"[2].
وفي سيرة أهل البيت عليهم السلام موارد كثيرة دعا فيها أهل البيت عليهم السلام على بعض الظالمين فنالوا ما استحقّوه من العقاب في العاجلة قبل الآجلة، ومنها ما ينقله الرواة عن الحوار الذي دار بين عمر بن سعد والإمام الحسين عليه السلام والذي يظهر فيه أن عمر بن سعد حاول التعلّل بمختلف العلل حتى أنَّه قال: "أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز، فقال: لي عيال، وأخاف عليهم، ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول: مالك ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلا يسيراً، فقال: في الشعير كفاية عن البرّ، مستهزئاً بذلك القول..."[3] ، وينقل الرواة أيضاً أن عمر بن سعد مات بتلك الميتة التي دعا بها عليه الإمام عليه السلام، وهي من مصاديق استجابة دعوة المظلوم. فضلاً عن كونه معصوماً يستجاب دعاؤه.
184
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
3- دعاء المؤمن لأخيه المؤمن
يحتاج هذا العنوان إلى قليل من التوضيح، ثَّم نُعِّرج على عدّة أُمور تنبيهية ارتأينا أن تكون عوضاً عن عرض صور. أمّا التوضيح: فإنَّ المراد من المقطع الأوّل: "دعاء رجلٌ مؤمن لأخ له مؤمن واساه فينا"، هو أنَّ صاحب الحاجة إذا كان مؤمناً مُتمِّسكاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام وطلب حاجته من أخيه المؤمن، فاستجاب له أخوه المؤمن، حبّاً بالنبيّ وآله عليهم السلام، فإنَّ دُعاء صاحب الحاجة في حقِّ من قضاها له مُستجابة.
وأمّا المقطع الثاني: "ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه"، فإنَّه يتحدّث عن صورة عدم استجابة ذلك المؤمن لأخيه المضطرّ إليه، مع إمكان قضائها إليه، فهنا إذا دعا عليه صاحب الحاجة التي لم تُقضَ له، فإنَّ دُعاءه يكون مُستجاباً أيضاً.
ما يعني أنَّ المقصود في قضاء حاجة الإخوان على خطر عظيم، ولذلك ينبغي الحذر الشديد من غلق الأبواب في وجوه المؤمنين، ولذلك ورد التحذير الشديد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "لو صدق السائل لما أفلح من ردَّه"[1]، وحيث إنَّ كذب السائل غير معلوم فإنَّ على المسؤول المبادرة مع الإمكان أو الاعتذار له بما يُطيبّ خاطره، ولو بكلمة طيبة فإنّها صدقة على حدِّ تعبير النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم[2]. ونظراً لتحققّ الاستجابة فإنّه يُفضَّل للمسؤول بعد قضاء حاجة إخوانه أن يطلب الدُّعاء ممَّن قصده، فقد ورد عنهم عليه السلام: "إذا أعطيتموهم فلقّنوهم الدُّعاء، فإنه يستجاب الدُّعاء لهم فيكم..."[3].
185
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
وهناك أدعية أخرى مستجابة منها:
الأوّل: دعاء الإمام العادل رعيّته، وهو قول الإمام محمّد الباقر عليه السلام: "خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارك وتعالى: دعوة الإمام المقسط..."[1] ، والمقُسط هو العادل في رعيّته.
الثاني: دعاء المريض عموماً، ولعواده: فقد ورد قول الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة دعوتهم مستجابة: والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه"[2]. وأما استجابة دعائه في حقِّ عائديه، فقد ورد فيه عنه عليه السلام: "إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً، فليسأله يدعو له، فإنّ دعاءه مثل دعاء الملائكة"[3]، وفي رواية أُخرى عنه عليه السلام يحثّ على زيارة المريض طلباً لدعائه: "عودوا مرضاكم وسلوهم الدُّعاء، فإنّه يعدل دعاء الملائكة"[4].
الثالث: دعاء الغازي في سبيل الله تعالى، وفيه روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ثلاثة دعوتهم مستجابة (...) والغازي في سبيل الله, فانظروا كيف تخلفونه..."[5].
الرابع: دعاء الحاجّ أو المعتمر حتى يرجع، وهو قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أَرْبَعَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ حَتَّى تُفَتَّحَ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وتَصِيرَ إِلَى الْعَرْشِ: الْوَالِدُ لِوَلَدِه، والْمَظْلُومُ عَلَى مَنْ ظَلَمَه، والْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَرْجِعَ، والصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ"[6].
186
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
الخامس: دعاء الصائم حتى يفطر، وقد عرفت الحال مماَّ تقدَّم، ولعلَّ ذلك من مقتضيات قوله سبحانه في حديث قدسيّ مرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "الصوم لي، وأنا أجزي عليه"[1].
السادس: دعاء الأطفال ما لم يقارفوا الذّنوب، وهو المرويّ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "دعاء أطفال أُمتي مستجاب ما لم يقارفوا الذّنوب"[2]، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أهمّية الاهتمام بالأطفال، والعمل على تجنيبهم للموبقات، وحفظ فطرتهم من الخلُق السيِّئ، فإنَّما الاستجابة لهم لطهارة قلوبهم، حيث إنَّ الذنبَ له أثرٌ وضعيٌّ كالخمر، يُؤثّر في المكلَّف وغير المكلَّف[3].
ثالثاً: الدعوات التي لا تُستجاب
في قبال الدّعوات المستجابة، هنالك دعوات ضالّة لا يُستجاب لها، والسرُّ في ذلك هو تعارضها مع السّنن الكونية والتشريعية الإلهية، فتكون هذه الأدعية مجُرّد لغوٍ، فهي: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[4]، بل هي أشبه ما تكون بالمكُاء والتصدية، فلا تعدل شيئاً في الميزان الإلهي، وسنحاول الوقوف إجمالاً عند أهمِّ تلك الدعوات الضالّة، والتي سيكتشف منها بعض الناس سرَّ عدم استجابة دُعائه، رُغم دأبه وتواصله وتوفير جملة من مقدّمات الدُّعاء الظاهرية، أمّا أهمّ هذه الدعوات الباطلة فهي:
187
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
1- الدعوة بما لا يكون
حيث يدعو الإنسان بما هو خارج عن السنن الكونية أو الشرعية، غفلة منه أو تغافلاً، فيكون دعاؤه مُخالفاً لمقتضى الحكمة الإلهية في التكوين والتشريع، وقد ورد في ذلك عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: "أنّ زيد بن صوحان قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: فأي دعوة أضلّ؟ قال: الدَّاعي بما لا يكون"[1]، الدَّاعي بما لا يستقيم مع السنن الكونية، أو بما لا ينسجم مع مقتضيات الشريعة، كما لو دعا لنفسه أو لغيره بالتمكين من اقتراف المعصية.
إنَّ سؤال الدَّاعي بما يُناسبه يكون مُؤهِّلاً لقبول دعوته، بخلاف ما لو طلب شيئاً فوق مكنته، وقد ورد فيه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنَّه قال: "من سأل فوق قدره استحقّ الحرمان"[2]، كما لو طلب لنفسه الوجاهة والرئاسة وهو إنسان جاهل ووضيع، أو كمن طلب لنفسه مالاً وداراً ومركبةً وهو باقٍ على محدودية دخله، وهنا ينبغي التنبيه إلى أنَّ عدم استجابة هذه الدعوة ليس لبخل في ساحة الله تعالى، وإنَّما لأنَّ الدُّعاء لا يخرج عن دائرة الحكمة، ولو تمَّت الاستجابة لكلّ داعٍ فاقد دون أن يُمهِّد لذلك فإنه لا يبقى فرق بين الدَّاعي العامل وغيره، وهو قبيح في نفسه، إنَّما: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾[3] والداعي العامل على بيِّنة من ربّه، فهل يُقاس بمن زيَّن له الشيطان بالكفّ عن العمل تواكلاً على الدُّعاء؟ ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ﴾[4].
188
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
2- الدعوة لمظْلَمة وقعت عليه قد أوقع مثلها على غيره
لقد ورد في الحديث القدسي: "يقول الله عزّ وجلّ، لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مَظْلمَة، ولأحَدٍ من خلقي عنده مَظْلَمة مثلها"[1].
3- الدعوة بقطع رحم
إنَّ الرحم - كما ورد في الأخبار - مُعلَّقة بالعرش، فعن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: "إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ، صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، واقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي"[2]، فكيف يُتصَّور قبول الدُّعاء بقطعها؟! ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إنّ أصنافاً من أمّتي لا يستجاب لهم... ورجلٌ يدعو في قطيعة رحم"[3]، فهو داعٍ إلى إطفاء سُنّةٍ شرعية، ويُريد بجهله أن يُستجاب له!
4- الدعوة المجرّدة من العمل
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "أَرْبَعَةٌ لَا تُسْتَجَابُ لَهُمْ دَعْوَةٌ: رَجُلٌ جَالِسٌ فِي بَيْتِه يَقُولُ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، فَيُقَالُ لَه: ألَمْ آمُرْكَ بِالطَّلَبِ..."[4] وقد عرفت بأنَّ الاستجابة للعاطل الكسول المجافي للعمل يلزم منها رفع الفروقات بين العامل وغير العامل، وهو ممنوع، كما هو واضح.
فما مثل الدَّاعي بلا عمل ﴿إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾[5]، وقد ورد عن عمر بن يزيد أنَّه قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رَجُلٌ قَالَ لأَقْعُدَنَّ فِي بَيْتِي ولأُصَلِّيَنَّ ولأَصُومَنَّ ولأَعْبُدَنَّ رَبِّي، فَأَمَّا رِزْقِي فَسَيَأْتِينِي، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام: هَذَا أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ"[6].
189
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
مفاهيم رئيسة
1- من الممكن أن يدعو الإنسان، فتطابق استجابة الدُّعاء الموضوعَ الذي دعا به الدَّاعي، وقد تختلف مطلقاً، أو بنحوٍ من الأنحاء، في صور مختلفة تحُدّدها المصلحة والمسار الذي عليه الدَّاعي، وهذه الصُّوَرُ وغيرها، إنَّما تتعدّد وتحصل واقعاً بحسب اختلاف كمال الدَّاعي ونقصه.
2- من الأدعية المستجابة: دعاء الوالد لولده، إذا برّه، ودعوته عليه إذا عقّه، دعاء المظلوم، دعاء رجل مؤمن لأخيه المؤمن، دعاء الإمام العادل رعيّته، دعاء المريض عموماً، دعاء الغازي في سبيل الله تعالى، دعاء الحاجّ أو المعتمر حتى يرجع، دعاء الصائم حتى يفطر، دعاء الأطفال ما لم يقارفوا الذّنوب.
3- من الدعوات التي لا تُستجاب، والتي هي دعوات ضالّة لا يُستجاب لها, لأنّها تتعارض مع السّنن الكونية والتشريعية الإلهية:
- الدعوة بما لا يكون: فعن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: "أنّ زيد بن صوحان قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: فأيّ دعوة أضلّ؟ قال: الدَّاعي بما لا يكون".
- الدعوة لمَظْلَمة وقعت عليه قد أوقع مثلها على غيره.
- الدعوة بقطع رحم: فقد روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَرْشِ تَقُولُ اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي واقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي".
- الدعوة المجرّدة من العمل.
215
190
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء
للمطالعة
ليس هناك دعاء من دون استجابة
لا يُعطى الإذن لصاحب القلب الملوّث بالدّخول إلى حريم قدس ذكر الله، فلا بدّ من الاغتسال. إذا استطاع القلب أن يعطّر ويزيّن نفسه بذكر الله، لا شكّ أنّ الاستجابة الإلهيّة ستدركه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[1]. ليس هناك من دعاءٍ معدوم الاستجابة. والاستجابة لا تعني أنّ الإنسان سيعطى ما يريده حتماً، فقد تقضى الحاجة، وقد تَحُول بعض الأسباب أو المصالح أو الدوافع دون قضائها، ولكنّ استجابة الله موجودة.
واستجابة الله هي عبارة عن جواب الله وتوجّهه والتفاته، حتّى وإن لم تتحقّق تلك الحاجة التي نريدها، والتي كثيراً ما نتخيّل أنّها لصالحنا، وتكون على العكس من ذلك. لكن عندما تقولون: "يا الله" اعلموا أنّ "لبّيك" ستأتي بعدها. فلنحاول أن نعطّر قلوبنا، فنحن اليوم بحاجة ماسّة إلى تطهير هذه القلوب، وأنا أحتاج هذا العلاج الإلهي أكثر منكم جميعاً، ونحن ـ الذين نحمل على أكتافنا مسؤوليّات ثقيلة ـ بحاجة إلى ذلك أكثر من الذين ليست لديهم أيّ مسؤوليّة, إنّ عملنا يثقل الكاهل. والله تعالى يوجب تلك العبادات الثقيلة، وقيام الليل، وذلك البكاء والتضرّع على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والطلب منه تعالى لأنّ حمله ثقيل. يحتاج كلّ إنسان أن يوثّق علاقته بالله على قدر عظم حمله. إذا ما استطعنا توطيد هذه العلاقة، ستستقيم أعمالنا، وستُفتح الطريق أمامنا"[2].
191
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الأزمنة التي يستجاب فيها الدُّعاء والزيارة.
2- يتعرّف إلى الأمكنة التي يستجاب فيها الدُّعاء والزيارة.
3- يدرك أهمية مراعاة الزمان والمكان في الدعاء.
217
192
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
تمهيد
لقد تعرّفنا فيما سبق إلى جملة من الآداب والشروط الخاصّة بالدعاء، والتي تهيّئ الأرضية المناسبة التي ينطلق منها الدَّاعي في رحلة التعلّق بأذيال الرحمة الإلهية. وفي هذا الدرس، سنتعرّف إلى أهمّ الأمكنة والأزمنة التي يستجاب فيها الدُّعاء، فيما لو توجّه فيهما الدَّاعي إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن نلفت النظر إلى أنّنا لم ندرجها ضمنها الأمكنة والأزمنة التي تعتبر من المناسبات الشّعائرية في ديننا الإسلامي، والتي سنقوم بإفرادها في درسٍ منفصلٍ يأتي.
أولاً: أزمنةٌ يستجاب فيها الدُّعاء
1- جوف الليل
في الوقت الذي تنام فيه عيون العباد، تقوم بين يدي الله تعالى، في وقت الصفاء وقلّة الشاغل الدنيوي، ففي هذا الوقت يتفرّغ عباد الله المخلصون للدعاء والمناجاة، عن نوف البكالي في حديث، قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه، وقال لي: "يا نوف، إنّ داوود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل، فقال: إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له"[1]. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "كان فيما ناجى الله به موسى بن عمران عليه السلام
193
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
أن قال له: يا ابن عمران، كذب من زعم أنَّه يحبني فإذا جنّه الليل نام عنّي، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه؟ ها أنا يا ابن عمران مطّلع على أحبّائي، إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم، ومثُلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلّموني عن الحضور. يا ابن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع، وادعني في ظلم الليل، فإنّك تجدني قريباً مجيباً"[1].
وعنه عليه السلام أنَّه قال: "من قام من آخر الليل فتطهّر وصلّى ركعتين، وحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، إمّا أن يعطيه الذي يسأله بعينه، وإمّا أن يدّخر له ما هو خير له منه"[2].
2- زوال الشّمس
عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدّق به، وشمّ شيئاً من طيب، وراح إلى المسجد، ودعا في حاجته بما شاء الله"[3].
3- بين الطلوعين
عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "أجيبوا داعي الله، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض، وهي الساعة التي يقسّم فيها الرزق بين عباده... توكّلوا على الله عند ركعتي الفجر إذا صلّيتموها، ففيها تعطوا الرغائب"[4].
194
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ من عباده المؤمنين كلّ دعاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وتقسم فيها الأرزاق، وتقضى فيها الحوائج العظام"[1].
4- قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربّك، ولا تقل: هذا ما لا أعطاه، وادعُ فإن الله يفعل ما يشاء"[2].
5- العشاء الآخرة
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له حاجة فليطلبها في العشاء الآخرة, فإنّها لم يعطها أحد من الأمم قبلكم, يعني العشاء الآخرة"[3].
6- بعد الصلوات المكتوبة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أدّى لله مكتوبة، فله في أثرها دعوة مستجابة"[4]، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى فرض الصلوات في أفضل الساعات، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات"[5].
ومنها الدُّعاء بين صلاتي الظهر والعصر: عن الإمام عليه السلام: "الوقت الذي لا يردّ فيه الدُّعاء هو ما بين وقتكم في الظهر إلى وقتكم في العصر"[6].
195
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول الله يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة، وبعد العصر ساعة، أكفك ما همّك"[1].
7- يوم الجمعة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ يوم الجمعة سيّد الأيّام، يضاعف الله عزّ وجلّ فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات"[2].
ومنها أن يدعو بين خطبة الإمام واستواء الصفوف: فعن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الساعة التي يستجاب فيها الدُّعاء يوم الجمعة: "قال ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تستوي الصفوف، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس"[3].
"وروي أن تلك الساعة هي إذا غاب نصف القرص وبقي نصفه، وكانت فاطمة الزهراء عليها السلام تدعو في ذلك الوقت، فيستجاب الدُّعاء فيها"[4].
8- الدعاء وقت السّحر
فقد وروى أبو الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إنّ الله عزّ وجلّ يجيب (يحب) من عباده (المؤمنين) كلّ (عبد) دعّاء، فعليكم بالدعاء في السّحر إلى طلوع الشّمس, فإنّه ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وتقسم فيها الأرزاق، وتقضى فيها الحوائج العظام"[5].
9- التوسّل بالأئمّة عليهم السلام في أوقات النهار النهار اثنتا عشر ساعة، وقد روي "أنَّه يتوجّه كلّ ساعة منها، ويتوسّل إلى الله
196
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
تعالى بإمام من أئمّة الهدى عليهم السلام على ما رواه شيخنا في المصباح بالدعاء المأثور لذلك. وذكر السيد رضي الدين رحمه الله أن كلّ يوم من الأسبوع يختص بضيافة أحد من الأئمّة عليهم السلام وإجارته ولكلّ يوم منه زيارة ويختصّ ظهور الضيافة والإجارة عنه، فيوم السبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويوم الأحد لمولانا علي عليه السلام، ويوم الاثنين للحسن والحسين عليه السلام، ويوم الثلاثاء لعلي بن الحسين والباقر والصادق، ويوم الأربعاء للكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام، ويوم الجمعة للمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف"[1].
10- عند سماع الأذان
للأذان وقعٌ عظيمٌ في قلب المؤمن، بل وفي قلب كلّ ذي بصيرة وفطرة سليمة، بل في قلب كلّ إنسان له توجّه سليم، "ففيه فصول التوحيد والنبوّة والولاية والعبادة الحقّة، فمن توجّه إلى الفصول أرجعته للأُصول، حيث المبدأ الحقُّ والمنتهى المتُحقّق ضرورة"[2].
وإضافة إلى ثبوت استحباب حكاية الأذان, بمعنى قراءتها مع المؤذِّن، فقد وردت أدعيةٌ خاصّةٌ عند سماع الأذان، حيث ورد في كلّ فصل دعاءٌ قصير خاصّ به، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "أنَّه إذا قال المؤذّن: أشهد أن لا إله إلا الله، يقول الحاكي: وأنا أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا،ً وبالإسلام دينا،ً وبمحمّدٍ رسولا، وبالأئمّة الطاهرين عليهم السلام أئمّة، ثمّ يقول: اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامةّ، والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم القيامة"[3]. وغيرها من الأدعية التي تتوالى مع فصول الأذان والإقامة الباقية.
197
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
11- الدُّعاء بين الأذان والإقامة
ورد الاستحباب المؤكَّد على الدُّعاء بين الأذان والإقامة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "الدُّعاء بين
الأذان والإقامة لا يردّ"[1]. والحكمة في ذلك ربّما أنّها تدور حول ما يعتمل في قلب الدَّاعي عند سماع فصول الأذان، فقد جاء في أكثر المأثور فيه، وفي أكثر فصوله، دعوة الإقرار والدعاء لأهل العصمة، وبذلك تصل النوبة للداعي نفسه،
ليدعو لنفسه بأمرٍ يجمع فيه خير الدنيا والآخرة، وهذا ما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام بقولهم عليهم السلام: "يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس: اللهمّ اجعل قلبي بارّا،ً وعقلي قارّا،ً ورزقي دارّا،ً واجعل عند لي عند قبر نبيك صلى الله عليه وآله وسلم قراراً ومستقرّاً"[2].
وهو الدُّعاء عند ختام اليوم بالمرويّ عنهم عليهم السلام: "يا من ختم النبوّة بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، اختم لي في يومي هذا بخير، وشهري بخير، وسنتي بخير، وعمري بخير"[3].
12- شهر رمضان
وهو موسم الدُّعاء، ولكل ليلة من لياليه ويوم من أيامه وساعة من ساعاته، وردٌ مذكور، ودعاءٌ مذخور، وصلاةٌ مسنونة. وقد امتلأت كتب الأدعية بالروايات التي تذكر فضل الصَّلاة والدعاء والعبادة فيه، ومما جاء في ذلك ما روي عن سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الأواخر شدَّ المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرّغ للعبادة"[4].
198
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
وممّا ورد من الدُّعاء في شهر رمضان ما جاء عن محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين عليه السلام قال: "تكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدُّعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً (وعينا)، حتّى تسكنه أرضك طوعا، وتمتّعه فيها طويلا"[1].
ثانياً: أمكنة يستجاب فيها الدُّعاء
لقد ورد في الروايات الشَّريفة وجود عدد من الأماكن التي يستحبُّ للمرء أن يدعو الله فيها، فقد روي عن الإمام أبي الحسن الثالث، الجواد عليه السلام أنَّه قال: "إنّ الله عزّ وجلَّ جعل من أرضه بقاعاً تسمّى المرحومات، أحبّ أن يدُعى فيها فيجيب"[2].
ومن هذه الأماكن:
1- المسجد: ونقصد به مطلق المسجد حيث تُستحب الصلاة استحباباً مؤكّداً، فإنّه بيت الله وقاصده قاصدٌ إلى الله زائرٌ له. وفي الحديث القدسي: "ألا إنَّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبدٍ تطهّر في بيته، ثمّ زارني في بيتي، وهو أكرم من أن يخيب زائره وقاصده"[3].
2- قبر الإمام الحسين عليه السلام: فقد روي أنّ الله سبحانه وتعالى عوض الإمام الحسين عليه السلام من قتله بأربع خصال: "جعل الشفاء في تربته، وإجابة الدُّعاء تحت قبّته، والأئمّة من ذرّيته... "[4].
199
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
وقد ورد في استحباب الدُّعاء عنده جملة من الروايات، فقد أنفذ الإمام الحسن العسكري عليه السلام زائراً عنه إلى مشهد أبي عبد الله الحسين عليه السلام وقال: "إنّ لله تعالى مواطن يحبّ أن يدعى فيها فيجيب، وإنّ حائر الحسين عليه السلام من تلك المواطن"[1].
3- عرفة: ففي الخبر أنّ الله سبحانه وتعالى يقول للملائكة في ذلك اليوم: "يا ملائكتي، ألا ترون إلى عبادي وإمائي، جاؤوا من أطراف البلاد شعثاء غبراء، أتدرون ما يسألون؟ فيقولون: ربّنا إنّهم يسألونك المغفرة، فيقول: اشهدوا أنّي قد غفرت لهم"[2]. وروي "أنَّ من الذّنوب ما لا يغفر إلا بعرفة، والمشعر الحرام"[3]، وروي عن الإمام الرضا عليه السلام: "ما وقف أحد بتلك الجبال إلا استجيب له"[4].
4- المسجد النبوي: فلا ريب باستحباب الصَّلاة والدعاء فيه، فقد وردت في فضلها الروايات الكثيرة، وقد شخّصت بعضها مواضع محدّدة فيه، كالفسحة بين منبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقبره، روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة"[5].
ويقول الشيخ الطوسي في مصباحه: "وأكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ الصلاة فيه بألف صلاة ..."[6].
5- المسجد الحرام: فقد روي أنّه: "من الذّنوب ما لا يعفو (يغفر) إلا بعرفة، والمشعر الحرام قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾"[7].
200
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
6- مسجد الكوفة: وهو رابع المساجد التي للمسافر أن يختار فيها في صلاته بين القصر والتمام، وهو من أقدم مساجد الأرض عموماً، وقيل بأنَّ أوَّل من بناه هو نبيّ الله آدم عليه السلام، فعن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنَّه قال: "مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبياً... ومنه فار التنّور ونجرت السفينة، وهي صرّة بابل، ومجمع الأنبياء عليهم السلام"[1].
7- المسجد الأقصى: قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[2]. فهو محلّ إسراء الرسول، وصلاة الأنبياء، ويستحبّ زيارته والصلاة فيه والدعاء.
8- مسجد السهلة: وهو المكان الذي سوف يتّخذه الإمام المهدي عليه السلام منزلاً له، كما اتّخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجده منزلاً له، فعن الإمام الصادق صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه ذكر مسجد السهلة، فقال: "أما أنَّه منزل صاحبنا إذا قام بأهله"[3]. وفي رواية أخرى: "وهو من البقاع التي أحبّ الله أن يُدعى فيها"[4].
9- في ساحات الجهاد والشهادة: ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "اغتنموا الدُّعاء عند خمسة مواطن (...) وعند التقاء الصفّين للشهادة (...) فإنّها ليس لها حجاب دون العرش"[5]
201
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
مفاهيم رئيسة
1- يستحبّ الدعاء في أزمنة معينة، يفضل فيها ثواب الدعاء وإجابته عن غيرها من الأوقات.
2- يستحبّ الدعاء في جوف الليل، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "من قام من آخر الليل فتطهّر وصلّى ركعتين، وحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه...".
3- يستحبّ الدعاء عند زوال الشّمس، وبين الطلوعين، وبعد العشاء الآخرة، ويستحبّ التوسّل بالأئمّة في أوقات النهار، ووقت السّحر، وعند سماع الأذان.
4- يستحبّ الدّعاء قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد...".
5- يستحبّ الدّعاء بعد الصلوات المكتوبة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أدّى لله مكتوبة، فله في أثرها دعوة مستجابة".
6- يستحبّ الدّعاء يوم الجمعة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ يوم الجمعة سيّد الأيّام، يضاعف الله عزّ وجلّ فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات".
7- يستحبّ الدُّعاء بين الأذان والإقامة, إذ ورد الاستحباب المؤكَّد على الدُّعاء بين الأذان والإقامة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "الدُّعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ".
8- يستحبّ الدّعاء في شهر رمضان، إذ روي عن أبي عبد الله عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الأواخر شدَّ المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرّغ للعبادة".
لقد ورد استحبابُ الدّعاء في أمكنة مقدّسة، ومنها: المسجد، قبر الإمام الحسين عليه السلام، عرفة، المسجد النّبوي، المسجد الحرام، مسجد الكوفة، المسجد الأقصى، مسجد السّهلة، الحائر الحسيني، في ساحات الجهاد والشّهادة.
227
202
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء
للمطالعة
الدعاء في شهر رمضان
"أعزائي، ها هو شهر رمضان على الأبواب! أيّام قليلة وسيكون المؤمنون ـ الأشخاص اللائقين لذلك ـ حاضرين على مائدة الضيافة الإلهيّة. إنّ الصيام بنفسه هو عبارة عن توجّه إلى الله تعالى، وهذه الأذكار والأدعية التي تميل وتتوجّه إليها القلوب، هي من بركات مائدة الضيافة الإلهيّة هذه، جهّزوا أنفسكم، واستفيدوا من هذه المائدة قدر الإمكان. إنّ شهري رجب وشعبان هما شهرا استعداد قلب الإنسان لاستقبال شهر رمضان.
أعزّائي، أبنائي، الشباب العزيز، فلتستفيدوا أيضاً من هذه الأيام القليلة، فلتسألوا الله أن يجذب قلوبكم الصافية نحوه ويعطيكم الفرصة للتحدّث معه. ليس هناك من لغة خاصّة للتحدّث مع الله, ولكنّ المعصومين الذين نتّبعهم، والذين طووا مقامات القرب الإلهي واحداً بعد الآخر، قد تحدّثوا مع الله بطرق جيّدة، وعلّمونا كيف نتكلّم مع الله. فهذه المناجاة الشعبانيّة، وها هي أدعية شهري رجب وشعبان، ذات المعاني الرفيعة، والمعارف الرقيقة والنورانيّة، والألفاظ الجميلة التي تشبه المعجزة، هي وسيلتنا للدعاء.
إنّي أدعوكم جميعاً أيها الأعزّاء إلى التوجّه أثناء الدعاء في هذه الأيام، التوجّه في الصلاة، الإقبال على الصيام واستغلال أياّم وليالي شهر رمضان. آمل أن يشملكم اللّطف والفضل الإلهي جميعاً"[1].
[1] الإمام القائد الخامنئي دام ظله، في التجمّع الشعبي الكبير لأهل مدن: كاشان وآران و بيدكل21/11/2001.
228
203
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهمّ الآثار العاجلة للدعاء في الدنيا.
2- يعرف أبرز الآثار الآجلة للدعاء في الآخرة.
3- يفهم علاقة الدعاء بالقضاء والقدر.
229
204
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
أولاً: الآثار العاجلة:
وهي الآثار التي تعود لصالح الدَّاعي في دار الدنيا، ويمكن حصرها بما يأتي:
1- الدُّعاء وقضاء الحاجات:
الدُّعاء باب مفتوح للعبد إلى ربّه سبحانه، يطلب من خلاله كلّ ما يحتاجه في الدنيا من زيادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق والخلاص من البلاء والغمّ، وذلك من أبرز القيم الرفيعة عند الأنبياء والأوصياء والصالحين، ومن أهمّ السنن المأثورة عنهم.
وممّا جاء في الكتاب الكريم من دعاء الأنبياء، قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾[1].
وقال تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[2]. وجاء في وصيّة أمير
205
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
المؤمنين عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: "واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض، قد أذن لك في الدُّعاء، وتكفّل لك بالاجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه... فإذا ناديته سمع نداك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته مالا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار، وصحّة الأبدان، وسعة الأرزاق، ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته"[1].
2- الدُّعاء شفاءٌ من الدَّاء:
الدُّعاء شفاء من كلّ داء، ومن أوكد الأسباب في إزالة الأمراض المستعصية خصوصاً الأمراض النفسية الشائعة في زماننا هذا، وقد أكّدت البحوث الطبية أنّ الطب الروحي من أهمّ الأسباب في تخفيف مثل هذه الأمراض وإزالتها، والدعاء يقف على رأس مفردات الطب الروحي والعلاج النفسي.
على أن الدُّعاء وصفة طبية روحية مقرونة بالرحمة والشفاء للمؤمنين الموقنين، قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾[2].
وعن العلاء بن كامل، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "عليك بالدعاء، فإنّه شفاء من كلّ داء"[3].
وعن الحسين بن نعيم، قال: اشتكى بعض ولد أبي عبد الله عليه السلام، فقال: "يا بني، قل: اللهمّ اشفني بشفائك، وداوني بدوائك، وعافني من بلائك، فإنّي عبدك وابن عبدك"[4].
206
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
3- الدُّعاء ادّخار وذخيرة:
ومن آثار الدُّعاء إذا واظب عليه العبد في حال الرخاء أنَّه يكون له ذخيرة لاستخراج الحوائج في البلاء.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الدُّعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء"[1].
4- الدُّعاء يهذِّبُ النفس:
إذا تطلّعنا في مفردات التراث الغزير الذي تركه لنا أئمّة أهل البيت عليهم السلام في مجال الدُّعاء، ولاسيما فيما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في أدعية الصحيفة السجادية، فسنرى أنّها تزخر بثروة كبيرة من النماذج التي تثير مفاهيم الحياة الفردية والاجتماعية على المستوى الأخلاقي وتحديد مكارم الأخلاق وخطوطها التفصيلية، وعلى المستوى التربوي في تحديد مفاهيم التربية الإسلامية وتهذيب النفس وصفائها، وتنمية نزعاتها الخيرة، وردعها عن غيّها، وترويضها على طلب الخير.
وخير مثال على ذلك هو دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في مكارم الأخلاق ومرضيّ الأفعال الذي جاء فيه: "اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد، ومتّعني بُهدىً صالحٍ لا أستبدل به، وطريقة حقٍّ لا أزيغ عنها، ونيّة رشدٍ لا أشكّ فيها... اللهمّ لا تدع خصلة تعاب منّي إلاّ أصلحتها، ولا عائبةً أُؤنّب بها إلاّ حسّنتها، ولا أُكرومةً فيّ ناقصةً إلاّ أتممتها..."[2].
207
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
5- الدُّعاء سلاح المؤمن:
الدُّعاء سلاح ذو حدّين، فهو من جانب سلاح في مواجهة هوى النفس الأمارة ومطاردة شهواتها، ومواجهة الشيطان وغروره، وحبُّ الدنيا وزخرفها، وهذا هو حدّ الانتصار على النفس، الذي يؤدّي إلى تهذيبها والارتفاع بها إلى درجات الصالحين، ومن جانب آخر فإنّ الدُّعاء عدّة المؤمن لمواجهة أعدائه، وهو السلاح الذي يشهره في وجه الظالمين.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدُّعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السموات والأرض"[1].
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم، ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: تدعون ربّكم بالليل والنهار, فإنّ سلاح المؤمن الدُّعاء"[2].
وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "الدُّعاء ترس المؤمن"[3].
ولقد اتّخذ الأنبياء والأوصياء والصالحون من الدُّعاء سلاحاً يقيهم شرور أعدائهم من الكافرين والمتمرّدين. قال الإمام الرض عليه السلام لأصحابه: "عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال عليه السلام: الدُّعاء"[4].
وفي الكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة أمثلة كثيرة لآثار الدُّعاء في ردّ كيد الأعداء والانتصار عليهم.
قال تعالى: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[5].
208
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
ولما اشتدّ الفزع بأصحاب طالوت لكثرة العدد والعدة في صفّ جالوت وجنوده، دعوا الله متضرّعين، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ﴾[1].
وفي بدر حيث التقى الجمعان، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربّه، واستنصره متضرّعاً إليه حتى سقط رداؤه[2]، فأنجز له الله تعالى ما وعده، وأمدّه بألف من الملائكة مردفين، ولاحت بشائر الانتصار، قال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾[3].
وعندما دخل الإمام الصادق عليه السلام على المنصور العباسي، الذي توعّده بالقتل، دعا الإمام عليه السلام ربّه متوسِّلاً إليه للخلاص من الشرِّ والعدوان، قال عليه السلام: "يا عدّتي عند شدّتي، ويا غوثي عند كربتي، احرسني بعينك التي لاتنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام"[4].
ثانياً: الآثار الآجلة
بالدعاء يُنال ما عند الله تعالى من الرحمة والمغفرة والنجاة من العذاب في الآخرة، وذلك من أبرز آثار الدُّعاء والتضرّع إلى الله سبحانه , لأنّ عطاء الآخرة دائم مقيم لا نفاد له.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "أكثروا من أن تدعوا الله, فإنّ الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنّة"[5].
209
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
وروي عنه عليه السلام: "عليكم بالدعاء، فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل من الدُّعاء والرغبة إليه والتضرّع إلى الله والمسألة، فارغبوا فيما رغّبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله"[1].
الدُّعاء يردُّ القضاء ويدفع البلاء:
الدُّعاء من أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء ويكشف بها السوء والضرُّ والكرب العظيم، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾[2].
وقال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ﴾[3].
وقال تعالى: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾[4].
فبالدعاء يرُّد القضاء ويصرف البلاء المقدّر، وبذلك وردت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادفعوا أبواب البلاء بالدعاء"[5].
وروى ميسر بن عبد العزيز، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال لي: "ياميسر، ادعُ ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه، إنّ عند الله عزَّ وجلّ منزلة لا تنال إلاّ بمسألة"[6].
وعنه عليه السلام، قال: "إنّ الدُّعاء يردُّ القضاء، ينقضه كما ينقض السلك، وقد أُبرم إبراماً"[7].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص4.
[2] سورة النمل، الآية 62.
[3] سورة الانبياء، الآيتان 83 و84.
[4] سورة الأنبياء، الآية 76.
[5] السيد الحميري، أبو العباس عبد الله بن جعفر: قرب الإسناد، ص55، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1413هـ، ط1.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص341.
210
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
وعن الإمام أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام: "عليكم بالدعاء، فإنّ الدُّعاء لله، والطلب إلى الله يردُّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبقَ إلاّ إمضاؤه، فإذا دعي الله عزَّ وجلّ وسُئل صرف البلاء صَرَفه"[1].
وأحاديث هذا الباب كثيرة، نكتفي بهذا القدر للدلالة على صحّة دفع الضرر وردّ القضاء والبلاء بالدعاء والتضرّع والإقبال على الغفور الرحيم بقلب يملؤه الإخلاص ويعمره الإيمان.
وإلى هذا الحدّ تنتهي الآثار المترتّبة على الدُّعاء والابتهال إلى الله تعالى في دار الدنيا، وللدعاء مضامين كثيرة تترتّب عليها آثار أُخرى لا يمكن الإحاطة بها في هذه العجالة، ويمكن مراجعتها في الكتب المختصّة بذلك.
وفيما يلي نتعرض للردّ على الشبهة القائلة بمنافاة الدُّعاء مع الاعتقاد بالقضاء والقدر.
1- الدُّعاء والقضاء والقدر:
هناك تساؤلات كثيرة حول منافاة الدُّعاء مع الاعتقاد بالقضاء والقدر، وأوّل ما يتبادر إلى الذهن هو قول اليهود المعبّر عنه في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾[2].
قالت اليهود: "إنّ الله لما خلق الأشياء وقدّر التقادير، تمّ الأمر وخرج زمام التصرف الجديد من يده بما حتّمه من القضاء، فلا نسخ ولا استجابة لدعاء, لأنّ الأمر مفروغ منه"[3].
211
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
وقد تسرّب هذا الاعتقاد في جملة ما تسرب من معتقدات اليهود والإسرائيليات إلى التّراث الإسلامي العريق الذي ينبذ بوضوحه وإشراقه كلّ وافدٍ غريب لا يمتُّ إلى الدين القويم وشرعة الإسلام الحنيف بصلة.
وكان من جملة ما أثير حول هذا الموضوع، أن قالوا: "إنّ المطلوب بالدعاء إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى، كان واجب الوقوع، فلا حاجة إلى الدُّعاء، وإن كان غير معلوم الوقوع، كان ممتنع الوقوع، فلا حاجة أيضاً إلى الدُّعاء"[1].
وقالوا: "المدعو إن كان قدراً، لم يكن بدّ من وقوعه، دعا به العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قدراً لم يقع سواء سأله العبد أم لم يسأله"[2].
ومع وضوح الإجابة عن مثل هذه التساؤلات من خلال محكمات الكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة على ما سيأتي بيانه، إلاّ أن بعضهم ظنَّ بصحتها، فتركوا الدُّعاء وسائر أعمال البرّ، لاعتقادهم بأنّ للإنسان مصيراً واحداً لا يمكن تغييره ولا تبديله، وأنه ينال ما قُدّر له من الخير أو الشرّ.
ولا شكّ أنّ ذلك ناشئ عن فرط جهلهم بظنّهم أنّ الدُّعاء أمرٌ خارج عن نطاق القضاء والقدر وبعيد عن الحكمة الإلهية، والواقع أنّ الدُّعاء وإجابته من أجزاء القضاء والقدر، وأنّ المقدَّر معلّق بأسباب، ومن أسبابه الدُّعاء، ومتى أتى العبد بالسَّبب وقع المقدَّر، وإذا لم يأتِ بالسَّبب انتفى المقدَّر، ويعتبر الدُّعاء من أقوى الأسباب، وليس شيء من الأسباب أنفع منه ولا أبلغ في حصول المطلوب، لما ورد في فضله من آيات الكتاب وصحيح الأثر، فإذا قدّر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدُّعاء.
212
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
وفيما يلي نجيب عن هذه الشبهة بشيءٍ من التفصيل:
2- علمه تعالى
قيل: إنّ تغيير مصير الإنسان بالدعاء وغيره من أعمال البرّ يقتضي التغيير فيما قدّره الله تعالى في علمه الأزلي، وذلك يعني تغيير علمه تعالى، وهو محال.
نقول: إنّ الله تعالى عالم بمصير الأشياء كلّها غابرها وحاضرها ومستقبلها، وعلمه هذا أزلي قديم لا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ولا العلم بعد الجهل، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء﴾[1].
وروي عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام: "لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء"[2].
3- أمّ الكتاب ولوح المحو والإثبات:
إنّ لعلمه تعالى مظاهر عبّر عنها في الكتاب الكريم، منها أُمّ الكتاب، وهذا المظهر يعبر عن علمه الأزلي المحيط بكلِّ شيء، والذي هو عين ذاته، لا يتطرّق إليه التغيير والتبديل، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾[3]، وفي أمُّ الكتاب التقدير القطعي الذي يشتمل على جميع السنن الثابتة الحاكمة على الكون والإنسان.
والمظهر الآخر من علمه تعالى هو المعبّر عنه بلوح المحو والإثبات، ولله تعالى فيه المشيئة يقدّم ما يشاء ويؤخِّر ما يشاء حسب ما تقتضيه حال العباد من حسن الأفعال أو قبحها التي تؤدّي بالإنسان إلى السعادة أو الشقاء، قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[4].
213
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
روي عن الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: "من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدّم منها ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء"[1].
وفي لوح المحو والإثبات يكتب التَّقدير الأوَّل، ولكنّه يُعلَّق بتحقُّق شرطه أو زوال مانعه، أي إنَّه موقوفٌ على أعمال العباد، فالدُّعاء والذِّكر والصَّدقة وصلة الأرحام وبرُّ الوالدين واصطناع المعروف، تُـحوّل شقاء الإنسان إلى سعادة، بأن تُنسئ في أجله وتقيه مصارع الهوان وتدفع عنه ميتة السُّوء وتزكّي أعماله وتنمّي أمواله، وما إلى ذلك من الآثار الكثيرة الحسنة الواردة في الكتاب الكريم والحديث الصحيح.
وعلى العكس من ذلك فإنّ اقتراف الذّنوب وارتكاب السيئات كقطيعة الرحم وعقوق الوالدين وسوء الخلق وغيرها تحوّل مصير الإنسان من السعادة إلى الشقاء، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[2].
والتغيير الذي في لوح المحو والإثبات لا يمسّ بكامل علم الله تعالى، فليس هو انتقال من عزيمة إلى عزيمة، وليس هو حصول للعلم بعد الجهل، وليس هو معارضاً للتقدير الأول، بل إنّ الله تعالى عالم بما يؤول إليه مصير الإنسان في لوح المحو والإثبات، والظهور بعد الخفاء هو بالنسبة لنا، لا إلى علمه تعالى المحيط بكلِّ شيء، وذلك كالنسخ في التشريع الذي لا يختلف عليه أهل العدل.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلامفي قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[3] قوله: "فكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه، ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه، إنّ الله لا يبدو له من جهل"[4].
214
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
وممّا تقدّم تبيّن أنّ الإنسان لم يكن محكوماً بمصير واحد مقدور غير قابل للتغير والتبديل، بل إنَّه يستطيع أن يغيّر مصيره لكي ينال سعادة الدارين بحسن أفعاله وصلاح أعماله، ومنها الدُّعاء والتضرّع، وقد ورد عن عبد الله بن عباس (رضي الله) عنه أنَّه قال: "لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر"[1].
وهذا مما يبعث الرجاء في القلوب المظلمة كي تشرق بنور الإيمان، ويوقد النور في أفئدة المذنبين، فلا ييأسوا من روح الله، ويسعوا للخلاص بالدعاء والتضرع والذكر وسائر أعمال البرّ، فإنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، وكلّ يوم هو في شأن، ويداه مبسوطتان بالرحمة والمغفرة.
والقول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال الطاعة والمعصية قول بالجبر الباطل بمحكمات الكتاب والسُنّة والعقل، وهو يقضي إلى القول بتعطيل جميع الأسباب وإلغاء إرسال الرسل وإنزال الكتب، وإلى بعث اليأس والقنوط في النفوس، فيستمر الفاسق في فسقه والظالم في ظلمه والمذنب في ذنبه، وذلك خلاف مشيئة الله وحكمته القاضية بأثر الدُّعاء في رد البلاء، والتوبة في طلب المغفرة والرحمة، وصلة الأرحام في طول الأعمار، وهكذا إلى آخر أعمال البرّ وصنائع المعروف.
[1] الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله: المستدرك على الصحيحين، ج2، ص350، يوسف عبد الرحمن المرعشلي (إشراف)، بيروت، دار المعرفة، ط1.
240
215
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
مفاهيم رئيسة
للدعاء جملة من الآثار العاجلة التي تبدو في عالم الدنيا، ومنها:
1- قضاء الحاجات: فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض، قد أذن لك في الدُّعاء، وتكفّل لك بالإجابة".
2- الدُّعاء شفاءٌ من الدَّاء، فعن العلاء بن كامل، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "عليك بالدعاء، فإنّه شفاء من كلّ داء".
3- الدُّعاء ادّخار وذخيرة، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الدُّعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء".
4- الدُّعاء يهذِّبُ النفس، ففي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في مكارم الأخلاق: "اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد، اللهمّ لا تدع خصلة تعاب منّي إلاّ أصلحتها، ولا عائبةً أُؤنّب بها إلاّ حسّنتها، ولا أُكرومةً فيّ ناقصةً إلاّ أتممتها...".
5- الدُّعاء سلاح المؤمن: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدُّعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السموات والأرض".
6- الدُّعاء يردُّ القضاء ويدفع البلاء، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادفعوا أبواب البلاء بالدعاء".
7- من الآثار الآجلة للدعاء في الآخرة، عن الإمام الصادق عليه السلام: "أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنّة".
8- يثير الحديث عن الدُّعاء إشكالية في فهم مسألة القضاء والقدر، وهي مسألة ترتبط بكيفيّة فهمنا لعلم الله تعالى وتقديره للأمور، وموقع الدعاء في سلسلة الأسباب والمسبّبات.
241
216
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء
للمطالعة
التوبة، تكليف دائم للإنسان
إنّ أهمّ مظهر من مظاهر الشكر على نعمة الشباب هو أن تستغلّوا هذا الصفاء والنورانيّة، والنّزاهة من التلوّث، والجمال الطبيعيّ الذي يزيّن الإنسان الشاب، لكي تتكاملوا في مدارج التزكية والأخلاق. وهذا ما سيكون زادكم لكلّ حياتكم إن شاء الله. أمّا سبيل ذلك، فأن تراعوا أمرين اثنين: الذكر، والتوبة. والذكر هو التذكّر في مقابل الغفلة, الغفلة
عن الله، الغفلة عن أداء التكليف والقيام بالمسؤوليّة، الغفلة عن تلك اللحظة الحسّاسة عند مواجهة المفوّضين الإلهيّين في عالم الملكوت، عالم ما بعد العبور من الجسمانيّة، والحساب العظيم للإنسان يوم القيامة أمام الله, هذه جميعها ذكر، بل هي أذكار مصيريّة. عندما يُطلب منّا الاعتقاد بالقيامة، فليس المقصود مجرّد الاعتقاد العلمي, لا، إنّما من أجل أن يكون لهذه العقيدة تأثير في حياتنا، في حركتنا، في القرارات التي نتّخذها.
(وكذا الحال بالنسبة إلى التوبة)، فالتوبة تكليف دائم للإنسان، فحتّى أطهر البشر يطلبون التوبة. التي تعني الرجوع إلى الله، وعن الطريق الخطأ، هي عبارة عن توجيه القلب نحو الله، والتوجّه كلياً إلى الله, كما فعل الإمام السجّاد عليه السلام. من هو الإنسان الأطهر من الإمام السجّاد عليه السلام, فلتنظروا في الصحيفة السجّاديّة من أوّلها إلى آخرها, انظروا أيّ حال وأيّ حرقة وأيّ توبة تستتر فيها: "وَهذا مَـقامُ مَنِ اسْتَحْيا لِنَفْسِهِ مِنْكَ، وَسَخِطَ عَلَيْها، وَرَضِىَ عَنْكَ"[1]، يقول الإمام السجّاد عليه السلام لله تعالى: "إلهي أنا غاضب على نفسي التي قد تعصي أمرك أحياناً، أنا راضٍ عنك، وأنا خجول من عصيان نفسي, هذه هي مناجاة الإمام السجّاد عليه السلام وحرقته"[2].
217
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
الفصل الثالث
مدرسة أهل البيت عليهم السلام
في الدعاء والزيارة
الكفايات:
1- يجيب عن دعاوي الإشكالات على الأدعية والزيارات المأثورة.
2- يحدِّد معاني ويستنتج مفاهيم من الأدعية المشهورة.
3- يحلّل ويشرح عدداً من الفقر الهامة في نماذج من الزيارات المشهورة.
4- يعرف معايير انتخاب الأدعية والزيارات المأثورة.
243
218
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الميزان في انتخاب الأدعية المأثورة.
2- يتعرّف إلى نماذج تطبيقية لكيفية انتخاب الدُّعاء.
3- يتعرّف إلى الميزان في انتخاب الزيارات.
245
219
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
تمهيد
لقد عرفنا من مجمل الدروس الماضية المكانة العالية التي يحتلّها الدُّعاء في توثيق علاقة العبد مع الله تعالى، وقد تبيّن لنا أيضاً أنّ أفضل الأدعية التي يمكن للإنسان أن يدعو بها ربّه هي الأدعية المأثورة عن الرَّسول الأكرم وآله الطيبين الطاهرين عليهم السلام، للعديد من الأسباب التي أشرنا إليها فيما سبق.
ومن هنا ندخل إلى هذا الدرس لكي نحدّد الطريق الأنسب للوصول إلى تلك الأدعية والزيارات الشَّريفة ونيل بركتها في تحقيق الحاجات والمطالب المختلفة التي يسعى إليها الناس.
أولاً: الميزان في اختيار الدُّعاء المأثور
الدُّعاء المأثور هو من صنف الروايات التي ينقلها الرواة عن آل بيت العصمة عليهم السلام، وقد يجدها الإنسان في أمهات الكتب الحديثية وكذلك في مصنّفات خاصّةٍ قام أصحابها باستلال عددٍ وافرٍ من الأدعية المأثورة من تلك الكتب الحديثية وأفردوها في مصنفات تحت عناوين متعدّدة تجمعها فكرةُ تخصيص الأدعية بكتب خاصّة بحيث يصل إليها الدَّاعي بيسرٍ وسهولة.
ولكن, بما أنّ الأدعية هي من صنف "الرواية" و"الحديث" فقد يسأل بعضهم عمّا
246
220
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
إذا كانت الأدعية تخضع أيضاً لقواعد الجرح والتعديل في علم الرجال، ولتصنيفات علم الحديث في ما بات يعرف من تصنيف الحديث إلى أقسام عدّة، منها: الضعيف والحسن والمقبول والموثوق والصحيح، وغير ذلك؟ وبالتالي يصحُّ أن نقول إنّ هذا الدُّعاء "ضعيف" فلا نقرأه، وذاك الدُّعاء "صحيح أو موثّق" فنقرأه؟
هناك اتّجاهات عديدةٌ في الإجابة على هذا السُّؤال الهامّ، ومنها:
1- استحباب الدُّعاء المأثور مطلقاً: يعتمد أغلب الفقهاء القدامى[1] على قواعد فقهية من أمثال: (التسامح في أدلة السُّنن[2])، والسُّنن هي فعل المستحبات وترك المكروهات بناءً لبعض المرويات كصحيحة صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام: "قال: من بلغه شيء من الثَّواب على شيءٍ من الخير فعمل (فعمله) به، كان له أجرُ ذلك وإنْ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يَقُلْهُ"[3]. وبالتالي يتساهل الفقيه الذي يعمل بهذه القاعدة في التدقيق في أسانيد الروايات التي جاء فيها ذكر تلك السنن، وهو قد يقبل حتى الحديث الضعيف المردود في موارد المستحبات والمكروهات، ولا يقبل الحديث الذي ثبت لديه أنَّه موضوع[4].
وبما أن الدُّعاء من الأمور التي ثبت استحبابها وتأكّد، فإنّه يخضع لهذه القاعدة, فأيّ دعاء جاءَ في روايةٍ أو حديث ولو كان ضعيفاً - دون أن يكون موضوعاً - فلا بأس بقراءته، ويتحصّل الدَّاعي على ثواب دعائه.
[1] كـ: الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي: الدراية، ص29، مكتبة آية الله العظمة المرعشي النجفي، ط1.
[2] قاعدة التسامح في أدلة السنن:"المراد منها أنَّه لو كان هناك خبر ضعيف - لا يكون موثوق الصدور لاختلال في سنده، وعدم جابر من عمل المشهور به كي يوجب الوثوق بصدوره - فلا يكون مشمولاً لدليل حجّية خبر الواحد فيُعمل بمضمون الحديث اعتماداً على التسامح في أدلة السنن".
البجنوردي، السيد محمد حسن: القواعد الفقهية، ج3، ص327، محمد حسين الدرايتي ومهدي المهريزي (تحقيق)، بيروت، دار الهادي، 1419هـ، ط1.
[3] الحرّ العاملي، هداية الأمّة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، ج1، ص43.
[4] الفضلي، عبد الهادي, أصول الحديث, ص 172, بيروت, مؤسسة ألأم القرى للتحقيق والنشر, 1421 هـ, ط3.
247
221
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
2- الدُّعاء برجاء المطلوبية: ذهب بعض الفقهاء إلى رفض قاعدة التَّسامح في أدلة السُّنن، لأسباب عديدة منها دعواهم بأنّ الاستحباب "حكم شرعي كالوجوب، فكما نحتاج في إثبات الوجوب إلى دليل شرعي معتبر وحجّة، نحتاج في إثبات الاستحباب إلى دليل شرعي معتبر وحجّة، فلا وجه للفرق بينهما، والاكتفاء فيه بأخبار الضعفاء والمجاهيل"[1]. وبناءً عليه، يرفض هؤلاء الفقهاء العمل بهذه القاعدة، وبالتالي فإنْ لم يثبت الدُّعاء بسندٍ صحيح فلا وجهَ للقول باستحقاق الثَّواب، بل الأصحّ في هذه الحالة أن يدعو الدَّاعي بالدُّعاء الذي لا أصل ثابت له, برجاء المطلوبية.
ثانياً: ما هو الميزان في قراءة الأدعية؟
هل تُجزي قراءة الدُّعاء الذي لا سندَ له أو في سنده ضعف، أم أن قراءة الدُّعاء الضعيف مجبورةٌ بقاعدة التسامح؟ أم يقرأ هذا الدُّعاء برجاء المطلوبية؟
نستطيع أنْ نضعَ ميزاناً يسهّل على الإنسان الدَّاعي الذي ليس لديه المقدرة على التَّمييز الدقيق بين الأدعية، أو الذي يريد أن يطمئن بالعموم من خلال انتقائه للأدعية التي يريد. وهذا الميزان يقوم على الخطوات الآتية:
1- أن لا يقرأ الدُّعاء الذي "يعلم" يقيناً بكونه مخترعاً وينسبه مخترعه زوراً وبهتاناً إلى المعصوم، فهذا ممّا لا شكّ في حرمة قراءته, لأنّه يستدعي الكذب على المعصوم.
2- لا إشكال في قراءة بعض الأدعية التي ألفّها بعض العلماء الأجلّاء، كما فعل السيد الجليل ابن طاووس قدس سره في كتابه الإقبال، إذ صرّح السيِّد بكونه هو الذي ألَّف بعض الأدعية دون أن ينسبها إلى المعصوم، وبالتالي يجري على هذه الأدعية ما رواه عن زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام علّمني
222
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
دعاء، فقال: إنّ أفضل الدُّعاء ما جرى على لسانك"[1].
3- أن يقرأ الأدعية التي اشتهر قراءتها بين المؤمنين، والتي يناسب مضمونها أنّها تكون قد صدرت عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وإن كان هناك بعض الوهن في سندها.
4- أن يرجع إلى الكتب المعتمدة والمعتبرة والتي أشرف على جمعها وتنظيمها كبار العلماء وأجلّتهم، فإنّ الدَّاعي يأمن بالرجوع إليها من كثير من الأدعية والزيارات التي اخترعها المخترعون. وسيأتي في الدرس اللاحق ثبتٌ بأهمّ هذه الكتب المعتبرة والقيّمة.
هذه النقاط الأربع جميعها تهيِّئ للدَّاعي أن ينطلق في رحلة الدُّعاء والالتجاء إلى الله تعالى وهو مطمئنٌّ إلى أنَّه يحقّق في الإجمال الأهداف والغايات العظيمة للدعاء، طالما أنَّه يستند في دعائه إلى ركن وثيق.
ثالثاً: تطبيقات على أدعية وزيارات
1- دعاء الصباح: فقد يشكل البعض على ضعف سند هذا الدُّعاء، غير أنّنا إذا أردنا أن نطبِّق الميزان المتقدِّم آنفاً، لرأينا أن هذا الدُّعاء من الأدعية التي يفصح مضمونها ومعانيها عن كونها صادرة من بيت النبوة والرسالة عليه السلام، فضلاً عن كونه من الأدعية المشهورة التي تناقلها مشهور العلماء وجمهور الناس بالقبول والرضا. وقد أجاب الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء قدس سره حينما سُئِل عن سند دعاء الصباح، فقال:
"لا يخفى على أحد أنَّ لكلّ طائفة من أرباب الفنون والعلوم، بل لكلّ أمّة، بل لكلِّ بلد أسلوباً خاصاً من البيان ولهجة متميّزة عن غيرها، فلهجة اليزدي غير لهجة
223
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
الأصفهاني، ونغمة الأصفهاني غير نغمة الطهراني والخراساني، والكلّ فارسي إيراني، وللأئمّة عليهم السلام أسلوب خاص في الثناء على الله والحمد لله والضراعة له والمسألة منه، يعرف ذلك لمن مارس أحاديثهم وأنس بكلامهم وخاض في بحار أدعيتهم ومن حصلت له تلك الملكة وذلك الأنس، لا شكّ في أنَّ هذا الدُّعاء صادرٌ منهم، وهو أشبه ما يكون بأدعية الأمير عليه السلام مثل دعاء كميل وغيره، فإن لكلّ إمام لهجة خاصّة وأسلوباً خاصاً على تقاربها وتشابهها جميعاً، وهذا الدُّعاء في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة والمتانة والقوّة مع تمام الرَّغبة والخضوع والاستعارات العجيبة، أنظر إلى أوّل فقرةٍ منه: (يا من دلع لسان الصَّباح بنطقِ تبلُّجه)، وأعجب لبلاغتها وبديع استعارتها، وإذا اتَّجهت إلى قوله: (يا من دلّ على ذاته بذاته) تقطع بأنّها من كلماتهم عليه السلام مثل قول زين العابدين: (بك عرفتك وأنت دللتني عليك)، وبالجملة فما أجود ما قال بعض علمائنا الأعلام: (إنّنا كثيراً ما نصحِّح الأسانيد بالمتون) فلا يضرّ بهذا الدُّعاء الجليل ضعف سنده مع قوّة متنه، فقد دلَّ على ذاته"[1].
2- الزِّيارة الجامعة الكبيرة: وأيضاً قد يتعرّض بعضهم للزيارة الجامعة الكبيرة، بالإشكال الذي مرّ قبل قليل بوجود جهالة في السند، والإجابة على هذا الإشكال نأخذه من رد العلامة محمد باقر المجلسي عند تعرّضه لسند الزِّيارة الجامعة الكبيرة المروية في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي، حيث قال: "مجهول، ولكن نفس الزِّيارة شاهد عدل على صحّتها"[2].
224
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
وقال السيد عبد الله شبّر عن هذه الزِّيارة:
"لا يخفى على أولي البصاير النقادة وأرباب الأذهان الوقّادة وذوي العقول السليمة وأصحاب الإفهام المستقيمة أنّ الزِّيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأناً وأعلاها مكانةً ومكاناً، وأنّ فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها تنادي بصدورها من عين صافية نبعت من ينابيع الوحي والإلهام، وتدعو إلى أنّها خرجت من ألسنة نواميس الدين ومعاقل الأنام، فإنّها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلام، وقد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلّة والبراهين المتعلّقة بمعارف أصول الدين وأسرار الأئمّة الطاهرين ومظاهر صفات ربّ العالمين... وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حقّ وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربّانية وأرباب الأسرار الفرقانية المخلوقين من الأنوار الإلهية، فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونة عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وأكثر الدعوات والمناجاة"[1].
وعلى كلّ حال، هذا الأسلوب من المعالجة ينفع في الكثير من الموارد التي يكون فيها تشكيك بسند الدُّعاء وثبوت صدوره عن آل البيت عليهم السلام، وفي هذا المقام نقاش علمي نقتصر فيه على ما مرّ.
[1] شبّر، السيد عبد الله: الأنوار اللامعة في شرح الزِّيارة الجامعة، ص31، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ط1.
251
225
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
مفاهيم رئيسة
الأدعية المأثورة عن الرسول الأكرم وآله الطيبين الطاهرين، تعدّ أفضل الأدعية التي يمكن للإنسان أن يدعو بها ربه.
تعتبر الأدعية المأثورة من صنف "الرواية" و "الحديث"، ومن الممكن أن نخضعها لقواعد الجرح والتعديل في علم الرجال، ولتصنيفات علم الحديث.
قد يطرح بعضهم احتمال رفض الأدعية المأثورة إذا ثبت ضعف سندها. ولكن هناك اتّجاهات عديدة في حل هذا الإشكال: اتّجاه يقول باستحباب الدُّعاء المأثور مطلقاً، واتّجاه يقول بالدُّعاء برجاء المطلوبية.
من الممكن أن نؤلّف ميزاناً مقبولاً في اختيار الأدعية: أن لا يقرأ الدُّعاء الذي "يعلم" يقيناً بكونه مخترعاً وينسبه مخترعه زوراً وبهتاناً إلى المعصوم.
لا إشكال في قراءة بعض الأدعية التي ألّفها بعض العلماء الأجلاّء، دون أن ينسبها إلى المعصوم. أو أن يقرأ الأدعية التي اشتُهر قراءتها بين المؤمنين، والتي يناسب مضمونها أنّها تكون قد صدرت عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام.
أن يرجع إلى الكتب المعتمدة والمعتبرة والتي أشرف على جمعها وتنظيمها كبار العلماء وأجلّتهم، فإن الدَّاعي يأمن بالرجوع إليها من كثير من الأدعية والزيارات التي اخترعها المخترعون.
قد يشكل بعضهم على سند دعاء الصباح، غير أنّ هذا الدُّعاء من الأدعية التي يفصح مضمونها ومعانيها عن كونها صادرة من بيت النبوة والرسالة عليه السلام، فضلاً عن كونه من الأدعية المشهورة.
وقد يتعرّض بعضهم للزيارة الجامعة الكبيرة، غير أن بعض العلماء يقول إنّ الزِّيارة نفسها شاهدُ عدل على صحّتها.
252
226
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية
للمطالعة
الاستغفار، ودوره في صنع الإنسان
إنّ الاستغفار ينجيكم من تلك الحقارة. ينجينا الاستغفار من تلك القيود والسلاسل والأغلال. إنّ الاستغفار يزيل الصدأ عن القلوب النورانيّة التي أعطانا الله إياها، وينظّف هذه القلوب منه. والقلب يعني النفس، يعني الروح, أي هويّة الإنسان الواقعيّة. هذا شيءٌ نورانيٌّ للغاية، وهكذا كلّ إنسان هو إنسان نورانيّ, حتّى ذلك الشخص الذي لا علاقة ولا معرفة له بالله، فهو يملك النورانيّة في جوهره وذاته, ولكن بسبب قلّة عرفان الجميل، وذنبه واتّباعه للشهوات، يعرّض هذا القلب للصدأ، والاستغفار هو الذي يقضي على هذا الصدأ، ويهب صاحبه النورانيّة.
الاستغفار هو طلب المغفرة والعفو الإلهيّ عن الذنوب. إذا أدّينا الاستغفار بشكله الصحيح، سوف يفتح للإنسان باب البركات الإلهيّة. قد تغلق أبواب جميع ما يحتاجه الإنسان والمجتمع من الألطاف الإلهيّة ـ الفضل الإلهي، الرحمة الإلهيّة، النور الإلهي، الهداية الإلهيّة، التوفيق الإلهي، المدد في الأمور المختلفة، الفتوحات في مختلف الميادين ـ بسبب الذنوب التي نقترفها. والاستغفار يرفع هذا الحجاب، ويفتح علينا باب الرحمة والتفضّل الإلهيّين. هذه هي فائدة الاستغفار. وتلاحظون كذلك في عدّة موارد من القرآن الكريم كيف أنّ الآيات تذكر فوائد دنيويّة وأحياناً أخرويّة مترتّبة على الاستغفار. على سبيل المثال: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾[1]، وغيرها من الآيات، وجميع هذه الموارد توجّه على هذا النحو, أي إنّ الفضل الإلهي يفتح أبوابه على قلب وجسم الإنسان والمجتمع الإنسانيّ ببركة الاستغفار. وهنا تكمن أهميّة الاستغفار"[2].
227
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهمية الصحيفة السجّادية ونسبتها إلى الإمام السجّاد عليه السلام.
2- يفهم صحّة سند الصحيفة السجادية.
3- يشرح نماذج من مضامين الصحيفة السجادية.
255
228
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
ما هي الصحيفة السجاديّة
الصحيفة السجّادية هي مجموعة من الأدعية المأثورة عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام وهي من المتواترات عند العلماء لاختصاصها بالإجازة والرواية في كل طبقة وعصر، يقول الشيخ الطهراني: "وللأصحاب اهتمام بروايتها ويخصّونها بالذكر في إجازاتهم"[1].
ويقول السيد محسن الأمين قدس سره: "وقد اعتنى بها الناس أتمّ اعتناء بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها. وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشي والأبكار والغدوات والأسحار والتضرّع إليه تعالى وطلب الحوائج منه والمغفرة والفوز بالجنّة والنجاة من النار واستنسخ منها نسخ لا تعدّ ولا تحصى بالخطوط الجميلة النادرة المثيل والمزيّنة بجداول الذهب على ورق الترمة وما ضاهاه، وطبعت على الحجر طبعات كثيرة وشرحها العلماء شروحاً عديدة، منها شرح الشيخ البهائي المسمّى حدائق المقرّبين، وأحسنها شرح السيد على خان المدني الشيرازي صاحب سلافة العصر في أدباء العصر والدرجات الرفيعة في طبقات
229
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
الشيعة وغيرهما، وشرحه مطبوع على الحجر في مجلّد كبير، وباقي شروحها مطبوعة على الحجر في مجلّد واحد"[1].
أولاً: في سند الصحيفة
إنّ نسبة هذه الصحيفة إلى الإمام السجّاد عليه السلام ممّا قطع به جمهور العلماء من ذوي الفضل والبحث والتدقيق، وقد كثرت الإجازات في روايتها وتعدّدت طرقها بين كلّ الطبقات، حتى أنّ العلامة المجلسي رحمه الله عقد في كتابه الشهير (بحار الأنوار) فصولاً عدة من أحد أجزائه للحديث عن سند هذه الصحيفة، وطرق إسنادها، ثمّ نقل قولاً لوالده العلامة محمد تقي المجلسي رحمه الله حول الطريق لإثبات صدور هذه الصحيفة عن الإمام السجاد عليه السلام، فيقول: "الطريق يزيد على ألف ألف طريق إلى السيّد الأجلّ، وإلى الشيخ الطوسي، واقتصرنا هنا عليه لئلاّ يتوهّم أنّه من الآحاد. والحاصل: أنّه لا شكّ في أنّ الصحيفة الكاملة، عن مولانا سيّد الساجدين لذاتها وفصاحتها وبلاغتها واشتمالها على العلوم الإلهيّة التي لا يمكن لغير المعصوم الإتيان بها، والحمد لله ربّ العالمين على هذه النعمة الجليلة العظيمة التي اختصّت بنا معشرَ الشيعة، والصلاة على مدينة العلوم الربّانيّة، سيّد المرسلين، وعترته أبواب العلوم والحِكَم القدسيّة، والسلام عليهم ورحمته وبركاته"[2].
وعلى كلّ حال فإن هذه الصحيفة ينتهي سندها إلى الإمام الباقر عليه السلام وزيد الشهيد رضوان الله عليه ابني الإمام زين العابدين عن أبيهما علي بن الحسين عليهما السلام. وتبلغ شروحها كما يذكر الشيخ الطهراني في الذريعة أكثر من ستين شرحاً.
هذا وقد ألِّفت صحائف أخرى جمعت أدعيته عليه السلام وذكر في بعضها تلك الأدعية الساقطة، والصحائف، هي:
230
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
1- الصحيفة السجادية الثانية:
باعتبار أن الصحيفة السجادية الكاملة المشهورة هي الأولى: من جمع الشيخ الحرّ العاملي في وسائل الشيعة.
2- الصحيفة السجادية الثالثة:
للميرزا عبد الله بن عيسى بن محمد صالح التبريزي المعروف بـ "صاحب رياض العلماء" وذكر فيها الأدعية الساقطة من الصحيفة الكاملة.
3- الصحيفة السجادية الرابعة والخامسة والسادسة:
وقد ذكر فيها جامعوها الأدعية الساقطة ممن سبقوهم في جمعها[1].
وأما سندها فهو طويل جداً، وقد ذكر في بداية الصحيفة في قوله: "حَدّثَنَا الْسَيِّدُ الأجل نَجْمُ الْدّينِ بَهَآءُ الْشَرَفِ أبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحسَنِ بْنِ أحمَدَ بْنِ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بن يَحْيى الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللهُ (...) عن عُميرُ بنُ متوكِّل الثَّقَفيُّ البَلْخِيُّ عن أبيهِ مُتوَكِّلِ بنِ هارُونَ قال: لقِيتُ يحيى بنَ زيدِ بن عليٍّ عليه السلام وهوَ مُتَوجِّهٌ إلى خُراسانُ، فسلَّمْتُ عليهِ فقال لي: مِنْ أينَ أقبلْتَ؟ قلتُ من الحَجِّ، فسأَلنِي عَن أَهْلِهِ وبني عمِّهِ بالمدينَةِ وأَحْفى السُّؤَالَ عَنْ جَعفرَ بن مُحمَّد عليه السلام، فأَخْبَرتُه بِخَبرِهِ وخبرهِمْ وحُزْنِهِمْ على أبيهِ زيد بن عليٍّ عليه السلام (...) ثُمَّ قَالَ لِي: أَكَتَبْتَ مِنْ ابْنِ عَمِّي شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَرِنِيْهْ، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِ وُجُوهاً مِنَ الْعِلْمِ، وَأَخْرَجْتُ لَهُ دُعَاءً أمْلاَهُ عَلَيَّ أَبُو عَبْـدِ اللهِ عليه السلام، وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ مُحَمَّد بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّـلامُ أَمْلاَهُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّـهُ مِنْ دُعَاءِ أَبِيهِ عَلِيٍّ بنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ مِنْ دُعَاءِ الصَّحِيفَةِ الْكَامِلَةِ، فَنَظَرَ فِيهِ يَحْيَى حَتَّى أَتى عَلَى آخِرِهِ، وَقَـالَ لِيْ: أَتَـأْذَنُ فِي نَسْخِـهِ؟ فَقُـلت: يَـا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، أَتَسْتَأْذِنُ فِيمَـا هُوَ عَنْكُمْ؟! فَقَـالَ:
[1] راجع مقدمة الصحيفة السجادية الجامعة، مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، قم، 1418هـ.
258
231
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
أَمَا لأخرجنّ إلَيْكَ صحِيفَةً مِنَ الدُّعَـآءِ الْكَامِـلِ مِمَّا حَفِظَهُ أَبِي عَنْ أَبِيهِ، وَإنِّ أَبِي أَوْصَانِي، بِصَوْنِهَـا وَمَنْعِهَا غَيْرَ أَهْلِهَا، قَالَ عُمَيْرٌ: قَالَ أَبِي: فَقُمْتُ إلَيْهِ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، وَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّـهِ يَـا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، إنِّي لأدين اللّه بِحُبِّكُم وَطَـاعَتِكُـمْ (...) قَالَ الْمُتَوَكِّلُ: فَقَبَضْتُ الصَّحِيفَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَيْـد صِرْتُ إلَى الْمَـدِينَةِ، فَلَقِيتُ أبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيْثَ عَنْ يَحْيى، فَبَكَى وَاشْتَدَّ وَجْـدُهُ بِهِ، وَقَـالَ: رَحِمَ اللهُ ابْنَ عَمِّىَ، وَأَلْحَقَهُ بِآبائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَاللهِ يَا مُتَوَكِّلُ، مَا مَنَعَنِي مِنْ دَفْعِ الدُّعَآءِ إلَيْهِ إلاّ الَّذِي خَافَـهُ عَلَى صَحِيفَةِ أَبِيهِ، وَأَيْنَ الصَّحِيفَةُ؟ فَقُلْتُ هَا هِيَ، فَفَتَحَهَا وَقَالَ: هَذَا وَالله خَطُّ عَمِّي زَيْد، وَدُعَآءُ جَـدِّي عليِّ بنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام، ثُمَّ قَالَ لابْنِهِ: قُمْ يَا إسْماعِيلُ، فَأْتِنِي بِآلدُّعَاءِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِحِفْظِهِ وَصَوْنِهِ، فَقَامَ إسْماعِيلُ، فَـأَخْرَجَ صَحِيفَةً كَأَنَّهَا آلصَّحِيفَةُ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيَّ يَحْيَى بْنُ زَيْـد، فَقَبَّلَهَا أبو عَبْـدِ اللهِ وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَقَـالَ: هـذَا خَطُّ أبِيْ وَإمْلاَءُ جَـدِّيْ عليهما السلام، بِمَشْهَدٍ مِنّي، فَقُـلْـتُ: يَـا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، إنْ رَأَيْتَ أَن أَعْرِضَهَا مَعَ صَحِيفَةِ زَيْد وَيَحْيَى؟ فَأَذِنَ لِي فِي ذَلِكَ، وَقَالَ قَدْ رَأَيْتُكَ لِذَلِكَ أَهْلاً، فَنظَرَتُ وَإذَا هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ أَجِدْ حَرْفاً مِنْهَا يُخَالِفُ مَا فِي الصَّحِيفَـةِ الأخرى..."[1].
وفي رواية أخرى لمُحَمَّدُ بنُ أحْمَدَ بْنِ مُسْلِم الْمُطَهَّرِيُّ ذِكْرٌ للأبواب التي تشتمل عليها الصحيفة، وَهِيَ:
1- التَّحْمِيدُ لله عَزَّ وَجَلّ. 2- الصَّلاَةُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ.
3- الصَّلاَةُ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ. 4- الصَّلاَةُ عَلَى مُصَدِّقي الرُّسُلِ.
5- دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَخَاصّتِهِ. 6- دُعَاؤُهُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ.
7- دُعَاؤُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. 8- دُعَاؤُهُ فِي الاسْتِعَاذَةِ.
9- دُعَاؤُهُ فِي الاِشْتِيَاقِ. 10- دُعَاؤُهُ فِي اللَجَأ إلَى الله تَعالى.
232
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
11- دُعَاؤُهُ بِخَوَاتِمِ الْخَيْرِ. 12- دُعَاؤُهُ فِي الاِعْتِرَافِ.
13- دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ. 14- دُعَاؤُهُ فِي الظُّلاَمَاتِ.
15- دُعَاؤُهُ عند المَرَضِ. 16- دُعَاؤُهُ في الاسْتِقَالَةِ.
17- دُعَاؤُهُ عَلَى الشَّيْطَانِ. 18- دُعَاؤُهُ فِي الْمحْذُورَاتِ.
19- دُعَاؤُهُ فِي الاسْتِسْقَآءِ. 20- دُعَاؤُهُ فِي مَكَارِمِ الأخلاق.
21- دُعَاؤُهُ إذَا حَزَنَهُ أمْرٌ. 22- دُعَاؤُهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ.
23- دُعَاؤُهُ بِالْعَافِيَة. 24- دُعَاؤُه لأبويه عليهما السلام.
25- دُعَاؤُهُ لِوُلدِهِ عليه السلام. 26- دُعَاؤُهُ لِجِيْرَانِهِ وَأَوْلِيائِهِ.
27- دُعَاؤُهُ لأهل الثُّغُورِ. 28- دُعَاؤُهُ فِي التَّفَزُّعِ.
29- دُعَاؤُهُ إذَا قُتِّرَ عَلَيْهِ الرِّزقُ. 30- دُعَاؤُهُ فِي الْمَعُونَةِ على قضاءِ الدَّينِ.
31- دُعَاؤُهُ بِالتَّوْبَةِ. 32- دُعَاؤُهُ فِي صَلاَةِ اللّيلِ.
33- دُعَاؤُهُ فِي الاسْتِخَارَةِ. 34- دُعَـاؤُهُ إذَا ابْتُلَي أَو رَأى مُبْتَلَىً بِفَضِيحَـة أوْ بِذَنْب.
35- دُعَاؤُهُ فِي الرِّضَا بِالقَضَآء. 36- دُعَاؤُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الرَّعْدِ.
37- دُعَاؤُهُ فِي الشُّكْرِ. 38- دُعَاؤُهُ فِي الاعْتِذَارِ.
39- دُعَاؤُهُ فِي طَلَب الْعَفْوِ. 40- دُعَاؤُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ.
41- دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ وَالوِقايَةِ. 42- دُعَاؤُهُ عِنْدَ خَتْمِهِ الْقُرْآنَ.
43- دُعَاؤُهُ إذا نظرَ إلى الهِلال. 44- دُعَاؤُهُ لِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
45- دُعَاؤُهُ لِوَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَان. 46- دُعَاؤُهُ لِلْعِيدِ الْفِطْرِ وَالْجُمُعَةِ.
47- دُعَاؤُهُ في يومِ عَرَفَةَ. 48- دُعَاؤهُ فِي يَوْمِ الأضحى وَالْجُمُعَةِ.
49- دُعَاؤُهُ فِي دَفْعِ كَيْدِ الأعداء. 50- دُعَاؤُهُ فِي الرّهْبَة.
51- دُعَاؤُهُ فِي التَّضَرُّعِ والاسْتِكَانَةِ. 52- دُعَاؤُهُ فِي الإلحاح.
53- دُعَاؤُهُ فِي التَّذَلُّل للهِ عَزَّ وَجَلّ. 54- دُعَاؤُهُ فِي اسْتِكْشافِ الْهُمُومِ.
260
233
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
ثانياً: مضامين الصحيفة السجادية:
تعبِّر الصحيفة السجادية عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافة إلى كونها "تراثاً ربّانياً
فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر إعطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي..."[1].
ولا نكون نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا إن مضامين أدعيته عليه السلام في الصحيفة السجّادية دون كلام الباري، وفوق ما يفوه به المخلوق، وهي " - كما قيل- زبور آل محمّد وإنجيل أهل البيت عليهم السلام، وإنّها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق"[2].
وقد كانت أدعيته عليه السلام ذات وجوه: فمنها ما هو عبادي ذو سمة إيمانية وروحية، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما له بعد عقائدي كالإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد...، وذلك بما ينسجم مع مسار الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام عليه السلام في ذلك الظرف الصعب، فاستطاع عليه السلام بقدرته المسدّدة أن يمنح أدعيته - إلى جانب روحها التعبّدية - محتوىً اجتماعياً وسياسياً متعدّد الجوانب، فأدعية الإمام زين العابدين عليه السلام - بالإضافة إلى ما فيها من مناجاة وتضرّع لله تعالى - تحوي المعارف الإسلامية والعقائد، وفلسفة الحياة والفضائل الأخلاقية، وكان الإمام يُضمِّن أدعيته رسائل خفيّة موجّه إلى شيعته لا يفهمها أعوان النظام الحاكم.
1- معرفة الله وتوحيده:
يقول الإمام السجاد عليه السلام: "وعجزت العقول عن إدراك كنه جمالك، وانحسرت
[1] مقدّمة الصحيفة السجادية.
[2] وصفها الشيخ الطنطاوي نقلاً عن مقدمة الصحيفة بقلم العلامة المرعشي، حيث قال الطنطاوي: "ومن الشقاء أنّا إلى الآن لم نقفْ على الأثر القيّم الخالد في مواريث النبوّة وأهل البيت، وإنّي كلّما تأمّلتها رأيتها فوق كلام المخلوق، دون كلام الخالق". من مقدمة الصحيفة السجادية بقلم آية الله العظمى المرعشي النجفي، ص28.
261
234
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
الأبصار دون النظر إلى وجهك ولم تجعل للخلق طريقاً إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك"[1].
ويقول عليه السلام: "الحمد لله بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين"[2].
2- العدل الإلهي:
يشير الإمام السجاد عليه السلام إلى منهج العدل من خلال الدعاء بعبارات مختصرة ولكنها تحتوي على رؤية عميقة لمسألة العدل. فيقول عليه السلام: "قد علمت أنَّه ليس في حكمك ظلمٌ ولا في نقمتك عجلةٌ وإنَّما يعجلُ من يخاف الفوت، وإنّما يحتاج إلى الظّلم الضَّعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علواً كبيراً"[3].
3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام:
عمل الإمام من خلال أدعيته على الإكثار من الصلاة على النبي وآله، وذكر الأئمّة عليهم السلام وذلك من أجل بيان عظمة الرسول وجهاده في سبيل الله. وبذلك يمكن القول إنّ أدعية الإمام السجّاد عليه السلام، وبالأخصّ الصحيفة السجادية المباركة: "تعبِّر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظل على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمدي العلوي وتزداد حاجة كلّما ازداد الشيطان إغراءً والدنيا فتنةً"[4].
وغير ذلك من المضامين العالية الشرف والمعاني، وإنّما اقتصرنا على ما ذكرناه لضيق المقام عن التوسّع فيها.
235
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
مفاهيم رئيسة
1- الصحيفة السجّادية هي مجموعة من الأدعية المأثورة عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام.
2- نسبة هذه الصحيفة إلى الإمام السجّاد عليه السلام مما قطع بها جمهور العلماء من ذوي الفضل والبحث والتدقيق، وقد كثرت الإجازات في روايتها وتعددت طرقها بين كلّ طبقات الرواة.
3- لقد ألِّفت صحائف أخرى جمعت أدعيته عليه السلام: منها الصحيفة السجادية الثانية من جمع الشيخ الحرّ العاملي. والصحيفة السجادية الثالثة من جمع الشيخ صاحب رياض العلماء. الصحيفة السجادية الرابعة والخامسة والسادسة وقد جمعها علماء عدّة.
4- تعبِّر الصحيفة السجادية عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام عليه السلام، وفي فوائد لا تحصى للمؤمنين كل بحسبه.
5- إنّ أدعية الصحيفة السجادية ذات وجوه: فمنها ما هو عبادي ذو سمة إيمانية وروحية، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما له بعد عقائدي كالإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد.
263
236
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية
للمطالعة
نعمة الاستغفار الكبرى
أعطى اللهُ تعالى الإنسانَ نعمة كبرى وهي المغفرة، وقال له: إن أنت ندمت كثيراً على الفعلة التي فعلتها ـ والتي لا بدّ أن يبقى أثرها ـ فباب التوبة والاستغفار مفتوح. أنتم عندما ترتكبون ذنباً، فكأنّكم جرحتم جسمكم، وأدخلتم جرثومةً فيه، وهذا ما سيسبّب مرضاً لا مفرّ منه. فإذا أردتم أن تتخلّصوا من أثر هذا الجرح وهذا المرض وهذه الضربة، فقد فتح الله لكم باباً لذلك، وهو التوبة والاستغفار والإنابة والرجوع إليه تعالى. إذا رجعتم، فسوف يعوّض الله عليكم. إنّها لنعمة كبيرة جاد الله بها علينا.
في دعاء وداع شهر رمضان المبارك ـ وهو الدعاء الخامس والأربعون من الصحيفة السجّادية ـ يخاطب الإمام السجّاد عليه السلام الله قائلاً: "إِلهِي أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ باباً إِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ"[1]، وجعلت على ذلك الباب دليلاً من وحيك لئلّا يضلّوا عنه، ووضعت مرشداً من القرآن والوحي على هذا الباب، لكي لا يضيّعه عبادك، ثم يقول بعد عدّة جمل: "فّما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ"[2]، فما عذر من أغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب وإقامة الدليل. أمّا طريق المغفرة الإلهيّة، فهو الاستغفار, أي طلب المغفرة، فيجب أن تطلبوا المغفرة من الله.
لقد قرأت حديثاً عن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إنّ الله تعالى يغفر للمذنبين إلّا من لا يريد أن يغفر له". هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً مخاطباً أصحابه. ثم يسأله الأصحاب: "قالوا يا رسول الله من الذي يريد أن لا يغفر الله له؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: من لا يستغفر"[3]. فالاستغفار مفتاح التوبة والمغفرة، ويمكن الحصول على المغفرة بالاستغفار. فالاستغفار إذاً على هذا القدر من الأهميّة[4].
237
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى حقيقة نسبة الدُّعاء إلى كميل بن زياد.
2- يعرف فضل هذا الدُّعاء وأهمّيته.
3- يفهم عدداً من المفاهيم الأخلاقية والتربوية الواردة في دعاء كميل.
265
238
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
أولاً: نسبة الدُّعاء وفضله
من الأدعية الهامّة التي وردت إلينا من طريق أهل البيت عليهم السلام، الدُّعاء الشريف المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام, والمعروف بـ "دعاء كميل", نسبة لراويه: "كميل بن زياد النخعي"، الذي أخذه عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
وقد اشتهر هذا الدُّعاء شهرة عظيمة عند الشيعة الإماميّة، بلغت حدّ تسالم كثير من العلماء على قراءته، وممّن ذكره منهم من المتقدّمين:
1- شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره (385 - 460هـ.ق) في كتاب: "مصباح المتهجّد", حيث ذكره مرسلاً[1] عن كميل بن زياد النخعي عن الإمام علي عليه السلام[2].
2- السيد عليّ بن طاووس الحلّي قدس سره (589 - 664هـ.ق) في كتاب "إقبال الأعمال"[3].
[1] إنّ قوّة مضمون الدُّعاء المذكور وعمق معانيه بمثابة المنبّه على اعتباره وصحّة صدوره عن الإمام المعصوم عليه السلام, فتدبّر.
[2] الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن: مصباح المتهجّد، ص844 - 850،، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1991م، ط1.
[3] ابن طاووس، علي، إقبال الأعمال، ج3، ص331 - 338، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، إيران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1416هـ.ق، ط1.
266
239
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
3- الشيخ إبراهيم بن عليّ الكفعمي (840-905هـ.ق) في كتابي: المصباح "جنّة الأمان الواقية وجنّة الايمان الباقية"[1]، و"البلد الأمين والدرع الحصين"[2].
وأمّا راوي الدُّعاء فهو: كميل بن زياد النخعي الذي عدّه الشيخ الطوسي قدس سره في أصحاب الإمام علي عليه السلام، وفي أصحاب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. وعدّه الشيخ البرقي قدس سره من أصحاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من اليمن. وعدّه الشيخ المفيد قدس سره في كتابه الاختصاص من السابقين المقرّبين من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عند ذكر السابقين المقرّبين، ونقل في صدده في كتابه الإرشاد: "لمّا وُلِّيَ الحجّاج طلب كميل بن زياد، فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلمّا رأى كميل ذلك، قال: أنا شيخ كبير، وقد نفد عمري، ولا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج، فلمّا رآه قال له: لقد كنت أحبّ أن أجد عليك سبيلاً، فقال له كميل: لا تصرف عليّ أنيابك، ولا تهدم عليّ، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواسر الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإنّ الموعد الله، وبعد القتل الحساب، وقد خبّرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّك قاتلي، قال: فقال له الحجاج: الحجّة عليك إذاً، فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك، قال: بلى، قد كنت في من قتل عثمان بن عفان! اضربوا عنقه، فضربت عنقه! وهذا أيضاً خبر رواه نَقَلَةُ العامّة عن ثقاتهم، وشاركهم في نقله الخاصّة. وإنّ جلالة كميل واختصاصه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من الواضحات التي لا يدخلها ريب"[3].
240
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
ثانياً: فضل هذا الدُّعاء
لهذا الدُّعاء فضل كبير وآثار جمّة تشهد لها الآثار المروية والتجربة, من استجابة الدُّعاء، وقضاء الحاجة، وزيادة الرزق، والأمن من العدو، وشمول المغفرة:
ذكر السيد ابن طاووس قدس سره في كتابه "إقبال الأعمال": "ومن الدعوات في هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ما رويناه، بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رضي الله عنه قال: روي أنّ كميل بن زياد النخعي رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يدعو بهذا الدُّعاء في ليلة النِّصف من شعبان. أقول: ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظها: قال كميل بن زياد: كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد البصرة، ومعه جماعة من أصحابه، فقال بعضهم: ما معنى قول الله عزّ وجلّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[1]؟ قال عليه السلام: ليلة النصف من شعبان، والذي نفس علي بيده, أنَّه ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه, من خيرّ وشرّ، مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة، في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلا أُجيب له.
فلمّا انصرف طرقته ليلاً، فقال عليه السلام: ما جاء بك يا كميل؟
قلت: يا أمير المؤمنين، دعاء الخضر[2]، فقال: اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا
[1] سورة الدخان، الآية 4.
[2] في بعض ما روي عن الخضر عليه السلام:
روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال:"إن الخضر كان نبياً مرسلاً بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده والاقرار بأنبيائه ورسله وكتبه، وكانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، وإنّما سمي خضراً لذلك". الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص60.
وعن الرضا عليه السلام قال:"إنّ الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنّه ليحضر حيث ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، وإنّه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته. الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص391.
268
241
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
الدُّعاء فادع به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة, تُكفَ، وتنصر، وترزق، ولن تُعدَم المغفرة.
يا كميل، أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك بما سألت"[1].
ثالثاً: شرح بعض فقر الدُّعاء
1- قوله عليه السلام: "الّلهم إنِّي أسألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كلّ شَيْءٍ"
في بداية هذا الدُّعاء الشريف، يتوجّه الدَّاعي إلى الله تعالى، بالتمسّك بذاته المتعالية في قوله (اللهم) والتي هي جمعٌ بين لفظ يا ولفظ الجلالة الله فحذف ياء النداء وعوّض عنها الميم المشددة فأصبحت (اللهمّ). واسم الله تعالى هو اسم علمٍ للذات المقدّسة الواجب الوجود المستجمع لجميع الصفات والأسماء والكمالات[2].
وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾: "هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من هو دونه وتقطع الأسباب من جميع من سواه"[3].
والمهم هنا، أن يلتفت الدَّاعي إلى أنّ التوجّه إلى الاسم الجامع في بداية الدُّعاء يكشف عن حقيقة فطرية عند الدَّاعي تشدّه إلى ذات الله تعالى والتعلّق بها كونها منشأ جميع الصفات والأفعال، ومنها يصدر كلّ وعد بالإجابة كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾[4]، التي تصدح بها كلمة "إنِّي" الدالة على الذات في هذه الآية. وفي رواية عن الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام في تفسير كلمة الله أنَّه قال: "هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج"[5].
242
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
ثم يذكر الإمام عليه السلام: "إنّي أسألك برحمتك"، فبعد أن بدأ الدَّاعي باسم "الله" الأعظم، أتبع ذلك بالرحمة، وهو مما ينبغي للداعي أن يدعو به ربه امتثالاً لأمره حيث رُوي أنَّه قال تعالى: "يَا مُوسَى سَلْنِي مِنْ فَضْلِي ورَحْمَتِي فَإِنَّهُمَا بِيَدِي لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرِي"[1]. لأنّ الله تعالى خلق جميع الموجودات برحمته، وأسبغ عليها النعم كافرها ومؤمنها كما في قوليه تعالى: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ و﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾. فلا بدّ إذاً، للداعي، أن يلجأ إلى الرحمة لكي يتمسّك بها قبل كلّ شيء ليكون مقبولاً وغير مطرود, لأنّ الرَّحمة وسعت كلَّ شيءٍ حتَّى الفاجر، كما حصل مع فرعون الذي شملته الرَّحمة الرَّحيميَّةُ بأنْ: "أرسلت إليه رسولين عظيمين ويوصيهما في نفس الوقت أن يقولا له قولاً ليِّناً"[2]، فمن كان أدنى من فرعون في المعاصي فدعاؤه مقبولٌ بطريق أولى! ومن هنا عرفنا السرّ الذي يدفع الدَّاعي إلى الابتداء بالدُّعاء بالتّمسك بأذيال الرَّحمة الإلهية.
2- أنواع الذّنوب:
ثم يذكر الإمام عليه السلام أنواع الذّنوب:
أ- "الذّنوب التي تهتك العصم"
قوله عليه السلام: "اَللّهُمَّ، اغْفِرْ لِي الذّنوب الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ!", وقد ورد في بعض الروايات كما عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام أنَّه قال: "الذُّنوب التي تهتك العصم: شرب الخمور، واللعب بالقمار وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس ومجالسة أهل الريب"[3]. والهتك هو "شق الستر عما وراءه"[4]، والعصم
243
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
"المنع، والحفظ"[1] فالداعي هنا يستغفر من الذّنوب التي تسبّب هتك عصمته, أي هدم ما يمتنع به ويحتمي فيه من المصائب والنَّوازل التي تمزّق ستره، وقد تؤدّي به إلى المزيد من التشرّد والضياع، وتسبّب له الفضيحة في الدّنيا والآخرة. ولا شكّ بأنّ الأشياء بأسبابها، فكما أنّ هذه العصمة تنال بالعمل الصالح، فكذلك هي تزول بالأعمال الطَّالحة والمعاصي والذّنوب، ذلك أن التمسّك بالدين يعصم الإنسان وهذا المعنى مستفاد من قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا﴾[2] فـ "حبل الله هو دينه، ألا ترى أنّهم بامتثال أمره يسلمون من الوقوع في عقابه، فصار تمسّكهم بأمره اعتصاماً، وصار لطف الله لهم في الطاعة عصمة"[3].
ب- "الذّنوب التي تنزل النقم"
قوله عليه السلام: "اَللّـهُمَّ، اغْفِـرْ لِي الذّنوب الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ"، والنقمة "المكافأة بالعقوبة"[4]، وقوله تعالى: ﴿نَقَمُوا﴾ أي كرهوا غاية الإكراه[5].
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: "الذّنوب التي تنزل النقم، الظلم"[6].
وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: "الذّنوب التي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، والتطاول على الناس والاستهزاء بهم والسخرية منهم"[7].
[1] الراوندي، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج1، ص12، السيد عبد اللطيف الكوهكمري (تحقيق) ـ قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1406هـ، ط1.
[2] سورة آل عمران، الآية 103.
[3] الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان: أوائل المقالات، ص135، بيروت، دار المفيد، 1993م، ط2.
[4] ابن منظور، لسان العرب، ج12، ص590.
[5] الشيخ الطريحي، فخر الدين: تفسير غريب القرآن، ص524، محمد كاظم الطريحي(تحقيق)، قم، انتشارات زاهدي، ط1.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص447.
244
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
ج- "الذّنوب التي تغيّر النِّعم"
قوله عليه السلام: "اَللّهُمَّ، اغْفِرْ لِي الذّنوب الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ". قال ابن فارس: "النون والعين والميم فروعه كثيرة، وعندنا أنّها على كثرتها راجعة إلى أصل واحد يدلّ على ترفّه وطيب عيش وصلاح"[1]. غير أنّ للنِّعم في الإسلام معانٍ ومفردات أخر. فقد "فسّر المفسّرون نعمة الله في القرآن الكريم بالدين والإسلام وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الآيات، فإنّ ذلك من أعظم نعم الله، ولا يخفى أنّ الأئمّة وولايتهم أيضاً من أعظم نعم الله وأجزل عطاياه"[2].
فمعنى "النعم" و"النقم" يمكن أن يوضع له ميزان، كما قدّمه العلامة الطباطبائي قدس سره فقال: "إذا كان الإنسان في ولاية الله تعالى، كان جميع الأسباب التي يتسبّب بها في استبقاء الحياة والتوصّل إلى السعادة نعماً إلهية بالنسبة إليه، وإن كان في ولاية الشيطان تبدّلت الجميع نقماً وهي جميعاً من الله سبحانه نعم وإن كانت مكفوراً بها"[3].
وعلى كلّ حال، فإنّ الدَّاعي مقرٌّ بالنعمة ويرغب ألّا تزول وألّا تشوبها النقمة والانتقام. وهذا الأمر في كلّ داعٍ بحسبه وحسب مرتبته. وأمّا النعمة الإلهية نفسها فإنّ أحداً لا يبلغ حدّها.
فقد روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنَّه قال في دعائه: "يَقُولُ سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِه إِلَّا الْمَعْرِفَةَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا كَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْرَاكِه أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّه لَا يُدْرِكُه فَشَكَرَ جَلَّ وعَزَّ مَعْرِفَةَ الْعَارِفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَةِ شُكْرِه فَجَعَلَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ شُكْراً كَمَا عَلِمَ عِلْمَ الْعَالِمِينَ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَه فَجَعَلَه إِيمَاناً عِلْماً مِنْه أَنَّه قَدُّ وُسْعِ الْعِبَادِ فَلَا
245
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ فَإِنَّ شَيْئاً مِنْ خَلْقِه لَا يَبْلُغُ مَدَى عِبَادَتِه وكَيْفَ يُبْلَغُ مَدَى عِبَادَتِه مَنْ لَا مَدَى لَه ولَا كَيْفَ تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً"[1].
3- قوله عليه السلام: "أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك!"
إنّ الإنسان الذي يعرف الله تعالى ويصل إلى الرجاء يكون محاطاً برحمة الله وعطاياه، ويقوم بحق العبودية والطاعة لله تعالى، لأنّ العبادة والطاعة من الأمور الفطرية التي يقوم بها القلب السليم، وفي الوقت نفسه يجد نفسه غير معتمد على أعماله وعباداته تلك، بل لا يعتبرها شيئاً يستحقّ الذكر، ويكون اعتماده واتّكاله على رحمة الله تعالى وفضله وعطائه، ففي قلبه رجاء كبير برحمة الله وعفوه وخوف كبير من أن لا تشمله تلك الرحمة، فيقع عليه العقاب والعذاب الأليم.
والخوف هو "تألّم النفس خشية من عقاب الله من جرّاء عصيانه ومخالفته وأنّه من خصائص الأولياء وسمات المتّقين، والباعث المحفز على الاستقامة والصلاح، والوازع القوي عن الشرور والآثام. وأنّ الخوف كسائر السجايا الكريمة التي لا تستحقّ الإكبار والثناء. إلا إذا اتّسمت بالقصد والاعتدال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، لأنّ الإفراط في الخوف يُجذب النفس، ويدعها يباباً من نظاره الرجاء ورونقه ويدع الخائف أيساً موغلاً في الغواية والضلال، مرهقاً نفسه في الطاعة والعبادة حتى يشقيها وينهكها والتفريط فيه باعث على الإهمال والتقصير، والتمرّد على طاعة الله تعالى وعلى إتباع دستوره"[2].
وهناك خوف ممدوح وهو الخوف من الله تعالى والخوف من ارتكاب الذّنوب والخوف من التقصير في أمور الدين. وهذا الخوف يدعو الإنسان إلى السعي في طاعة الله واجتناب معاصيه. ويمكن القول أنَّه لولا خوف الإنسان من الله ومن عقابه
246
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
لما عبده ولما رجاه، فالرجاء ينتج عند الخوف، فعندما يخشى الإنسان أمراً يرجو الخلاص منه، عندها يحتاج إلى من يتوجّه إليه ليخلصه مما ابتلى به من خوف وهلع، فيتوجّه إلى من يجده أهلاً للثقة، الثقة بقدرته تعالى على تنجيته مما هو فيه، فإلى من يلجأ؟ من هو القادر على ذلك غير الله تعالى؟ الله هو المرجو الأوّل والأخير لقدرته وعظمته وجبروته.
وبتعادل الخوف والرجاء تنتعش النفس، ويسمو الضمير وتتفجر الطاقات الروحية للعمل الهادف البناء. وقد كان الصادق عليه السلام يقول: "ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران، نور خيفة ونور رجاء. لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا"[1].
ودعاء كميل قد أبان عن موازنة الخوف والرجاء في فقرات عديدة: "وقد أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذراً نادماً منكسراً... اللهم، فاقبل عذري وارحم شدَّة ضرّي... يا إلهي وسيدي، أتراك معذبي بنارك بعد توحيديك وبعدما انطوى عليه قلبي من معرفتك"[2].
4- الفقرة الخاتمة من الدُّعاء:
يقول الإمام علي عليه السلام: "فإليك يا ربّ نصبت وجهي، وإليك يا ربّ مددت يدي، فبعزّتك استجب لي دعائي، وبلّغني مناي، ولا تقطع من فضلك رجائي، واكفني شرّ الجنّ والإنس من أعدائي. يا سريع الرضا، اغفر لمن لا يملك إلا الدُّعاء, فإنّك فعّال لما تشاء، يا من اسمه دواء، وذكره شفاء، وطاعته غنى، ارحم من رأس ماله الرجاء، وسلاحه البكاء، يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا نور المستوحشين في الظُلَم، يا عالماً لا يعلّم، صلّ على محمّد وآل محمّد، وافعل بي ما أنت أهله،
247
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
ولا تفعل بي ما أنا أهله. وصلّى الله على رسوله والأئمّة الميامين من آله وسلّم تسليماً كثيراً"[1]. وتتضمّن هذه الفقرة مجموعة من المفاهيم الهامة أهمها:
أ- رفع اليدين إلى الله تعالى
عندما يتّجه الإنسان إلى ربّه, بطلب الحاجة, عليه أن يلجأ إليه, وهو في حالة من الاستكانة، والتضرّع، والخضوع، والخشوع. وهذا ما يظهر على جسده وبدنه، فيلجأ إلى الله عزّ وجلّ, وهو قد رفع رأسه، ينظر إلى وجه ربّه، يمدّ يديه مستعطياً الله:
روي أنَّه أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: "يا موسى، كن إذا دعوتني خائفاً مشفقاً وجلاً، وعفّر وجهك في التراب، واسجد لي بمكارم بدنك، واقنت بين يدي في القيام، وناجني حيث تناجيني بخشية من قلب وَجِلْ"[2].
وروي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل، ودعا كما يستطعم المسكين"[3].
ولمّا كان القنوت, أيّ: مدّ اليدين إلى السماء هو من مظاهر التذلّل لله عزّ وجلّ، حيث يكون العبد في صورة السائل الفقير المستعطي, كان له صوره، وقد بيّنها الإمام الصادق عليه السلام, لمّا سُئِلَ عن الدُّعاء ورفع اليدين، فقال عليه السلام: "على خمسة أوجه: أمّا التعوّذ, فتستقبل القبلة بباطن كفّيك، وأمّا الدُّعاء في الرزق, فتبسط كفّيك فتفضي بباطنهما إلى السماء، وأمّا التبتّل, فإيماؤك بإصبعك السبّابة، وأمّا الابتهال, فترفع يديك تجاوز بهما رأسك، وأمّا التضرّع, أن تحرّك إصبعك السبّابة ممّا يلي وجهك, وهو دعاء الخيفة"[4].
248
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
ب- ذكر الله تعالى وطاعته دواء وشفاء وغنى
إنّ المرض والفقر اللذين يتحدّث عنهما الناس ويريدون بهما - غالباً - المرض في الأبدان والفقر في المال، يختلفان عمّا هو متداول في التعاليم الإسلامية التي تؤكّد على وجود أمراض أخرى, هي أمراض معنوية، وتطلق عليها أمراض القلوب، حيث وصف الله عزّ وجلّ المنافقين في كتابه بأنّهم مرضى القلوب: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[1]. كما تُطلق على نقص الإيمان والعمل الصالح, أنَّه فقر.
عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة, إنّ القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به, حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله"[2].
وكما أنّ لمعالجة أمراض الأبدان دواؤها المُوجِب للشفاء منها, فكذلك أمراض القلوب وعلاجها بذِكْر الله عزّ وجلّ, ففي قراءة القرآن، والأدعية التي وردت عن المعصومين عليهم السلام تُزال أنواع الشكوك والشبهات المعترضة للحقائق والمعارف الحقيقية, لِمَا في القرآن من المواعظ الكافية الشافية، والقصص، والعبر، والأمثال، والوعد، والوعيد، والإنذار، والتبشير، وما تنتهي إليه نتائج العلوم الصحيحة، والأحكام الحقّة, بما يدفع أمراض القلوب، حيث صرّح القرآن بنفسه عن ذلك، فقال: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾[3]. نعم، مَنْ استعصى به مرض القلب لا يعود قابلاً للشفاء, لأنّه لا يتقبّل الدواء, ولذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾[4].
249
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
ج- سلاح الدَّاعي البكاء
لا يستحي الإنسان من البكاء بين يدي الله عزّ وجلّ، وإن كان يرى ذلك عيباً على أمر من أمور الدنيا. وعليه أن يعتبر ذلك فخراً إذا كان لله عزّ وجلّ: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث بين النبي زكري عليه السلام وابنه النبي يحيى عليه السلام -: "أنّ بين الجنّة والنّار عقبة لا يجوز منها, إلا البكَّاؤون من خشية الله"[1].
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله تعالى أخبرني، فقال: "وعزّتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء عندي شيئاً, فإنّي لأبني لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشاركهم فيه غيرهم"[2].
والبكاء سبيل وقاية في يوم القيامة، فمن بكت عيناه في الدنيا لن تبكيان في يوم القيامة:
روي: "ما مِنْ عين إلا وهي باكية يوم القيامة, إلا عين بكت من خشية الله، وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله, إلا حرّم الله سائر جسده على النّار، ولو فاضت على خدّه لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلَّة، وما من شيء إلا وله كيل أو وزن, إلا الدمعة, فإنّ الله يطفئ باليسير منها بحاراً من النار، ولو أنّ عبداً بكى في أمّة لرحم الله تلك الأمّة, ببكاء ذلك العبد"[3].
250
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
مفاهيم رئيسة
إنّ دعاء كميل من الأدعية الهامة التي جاءت الوصيّة بقراءته والمداومة عليه، وراوي الدُّعاء فهو: كميل بن زياد النخعي الذي هو من فضلاء صحابة الإمام علي عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام، وقد قتله الحجاج بن يوسف الثقفي.
لهذا الدعاء فضائل كثيرة منها ما قاله الإمام علي عليه السلام لكميل: "اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدُّعاء فادْعُ به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة, تُكفَ، وتنصر، وترزق، ولن تُعدَم المغفرة".
من الفقرات الهامة الواردة في هذه الدعاء، قوله: "الّلهم إنِّي أسألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كلّ شَيْءٍ"، وفيها حقيقة أنّ توجّه الداعي إلى الاسم الجامع في بداية الدُّعاء يكشف عن حقيقة فطرية عند الدَّاعي تشده إلى ذات الله تعالى.
في الدعاء إشارة إلى أنواع من الذنوب مثل: "الذّنوب التي تهتك العصم" و "الذّنوب التي تنزل النقم".
قوله: "أم كيف اسكن في النار ورجائي عفوك"، من الأمور الهامّة أن يتوازن الخوف والرجاء في شخصية المرء.
قوله: "ذكره شفاء وطاعته غنى": فالقلوب قد تبلى بأمراض، عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة, إنّ القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به, حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله".
قوله: "وسلاحه البكاء" إذ لا ينبغي أن يستحي الإنسان من البكاء بين يدي الله عزّ وجلّ، وإن كان يرى ذلك عيباً على أمر من أمور الدنيا.
278
251
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه
للمطالعة
الغفلة، أوّل موانع الاستغفار
... إذا أردنا الحصول على الاستغفار ـ هذه النعمة الإلهيّة ـ فعلينا أن نتخلّص من خصلتين: الأولى الغفلة، والثانية الغرور. الغفلة، هي أن لا ينتبه الإنسان أساساً أنّه يرتكب ذنباً، كما هو حال بعض الناس. فهذا النوع من الأشخاص موجود في هذا العالم بين الناس، يرتكبون الذنب وهم غافلون, أي دون أن يلتفتوا إلى أنهم يرتكبون مخالفة ما, يكذبون، يتآمرون، يستغيبون، يؤذون، يهدمون، يقتلون، يتواطؤون على الأبرياء. وهم غافلون تماماً عن أنّهم يرتكبون هذه المعاصي. وإذا قيل لأحدهم: "أنت تقترف ذنباً"، فمن الممكن أن يقهقه بسبب غفلته، وأن يسخر، ويقول: ذنب؟ وأيّ ذنب؟!
... ولا يتذكّر الإنسان الغافل الاستغفار أبداً, فهو في الأساس لا يذكر أنّه أذنب, إنّه غارق في الذنوب, فهو في حالةٍ من السكر والنوم, هو واقعاً كالنائم الذي يتحرّك في نومه, لذا يقول أهل السلوك الأخلاقيّ في حديثهم عن منازل السالكين في السير الأخلاقيّ وتهذيب النفس: إنّه عندما يريد الإنسان أن يخرج من حالة الغفلة يطلق على هذه المرحلة اسم "اليقظة".
أمّا ما يقابل الغفلة، فهو التقوى بحسب الاصطلاح القرآنيّ, والتقوى تعني الوعي والانتباه. لو أنّ الإنسان الغافل ارتكب عشرات الذنوب فلن يشعر أبداً بأنّه أذنب, أمّا الإنسان التقيّ فهو على العكس تماماً, فعندما يرتكب أقلّ ذنب، يتذكّر فوراً أنّه أذنب، ويبدأ بالتفكير كيف يصلح ما فسد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ﴾[1]، بمجرّد أن يمرّ الشيطان بجانبه، أو تهبّ ريح الشيطان باتّجاهه يشعر مباشرةً بأن الشيطان أثّر به وأنّه أخطأ وغفل: ﴿تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾[2]، فعين هذا الإنسان تظلّ مفتوحة"[3].
252
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهميّة المناجاة الشعبانية عند أهل البيت عليهم السلام.
2- يفهم بعض الأسرار التي تناولتها المناجاة (الكمال، مرجعية القرآن المعرفية...).
3- يفهم ضرورة التأدّب بإظهار الفقر إلى الله تعالى من المناجاة.
281
253
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
المناجاة الشّعبانية
المناجاة الشعبانية، هي مناجاة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام التي كان يدعو بها في شهر شعبان، على ما رواه السيد ابن طاووس قدس سره في كتاب الإقبال، نقلاً عن ابن خالويه[1] أنَّه قال "إنّها مناجاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة من ولده عليه السلام كانوا يدعون بها في شهر شعبان"[2]. وعلى كلّ حال، تعدّ هذه المناجاة من الأدعية التي ينبغي أن يواظب عليها الإنسان المؤمن، بل إنّ الإمام الخميني قدس سره يقول في هذه المناجاة: "أنا لم أرَ في الأدعية الأخرى الواردة عن الأئمّة شبيهاً لما موجود في المناجاة الشعبانية. إنّ الأئمّة جميعاً كانوا يقرؤون المناجاة الشعبانية، وهي تتضمّن معاني ومعارف كثيرة. كما أنّها تعلّم الإنسان كيف ينبغي له مناجاة الله تبارك وتعالى. غير أنّنا غافلون عن هذه المعاني التي تتضمّنها المناجاة الشعبانية"[3].
[1] ويعرّفه ابن طاووس بأنه: "الحسين بن محمد و كنيته أبو عبد الله، وذكر النجاشي أنَّه كان عارفا بمذهبنا مع علمه بعلوم العربية واللغة والشعر وسكن بحلب وذكر محمد بن النجار في التذييل وقد ذكرناه في الجزء الثالث من التحصيل، فقال عن الحسين بن خالويه: كان إماماً أوحد أفراد الدهر في كلّ قسم من أقسام العلم والأدب وكان إليه الرحلة من الأوقات وسكن بحلب و كان آل حمدان يكرمونه (وحال به حتى) ومات بها". السيد ابن طاووس، الإقبال، ج3، ص84.
[2] السيد ابن طاووس، الإقبال، ج3، ص84.
254
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
قبسٌ من أسرار المناجاة
نتناول فيما يلي عدداً من المفاهيم والآداب المعنوية التي تتضمّنها هذه المناجاة الشَّريفة:
1- الكمال هدفُ الدُّعاء:
يعدّ الجهل عند الإنسان أحد الابتلاءات الكبرى في الحياة الإنسانية، ولذلك قد لا يعرف الكثيرون ماهية الدُّعاء وحقيقته ويظنّون أنَّه بوجود القرآن لا حاجة للأدعية. فهؤلاء لا يدركون أهميّة الدُّعاء وأثره في نفوس الناس والانعكاس الذي يسبّبه في سلوكهم وأفعالهم، والمناجاة الشَّعبانية مثلاً خير دليل على هذا، فلقد توارثها أئمّتنا الأطهار وأكثروا من الدُّعاء بها وهي بحق كنز ثمين اعتمد عليه العرفاء في عرفانهم، واستنبطوا منها الكثير والكثير، بالطّبع فإنّنا عندما نتحدّث عن العرفان فإنّنا نقصد العرفان الإسلامي وليس العرفان الهندي وغيره من أنواع العرفان. وينقل الإمام الخميني قدس سره عن أحد علمائنا وصفه للدعاء بقوله: "القرآن قرآن نازل من السماء إلى الأرض، والدعاء يصعد من الأرض إلى السماء، وهو القرآن الصاعد"[1].
فالدعاء يأخذ بيد الإنسان ويرفع من منزلته ويصل به إلى عوالم علوية. ولو ترك الإنسان على حاله لكان أشدّ افتراساً من الحيوانات الضارية، ولكن في الدُّعاء لغة خاصّة تسمو بالإنسان وترفع من منزلته ومن مستوى وعيه وإدراكه، ولذلك ورد في المناجاة قوله "هب لي كمال الانقطاع"، والذي يمثّل قمّة الكمال الإنساني الذي ينقطع فيه الإنسان عن علائق النقص والحاجة لأيّ شيء سوى الله تعالى.
[1] وهو قول أستاذ الإمام الخميني قدس سره الشيخ الشاه آبادي رحمه الله كما ينقله عنه الإمام قدس سره. صحيفة الإمام الخميني قدس سره، ج13، ص33.
283
255
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
2- المناجاة الشعبانية، مصدر معرفي هام
من أسرار هذه المناجاة أنّها تدفع بالإنسان نحو معرفة الله تعالى، ولكن من بوابة معرفة النفس، ومعرفة النفس بوابة معرفة الله، كما أشير إليه في المناجاة الشعبانيّة بقوله عليه السلام: "وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلَّقة بعزّ قدسك"، وهذا الأمر مركّب من مقدّمات: أولها أنّ "الإنسان محتجب عن الوصول إلى معدن العظمة بحجب ظلمانيّة ونورانيّة. والحجب الظلمانيّة هي عبارة عن عالم الطّبيعة بل وبعض عوالم المثال أيضا يلحق بالحجب الظلمانيّة والحجب النورانيّة، بعد الترقّي عن عوالم الطبيعة بإلقاء المادّة والصورة، فحينئذٍ يرى نفسه مجرّدة عنهما، ويتجلَّى له نفسه وحقيقته مجرّدة عن قشور المادّة والصورة، ويرى نفسه أمراً عظيماً، ويبقى الحجب النورانيّة وعند ذلك يفتح له باب المعارف الكشفيّة. فكلَّما طالع الحجب، وتفكَّر في العوالم النوريّة، انكشف له العلم بالمبدأ والمعاد، وحقائق المقامات الدينيّة الَّتي جمعها قوله تعالى: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾[1] حتّى تخرق أبصار القلوب حُجب النور فتصل إلى معدن العظمة، وعند ذلك يحصل له مقام القرب، ويفوز بتجلَّيات الأسماء والصفات، وهذا هو سلّم المعرفة الإلهية التي تقدّمه هذه المناجاة لأهلها"[2].
3- بعثة الأنبياء عليهم السلام، تجلٍ للمعنويات وتحرّر الإنسان من العبودية
لا يمكن للإنسان أن يتّجه نحو شيءٍ غير الكمال المطلق حسب فطرته وخلقه، ولا يمكن أن يتعلّق بغيره، فجميع النفوس والأفئدة تهوي إليه ولا تريد غيره. وإنّ من يطلب الكمال، كائناً ما كان، فإنّ في قلبه حباً للكمال المطلق لا الناقص.
256
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
وحتى الإنسان الذي يحب بفطرته الكمال المطلق، فهو يبحث في الكمالات الناقصة عن الكمال الذي ليس ناقصاً. فالفطرة تكره ذلك والحُجب النورانية والمظلمة هي التي توقع الإنسان في الخطأ!
وما دام الإنسان في حجابه مشغولاً بنفسه ولم يخرق الحُجب النورانية فإنّ فطرته محجوبة، "وإنّ الخروج من هذا المنزل يتطلّب إضافةً إلى الترويض والمجاهدة، هداية الحقّ تعالى، وقد جاء في المناجاة الشعبانية المباركة "إلهي، هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً"[1].
إنَّ كمال الانقطاع هذا هو الخروج عن منزل النفس والأنا والجميع والالتحاق به، والانقطاع عن الجميع، "وهي هبة تمنح للأولياء المخلصين بعد أن صعقوا بملاحظة الجلال التي هي بمثابة غمزة منه في تعبير (لاحظته)"[2].
4- التأكيد على مرجعية القرآن الكريم المعرفية[3]
ما جاء في القرآن الكريم بشكل سرّ من الأسرار، ورد في أدعية الأئمة عليهم السلام كذلك، فنرى في المناجاة الشعبانية
الإمام عليه السلام يخاطب الله جل وعلا ويقول: "واجعَلْني ممّن ناديته فأجابك، ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً وعمل لك جهراً"[4].
فيأتي بالفعل "صَعِقَ" في البين، وهذا هو المعنى نفسه الذي ورد في القرآن الكريم بحقّ النبي موسى عليه السلام، حيث قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا﴾[5], فشهر شعبان هو شهر "الصعق"!
257
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
يقول الإمام الخميني قدس سره: "للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أبعاد مختلفة ينكشف بعضها بما حدث للبشر, ما اتضح للبشر من القرآن الكريم والنبي العظيم هو بعض أبعاد تلك المعنويات, ثمّة معنويات في القرآن لم تكشف لبشر قط سوى النبي ومن تتلمذ عليه. وهناك أمور في أدعيتنا (ويقصد بها بعض الأدعية كالمناجاة الشعبانية) على هذا المنوال, فكما أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاكم ومهيمن على كافّة الموجودات فإنّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كذلك، فذاك خاتم الأنبياء وهذا خاتم الأوصياء، ذاك خاتم الولاية العامة بالأصالة، وهذا خاتم الولاية العامة بالتبع"[1].
5- ضرورة إزاحة كلّ الحجب
لقد جاء الأنبياء عليهم السلام من أجل هداية الناس إلى الطريق الذي ينتهي بهم إلى الكمال المطلق وينقذهم من الحيرة والتخبّط والضياع، وإنقاذ الإنسان من ظلمات الطبيعة إلى النور، بل من حجب النور والظلمات إلى ما وراء ذلك. فأنت تقرأ في المناجاة الشعبانية: "الهي، هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور"[2].
فالإسلام جاء لينقذ الإنسان من هذه الضَّلالة التي يعيشها، ومن هذه الحجب التي لديه، والحجب التي هي فوق كلّ الحجب كالأنانية والعجب بالنفس وداء العظمة. فالإنسان حينما يحصل على أيّ شي حتى يعتريه الغرور وداء العظمة، ويرى نفسه أكبر من الآخرين, والإسلام جاء ليقمع هذا الغرور، فما دام الإنسان مغتراً بنفسه فلا يمكنه أن يصل إلى سبيل الهداية، بل يجب أن يسحق غروره، ويسحق شهواته وأهوائه النفسية[3].
258
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
6- التأدّب بإظهار الفقر
فقد ابتدأت المناجاة الشعبانية بقوله عليه السلام: "اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْمَعْ دُعائِي إذا دَعَوْتُكَ، وَاسْمَعْ نِدائِي إِذا نادَيْتُكَ، وَاقْبِلْ عَلَيَّ إِذا ناجَيْتُكَ، فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ، وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ، مُسْتَكِيناً لَكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ، راجِياً لِما لَدَيْكَ ثَوابي، وَتَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَتَخْبُرُ حاجَتِي وَتَعْرِفُ ضَمِيرِي، وَلا يَخْفى عَلَيْكَ أَمْرُ مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ وَما اُرِيدُ أَنْ أُبْدِيَ بِهِ مِنْ مَنْطِقِي وَأَتَفَوَّهُ بِهِ مِنْ طَلِبَتِي وَأَرْجُوهُ لِعاقِبَتِي"[1]، وفي هذه الفقرةِ يعلِّمنا الإمام عليه السلام أدب التذلّل إلى الله تعالى والالحاح عليه بأن يسمع الدُّعاء والنجوى، لأنّه تعالى وصف نفسه بأنه ﴿سَمِيعُ الدُّعَاء﴾[2]، وأن نظهر أمامه بمظهر المستكين المتضرِّع الذي بسط نفسه بكلّ ما فيها بين يديه تعالى، فلا شيء يخفى عنه: من دواعي النقص، وعلامات الضعف، واللياقات المختلفة، بل حتى الحاجة التي يريد أن يطلبها منه تعالى، فهو أعلم به منها لأنه يعلم ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾[3]. وقد عرفنا من مجمل الدروس الماضية أنّ أهمّ ما يقوم به الإنسان في مقام الدُّعاء: أن يعلن عن فقره المحض بين يدي الله تعالى.
ثم يكمل الإمام عليه السلام مؤكّداً على خصوصية الإعلان عن الفقر الذاتي في محضر الله تعالى فيقول: "وَبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيْرِكَ زِيادَتِي وَنَقْصِي وَنَفْعِي وَضَرِّي, إِلهِي إِنْ حَرَمْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَرْزُقُنِي وَإِنْ خَذَلْتَنِي فَمَنْ ذا الَّذِي يَنْصُرُنِي"[4]!
259
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
7- الأمل بالله تعالى:
من الدروس المعنوية التي تذخر بها هذه المناجاةُ هو درسُ حسن الظن والأمل بالله تعالى، يقول الإمام عليه السلام: "إِلهِي جُودُكَ بَسَطَ أَمَلِي وَعَفْوُكَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِي"، فلولا الأمل الذي يسكن في قلب الدَّاعي بأنّ الله تعالى سيعفو عما تجاوزه العبد من الذنب، وارتكبه من جرم، لما كان لدعائه من فائدة، بل إنّ أيّ عملٍ يقومُ به الإنسانُ منْ طاعةٍ أو قربةٍ لا يوجب على الله تعالى أن يمن على العبد بالتوبة أو يتفضّل عليه بالنعم، بل امتنانه على الكل ينبع من كمال صفاته الذاتية والثبوتية..
ويستمرّ الإمام عليه السلام في هذا الدُّعاء الشريف بدفع الدَّاعي للْحَوْمِ حول ساحة القدس، لكي يصل بالداعي إلى مراتب الكمال وخرق الحجب النورانية والظلمانية، ويكون خاتمة الدُّعاء بطلب الدخول في سلك العارفين "إِلهِي وَأَلْحِقْنِي بِنُورِ عِزِّكَ الاَبْهَجِ فَأَكُونَ لَكَ عارِفاً وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفاً وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً"، ولكن هذه المعرفة مقرونة بالسير العملي الذي يبعدهم عن الانحراف عن طريق الحقّ، وهي معرفة أيضاً مشفوعة بالمراقبة الدائمة والخوف من العودة إلى حجب الغفلة. وهكذا يبدأُ هذا الدُّعاء بالتمسّك بذيل رحمة الله وجُوده وكرمه، وينتهي بالعودة إليه سبحانه.
288
260
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
مفاهيم رئيسة
1- المناجاة الشعبانية، هي مناجاة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام التي كان يدعو بها في شهر شعبان، وكذلك الأئمّة من ولده عليه السلام.
2- الكمال هدفُ الدُّعاء، وهو ما يؤكد عليه الإمام عليه السلام في قوله: "هب لي كمال الانقطاع إليك".
3- من أسرار هذه المناجاة أنها تدفع بالإنسان نحو معرفة الله تعالى، ولكن من بوابة معرفة النفس، ومعرفة النفس بوابة معرفة الله، كما أشير إليه في المناجاة الشعبانيّة بقوله عليه السلام: "وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك".
4- إنَّ كمال الانقطاع هذا هو الخروج عن منزل النفس والأنا والجميع والالتحاق به، فلا يمكن للإنسان أن يتجه نحو شيءٍ غير الكمال المطلق حسب فطرته وخلقه ولا يمكن أن يتعلق بغيره.
5- في المناجاة تأكيد على مرجعية القرآن الكريم المعرفية، فهي مشحونة بالمضامين القرآنية كمثل قوله عليه السلام: "ولاحظته فصعق لجلالك".
6- في المناجاة دعوة إلى التأدّب بإظهار الفقر، كما في قوله: "فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ مُسْتَكِيناً لَكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ راجِياً لِما لَدَيْكَ ثَوابي".
7- من الدروس المعنوية في هذه المناجاة، التمسّك بالأمل بالله تعالى، وحسن به تعالى، يقول الإمام عليه السلام: "إِلهِي جُودُكَ بَسَطَ أَمَلِي وَعَفْوُكَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِي".
289
261
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة
للمطالعة
أدعية الثوار
.. هذان الدعاءان (دعاء كميل والمناجاة الشعبانية) ذوا مضامين غير عاديّة. هذان الدعاءان ليسا للقراءة فقط, يعني ليس الهدف أن يوجد الإنسان أمواجاً (صوتيّة) في الفضاء، وأن يجري هذه الكلمات على لسانه, هذا أمر سطحي جدّاً وصغير جدّاً, يجب أن يتعرّف القلب على هذه المفاهيم, يجب أن يدخل القلب إلى هذا الحرم. إنّ الغاية المنشودة من هذه المعاني الرفيعة والمضامين المميّزة المصوغة بهذه الألفاظ الجميلة، هي أن تأخذ مكانها في قلب الإنسان.
"إِلهِي هَبْ لِي كَمال الاِنقطاعِ إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ"[1]، إلهي! اجعلني متّصلاً بك تماماً, اجعلني تابعاً لحريم عزّك وشأنك, اجعل عين قلبي نورانيّة بصيرة, بحيث تستطيع النظر إليك, "حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ القُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إِلى مَعْدِنِ العَظَمَةِ وَتَصِيرَ أَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ[2]"، بحيث تستطيع نظرتي اختراق جميع الحجب - حتّى الحجب النورانيّة - وتعبر من خلالها وتصل إليك، لتراك وتطلبك. بعض الحجب ظلمانيّة، فالحجب التي ابتلينا بها وأصبحنا أسرى لها، ونحن نتخبّط بها - حجاب الاسم، حجاب الخبز، حجاب الحسد، حجاب الأماني - هي حجب ظلمانيّة حيوانيّة, أمّا بالنسبة للأشخاص الذين خلّصوا أنفسهم من هذه الحجب، فهناك حجب أخرى على طريقهم، وهي الحجب النورانيّة. انظروا كم هو مهمّ للإنسان العبور من هذه الحجب.
إنّ شعباً يتعرّف إلى مفاهيم كهذه، ويعيش قلبه في هذا الجوّ، ويتحرّك على أساس هذا المعيار، سوف يمضي قدماً، ويرى الجبال أمامه هباءً. لقد شعر شعبنا بحالة كهذه في لحظة تاريخيّة، وكانت الثمرة هذه الثورة"[3].
262
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يفهم حقيقة شهرة دعاء الندبة.
2- يتعرّف إلى الإشكال في سند الدعاء وطريق حله.
3- يبيّن كيفيّة إثبات هذا الدعاء بالطرق العلمية.
291
263
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
تمهيد:
يعتبر دعاء الندبة من الأدعية المشهورة المروية عن أهل البيت عليهم السلام، وقد نقل أنَّه يستحب قراءته في الأعياد الأربعة، ففي كتاب (زاد المعاد) يروي العلامة المجلسي قدس سره: "وأمّا دعاء الندبة المشتمل على العقائد الحقّة والتأسّف على غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد نقل بسند معتبر عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ويستحبّ أن يقرأ دعاء الندبة هذا في الأعياد الأربعة, أي: الجمعة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الغدير"[1].
كما روى السيّد ابن طاووس قدس سره في (مصباح الزائر): "ذكر بعض أصحابنا: قال: قال محمد بن علي بن أبي قرة: نقلت من كتاب محمد بن الحسن بن سفيان البزوفري دعاء الندبة، وذكر أنَّه لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة"[2].
264
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
يبدو من هذين النّصين لاثنين من علمائنا الأكابر، أنّ هناك سنداً معتبراً لهذا الدُّعاء، وسنقوم - وبشكل مختصر - بعرض الأسلوب المتبع في إثبات ذلك السّند من خلال منهجين: المنهج الأول: دراسة السّند، طبق القواعد الرّجالية. والمنهج الثّاني: دراسته في حيثيات تصحيحيّة أخرى.
أولاً: دراسة السند طبق قواعد علم الرجال
إنّ هذا الدُّعاء مروي - بالاضافة إلى ما تقدّم - عن المشهدي عن محمد بن أبي قرة، قال: "نقلت من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري هذا الدُّعاء وذكر في أنّه لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف"[1].
فلننطلق من خلال هذه الرواية، لنسأل الأسئلة الآتية:
1- من هو المشهدي؟
- لقد وقع خلاف عريض في خصوص المشهدي، فهل هو محمد بن المشهدي؟
- أو محمد بن جعفر المشهدي؟
- أو أبو البركات محمد بن اسماعيل المشهدي؟
ويظهر من تحقيق بعض الفضلاء أنّ أبو البركات المشهدي ليس هو المشهدي صاحب كتاب المزار الذي روي فيه دعاء الندبة، ويؤيّد ذلك اختلاف طبقات الرواة بينهما[2].
كما أنَّه لا إشكال في أن يكون محمد بن المشهدي هو ذاته محمد بن جعفر المشهدي، إذ إنّه معروف بين المحدّثين قصر التسمية بحذف الأب في النسب بداعي الاختصار[3].
265
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
من الممكن الاطمئنان إلى أنّ مؤلّف المزار هو محمد بن جعفر بن علي المشهدي لأسباب عدّة:
- "اتفاق الجميع على أنّ اسم مؤلف المزار هو محمد بن علي المشهدي، كما نصّ على ذلك السيد علي ابن طاووس والسيد عبد الكريم بن طاووس.
- فمحمد بن جعفر المشهدي مشترك مع مؤلّف المزار بالاسم واللقب.
- وقد وصف الحر العاملي محمد بن جعفر المشهدي في (أمل الآمل) أنَّه كان محدِّثاً وله كتب ويروي عن شاذان بن جبرائيل القمي.
- ونجد أن جميع هذه الأوصاف تنطبق على مؤلِّف المزار"[1].
2- وثاقة المشهدي
قال الشيخ الحرّ العاملي: "كان (أي المشهدي) فاضلاً محدّثاً صدوقاً"[2] وكذلك وثّقه الشيخ الطوسي والشيخ حسن بن نما بذات العبارة التي عبّر بها الشهيد إذ قال عنه: "الشيخ الإمام السعيد عبد الله محمد بن جعفر المشهدي رحمه الله"[3].
3- وثاقة محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري
لقد روى عنه الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون. ووالده من الثقات، إذ قال فيه الشيخ النجاشي: "الحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان أو عبد الله البزوفري، شيخ ثقة، جليل، من أصحابنا، له كتب"[4]. وعلى كلّ حال فإنّ الشيخ المفيد مكثرٌ من الرواية عنه وهو شيخه وأستاذه[5].
[1] الموسوي، السيد ياسين: سند دعاء الندبة، ص40-41.
[2] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: أمل الآمل في علماء جبل عامل، ج2، ص253، السيد أحمد الحسيني (تحقيق)، بغداد، مكتبة الأندلس، 1362هـ.ش، ط1.
[3] م. ن، ص252.
[4] النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي: أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، ص69، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1416هـ، ط5.
[5] كما ينقل ذلك أكثر من واحد، منهم الميرزا النوري، وكذلك السيد البروجردي: راجع: السيد ياسين الموسوي، سند الدعاء، ص59-61.
294
266
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
4- وثاقة محمد بن علي بن قرّة
وقد قال فيه النجاشي: "محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة، أبو الفرج، القناني، الكاتب، ثقة"[1]. وكذلك قاله العلامة في الخلاصة.
5- نقل ابن أبي قرة من كتاب البزوفري
لقد قلنا أنّ الشيخ ابن أبي قرة قد نقل دعاء الندبة من كتاب أبي جعفر البزوفري، "ولا يضرّ ذلك بالسند، فإن البزوفري لم يتقدّم عليه إلا بطبقة واحدة وبرتبة واحدة، وهو ينقل عن الكتاب المقطوع النسبة إليه"[2].
عمن يروي البزوفري الدُّعاء؟
يبدو أنّ الدُّعاء "خرج من الناحية المقدّسة، وحينئذٍ فالرواية مروية عن من خرج إليه الدُّعاء، وقد جرت سيرة الأصحاب في تلك المرحلة (وهي أوائل الغيبة الكبرى التي عاش فيها ابن البزوفري) على ترك اسم من خرج إليه التوقيع، لحكمة ناسبت التوقيع الذي خرج بتكذيب مدّعي الرؤية بعد النائب الرابع علي بن محمد السمري"[3].
وقد نسب عدد من العلماء الأجلّاء هذا الدُّعاء إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما فعل العلامة الشيخ ابراهيم بن الفيض الكاشاني فقال: "وكان من دعائه عجل الله تعالى فرجه الشريف المعروف بدعاء الندبة"[4].
الخلاصة:
الدُّعاء من حيث السند "معتبر حسب القوانين العلمية"[5]، رغم أنّ عدداً من
267
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
العلماء يقولون بضعف سنده لنقاشات تطلب في محلّها، ولكنّهم يتفقون على شهرة هذا الدُّعاء وعلى سلامة مضامينه، فهو "يورث الاطمئان"[1] بصدوره عن المعصوم.
ثانياً: إثبات صحّة الدُّعاء بطرق أخرى
قلنا في البداية، أنَّه يمكن أن نثبت صحة دعاء الندبة من خلال طرق تقدّم إحداها، وفيما يلي نذكر ثلاثة طرق:
1- لقد احتوى الدُّعاء على معانٍ عالية لا يمكن أن تصدر عن غير أهلها.
2- أنَّه كان مشهوراً عند علماء الشيعة وساير المؤمنين من بداية عصر الغيبة، بل قد يدّعى من زمن الإمام الصادق عليه السلام قبل أن يولد الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويشهد لذلك الروايات الشَّريفة التي نصّت على ندبة الأئمّة عليهم السلام، وهذه الشهرة تجبر ضعف السند إن وجد على ما تقدّم قبل قليل.
3- إنّ جميع ما جاء في الدُّعاء الشريف إنَّما هو مروي في آيات قرآنية وروايات أخرى (كما سنشير إلى ذلك في الدرس التالي). بل لو حقّقنا فصول الدُّعاء على طبق مصادر الروايات والأحاديث الشَّريفة نجده قد جاء جميعه عن أهل بيت الوحي والعصمة والطهارة عليهم السلام.
وبالتالي، فإنّ هذه المقدمات التي ذكرناها في طول هذا الدَّرس، توطئ لنا الأرض للاطمئنان بصدوره عن المعصوم عليه السلام، مع الأخذ بعين الاعتبار ما أورده العلامة المجلسي من احتمال وروده عن الإمام الصادق عليه السلام بطريق معتبر كما قال قدس سره.
وفي الدرس التالي، سنقوم بمعالجة بعض المفاهيم والإشكالات الواردة على دعاء الندبة، مع تعرّض لشرح بعض المقاطع الهامة من الدُّعاء، بإذن الله تعالى.
[1] الكلبيكاني، الشيخ لطف الله الصافي: دعاء الندبة شبهات وردود، ص41، دار العصمة، بيروت، 2010م، ط1.
296
268
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
مفاهيم رئيسة
1- إنّ دعاء الندبة من الأدعية المشهورة المروية عن أهل البيت عليهم السلام، وقد نقل أنَّه يستحبّ قراءته في الأعياد الأربعة.
2- برزت إشكالية حول سند دعاء الندبة، ويمكن حل هذا الإشكال من خلال دراسة السند طبق قواعد علم الرجال.
3- لقد روى هذا الدعاء المشهدي في كتابه المزار، ومؤلِّف المزار هو محمد بن جعفر بن علي المشهدي.
4- وصف الحرّ العاملي محمد بن جعفر المشهدي في (أمل الآمل) أنَّه كان محدِّثاً وله كتب ويروي عن شاذان بن جبرائيل القمي.
5- من رجال السّند، محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري، وقد روى عنه الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون، والشيخ المفيد مكثرٌ من الرواية عنه وهو شيخه وأستاذه، مما يورث الاطمئنان بثقته بناءً على أحد المباني.
6- من رجال السند محمد بن علي بن قرة، وهو ثقة.
7- خلاصة الكلام حول الدُّعاء من حيث السنّد أنّه "معتبر حسب القوانين العلمية"، بحسب أحد المباني في علم الرجال.
من الممكن إثبات صحّة الدُّعاء بطرق أخرى، إذ أنّه:
- احتوى على معانٍ عالية لا يمكن أن تصدر عن غير أهلها.
- أنَّه كان مشهوراً عند علماء الشيعة وسائر المؤمنين من بداية عصر الغيبة، بل قد يدّعى من زمن الإمام الصادق عليه السلام قبل أن يولد الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
- إنّ جميع ما جاء في الدُّعاء الشريف إنَّما هو مروي في آيات قرآنية وروايات أخرى.
297
269
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة
للمطالعة
دعاء الندبة مختصر معارف آل البيت عليهم السلام
إنّ الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام قد وضعت في أجمل قوالب الأدب العربي سواء من ناحية المعارف التي تكنزها، أم من ناحية الألفاظ والشكل. ومن هنا كانت التعابير الواردة في الأدعية فصيحة جذّابة، وفي الوقت عينه مؤدّية جدّاً للمعنى.
كم هو جميلٌ أن نتنبّه بدقّة وتأمّل إلى المعارف التي في متناول أذهاننا ببركة هداية أهل البيت عليهم السلام. إنّ دعاء الندبة كما ذكرت لكم هو خطبة غرّاء وبيان مختصر لتاريخ هذا الفكر، وجذور هذه الحركة عبر عصور الرسالات (السماويّة). إذا أمعنتم النظر في هذا الدعاء ستجدون أنّه خالٍ من تلك النقاط المثيرة للاختلاف بين الشيعة والسنّة، والتي أدّت إلى إشعال حروب على أيدي أصحاب الدوافع المختلفة، وقد بُيّنت فيها مسألة الإمامة والولاية بطريقة استدلاليّة. "إذ كان هو المنذر ولكلّ قومٍ هاد، أي إنّ النبيّ كان حائزاً لمقام الرسالة والإنذار والتبشير، كان الفاتح للطريق والكاشف للأفق أمام البشريّة"[1].
[1] الإمام القائد الخامنئي دام ظله، في تجمّع كبير لزوّار الإمام علي بن موسى الرض عليه السلام 3/3/2002.
298
270
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى مكانة الرَّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام عند الله تعالى من خلال الدعاء.
2- يفهم بعض وظائف الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حين خروجه.
3- يفهم أهمية الإيمان بالقضاء والقدر من الدعاء.
299
271
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
تمهيد
يتضمّن دعاء الندبة جملة من المعارف الحقة، وقد صيغت بأجمل قوالب الأدب، ويعبِّر عن العديد من الأسرار كمسألة الإمامة والولاية وغيرهما، وقد صيغت بطريقة استدلالية شيّقة.
شرح فقر من دعاء الندبة
1- قوله: "الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد نبّيــه وآله وسلّم تسليماً"
أ- بيان معنى الحمد: لقد ابتدأ الدُّعاء بالحمد لله رب العالمين وأعقبه بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّما ابتدأ بــ(الحمد لله) والحمد:"هو الثناء بجميل على جهة التعظيم والتبجيل على الأفعال الحسنة الاختيارية"[1], والحمد والشكر معنيان متقاربان إلاّ أنّ الحمد أعمُّ والشكر هو عرفان الإحسان ونشره، لأنّه يفترض أنّ العبد وهو كذلك متنعِّم بنعم كثيرة، لا يمكن إحصاؤها
[1] الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي: غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، ج1، ص134، رضا المختاري (تحقيق)ـ قم، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، 1414هـ، ط1.
300
272
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
ولا الاستعانة على شكرها إلاّ بشكر منعمها وبارئها والمفيض لها، وهو الله سبحانه وتعالى، حيث تعطي فقرة الحمد التي تعني لزوم الشكر من العبد، ولزوم التخضّع والتذلّل للمعبود درساً في طريقة التواصل والعبودية لهذا المعبود المشكور. لأنَّ الفقرة التي بعدها وصفت المحمود بأنّه رب العالمين.
ب- الصَّلاة على محمد وآله: ثم أعقب بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم معرفاً إيّاه بأنّه السيد النبي، ومثنياً بالصلاة والسلام على آله عليهم السلام، والحديث عن الصَّلاة على النبي وآدابها وآثارها حديث طويل شيّق له القدرة على بناء الإنسان تربوياً، فيكفي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الصَّلاة عليه شفاء من أخطر الأمراض التي يواجهها الإنسان والتي يستحيل علاجها من أمهر الأطباء، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الكافي: "إنّ الصَّلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق"[1].
أما الحديث عن سيادته ونبوته فقد تكفّلت به كتب العقائد، ويكفي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم يُمثّل الرحمة الإلهية, وهو العنصر الذي يُمثّل حالة الخير في الوجود.
وربما نجد في هذه الفقرة إشارة إلى أنّ هذه الصَّلاة التي تمثِّل معنىً راقياً وجوهراً ثميناً في حالة الارتباط الإنساني مع الله تعالى, لا تكون ولا تتكوّن عند الإنسان إلاّ بأن يكون مذعناً, لا يجد في نفسه حرجاً من سيادته صلى الله عليه وآله وسلم وإنبائه عن الباري جل وعلا. وهذه السِّيادة، سيادة خاتم الأنبياء، مقرونة من خلال حديث الثقلين بسيادة أهل بيته عليهم السلام والتقرّب إليهم, حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في النص المشهور المتواتر: "إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"[2].
273
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
2- قوله: "اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ".
تشتمل هذه الفقرة على جملة من المطالب التي ينبغي الالتفات إليها وعدم إغفالها:
أ- في القضاء والقدر: تشتمل الفقرة الآنفة الذكر على بحثٍ في القضاء والقدر من حيثية الاصطفاء والاستخلاص، فما يجري من القضاء والقدر على أولياء الله عليهم السلام إنَّما يكون من أجل دفعهم في سلّم الكمال, وهو قدرهم إذ أنهم سلّموا أمرهم لله تعالى، وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام لزيد بن علي رضوان الله عليه: "وأمر الله يجري لأوليائه بحكمٍ موصول وقضاء مفصول، وحتم مقضي، وقدر مقدور، وأجلٍ مسمّى كوقت معلوم، فلا يستخفّنك الذين لا يؤمنون ﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا﴾[1]"[2].
ب- الإذعان لقضاء الله تعالى: تبتدئ هذه الفقرة بذكر الله سبحانه وتعالى وتنسب كلّ فيض من الوجود إلى ألوهيته، هي في عين الوقت تلزم الإنسان بأنّ يخضع منتهى ألوان الخضوع من خلال الحمد والتخضّع إذعاناً لتلك النعم وإيقاناً بأنّ كلّ نعمة صدرت وتصدر إنَّما هي من معدن ومنبع الإلوهية. والنفس المستخلصة والتي وقع عليها الاختيار الإلهي ترى أنّ ذلك يوجب الحمد وأنه في كلّ الأحوال لا يفرّق فيه بين سرّاء أو ضرّاء، كما في حديث الإمام الباقر عليه السلام مع جابر بن عبد الله الأنصاري حينما سأله عليه السلام عن أحواله فقال جابر: "أحبّ المرض على الصحة والموت على الحياة والشيخوخة
274
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
على الشباب, فقال له الإمام الباقر عليه السلام: أمّا أنا يا جابر فإنْ جعلني الله شيخاً أحبّ الشيخوخة، وإن جعلني شاباً أحبّ الشيبوبة، وإن أمرضني أحبّ المرض، وإن شفاني أحبّ الشفاء والصحة، وإن أماتني أحبّ الموت وإن أبقاني أحبّ البقاء"[1].
ولذلك ينبغي أن يلتفت الإنسان المؤمن، إلى الإشارات اللطيفة التي يتضمنها هذا المقطع من سموّ النفس ورقيها وتهذيبها وإعطائها نوعاً من الدربة في الممارسات السلوكية نتيجة لما يتلقّاه ويحمله من تلك المعاني الخلقيّة التي تتولّد لديه من إذعانه كلّما اشتدّ به البلاء أملاً في استخلاص نفسه لنفس الباري وذوبان وجوده في دينه، وهذا السمو الرفيع هو النموذج الذي أمرنا بالاقتداء به والمتمثِّل بتلك المكارم التي إنَّما بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليُتمّمها في النفس الإنسانية.
3 - قوله: "فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِىَّ".
يشير المقطع الآنف الذكر إلى جملة من المطالب الغنية بالمعارف الإلهية، ونجملها ضمن النقاط التالية:
أ- قبول أهل البيت عليهم السلام عند الله تعالى: يشير المقطع إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد حصول المشارطة[2]ووفاء أهل البيت عليهم السلام بها - والأنبياء والعلماء والأولياء - قبلهم الله تعالى، ومعنى قبوله ليس قبولاً لمحض ذواتهم، بل علاوة عليها ما يترتّب من آثارهم وأفعالهم وأقوالهم فكلها قد قبلها الله سبحانه وتعالى، وينبغي أنّ نلتفت إلى أنّ قبول الله سبحانه له مراتب وقبوله لأهل البيت عليهم السلام قبولاً بأعلى مرتبة.
[1] الشهيد الثاني، زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي: مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، ص82، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث(تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1407هـ، ط1.
[2] في الفقرة السابقة:"بعد أن شرطت عليهم الزهد في زخارف هذه الدنيا الدنية وزبرجها، فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم الوفاء به".
303
275
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
ب- يشير المقطع أيضاً إلى أن ما ترتّب على تلك المشارطة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّم لأهل البيت عليهم السلام الذكر العلي والثناء الجلي الواضح وهذا لا يخفى على أنَّه في أعلى مراتبه ويمكن لغيرهم إذا التزم بالـمُشَارطة أنْ يُحصّله بمراتبه الأخرى، فمن يزهد في هذه الدنيا مشارطاً الله سبحانه بذلك فإنه لا محالة يترتب عليه بقاء الذكر والثناء من قِبَل الله ومن قِبَل عباده، نعم إنّ الذكر العلي الذي يعني أن أهل البيت عليهم السلام مذكورون في السماء وعند الأنبياء فضلاً عن أهل الأرض والأولياء، بل وهم المذكورون في حضرة الله وعنده تعالى، هذا هو الذكر العلي بأن يذكرهم الجميع ويكون ذكرهم شرفاً للذاكر والثناء عليهم من منقبة المثني، بل حتى عند أعدائهم نجد ذكرهم والثناء عليهم رغم بغض الأعداء لهم عليهم السلام.
4- قوله "وَاَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ".
إنّ الله سبحانه وتعالى بعد أن علم من أهل البيت عليهم السلام وفاءهم له بالزهد في جميع درجات هذه الدُّنيا كرّمهم بأن جعلهم أهل بيت الوحي، وجعل محالهم مهبطاً لجميع الملائكة، وهنا إشارةٌ إلى ذلك العالم المقدَّس العالم العلوي، وهذا العالم لا يمكن أن ينزل ما فيه إلا ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾[1] وهذا التكريم الإلهي في جعل أهل البيت عليهم السلام محلاً للتنزُّل السَّماوي ومحلاً للتَّمثيل الإلهي في الأرض - فهم كعبة الدّين في الأرض التي ينبغي أن يحج الناس إليها لانّهم بيت الدين على وجه هذه البسيطة، لبيان التعاليم الإلهية- وقد وردت كثير من الأخبار في الحديث عنه.
وحيث نعلم بمقتضى ظواهر جملة من الآيات أنّ وظائف الملائكة متعدّدة، فلهم وظائف وجودية كقبض الأرواح والتصرّف في بعض موجودات الكون بإذن الله
276
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
وإنزال الشرائع على رسل الله فإن ما يتنزل على أيديهم لأهل البيت عليهم السلام أيضاً متنوّع ومتلوّن.
وإذا رجعنا التماساً لوصية أهل البيت عليهم السلام بمحاججة الناس بسورة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ فإنّنا نجد أن هذه السورة المباركة وغيرها من آيات ليلة القدر ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾[1] تقول: إنّ ما يتنزّل في شهر رمضان وفي ليلة القدر من كلّ أمر حكيم إنَّما يكون على من هو مؤهّل لهذا التنزّل، إذ لا معنى أن يتنزّل الملائكة على جميع الخلق ولا معنى أن يتنزّل على لا أحد، فلا بدّ من وجود ذاك الفرد الأوحدي المؤهّل لهذا التنزّل السماوي، ولا بد أن يكون في الأرض لتستمر عملية الترابط الإلهي البشري، السماوي والأرضي، وهذه العملية التي تنتج منها هداية الناس إلى الله وتأمين احتياجاتهم فيما إذا التزموا واهتدوا، إنَّما هي ثمرة من ثمرات تلك المشارطة المقدّسة التي نتج عنها أن جعل أهل البيت عليهم السلام، وكما في هذا النص المبارك مهبطاً للملائكة ومحلاً للوحي.
أمّا الرفد بالعلم المتفرِّع على إنزال العلم الإلهي - حسب ما تقتضيه الإرادة الإلهية - فهو أبرز أثر نجم عن المشارطة المتقدِّمة وعن إنزال الملائكة وكونهم عليهم السلام مهبطاً للوحي إذ كلّ ما يأتي عن طريق الملائكة إنَّما هو علم وإن اختلفت ألوانه فبعضه شرعي ينظم الحياة والعقيدة وبعضه اجتماعي وهكذا.
5- قوله: "وَكُلٌّ شَرَعْتَ لَهُ شَريعَةً، وَنَهَجْتَ لَهُ مِنْهاجاً، وَتَخَيَّرْتَ لَهُ اَوْصِياءَ، مُسْتَحْفِظاً بَعْدَ مُسْتَحْفِظ مِنْ مُدَّةٍ اِلى مُدَّةٍ".
- الشريعة تستدعي وجود حافظ لها: تُحدِّثنا هذه الفقرة المباركة عن أنّ هناك شرائع ومناهج جعلها الله سبحانه وتعالى للأنبياء، وأنّ هناك سنّة إلهيّة في
277
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
كون هذه الشَّرائع بأجمعها تدفع الإنسان وتجعله يرتقي من خلالها إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده، وأنّ هذه السنّة في سوق العباد نحو المعبود لا انقطاع لها وأنّها ظاهرة معيّنة وبارزة مبيّنة. لذلك يقف إلى جانب هذه السنّة سنّة أخرى وهي سنّة التخيّر والاستحفاظ فحيثما الشَّريعة والمنهج موجودٌ فلا بدّ للمستحفظ لها والوصي القائم بها من وجود، وأنّ جميل ما في هذا الأمر أنَّه حتى الكتب اللغوية قد أشارت إلى هذه الحقيقة الانضماميّة التلاصقيّة، فعدم الانفكاك بين الاثنين ليس فقط أمراً عقلياً وعرفياً وشرعياً بل أمراً أدبياً ولغوياً كما ساقته إلينا ألسنة العرب. ففي مادة (شرع) من كتاب (لسان العرب) أنّ "مشرعة الماء هي مورد الشاربة، وأن العرب لا تسمّيها شريعة حتى يكون الماء لا انقطاع له ويكون ظاهراً معيناً لا يسقى بالرّشاء"[1]، وهذه هي الحقيقة فالنهج الواضح المستبين الذي يضيء لنا الطريق لا بدّ أنْ يكون دائماً معيناً لا انقطاع له هو ذلك الذي تخيّره لنا الله سبحانه وتعالى وجعله مستحفظاً بيد الأوصياء وعلى طول الزمان، ومن مدة إلى مدة، فالاستحفاظ الذي يعني لغة الحراسة والوكالة بالشيء والمواظبة والذبّ عنه إنَّما هو سنة ينصّ عليها هذا الدُّعاء، لا تبديل عنها ولا تحويل.
6- قوله: "اِلى اَنِ انْتَهَيْتَ بِالاْمْرِ اِلى حَبيبِكَ وَنَجيبِكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَكانَ كَمَا انْتَجَبْتَهُ سَيِّدَ مَنْ خَلَقْتَهُ، وَصَفْوَةَ مَنِ اصْطَفَيْتَهُ، وَاَفْضَلَ مَنِ اجْتَبَيْتَهُ، وَاَكْرَمَ مَنِ اعْتَمَدْتَهُ، قَدَّمْتَهُ عَلى اَنْبِيائِكَ، وَبَعَثْتَهُ اِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنْ عِبادِكَ".
أ- تفضيل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: نلاحظ أنّ فقرات هذا الدُّعاء المبارك بدأت الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ نهاية الأمر بالوساطة الإلهية المباركة هو ذلك الحبيب المقرّب والنجيب المستجاب، كذلك يؤكِّد الدُّعاء أنّ ما
278
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
كان مرجواً منه قد تحقّق فعلاً على يديه، بعد أنْ كان سيّد الخلق وصفوتهم وأفضلهم وأكرمهم، لذلك كان ميزان الاعتماد والتقديم من قبل الله سبحانه وتعالى على الأنبياء، بل وإنّ هذه السِّمات والصِّفات كانت موجباً لشمولية البعثة وكونها غير مختصّة بعالم دون عالم.
ب- شمول دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للثقلين: إنّ الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الفقرات الندبية، ومن حيثية كون دعوته صلى الله عليه وآله وسلم شاملة للثقلين من العباد، يعطينا بعداً معرفياً وعقائدياً بأنّ السبب وراء كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد صار خاتماً للأنبياء، وكانت دعوته شمولية للكون بأجمعه هو تلك الصفات التي تحلّى بها صلى الله عليه وآله وسلم سواء كانت صفاته الذاتية التي تحلّى بها وترجمها سلوكاً وعملاً وسجّلت لنا أحداثاً تاريخية وسيرة نبوية مارسها أثناء وجوده صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس، أم كانت تلك الصفات الكامنة الموروثة من قبل الأئمة من ولده عليهم السلام والتي كانت أودعت بأجمعها في خاتمهم فكان رمزاً لتحقيق الغاية القصوى من الخلق، والهدف الأسمى من الإرسال وهو تحقيق العدل وإقصاء الظلم.
7- قوله "وَاَوْطَأتَهُ مَشارِقَكَ وَمَغارِبَكَ، وَسَخَّرْتَ لَهُ الْبُراقَ، وَعَرَجْتَ (به) بِرُوْحِهِ اِلى سَمائِكَ، وَاَوْدَعْتَهُ عِلْمَ ما كانَ وَما يَكُونُ اِلَى انْقِضاءِ خَلْقِكَ".
أ- تتحدّث هذه الفقرة عن الآثار التي أوجبها الله سبحانه وتعالى للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وما يترتَّبُ على تلك الآثار، فبعد أنْ جعلَ الله فيه صلى الله عليه وآله وسلم أعلى صفات الكمال ووضعه منه عز وجل بأقرب مراتب القرب، كان لهذه الصفات وهذا القرب آثار قهرية وآثار اختيارية وآثار آنيّة وآثار مستقبلية تحدث عن بعضها هذا المقطع المبارك من الدُّعاء وأجلى وجه الأثر الأبرز في كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوطئ مشارق الكون ومغاربه وليس مشارق الأرض فقط أو مغاربها، وكونه كذلك صلى الله عليه وآله وسلم وإنْ لم يكن فعلياً، بمعنى أنَّه مارس إرادته وسلطته الفعلية على
307
279
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
المشارق والمغارب، إلا أنّ المقطع الآخر الذي يتحدث عن وعد الإظهار للدين يعطي تفسيراً لهذا المقطع فإنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد أنْ اثبت هذا المقطع له، هذه الحالة من الشمولية والسلطنة إلاّ أنّ الممارسة الفعلية ليست بالضرورة أنْ تكون في نفس وقت الإيطاء، بل اقتضت الحكمة الإلهية أنْ تفعّل هذه الحالة على يد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من خلال الوعد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد حالة الإيطاء، إذ تبرز حالة الإظهار الفعلي، وهذا معناه أنّ السلطنة الفعلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولجميع ما في الكون، والمأذونة من قبل الله سبحانه وتعالى هي ابتداء له، وبالأصالة منحت إياه وتفرّعت منه إلى أوصيائه بمقتضى الحكم الإلهية، وكان الإبراز والإظهار من حصة آخرهم وهو الحجة بن الحسن عليهما السلام.
ب- العروج الروحي: ثم تحدّث المقطع عن جنبة من جنبات العروج وعبّر عنها بالعروج الروحي (على بعض النسخ)، مع أنّ الروايات الشَّريفة بيّنت أنّ العروج كان روحياً وبدنياً، ولكنْ لسمو منزلة الروح وقابليتها في القرب إلى الذات المقدسة تحدث المقطع الندبي عنها لاحتمال إرادة ذلك، وإنْ كنّا في الواقع لا ندرك حقيقة إبراز الروح وأفرادها في العروج إلى السماء ولعل المقطع الذي يتلوها يكشف عن أفرادها ولو احتمالاً، إذ يقول: (وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك) وبلا شك أنّ محل العلم خصوصاً كهذا الذي أعطي للخاتم صلى الله عليه وآله وسلم هو الروح لا البدن لذلك عبر به وأفرد.
ج- حقيقة العلم: ثم تحدّث المقطع عن كنه ذلك العلم وحقيقته وسعته وأنّه علم إلهي اختصاصي لا يناله إلاّ من اختصه الله سبحانه وتعالى به، فهو من الشمولية بحيث يشمل كلّ شيء، ومن الزمان والمكان فهو لا انقضاء له ولا توقّف، وهذا يكشف عن أن حجية الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم هي الأول في الحجج وهي الآخر في الحجج وإنّ حجيته ثابتة منذ الخلق الأول ولا تنتهي إلى آخر الخلق، وكل حجة ما عداه
308
280
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
إنَّما هي متفرعة من حجيته وإمامته وسلطنته صلى الله عليه وآله وسلم وقد أشارت بعض الأحاديث إلى ذلك كما في حديث موسى عليه السلام على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لو أنّ موسى كان فيكم حياً ما وسعه إلاّ أنْ يتبعني"[1]. فهذا الحديث بل وغيره من المقاطع خصوصاً الزيارات والأدعية الواردة عنهم عليهم السلام، تكشف لنا عن أنّ الحجية الأولى ومصدر الفيض الإلهي هو النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ثم من بعده أئمة أهل البيت عليهم السلام ثم الأنبياء عليهم السلام ابتداء وانتهاء.
وهكذا يتنقل هذا الدُّعاء من مفهوم إلى آخر، ومن عرض صورة إلى أخرى، فيعرض صور المظلومية التي تعرّض لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولياؤه عليهم السلام وصولاً إلى الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث يُظهر الدُّعاء الشريف هذا أحد أجمل المقطوعات التي رواها المسلمون في مناجاة أحد الأولياء عليهم السلام، وفي عرض حالاته وشجونه، وفي ارتباطه بالأمة وارتباطها به، وفي المهام التي أنيطَ به القيام بها، ونتوقف هنا عند هذه الفقرة:
8- قوله "متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتقع[2] من عذب مائك فقد طال الصدى[3]، متى نغاديك ونراوحك فتقر عيوننا، متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر ترى. أترانا نحف بك وأنت تؤم الملأ، وقد ملأت الأرض عدلاً، وأذقت أعدائك هواناً وعقاباً، وأبرت[4] العتاة وجحدة الحق، وقطعت دابر المتكبرين، واجتثثت[5] أصول الظالمين، ونحن نقول الحمد لله رب العالمين".
أ- الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يروي عطش الناس لدين الله تعالى: إذ أنّ البعد الزمني، وكذلك البعد الواقعي، عن دين الله تعالى، جعل الناس تأخذ بظواهر الدين وتختلف فيها. ومن هنا يكون مجيء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لإحياء السنة ووصل الدين بمنبع
281
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
الرسالة، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾[1]، أنَّه قال: "هذه الآية نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم، لا تدرون أين هو، فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض، وحلال الله جل وعز وحرامه..؟"[2].
ب- الوعد الإلهي بالنصر له عجل الله تعالى فرجه الشريف: وهذا الأمر من المسلّمات، إذ أن أبرز علّة من علل الغيبة هو أن يحقّق الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف النصر التام الشامل على قوى الكفر والضلال، وقد ورد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنَّه قال: "كأني أنظر إلى القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف قد ظهر على نجف الكوفة، فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمودها من عمد عرش الله تعالى، وسائرها من نصر الله عز وجل، ولا تهوى بها إلى أحدٍ إلا أهلكه الله تعالى"[3].
ج- الله تعالى يجمع الأنصار إليه: فعن الإمام الرض عليه السلام في قوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا﴾[4] قال: "وذلك والله أن لو قد قام قائمنا، يجمع الله إليه شيعته من جميع البلدان"[5].
د- إقامة العدل: وهي من مهمات الولي الأعظم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "جعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة، فيعلن أمر
282
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
الله، ويظهر دين الله عز وجل، يؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً"[1].
هـ- قتله للمتكبّرين والظالمين: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف أنَّه قال: "وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه، اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: اخرج يا وليّ الله، فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله.."[2].
283
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
مفاهيم رئيسة
1- لدعاء الندبة مفاهيم ذات مضامين عالية حوتها فقراته المتنوعة، وهي تماثل ما هو موجود في محكم آيات كتاب الله تعالى، والروايات الشريفة.
2- في قوله "الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد نبّيــه وآله وسلّم تسليماً" نجد معنى الحمد والثناء، والصلاة على محمد وآله حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الصَّلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق".
3- في قوله: "اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ"، ومن الفوائد هنا الانتباه إلى مسألة التسليم للقضاء الإلهي.
4- في قوله "فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِيَّ"، وفيها حقيقة تقديم آل البيت عليهم السلام على سائر الخلق، وأن الله تعالى قدّم لأهل البيت عليهم السلام الذكر العلي والثناء الجلي الواضح.
5- في قوله "وَكُلٌّ شَرَعْتَ لَهُ شَريعَةً، وَنَهَجْتَ لَهُ مِنْهاجاً، وَتَخَيَّرْتَ لَهُ اَوْصِياءَ، مُسْتَحْفِظاً بَعْدَ مُسْتَحْفِظ مِنْ مُدَّةٍ اِلى مُدَّةٍ"، إشارة إلى ضرورة وجود من يحفظ الشريعة وهي سنّة ينصّ عليها هذا الدُّعاء، لا تبديل عنها ولا تحويل.
6- في قوله "وَأوْطَأتَهُ مَشارِقَكَ وَمَغارِبَكَ، وَسَخَّرْتَ لَهُ الْبُراقَ، وَعَرَجْتَ (به) بِرُوْحِهِ إِلى سَمائِكَ، وَأوْدَعْتَهُ عِلْمَ ما كانَ وَما يَكُونُ إلَى انْقِضاءِ خَلْقِكَ" وفيها حديث إلى الآثار التي أوجبها الله سبحانه وتعالى للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وما يترتّب على تلك الآثار، وهي مرتبة السلطان الذي يتمه الولي الأعظم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كما نصّت عليه روايات الفريقين.
312
284
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة
للمطالعة
الغرور من موانع الاستغفار
بمجرّد أن يقوم الإنسان بعمل صغير تراه يُصاب بالغرور. ولدينا تعابير في الأدعية والروايات تذْكُر الاغترار بالله. في الدعاء السادس والأربعين من الصحيفة السجّاديّة الذي يقرأ في أيّام الجمعة، هناك عبارة تهزّ وجود الإنسان، حيث يقول: "وَالشَّقاءُ الاْشْقى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ، ما أَكْثَرَ تَصَرُّفَهُ في عَذابِكَ؟ وَما أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ في عِقابِكَ؟ وَما أَبْعَدَ غايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ؟ وَما أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ؟"[1]. عندما تصيب الإنسان حالة الغرور، تقول الرواية إنّه يصاب بحالة "الاغترار بالله"[2]. هذا هو الغرور، والمغرور بعيد عن الفلاح، لا نصيب له من الخلاص والسلامة. لماذا؟ لأنه بمجرّد أن يقوم بعمل صغير سريعاً ما يصاب بالغرور, يصلّي ركعتين، يقدم خدمة للناس، يضع المال في صندوقٍ ما، أو يعمل عملاً ما في سبيل الله، فيشرع بالقول: "نحن قد أصلحنا أمورنا مع الله تعالى، وسويّنا حسابنا معه، ولسنا بحاجة إلى شيء"! هو لا يصرّح بهذه الأمور، ولكنّ قلبه يقول هذا.
احذروا، لا تتوهّموا أنّه إذا فتح الله تعالى باب التوبة وقال لنا أنا أغفر الذنوب، فهذا يعني أنّ الذنوب أمور حقيرة وصغيرة، فالذنوب أحياناً تقضي على الوجود الحقيقيّ للإنسان، تزيله من الوجود، وتسقطه من إنسان يعيش في المنزلة الرفيعة، منزلة الحياة الإنسانيّة، إلى حيوان مفترس قذر وضيع, هذا هو الذنب. لا تتوهّموا أنّ الذنب شيءٌ سخيف، فذنوب الكذب، الغيبة، استحقار النّاس، والظلم ـ ولو بكلمة واحدة ـ ليست بالذنوب الصغيرة"[3].
285
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الارتباط بين الإيمان بالله وحبّه.
2- يتعرّف إلى لذّة الحب ودرجاته.
3- يعدِّد صوراً من حب الله تعالى وشجونه في أدعية أهل البيت عليهم السلام
315
286
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
أولاً: الحبّ وعبادة اللّه تعالى
الحب في تعريفات أهل الحكمة عبارة عن "تعلّق خاص وانجذاب مخصوص شعوري بين الإنسان وبين كماله"[1]، فإذا كان أكمل الكمال هو التمحّض في عبادة الله تعالى التي هي الغاية من الخلق، كان حب الإنسان لله تعالى من سنخ العبادة.
لا يكاد يوجد في ألوان العلاقة بالله لون أقوى وأبلغ من (الحب) في توثيق علاقة العبد بالله. وقد ورد ذكر هذه المقارنة بين عناصر العلاقة بالله تعالى في مجموعة من النصوص الإسلامية، نذكر بعضها.
فقد روي أنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: "يا داود ذكري للذاكرين وجنتي للمطيعين، وحبّي للمشتاقين، وأنا خاصة للمحبين"[2].
وروى محمد بن يعقوب الكليني عن الإمام أبي عبد الله جعفر عليه السلام: "العبّاد ثلاثة: (...) قوم عبدوا الله عز وجل حباً له، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة"[3]. وعبادة الأحرار تارة يعبّر عنها بالشكر وتارة بالحب، لكون مرجعهما
287
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
واحداً، يقول العلامة الطباطبائي قدس سره: "إنّ الشكر وضع الشيء المنعم به في محله، والعبادة شكرها أن تكون لله الذي يستحقها لذاته، فيعبد الله لأنه الله، أي لأنه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته المحبوب لذاته، فليس الحب إلا الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا فيه تعالى هو معبود لأنه هو، وهو معبود لأنه جميل محبوب، وهو معبود لأنّه منعم مشكور بالعبادة، يرجع جميعها إلى معنى واحد"[1]. وهذا المعنى الذي يختزنه الحب من العبودية، هو معنىً فارد لا مثيل له في عمقه وترابطه إلا في ديننا الإسلامي، الذي يسمو بالعبادة إلى تلك المرتبة من الحب.
ثانياً: الحب إيمانٌ
وعن الفضيل بن يسار قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحب والبغض، أمن الايمان هو؟ فقال: وهل الايمان إلا الحب والبغض"[2]. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "هل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[3]"[4]. وعن الإمام الباقر عليه السلام: "الدين هو الحب والحب هو الدين"[5].
ثالثاً: لذة العبادة
العبادة إن كانت عن حب وشوق ولهفة فلا تفوقها لذة وحلاوة. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام وهو ممن ذاق حلاوة حب الله وذكره: "إلهي ما أطيب طعم حبك وما أعذب شرب قُربك"[6].
288
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
وهي حلاوة ولذة مستقرةٌ في قلوب أولياء الله، وليست لذّة عارضةً تعرض حيناً، وترتفع حيناً. وإذا استقرّت لذة حب الله في قلب العبد، فذلك قلب عامر بحب الله، ولن يعذّب الله قلب عبد عمر بحبه، واستقرّت فيه لذّة حبه.
يقول الإمام السجاد عليه السلام "إلهي وعزَّتِك وجلالِك لقد أحببتُك محبةً استقرتْ حلاوتُها في قلبي، وما تنعقد ضمائُر موحديك على أنّك تبغضُ محبيك"[1].
وعن هذه الحالة المستقرة والثابتة من الحب الإلهي يقول الإمام السجاد عليه السلام: "فوعزّتك يا سيدي لو انتهرتني ما برحت من بابك، ولا كففت عن تملّقك، لما انتهى إلي من المعرفة بجودك وكرمك"[2]. وهو من أبلغ التعبير في عمق الحب واستقراره في القلب، فلا يزول ولا يتغيّر في قلب العبد حتى لو نهره مولاه، وأبعده من جنابه، وحاشاه أن يفعل ذلك بعبد استقرّ حبه في قلبه.
وإذا عرف الإنسان طعم حب الله ولذّة الأنس به فلا يؤثّر عليه شيئ، يقول زين العابدين وإمام المحبين عليه السلام: "من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام عنك بدلاً؟ ومن ذا الذي أنِس بقربك فابتغى عنك حِولاً"[3].
وإنَّما يتوزّع الناس على المسالك والمذاهب , لأنّهم حرِموا لذّة حب الله. وأما الذين عرفوا لذة حب الله فلا يبحثون بعد ذلك عن شيء آخر في حياتهم.
يقول الإمام الحسين بن علي عليهما السلام: "ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك"[4].
ويستغفر الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام من كلّ لذّة غير لذّة حب الله، ومن كلّ شغل غير الاشتغال بذكر الله، ومن كلّ سرور بغير قرب الله، لا لأن الله
289
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
تعالى حرم على عباده ذلك، ولكن لأنّ ذلك من انصراف القلب عن الله واشتغاله بغير الله، ولو زمناً قصيراً، ولا ينصرف قلب عرف لذّة حب الله، عن الله.
وكل شيء وكل جهد في حياة أولياء الله يأتي في امتداد حب الله، وذكر الله، وطاعة الله، وكلّ شيء عدا ذلك فهو انصراف عن الله ويستغفر الله منه.
يقول عليه السلام: "وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك، ومن كلّ راحة بغير أنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك"[1].
رابعاً: الحب والعمل
الحب لا ينفصل عن العمل، فمن أحب كانت أمارة حبه العمل والحركة والجهد. ولكن الحب يجبر عجز العمل، ويشفع لصاحبه كلّما قصر عمله، وهو شفيع مشفَّع عند الله تعالى.
في دعاء الأسحار وهو من جلائل الأدعية الذي يرويه عنه أبو حمزة الثمالي يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: "معرفتي يا مولاي دليلي عليك، وحبّي لك شفيعي إليك، وأنا واثق من دليلي بدلالتك، ومن شفيعي إلى شفاعتك"[2] ونعم الدليل والشفيع المعرفة والحب، فلا يضيع عبد دليلُه إلى الله (المعرفة)، ولا يقصر عبد عن الوصول والبلوغ إذا كان شفيعه إلى الله (الحب).
يقول الإمام علي بن الحسين عليهما السلام: "إلهي إنّك تعلم أني وإن لم تَدم الطاعة منّي فعلاً جزماً، فقد دامت محبةً وعزماً"[3] وهو إشارة رقيقة من رقائق كلمات الإمام، فإنّ الطاعة قد تقصر بالإنسان، ولا يتمكّن أن يثق بطاعته لله، ولكن ما لا سبيل إلى الشك فيه للمحبين هو اليقين والجزم بحبهم لله تعالى، وعزمهم على المضي في
290
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
الحب والطاعة، وهذا مما لا يرتاب فيه عبد وجد حب الله في قلبه، فقد يقصِّر العبد في طاعة، وقد يرتكب ما يكرهه الله ولا يحبه من معصية، ولكن ما لا يمكن أن يكون وهو يقصّر في الطاعة ويرتكب المعصية أن يكره الطاعة ويحب المعصية.
فإن الجوارح قد تنزلق إلى المعاصي، ويستدرجها الشيطان والهوى إليها، وقد تقصّر الجوارح في طاعة الله، ولكن قلوب الصالحين من عباد الله لا يدخلها غير حب الله وحب طاعته وكراهية معصيته.
وفي الدُّعاء "إلهي أحب طاعتَك وإن قَصَرتُ عنها، وأَكره معصيتَك وإن ركَبتُها، فتفضَّلْ علي بالجنةِ"[1].
وهذه هي الفاصلة بين الجوارح والجوانح، لأنّ الجوارح قد تقْصُر عن اللحوق بالجوانح، وكذلك جوانح الصالحين تخلص لله وتخضع لسلطان حب الله بشكل كامل، فَتقْصُر عنها الجوارح، إلاّ أن القلب إذا خلص وطاب فلا بد أن تنقاد له الجوارح وتطيعه. ولا بد أن تنفّذ الجوارح ما تطلبه وتريده الجوانح، وتنعدم عند ذلك هذه الفاصلة بين الجوارح والجوانح بسبب إخلاص القلب.
خامساً: درجات الحب وأطواره
وللحب في قلوب العباد درجات ومراحل.
فمن الحب حب ضحل ضئيل، لا يكاد يحس به صاحبه.
ومن الحب ما يملأ قلب العبد، ولا يترك في قلبه فراغاً لشأن آخر مما يلهو به الناس ويشغلهم عن ذكر الله.
ومن الحب ما لا يرتوي معه العبد من ذكر الله ومناجاته والوقوف بين يديه، ولا ينتهي ظمأُ فؤادِه من الذكر، والدعاء، والصلاة، والعمل في سبيل الله، مهما طال وقوفه، وعمله، وصلاته بين يدي الله.
291
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
وفي الدُّعاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "سيدي أنا من حبك جائع لا أشبع، وأنا من حبك ظمآن لا أُروى، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه"[1].
يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام في المناجاة: "وغُلّتي لا يبردها إلاّ وصلُك، ولوعتي لا يطفؤها إلاّ لقاؤك، وشوقي إليك لا يبلُّه إلاّ النظر إليك"[2].
ومن حب الله (الوله) و(الهيام)، ففي (زيارة أمين الله) "اللّهم إن قلوب المخبتين إليك والهة"[3].
وفي دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: "إلهي بك هامت القلوب الوالهة... فلا تطمئن القلوب إلاّ بذكراك، ولا تسكن النفوس إلاّ عند رؤياك"[4].
وهذه خاصّة القلوب الوالهة والهائمة بأنّها لا تسكن ولا تطمئن إلاّ بذكر الله.
ومن أروع الحب وأبلغه ما نجده في كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلامفي الدُّعاء الذي علّمه لكميل بن زياد النخعي: "فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك؟ وهبني صبرتُ على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك؟ أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك"[5]؟
وهو من أروع لفتات الحب وأصدقها. فهب أنّ العبد يصبر على عذاب نار مولاه، فكيف يصبر على هجره وفراقه وغضبه؟!
والمحب قد يتحمّل عقوبة مولاه، ولكن لا يتحمّل غضبه ومقته له، وقد يتحمّل النار وهي من أقسى العقوبات ولكن لا يتحمّل هجر مولاه وفراقه.
292
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
وكيف يسكن العبد في نار جهنم وهو يرجو أن يعطف عليه مولاه وينقذه منها؟
وهذان (الحب) و (الرجاء) اللذان لا يفارقان قلب العبد وهو يصلى في نار جهنم بغضب من الله تعالى من أروع صور هذا الدُّعاء الجليل.
فقد يحب العبد مولاه، وهو يتنعّم بنعمته وفضله، وهو بالتأكيد من الحب، ولكن الحب الذي لا يزيد عليه حب أن لا يفارق الحب والرجاء قلب العبد وهو يصلى بنار عذاب مولاه.
في دعاء الأسحار المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: "فوعزّتك لو انتهرتني ما برحت من بابك ولا كففت عن تملّقك لما ألهم قلبي من المعرفة بكرمك وسعة رحمتك. إلى من يذهب العبد إلاّ إلى مولاه؟! وإلى من يلتجئ المخلوق إلاّ إلى خالقه؟! إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد، ودللتَ على فضائحي عيون العباد، وأمرت بي إلى النار، وحلت بيني وبين الأبرار ما قطعتُ رجائي منك، وما صرفتُ تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبك من قلبي"[1].
سادساً: الشوق للّه تعالى في مناجاة المريدين
صورة أخرى من صور الشوق والأُنس في أدعية الإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك، وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك. قرّب علينا البعيد، وسهّل علينا العسير الشديد، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون، وبابك على الدوام يطرقون، وإياك بالليل والنهار يعبدون، وهم من هيبتك مشفقون الذين صفّيت لهم المشارب، وبلّغتهم الرغائب، وأنجحت لهم المطالب، وقضيت لهم من فضلك المآرب، وملأت لهم ضمائرهم من حبك، وروّيتهم من صافي شربك فبك إلى لذيذ مناجاتك وصلوا... فكن أنيسي في وحشتي ومقيل
293
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
عثرتي، وغافر زلّتي، وقابل توبتي، ومجيب دعوتي، وولي عصمتي، ومغني فاقتي، ولا تقطعني عنك، ولا تبعدني منك، يا نعيمي وجنتي، ويا دنياي وآخرتي"[1].
وهذه قطعة جليلة من جلائل المناجاة، ورائعة من روائع أدب الدُّعاء، وغرة من غرر كلمات أهل البيت عليهم السلامفي الدُّعاء والتضرّع والحب، صادرة عن قلب واله بحب الله، مشتاق إلى لقاء الله، وهي تستحق الكثير من التأمّل والوقوف.
ونقتصر على الإشارة السريعة إلى بعض الصور والأفكار للحب الإلهي التي تزخر بها هذه المناجاة.
في البدء يطلب الإمام زين العابدين عليه السلام من الله أن يأخذ بيده ويسلك به سبل الوصول إليه وهو خلاصة ما في هذا الدُّعاء، وأجلّ ما فيه من المطالب. فلا يطلب الإمام عليه السلام في هذا الدُّعاء من الله تعالى دنيا ولا آخرة، وإنه لطلب مشروع يحبه الله، ولكنه يطلب القرب، والوصول والجوار، في مقعد صدق عنده مع الأنبياء والشهداء والصديقين.
ولا يقول الإمام عليه السلام (سبيل الوصول) بصيغة المفرد، وإنَّما يقول: (سبل الوصول) بصيغة الجمع، ذلك لأنّ (الصراط) إلى الله تعالى واحد لا يتعدَّد، ولم يذكر القرآن إلاّ صراطاً واحداً.
يقول تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾[2] ويقول: ﴿وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[3]. ويقول: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[4].
وأما (السبيل) فقد ورد بصيغة الجمع في الحق والباطل في القرآن كثيراً.
294
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
يقول تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ﴾[1].
ويقول: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾[2].
ويقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[3].
فقد جعل الله تعالى للناس إليه سبلاً كثيرة يسلكونها إليه وقد اشتهر "إنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق" على لسان العلماء وكل هذه الطرق والسبل تجري على صراط الله المستقيم، ولكن جعل الله تعالى لكل إنسان طريقاً يعرف به ربه، ويسلكه إليه.
فمن الناس من يسلك إليه سبيل العلم والعقل، ومنهم من يسلك إليه سبيل القلب والفؤاد، ومن الناس من يعرف الله بالتجارة والتعامل مع الله، وإن من أفضل السبل أن يتعرّف الإنسان على الله من خلال التعامل المباشر مع الله والأخذ والعطاء. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[4] وقال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[5].
ويطلب الإمام زين العابدين عليه السلام هنا من الله تعالى أن يسلك به سبل الوصول إليه، لا سبيلاً واحداً، فكلّما سلك الإنسان إلى الله تعالى مسالك وسبلاً أكثر كان وصوله إلى جوار الله وقربه أوكد وأقوى وأبلغ.
ثم يسأل الله تعالى بعد ذلك أن يلحقه بأهل البدار من عباده الصالحين الذين يسارعون إلى الله ويطوون ليلهم ونهارهم على طاعة الله وعبادته.
والطريق إلى الله صعب عسير، وعن هذا الطريق يُعبّر القرآن بـ (ذات الشوكة).
295
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
وكثيرون أولئك الذين بدأوا السير على هذا الطريق بعزم وصدق، ثم تساقطوا أثناء الطريق.
والإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام يسأل الله أن يُقرّب عليه البعيد، ويُسهِّل عليه العسير، في هذه الرحلة الشاقة، وأن يلحقه بالصالحين الذين سبقوه (وهو إمام الصالحين) فإن رفقة الأولياء والصالحين على طريق ذات الشوكة، تشد على قلوب الجميع، وتزيد من عزمهم على مواصلة الطريق.
إنّ السير إلى الله صعب، فإذا كان جمع من الصالحين يسيرون على هذا الطريق، يتماسكون، ويتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر...خف عليهم السير على طريق ذات الشوكة.
يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام في طبيعة هذه الرحلة الشاقة والطويلة، وفي طلب التقريب والتخفيف والالتحاق بالصالحين، وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك: "إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك، وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك، قرّب علينا البعيد، وسهّل علينا العسير الشديد، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون، وبابك على الدوام يطرقون، وإياك في الليل والنهار يعبدون"[1].
سابعاً: واردات القلوب ورواشحها
يصف الإمام هؤلاء الصالحين الذين يسأل الله تعالى أن يلتحق بهم بهذا الوصف الجليل الذي يستحق الكثير من التفكير والتأمّل: "الذين صفّيت لهم المشارب، وبلّغتهم الرغائب... وملأت لهم ضمائرهم من حبك، وروّيتهم من صافي شربك"[2] فما هو هذا الشراب الصافي الطهور الذي يسقيهم ربهم في الدنيا؟
296
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
وأي إناء هذا الإناء الذي يملأه الله من حبه؟
إنّ هذا الشراب الصافي هو شراب (الحب) و(اليقين) و(الإخلاص) و(المعرفة). والإناء هو (القلب).
وقد رزق الله تعالى الإنسان أوعية كثيرة للمعرفة واليقين والحب، ولكن (القلب) هو أعظم هذه الأواني جميعاً وأوعاها.
فإذا صفّى الله تعالى لعبده شرب قلبه، وسقاه شراباً صافياً طهوراً، كان عمله وكلامه وعطاؤه أيضاً صافياً ونقياً مثل شرابه.
"فإنّ بين واردات القلب وصادراته تشابهاً ومسانخة. فإذا كانت واردات القلب نقية صافية، من نمير نقي عذب، كانت صادرات القلب تشبهها، فيكون فعل العبد، وكلامه، ورأيه، وأخلاقه، وموقفه، وعطاؤه صافياً عذباً. وإذا كانت واردات القلب قذرة أو مشوبة بالقذارة مما يوحيه الشياطين إلى أوليائهم، كانت صادرات القلب لا محالة تشبهها من كذب ونفاق وشح وإعراض عن الله ورسوله"[1].
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ في القلب لمّتين: لمّة من الملك, إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمّة من العدو, إيعاد بالشر وتكذيب للحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنَّه من الله، ومن وجد الآخر فليتعوّذ بالله من الشيطان, ثم قرأ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً﴾[2]"[3].
ولمّة الملك هي الواردات الربّانية إلى القلب. ولمّة الشيطان هي الواردات الشيطانية إلى القلب.
أرأيت (النحل) إذا أخذ من رحيق الأزهار أعطى الناس عسلاً حلواً شهياً، فيه
297
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
شفاء للناس، وإذا أخذ طعامه من موارد غير صافية وغير نقية كان عطاؤه كذلك، بطبيعة الحال. يقول الله تعالى عن خليله ونبيه إبراهيم وإسحاق ويعقوب: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾[1].
وإن هذا الوصف الجليل الذي يصف الله تعالى به عطاء هؤلاء الأنبياء الكبار، وهو القوة والبصيرة: ﴿الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ هو نتيجة هذا الشرب الخالص الذي آتاهم الله تعالى: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾.
ولولا أن الله تعالى أخلصهم بهذه الخالصة من ذكرى الدار، لم (تكن لهم قوة ولا بصيرة) إذن لكي يصفو عمل الإنسان لا بد من أن يصفو شربه، والقلب يعطي ما يأخذ.
298
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
مفاهيم رئيسة
1- يُعرّف الحب في تعريفات أهل الحكمة بأنه عبارة عن ذلك التعلق الخاص والانجذاب الخاص الشعوري بين الإنسان وبين كماله أيّاً كان ذلك الكمال، والذي يختلف أيضاً بين إنسان وآخر.
2- الحب هو الإيمان والإيمان هو الحب، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "الدين هو الحب والحب هو الدين".
3- العبادة إن كانت عن حب وشوق ولهفة فلا تفوقها لذة وحلاوة. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي ما أطيب طعم حبك وما أعذب شرب قُربك".
4- لا ينفصل الحب عن العمل، فمن أحب كانت أمارة حبه العمل والحركة والجهد. ولكن الحب يجبر عجز العمل، ويشفع لصاحبه كلّما قصر عمله، وهو شفيع مشفَّع عند الله تعالى.
5- للحب درجات متنوعة، فمن الحب الفائق ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام في دعائه: "سيدي أنا من حبك جائع لا أشبع، وأنا من حبك ظمآن لا أُروى، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه"
6- يذكر الإمام زين العابدين شوقه إلى الله تعالى فيقول في مناجاة المريدين: "وملأت لهم ضمائرهم من حبك، ورويتهم من صافي شربك فبك إلى لذيذ مناجاتك وصَلُوا".
7- هناك ما يروي قلوب المحبّين بشراب خاصّ، فقد قال الإمام السجّاد عليه السلام في مناجاته: "الذين صفّيت لهم المشارب، وبلَّغتهم الرغائب... وملأت لهم ضمائرهم من حبك، ورويتهم من صافي شربك" وهذا الشّراب هو شراب (الحب) و(اليقين) و(الإخلاص) و(المعرفة). والإناء هو (القلب).
328
299
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام
للمطالعة
الطريقة الناجعة في الاستغفار
ليس الاستغفار خاصّاً بفئة لكي نقول: فليستغفر أصحاب الذنوب الكثيرة. لا، يجب على جميع البشر أن يستغفروا، حتّى من هو في مرتبة النبوّة. ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾[1] فحتّى الرسول، لا بدّ له من الاستغفار.
والاستغفار يكون من ذنبٍ قد ارتكبناه، أو من الذنوب الأخلاقية. فلنفترض أنّ شخصاً ما، لا يكذب، لا يستغيب، لا يظلم، لا يعصي، لا يتّبع شهواته، لا يهين أحداً، لا يتعدّى على مال أحد ـ وهذا النوع من الأشخاص قليلٌ جداً طبعاً ـ ولكنّ كثيراً من الأشخاص الذين لا يرتكبون المعاصي الجوارحيّة، يبتلون بالمعاصي الجوانحيّة ـ أي الذنب الأخلاقي ـ. ولكن نفس هذا الشخص الذي لا يرتكب أيّ ذنب، وعندما يكون بين الناس مثلاً فينظر إليهم ويقول هؤلاء المساكين، كم يرتكبون من المعاصي، أما نحن بحمد الله، فقد حفظنا أنفسنا فلا نذنب، فقد اعتبر نفسه أفضل من الناس، وهذا بحدّ ذاته ذنب، وسقوط ونكسة، وبحاجة إلى استغفار. فاحتقار النّاس، واعتبارهم أقلّ شأناً، وادّعاء الشخص قيمة أكبر لعمله من قيمة العمل الذي يقوم به الآخرون، أو أن يكون هناك من يعاني من صفات أخلاقيّة بشعة، كالحسد والطمع والزهوّ، كل ذلك بحاجة للاستغفار"[2].
300
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهمية وفضل زيارة عاشوراء.
2- يشرح "السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره".
3- يفهم علاقة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بالثأر للإمام الحسين عليه السلام.
331
301
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
تمهيد
لقد ورد إلينا عن طريق آل البيت عليهم السلام زيارات عديدة يزار بها الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، بعضها ورد في أوقات وأمكنة معينة، والبعض الآخر يعد من الزيارات المطلقة من حيث الزمان والمكان. ومن هذه الزيارات الشَّريفة، الزِّيارة المعروفة بزيارة "عاشوراء"، والتي دأب على قراءتها أغلب علمائنا والسلف الصالح ممن مضى، وكذلك هو ديدن جمهور محبي آل البيت عليهم السلام في التمسّك بهذه الزِّيارة الشَّريفة وقراءتها، لما روي لها من الفضل العميم، والآثار الباهرة في الدنيا والآخرة.
ولقد وردت هذه الزِّيارة في كتابين هما (كامل الزيارات) للشيخ جعفر بن قولويه رضوان الله عليه و(مصباح المتهجّد) لشيخ الطائفة الطوسي رضوان الله عليه، وإنَّما نُقلت هذه الزِّيارة في سائر الكتب عن الكتابين المذكورين. وقد بحث العديد من العلماء الأعلام في سند هذه الرواية، وانقسمت حوله الآراء إلى من قال بصحته، وبأنه حسن، وأنه ضعيف. وعلى كلّ حال، فإنّ النقاش في هذه المسألة موكولٌ إلى محله. ولكن يمكن لنا أنْ نعتمد في جميع الأحوال على مبنى من يقول باعتبار هذه الزِّيارة مضافاً إلى شهرتها بين الأصحاب اعتماداً على من يقول بكبرى الجابرية، وإلا فيمكن أن يضاف
332
302
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
إلى ذلك كله مطابقة متن الزِّيارة تارة ومضمونها أخرى مع زيارات وروايات مروية عن الآل عليهم السلام[1].
أولاً: فضل الزِّيارة
جاء في ذيل زيارة عاشوراء وبعد دعاء صفوان ذكر عدد من الفضائل التي اختصَّت بها هذه الزِّيارة، ومنها:
1- قبول الزِّيارة: فقد روى صفوان أنّ أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أخبره: "أنّ تعاهد هذه الزِّيارة وادع بهذا الدُّعاء وزر به فإنّي ضامن على الله تعالى لكل من زار بهذه الزِّيارة ودعا بهذا الدُّعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة"[2].
2- قضاء الحوائج: ففي المروي عنه عليه السلام أيضاً أن: "سعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب وحاجته مقضية من الله بالغاً ما بلغت ولا يخيبه"[3].
3- فوائد هذه الزِّيارة مضمون تحقّقها عند الله تعالى: وقد روي أيضاً عنه عليه السلام: "يا صفوان! وجدت هذه الزِّيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي وأبي عن أبيه علي ابن الحسين عليهم السلام، مضموناً بهذا الضمان، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان، والحسن عن أبيه أمير المؤمنين مضموناً بهذا الضمان، وأمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضموناً بهذا الضمان، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل عليه السلام مضموناً بهذا الضمان، وجبرائيل عن الله عز وجل مضموناً بهذا الضمان"[4].
303
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
4- قبول الشَّفاعة في المسائل: وروي عنه عليه السلام أنَّه: "قد آلى الله على نفسه عز وجل أن من زار الحسين عليه السلام بهذه الزِّيارة من قرب أو بعد ودعا بهذا الدُّعاء، قبلت منه زيارته وشفعته في مسألته بالغاً ما بلغ وأعطيته سؤله، ثم لا ينقلب عني خائباً وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حاجته"[1].
5- الوعد بالجنة: وروي عنه عليه السلام أيضاً: "والفوز بالجنة والعتق من النار"[2].
6- قبول الشَّفاعة في الأشخاص: وروي عنه عليه السلام أيضاً: "وشفَّعته في كلّ من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت آلى الله تعالى بذلك على نفْسِهِ وأشهدنا بما شهدت به ملائكة ملكوته على ذلك"[3].
ثانياً: شرح مختصر لفقرات من الزِّيارة
1- "السَّلامُ عليكَ يا بْنَ رَسُولِ الله"
تبتدئ الزِّيارة بـ "السلام عليك يا أبا عبد الله"، وهي الكنية المشهورة التي يكنّى بها الإمام الحسين عليه السلام، ثم تذكر أنّ الحسين عليه السلام هو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي هذه الفقرة إشارة إلى إحدى المسلّمات لدى الشيعة الإمامية، وهي كون الأئمة الاثني عشر هم أبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كانوا من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام. وقد استدل على هذا المعنى بالأدلة الكثيرة، منها قوله تعالى في آية المباهلة: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾[4]. إذ روى الرازي في تفسيره قصة المباهلة بأكملها، ثم عطف وقال: "وروي أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج في المرط الأسود، جاء الحسن (رضي الله عنه) فأدخله، ثم جاء الحسين (رضي الله عنه) فأدخله، ثم فاطمة ثم علي (رضي
304
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
الله عنهما) ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[1]. واعلم أن هذه الرواية من المتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث"[2].
كما روى البخاري في كتابه (جامع الصحيح) رواية عن أبي بكرة فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر والحسن إلى جنبه، ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة، ويقول: "ابني هذا سيد، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين من المسلمين"[3]. هذا من الأخبار الواردة في كتب أهل السنة، وأما عندنا فالأمر بيّن لا يحتاج لدليل.
2- "السلام عليك يا بن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين"
تؤكّد هذه الزِّيارة الشَّريفة على جملة اعتقادات أساسٍ ينبغي أن تكون موجودة عند جمهور المسلمين، ومنها التسليم بإمرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وبأنه الوصي المنتجب من بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما معنى الوصي، فهو الذي "يتحمّل مسؤولية القيام بأعمال الموصي بشكل كامل دون زيادة أو نقصان، وتؤخذ الوصية في زمان حياة الموصين، وبما أن مهمة الأنبياء عليهم السلام تتعلّق في نشر الأحكام الإلهية وهداية الناس إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى والعمل الصالح، ولذا فالموصى يكون نائباً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في القيام بهذه الأمور المهمة"[4]، وقد علمنا أنّ من يقوم بهذا الأمر من بعد النبي هو الإمام علي عليه السلام للروايات الكثيرة بين الفريقين التي يفيد منطوقها بذلك وإن أُوّلت أو فهمت على غير معناها، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب المناقب للخوارزمي
305
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
(الحنفي) أنَّه قال: "يا علي، أنت وصيّي: حربك حربي، وسلمك سلمي"[1].
وعن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للزهراء عليها السلام: "إنّ الله سبحانه وتعالى اطَّلع على أهل الأرض فاختار منهم لك زوجاً، وأمرني أن أزوجك منه وأنْ أتّخذه وصياً لي من بعدي"[2].
وعن الإمام علي بن موسى الرض عليه السلام عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لكلّ نبيٍّ وصيٌّ، وعليٌّ وصيِّي في عترتي وفي أهل بيتي وفي أمتي من بعدي"[3].
وبالتالي، فإنّ انتساب الإمام الحسين عليه السلام إلى والده عليه السلام بكونه أمير المؤمنين وسيّد الوصيين، يحمل في ذاته دلالةً على أن قيام الإمام الحسين عليه السلام بالثورة إنَّما هو لأجل إعادة الحق إلى أهله، والقيام بشؤون الوصاية كما شاء الموصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3- "السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره"
"الثأر هو الطلب بالدم"[4] كما ورد في معاجم اللغة، وقد أضيف الثأر هنا إلى ذات الله تعالى، فالمعنى أنّ صاحب الثأر، أي الطالب بالدم هو الله تعالى.
وأما ابن ثاره، فإنّ الهاء هنا تعود إلى الله تعالى، والانتساب بالبنوة يعود إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا يعني أن الإمام علي عليه السلام هو ثار الله أيضاً، فكان الوالد والولد عليه السلام هما ثارا الله تعالى الذي سيأخذ بثارهما.
[1] الخوارزمي، الموفق بم أحمد بن محمد المكي: المناقب، ص129، الشيخ مالك المحمودي(تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411هـ، ط2.
[2] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج8، ص253.
[3] الخوارزمي، المناقب، ص90.
[4] الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد: العين، ج8، ص236، مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي(تحقيق)، قم، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ، ط1.
336
306
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
وما نريد أن نقف عنده هو المعنى العميق لهذه الجملة المباركة، وهي أن ربط الثأر بالله تعالى، دليلٌ على عدة أمور:
- أن القضية التي قتل من أجلها كلا الإمامين عليهما السلام، قضية توحيدية. فالإمام علي عليه السلام إنَّما قاتل أهل البدع وأصحاب الرأي المخترع، الذين كادوا يذهبون بحقيقة الدين الإسلامي القائم على الرؤية التوحيدية للعالم، ووصل الخطر إلى كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فمال بهما أصحاب البدع إلى سبيل الظلم والاعتداء على دين الله وعباده وتغيير أحكامه، ولذلك قال له النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل"[1]. والإمام الحسين عليه السلام كذلك إنَّما قام من أجل دين الله تعالى، فقال روحي فداه في مسيره إلى كربلاء: "إنّ هذه الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"[2]، ليظهر لك أنَّ قضية الإمام الحسين عليه السلام كانت قضية ذلك الدين الآيل إلى البوار.
- أنّ ولي الدم الحقيقي، هو الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك كلّ التصريح بقداسة ذلك الدم الزاكي، وبالتالي فإنّ قضية الأخذ بالثأر تدخل تحت عنوان إرادة الله وقدرته التي لا يمكن إلا وأن تتنجّز وتتحقّق، لأن إرادة الله لا تعرف الخلف
307
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
والنقض، وهو واضح. وسنرى فيما يأتي من الصفحات أن هذا الثأر الإلهي قد أمضاه الله تعالى مؤجّلاً في الدنيا ليكون على يد إمام "ظاهر ناطق"[1].
4- "يا أبا عبد الله، إني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، إلى يوم القيامة"
في هذا المقطع من الزِّيارة الشَّريفة، يقوم الزائر بإعلان موقف الولاء العملي لأهل البيت عليهم السلام، ويتكرّر هذا المعنى في مورد آخر من الزِّيارة: "وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم".
لقد ذكرت المصادر من الفريقين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لابنته الزهراء عليها السلام ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم"[2]، وقوله: "حربك حربي وسلمك سلمي"[3].
وقد ذكر الترمذي في صحيحه، بسنده عن زيد بن أرقم: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم"[4].
وبالتالي، فإنّ المحارب للإمام الحسين عليه السلام هو محارب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمحارب له محارب لله تعالى، والمحارب له تعالى كافر على ما ثبت في الكتاب والسنّة. ولذلك ورد عن الإمام الحسين عليه السلام أنَّه قال في صحراء كربلاء بعد مقتل القاسم بن الحسن عليه السلام: "اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً"[5]، ودعاء الإمام عليه السلام عليهم بالقتل وعدم قبول المغفرة دليل على شركهم وكفرهم العمليين إن لم نقل بالاعتقاديين.
[1] مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ص775.
[2] مسند أحمد، ج2، ص442. (نسخة مكتبة أهل البيت عليهم السلام الالكترونية).
[3] الخوارزمي، المناقب، ص129.
[4] الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، ج5، ص360، عبد الرحمن محمد عثمان(تحقيق)، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1983م، ط2.
308
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
أضف إلى ذلك كله، أنَّ في المقطع المذكور من الزِّيارة، تحديداً لموقف الإنسان المسلم بضرورة كونه إلى صفِّ الإمام وآل البيت عليهم السلام في قبال أعدائهم، وهي إشارة إلى حقيقة التولي والتبري التي قام عليها الإسلام، والتي لها شواهد كثيرة من القرآن والسنّة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[1].
فموقف الإنسان ينبغي أن يكون مع هؤلاء الذين ولايتهم هي ولاية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وولاية لله تعالى... إلى يوم القيامة، مهما اشتدَّت الظروف وتقلّبت الأحوال.
5- "أن يرزقني طلب ثأري مع إمام هدى ظاهر ناطق منكم"
لقد أسلفنا فيما سبق أن ثأر الإمام الحسين عليه السلام وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو ثأر الله تعالى، ولكننا نجد في هذه الفقرة أن نسبة الثأر إنَّما هي للزائر نفسه فيقول "ثأري" وربما يكون السبب في ذلك أنَّ "الموالي والمحب لأهل البيت عليهم السلام يرى الضرر أو السوء المتوجّه إليهم عليه السلام كإنَّما هو متوجّه إلى نفسه، وذلك حسب الاتصال الفطري والروحي معهم"[2].
ومن المهم أن نلفت النظر إلى أنَّه وبعد الأخذ بالمعنى الظاهري لهذه الفقرة وهو أن الإنسان ينبغي أن يأخذ بالثأر من أولئك القتلة كما لو أنهم قتلوا أحداً يخصه من أبنائه أو آبائه، فإنه من المهم الالتفات أن الجريمة الكبرى التي ارتكبها أولئك القوم هي قتلهم لروح الإسلام ودين الله تعالى إضافة إلى القتل الجسدي، فتكون الجريمة مضاعفة، وتكون آثاره تشمل جسد الإمام الحسين عليه السلام وكذلك تشمل أتباعه الذين حرموا من فيض وجوده، وبالتالي ينبغي الثأر أيضاً لقتلهم الروح المعنوية والآثار الكمالية التي فقدها الأتباع بفقد الإمام وقتله، ولذلك تجد في زيارة الإمام
309
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قوله: "السلام على محيي المؤمنين"[1]، وهي إشارة إلى أن الذي يحقِّق التمام في إعادة الإسلام إلى طريق الصواب الأتم هو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يكمل مسيرة جده الحسين عليه السلام، ويكون طالباً بثأره على المستويين المتقدمين: مستوى القتل الجسدي، ومستوى القتل المعنوي.
ولا ريب أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ينتظر اكتمال عدد أصحابه ليظهر حاملاً راية الأخذ بالثار، وهذا الهدف السامي هو مهوى قلوب العاشقين المخلصين، الذين لا يرضون بسقوط الراية، ويقفون إلى جانب صاحبها في ذلك الزمان الأخير.
[1] الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي الجزيني: كتاب المزار، ص208، قم، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، 1410هـ، ط1.
340
310
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
مفاهيم رئيسة
تعد الزيارة المسماة بزيارة عاشوراء، من الزيارات المشهورة، والتي روي استحبابُ المداومة عليها عن بعد وعن قرب.
أشكل البعض على ضعف سندها، لكن يمكن لنا أنْ نعتمد على مبنى من يقول باعتبار هذه الزِّيارة، مضافاً إلى شهرتها بين الأصحاب،وكذلك مطابقة متن الزِّيارة تارة ومضمونها أخرى مع زيارات وروايات مروية عن الآل عليهم السلام.
من فضائل هذه الزيارة الشريفة أنّها: مقبولة عند الله، تقضي الحوائج، بها تقبل الشَّفاعة في المسائل، وقارئها موعود بالجنَّة، بها تقبل الشَّفاعة في الأشخاص.
قوله: "السَّلامُ عليكَ يا بْنَ رَسُولِ الله" فيه إشارةٌ إلى إحدى المسلَّمات لدى الشِّيعة الإمامية، وهي كون الأئمة الاثني عشر هم أبناء النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كانوا من جهة فاطمة الزَّهراء عليها السلام.
قوله: "السَّلام عليك يا بن أمير المؤمنين وابن سيِّد الوصيين"، فيه تأكيد على ضرورة التسليم بإمرة الإمام علي عليه السلام وبأنّه الوصي من بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله: "السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره"، فيه إضافة الثأر إلى ذات الله تعالى، فالمعنى أنّ صاحب الثأر، أي الطالب بالدم هو الله تعالى. وأما ابن ثاره، فإن الهاء هنا تعود إلى الله تعالى، والانتساب بالبنوة يعود إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا يعني أن الإمام علي عليه السلام هو ثار الله أيضاً.
قوله: "يا أبا عبد الله، إني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، إلى يوم القيامة"، معناه أن المحارب للإمام الحسين عليه السلام هو محارب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمحارب له محارب لله تعالى، والمحارب له تعالى كافر على ما ثبت في الكتاب والسنّة.
341
311
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء
للمطالعة
وقت الاستغفار والدعاء
أعزّائي! إنّ الإنسان الذي يتمكّن من التحرّك في سبيل الله ويجعل الله راضياً عنه، ولا يسمح للشهوات أن تأسره، هو إنسان يعيش الحياة بأعلى صورها وأكمل أنواعها. أمّا الإنسان الذي يقع أسير الشهوة والغضب والأهواء النفسانيّة ورغباته وعواطفه فهو إنسان حقير، مهما يكن بحسب الظاهر عظيماً وصاحب مقام. فرئيس أعظم دول العالم التي تمتلك أعظم ثروات العالم، الذي لا يستطيع مواجهة رغبات نفسه ومقارعتها، ويقع أسيراً لها هو إنسان صغير. أمّا الإنسان الفقير الذي يستطيع التغلّب على رغباته، وسلوك الطريق الصحيح ـ طريق الكمال الإنساني والخدمة ـ فهو إنسان عظيم....
أعزّائي! عندما نموت، سندخل عالماً آخر. يجب أن نستعدّ لذلك اليوم. إنّ كلّ ما وضع الله بأيدينا، كلّ هذه الدنيا، كلّ هذه الثروات، كلّ هذه الطاقات، جميع ما أراده الله للبشر ـ من حكومة عادلة، حياة مرفّهة، وغيره ـ إنّما هو من أجل أن يخلق فرصة للإنسان لكي يهيّئ نفسه لذلك العالم. استعدّوا، اشعروا بالأنس مع الله، ناجوا الله، اذكروه واستغفروه.
وهكذا، فالذين يُقبلون على الله تعالى على هذه الشاكلة، ويطهّرون قلوبهم، ويصرفون وجوههم عن المعاصي، ويصمّمون على فعل الخير، هم موجودات عظيمة، تستطيع مواجهة مشاكل هذا العالم"[1].
312
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
الفصل الرابع
كتب الأدعية
والزيارات المعتبرة
الكفايات:
1- يحدّد أهمية الاستناد إلى الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات.
2- يعرف أهم الكتب الخاصة بالأدعية والأعمال العبادية.
3- يتعرّف إلى أهم كتب الزيارات المعتبرة.
4- يربط بين الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات وبين مؤلّفيها من كبار علماء الطائفة.
5- يعتمد على كتب الأدعية والزيارات المعتبرة في أدعيته وزياراته.
343
313
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات (1)
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يبيّن أهمية الاستناد إلى كتب الأدعية المعتبرة.
2- يعرف أهم ميّزات كتب الأدعية المعتبرة.
3- يشرح نبذة عن بعض الكتب الأساسية في الأدعية والزيارات: (البلد الأمين، فلاح السائل، الدروع الواقية، مصباح المتهجّد).
345
314
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
تمهيد
إنَّ الأهمية العالية التي يتمتّع بها كلّ من الدُّعاء والزِّيارة في ديننا الإسلامي، إنْ من حيثُ المضامين العقائدية والفكرية، أو المنهج التربوي والمعنوي، التي يحتوي عليها الدُّعاء، تفرض علينا العمل على الالتزام بالأدعية التي وردت عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، وقد عرفنا أنّ الطريق إلى تحصيل هذا الأمر ميسّر بشكل عام، خاصّة في ظل وجود كتبٍ معتبرة جمعت بين دفتيها أهم الأدعية والزيارات.
أولاً: ميزات كتب الأدعية المعتبرة
لقد أنجز علماؤنا القدامى الأجلاء مهمةَ جمع العديد من الأدعية التي وردت إليهم من طريق أهل البيت عليهم السلام، والشَّيءُ المهمُّ في هذه الكتب الجليلة:
1- التنوّع المضموني: أنّها تتميّز بتنوّع كبيرٍ في تبويبها وعنونتها وتفصيلها. إذ تجد في كتب الأدعية كتباً تختص بأعمال الأيام، وأخرى بأعمال الشهور، وأخرى بأعمال السَّنة، وأخرى بأعمال أشهر النّور، وهلمّ جرّاً. وتجد كذلك كتب أدعيةٍ للمهمات، كتبَ أدعية السفر، والمرض، والحاجات...الخ.
2- إشراف العلماء الأجلّاء عليها: تتميّز هذه الكتب بأنّها قد أشرف على جمعها والعناية بها نخبة من علمائنا الكبار من الفقهاء والعرفاء والمحدّثين وغيرهم،
346
315
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
فتجد من بين المؤلِّفين لهذه الكتب على سبيل المثال: الشيخ الصدوق رحمه الله والشيخ المفيد رحمه الله، والشيخ الطوسي رحمه الله والسيد ابن طاووس رحمه الله، والشهيد الأول رحمه الله، والقطب الراوندي رحمه الله، والشيخ الكفعمي رحمه الله. ومن هنا تعلم كم أنّ هذه الكتب التي وصلت إلينا من بين أيدي هؤلاء الفطاحل تشكّل بالنسبة إلينا ثروة علمية ومعنوية كبرى.
3- تضمُّنها لأدعيةٍ فُقدت أصولها: من الأمور الهامَّة أيضاً أنَّ هذه الكتب تتضمَّن أدعيةً نقلها علماؤنا المتقدِّمين من أصولٍ لم تعدْ موجودةً وفُقِدَ أثرُها، كما حصل مع العديد من الأصول التي باغتها الزَّمان والتضييق والمطاردة، وما سلم منها إلا ما نقله بعض أولئك العلماء الأجلة في كتبهم. وممّا يُذكر عن السيد ابن طاووس الذي استخرج كتبه من الكتب التي كانت عنده: "وفقد أكثرها بعده مثل مدينة العلم للصدوق الذي ينقل عنه في (فلاح السائل)"[1]. ولذلك فإنَّ القيمة العلمية لبعض هذه الأدعية تنبع من ورودها في تلك الأصول وبقائها في كتب الأدعية والزيارات التي جمعها أولئك الأجلة رحمهم الله تعالى.
4- حرص مؤلّفيها على العمل بها: وكذلك ينقل العديد من العلماء أنّ بعض هذه الكتب التي سوف تطلّع عليها عمّا قليل، لم يكن جامعها ليضعها بين الدفتين إلا بعد أن يقوم هو بنفسه بتطبيق ما فيها من أعمال وأوراد وأدعية ومستحبات، لكي يكون جمعها مبنياً على العمل المطابق للقول والإخلاص المتضمّن في الأفعال، ولذلك تجد بعض هذه الكتب قد نال شهرة طارت في الآفاق، كالمصباح والإقبال ومفاتيح الجنان وغيرها.
[1] من مقدمة التحقيق لكتاب "المجتنى من دعاء المجتبى" للسيد ابن طاووس، ص32. ابن طاووس، السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس: المجتنى من الدعاء المجتبى، صفاء الدين البصري(تحقيق)، (مكتبة أهل البيت عليهم السلام النسخة الإلكترونية).
347
316
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
ثانياً: نماذج من كتب الأدعية والزيارات (1)
1- "مصباح المتهجّد" للشيخ الطوسي[1] رحمه الله: وقد جمع فيه عبادات السنة، ما يتكرّر منها وما لا يتكرّر، و"أضيف إليها الأدعية المختارة عند كلّ عبادة على وجه الاختصار، دون التطويل والإسهاب، فإن استيفاء الأدعية يطول، وربما ملَّه الإنسان وتضجّر منه، وأسوق ذلك سياقةً يقتضيه العمل وذكر ما لا بد منه من مسائل الفقه فيه دون بسط الكلام في مسائل الفقه وتفريع المسائل عليها والمقصود من هذا الكتاب مجرد العمل وذكر الأدعية التي لم نذكرها في كتب الفقه، فإنّ كثيراً من أصحابنا ينشط للعمل دون التفقّه وبلوغ الغاية فيه، وفيهم من يقصد التفقّه، وفيهم من يجمع بين الأمرين"[2]. وقد كان هذا الكتاب مصدراً للعديد من الكتب الجليلة التي ألّفها علماؤنا في الأدعية والعبادات، ومنها "اختيار المصباح" لمصنفه ابن الباقي والذي يستمد مادته وأدعيته من كتاب "مصباح المتهجّد" كما هو معلومٌ من اسمه.
وكذلك العلامة الحلّي الرّجل الفذّ والعملاق في كلّ علمٍ من العلوم الإسلاميّة لما عزمَ على تصنيف كتاب في الدُّعاء نظرَ في مصباح المتهجّد واستمدَّ منه الأدعية وجعل كتابه هذا على أساس المصباح وسمّاه (منهاج الصلاح).
[1] الشيخ الطوسي وهو محمد بن الحسن بن علي الشيخ الطوسي، وقد قال عنه النجاشي:"جليل في أصحابنا، ثقة، عين". له كتب، منها: كتاب تهذيب الأحكام، وهو كتاب كبير، وكتاب الاستبصار، وكتاب النهاية، وكتاب المفصح في الإمامة، وكتاب مصباح المتهجّد في عمل السنة كبير، وعن الوحيد البهباني (قدس سره): "قال جدي رحمه الله: كان (الشيخ الطوسي) مرجع فضلاء الزمان، وسمعنا من المشايخ وحصل لنا أيضا من التتبع أن فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين، يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة، ومن العامة ما لا يحصى". السيد الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، ج16، ص257.
317
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
2- "فلاح السائل" للسيد ابن طاووس قدس سره: وهو من أمّهات الكتب في مكتبة الدُّعاء عند الشيعة الإمامية، إذ أنّ مؤلّفه السيد ابن طاووس رحمه الله[1] قد ذكر فيه أنَّه حاول أن ينقل جميع ما ورد في كتابه من طرق خواصه من أصحابه الثقات كما يذكر هو في مقدمة كتابه[2]. وفضلاً عن ذلك، وبسبب عناية السيد ابن طاووس بتأليفه وبذله الغاية في جمع ما فيه فإنه ينصح العامل بما في كتابه فيقول له: "أقول وإذا وقفت على كتابنا هذا فلعلك تجد فيه من الهداية إلى جلاله والدلالة على وجوب العناية باقباله وكشف طريق التحقيق لأهل التوفيق ما يدلك على أن هذا ما هو من كسبنا واجتهادنا بل هو ابتداء من فضل المالك الرحيم الشفيق"[3]. وما يميّز هذا الكتاب، أنّ مؤلّفه صاغ فصوله لأعمال اليوم والليلة، غير أنَّه قدّم فصولاً في فضل الدُّعاء وصفة الدَّاعي وفي ضرورة الاتصاف بالطهارة وشروطها، ثم سرد الأعمال والأوراد التي ينبغي المواظبة عليها في الليل والنهار, وعلاوة على ذلك تجد في الكتاب لطائف وفوائد معنوية هامة يقوم المؤلف بإيرادها في كلّ آنٍ، ويذكر بعض القصص عن السالكين والعارفين، وخواطر تخطر على باله من مواعظ ونصائح.
[1] السيد ابن طاووس: وهو السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد: ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الحسيني رضي الدين قدس سره من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر، عظيم المنزلة، كثير الحفظ، نقي الكلام، حاله في العبادة والزهد أشهر من أن يذكر. له مصنفات كثيرة منها: كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر في ثلاث مجلدات. وكتاب فتح الأبواب بين ذوي الألباب، وكتاب رب الأرباب في الاستخارات، وكتاب فلاح السائل ونجاح المسائل في عمل اليوم والليلة. وكتاب الدروع الواقية من الأخطار فيما يعمل كلّ شهر على التكرار، وكتاب الأمان من أخطار الأسفار والأزمان، وكتاب محاسبة النفس، وكتاب سعد السعود، وكتاب مهج الدعوات. السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج13، ص202.
[2] السيد ابن طاووس، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس: فلاح السائل، ص 9–12. (مكتبة أهل البيت عليهم السلام النسخة الألكترونية).
318
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
3- "الدروع الواقية" للسيد ابن طاووس قدس سره: وهذا الكتاب ضمّنه مؤلّفه رحمه الله جملة واسعة من الآداب الإسلامية المختلفة، والأدعية والأحراز المختصة بأيام الشَّهر مرتّبة ضمن فصول، "أراد منه أن يكون من تتمّات كتاب (مصباح المتهجّد) لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله تعالى (توفي 460 هـ(، الواقعة في عشرة أجزاء، حيث أسماها رحمه الله بـ (المهمات والتتمات)، والتي منها: كتاب (إقبال الأعمال) المختص بأعمال السنة، وكتاب (الدروع الواقية) في أعمال الشهر. كتاب (جمال الأسبوع) في أعمال أيام الأسبوع، وكتاب (فلاح السائل) في أعمال اليوم والليلة[1]. ولعل التأمّل البسيط في مجمل فصول هذا الكتاب المهم والسِّفر القيم يكشف عن القدرة الرائعة لمؤلّفه رحمه الله في انتقاء الدرر المبعثرة في تراث الدُّعاء الخالد لمدرسة أهل البيت عليهم السلام وتنضيده في عقد جميل برّاق قل أن يكون له نظير، فلا غرو أن يحظى بهذه المنزلة الكبيرة والاهتمام الجدي من قبل العلماء والباحثين، وعموم المؤمنين.
4- "إقبال الأعمال" للسيّد ابن طاووس: "كتاب الإقبال بالأعمال الحسنة فيما نذكره مما يعمل ميقاتاً واحداً كلّ سنة"، وقد ذكر فيه "أعمال سائر الشهور، وهو في مجلدين: أشار في المجلد الأول من كتاب الإقبال فوائد شهر شوال وشهر ذي القعدة وشهر ذي الحجة، وذكر في المجلد الثاني منه أعمال بقية الشهور"[2]. في هذا الكتاب الكبير الموزّع في ثلاثة مجلدات تجد أنّ المؤلّف قد شحن هذا الكتاب بالعديد من النّصائح الأخلاقية، والتي تتضمّن أحياناً بعض الأمور النّظرية التي تدخل في علم الأخلاق والعرفان، وأحياناً تجدُ فيها لمحات
319
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
من السيرة والتاريخ فيما يختص بأهل البيت عليهم السلام، والنكات التربوية واللطائف في علاقة الإنسان بمعبوده، مما يجعل من هذا السِّفر النفيس حديقةً غناء يتصيَّد فيها الإنسان الفوائدَ أينما توجَّه وكيفما التَفَت.
5- "البلد الأمين" للكفعمي: لصاحبه "الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الشيخ زين العابدين الحارثي الهمداني العاملي الكفعمي اللويزي الجبعي. أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والأدب، الناشرين لألوية الحديث والمستخرجين كنوز الفوائد والنوادر، وقد استفاد الناس بمؤلفاته الجمة، وأحاديثه المخرجة، وفضله الكثير، كلّ ذلك مشفوع منه بورع موصوف، وتقوى في ذات الله، إلى ملكات فاضلة ونفسيات كريمة"[1] كما يصفه بذلك العلامة الأميني رحمه الله في كتابه "الغدير". ويعد هذا الكتاب من الكتب التي جمعت بين دفتيها فوائد جمة من أدعية الأيام والليالي وأعمال الليالي والأشهر، والأحراز، وبعض الأدعية المشهورة والأخرى التي لم تعد متداولة في الكتب الحديثة. كما أن جملةً من كتب الأدعية التي جاءت بعده أخذت منه، ذلك أنّ الشيخ الكفعمي رحمه الله كان معروفاَ بحسن انتقائه للأدعية وتبويبه لها.
320
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
مفاهيم رئيسة
1- لقد أنجز علماؤنا القدامى الأجلاء مهمةً جمع العديد من الأدعية التي وردت إليهم من طريق أهل البيت عليهم السلام، وهذه الكتب وصلت إلينا مشحونة بالأدعية والأعمال العبادية.
2- تتميز هذه الكتب بالتنوع المضموني إذ أنّها تتميز بتنوّع كبيرٍ في تبويبها وعنونتها وتفصيلها.
3- تتميز هذه الكتب أيضاً بإشراف كبار العلماء الأجلاء عليها، كالشيخ
الصدوق رحمه الله والشيخ المفيد رحمه الله، والشيخ الطوسي رحمه الله والسيد ابن
طاووس رحمه الله، والشهيد الأول رحمه الله.
4- تتميّز هذه الكتب باشتمالها على أدعية فُقدت أصولها، ولم يعد لها أثر غير ما نقله علماؤنا منها.
5- وكذلك تتميز هذه الكتب على حرص مؤلفيها على العمل بها، إذ لم يكن جامعها ليضعها بين الدفتين إلا بعد أن يقوم هو بنفسه بتطبيق ما فيها من أعمال وأوراد وأدعية ومستحبات.
6- من هذه الكتب، كتاب (البلد الأمين) للشيخ الكفعمي رحمه الله.وكتاب (فلاح السائل) للسيد ابن طاووس، وقد صاغ فصوله لأعمال اليوم والليلة وكتاب (الدروع الواقية) وهو للسيّد ابن طاووس وفيه جملةٌ واسعةٌ من الآداب الإسلاميّة المختلفة، إضافةً للأدعية، وقد أراد منه أن يكون من تتمَّات كتاب (مصباح المتهجّد) لشيخ الطائفة الطوسي.
7- ومنها أيضاً كتاب (إقبال الأعمال) للسيِّد ابن طاووس، وفيها ما يعمل ميقاتاً واحداً كلّ سنة، وذكر فيه أعمال الشهور، وقد شحن هذا الكتاب بالعديد من النّصائح الأخلاقية.
8- ومنها كتاب (مصباح المتهجّد) للشيخ الطوسي، وقد أضيف إليها الأدعية المختارة عند كلّ عبادة بشكل مختصر.
352
321
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1
للمطالعة
الدعاء، صلة العبد بالله
"الدعاء يقرّب الإنسان من الله عزّ وجلّ، ويجعل المعرفة في قلبه ثابتة مؤثّرة, فهو يقوّي الإيمان. هذا فضلاً عن الاستجابة لمضمون الدعاء - وهو الطلب من الله - وقضاء حاجة الإنسان إن شاء الله, فالدعاء إذن ترافقه بركات عظيمة من جهاتٍ عدّة[1].
إنّ صلة الدعاء، هي علاقة قلبكم مع الله، فالدعاء يعني الطلب، ومناداة الله, والطلب يعني الأمل. وما لم تشعروا بالأمل فإنّكم لن تطلبوا من الله شيئاً. فالدعاء إذن هو الأمل، أي إنّه المترافق مع الأمل بالإجابة، وهو ما يُشعل القلوب ويبقيها مستنيرة. إنّها بركة الدعاء التي تعطي المجتمع الحيويّة والنشاط"[2].
322
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات (2)
أهداف الدرس
على الطالب مه نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى القيمة العلمية لبعض كتب الأدعية والزيارات.
2- يعدِّد أسماء خمسة كتب أدعية معتبرة مع أسماء مؤلّفيها.
3- يعرف قيمة كتاب كامل الزيارات ومؤلِّفه ومضامينه.
355
323
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
نماذج من كتب الأدعية والزيارات المعتبرة (2)
1- كامل الزيارات لابن قولويه رحمه الله:
يعدُّ كتاب "كامل الزيارات" من الكتب الهامة والمشهورة عند الشيعة الإمامية، وبين العلماء والفقهاء لميّزات عديدةٍ فيه. فقد اعتمد عليه عدد من علمائنا المتقدمين، إذ أخذ منه الشيخ الطوسي في كتابه "تهذيب الأحكام"، وكذلك الحر العاملي في "وسائل الشيعة" وغيرهما كثير.
وأما مؤلِّف الكتاب جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله، فقد قال فيه النجاشي: "من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه"[1]. وقال الشيخ الطوسي: "يُكنى أبا القاسم، ثقة له تصانيف كثيرة على عدد كتب الفقه"[2]. وهو من مشايخ الشيخ المفيد ومنه أخذ الكثير في الفقه والرجال وغير ذلك.
وأما كتابه، فقد بذل مؤلّفه الجهد البالغ في انتقاء النصوص والروايات التي تناقلها الرواة الثقات عن أهل البيت عليهم السلام، ولذلك جاء هذا الكتاب، وما فيه من زيارات مخصوصة لأهل البيت عليهم السلام وزيارات غير مخصوصة، والكثير من الروايات التي
324
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
فيها نكتٌ تاريخيّة وعقائديّة وغير ذلك من الشّؤون، ما يجعل من هذا الكتاب مورداً للاستفادة المتعدِّدة الجوانب إضافة
لقراءة الزيارات الشَّريفة لأهل البيت عليهم السلام.
2- "فضائل الأشهر الثلاث" للشيخ الصدوق رحمه الله
وهو من تأليف الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله تعالى)، والذي ولد في قم، حيث لم تُعلم على وجه الدقة سنة ولادته، ولكن من المعلوم أن ولادة الشيخ الصدوق كانت بعد وفاة محمد بن عثمان العمري ثاني السفراء الأربعة والمتوفى سنة 305 هوفي أوّل سفارة أبي القاسم الحسين بن روح ثالث السفراء الأربعة المتوفى سنة 326 ه.
وأما فضله فهو أشهر من أن يعرّف به، إذ قال في الفهرست: "جليل القدر، يكنى أبا جعفر، كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يرَ في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنف وفهرست كتبه معروفة"[1]
وفي هذا الكتاب نجدُ تبويباً جميلاً وأنيقاً للأعمال العبادية المطلوبة خلال هذه الأشهر الثلاثة الشَّريفة، وقد قام المصنف حيناً بعد حينٍ بسرد حديث شريف هنا ولطيفة معنوية هناك، معدداً آثار الدُّعاء وصفات الداعين وفوائد كثيرة جليلة إلى جانب سرده للأدعية والأعمال العبادية في هذه الأشهر الفضيلة.
3- "كتاب المزار" للشيخ المفيد رحمه الله
ومؤلّفه هو الشيخ المفيد، وهو كما يصفه العلماء والرجاليون: "ملهم الحق ودليله ومنار الدين وسبيله، جم المناقب، حديد الناظر، حاضر الجواب، دقيق الفطنة، واسع الرواية، خبير بالأخبار والرجال"[2].
325
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
وأما الكتاب "المزار"، فإنّه من المصنفات التي تلقّفتها أيدي العلماء والمصنفين، فقد اعتمد على هذا الكتاب واستفاد منه ونقل عنه:
أ- شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 460) أحد أجلَّة تلاميذ الشّيخ المفيد وأفخرهم، نقل مقاطع طويلة منه في كتابه: (تهذيب الأحكام) الذي ألفه في شرح المقنعة كتاب أستاذه وشيخه المفيد رحمه الله.
ب- وكذلك نقل عنه السيّد بن طاووس (المتوفى سنة 693) في كتابه القيم النادر: (فرحة الغري).
ج- وكذلك الشيخ الكفعمي (المتوفى سنة 905) في كتابيه (البلد الأمين، المصباح).
وفي الكتاب الجليل هذا، يورد المؤلف ثبتاً بآداب الزِّيارة وأوقاتها وفضلها وأنواع الزيارات وآداب الدخول إلى المدن المقدسة وغير ذلك من الشؤون التي يحتاجها الزائر قبل الزِّيارة وأثناءها وحتَّى الانتهاء منها.
4- "سلوة الحزين" أو "الدعوات" للقطب الراوندي رحمه الله
كتاب "سلوة الحزين" أو ما يعرف بـ "الدعوات" وهو كتابٌ جليلٌ وشريفٌ لأحد قدماء علمائنا وأجلّتهم، الشيخ أبو الحسن سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن المشهور بـ (قطب الدين الراوندي). وقد سمي هذا الكتاب بـ "سلوة الحزين" واشتهر بـ (الدعوات). وللسائل أن يسأل عن الوجه في وجود هذا الفرق بين التسميتين، فقد سمي بـ"سلوة الحزين" باعتبار أنّ (السلوان) وهو دواء يسقاه الحزين فيسلو، و(الحزن) نقيض الفرح وخلاف السرور وهو كلّ ما يحزن، من حزن معاش، أو حزن عذاب، أو حزن موت، و"بما أنَّ كتابنا هذا يشتمل على أبواب لطيفة ونوادر مفيدة يحتاج إليها الإنسان المؤمن في جميع مراحل حياته، يفرّج الهمّ ويكشف الغمّ ويدفع النقم ويداوي السّقم، فهو (سلوة الحزين)"[1].
326
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
وسُـمِّي كذلك بـ (الدّعوات) لاشتماله على دعوات في حالات وأمور خاصة وعامة تدعو إلى مرضاة الله، والرضا بقدره، والصبر على النوائب.
والكتاب يحتوي أيضاً على: أبواب في ذكر الصّحة والمرض وفنون شتَّى في حالات العافية والشّكر عليها، وآداب الأكل والشرب، إلى غير ذلك من الشّؤون.
كما واعتمد عليه العلامة الشّيخ النّوري في "مستدرك الوسائل" وقال: "فيه فوائد كثيرة ونوادر عزيزة"[1]. ونقل عنه تلميذ المجلسي وسبط المحقق الكركي السيد الأمير محمد أشرف في كتابه "فضائل السادات". فالكتاب إذن من المصنفات التي اعتمد عليها مؤلفونا القدماء وعلماؤنا الأجلاء.
5- كتاب المزار للشهيد الأول رحمه الله
وهو من المؤلّفات التي أجاد بها الشّيخ الجليل الشهيد الأول أبو عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي العالمي الجزيني المعروف بـ (الشهيد الأول) و(الشهيد) وهو أول من اشتهر بهذا اللقب من فقهاء الإمامية.
ولد في (جزين) عام734 ه. واستشهد بدمشق ضحى يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى عام 786 هرضوان الله تعالى عليه.
فضله أشهر من أن يذكر، وجهاده ونبله لا ينكر، فقد أغنى التـُّراث الإسلامي والشّيعي بمؤلّفاته. وهذا الكتاب فيه أنواعٌ متعدِّدة من الزّيارات التي تضم زيارات الأنبياء والأئمّة عليهم السلام وأصحاب الأئمة والشهداء، وفضل زيارة بعض المساجد التي ورد الاستحباب بزيارتها كمسجد السّهلة والكوفة وغيرهما.
327
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
6- "عدة الدَّاعي" لابن فهد الحلي رحمه الله
يصف بعض العلماء هذا الكتاب فيقول: "كتاب (عدة الدَّاعي) لمؤلِّفه العالم الكامل أحمد بن فهد الحلي رحمه الله كتاب وحيد في موضوعه وقد اعتمد عليه فحول الرجال وهو مستغنٍ عن التوصيف والتمجيد ولا يزال تحن إليه قلوب الطالبين"[1].
والمؤلِّف هو "أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي الأسدي وقد اشتهر بالفضل والإتقان والذوق والعرفان والزهد والأخلاق، وقد جمع بين المعقول والمنقول والفروع والأصول واللفظ والمعنى والظاهر والباطن والعلم والعمل"[2] وقد توفي سنة 841 للهجرة.
والكتاب هو أحد أهمّ المصنّفات الإماميّة فيما يخصُّ الدُّعاء، وذلك لأنّ مؤلّفه عمد إلى عرض عددٍ وافرٍ من العناوين التي تخص الدعاء، فذكر فضل الدُّعاء، ووسائل استجابته، وموانع استجابته كذلك، وأوقات الدُّعاء، وأماكن الدُّعاء، والآداب المتقدّمة وكذلك المتأخِّرة عن الدُّعاء، والعديد من الفوائد التي تحيط بالدّعاء وتهيِّئُ لحالةٍ معنويَّة عالية عند الدَّاعي وهو بين يدي الله تعالى.
ولذلك كان لهذا الكتاب شهرة كبيرة بين العلماء والعبّاد والزُّهاد لما رأوه من فضل هذا الكتاب وشرفه في بناء علاقتهم مع الله تعالى.
328
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
مفاهيم رئيسة
1- كتاب "كامل الزِّيارات" هو أحد الكتب المهمة عندنا في دنيا زيارات الأئمة عليهم السلام، وهو للشيخ ابن قولويه وهو من مشايخ الشيخ المفيد ومنه أخذ الكثير في الفقه والرجال وغير ذلك.
2- كتاب "المزار" للشيخ المفيد رحمه الله، وهو من المصنّفات التي تلقفتها أيدي العلماء والمصنفين.
3- كتاب "سلوة الحزين" وهو كتابٌ جليلٌ وشريفٌ لأحد قدماء علمائنا وأجلّتهم، فقد سمي بـ "سلوة الحزين" باعتبار أنّ (السلوان) وهو دواء يسقاه الحزين فيسلو و (الحزن) نقيض الفرح وخلاف السرور وهو كلّ ما يحزن، وسُـمِّي كذلك بـ (الدّعوات) لاشتماله على دعوات في حالات وأمور خاصة وعامة تدعو إلى مرضاة الله، والرضا بقدره، والصبر على النوائب.
4- كتاب "المزار" للشهيد الأول، وفيه أنواعٌ متعدِّدة من الزّيارات التي تضم زيارات الأنبياء والأئمّة عليهم السلام وأصحاب الأئمة والشهداء، وفضل زيارة بعض المساجد التي ورد الاستحباب بزيارتها كمسجد السّهلة والكوفة.
5- كتاب "فضائل الأشهر الثلاث" للشيخ الصدوق، وفي هذا الكتاب نجدُ تبويباً جميلاً وأنيقاً للأعمال العبادية المطلوبة خلال أشهر النور الثلاثة الشَّريفة.
6 - كتاب "عدة الدَّاعي" لابن فهد الحلي، وهو كتاب مهم وفريد في مجاله، إذ دمج به المصنف العديد من الأعمال العبادية والملاحظات الأخلاقية والسلوكية.
361
329
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2
للمطالعة
الدعاء، عامل روحانيّة وقوّة المؤمنين
الروحانيّة، المناجاة مع الله، اتّصال القلوب بالله المتعال، اتّخاذ الله هدفاً، عدم الانخداع بالمظاهر، وترك التعلّق بالمال وزينة الدنيا وزخارفها, هذه العناصر كلها هي التي تصنع فئةً مؤمنة, وعندها تتحقّق: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ﴾[1], حتّى وإن كنتم قلّة، عندما تكونون مسلّحين بذلك البعد المعنوي، فإنّكم ستلحقون الهزيمة بالفئة الكثيرة رغماً عنهم. الروحانيّة هي التي كانت تُسعر عشق عناصر التعبئة واندفاعهم في ساحات الكفاح, وكانت تُلقي الشوق في قلوبهم للذهاب إلى الجبهات, إلى درجة أنّهم عندما كانوا يذهبون إلى الجبهة، كانت قلوبهم تلتصق بها"[2].
330
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
الفصل الخامس
المناسبات الدّينية
وموارد الأدعية والزّيارات
الكفايات:
1- يحدِّد الأدعية المأثورة بحسب مناسباتها ومواردها.
2- يعرف وجود أدعية مأثورة للعديد من الحركات والسَّكنات والشُّؤون الخاصة بالفرد والمجتمع.
3- يقدّر اهتمام الشريعة بجعل أدعية مأثورة لكلِّ حالةٍ من حالات الفرد والأمَّة.
4- يؤدّي الأدعية بخشوع في مناسباتها.
363
331
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهمية الأدعية الخاصة ليستفيد منها في مناسباتها وأوقاتها.
2- يبيّن موارد الأدعيّة وأسمائها في الحالات الخاصّة بالفرد المسلم: (طلب الرّزق، طلب الولد، قضاء الحاجة، عند الزواج، عند المرض، للوالدين، للولد).
3- يفهم قيمة وأهمية طلب التوبة في أدعية أهل البيت عليهم السلام.
365
332
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
تمهيد
لقد مرّ معنا أنّ الله سبحانه وتعالى جعل من الدُّعاء المعنى الحقيقي للعبادة، ورأينا أن الدُّعاء يربّي في الإنسان خاصية التعلّق بالله تعالى والانقطاع إليه وقطع الأمل عمّن سواه في كلّ ما يمتّ للحياة الإنسانية بصلة، في أصل وجودها وفي استمرارها، وفي كلّ احتياجاتها، فإن الجهة الوحيدة التي يؤمل منها تحقيق الحاجات على أنواعها، هو الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا جاءت الآيات الكريمة وكذلك الرّوايات الشَّريفة لتؤكّد على مبدأ هام في علاقة الإنسان بالله تعالى، وهو أنَّ على الإنسان أن يدعو الله تعالى في جميع شؤونه وشجونه، الكبيرِ منها والصغير، الخطيرِ منها واليسير، فمن الخطأ أن يَظُنَّ الإنسان أنَّ التوجُّه إلى الله تعالى يكون وقت الشدائد وفي عظائم الأمور فقط، لأن معنى ذلك هو أنَّ الإنسان يكون قادراً على الأمور الصّغيرة مستقلاً عن قوة الله وقدرته فيها - والعياذ بالله - بينما في الكبيرة هو بحاجةٍ إليه تعالى. والصحيح أنّ الإنسان بحاجة لله تعالى في الصّغيرة والكبيرة على حدٍّ سواء.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[1]، والدعاء
333
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
في هذه الآية مطلق يشمل الأمور الصغيرة والكبيرة، وكذلك الشؤون الشخصية للفرد، والعامة للأمة والجماعة.
وعن سيف التمّار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "عليكم بالدُّعاء فإنَّكم لا تقرّبون بمثله ولا تتركوا صغيرةً لصغرها أن تدعوا بها، إنَّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار"[1].
وفي الحديث القدسي: "يا موسى، سلني كلما تحتاج إليه، علف شاتك وملح عجينك"[2].
وفي ما يلي، سنعرض لبعض الأدعية التي يحتاجها الإنسان في شؤونه الخاصة، على أن نقوم باستعراض بعض الأدعية التي يدعو بها الإنسان في الظروف والابتلاءات العامة التي تُصاب بها الأمة أو الجماعة من الناس.
الأدعية الخاصة:
1- أدعية الرزق:
وقد وردت في كتب الأدعية أدعية كثيرة جداً للدعاء في زيادة الرزق، نذكر منها:
أ- عن معاوية بن عمار قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام أن يعلّمني دعاءً للرزق فعلّمني دعاءً ما رأيت أجلب منه للرزق قال: قل: "اللّهُمَّ ارْزُقْني مِنْ فَضْلِكَ الواسِعِ الحَلالِ الطَيّبِ رِزْقاً وَاسِعاً حَلالاً طَيباً بَلاغاً لِلدُنيا وَالآخِرَةِ صَبَّاً صَبَّاً هَنيئاً مَريئاً مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلامَنٍّ مِنْ أحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ إِلاّ سَعَةً مِنْ فَضْلِكَ الواسِعَ، فَإنَّكَ قُلْتَ اسْأَلوا الله مِنْ فَضْلِهِ , فَمِنْ فَضْلِكَ أسْأَلُ وَمِنْ عَطيتِكَ أسْأَلُ وَمِنْ يَدِكَ المَلأى أسْأَلُ"[3].
334
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
ب- عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال لزيد الشحام: "أدع للرزق في المكتوبة وأنت ساجد: يا خَيْرَ المَسْؤولينَ وَيا خَيْرَ المُعْطينَ ارْزُقْني وارْزُقْ عيالي مِنْ فَضْلِكَ فإنَّكَ ذو الفَضْلِ العَظيمِ"[1].
ج- عن أبي بصير قال: شكوت إلى الصادق عليه السلام الحاجة، وسألته أن يعلّمني دعاءً في طلب الرزق، فعلّمني دعاءً ما احتجت منذ دعوت به. قال عليه السلام: "قل في صلاة الليل وأنت ساجد: يا خَيْرَ مَدْعوٍّ وَياخَيْرَ مسؤولٍ، يا أوسَعَ مَنْ أعْطى وَيا خَيْرَ مُرْتَجى ارْزُقْنِي وَأوْسِعْ عَليّ مِنْ رِزْقِكَ وَسَبِّبْ لي رِزْقاً مِنْ قِبَلِكَ إنَّكَ عَلى كلّ شَيٍ قَديرٍ"[2].
2- أدعية الخوف:
أ- روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إذا أتى بك أمر تخافه، استقبل القبلة فصلِّ ركعتين، ثم قل: يا أبْصَرَ الناظِرينَ وَيا أسْمَعَ السامِعينَ وَيا أسْرَعَ الحاسِبينَ وَيا أرْحَمَ الرّاحِمينَ، وقل هذه الكلمات سبعين مرة كلما دعوت بهذه الكلمات سألت حاجتك"[3].
ب- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا خفت أمراً فقل: "اللّهُمَّ إنَّكَ لا يَكْفي مِنْكَ أحَدٌ وَأنْتَ تَكْفي مِنْ كلّ أحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَاكْفِني كَذا وَكَذا. وفي حديث اَّخر قال: تقول: يا كافياً مِنْ كلّ شَيٍ وَلا يَكْفي مِنْكَ شَيٌ في السَّماواتِ وَالارْضِ اكْفِني ما أهَمَّني مِنَ أمرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ"[4]. وروي عنه عليه السلام في من دخل على سلطان يهابه أن يقول: "بِالله أسْتَفْتِحُ وَبِالله أسْتَنْجِحُ وَبِمُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ أتَوَجَّهُ، اللّهُمَّ ذَلِّلْ لي صُعُوبَتَهُ وَسَهِّلْ
335
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
لي حُزُونَتَهُ فَإنَّكَ تَمْحو ما تَشاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الكِتابِ، ويقول كذلك: حَسْبي اللهُ لا إلهَ إِلاّ هوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ، وَأمْتَنِعُ بِحَوْلْ الله وَقُوَّتِهِ مِنْ حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَأمْتَنِعُ بِرَبِّ الفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، وَلا حَوْلَ وَلا قوَّةَ إِلاّ بِاللهِ"[1].
3- أدعية الكرب والشدة:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصابه همّ أو غمّ أو كرب أو بلاء أو لأواءٌ (شدة) فليقل: "الله رَبّي لا أشْرِكُ بِهِ شَيْئاً تَوَكَلْتُ عَلى الحَيّ الَّذي لا يَموتُ"[2].
4- أدعية الخروج من الغم:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لما طرح إخوة يوسف، يوسف في الجب، أتاه جبرئيل عليه السلام فدخل عليه فقال: يا غلام ما تصنع ههنا؟ فقال: إن إخوتي ألقوني في الجب، قال: فتحب أن تخرج منه؟ قال: ذاك إلى الله عز وجل، إن شاء أخرجني قال: فقال له: إن الله تعالى يقول لك: ادعني بهذا الدُّعاء حتى أخرجك من الجب فقال له: وما الدُّعاء؟ فقال: قل: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي ممّا أنا فيه فرجاً ومخرجاً" قال: ثم كان من قصته ما ذكر الله في كتابه11.
5- أدعية جامعة لقضاء حوائج الدنيا والآخرة:
كدعاء "يستشير" ودعاء "المشلول" ودعاء "السمات" ودعاء "أبي حمزة الثمالي" وأدعية كثيرة مروية في أعمال الأشهر الثلاث، كلها تفيد قضاء حوائج الدنيا
336
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
والآخرة، وهذه الأدعية وغيرها موجودة في العديد من كتب الأدعية المشهورة كمفاتيح الجنان. ومن الأدعية الصغيرة لقضاء الحوائج:
أ- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اللّهُمَّ اجْعَلْني أخْشاكَ كأني أراكَ وَأسْعِدْني بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِني بِنَشْطي لِمَعاصيكَ وَخِرْ لي في قَضائِكَ وَبارِكْ لي في قَدَرِكَ حَتّى لا أحُبَّ تأخيرَ ما عَجّلْتَ وَلا تَعْجيلَ ما أخّرْتَ، واجْعَلْ غِناي في نَفْسي وَمَتِّعْني في سَمْعي وَبَصَري وَاجْعَلْهُما الوارِثَيْنِ مِنّي، وَانْصرْني عَلى مَنْ ظَلَمَني وَأرِني فيهِ قُدْرَتَكَ يا رَبِّ وَأقِرَّ بِفَضْلِكَ عَيْني"[1].
ب- وعنه عليه السلام أيضاً قال: قل: "اللّهُمَّ أعِنّي عَلى هَوْلِ يَوْمِ القيامَةِ، وَأخْرِجْني مِنَ الدُّنْيا سالِماً، وَزَوِّجني مِنَ الحورِ العينِ، وَاكْفِني مؤُونَتي وَمؤُونَةَ عيالي وَمؤُونَةَ النّاسِ، وَأدْخِلْني بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصالِحينَ"[2].
6- أدعية التوبة:
إنّ قضية غفران الذّنوب والعفو عن السيئات وطلب التوبة، هي من القضايا التي يعيشها الإنسان طوال عمره، وقد وردت العديد من الأدعية في ذكر طلب التوبة والاستغفار، كدعاء كميل ودعاء أبي حمزة ودعاء التوبة للإمام السجاد عليه السلام وغيرهما كثير.
أ- عن الإمام الجواد عليه السلام في مناجاة التوبة: "اللّهُمَّ إِنِّي قَصَدْتُ إلَيْكَ بِإخْلاصِ تَوْبَةٍ نَصوحٍ وَتَثْبيتِ عَقْدٍ صَحيحٍ وَدُعاءِ قَلْبٍ قَريحٍ وَإعْلانِ قَوْلٍ صَريحٍ، اللّهُمَّ فَتَقَبَّلْ مِنّي مُخْلَصَ التَّوْبَةِ وَإقْبالَ سَريعِ الأوْبَةِ وَمَصارِعَ تَخَشُّعِ الحَوْبَةِ، وَقابِلْ رَبِّي تَوْبَتي بِجَزيلِ الثَّوابِ وَكَريمِ المآبِ وَحَطِّ العِقابِ وَصَرْفِ العَذابِ وَغُنْمِ الإيابِ وَسِتْرِ الحِجابِ، وَامْحُ اللّهُمَّ ما ثَبَتَ مِنْ ذُنوبي وَاغْسَلْ بِقَبُولِها جَميعَ
337
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
عُيوبي وَاجْعَلْها جالِيَةً لِقَلْبي شاخِصَةً لِبَصيرَةِ لُبِّي غاسِلَةً لِدَرْني مُطَهِّرَةً لِنَجاسَةِ بَدَني مُصَحِّحَةً فيها ضَميري عاجِلَةً إِلى الوَفاءِ بِها بَصيرتي وَاقْبَلْ يا رَبِّ تَوْبَتي فَإنَّها تَصْدُرُ مِنْ إخْلاصِ نيَّتي وَمَحْضٍ مِنْ تَصْحيحِ بَصيرَتي وَاحْتِفالاً في طَويَّتي وَإجْتِهاداً في نَقاءِ سَريرَتي وَتَثْبيتاً لإنابَتي وَمُسارَعَةً إِلى أَمْرِكَ بِطاعَتي وَأجْلُ اللّهُمَّ بِالتَّوْبَة عَنّي ظُلْمَةَ الإصْرارِ وَامْحُ بِها ما قَدَّمْتُهُ مِنَ الأوْزارِ وَاكْسُني لِباسَ التَّقْوى وَجَلابِيبَ الهُدى فَقَدْ خَلَعْتُ رِبْقَ المَعاصي عَنْ جَلدي وَنَزَعْتَ سِرْبالَ الذّنوب عَنْ جَسَدي مُسْتَمْسِكاً رَبِّ مِنْهُ بِقُدْرَتِكَ مُسْتَعيناً عَلى نَفْسي بِعِزَّتِكَ مُسْتَوْدِعاً تَوْبَتي مِنَ النَّكْثِ بِخَفْرَتِكَ مُعْتَصِماً مِنَ الخُذْلانِ بِعِصْمَتِكَ مُقارِناً بِهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِكَ"[1].
ب- مناجاة الإمام السجاد عليه السلام في الاعتراف وطلب التوبة التي أولها: "اللهم إنَّه يحجبني عن مسألتك خلالٌ ثلاث، وتحدوني عليها خلة واحدة، يحجبني أمر أمرت به فأبطأت عنه، ونهي نهيتني عنه فأسرعت إليه، ونعمة أنعمت بها علي فقصرت في شكرها. ويحدوني على مسألتك تفضلك على من أقبل بوجهه إليك، ووفد بحسن ظنه إليك، إذ جميع إحسانك تفضل، وإذ كلّ نعمك ابتداء"[2].
7- أدعية طلب الحج:
أ- منها الدُّعاء المروي عن الإمام الصادق عليه السلام في ليالي شهر رمضان: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الأمْرِ المَحْتُومِ فِي الأمْرِ الحَكِيمِ مِنَ القَضاء الَّذِي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ أَنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ المَبْرُورِ حَجُّهُمُ المَشْكُورِ سَعْيُهُمُ المَغْفُور ذُنُوبُهُمُ المُكَفَّرِ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ، وَأَنْ
338
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
تَجْعَلَ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ أَنْ تُطِيلَ عُمْرِي فِي خَيْرٍ وَعافِيَةٍ وَتُوَسِّعَ فِي رِزْقِي وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ وَلا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي"[1].
ب- وعن الإمام الجواد عليه السلام: "اللّهُمَّ ارْزُقْني الحَجَّ الَّذي افْتَرَضْتَهُ عَلى مَنْ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبيلاً وَاجْعَلْ لي فيهِ هادِياً وَإلَيْهِ دَليلاً، وَقَرِّبْ لي بُعْدَ المَسالِكِ وَأَعِنّي عَلى تَأديَةِ المَناسِكِ وَحَرِّمْ بِإحْرامي عَلى النّارِ جَسَدي وَزِدْ لِلْسَّفَرِ قُوَّتي وَجَلَدي وَارْزُقْني رَبِّ بِالوُقوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَالإفاضَةَ إلَيْكَ وَأظْفِرْ بي بِالنَّجْحِ بِوافِرِ الرّبحِ وَأَصْدِرْني رَبِّ مِنْ مَوْقِفِ الحَجِّ الاَكْبَرِ إِلى مُزْدَلَفَة المَشْعَرِ واجْعَلْها زُلْفَةً إِلى رَحْمَتِكَ وَطَريقاً إِلى جَنَّتِكَ وَقِفْني مَوْقِفَ المَشْعَرِ الحَرامِ وَمَقامَ وُقُوفِ الإحْرامِ وَأَهِّلني لِتَأديَةِ المَناسِكِ وَنَحْرِ الهَدْي التَّوامِكَ بِدَمٍ يَثُجُّ وَأَوْداجٍ تَمُجُّ وَإراقَةِ الدِّماءِ المَسْفوحَةِ وَالهَدايا المَذْبوحَةِ... الخ"[2].
8- دعاء الأمن من اللص:
ورد عن الإمام علي عليه السلام للأمن من اللص: أنَّه قال: "اقرأ إذا أويت إلى فراشك: قُلْ ادْعوا الله أو ادْعُوا الرَّحْمنَ... إلى... وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً"[3].
9- دعاء لتقوية الذاكرة والحفظ:
روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام: "يا علي إذا أردت ان تحفظ كلما تسمع فقل في دبر كلّ صلاة: (سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته سبحان من لا (لم) يؤاخذ (يأخذ) أهل الأرض بأنواع العذاب سبحان الرؤوف الرحيم اللهم اجعل لي في قلبي نوراً وبصراً وفهماً وعلماً إنك على كلّ شيء قدير"[4].
339
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
10- دعاء عام لأوجاع الجسد:
روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: تضع يدك على الموضع الذي فيه الوجع وتقول ثلاث مرات: "الله الله الله ربي حقاً لا أشرك به شيئاً اللهم أنت لها ولكل عظيمة ففرّقها عني"[1].
11- الدُّعاء قبل النوم:
روي عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: إذا أراد أحدكم النوم فلا يضعن جنبه حتى يقول: "أعيذُ نفسي وديني وأهلي وولدي وخواتيم عملي وما رزقني ربّى وما خوّلني بعزة الله وجبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوة الله وقدرة الله وجلال الله وبصنع الله وأركان الله وبجمع الله وبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقدرة الله على ما يشاء من شر السّامة والهامة ومن شرِّ الجن والإنس وشرِّ كلّ ما دبَّ على الأرض وما يخرجُ منها ومن شرِّ ما نزل من السّماء وما يعرج فيها ومن شر كلّ دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كلّ شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمكان يعوذ الحسن والحسين بذلك وبذلك أمر رسول الله"[2].
12- الدُّعاء بعد العطس:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه، ثم قال "الحمد لله رب العالمين كثيراً كما هو أهله، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم يستغفر الله له طائر تحت العرش إلى يوم القيامة"[3].
340
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
13- الدُّعاء عند الغضب:
روي عن الإمام السجاد عليه السلام إذا أغضبه أحد قال: "اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي، وإن كان كاذباً فاغفر له"[1].
14- الدُّعاء للأبوين:
روي عن الإمام السجاد عليه السلام في دعاء له فيه: "اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرهما بر الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي، وبري بهما أقر لعيني من رقدة الوسنان وأثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أوثر على هواي هواهما، وأقدم على رضاي رضاهما، وأستكثر برهما بي وإن قل، وأستقل بري بهما وإن كثر"[2].
15- الدُّعاء للولد:
روي عن الإمام السجاد عليه السلام في دعائه لأولاده: "اللهم ومُنّ علي ببقاء ولدي، وبإصلاحهم لي وبإمتاعي بهم، إلهي أمدد لي في أعمارهم، وزد لي في آجالهم، ورب لي صغيرهم، وقوِّ ضعيفهم، وأصح لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم، وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم وفي كلّ ما عنيت به من أمرهم، وأدرر لي وعلى يدي أرزاقهم، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك، ولأوليائك محبين مناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين، آمين"[3].
16- الدُّعاء عند ختم القرآن:
روي عن الإمام السجاد عليه السلام: "اللهم إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً، وجعلته مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته، وفضّلته على كلّ حديث قصصته
341
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
وفرقاناً فرقت به بين حلالك وحرامك، وقرآناً أعربت به عن شرائع أحكامك، وكتاباً فصّلته لعبادك تفصيلاً، ووحياً أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلاً، وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه، وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه، وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته"[1].
17- الدُّعاء عند الوضوء:
فقد كان الإمام الصادق عليه السلام يدعو عند الوضوء، بهذا الدُّعاء: "بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"[2]. أضف إلى وجود أدعية لكل أفعال الوضوء فلتطلب في محلها.
18- الدُّعاء قبل الصَّلاة:
لقد أثرت عن أهل البيت عليهم السلام كوكبة من الأدعية الجليلة للصلاة، ومنها:
كان الإمام الصادق عليه السلام، يستقبل الصَّلاة بخضوع وخشوع ويتوجه إلى الله تعالى بقلبه وعواطفه، وكان يدعو بهذا الدُّعاء قبل أن يشرع في الصَّلاة قائلاً: "اللهم، لا تؤيسني من روحك، ولا تقنطني من رحمتك، ولا تؤمني مكرك، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون"[3].
342
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
19- الدُّعاء لقضاء الدين:
روى الوليد بن صبيح، قال: شكوت إلى الإمام أبي عبد الله عليه السلام، ديْناً لي على أناس، فقال: قل: "اللهم، لحظة من لحظاتك، تيسّر على غرمائي بها القضاء، وتيسّر لي بها الاقتضاء إنك على كلّ شيء قدير"[1].
20- دعاء للدنيا والآخرة:
روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقال له: شيبة الهذلي فقال: يا رسول الله إني شيخ قد كبرت سني وضعفت قوَّتي عن عمل كنت عوّدته نفسي من صلاة وصيام وحج وجهاد، فعلّمني يا رسول الله كلاماً ينفعني الله به، وخفّف عليّ يا رسول الله فقال: أعدها فأعادها ثلاث مرات فقال رسول الله: ما حولك من شجرة ولا مدرة إلا وقد بكت رحمة لك، فإذا صليت الصبح فقل (سبحان الله العظيم وبحمده ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) فإنَّ الله عزَّ وجلّ يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام والفقر (والهدم والهرم) فقال: يا رسول الله هذا للدنيا فما للآخرة؟ قال: تقول: في دبر كلّ صلاة (اللهم اهدني من عندك وأفض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وأنزل علي من بركاتك) قال: فقبض عليهن بيده فقال رجل لابن عباس: ما أشد ما قبض عليها خالك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما أنَّه إن وافى بها يوم القيامة لم يدعها متعمِّداً فُتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء"[2].
343
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
مفاهيم رئيسة
1- في الدين الإسلامي ينبغي للإنسان أن يتوجّه بالدّعاء في جميع شؤونه وشجونه، لكي يغطي جميع احتياجاته، الكبيرِ منها والصغير، الخطيرِ منها واليسير، ومن الخطأ أن يَظُنَّ الإنسان أنَّ التوجُّه إلى الله تعالى يكون وقت الشدائد وفي عظائم الأمور فقط، إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[1].
2- من الأدعية الخاصة التي تتناول شأناً فردياً عند الإنسان المؤمن: أدعية الرزق،وأدعية الخوف، أدعية الكرب والشدة، أدعية الخروج من الغم، أدعية جامعة لقضاء حوائج الدنيا والآخرة، أدعية التوبة، أدعية طلب الحج، دعاء الأمن من اللص، دعاء لتقوية الذاكرة والحفظ، دعاء عام لأوجاع الجسد.
3- ومن الأدعية الخاصة: الدُّعاء قبل النوم، الدُّعاء بعد العطس، الدُّعاء للأبوين، الدُّعاء للولد، الدُّعاء عند ختم القرآن، الدُّعاء قبل الصَّلاة، الدُّعاء لقضاء الدين.
4- من الأدعية الخاصة الدُّعاء عند الغضب: فعن الإمام السجاد عليه السلام أنه كان إذا أغضبه أحد قال: "اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي، وإن كان كاذباً فاغفر له".
5- الدُّعاء عند الوضوء: فقد كان الإمام الصادق عليه السلام يدعو عند الوضوء، بهذا الدُّعاء: "بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
344
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة
للمطالعة
الطلب والأخذ من الله تعالى
نحن البشر لدينا حاجاتٌ كثيرة، وإنّ الحاجة لتأكل وجودنا من الرأس حتّى أخمص القدمين. إذا نظرتم إلى أنفسكم سترون أنّ تنفّسكم وأكلكم، إلى مشيكم وسمعكم وبصركم...، سترون أنّ كلّ هذه الأمور تحكي فقرنا نحن البشر، فالله تعالى قد أودع فينا إمكانات وقوى كي نستطيع العيش بها، وجميعها تابعة لإرادته، وعندما تتعرّض هذه القوى والإمكانات لنقصٍ ما، يعاني الإنسان من مشاكل أساسيّة في حياته، كما إذا تعطّل شريانٌ ما أو عصبٌ ما، فسيؤدّي ذلك إلى تعرّض عضلةٍ ما لمشكلة، وصولاً إلى المشاكل الخارجة عن حدود إرادة الإنسان، أو المشاكل الروحيّة أو الاجتماعيّة.
إنّ البشر كلّهم فقر من رأسهم إلى أخمص قدميهم. فممَّن سنطلب حلّ مشاكلنا وتأمين حاجاتنا؟ نطلبها من الله تعالى، الذي يعرف هذه الحاجات. ﴿وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾[1]، الله يعلم ما تريدون، ويعلم ما يلزمكم، ويعلم ما تطلبون منه وما تسألون, فاطلبوا من الله إِذَنْ، وقد قال عزّ و جلّ أيضاً: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[2]، أي "نادوني، فأنا أجيبكم". طبعاً، هذه الإجابة لا تعني قضاء الحاجة، إنّه يقول: "إنّي أجيب، وأقول لبّيك"، أي "أستجب لكم". ولكن في كثيرٍ من الأحيان تكون استجابة الله مرفقة بقضاء الحاجة، وإعطاء الشيء الذي طلبتموه. فهذه إذن النقطة الأولى, "وهي أنّ الإنسان عنده حاجات، ويجب أن يطلب قضاء هذه الحاجات من الله, يجب أن يطرق الإنسان باب الله لكي يستغني عن التضرّع للآخرين"[3].
345
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
أهداف الدرس
على الطالب مه نهاية هذا الدرس أن:
1- يبيّن أهمية الدُّعاء في الظّروف العامّة التي تمرّ بها الأمة.
2- يتعرّف إلى عددٍ من موارد الأدعية العامّة: (الدُّعاء بالثبات على الهداية، الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، الدُّعاء لأصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف).
3- يتعرَّف إلى عدد من موارد الدُّعاء عند لقاء العدو، الدُّعاء قبل البلاء، الدُّعاء على الظالمين....
379
346
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
الأدعية في الابتلاءات العامة
في الدرس السابق استعرضنا عدداً وافراً من الأدعية التي ينبغي أن يدعو بها الإنسان المؤمن في الحوادث التي ترتبط بنفسه أو من هو قريبٌ له وفي دائرة مودته، وفي هذا الدرس سنستعرض عدداً آخر من الأدعية والظروف التي تمرّ بها الأمة أو الجماعة من الناس، من الابتلاءات العامة والمصائب والشدائد، والاحتياجات التي تحتاجها.
ولقد جاء في القرآن الكريم والروايات عن أهل البيت عليهم السلام أدعيةٌ بلسان الجماعة في ظروف تمرّ بها، غير أنّ هذا لا يعني أن الأدعية الفردية التي سبق الإشارة إليها لا يمكن الدُّعاء بها في الظروف العامة، ولكن بسبب الخصوصيّة التي جاءت بها هذه الأدعية العامّة قمنا بفصلهما عن بعضهما البعض.
وفيما يلي نماذج من هذه الأدعية:
1- الدُّعاء بالثبات على الهداية:
وذلك في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾[1].
347
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
2- دعوات جامعة في القرآن الكريم:
إذ جاءت آيات عديدة وفيها دعوات شاملة للدنيا والآخرة، ومنها الآية الكريمة: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[1].
3- الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف:
وهو من الوظائف الهامة للمسلمين في عصر غيبته، خاصة أنّ الدُّعاء له يكون لغايات متعددة، منها الدُّعاء لحفظه وسلامته في جسمه وبدنه عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومنها الدُّعاء لتعجيل فرجه، والدعاء لنصره على أعدائه..الخ. وقد وردت في الروايات نماذج كثيرة على ذلك، ومنها:
أ- ما ورد من الدُّعاء له عجل الله تعالى فرجه الشريف في التَّعقيب بعد صلاة الظهر من يوم الجمعة: "اللهم اشتر نفسي الموقوفة عليك، المحبوسة لأمرك بالجنة، مع معصوم من عترة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، مخزون لظلامته، منسوب بولادته، تملؤ به الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ولا تجعلني ممن تقدّم فمرق، أو تأخّر فمحق، واجعلني ممّن لزم فلحق، واجعلني شهيداً سعيداً في قبضتك"[2].
ب- ومنها دعاء الإمام السجاد عليه السلام في يوم عرفة: "اللهم إنك أيّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك، ومناراً في بلادك، بعد أن وصلت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذّرت معصيته، وأمرت بامتثال أمره، والانتهاء عند نهيه، وألا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسكين،
348
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
وبهاء العالمين. اللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه، وأوزعنا مثله فيه، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأعنه بركنك الأعز، واشدد أزره، وقو عضده، وراعه بعينك، واحمه بحفظك..الخ"[1].
ج- ومنها أيضاً الدُّعاء المعروف الذي رواه الشيخ الطوسي في أعمال العشر الأواخر من شهر رمضان: "اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً"[2].
وغير ذلك من الأدعية الطويلة كدعاء الندبة ودعاء العهد ودعاء الافتتاح.
4- الدُّعاء لأصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:
فقد أورد الشيخ الطوسي رحمه الله دعاءً طويلاً في قنوت ركعة الوتر من صلاة الليل، منه: "(اللهم) رد عنه (الإمام المهدي) من سهام المكائد ما يوجّهه أهل الشنان إليه وإلى شركائه في أمره ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وأنسه ومفزعه الذين سلوا عن الأهل والأولاد وعطلوا الوثير من المهاد قد رفضوا تجاراتهم، وأضروا بمعائشهم وفقدوا أنديتهم بغير غيبة عن مصرهم، وحالفوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم وقلوا القريب ممن صدهم عن جهتهم وائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهره وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حظ من الدنيا، فاجعلهم اللهم! في أمنك وحرزك وظلك وكنفك، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك، وأجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك، وأمدهم بنصرك وتأييدك وأزهق بحقهم باطل من أراد إطفاء نورهم، اللهم واملأ بهم كلّ أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ورحمة وفضلاً، واشكرهم على ما
349
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
مننت به على القائمين بقسطهم، وادخر لهم من ثوابك ما ترفع لهم به الدرجات إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد"[1].
5- الدُّعاء عند لقاء العدو:
أ- فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه كان إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقات"[2].
ب- ومن دعاء الإمام علي عليه السلام لما عزم على لقاء القوم بصفين: "اللهم رب السقف المرفوع، والجو المكفوف..ورب هذه الأرض التي جعلتها قراراً للأنام ومدرجاً للهوام والأنعام، وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى. ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتاداً، وللخلق اعتماداً، إن أظهرتنا على عدونا فجنّبا البغي وسدّدنا للحق. وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة"[3].
ج- وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عند لقاء العدو محارباً: "اللهم إليك أفضت القلوب، ومدت الأعناق... اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا"[4].
د- وكان الإمام علي عليه السلام إذا سار إلى قتال ذكر اسم الله قبل أن يركب، وقال: "الحمد لله على نعمه علينا وفضله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين... ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى السماء ويقول: اللهم إليك نقلت الأقدام، وأتعبت الأبدان، وأفضت القلوب، ورفعت الأيدي، وشخصت الأبصار"[5].
350
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
6- الدُّعاء بالنصر:
الإمام زين العابدين عليه السلام - في الدُّعاء -: "اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا ممن جاسوا خلال ديار الظالمين، واستوحشوا من مؤانسة الجاهلين، وسموا إلى العلو بنور الإخلاص"[1].
7- الدُّعاء في زمن الشبهات:
أ- عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول:"يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك[2]".
ب- وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "ووفقني إذا اشتكلت علي الأمور لأهداها، وإذا تشابهت الأعمال لأزكاها، وإذا تناقضت الملل لأرضاها"[3].
8- الدُّعاء على العدو:
روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في الدُّعاء: "وجعلت لنا عدواً يكيدنا، فاقهر سلطانه عنا بسلطانك، حتّى تحبسه عنا بكثرة الدُّعاء لك، فنصبحَ من كيده في المعصومين بك"[4].
9- الدُّعاء قبل البلاء:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "وعافنا من محذور البلايا، وهب لنا الصبر الجميل عند حلول الرزايا"[5].
351
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
10- الدُّعاء لأتباع الرسل ومصدّقيهم بالغيب:
روي من دعاء الإمام السجاد عليه السلام: "اللهم وأتباع الرسل ومصدّقوهم من أهل الأرض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب، والاشتياق إلى المرسلين بحقائق الإيمان (..) اللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين، وعلى أزواجهم، وعلى ذرياتهم، وعلى من أطاعك منهم، صلاة تعصمهم بها من معصيتك، وتفسح لهم في رياض جنتك، وتمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بر، وتقيهم طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك، والطمع فيما عندك، وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد، لتردهم إلى الرغبة إليك والرهبة منك، وتُزهّدهم في سعة العاجل وتُحبّب إليهم العمل للآجل..الخ"[1].
11- الدُّعاء على الظالمين:
من دعاء زين العابدين عليه السلام على الظالمين: "اللهم فصل على محمد وآله، وخذ ظالمي وعدوي عن ظلمي بقوتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلاً فيما يليه، وعجزاً عما يناويه. اللهم وصل على محمد وآله، ولا تسوّغ له ظلمي، وأحسن عليه عوني، واعصمني من مثل أفعاله، ولا تجعلني في مثل حاله...الخ"[2].
12- الدُّعاء عند الاستسقاء:
من دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهم اسقنا الغيث، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق من السحاب المنساق لنبات أرضك المونق في جميع الآفاق، وامنن على عبادك بإيناع الثمرة، وأحي بلادك ببلوغ الزهرة، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافع، دائم غزره، واسع درره.."[3].
352
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
13- الدُّعاء للجيران:
من دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام لجيرانه وأوليائه: "اللهم.. ووفقهم لإقامة سنتك، والأخذ بمحاسن أدبك في إرفاق ضعيفهم، وسد خلتهم، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم، ومناصحة مستشيرهم، وتعهّد قادمهم، وكتمان أسرارهم، وستر عوراتهم، ونصرة مظلومهم..."[1].
14- الدُّعاء لأهل الثغور:
وهو من الأدعية الهامة التي وردت إلينا، وقد احتوى على أمور عقائدية وأخلاقية واجتماعية هامة فيما يتعلق بمفهوم الحرب والجهاد في الإسلام، وهو من دعاء الإمام السجاد عليه السلام، ومنه: "اللهم صل على محمد وآله، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك، وأيد حماتها بقوّتك، وأسبغ عطاياهم من جدتك. اللهم صل على محمد وآله، وكثّر عدّتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم وامنع حومتهم، وألِّف جمعهم، ودبّر أمرهم... اللهم صل على محمد وآله، وعرّفهم ما يجهلون، وعلّمهم ما لا يعلمون، وبصّرهم ما لا يبصرون"[2].
353
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
مفاهيم رئيسة
1- لقد وردَت في القرآن الكريم والروايات عن أهل البيت عليهم السلام أدعيةٌ بلسان الجماعة في ظروف تمر بها، وسميناها في هذا الكتاب بالأدعية العامة.
2- من هذه الأدعية العامّة: الدُّعاء بالثبات على الهداية، كما في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾.
3- من الأدعية العامة: دعوات جامعة وردت في القرآن الكريم، وكذلك الدُّعاء لأصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، الدُّعاء في زمن الشبهات، الدُّعاء على العدو، الدُّعاء على الظالمين، الدُّعاء عند الاستسقاء، الدُّعاء لأتباع الرسل ومصدّقيهم بالغيب، الدُّعاء للجيران، الدُّعاء لأهل الثُّغور.
4- الدُّعاء عند لقاء العدو: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه كان إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل".
5- الدُّعاء بالنصر: عن الإمام زين العابدين عليه السلام - في الدُّعاء -: "اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا ممن جاسوا خلال ديار الظالمين، واستوحشوا من مؤانسة الجاهلين، وسموا إلى العلو بنور الإخلاص".
6- الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: بالدُّعاء المعروف الذي رواه الشيخ الطوسي في أعمال العشر الأواخر من شهر رمضان: "اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً".
7 - الدُّعاء قبل البلاء: عن الإمام الصادق عليه السلام: "وعافنا من محذور البلايا، وهب لنا الصبر الجميل عند حلول الرزايا".
387
354
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة
للمطالعة
الدعاء والحكمة والمعرفة
لقد قدّم لنا الإمام السجّاد عليه السلام "الصحيفة السجّادية" على صورة أدعية، وهي في الأساس أدعية كان يقرؤها,
ولكنّ هذا الكتاب مليءٌ بالمعارف الإلهيّة، إذ يمكنك أن تعثر على التوحيد الخالص في هذه الصحيفة، وفيها ترى النبوّة، وحبّ نبيّ الإسلام المقدّس، كما تعثر في هذا الكتاب على معرفة الخلق. وكذا الأمر في سائر الأدعية المأثورة، فدعاء أبي حمزة الثمالي ـ الخاصّ في وقت السحر ـ حاولوا أن تقرؤوه وتلتفتوا وتتدبّروا معانيه. وكذلك دعاء كميل الذي يُقرأ في ليالي الجمعة، هو من الأدعية الغنيّة بالمعارف الإسلاميّة، وهي أدعية قد سردت بعض الحقائق بلغة الدعاء. وليست المسألة أنّ ذلك العظيم، الإمام السجّاد عليه السلام، لم يُرد أن يدعو فاستخدم الدعاء للتمويه, لا كان يدعو، كان يناجي، كان يكلّم الله, لكن عندما يكون قلب الإنسان مع الله، وقد أنس بالمعارف الإلهيّة، فسيكون كلامه أيضاً هكذا. ستفيض الحكمة منه، وسيكون دعاؤه عين الحكمة.
إنّ الأدعية التي نقرؤها مليئةٌ بالحكمة. إنّ الأدعية المأثورة التي تصلنا عن الأئمة عليهم السلام، فيها إشارات حول معرفة الوجود، وهي نوع معرفة يحتاجها الإنسان, كما يرشدنا هؤلاء العظماء إلى ما ينبغي أن نطلبه من الله من خلال ذكر هذه الإشارات في الأدعية"[1].
355
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يبيّن استحباب الزِّيارة والدعاء في ولادات
2- المعصومين عليهم السلام ووفياتهم.
3- يبيّن أهم الأدعية والزيارات المتعلِّقة بالشعائر الدينية.
4- يفهم قيمة الأدعية والزيارات في المناسبات والشعائر الدينية.
389
356
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
أولاً: ولادة المعصومين عليهم السلام ووفياتهم
إن إحياء ذكرى أهل البيت عليهم السلام لهو من الأمور المهمة والجليلة التي جاء الأمر بها في الروايات الواردة عنهم، وكذلك هو أمرٌ يقتضيه التدبّر والتفكّر في موقع هؤلاء المعصومين عليهم السلام في الدين الإسلامي وأهمية إحياء ذكراهم لما يتضمنه من إحياء لخطهم وفكرهم ونهجهم، وتجديد للعلاقة المعنوية والروحية بهم، وتربية للأجيال على مودتهم والتعلق بهم.
وقد مرّ في الدروس السابقة عدد من الزيارات والأدعية التي يدعى بها في ذكرى وفاة إمام أو غير ذلك من المواقف، وفي هذا سنشير إلى ولادات الأئمة عليهم السلام وكذلك وفياتهم، مع إيراد نموذج واحد من الأدعية والزيارات.
وفاته |
ولادته |
المعصوم |
/28 صفر |
17 /ربيع الأول |
النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم |
21/رمضان |
13/رجب |
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام |
/3جمادى الآخرة |
20/جمادى الآخرة |
السيد فاطمة الزهراء عليها السلام |
/28 صفر |
/15رمضان |
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام |
390
357
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
وفاته |
ولادته |
المعصوم |
10 /محرم |
/3 شعبان |
الإمام الحسين عليه السلام |
25 /محرم |
5/شعبان |
الإمام علي بن الحسين عليه السلام |
23/ذي الحجة |
/1رجب |
الإمام محمد بن علي بن الباقر عليه السلام |
25 /شوال |
17/ربيع الأول |
الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام |
25/رجب |
/7 صفر |
الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام |
/30 صفر |
11/ذي القعدة |
الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام |
29 /ذو القعدة |
/10رجب |
الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام |
3/رجب |
2/رجب |
الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام |
/8ربيع الأول |
/8ربيع الثاني |
الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام |
- |
/15شعبان |
الإمام محمد بن الحسن المهدي عليه السلام |
وقد وردت العديد من الأدعية والزيارات والأعمال العبادية فيما يرتبط بولادة المعصومين عليهم السلام ووفياتهم، وسنذكر هنا مثالاً عن ذلك فيما يتعلّق بالإمام الحسين عليه السلام:
ولادة الإمام الحسين عليه السلام:
ذكر الشيخ الطوسي في (المصباح) عن اليوم الثالث من شعبان أنَّه: "في هذا اليوم ولد الحسين بن علي عليهم السلام وخرج إلى أبي القاسم بن علاء الهمداني وكيل الإمام العسكري: "أنّ مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خَلونَ من شعبان، فصمه وادع فيه بهذا الدُّعاء: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ
391
358
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها وَلَمَّا يَطَأ لابَيَتْها، قَتِيلِ العَبْرَةِ وَسَيِّدِ الاُسْرَةِ المَمْدُودِ بِالنُّصْرَةِ فِي يَوْمِ الكَرَّةِ المُعَوّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ الأئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ وَالشِّفاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَالفَوْزَ مَعَهُ فِي أَوْبَتِهِ وَالأَوْصِياء مِنْ عتْرَتِهِ بَعْدَ قائِمِهِمْ وَغَيْبَتِهِ حَتّى يُدْرِكُوا الأوْتارَ وَيَثْأَرُوا الثَّأرَ وَيُرْضُوا الجَبَّارَ وَيَكُونُوا خَيْرَ أَنْصارٍ، صَلَّى الله عَلَيْهِمْ مَعَ اخْتِلافِ الليْلِ وَالنَّهارِ. اللّهُمَّ فَبِحَقِّهِمْ إِلَيْكَ أَتَوَسَّلُ وَأَسْأَلُ سُؤالَ مُقْتَرِفٍ مُعتَرِفٍ مُسِيء إِلى نَفْسِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِي يَوْمِهِ وَأَمْسِهِ، يَسْأَلُكَ العِصْمَةَ إِلى مَحَلِّ رَمْسِهِ..الخ"[1].
استشهاد الإمام الحسين عليه السلام:
إن الزيارات الواردة في حقِّ الإمام الحسين عليه السلام كثيرة ومتعدِّدة خاصة من جهة أوقاتها، فقد ورد الاستحباب في زيارته في ليلة النصف من شعبان - على سبيل المثال، وجاء في ثوابها كما في الرواية عن الإمامين السجاد والصادق عليهما السلام: "من أحبّ ان يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر قبر أبي عبد الله الحُسَين ابن علي عليهما السلام في النصف من شعبان فإنّ أرواح النبيين عليه السلام يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم فطوبى لمن صافح هؤُلاءِ وصافحوه ومنهم خمسة أولو العزم من الرسل هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين"[2].
وهذه الزِّيارة هي كما يلي: "الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهاالعَبْدُ الصَّالِحِ الزَّكِيِّ أُودِعُكَ شَهادَةً مِنِّي تُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ فِي يَوْمِ شَفاعَتِكَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ بَلْ بِرَجاءِ حَياتِكَ حَيِيَتْ قُلُوبُ شِيعَتِكَ وَبِضِياءِ نُورِكَ اهْتَدى الطَّالِبُونَ إِلَيْكَ، وأَشْهَدُ أَنَّكَ نُورُ الله الَّذِي لَمْ يُطْفَأْ وَلايُطْفَأْ أَبَداً وأَنَّكَ وَجْهُ الله الّذِي لَمْ يُهْلَكْ وَلا يُهْلَكُ أَبَداً، وأَشْهَدُ أَنَّ هذِهِ التُّرْبَةَ تُرْبَتُكَ وَهذا الحَرَمَ حَرَمُكَ وَهذا
359
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
المَصْرَعَ مَصْرَعُ بَدَنِكَ لا ذَلِيلَ وَالله مُعِزُّكَ وَلا مَغْلُوبَ وَالله ناصِرُكَ, هذِهِ شَهادَةٌ لِي عِنْدَكَإِلى يَوْمِ قَبْضِ رُوحِي بِحَضْرَتِكَ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ"[1].
ثانياً: الأدعية في أيام الشعائر الدينية
إن مكتبة الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تضم أدعية وأعمالاً عبادية عديدة تتعلق بالمناسبات الدينية التي
فيها تحيا شعائر الدين والأيام والليالي التي وردت فيها روايات تبيّن فضلها وأهمية إحيائها بالعبادة والدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتمسك بأهل بيته عليهم السلام. وسنذكر فيما يلي نماذج معدودة لبعض هذه الأيام والمناسبات الشَّريفة:
1- يوم دحو الأرض (الخامس والعشرون من ذي القعدة)
قال الشيخ الطوسي رحمه الله في ذكر فضل هذا اليوم في "المصباح": "ويستحب صوم هذا اليوم وروي: أن صومه يعدل صوم ستين شهراً"[2].
وفي هذا اليوم يستحب الدُّعاء بما رواه الشَّيخُ في "المصباح": "اللّهُمَّ داحِيَ الكَعْبَةِ وَفالِقَ الحَبَّةِ وَصارِفَ اللَّزْبَةِ وَكاشِفَ كلّ كُرْبَةٍ، أَسأَلُكَ فِي هذا اليَوْمِ مِنْ أَيَّامِكَ الَّتِي أَعْظَمْتَ حَقَّها وَأَقْدَمْتَ سَبْقَها وَجَعَلْتَها عِنْدَ المُؤْمِنِينَ وَدِيعَةً وَإِلَيْكَ ذَرِيعَةً وَبِرَحْمَتِكَ الوَسِيعَةِ أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ المُنْتَجَبِ فِي المِيثاقِ القَرِيبِ يَوْمَ التَّلاقِ فاتِقِ كلّ رَتْقٍ وَداعٍ إِلى كلّ حَقٍّ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الأطهار الهُداةِ المَنارِ دَعائِمِ الجَبَّارِ وَوُلاةِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ (..) اللّهُمَّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ وأَظْهِرْ بِالحَقِّ قائِمَهُمْ وَاجْعَلْهُ لِدِينِكَ مُنْتَصِراً وَبِأَمْرِكَ فِي أَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً، اللّهُمَّ احْفُفْهُ بِملائِكَةِ النَّصْرِ وَبِما أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ مِنَ الأمر فِي لَيْلَةِ القَدْرِ...الخ"[3].
360
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
2- يوم عرفة (التاسع من ذي الحجة)
وهو عيدٌ من الأعياد العظيمة وإن لم يُسَمَّ عيداً وهو يومٌ دعا الله فيه عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده، والشَّيطانُ فيه ذليلٌ حقيرٌ طريدٌ غضبان أكثر من أي وقت سواه.
وروي أن الإمام زين العابدين عليه السلام سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل الناس فقال له: "ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يرجى فيه للأجنة في الأَرْحام أن تعمها فضل الله تعالى فتسعد"[1].
ومن أهم الأدعية فيه، الدُّعاء المشهور الذي دعا به الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، فقد روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: "كنا مع الحسين بن علي عليه السلام عشية عرفة فخرج عليه السلام من فسطاطه متذلِّلاً خاشعاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثم قال: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ وَلا تَخْفى عَلَيْهِ الطَلائِعِ وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ جازي كلّ صانِعٍ وَرايِشُ كلّ قانِعٍ وَراحِمُ كلّ ضارِعٍ مُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ وَللْكُرُباتِ دافِعٌ وَلِلْدَّرَجاتِ رافِعٌ وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ , فَلا إِلهَ غَيْرُهُ وَلا شَيْءٍ يَعْدِلُهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٍ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ وَهُوَ عَلى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ مُقِرَّا بِأَنَّكَ رَبِّي وَإِلَيْكَ مَرَدِّي..الخ"[2].
361
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
3- يوم الغدير (الثامن عشر من ذي الحجة)
وهو من الأيام المجيدة والأعياد الشَّريفة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وروي أنَّه سئل الصادق عليه السلام: "هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم أعظمها حرمة. قال الراوي: وأيُّ عيد هو؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقال ومن كنت مولاه فعلي مولاه، وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة"[1].
وفي هذا اليوم أعمال عديدة، منها أن يدعو بهذا الدُّعاء: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَعَلِيٍّ وَلِيِّكَ وَالشَّأنِ وَالقَدْرِ الَّذِي خَصَصْتَهُما بِهِ دُونَ خَلْقِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الأَئِمَّةِ القادةِ وَالدُّعاةِ السَّادَةِ وَالنُّجُومِ الزَّاهِرَةِ وَالأعْلامِ الباهِرَةِ وَساسَةِ العِبادِ وَأَرْكانِ البِلادِ وَالنَّاَقة المُرْسَلَةِ وَالسَّفِينَةِ النَّاجِيَةِ الجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الغامِرَةِ (..) اللّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَنَجِيبِكَ وَصَفْوَتِكَ وَأمِينكَ وَرَسُولِكَ إِلى خَلْقِكَ وَبِحَقِّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَيَعْسُوب الدِّينِ وَقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ الوَصِيّ الوَفِيّ وَالصِّدِّيقِ الأكْبَرِ وَالفارُوقِ بَيْنَ الحَقِّ وَالباطِلِ وَالشَّاهِدِ لَكَ الدَّالِ عَلَيْكَ وَالصَّادِعِ بأَمْرِكَ وَالمُجاهِدِ فِي سَبِيلِكَ، لَمْ تَأْخُذْهُ فِيكَ لَوْمَةُ لائِمٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَجْعَلَنِي فِي هذا اليَوْمِ الَّذِي عَقَدْتَ فِيهِ لِوَلِيِّكَ العَهْدَ فِي أَعْناقَ خَلْقِكَ وأكملتَ لَهُمْ الدِّينَ مِنَ العارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ وَالمُقِرِّيْنَ بِفَضْلِهِ مِنْ عُتَقائِكَ وَطُلَقائِكَ مِنَ النَّارِ..الخ"[2].
4- يوم المبعث النبوي (السابع والعشرون من رجب)
وهو اليوم الذي بعث فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو من الأعياد العظيمة للأمة الإسلامية احتفاء بهذه الذكرى التي نفع الله بها الأمة وهداها بهديه. وقد ورد
362
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
في هذا اليوم العديد من الأعمال العبادية ومنها، ما رواه السيد في "الإقبال" أنَّه يستحب الدُّعاء في هذا اليوم بهذا الدُّعاء الذي أوله: "يا مَنْ أَمَرَ بِالعَفْوِ وَالتَّجاوُزِ وَضَمَّنَ نَفْسَهُ العَفْوَ وَالتَّجاوُزَ يا مَنْ عَفا وَتَجاوَزَ اعْفُ عَنِّي وَتَجاوَزْ يا كَرِيمُ، اللّهُمَّ وَقَدْ أَكْدى الطَّلَبُ وَأَعْيَتِ الحِيلَةُ وَالمَذْهَبُ وَدَرَسَتِ الآمال وَانْقَطَعَ الرَّجاءُ إِلاّ مِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، اللّهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ المَطالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةً وَمَناهِلَ الرَّجاءِ لَدّيْكَ مُتْرَعَةً وَأبْوابَ الدُّعاء لِمَنْ دَعاكَ مُفَتَّحَهً وَالاِسْتِعانَةَ لِمَنْ اسْتَعانَ بِكَ مُباحَةٌ، وَأعْلَمُ أَنَّكَ لِداعِيكَ بِمَوْضِعِ إِجابَةٍ وَلِلْصَّارِخِ إِلَيْكَ بِمِرْصَدِ إِغاثَةٍ وَأَنَّ فِي اللَّهَفِ إِلى جوارِكَ وَالضَّمانِ بِعِدَتِكَ عِوَضاً مِنْ مَنْعِ الباخِلِينَ وَمَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي المُسْتَأْثِرِينَ، وَأَنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاّ أَنْ تَحْجُبَهُمُ الأعمال دُونَكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَفْضَلَ زادِ الرَّاحِلِ إِلَيْكَ عَزْمُ إِرادَةٍ يَخْتارُكَ بِها وَقَدْ ناجاكَ بِعَزْمِ الإرادة قَلْبِي.."[1].
5- ليلة ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (ليلة الخامس عشر من شعبان)
ففي صبيحة هذه الليلة ولد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي من الليالي التي وردت في إحيائها بالدعاء والعبادة روايات عن آل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: سئل الباقر عليه السلام عن فضل ليلة النصف من شعبان؟ فقال: "هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها، فإنها ليلة آلى الله على نفسه أن لا يَرُدَّ سائلاً سأله فيها ما لم يسأله معصية، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فاجتهدوا في الدُّعاء والثناء على الله، فإنه من سبّح الله فيها مائة مرة وحمده مائة مرة وكبّره مائة مرة غفر الله تعالى له ما سلف من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة ما التمسه
363
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
منه، وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه كرماً منه تعالى وتفضّلاً على عباده"[1].
ومن الأدعية ما رواه إسماعيل بن فضل الهاشمي قال: علّمني الصادق عليه السلام هذا الدُّعاء لأدعو به ليلة النصف من شعبان: "اللّهُمَّ أَنْتَ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الخالِقُ الرَّازِقُ المُحْيِي المُمِيْتُ البَدِيُ البَدِيعُ، لَكَ الجَلالُ وَلَكَ الفَضْلُ وَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ المَنُّ وَلَكَ الجُودُ وَلَكَ الكَرَمُ وَلَكَ الأمر وَلَكَ المَجْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، يا واحد يا أحَدُ يا صَمَدُ يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ , صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي وَاقْضِ دَيْنِي وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِي، فَإِنَّكَ فِي هذِهِ الليْلَةِ كلّ أَمْرٍ حَكِيمٍ تُفَرِّقُ وَمَنْ تَشاءُ مِنْ خَلْقِكَ تَرْزُقُ فَارْزُقْنِي وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَأَنْتَ خَيْرُ القائِلِينَ النَّاِطِقينَ: وَاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فَمِنْ فَضْلِكَ أَسْأَلُ وَإِيَّاكَ قَصَدْتُ وَابْنَ نَبِيِّكَ اعْتَمَدْتُ وَلَكَ رَجَوْتُ فَارْحَمْنِي يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ"[2].
364
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
مفاهيم رئيسة
1- إن إحياء ذكرى أهل البيت عليهم السلام أمرٌ يقتضيه التدبّر والتفكّر في موقع هؤلاء المعصومين عليهم السلام في الدين الإسلامي، وفيه تجديد للعلاقة المعنوية والروحية بهم.
2- إن الزيارات الواردة في حقِّ الإمام الحسين عليه السلام كثيرة ومتعدّدة خاصة من جهة أوقاتها، فقد ورد الاستحباب في زيارته في ليلة النصف من شعبان.
3- إن مكتبة الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تضمّ أدعيةً وأعمالاً عبادية عديدة تتعلّق بالمناسبات الدينية التي فيها تحيا شعائر الدين والأيام والليالي التي وردت فيها روايات تبيّن فضلها وأهمية إحيائها بالعبادة والدعاء والتضرّع.
4- من الأيام العبادية يوم دحو الأرض (الخامس والعشرون من ذي القعدة)، إذ قال الشيخ الطوسي رحمه الله في ذكر فضل هذا اليوم في "المصباح": "ويستحب صوم هذا اليوم وروي: أن صومه يعدل صوم ستين شهراً".
5- من الأيام العبادية يوم عرفة (التاسع من ذي الحجة)، فقد روي أن الإمام زين العابدين عليه السلام سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل الناس فقال له: "ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يرجى فيه للأجنة في الأَرْحام أن تعمها فضل الله تعالى فتسعد".
6- من الأيام العبادية يوم الغدير (الثامن عشر من ذي الحجة)، فقد روي أنَّه سئل الإمام الصادق عليه السلام: "هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ (...) قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام".
7- من الأيام العبادية يوم المبعث النبوي (السابع والعشرون من رجب)، وليلة ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (ليلة الخامس عشر من شعبان) وغيرها من الليالي والأيام.
398
365
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر
للمطالعة
الدعاء خشوع لله وكسرٌ للأنانيّة
"الدعاء مخّ العبادة..."[1] ، سببه أنّ في الدعاء حالة من الاعتماد المطلق على الخالق والخشوع له، وهذا هو أصل العبادة، ولهذا في القسم الثاني من الآية الشريفة: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين﴾[2]. فأصل الدعاء إذن هو تخلّي الإنسان عن أنانيّته البشريّة الوهميّة في قبال الله تعالى. أصل الدعاء هو التذلّل أمام الله.
أعزّائي! حيثما وجّهتم النظر ـ سواءً في بيئتكم، بلدكم، أم في أنحاء العالم ـ ورأيتم فساداً واضحاً من شخصٍ ما، إذا ما دقّقتم النظر ستجدون أنّ أساس ومنشأ تلك السيئة والفساد هو الأنانيّة والاستكبار والاستعلاء والغرور الإنسانيّ. يجب
أن يحطّم الدعاء هذا الشيء"[3].
366
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم، كتاب الله عزّ وجلّ.
2- ابن بابويه القمي، علي: فقه الرضا، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، المؤتمر العالمي للإمام الرض عليه السلام، 1406هـ، ط1.
3- ابن حمزة الشيخ الطوسي، عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي: الثاقب في المناقب، نبيل علوان (تحقيق)، قم، الصدر(مطبعة)، مؤسسة أنصاريان (نشر)، 1411هـ، ط1.
4- ابن طاووس، السيد أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى: المجتنى من الدعاء المجتبى، صفاء الدين البصري (تحقيق)، (مكتبة أهل البيت عليهم السلام النسخة الإلكترونية).
5- ابن طاووس، أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن محمد: مهج الدعوات ومنهج العبادات، قم، كتابخانه سنائي، ط1.
6- ابن طاووس، السيد أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى: مصباح الزائر، مؤسسة أهل البيت إحياء التراث، قم، مطبعة ستاره، ط1.
7- ابن طاووس، السيد أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى: الدروع الواقية،
401
367
المصادر والمراجع
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 هـ، ط1.
8- ابن طاووس، السيد أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى: فلاح السائل. (مكتبة أهل البيت عليهم السلام النسخة الألكترونية).
9- ابن طاووس، السيد أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى: جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع، جواد قيومي الجزه اي الأصفهاني (تحقيق)، مؤسسة الآفاق، 1371هـ.ش، ط1.
10- ابن طاووس، السيد أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى: إقبال الأعمال، جواد القيومي الإصفهاني (تحقيق)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ، ط1.
11- ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة، عبد السلام محمد هارون (تحقيق)، قم، مطبعة مكتبة الإعلام الإسلام، 1404هـ، ط1.
12- ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر: الجواب الكافي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1975م، ط1.
13- أحمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1414ه، ط1.
14- الإحسائي، ابن أبي جمهور: عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية، السيد شهاب الدين النجفي المرعشي(تقديم)، الحاج آقا مجتبى العراقي(تحقيق)، قم، مطبعة سيد الشهداء، 1983م، ط1.
15- الإمام السبكي، علي بن عبد الكافي: شفاء السقام، السيد محمد رضا الحسيني الجلالي (تحقيق)، 1419هـ، ط4.
402
368
المصادر والمراجع
16- الإمام علي بن الحسين، الصحيفة السجادية، السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الأصفهاني(تحقيق)، قم، نمونه، 1411هـ، ط1.
17- الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: نهج البلاغة، الشريف الرضي(اختياره وضبطه)، صبحي الصالح (تحقيق وفهرسة)، بيروت، 1967م، ط1.
18- الأربلي، علي بن أبي الفتح: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، بيروت، دار الأضواء، 1985م، ط2.
19- الأصفهاني، ميرزا محمد تقي: مكيال المكارم، السيد علي عاشور(تحقيق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1421هـ، ط1.
20- الأفريقي، ابن منظور: لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، ط1.
21- الأمين، السيد محسن: أعيان الشيعة، حسن الأمين(تحقيق)، بيروت، دار التعارف، 1983م، ط1.
22- الأمين، السيد محسن: كشف الارتياب، حسن الأمين(تحقيق)، قم، مكتبة الحرمين، 1952م، ط2.
23- الأمين، السيد محسن: لواعج الأشجان في مقتل الحسين، صيدا، مطبعة العرفان، 1331هـ، ط1.
24- الأميني، عبد الحسين أحمد النجفي: الغدير في الكتاب والسنة والأدب، بيروت، دار الكتاب العربي، 1977م، ط4.
25- الآصفي، الشيخ محمد مهدي: الحب الإلهي في أدعية أهل البيت عليهم السلام، دار الغدير، 2001م، ط1.
26- الآصفي، محمد مهدي: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام، النجف الأشرف، مطبعة مجمع أهل البيت عليهم السلام النجف الأشرف، 2009م، ط1.
403
369
المصادر والمراجع
27- البجنوردي، السيد محمد حسن: القواعد الفقهية، محمد حسين الدرايتي ومهدي المهريزي (تحقيق)، بيروت، دار الهادي، 1419هـ، ط1.
28- البحراني، السيد هاشم: البرهان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 2006م، ط1.
29- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم: صحيح البخاري، قم، دار الفكر للطباعة والشر والتوزيع، 1981م، ط1.
30- البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، عبد المعطي قلعجي (تحقيق)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1985م، ط1.
31- الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، عبد الرحمن محمد عثمان (تحقيق)، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1983م، ط2.
32- الجوهري، إسماعيل بن حماد: الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، أحمد عبد الغفور العطار(تحقيق)، بيروت، دار العلم للملايين، 1987م، ط4.
33- الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله: المستدرك على الصحيحين، يوسف عبد الرحمن المرعشلي (إشراف)، بيروت، دار المعرفة، ط1.
34- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: أمل الآمل في علماء جبل عامل، السيد أحمد الحسيني (تحقيق)، بغداد، مكتبة الأندلس، 1362هـ.ش، ط1.
35- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، قم، مكتبة المفيد، 1964م، ط1.
404
370
المصادر والمراجع
36- الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة: تحف العقول عن آل الرَّسول صلى الله عليه وآله وسلم، علي أكبر الغفاري (تصحيح وتعليق)، قم، مؤسَّسة النَّـشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ط2، 1404 هـ، ط2.
37- العاملي، الشيخ الحرّ: هداية الأمّة إلى أحكام الأئمة عليه السلام، قسم الحديث في مجمع البحوث الإسلامية (تحقيق)، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، 1412هـ، ط1.
38- الحلي، ابن فهد: عدة الدَّاعي ونجاح السَّاعي، أحمد الموحدي القمي (تحقيق وتعليق)، قم، مكتة الواجدي، ط1.
39- الحميري، أبو العباس عبد الله بن جعفر: قرب الإسناد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1413هـ، ط1.
40- الحيدري، السيد كمال: الدُّعاء إشراقاته ومعطياته، النجف الأشرف، مؤسسة الامام الجواد عليه السلام للفكر والثقافة، 2011م، ط1.
41- الحيدري، السيد كمال: الشَّفاعة، النجف الأشرف، مؤسسة الامام الجواد عليه السلام للفكر والثقافة، 2011م، ط1.
42- الخميني، الإمام السيد روح الله: الآداب المعنوية للصلاة، السيد أحمد الفهري (تعريب وشرح وتعليق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي،1986هـ، ط2.
43- الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي: المناقب، الشيخ مالك المحمودي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411هـ، ط2.
44- الخوئي، أبو القاسم: معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، 1992م، ط5.
405
371
المصادر والمراجع
45- الرازي، فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين: التفسير الكبير، بيروت، دار الفكر، 1981م، ط1.
46- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن، قم، دفتر نشر الكتاب، 1404 هـ، ط2.
47- الراوندي، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله: الدعوات، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (تحقيق)، قم، أمير، ط1.
48- الراوندي، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، السيد عبد اللطيف الكوهكمري (تحقيق) ـ قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1406هـ، ط1.
49- الريشهري، محمدي: ميزان الحكمة، قم، دار الحديث، 1416هـ، ط2.
50- الزيدي، محب الدين أبي الفيض محمد مرتضى الحسيني: تاج العروس من جواهر القاموس، علي شيري (تحقيق)، بيروت، دار الفكر، 1994م، ط1.
51- السُّبحاني، الشَّيخ جعفر: التوسُّل، بيروت، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، 2006م، ط1.
52- السبحاني، الشيخ جعفر: التوحيد والشرك في القرآن، بيروت، دار الولاء، 2004م، ط1.
53- السبحاني، الشيخ جعفر: في ظلال التوحيد، معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحج، 1412هـ، ط1.
54- الشاهرودي، الشيخ علي النمازي: مستدرك سفينة البحار، الشيخ حسن بن علي النمازي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1418هـ، ط1.
406
372
المصادر والمراجع
55- الشريف المرتضى، أبو القاسم علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين: الأمالي، السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي (تصحيح وتعليق)، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1403هـ، ط2.
56- الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي الجزيني: كتاب المزار، قم، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، 1410هـ، ط1.
57- الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي: غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، رضا المختاري (تحقيق) ـ قم، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، 1414هـ، ط1.
58- الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي: الزبدة الفقهية في شرح اللمعة الدمشقية، محمد كلانتر(تحقيق)، النجف الأشرف، منشورات جامعة النجف الدينية، 1398هـ، ط2.
59- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي: الدراية، مكتبة آية الله العظمة المرعشي النجفي، ط1.
60- الشهيد الثاني، زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي: مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث(تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1407هـ، ط1.
61- الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1981م، ط1.
62- الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم: الأمثال في كتاب الله المنزل، بيروت، دار الأميرة، 2006م، ط1.
63- الصدر، السيد مهدي: أخلاق أهل البيت عليهم السلام، قم، دار الكتاب الإسلامي، ط1.
64- الصدوق، أبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: معاني الأخبار، علي
407
373
المصادر والمراجع
أكبر الغفاري (تصحيح)، قم، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1379هـ، ط1.
65- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: التوحيد، السيد هاشم الحسيني الطهراني (تحقيق)، قم، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ط1.
66- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: عيون أخبار الرضا، الشيخ حسين الأعلمي (تحقيق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1984م، ط1.
67- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: الأمالي، قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة، قم، مؤسسة البعثة، 1417هـ، ط1.
68- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان (تقديم)، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368هـ.ش، ط2.
69- الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي الحسين بن بابويه القمي: كمال الدين وتمام النعمة، علي أكبر الغفاري (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، 1405م، ط1.
70- الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: علل الشرائع، النجف، المكتبة الحيدرية، 1966م، ط1.
71- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: الخصال، علي أكبر الغفاري(تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1403هـ، ط2.
408
374
المصادر والمراجع
72- الصدوق، محمد بن علي بن حسين بن بابويه: الهداية، مؤسسة الإمام المهادي عليه السلام (تحقيق)، قم، اعتماد، 1418 هـ، ط1.
73- الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ط2.
74- الطبرسي، الفضل بن الحسن: مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1995 م، ط1.
75- الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن: تفسير جوامع الجوامع، مؤسسة النشر الإسلامي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة، 1418هـ، ط1.
76- الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: الاحتجاج، السيد محمد باقر الخرسان (تعليق)، النجف الأشرف، دار النعمان للطباعة والنشر، 1966م، ط1.
77- الطبرسي، رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، 1972م، ط6.
78- الطريحي، فخر الدين: تفسير غريب القرآن، محمد كاظم الطريحي (تحقيق)، قم، انتشارات زاهدي، ط1.
79- الطهراني، آقا بزرك: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، 1983م، ط3.
80- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي: المبسوط في فقه الإمامية، السيد محمد تقي الكشفي (تصحيح وتعليق)، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387هـ، ط1.
409
375
المصادر والمراجع
81- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: الأمالي، قسم الدراسات الإسلامية- مؤسسة البعثة (تحقيق)، قم، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، 1414 هـ، ط1.
82- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: الغيبة، الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح (تحقيق)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1411هـ، ط1.
83- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: الفهرست، الشيخ جواد القيومي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417هـ، ط1.
84- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد، السيد حسن الموسوي الخرسان (تعليق)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390هـ، ط3.
85- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: مصباح المتهجّد، بيروت، مؤسسة فقه الشيعة، 1991م، ط1.
86- الطوسي، محمد بن الحسن: مصباح المتهجّد، ط1، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1991م، ط1.
87- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 هـ، ط2.
88- العسكري، أبو هلال: الفروق اللغوية، مؤسسة النشر الإسلامي (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1412هـ، ط1.
89- العقائد الإسلامية، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية(إعداد)، قم، مهر، 1419 هـ، ط1.
410
376
المصادر والمراجع
90- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر: تذكرة الفقهاء، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414هـ، ط1.
91- العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر: مناهج اليقين، محمد رضا الأنصاري (تحقيق)، 1416هـ، ط1.
92- العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر: تحرير الأحكام، الشيخ جعفر السبحاني (إشراف)، الشيخ إبراهيم البهادري (تحقيق)، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1420هـ، ط1.
93- العلامة الحلي، جمال الدين الحسن بن يوسف: الألفين، الكويت، مكتبة الألفين، 1985م، ط1.
94- العياشي، محمد بن مسعود بن عياش: التفسير، السيد هاشم الرسولي المحلاتي (تحقيق وتعليق)، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1380هـ، ط1.
95- الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد: العين، مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي (تحقيق)، قم، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ، ط1.
96- الفضلي، عبد الهادي: أصول الحديث، بيروت، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، 1421هـ، ط3.
97- الفيروزآبادي، مرتضى الحسيني: فضائل الخمسة من الصحاح الستة، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1973م، ط3.
98- الفيض الكاشاني، محمد بن المرتضى المولى محسن: المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، علي أكبر الغفاري (تحقيق وتعليق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة، ط2.
99- القاضي النعمان، أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون
411
377
المصادر والمراجع
التميمي المغربي: دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام، آصف بن علي أضغر فيضي(تحقيق)، القاهرة، دار المعارف، 1963م، ط2.
100- القمي، الشيخ عباس: الكنى والألقاب، محمد هادي الأميني (تقديم)، طهران، مكتبة الصدر، ط1.
101- القمي، الشيخ عباس: مفاتيح الجنان، السيد محمد رضا النوري النجفي (تعريب)، قم، مكتبة العزيزي، 2006م، ط3.
102- القمي، علي بن ابراهيم: تفسير القمي، السيد طيب الموسوي الجزائري (تصحيح وتعليق)، قم، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، 1404هـ، ط3.
103- الكاشاني، مؤيد الدين إبراهيم بن المحسن: الصحيفة المهدية، قم المقدسة، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ط1.
104- الكفعمي، إبراهيم: البلد الأمين والدرع الحصين، علي أكبر الغفاري (تحقيق)، طهران، مكتبة الصدوق، 1387هـ، ط1.
105- الكفعمي، إبراهيم: المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية)، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1983م، ط3.
106- الكلبيكاني، الشيخ لطف الله الصافي: دعاء الندبة شبهات وردود، بيروت، دار العصمة، 2010م، ط1.
107- الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي، علي أكبر الغفاري (تصحيح وتعليق)، طهران، دار الكتب الإسلامية, 1363 ه.ش، ط4.
108- المازندراني، محمد صالح: شرح أصول الكافي، الميرزا أبو الحسن الشعراني (تحقيق)، السيد علي عاشور(ضبط وتصحيح)، بيروت، دار إحياء
412
378
المصادر والمراجع
التراث العربي، 2000م، ط1.
109- المجلسي، محمد باقر: زاد المعاد، علاء الدين الأعلمي (تحقيق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2002م، ط1.
110- المجلسي، محمد باقر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، السيد مرتضى العسكري (تقديم)، السيد هاشم الرسولي (تصحيح)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1404هـ، ط2.
111- المحلسي، محمد باقر: ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، السيد مهدي الرجائي (تحقيق)، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1406هـ، ط1.
112- المحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد: زبدة البيان في أحكام القرآن، محمد الباقر البهبودي (تحقيق)، المكتبة المرتضوية (نشر)، ط1.
113- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ط2.
114- المشهدي، محمد بن جعفر: المزار، جواد القيومي الأصفهاني (تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419هـ، ط1.
115- المصطفوي، حسن: التحقيق في كلمات القرآن الكريم، طهران، مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي، 1417 هـ، ط1.
116- المعتزلي، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربي، 1959م، ط1.
117- المفيد، أبو عبد الله محمد بن النعمان: الاختصاص، علي أكبر الغفاري والسيد محمود الزرندي (تحقيق)، بيروت، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1993م، ط2.
413
379
المصادر والمراجع
118- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: أوائل المقالات، بيروت، دار المفيد، 1993م، ط2.
119- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المزار، السيد محمد باقر الأبطحي (تحقيق)، بيروت، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1993م، ط2.
120- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: الأمالي، علي أكبر الغفاري(تحقيق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، دار المفيد للطابعة والنشر والتوزيع (ناشر، بيروت)، 1993م، ط2.
121- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المسائل العكبرية، علي أكبر الإلهي الخراساني (تحقيق)، بيروت، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1993م، ط2.
122- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المقنعة، مؤسسة النشر الإسلامي(تحقيق)، قم، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1410هـ، ط2.
123- المقداد السيوري، جمال الدين المقداد بن عبد الله: كنز العرفان في فقه القرآن، الشيخ محمد باقر شريف زاده (تعليق)، محمد باقر البهبودي (تصحيح)، طهران، المكتبة المرتضوية، 1384هـ، ط1.
124- الملكي التبريزي، ميرزا جواد آغا: المراقبات (أعمال السنة)، السيد عبد الكريم محمد الموسوي (تحقيق)، قم، مؤسسة دار الاعتصام للطباعة والنشر والتحقيق، 1416هـ، ط1.
125- الموسوي، السيد ياسين: سند دعاء الندبة، بيروت، دار البهجة، ط1.
126- الميرزا النوري، ميرزا حسين: مستدرك الوسائل، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (تحقيق)، بيروت، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1987م، ط1.
414
380
المصادر والمراجع
127- النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي: أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1416هـ، ط5.
128- النعماني، أبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن جععفر: الغيبة، فارس حسون كريم (تحقيق)، قم، مهر، 1422 هـ، ط1.
129- النيسابوري، محمد بن الفتّال: روضة الواعظين، تقديم محمد مهدي الخرسان، مجلس في الزهد والتقوى، قم المقدّسة، منشورات الشريف الرضي.
130- الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر: مجمع الزوائد، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988م، ط1.
131- آملي، الشيخ عبد الله جوادي: أسرار الصَّلاة، بيروت، دار الصفوة، 2009م، ط1.
132- جعفر بن محمد بن قولويه: كامل الزيارات، الشيخ جواد القيومي (تحقيق)، قم، مؤسسة نشر الفقاهة، 1417هـ، ط1.
133- شبر، السيد عبد الله: الأنوار اللامعة في شرح الزِّيارة الجامعة، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ط1.
134- عبد الحميد، صائب: الزِّيارة والتوسل، قم، مركز الرسالة، 1421هـ، ط1.
135- عبد المنعم، محمود عبد الرحمن: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، القاهرة، دار الفضيلة، ط1.
136- كاشف الغطاء، محمد حسين: الفردوس الأعلى، السيد محمد علي القاضي الطباطبائي (تعليق)، قم، فيروز آبادي، 1982م، ط3.
137- مظاهري، الشيخ حسين: الفضائل والرذائل، دار الصفوة (تعريب)، بيروت، دار الصفوة، 1994م، ط1.
415
381
المصادر والمراجع
138- مغنية، الشيخ محمد جواد: في ظلال نهج البلاغة، قم، ستار، 1427هـ، ط1.
139- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة (المنسوب للإمام جعفر الصادق عليه السلام)، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1980م، ط1.
140- مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، قم، الصحيفة السجادية الجامعة، 1418هـ.
141- صحيفة الإمام الخميني قدس سره، النسخة الإلكترونية الرسمية.
142- حديث ولايت، الإمام الخامنئي (فارسي).
416
382
الفهرس
الفهرس
15 |
المقدمة |
19 |
الفصل الأول: الأبعاد العقائدية والتربوية للدعاء والزيارة |
21 |
الدرس الأول: الدّعاء في القرآن الكريم |
22 |
أوّلاً: معنى الدُّعاء |
22 |
1- الدُّعاء في اللغة |
23 |
2- الدُّعاء في الاصطلاح |
24 |
ثانياً: الدُّعاء في الرّؤية القرآنية |
28 |
ثالثاً: الدُّعاء في حركة الأنبياء عليهم السلام |
30 |
1- آدم عليه السلام وحواء عليها السلام |
33 |
2- دعاء النبي إبراهيم عليه السلام |
35 |
الدعاء، طلب عون الخالق في العمل والبناء |
35 |
الدرس الثاني: الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام |
36 |
تمهيد |
36 |
معالم الدُّعاء عند أهل البيت عليهم السلام |
36 |
1- الدُّعاء ضرورة |
37 |
2- الدُّعاء والمعرفة |
39 |
3- الدُّعاء يقوِّي المعرفة |
39 |
4- الدُّعاء والعبادة |
40 |
5- الدُّعاء أقوى من القدر |
42 |
6- الدُّعاء لسان الفقر ونفي الأنا |
44 |
7- الدعوة والاستجابة |
49 |
الدرس الثالث: خصوصيّة الدُّعاء المأثور |
50 |
أولاً: ما هو الدُّعاء المأثور؟ |
51 |
ثانياً: لماذا التأكيد على الدُّعاء المأثور؟ |
52 |
ثالثاً: قواعد أساسيّة في الدُّعاء المأثور |
56 |
رابعاً: شموليّة الدُّعاء المأثور |
57 |
خامساً: الذنب والتوبة في الدُّعاء المأثور |
5
383
الفهرس
63 |
الدرس الرابع: الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء |
64 |
مدخل |
64 |
1- الشَّفاعة لغةً واصطلاحاً |
65 |
2- العناصر المكوّنة لمفهوم الشَّفاعة |
67 |
3- الدَّور التوحيدي للشَّفاعة |
68 |
4- أنواع الشَّفاعة |
70 |
5- على من تجري الشَّفاعة؟ |
71 |
6- الشفعاء |
72 |
7- التوسُّل والشَّفاعة |
72 |
8- الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء |
77 |
الدرس الخامس: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها) |
78 |
الصَّلاة بوابة العبودية للّه تعالى |
80 |
أولاً: فضل القنوتُ في الصَّلاة |
82 |
ثانياً: فضلُ التعقيبات |
83 |
1- من آثار التَّعقيب |
84 |
2- أهمّ التعقيبات |
85 |
3- من أسرار التعقيبات |
87 |
4- من سنن التَّعقيب |
91 |
الدرس السادس: الدُّعاء لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف |
92 |
معنى الانتظار للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف |
94 |
حقيقة الدُّعاء بتعجيل الفرج |
95 |
فوائد الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف |
95 |
1- تأكيد المعرفة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف |
95 |
2- إظهار المحبة الباطنية |
95 |
3- استجابة الدُّعاء تنجي من الفتن |
96 |
4- استحقاق دعاء الإمام له بالنصرة |
96 |
5- تعجيل الفرج |
97 |
6- الأمن من العقوبات الأخروية |
97 |
7- نيل الحظوة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم |
98 |
نماذج من أدعية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف |
6
384
الفهرس
103 |
الدّرس السابع: الزِّيارة من شعائر الله |
104 |
تمهيد |
104 |
أولاً: معنى الزِّيارة |
105 |
ثانياً: الأدلّة على مشروعيّة الزِّيارة |
105 |
1- أصل الحياة بعد الموت |
106 |
2- الزِّيارة وعلاقتها بالتَّوحيد |
106 |
3- الأدلّة على مشروعيّة الزِّيارة من القرآن الكريم |
109 |
4- الأدلّة على المشروعيّة من السنّة الشريفة |
110 |
ثالثاً: الزيارات المخصوصة |
112 |
رابعاً: أنواع الزِّيارة |
113 |
خامساً: فوائد الزِّيارة |
119 |
الدرس الثامن: فضل الزِّيارة وآدابها |
120 |
أوّلاً: أهمّية زيارة آل البيت عليهم السلام |
122 |
ثانياً: فضل زيارة أهل البيت عليهم السلام |
122 |
1- فضل زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم |
122 |
2- فضل زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام |
123 |
3- فضل زيارة الإمام الحسن بن علي عليه السلام |
123 |
4- فضل زيارة الإمام الحسين بن علي عليه السلام |
123 |
5- فضل زيارة أئمة البقيع عليهم السلام |
124 |
6- فضل زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام |
124 |
7- فضل زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام |
124 |
8- فضل زيارة الأئمة عليهم السلام أجمعين |
125 |
9- فضل زيارة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام |
125 |
ثالثاً: من أحكام الزِّيارة |
125 |
رابعاً: آداب الزِّيارة |
127 |
فضل زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام |
133 |
الدرس التاسع: الزِّيارة عن قرب وعن بعد |
134 |
أولاً: الآثار الدنيوية والأخروية لزيارة آل البيت عليهم السلام |
134 |
1- من الآثار الدّنيوية |
135 |
2- من الآثار الأخروية |
136 |
ثانياً: زيارات الأئمة عليهم السلام من قرب |
138 |
ثالثاً: مشروعية الزِّيارة من بعد وكيفيتها |
141 |
رابعاً: الزِّيارة التطوّعية |
7
385
الفهرس
145 |
الفصل الثاني: آداب الدعاء, والزيارة وشروطهما |
147 |
الدرس العاشر: آداب الدعاء -1 |
148 |
تمهيد |
148 |
آداب الدعاء |
148 |
1- الطهارة |
150 |
2- الصَّلاة |
150 |
3- البسملة |
151 |
4- الثناء على الله تعالى |
152 |
5- الدُّعاء بالأسماء الحسنى |
153 |
6- الصَّلاة على النبيّ وآله عليهم السلام |
154 |
7- التوسّل بمحمد وأهل بيته عليهم السلام |
155 |
8- المسألة وتسمية الحوائج |
156 |
9- التختّم بالعقيق والفيروزج |
156 |
10- الاجتماع في الدُّعاء |
159 |
الدرس الحادي عشر: آداب الدعاء -2 |
160 |
آداب الدعاء: القسم الثاني |
160 |
1- التوجّه إلى القبلة |
161 |
2- البكاء والتباكي |
163 |
3- العموم في الدُّعاء |
164 |
4- التضرّع ومدّ اليدين |
164 |
5- رفع اليدين بالدعاء |
165 |
6- الإسرار بالدعاء |
166 |
7- التريُّث بالدُعاء |
167 |
8- تكرار الدُّعاء |
167 |
الآداب المتأخّرة عن الدُّعاء |
171 |
الدرس الثاني عشر: آداب الدعاء (3) الآداب المعنوية |
172 |
أولاً: الدُّعاء بوابة مفتوحة |
173 |
ثانياً: الآداب المعنوية للدعاء |
173 |
1- حسن الظنّ بالله تعالى |
174 |
2- العمل بما تقتضيه المعرفة |
8
386
الفهرس
174 |
3- الإقرار بالذنوب |
175 |
4- الإقبال على الله تعالى |
177 |
5- ترقيق القلب والخشوع |
183 |
الدرس الثالث عشر: آداب الدعاء (4) الآداب المعنوية |
184 |
الآداب المعنوية للدعاء: القسم الثاني |
185 |
1- عدم القنوط |
185 |
2- الإلحاح بالدعاء |
186 |
3- التقدُم في الدُّعاء |
187 |
4- التّقديم في الدُّعاء قبل الحاجة |
187 |
5- أن يكون عالي الهمّة فيما يطلب |
188 |
6- الاضطرار إلى الله تعالى |
193 |
الدرس الرابع عشر: شروط قبول الدُّعاء وموانعه |
194 |
تمهيد |
195 |
أوّلاً: شروط قبول الدُّعاء |
195 |
1- أن يكون عن معرفة بالله |
196 |
2- أن تكون دعوةً حقَّةً |
197 |
3- شرطية النيّة الصادقة والقلب المخلص |
197 |
4- شرط طيبُ الكسب |
198 |
5- حضور القلب |
198 |
6- التلازم بين الدُّعاء والأمر بالمعروف |
199 |
7- العمل بالمواثيق الإلهيّة |
200 |
8- أن يكون التوجّه إلى الحقّ غير ملتبسٍ بأمورٍ وهمية |
201 |
9- أن لا يدعو بعد تحتُّم القضاء |
205 |
الدرس الخامس عشر: صور ووسائل استجابة الدُّعاء |
206 |
أولاً: صور الاستجابة |
207 |
ثانياً: الدُّعاء المستجاب |
207 |
1- دعاء الوالد لولده |
209 |
2- دعاء المظلوم |
210 |
3- دعاء المؤمن لأخيه المؤمن |
212 |
ثالثاً: الدعوات التي لا تُستجاب |
213 |
1- الدعوة بما لا يكون |
9
387
الفهرس
214 |
2- الدعوة لمظْلَمة وقعت عليه قد أوقع مثلها على غيره |
214 |
3- الدعوة بقطع رحم |
214 |
4- الدعوة المجرّدة من العمل |
217 |
الدرس السادس عشر: أمكنة وأزمنة استجابة الدُّعاء |
218 |
تمهيد |
218 |
أولاً: أزمنةٌ يستجاب فيها الدُّعاء |
218 |
1- جوف الليل |
219 |
2- زوال الشّمس |
219 |
3- بين الطلوعين |
220 |
4- قبل طلوع الشمس وقبل الغروب |
220 |
5- العشاء الآخرة |
220 |
6- بعد الصلوات المكتوبة |
221 |
7- يوم الجمعة |
221 |
8- الدعاء وقت السّحر |
221 |
9- التوسّل بالأئمّة عليهم السلام في أوقات النهار |
222 |
10- عند سماع الأذان |
223 |
11- الدُّعاء بين الأذان والإقامة |
223 |
12- شهر رمضان |
224 |
ثانياً: أمكنة يستجاب فيها الدُّعاء |
229 |
الدرس السابع عشر: آثار الدعاء |
230 |
أولاً: الآثار العاجلة |
230 |
1- الدُّعاء وقضاء الحاجات |
231 |
2- الدُّعاء شفاءٌ من الدَّاء |
232 |
3- الدُّعاء ادّخار وذخيرة |
232 |
4- الدُّعاء يهذِّبُ النفس |
233 |
5- الدُّعاء سلاح المؤمن |
234 |
ثانياً: الآثار الآجلة |
235 |
الدُّعاء يردُّ القضاء ويدفع البلاء |
236 |
1- الدُّعاء والقضاء والقدر |
238 |
2- علمه تعالى |
238 |
3- أمّ الكتاب ولوح المحو والإثبات |
10
388
الفهرس
243 |
الفصل الثالث: مدرسة أهل البيت عليهم السلام في الدعاء والزيارة |
245 |
الدرس الثامن عشر: الميزان في انتخاب الأدعية |
246 |
تمهيد |
246 |
أولاً: الميزان في اختيار الدُّعاء المأثور |
248 |
ثانياً: ما هو الميزان في قراءة الأدعية؟ |
249 |
ثالثاً: تطبيقات على أدعية وزيارات |
255 |
الدرس التاسع عشر: من أدعية أهل البيت عليهم السلام - الصحيفة السجّادية |
256 |
ما هي الصحيفة السجاديّة |
257 |
أولاً: في سند الصحيفة |
258 |
1- الصحيفة السجادية الثانية |
258 |
2- الصحيفة السجادية الثالثة |
258 |
3- الصحيفة السجادية الرابعة والخامسة والسادسة |
261 |
ثانياً: مضامين الصحيفة السجادية |
261 |
1- معرفة الله وتوحيده |
262 |
2- العدل الإلهي |
262 |
3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام |
265 |
الدرس العشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام دعاء كميل بن زياد رضوان الله عليه |
266 |
أولاً: نسبة الدُّعاء وفضله |
268 |
ثانياً: فضل هذا الدُّعاء |
269 |
ثالثاً: شرح بعض فقر الدُّعاء |
269 |
1- قوله عليه السلام: الّلهم إنِّي أسألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كلّ شَيْءٍ |
270 |
2- أنواع الذّنوب |
273 |
3- قوله عليه السلام: أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك |
274 |
4- الفقرة الخاتمة من الدُّعاء |
275 |
أ- رفع اليدين إلى الله تعالى |
276 |
ب- ذكر الله تعالى وطاعته دواء وشفاء وغنى |
277 |
ج- سلاح الدَّاعي البكاء |
281 |
الدرس الواحد والعشرون: من أدعية أهل البيت عليهم السلام المناجاة الشعبانيّة |
282 |
المناجاة الشّعبانية |
283 |
قبسٌ من أسرار المناجاة |
283 |
1- الكمال هدفُ الدُّعاء |
11
389
الفهرس
284 |
2- المناجاة الشعبانية، مصدر معرفي هامٍ |
284 |
3- بعثة الأنبياء عليهم السلام، تجلٍ للمعنويات وتحرّر الإنسان من العبودية |
285 |
4- التأكيد على مرجعية القرآن الكريم المعرفية |
286 |
5- ضرورة إزاحة كلّ الحجب |
287 |
6- التأدّب بإظهار الفقر |
288 |
7- الأمل بالله تعالى |
290 |
الفصل الثالث: مدرسة أهل البيت في الدعاء والزيارة |
291 |
الدرس الثاني والعشرون: دعاء الندبة |
292 |
تمهيد |
293 |
أولاً: دراسة السند طبق قواعد علم الرجال |
293 |
1- من هو المشهدي؟ |
294 |
2- وثاقة المشهدي |
294 |
3- وثاقة محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري |
295 |
4- وثاقة محمد بن علي بن قرّة |
295 |
5- نقل ابن أبي قرة من كتاب البزوفري |
295 |
الخلاصة |
296 |
ثانياً: إثبات صحّة الدُّعاء بطرق أخرى |
299 |
الدرس الثالث والعشرون: قبسٌ من أسرار دعاء الندبة |
300 |
تمهيد |
300 |
شرح فقر من دعاء الندبة |
315 |
الدرس الرابع والعشرون: حبّ اللّه تعالى في أدعية أهل البيت عليهم السلام |
316 |
أولاً: الحبّ وعبادة اللّه تعالى |
317 |
ثانياً: الحب إيمانٌ |
317 |
ثالثاً: لذة العبادة |
319 |
رابعاً: الحب والعمل |
320 |
خامساً: درجات الحب وأطواره |
322 |
سادساً: الشوق للّه تعالى في مناجاة المريدين |
325 |
سابعاً: واردات القلوب ورواشحها |
331 |
الدرس الخامس والعشرون: زيارة عاشوراء |
332 |
تمهيد |
333 |
أولاً: فضل الزِّيارة |
334 |
ثانياً: شرح مختصر لفقرات من الزِّيارة |
12
390
الفهرس
343 |
الفصل الرابع: كتب الأدعية والزيارات المعتبرة |
345 |
الدرس السادس والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -1 |
346 |
تمهيد |
346 |
أولاً: ميزات كتب الأدعية المعتبرة |
348 |
ثانياً: نماذج من كتب الأدعية والزيارات -1 |
355 |
الدرس السابع والعشرون: الكتب المعتبرة في الأدعية والزيارات -2 |
356 |
نماذج من كتب الأدعية والزيارات المعتبرة -2 |
356 |
كامل الزيارات لابن قولويه رحمه الله |
357 |
فضائل الأشهر الثلاث للشيخ الصدوق رحمه الله |
357 |
كتاب المزار للشيخ المفيد رحمه الله |
358 |
سلوة الحزين أو الدعوات للقطب الراوندي رحمه الله |
359 |
كتاب المزار للشهيد الأول رحمه الله |
360 |
عدة الدَّاعي لابن فهد الحلي رحمه الله |
363 |
الفصل الخامس: المناسبات الدينية وموارد الأدعية والزيارات |
365 |
الدرس الثامن والعشرون: الأدعية الخاصّة |
366 |
تمهيد |
367 |
الأدعية الخاصة |
367 |
1- أدعية الرزق |
368 |
2- أدعية الخوف |
369 |
3- أدعية الكرب والشدة |
369 |
4- أدعية الخروج من الغم |
369 |
5- أدعية جامعة لقضاء حوائج الدنيا والآخرة |
370 |
6- أدعية التوبة |
371 |
7- أدعية طلب الحج |
372 |
8- دعاء الأمن من اللص |
372 |
9- دعاء لتقوية الذاكرة والحفظ |
373 |
10- دعاء عام لأوجاع الجسد |
373 |
11- الدُّعاء قبل النوم |
373 |
12- الدُّعاء بعد العطس |
374 |
13- الدُّعاء عند الغضب |
374 |
14- الدُّعاء للأبوين |
13
391
الفهرس
374 |
15- الدُّعاء للولد |
375 |
16- الدُّعاء عند ختم القرآن |
375 |
17- الدُّعاء عند الوضوء |
375 |
18- الدُّعاء قبل الصَّلاة |
376 |
19- الدُّعاء لقضاء الدين |
376 |
20- دعاء للدنيا والآخرة |
379 |
الدّرس التاسع والعشرون: الأدعية العامة |
380 |
الأدعية في الابتلاءات العامة |
380 |
1- الدُّعاء بالثبات على الهداية |
381 |
2- دعوات جامعة في القرآن الكريم |
381 |
3- الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف |
382 |
4- الدُّعاء لأصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف |
383 |
5- الدُّعاء عند لقاء العدو |
384 |
6- الدُّعاء بالنصر |
384 |
7- الدُّعاء في زمن الشبهات |
384 |
8- الدُّعاء على العدو |
384 |
9- الدُّعاء قبل البلاء |
385 |
10- الدُّعاء لأتباع الرسل ومصدّقيهم بالغيب |
385 |
11- الدُّعاء على الظالمين |
385 |
12- الدُّعاء عند الاستسقاء |
386 |
13- الدُّعاء للجيران |
386 |
14- الدُّعاء لأهل الثغور |
389 |
الدّرس الثلاثون: أدعية المناسبات الدِّينية والشَّعائر |
390 |
أولاً: ولادة المعصومين عليهم السلام ووفياتهم |
393 |
ثانياً: الأدعية في أيام الشعائر الدينية |
393 |
1- يوم دحو الأرض - الخامس والعشرون من ذي القعدة |
394 |
2- يوم عرفة - التاسع من ذي الحجة |
395 |
3- يوم الغدير - الثامن عشر من ذي الحجة |
395 |
4- يوم المبعث النبوي - السابع والعشرون من رجب |
396 |
5- ليلة ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - ليلة الخامس عشر من شعبان |
401 |
المصادر والمراجع |
14